إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

محمد فيصل شيخاني - ما علاقة التاريخ بالمثيولوجيا ؟! - فريد ظفور

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محمد فيصل شيخاني - ما علاقة التاريخ بالمثيولوجيا ؟! - فريد ظفور

    محمد فيصل شيخاني
    سيرتي في مجال التاريخ
    إعداد فريد ظفور
    علاقة التاريخ بالمثيولوجيا:
    كثير من المؤرخين يستعينون بالأساطير لمعرفة خفايا معركة أو ذكر حادثة تاريخية لم ترد في السجلات التاريخية. وقد أقر الأب عيسى أسعد استعانته بالمثيولوجية عندما تنعدم الوثيقة. ولابد لنا أحياناً أن نهتم بالواقعة أكثر من الوثيقة إذا وجدنا الوثيقة معدومة أو ناقصة أو مغايرة للواقع.
    وهذا ما لوحظ في وثائق وزارة الخارجية الفرنسية زمن نابليون إذا وجد أن سجلاً طافحاً بأسماء الضباط الذين نالوا الأوسمة في فتح لندن.. نعم هذا ما وجد ولكن الحقيقة أن معركة لندن لم تتم وبقيت ترفيعات الضباط سلف لتذكرنا بأن الوثائق ليست سليمة دوماً.
    وهذا يدعونا بالاعتماد أحياناً وعند الضرورة القصوى بالاستعانة بالميثولوجيات لإتمام فجوات التاريخ وربما نستعين بالتاريخ لإكمال الميثولوجيات. ولدي الآن كتاب ميثولوجيات على ضفاف العاصي استعنت لإتمامها بالحوادث التاريخية ولتكون لها النكهة السليمة في حدوث الواقعات.
    علاقة التاريخ بالفلسفة والقيم:
    نتحدث دوماً بأن لكل علم فائدة فالجغرافية تمدنا بمعلومات عن المكان والتنقل ومعرفة أحوال البشر والاقتصاد وعلم الفيزياء يمدنا بالمعرفة العلمية لقوانين الطبيعة ومثل ذلك بقية الفنون.
    فما هي فلسفة التاريخ وما الفائدة من دراسته؟ لا شك أن دراسة التاريخ تفيدنا في معرفة حوادث الماضي والوجود والحوادث الطارئة وتمدنا بالموعظة وفهم العلاقات الإنسانية وتفيدنا الفلسفة بأن أية أمة أو شعب مظلوم لابد له أن تنفرج عنه الغمة وأن الظالم لابد أن يبلى بأظلم وإن الله خلق الدنيا لكل البشر وليس لبعضهم وفلسفة التاريخ تبين لنا أن حوادث التاريخ تتشابه ولكنها لا تعاود نفسها لاختلاف الزمان والمكان والأحداث.
    وفلسفة التاريخ تجعلنا نحترم حضارتنا ونحترم حضارات الغير إلى أن هذه الحضارات كلها من عمل البشر في تنقلاتهم وأعمالهم وأفكارهم وأن الحضارة سلسلة لا تنتهي من أعمال الناس وتجعلنا نفخر بحضارتنا ومميزاتها في القيم والشجاعة والعمل الدؤوب وبالمناسبة تعلمنا الفلسفة التاريخية أن نبتعد عن الخصام الذي يضعفنا ويطمع الآخرين بنا.
    ولذلك نقول أن التاريخ علم ولكن له فنه الخاص وأدبياته المميزة وفلسفته الطافحة بالإنسانية والتاريخ يفسر أحياناً حتى الأمثال. فعندما نقول المثل: (الأرض البعلية لا قبلها ولا بعدها) يدلنا المثل أن يعود إلى عهود قبل المسيحية والإسلام عندما كان هناك إله المطر بعل.
    بلاد الشام أو سورية مع بلاد ما بين النهرين
    وصفت بلاد الشام بأنها أرض السحب والتلال والرياح والخصب، وأنها تنعش الجسد وتنقي البشرة وبخاصة أرض حمص التي تجمل الجسم وتنمي المدارك وماؤها نقي يرهف الحواس.
    امتازت بلاد الشام جغرافياً بغنى أرضها وخصبها ولطف تضاريسها ورقة هوائها وبكثرة مياهها ففيها أنهار العاصي والفرات والخابور وبردى وأنهار الساحل وبحيرات قادش( قطينة) وغيرها حتى باديتها المعروفة ببادية الشام كانت لطيفة وسهلة الاجتياز وغنية التربة.
