إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حدث ابو هريرة قال /محمود المسعدي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حدث ابو هريرة قال /محمود المسعدي

    * تمهيد :
    طرح حول رواية "حدث أبو هريرة قال..." لمحمود المسعدي في الدورة الرئيسية لسنة 2001 موضوع حول مسألة
    "تجذير" الكاتب الأثر فنيا في "التراث" و"تطّلعه" من حيث المضمون إلى التعبير عن "شواغل الإنسان المعاصر". وقد تجّلى أثناء
    تحليله أن أهم شواغل الإنسان المعاصر (خاصة في الفترة التي أّلفت فيها الرواية) هو عمله على "ملء كيانه" وتحقيق ذاته وهو
    ما يقتضيه أن يخوض تجارب في مسيرة وجودية كأداء.
    ويمكن أن تطرح مواضيع متعددة حول هذه المسيرة وحول إحدى التجارب من ذلك مثلا الموضوع الثالث في دورة
    المراقبة لسنة 2001 المتمثل في تحليل نص مأخوذ من حديث العدد حول تجربة الجماعة والفعل.
    ومن ذلك أيضا الموضوع الذي طرح في هذه الدورة والمتعّلق بمسيرة البطل وأهم مراحل التجربة الوجودية وإن كان
    المدخل إليها هو "الشخصيات".
    فهم الموضوع : -i
    بني نص الموضوع – كما جرت به العادة – من معطى ومطلوب.
    -1 المعطى :
    - محور الموضوع هو "الشخصيات" في رواية حدث أبو هريرة قال ... وقد وردت العبارة في صيغة الجمع ودون
    تحديد بعدد أو صفة.
    - أخرج من هذه الشخصيات "البطل" ليكون طرفا مستقلا.
    - حصر وضع الشخصيات في كونها "مح ّ طات" في مسيرة البطل.
    - لكلمة "مح ّ طة" مفهومان أحدهما يتناسب مع هذا الموضوع والآخر لا يتناسب.
    أ- المناسب هو اعتبار المح ّ طة مكانا ينقطع فيه الرحيل مؤّقتا ليلتقي البطل بشخصية ويقوم معها بتجربة من تجاربه
    (مرحلة اّتصال) ثم يكتشف عدم قناعته أو اقتناعه بالتجربة فينفصل عن الشخصية ويأخذ عصا الترحال ويغادر "تلك
    المح ّ طة" إلى "محطة أخرى"...
    ب-غير المناسب هو اعتبار المحطة مكانا للاستراحة بين تجربتين إذ أن الشخصيات "أدوات" لتجارب البطل وليس للراحة
    بين التجارب.
    - ير ّ كز المعطى إلى جانب دور الشخصيات على "مسيرة البطل" ويحدد الدافع ("هاجس الرحيل") والغاية ("امتلاء
    الكيان").
    - الربط بين تجارب البطل والمح ّ طات يحدد المح ّ طات الرئيسية في ثلاث (مح ّ طة لكلّ تجربة) وبذلك يحدد أيضا عدد
    "الشخصيات" المعنية في هذا القول (رغم أن الصيغة في البداية كانت مطلقة) ويمكن حصرها في "ريحانة" و"الجماعة"
    و"ظلمة" وقد نضيف "أبا رغال"
    -2 المطلوب :
    - تحليل القول وبيان كيف أن الشخصيات كانت مح ّ طات في مسيرة البطل.
    - بيان مدى صحة القول وفتح باب النقاش سواء لحصر وضع الشخصيات في "مح ّ طات" ونفي أي دور آخر لها أو
    للغفلة عن أهمية شخصيات أخرى في الرواية لم تكن "مح ّ طات" في مسيرة أبي هريرة...
    - دعم كلّ من التحليل والنقاش بشواهد دقيقة من الأثر والشواهد تكون "قولية" (عبارات منقولة عن نص الرواية) ويمكن
    أن تكون أيضا إشارات إلى جزئيات في الرواية (بعبارات صاحب التحرير)
    جوهر الموضوع : -
    - ينبغي أن يتكون من قسمين كبيرين : قسم لتحليل القول وقسم للنقاش ويحسن أن يتوج بقسم ثالث للتأليف.
