رد: من كتاب " أحكام القرآن للشافعي "
مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي الصِّيَامِ
قَرَأْتُ فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ } , ثُمَّ أَبَانَ أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ : شَهْرُ رَمَضَانَ ; بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } ; إلَى قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } . وَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : [ أَنَّهُ ] لَا يَجِبُ صَوْمٌ إلَّا صَوْمَ رَمَضَانَ وَكَانَ عِلْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِاللِّسَانِ أَنَّهُ الَّذِي بَيْنَ شَعْبَانَ وَشَوَّالٍ وَذَكَرَهُ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ بِمَعْنَاهُ وَزَادَ ; قَالَ : فَلَمَّا أَعْلَمَ اللَّهُ النَّاسَ أَنَّ , فَرْضَ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ : شَهْرُ رَمَضَانَ وَكَانَتْ الْأَعَاجِمُ : تَعُدُّ الشُّهُورَ بِالْأَيَّامِ , لَا بِالْأَهِلَّةِ وَتَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْحِسَابَ إذَا عُدَّتْ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ يَخْتَلِفُ . فَأَبَانَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْأَهِلَّةَ هِيَ : الْمَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ , وَذَكَرَ الشُّهُورَ , فَقَالَ : { إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشُّهُورَ لِلْأَهِلَّةِ إذْ جَعَلَهَا الْمَوَاقِيتَ لَا مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الْأَعَاجِمُ مِنْ الْعَدَدِ بِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ ثُمَّ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ذَلِكَ , عَلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) وَبَيَّنَ أَنَّ الشَّهْرَ : تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَعْنِي أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ يَكُونُونَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ ثَلَاثِينَ , فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لِلْأَهِلَّةِ . ( أَخْبَرَنَا ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنَا الْعَبَّاس أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) فِي فَرْضِ الصَّوْمِ : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } إلَى : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } فَبَيَّنَ فِي الْآيَةِ أَنَّهُ , فَرَضَ الصِّيَامَ عَلَيْهِمْ عِدَّةً وَجَعَلَ لَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا فِيهَا مَرْضَى وَمُسَافِرِينَ , وَيُحْصُوا حَتَّى يُكْمِلُوا الْعِدَّةَ . وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِمْ الْيُسْرَ . وَكَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنْ لَا يَجْعَلَ عَلَيْهِمْ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ مَرْضَى وَلَا مُسَافِرِينَ , وَيَجْعَلَ عَلَيْهِمْ عَدَدًا إذَا مَضَى السَّفَرُ وَالْمَرَضُ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ . ( وَيَحْتَمِلُ ) أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْفِطْرِ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ عَلَى الرُّخْصَةِ إنْ شَاءُوا ; لِئَلَّا يُحْرَجُوا إنْ فَعَلُوا وَكَانَ فَرْضُ الصَّوْمِ , وَالْأَمْرُ بِالْفِطْرِ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا أَنَّ كُلَّ آيَةٍ إنَّمَا أُنْزِلَتْ مُتَتَابِعَةً , لَا مُفَرَّقَةً . وَقَدْ تَنْزِلُ الْآيَتَانِ فِي السُّورَةِ مُفَرَّقَتَيْنِ , فَأَمَّا آيَةٌ فَلَا ; لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ : أَنَّهَا كَلَامٌ وَاحِدٌ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ , [ يَسْتَأْنِفُ بَعْدَهُ غَيْرُهُ ] . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ مَعْنَى قَطْعِ الْكَلَامِ فَإِذَا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِي شَهْرِ رَمَضَانَ : وَفَرْضُ شَهْرِ رَمَضَانَ إنَّمَا أُنْزِلَ فِي الْآيَةِ عِلْمنَا أَنَّ الْآيَةَ بِفِطْرِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ رُخْصَةٌ . قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رَحِمَهُ اللَّهُ ) : فَمَنْ أَفْطَرَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ عُذْرٍ : قَضَاهُنَّ مُتَفَرِّقَاتٍ , أَوْ مُجْتَمَعَاتٍ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وَلَمْ يَذْكُرْهُنَّ مُتَتَابِعَاتٍ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ , قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ } , فَقِيلَ : { يُطِيقُونَهُ } كَانُوا يُطِيقُونَهُ , ثُمَّ عَجَزُوا , فَعَلَيْهِمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ : طَعَامُ مِسْكِينٍ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ ( وَذَلِكَ بِالْإِجَازَةِ . ) قَالَ : ( وَالْحَالُ الَّتِي يَتْرُكُ بِهَا الْكَبِيرُ الصَّوْمَ ) : أَنْ يُجْهِدَهُ الْجَهْدَ غَيْرَ الْمُحْتَمَلِ . وَكَذَلِكَ : الْمَرِيضُ وَالْحَامِلُ : [ إنْ زَادَ مَرَضُ الْمَرِيضِ زِيَادَةً بَيِّنَةً : أَفْطَرَ , وَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةً مُحْتَمَلَةً لَمْ يُفْطِرْ . وَالْحَامِلُ ] إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا : [ أَفْطَرَتْ ] وَكَذَلِكَ الْمُرْضِعُ : إذَا أَضَرَّ بِلَبَنِهَا الْإِضْرَارَ الْبَيِّنَ , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ . وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ ( [ رِوَايَةُ ] الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْهُ ) : سَمِعْتُ مِنْ أَصْحَابِنَا , مَنْ نَقَلُوا إذَا سُئِلَ [ عَنْ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ] : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } فَكَأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ إذَا لَمْ يُطِقْ الصَّوْمَ الْفِدْيَةُ .
تعليق