إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

لغة الخيانة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لغة الخيانة


    لغة الخيانة....!!!

    بقلم ها جين

    ها جين كاتب صيني أميركي ولد في الصين وهاجر إلى الولايات المتحدة عام 1984، وبدأ يكتب الروايات باللغة الإنجليزية. كتب خمس روايات من بينها رواية "حياة حرة" (2007)، "الانتظار"(1999)، التي فازت بجائزة الكتاب القومية، و"نفايات الحرب" (2005) التي فازت بجائزة بن/فوكنر.
    اختير هذا المقتطف من "لغة الخيانة" في كتاب "الكاتب المهاجر" (2008)، وهو مجموعة من محاضرات كامبل التي ألقاها ها جين في جامعة رايس في هيوستون، تكساس.
    عكس معنى كلمة "خيانة" هو "الوفاء" أو "الولاء." يشعر الكاتب المهاجر بانزعاج من هذه الكلمات كما يشعر بالذنب بسبب غيابه الجسدي عن وطنه الأم، والذي ينظر إليه تقليديا بعض مواطنيه على أنه "تخلّ عن الوطن." ولكن، الخيانة العظمى هي أن تختار الكتابة بلغة أخرى. مهما حاول الكاتب أن يسوّغ ويبرر تبنيه لغة أجنبية، فإن عمله يعتبر خيانة تبعده عن لغته ألام، وتوجه طاقته الإبداعية إلى لغة أخرى. هذه الخيانة اللغوية هي الخطوة النهائية التي يجرؤ الكاتب المهاجر على اتخاذها. بعد هذه الخطوة، يعتبر أي عمل آخر من الانفصال بمثابة شيء تافه.
    تاريخيا، كان الفرد دائما هو الذي يُتهم بخيانة وطنه، فلماذا لا نقلب الأمر رأساً على عقب فنتهم الدولة بأنها تخون الفرد؟ وفي أي حال، فإن معظم الدول ترتكب خيانات بشكل معتاد ضد مواطنيها. وأسوأ جريمة ترتكبها الدولة ضد الكاتب هي جعله غير قادر على الكتابة بصراحة وبنزاهة فنية.
    يظل الكاتب يكتب بلغته الأم، في بيئته الآمنة، طالما استطاع ذلك. عاش الكاتب الألماني دبليو جي سيبالد (W.G.Sebald)، في إنجلترا ودرّس فيها لمدة تزيد عن ثلاثة عقود وكان ملماً باللغتين الإنجليزية والفرنسية، ولكنه استمر يكتب دائما بلغته الأصلية. وعندما سئل لماذا لا يتحول إلى الكتابة باللغة الإنجليزية أجاب بأنه لا توجد ضرورة لذلك. إن تمكّنه من الرّد بمثل هذا الجواب لا بد وأن يعود إلى أن اللغة الألمانية لغة أوروبية رئيسية يمكن من خلالها ترجمة أعماله إلى لغات أوروبية أخرى دون صعوبة كبيرة. وبالمقابل، بدأ الكاتب الفرنسي التشيكي ميلان كنديرا (MilanKundera)، الكتابة باللغة الفرنسية عندما تخطى الستين من عمره. قد يعني مثل هذا الجهد البطولي أن أزمة ما دفعت الروائي إلى القيام بهذا التحول المتطرف. فإذا قارّنا الروايات الأخيرة التي كتبها كنديرا باللغة الفرنسية مع كتبه السابقة التي كتبها باللغة التشيكية، يمكننا أن نتبين أن النثر الأخير، بعد كتابه "الخلود"، كان أضعف بكثير. ومع ذلك، فقد كان تبنيه للغة الفرنسية مغامرة أدبية شجاعة تابعها بروح لا تلين. فتماماً كما اعتبر الراوي في روايته "الجهل" أن رجوع أوديسوس إلى إيثاكا، هو قبول "بانتهاء الحياة"، فإن كنديرا لا يستطيع أن يتراجع ويستمر في سرد ملحمته. ويفسر ذلك أيضا لماذا أشار إلى فرنسا على أنها "وطنه الثاني."
    لقد سئلت لماذا أكتب باللغة الإنجليزية. وكثيراً ما كنت أجيب، "للبقاء." يميل الناس إلى مساواة "البقاء" مع "سبل العيش"، ويطرون على دوافعي المتواضعة، والبالية أيضا. والواقع أن البقاء الجسدي هو جانب واحد فقط من الصورة، وهناك الجانب الآخر منها، أي الحاجة إلى الوجود، العيش حياة ذات معنى. وجود المرء يعني أيضا الاستفادة على أفضل وجه من حياته، والسعي وراء رؤيته.
    حقوق النشر 2008، مطبعة جامعة شيكاغو، كافة الحقوق محفوظة

  • #2
    لغة الخيانة


    لغة الخيانة....!!!