    لا عجب بعد هذا أن في ساحة بلاد الشام ظهرت كل حضارات العالم القديم التي تمثلت بالشعوب العربية كالعموريين والكنعانيين والآراميين وظهرت فيها أو بجوانبها إمبراطوريات سومر والبابليين والآشوريين وبحكومات المدن: عند الآراميين والعموريين والكنعانيين في الساحل وكل جوانب هذه البلاد المباركة ومنها:
    ممالك ماري وقادش وحلب وحمص (إميسا) وصيدا وصور وتدمر ودمشق وحوران وإيبلا ومدن الساحل، وفيها نبتت أولى أبجديات العالم في رأس شمرة في أوغاريت ولا ننسى الألواح الفخارية في إيبلا وماري.
    التقت تلك الأبجديات والمراكز الحضارية مع سومر وأكاد وبابل وآشور وعلى أرضها ظهرت الديانات السماوية ومنها امتدت إلى جميع أنحاء العالم بارك الله هذه البلاد إذ قال الرسول (ص): اللهم بارك في شامنا ويمننا.
    وأضيف أن الحضارة الراقية امتدت بين الشام واليمن وما بينهما في الجزيرة العربية.
    ولابد لنا أن نذكر أن حضارات أخرى قامت في بلاد الشام فتحاً وغزواً مثل المكدونيين واليونانيين 336ق.م وقبله جاء الفراعنة المصريين، ثم الفرس والحثيين 268ق.م كما دخلت بعد ذلك في حكم الرومان ثم البيزنطيين إلى أن أتى العرب المسلمون محررين 636م وسكن بلاد الشام مع العرب الأكراد ثم التركمان والشركس والأرمن والداغستان والترك فأبانت عن تسامح مع الجميع ضمن الروح العربية المتسامحة فعاش الجميع في وئام ويكفيهم أنهم حاربوا الأعداء.
    ويكفي البلاد فخراً أن الحركات الإنسانية التجارية والثقافية والاجتماعية نمت فيها على مر العصور وتمت فيها عولمة أخوية استوعبت الجميع في ميدان التعامل الأخوي البناء حيث لا تعصب ولا طائفية ولا خصام إلا في القليل النادر.
    ويكفي سورية فخراً أن المد التجاري يتركز فيها ليصل تجارة البحر مع الأوربيين مع بلاد الشرق إلى الهند والصين. وظهرت فيها أو مرت بقربها دول وحضارات ودويلات تزيد على الثمانين ولكنها بقيت مذكورة في سجل الحضارات وبخاصة في تدمر زمن إمبراطوريتها زنوبيا وفي حمص زمن ملكاتها اللواتي حكمن العالم عن طريق وجودهن في روما.
    وسورية وبلاد الشام تفخر بأن فيها أعداد كبيرة من الصحابة الذين استشهدوا وطهروا ترابها بأجسادهم الطاهرة وبقيت أجسادهم وأرواحهم مظهر السؤدد والمجد في كل أنحاء سورية من خالد بن الوليد وولده عبد الرحمن وعياض بن غنم في حمص والصحابة في دمشق وحلب حتى بلاد الحرير.
    فسورية بلاد الحضارة والعمران والبطولات.
    رأيي في القيم والأعراف الأخلاقية:
    عندما أتابع الدراسة في جامعة دمشق عام 1966م وما بعد كان من برنامجنا الاطلاع على آراء المؤرخين بذكرهم تأسيس الحضارة مثل المؤرخ تونبي ونظريته في التحدي وبيير رونوفون ونظريته في المصالح الدولية، وغيرهم في أهمية التاريخ أو ذكر الحوادث التاريخية ونقدها وتاريخ الشعوب والحروب فألقيت النظر إلى بلادنا العربية وما لحقها من دمار عن طريق الخلاف بين الماضيين وصراعهم وضعفهم مما ألحق الضرر ببلادنا كمركز للأطماع الأجنبية التي تمثلت بالمغول وهولاكو ثم بالهجمة الفرنجية ثم كيف تتألف الدويلات ودخلت في صراع ثم وجود ووقوع المحن والتفرقة والضعف منذ العهد العثماني ثم في أطماع الاستعمار الأوروبي الحديث.
    وجدت أن تلك المحن لو وقعت على أية أمة غير الأمة العربية لانتهى الأمر بذكر أنها سادت ثم بادت. إذن لماذا لا تزال أمتنا العربية موجودة ولماذا قامت بعض الدول في أفريقيا وأوروبا وأمريكا مجدداً. وجدت من خلال دراساتي أن ثبات القيم هي التي أبقت علينا كياننا وأبقت علينا وجودنا ولكن القضية أنني إذا بحثت بالقيم أكون قد لجأت إلى الميتافيزيك كما يقال ولذلك أحجمت.