    - لا يشترط التساوي كما بين القسمين الكبيرين ولئن كان "المعطى" قد يوحي بأن قسم النقاش أهم وذلك لحصر دور
    الشخصيات في مح ّ طات وجعلها تابعة كّليا للبطل وحرمانها تبعا لذلك من أن تكون – في حد ذاتها – رموزا لأفكار
    أخرى... فإن "المطلوب" يرجح أن يكون قسم التحليل الأهم وذلك بدعوته إلى تحليل القول ثم دعوته إلى بيان "مدى"
    الصحة (التي قد لا يشك فيها).
    -1 تحليل القول :
    22
    أ- الشخصيات محطّات في مسيرة البطل ويكون التحليل ببيان ما جذب البطل إلى كلّ شخصية ليقف عندها (علاقة
    الاّتصال) ثم ما نّفره منها (بعد التجربة) ودفعه إلى الرحيل عنها (علاقة الانفصال).
    ويمكن أن نختار من الشخصيات حسب التجارب الكبرى "ريحانة" للحس والجسد و"الجماعة" للفعل والعدد و"ظلمة"
    للروح والغيبيات وقد نضيف "أبا رغال" للحكمة والنهاية.
    * أبو هريرة وريحانة (تجربة الحس)
    • دواعي التوّقف عند مح ّ طة ريحانة (مواطن الاّتصال)
    • كلاهما تحرر من القيود وأقبل على الحس ( حديث التعارف في الخمر)
    • كلاهما انخرط في لذائذ الدنيا وانفتح على جمال الوجود (حديث القيامة)
    • أبو هريرة هيئ بحديث البعث الأول لخوض تجربة الحس وريحانة مهيأة بطبيعة وضعها (جارية جميلة...)
    ودورها ("ثم أقبلت على شبان الحي... فكانت تعاشر الواحد مّنا ثم تهجره إلى غيره..."/"فإذا هي والله
    ريحانتنا تغّني وتلقي إلى الناس...")
    • دواعي تجاوز مح ّ طة ريحانة (مواطن الانفصال)
    • اكتفاء ريحانة بالحس وشعورها بامتلاء كيانها بذلك ("وأكلُته فأكلني وأفنيته وأفناني ثم قال : أو هذا الأبد؟
    قلت نعم وبلا قدم قال : هيهات")
    • قصورها عن مجاراة أبي هريرة في جهاده ("فلما تغير أبو هريرة ورأيته يتجمع أصبح مستحيلا علي
    واختلفنا")
    • تحول ريحانة إلى قيد آسر وإلى رمز للجمود ("دعيني يا هاته فقد كدت أن تع ّ طلي عّني سبيلي")
    • كره أبي هريرة للاستقرار ("وكان شديد الكره للنزول يرتاد ولا ينزل ويقتله الطمع ويحييه اليأس ويخاف أن
    يستقر الجهد وينقطع الشوق").
    ⇐ النتيجة :
    • الانفصال عن ريحانة (رمز الحس) ("وجاءني يوما فقال : إّني راحل عنك... قلت : وما الراحل بك؟ قال
    كره البيوت... ولو اكتنفتني فاكتفي ُ ت بك إّني إذن لجبان")
    • صعوبة الانفصال : حديث الوضع أيضا ("لقد وضعت من الناس كثيرا وغلبت نفسي عن كثير من متاع
    الآخرة والدنيا فلم يكن أشد من وضعي لريحانة وضعتها كما تضع الحامل المعسر ولو بقيت معها يوما بعده
    لطرحتها طرحا لاعناء فيه. ثم قال : فأنا منها إلى اليوم أعجز الناس عن الحب").