    بقلم ها جين

    ها جين كاتب صيني أميركي ولد في الصين وهاجر إلى الولايات المتحدة عام 1984، وبدأ يكتب الروايات باللغة الإنجليزية. كتب خمس روايات من بينها رواية "حياة حرة" (2007)، "الانتظار"(1999)، التي فازت بجائزة الكتاب القومية، و"نفايات الحرب" (2005) التي فازت بجائزة بن/فوكنر.
    اختير هذا المقتطف من "لغة الخيانة" في كتاب "الكاتب المهاجر" (2008)، وهو مجموعة من محاضرات كامبل التي ألقاها ها جين في جامعة رايس في هيوستون، تكساس.
    عكس معنى كلمة "خيانة" هو "الوفاء" أو "الولاء." يشعر الكاتب المهاجر بانزعاج من هذه الكلمات كما يشعر بالذنب بسبب غيابه الجسدي عن وطنه الأم، والذي ينظر إليه تقليديا بعض مواطنيه على أنه "تخلّ عن الوطن." ولكن، الخيانة العظمى هي أن تختار الكتابة بلغة أخرى. مهما حاول الكاتب أن يسوّغ ويبرر تبنيه لغة أجنبية، فإن عمله يعتبر خيانة تبعده عن لغته ألام، وتوجه طاقته الإبداعية إلى لغة أخرى. هذه الخيانة اللغوية هي الخطوة النهائية التي يجرؤ الكاتب المهاجر على اتخاذها. بعد هذه الخطوة، يعتبر أي عمل آخر من الانفصال بمثابة شيء تافه.
    تاريخيا، كان الفرد دائما هو الذي يُتهم بخيانة وطنه، فلماذا لا نقلب الأمر رأساً على عقب فنتهم الدولة بأنها تخون الفرد؟ وفي أي حال، فإن معظم الدول ترتكب خيانات بشكل معتاد ضد مواطنيها. وأسوأ جريمة ترتكبها الدولة ضد الكاتب هي جعله غير قادر على الكتابة بصراحة وبنزاهة فنية.
    يظل الكاتب يكتب بلغته الأم، في بيئته الآمنة، طالما استطاع ذلك. عاش الكاتب الألماني دبليو جي سيبالد (W.G.Sebald)، في إنجلترا ودرّس فيها لمدة تزيد عن ثلاثة عقود وكان ملماً باللغتين الإنجليزية والفرنسية، ولكنه استمر يكتب دائما بلغته الأصلية. وعندما سئل لماذا لا يتحول إلى الكتابة باللغة الإنجليزية أجاب بأنه لا توجد ضرورة لذلك. إن تمكّنه من الرّد بمثل هذا الجواب لا بد وأن يعود إلى أن اللغة الألمانية لغة أوروبية رئيسية يمكن من خلالها ترجمة أعماله إلى لغات أوروبية أخرى دون صعوبة كبيرة. وبالمقابل، بدأ الكاتب الفرنسي التشيكي ميلان كنديرا (MilanKundera)، الكتابة باللغة الفرنسية عندما تخطى الستين من عمره. قد يعني مثل هذا الجهد البطولي أن أزمة ما دفعت الروائي إلى القيام بهذا التحول المتطرف. فإذا قارّنا الروايات الأخيرة التي كتبها كنديرا باللغة الفرنسية مع كتبه السابقة التي كتبها باللغة التشيكية، يمكننا أن نتبين أن النثر الأخير، بعد كتابه "الخلود"، كان أضعف بكثير. ومع ذلك، فقد كان تبنيه للغة الفرنسية مغامرة أدبية شجاعة تابعها بروح لا تلين. فتماماً كما اعتبر الراوي في روايته "الجهل" أن رجوع أوديسوس إلى إيثاكا، هو قبول "بانتهاء الحياة"، فإن كنديرا لا يستطيع أن يتراجع ويستمر في سرد ملحمته. ويفسر ذلك أيضا لماذا أشار إلى فرنسا على أنها "وطنه الثاني."
    لقد سئلت لماذا أكتب باللغة الإنجليزية. وكثيراً ما كنت أجيب، "للبقاء." يميل الناس إلى مساواة "البقاء" مع "سبل العيش"، ويطرون على دوافعي المتواضعة، والبالية أيضا. والواقع أن البقاء الجسدي هو جانب واحد فقط من الصورة، وهناك الجانب الآخر منها، أي الحاجة إلى الوجود، العيش حياة ذات معنى. وجود المرء يعني أيضا الاستفادة على أفضل وجه من حياته، والسعي وراء رؤيته.
    حقوق النشر 2008، مطبعة جامعة شيكاغو، كافة الحقوق محفوظة

    تعليق

    يعمل...
    X