    وفي عام 1969م قرأت رأياً للمؤرخ الفرنسي بيرجرون قوله حين تسلم وسام الاستحقاق من الرئيس حافظ الأسد: (إن التاريخ العربي المجيد هو سلاحي للدفاع عن القضية العربية العادلة، وذكر أمثلة منها ما تم حين فتح صلاح الدين القدس ولم يقتل أحدا).
    بدأت بحث القيم بدراسة الأحوال التاريخية التي مرت بها بلدنا وأكدت على وجود القيم الحارسة لأحوال الناس والحاكم والوجود، وأتبعت ذلك بأمثلة عن العظام الذين ساروا وفق المنهج الأخلاقي القويم وأتيت بآراء رجال الكنيسة في القيم الأخلاقية وأتبعتها بآراء الاشتراكيين وخلصت بنتيجة أننا نحن والعالم إذا اتبعنا المسيرة التربوية الأخلاقية فسوف يسود العدل والإخاء.
    وأتيت على آراء الكتاب الكبار الذين سبقوا في هذا الميدان، وبالطبع أكدت على الآيات الكريمة التي تنهج المسلك القويم والأخلاق، وأكدت القيم الخيرة لدى الشعوب الأخرى كاليابان والصين وعند الكتاب الغربيين الكبار وعملت على أن تكون دراستي أكاديمية غير متحيزة.
    أثبت بأمثلة عن الشخصيات العربية التي سارت برعاية القيم مثل الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي أحب كل منصف عادل وأتيت على ذكر حوادث صلاح الدين الأخلاقية الجسام حتى نجاة جند الأعداء الذين سمح لهم بتناول الطعام من مطبخه لأن قيمه تكره أن ينزل الجوع بأحد ولو بأعدائه.
    أكدت على الربط بين استمرار الوجود الإنساني لقوم من الأقوام بإتباع المنهج الأخلاقي ولذلك اقترحت إتباع منهج تربوي أخلاقي في البلاد ضمن الحلقات الدراسية المتعددة بأسلوب يوافق الأعمار وأكدت على زيادة القيم والتربية النموذجية حتى في العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة وبين أفراد المجتمع.
    خلصت إلى نتيجة أن البشرية بجميع أشكالها وألوانها وأصقاعها تعيش سعيدة ضمن مبدئي الحق والعدل وأنها الوسيلة الوحيدة لإبقاء السلم والحق والعدل سائداً بين شعوب الأرض كافة جميعاً. وكان طبع هذا البحث عام 1980 وجاءني ما يثلج قلبي عندما طلبت جامعة الملك محمد الخامس في مراكش الموافقة على طبع البحث كما وجاءني ثناء من دول أخرى.
    وفي عام 1997 شكلت كتاباً بالقيم مع الأمثال الداعية للقيم والطريقة التربوية المتمثلة ببحث راغب الجمالي مع بحث جديد باسم نحن وهم ومستقبل الإنسانية.
    أكدت في البحث التربوي أهمية التربية الأخلاقية وأما الآن فقد تجمع لدي أكثر من 500 مثل تدعو للقيم بشكل عفوي تلقائي شعبي أن البحث الثالث فهو اقتراح علاقات دولية مستقبلية ضمن مبدئية الحق والعدل.
    لمحة موجزة عن حمص:
    مما لا شك فيه أن القلعة في حمص (التل) سابق للمدينة في توسعها ويعود ذلك إلى 2400ق.م وأن المدينة فقد تأخر وجودها حتى عام 100ق.م ودليل ذلك أن آثار المدينة رومانية بشكل قبور عليها النقوش الرومانية وليس المكدونية.
    ازدهرت حمص زمن أسرة شمس غرام العربية وكان لها سلطتان روحية وزمنية ومن ملوكها سحيم عزيز سليم وشمس غرام وكان يقال عن الإمبراطور الروماني بومبي أنه غني بمقدار غنى ملك حمص شمس غرام.
    نالت حمص مكانة سامية باعتبار ديانة معبد الجبل صارت الديانة الرسمية لروما بعدما ألغت السلطة الرومانية سلطة أسرة شمس غرام الزمنية وأبقت لها السلطة الروحية.
    وفي عام 187 تزوج الضابط الروماني سبتميوس سيفيروس من ابنة معبد الجبل الأميرة جوليا دومنا بعدما سمع نبوءة أن من سيتزوجها سيصبح ذا منصب عظيم وفعلاً فقد أصبح إمبراطوراً على روما من عام 192-211م وأعطى لزوجته لقب أوغسطا، ثم تولى عرش الإمبراطورية ولدهما كركلا حتى عام 217م ثم تولى عرش روما ولدي ابنتي أخت جوليا دومنا وهما ايلاكابال حتى 222 م ثم تولى عرش الإمبراطورية اسكندر سيفيروس حتى عام 235م.