    *أبو هريرة والجماعة (تجربة الفعل)
    • دواعي الّتوقف عند محطة الجماعة (مواطن الاّتصال)
    • توق أبي هريرة إلى معرفة بواطن الناس ("تقت والله أن أش ّ ق منهم فأنظر ما في أمخاخهم وقلوبهم
    وأحشائهم")
    • حاجة أبي هريرة إلى غيره هروبا من الوحدة ("وما أحوجك يا أبا هريرة إلى غيرك؟ فيقول لا أدري أو لعّله
    ضيق محبس الإنسان الفرد."/ "إّنه يا كهلان إذا كره المرء الحصر والقصر طلب كثرة اليم واشتاق العدد")
    • حاجة الجماعة إلى مدبر أمرهم ("وبقينا كبغل الطحان نحوم ولا ندري المصير") وإلى من يسوسهم ويهديهم
    طرق الفعل ("وقام يهدينا...وقلنا أنت سيدنا") ("فيقبلون عليه ر ّ كعا وسجودا"/"أدخلتهم وكثيرا منهم جّنات
    ووديانا فسجدوا لي")
    • دواعي تجاوز مرحلة الجماعة (مواطن الانفصال)
    • خيبة أمل أبي هريرة في الناس ("أو هكذا يزني الدهر بالأمل البكر؟ سر يا هذا فقد وقفت سبيلي... دعوني يا
    أوضع من وهاد، يا أضعف من عباد يا أحقر من بعوض يا بني الإنسان")
    • اكتشاف أبي هريرة لحقيقة البشر ("عشت في الناس ثلاثين فلم أر والله في واحدة منها إ ّ لا ذئبا ينهش ذئبا أو
    صاديا يشرب فيشتد صداه... وإذا هذا يفترش عرض ذاك وذاك مائل النظر إلى امرأة أخيه يجيل يده كلّ
    ليلة في متاع جاره وذويه... فهم في نميمة وخديعة وسرقات وغدر وجحود للنعمة وقّلة وفاء")
    • ثورة أبي هريرة على عجز الجماعة ("كذا أنتم والله لا تعرفون إ ّ لا الإسلام... تكتفون بالصدقات وتنامون
    والنعمة لا تدوم بالعطاء وما أهل لنعمة من كان رخا") وعلى عدم تحملهم للمسؤولية دونه ("قلت أغيروا ولا
    أقودكم فأغاروا فانهزموا... فصحت : دعوني أيتها الأجساد ليس لها روح غير ما سلبن من روحي")
    • إدراك أبي هريرة أن تجربته مع الجماعة لم تملأ كيانه ("ووجدت في الفعل كمثل سكرة الخمر وحسبته من
    العدد وخصب الكثرة" "هذه يا كهلان قصة الطالب الكثرة جئتهم فسألتهم روحا فإذا هم أفرغ
    23
    من نفخة إسرافيل وإذا أنا في وحشة القطرة من الندى تغّني على الغصن صباحا وها أنا على صداي".
    "وحسبت أن في العشرة سعة النفس واليمن والنعمة فما كان منه إ ّ لا خلاء الخيبة ووحشة الوحدة وارتدت إلي
    نفسي ضيقة حسيرة وضلّ عّني كياني...")
    ⇐ النتيجة : - الانفصال عن الجماعة ولكن بعد خيبة مرة وفي وضع أشد من انفصاله عن ريحانة
    ("ولم يزل أبو هريرة من ذلك العهد كالنافر من الناس. لم نر له قط بعدها عطفة فكأّنه مات في
    باطنه بعض ما يكون به الإنسان إنسانا أو عميت بصيرة. وكان ذلك أول انحداره إلى نحبه").
    *أبو هريرة وظلمة (تجربة الروح)
    دواعي الّتوقف عند مح ّ طة ظلمة (مواطن الاّتصال)
    • ظلمة مهيأة (مبدئيا) لخوض تجربة الروح إذ هي راهبة نشأت على النصرانية والسيطرة على نوازع
    الأنوثة ورغائب الجسد (تم ردت فترهبت ودخلت دير العذارى").
    • توق أبي هريرة إلى ارتياح المؤمن وطمأنينة النفس ("كنت يا ظلمة أرى المؤمن مرتاحا كاطمئنان الجمال
    تطوي المراحل طيا ولا نصب يبدو ولا شكوى ولا عصيان فأشتهي أن أكون مثله وأن أعضد هذه الحيرة
    من قلبي... فجئت هذا الدير وقلت : لعّلي أروض النفس على الإيمان").
    دواعي تجاوز مح ّ طة ظلمة (مواطن الانفصال)
    • ارتداد ظلمة إلى الجسد ("وقد ارتدت وفجرت فأمعنت في ذلك" "وكانت تقول فجوري من الطاعة والإذعان
    آمنت من يوم آمنت بالجسد وكفرت بالروح")
    • إغواء ظلمة لأبي هريرة وإرجاعه إلى "الحس" ("ثم بقينا أياما بمحرابي والدير يحسبنا نتعبد ونبتهل وإّنما كّنا
    في الشيطان وكان أبو هريرة يقول : الآن علمت أن اللذة لا تغلب")
    • إدراك أبي هريرة لحقيقة أهل الدير ولعجزهم عن الوصول إلى الإيمان الح ّ ق ("إّنهم خليط كسويقاء المرق.
    فيهم الهوائيون عبدة الخيالات أصحاب الأحلام... وفيهم الأرضي يلعن ربه أن ليس من طين مثله... وفيهم
    الأعرج الضعيف النفس... وفيهم صاحب الشرق يحن إلى ما يوسوس في صدره من ذكرى القدم وفيهم يا
    ظلمة الكفرة مثلك إيمانهم خدعة...")
    • اقتناع أبي هريرة بفشل تجربته ("وقد انتهى اليوم جهادي وعلمت أن الآلهة لا تقام إذا هوت")
    • يلاحظ أن أبا هريرة لم ينفصل – ظاهريا – عن ظلمة بانفصاله عن الدير إذ ختم "حديث الغيبة تطلب فلا
    تدرك" ب "فلم يقل شيئا وضمني إليه ثم هبطنا الأرض" لكن "حديث الشيطان" يؤ ّ كد أن أبا هريرة "كالماء
    يجري" وبقية الأحاديث تؤ ّ كد انفصاله عن ظلمة وربطه علاقة بأبي رغال (الناسك)
    * أبو هريرة وأبو رغال (تجربة الحكمة)
    - لئن اعتبرت عادة تجارب أبي هريرة ثلاثا الحسية مع ريحانة والروحية مع ظلمة وبينهما تجربة الفعل مع الجماعة
    فإّنه يمكن إضافة تجربة رابعة له مع "ذاته" التقى أثناءها "أبارغال" وقد وردت في الأحاديث الثلاثة الأخيرة (الحكمة –
    الجمود – البعث الآخر) وخاصة في "حديث الحكمة".
    - تر ّ كزت تجربة الحكمة على البحث عن "الذات المطلقة" ("لم يبق إ ّ لا أن أطلب ذاتي مطلقا وماهيتي وأعرض عن
    المحمول واللاحق والعارض... وألح علي داعي الأوساع إلحاحا واقتضاني الصفاء")
    - أخذ أبو هريرة "الحكمة" عن أبي رغال وتجربته مع الناس وبحثه عن ذاته ونجاحه في التجرد عن العوارض وفقدان
    الظلّ ("قلت : أكون أولا أكون. وكانت قبل حياتي قبيحة شوهاء لأّني لم أحذف زواياها ولم أهّذب الناتئ فيها ولم
    أنزع متناقضها. فجرت حّتى أفنيت الناس جميعا في نفسي وخلوت بها فخلقت لي سبيلا فأنا عليها ولا قافلة ولا رفيق
    فكأّني قد أضعت ظّلي واستحال علي ألم تر أّني لا ظلّ لي... فلما ضاع ظّلي جئت البحر وخلوت إلى الحكمة")
    - قوام هذه "الحكمة" السكون والغوص في الذات ("وقلت : الحكمة الاعتدال وقد تمت لي قال أبو هريرة فسألته : وما
    الاعتدال؟ قال اعتدال الحوت أو الموت يا أبا هريرة وإّنه ليس كالحركة الدائمة قاتل ولا كالسكون المحض سعادة
    وشفاء")
    - انفصل أبو هريرة عن أبي رغال إقرارا بصعوبة التجربة وبحثا عن الخلاص ("فلما خشيت على عقلي قلت لم يبق إ ّ لا
    أن أطلب النهاية... وانصرفت مظلم العقل والقلب").
    - الانفصال لم يكن قطيعة إذ سيتواصل بطريقة أخرى من خلال "هدية أبي رغال" ("وأردت الانصراف فقال : أحب أن
    تصبر حّتى أهديك شيئا ثم غاب في الجبل فجاءني بقلم وقرطاس وقال : قد تحتاج إليها يوما فتجعل عليها خطوطا
    ودوائر ونقطا في وسطها بياض") وهو ما تم فعلا في "حديث البعث الآخر".
    24
    ب- مسيرة البطل المسكون بهاجس الرحيل بحثا عن امتلاء الكيان
    ويكون التحليل ببيان دواعي الرحيل في مسيرة أبي هريرة عامة وغايته من هذه المسيرة.
    * دواعي الرحيل :
    - أبو هريرة في بداية الرواية (حديث البعث الأول) يصرح أّنه ليس مهيأ للرحيل ولكن يتوجس منه خيفة ("قلت : إّني
    أخاف أن يكون انصرافا ليس بعده عود ولست متهيئا للرحيل)". فالبذرة موجودة والأرض خصبة ولذلك كان البعث
    وكانت بداية المسيرة رغم محاولته "الإعراض عن الدعوة" ("فذهب ذلك بما تصّنعت من العزم وكان البعث").
    - كان أبو هريرة كما رأينا مع الشخصيات ينزل في المح ّ طات ولكن سرعان ما يستأنف الرحيل لدواع قد تختلف شكلا
    ولكّنها تتحد في عدم الرضا أو القناعة أو الاقتناع.
    - من دواعي ذلك القلق والحيرة إزاء قضايا الوجود
    - ومن أهم الدواعي رغبة "الإنسان" في الاضطلاع بالمسؤولية والاعتماد على قواه وقدراته وهو ما يدفعه إلى الخروج
    عن المألوف وترك السبل المسطورة.
    * الغاية من الرحيل ملء الكيان
    - حاول أبو هريرة أن يملأ كيانه في كلّ تجربة قام بها وذلك ب "الإفراط" والغوص إلى أعمق الأعماق.
    • ففي تجربة الحس نجد في حديث القيامة صورا غريبة لتمّتع أبي هريرة وريحانة وأصحابهما كّلها عنف
    وشدة فأين مشهد الرقص في "حديث البعث الأول" من مشهد الرقص في حديث القيامة حيث يصف أبو
    المدائن فيقول : "وكانتا ترقصان كألسنة النار فهما خارجتان منها عائدتان إليها أشد حمرة منها... وصاحت
    ريحانة فالتف ّ ت فإذا هي تتململ كمن أصابته حمى فيشدها أبو هريرة شدا ويقول اطفئيها وإ ّ لا أطفأتك...
    وتطاير الجواري كالشعل من ورائها وطفقن جميعا يرقصن والغناء معهن كأّنه دماء تسيل... ثم انصرف
    إليهن من الظلام فتيان... وعاود رقصهم عارض جنونه وهم أزواج فكأّنما ذهبت رعداتهم بأرواحهم وفقدوا
    الوصل فتفرقت من أجسادهم أعضاؤها ومضت سبيلها سكرى... وبينما هم كذلك إذ خيلت السماء وهب
    نفس من الريح شديد سجدت له النيران وكادت تطير الجواري ثم هزم الرعد هزيما رائعا وعصفت الرياح
    فانسابت ألسنة النيران على الأرض... فصاح الجواري والفتيان جميعا وصاحت ريحانة وقامت قيام النائمة
    لدغت وانحدرت إلى النار فوثب إليها أبو هريرة فأدركها وقد جاءت نارا وهمت أن تلقاها فحضنها عنها
    وقال :لأعلمّنك الصبر على النار. "وكانت نهاية مجلس اللهو هذا " وتهيج الكون حّتى كأّنه جهّنم الشياطين
    ولا نار وكانت ريحانة تقول : يا أبا هريرة ذهبت ناري وتبكي وكنت لا أعي فالمطر فالريح فأنا أملأ ما
    أكون".
    • وفي تجربة الفعل مع الجماعة كان أبو هريرة أيضا شديدا ("خرجت أريدهم على البناء وأن يتعاونوا ويطلبوا
    الشدة والبأس"... "ولم أزل بهم حّتى رأينا الجبل من حضر موت والسراة إلى طور سينا سارت وعلى
    رؤوسها السحب وسبيلها فلق البرق فاستدارت في السماء دويا وانشّقت وانفطرت فتطايرت قطعا كالرعد
    كأّنما تريد السماء أن تجعلها أشلاء. ورجت بنا الدنيا فإذا نحن كتائب وقد أزّفت بنا السيوف زّفا وفضنا
    أمواجا مرعدة على الأنجاد والأغوار وانتشرنا كالليل فوقعنا على الشام وأثرنا بتهامة نقعا وأصبنا اليمن
    وامتددنا إلى العروض وعثنا حّتى تركناها دماء وكدنا أن نطمس كلّ حي فلا نبقي ولا نذر") ثم يختم هذا
    المقطع بقوله "ووجدت في الفعل كمثل سكرة الخمر وحسبته من العدد وخصب الكثرة" فهو أيضا هنا أملأ ما
    يكون. بل سيقول ذلك صراحة حرب بن سليمان في حديث الحمل إثر هذه التجربة وقبل تجربة الروح
    "جاءت على أبي هريرة أيام كان يسأل : يا أبا هريرة حدث فلا يكون منه إ ّ لا أن يقول فكأن لكلامه ثقلا يعيي
    لقد ضاع عّني وعجز الكلام فهو يومئذ أملأ وأعظم وأبدع ما يرى وأجلّ. "فهو لا يسعى إلى ملء كيانه بما
    ينجزه من تجارب فقط بل وأيضا في فترات الخلوة والتأمل التي تكون له بين هذه التجارب.
    • وفي تجربة الروح مع ظلمة كان أبو هريرة ممعنا في التسآل ("فصاح لا تستغفري ولست بمستغفر أريد أن
    أعرف آنا خالق الله أم الله خالقي. ولأردت أن أمسكه عن كفره فأبي. "و"فيقول : ألا سبيل إلى تعليمي ما
    ينسي؟ ألا سبيل إلى غير المعقول؟ علميني الحمل والولادة وسر توارث الأرواح أو غّنيني وأريحيني. أليس
    فيكم من يحذق صنع الأصوات تحضر الآلهة وتكسر الزمان وتشيع المحدود...") وقد كان شديدا على نفسه
    ("ولما أصبحنا جئت الصلاة فإذا أبو هريرة قد ش ّ ق لحمه بظفره فهي على جسده كالخيوط الحمراء وصوفه
    مضرجة كجلد السليخة ثم اختفى عّنا وخلا بمحرابه فبقي به شهرين أو أكثر لا ينفذ إليه بصيص من
    نور...) وأبو هريرة يعترف أنه قدم الدير ليملأ كيانه ("كنت يا ظلمة أرى المؤمن مرتاحا كاطمئنان الجمال
    تطوي المراحل طيا ولا نصب يبدو ولا شكوى ولا عصيان فاشتهى أن أكون مثله وأن أعضد هذه الحيرة
    25
    من قلبي كما تعضد النخل العقيم وكنت ممن ذهب إيمانه فجاءت حيرته. وليس سواها خليفة الله في قلوب
    الناس. فجئت هذا الدير وقلت لعّلي أروض النفس على الإيمان"). ولكّنه رغم محاولاته وجهاده لم يلفح هذا
    المرة ولم يحس بملء الكيان فقال "وقد انتهى اليوم جهادي وعلمت أن الآلهة لا تقام إذا هوت".
    - وهكذا نرى أن أبا هريرة حاول كلّ مرة أن يملأ كيانه سواء أثناء قيامه بالتجارب أو إثر ذلك فهل تراه وّفق أخيرا إلى
    ذلك؟
    إّنه في نهاية البعث الآخر (وهو "بعث") وإثر سماعه الهاتف يهتف شعرا "في صوت ما سمع أروع منه" نجده يقول "هذا ما
    كنت أطلب" ويلبي نداء الهاتف قائلا "أيا ح ّ ق لبيك.
    تباركت لبيك
    أنا الآن إليك"
    ويطلق صيحة "كصيحة الفرح تملأ الوادي" ويقشعر لها جلد أبي المدائن رفيق أبي هريرة وخليفته في "ضيعته الأولى" التي
    كتبها له بعد أن اشترى "ضيعة أخرى". ف "رحم الله أبا هريرة. لقد كان أعظم من الحياة".
    -2 النقاش : بيان مدى صحة القول
    - يمكن أن ينظر خاصة في الجزء الأول من القول الذي يحصر دور الشخصيات في كونها مح ّ طات في مسيرة البطل
    أما الجزء الثاني الذي يعتبر أن مسيرة البطل غايتها البحث عن امتلاء الكيان فقد لا يحتاج إلى نقاش.
    - الربط بين التجارب والشخصيات ليس دقيقا إذ :
    • تعددت في الرواية الشخصيات التي لم تكن مح ّ طات لتجارب البطل.
    • فصديق أبي هريرة في "حديث البعث الأول" والفتى والفتاة شخصيات قادحة لمسيرة البطل ولا يمكن ربطها
    بإحدى تجاربه.
    • وأبو المدائن ("وكان من خاصة أبي هريرة") لم يكن أكبر رواة أحاديث الرواية فحسب وإّنما كان أيضا
    شخصية ساهمت في الأحداث في مختلف تجارب أبي هريرة ورافقت البطل إلى نهاية رحلته (ولعّلها ستكون
    خليفته) ومع ذلك لم تمّثل مح ّ طة في مسيرة البطل.
    • وكهلان روى الحديثين الهامين في تجربة الفعل وشارك في الأحداث فهو شخصية ولكّنه لم يكن ضمن
    الجماعة التي جرب معها البطل "فلم يكن مح ّ طة في مسيرته.
    * يمكن أ ّ لا نحصر دور كلّ من ريحانة والجماعة وظلمة وأبي رغال في "مح ّ طات في مسيرة البطل" وأن نجد لكلّ شخصية من
    هذه الشخصيات دلالات أخرى (اجتماعية وتاريخية وفلسفية).
    • ريحانة : المرأة العربية المسلمة باعتبارها وسيلة متعة وأداة لّذة وقصورها عن السمو إلى عالم الفكر
    وتجاوز المنزلة المعطاة.
    • الجماعة : المجتمعات العربية الإسلامية الخاضعة – في فترة تأليف الرواية (خاصة) – إلى الاستسلام
    والخنوع والخضوع للحاكم الأجنبي وقصورها عن تغيير أوضاعها بالاعتماد على طاقاتها الخاصة.
    • ظلمة : (وقد ذكر أبو هريرة ذلك) رمز لطائفة من المتدينين "المخادعين" الذين لم يتم ّ كنوا من التخّلص من
    الغرائز وتظاهروا بالتدين و"التقى" اله ّ ش الذي لا يصمد في وجه أول ما يبدو من مغريات حسية.
    • أبو رغال : قد يكون رمزا لبعض أئمة الصوفية الذين تم ّ كنوا من قهر القلب والعقل وتطليق الدنيا والعيش
    في عالم علوي وهم لا يزالون على الأرض.
    المقدّمة والخاتمةi
    -1 المقدمة :
    تبنى كالعادة من مدخل عام (نسبيا) ونص القولة (المعطى) وطرح للتساؤلات وإثارة للإشكاليات (اعتمادا على
    المطلوب).
    • يمكن أن يكون المدخل لهذا الموضوع الحديث الموجز عن دور "الشخصيات" في الرواية الحديثة (أو الرواية
    الذهنية) كما يمكن أن يكون بما له علاقة مباشرة بأدب المسعدي فيشار إلى اعتماده "الشخصيات" للتعبير عن
    أفكاره (في السد ومولد النسيان وأيام عمران) وقد يكون بماله علاقة برواية حدث أبو هريرة قال... ذاتها
    كأن يذ ّ كر بإيجاز بأن الرواية قامت على جملة من التجارب للبطل التقى فيها مجموعة من الشخصيات.
    • يتخّلص إلى ذكر ما ورد في المعطى "لم تكن الشخصيات... امتلاء الكيان"
    26
    • تطرح أسئلة (في خاتمة المقدمة) مستمدة من المطلوب مباشرة فيمكن أن تكون مثلا "فكيف نفهم هذا القول
    وما مدى صحته؟" أو "لنحّلل هذا القول ولنبين مدى صحته اعتمادا على نص الرواية"...
    -2 الخاتمة :
    وهي تجعل عادة لغلق الموضوع أو فتحه على موضوع آخر له به علاقة.
    * يمكن أن نختم بذكر أن "الشخصيات" في الأدب الذهّني يصعب حصر دورها في مجال دون آخر حّتى لو أراد
    لها المؤّلف ذلك ولذلك كانت الشخصيات في رواية حدث أبو هريرة قال ... مح ّ طات في مسيرة البطل الوجودية
    وكانت أيضا رموزا لأمور أخرى...
    * يمكن أن نختم أيضا بفتح هذا الموضوع على جوانب فنية أخرى في الرواية كانت رموزا لمسائل ذهنية
    متن وعة من ذلك مثلا أسماء الأعلام للشخصيات وللأماكن وللرواة
    وطني علمني ان حروف التاريخ مزورة حين تكون بدون دماء
    وطني علمني ان التاريخ البشري بدون حب عويل ونكاح في الصحراءhttp://www.wahitalibdaa.com/image.ph...ine=1272034613
يعمل...
X