    وما بين عامي 256-273 تولى عرش تدمر ابنه ثم زوجته زنوبيا التي مدت سلطتها من تدمر إلى أنقرة في الشمال وجوانب مصر فهرع إمبراطور روما أورليان واستطاع القضاء على إمبراطوريتها الوليدة.
    ودخلت حمص بعد ذلك في حومة الدولة البيزنطية بعد أن صارت المسيحية دين الدولة الرسمي زمن قسطنطين 360م وبقيت هكذا حتى تأخرت الدولة فاحتلت الدولة الفارسية البلاد ومنها حمص حتى قبيل 625 حتى قضى هرقل على نفوذها بعدما هدمت كثيراً من العمائر المسيحية.
    ومنذ عام 16هـ الموافق 638م حررها العرب المسلمون من سلطة بيزنطة بقيادة خالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح وقد استشهد في حمص حين فتحها في المرة الأخيرة حوالي 235 صحابياً أكثرهم من اليمن وقد تولى حمص عشرة من أمراء الجند حتى آخر واحد منهم وهو عبد الرحمن بن خالد عام 46هـ وكانت سلطته تمتد حتى مدينة سرت بتركيا حيث وجد نسل لخالد في هذه البلدة .
    ومن المؤكد وجود ضريح خالد بجانب ضريح ولده في مسجد جامع خالد الذي توفي عام 21هـ بعدما بلغت مساحة فتوحاته مليون وثمانمائة ألف كيلو متر مربع وكانت العلاقة جيدة دوماً بين العرب والسريان المقيمين والعرب المسلمين المحررين.
    دخلت حمص في خضم النزاع إلى أن علا شأنها زمن الأسرة الأسدية من حوالي 585هـ -664هـ بعد حكمها من شيروكو الأول ثم ولده ثم حفيده شيروكو الثاني الملك المجاهد الذي امتد حكمه حتى عام 637هـ ثم تلاه من بعده ولداه ثم دخلت حمص في حوزة المماليك البحرية ثم البرجية ويعود للظاهر بيبرس بناء جامع خالد بن الوليد عام 664هـ ودخلت حمص مع غيرها في حوزة الدولة العثمانية وكانت حمص تزدهر عندما كان يحكمها أحد أبناء المنطقة.
    دخلت حمص فترة في حوزة طرابلس ثم في حوزة حماة حتى بداية الحرب العالمية الأولى وكانت قائمقامية ثم حكمها متصرف حتى أصبحت محافظة في العهد الوطني.
    ولوقوع حمص عند نهر العاصي وبحيرة قادش ( قطينة) ولموقعها الاستراتيجية فقد نالت مرتبة عالية وتعتبر الثالثة في الأهمية وعدد السكان بين محافظات القطر بعد دمشق وحلب والأولى في المساحة.
    ازدهرت حمص بعد جلاء الفرنسيين في كل مجالات العمران الثقافية والتجارية والصناعية وبني فيها كثير من المؤسسات الاقتصادية كمعمل السكر ومصفاة النفط ومعمل السماد الآزوتي وجامعة البعث.
    ويهمنا أن نذكر أن ميثيولوجيات مهمة اكتشفتها في حمص خلال تعاملي مع الأمثال طيلة عشر سنوات.
    أطرف الحوادث التي جرت معي:
    أهم حادث طريف حدث عندما قمنا برحلة استطلاعية في أوروبة عام 1966 وعندما انتهت جولتنا في مدينة بودابيست ليلاً وكنت مع اثنين من زملائي ضاع علينا موقف الباص الذي سننتقل فيه إلى الجامعة التي تتحول صيفاً إلى بيت للشباب. عثرنا على شخص يعرف الإنكليزية ليدلنا على موقف الباص المطلوب وقد لاحت مني نظرة إلى قمر المنطقة فوجدته منيراً ساطعاً ولكن غيمة سوداء كبيرة كانت تلحقه كأنها تريد أن تبتلعه وقلت لزملائي أن أهل بودابيست يرمون ملء سطولهم من ضوء القمر على جدرانهم فتلتمع ضوءاً ولكني أخاف من هذه الغيمة أن تأكل القمر وكان الهنغاري يسمع الكلام دون أن يفقهه. لاحظت على عمود الكهرباء لوحة طلبت منه قراءتها وأجابنا بعد ذلك أنا آسف لأن آخر باص قد غادر منذ ربع ساعة قلنا نأخذ تكسي قال لا يوجد تكسي نحن بلد اشتراكي. خفنا ثلاثتنا إذ كان جواز السفر الجماعي في الباص الحمصي الذي يقف على باب الجامعة وهدايانا ودراهمنا وملابسنا في الباص ويجب أن تعاد في اليوم التالي الساعة السادسة صباحاً ولا يوجد ما يدل على جنسيتنا.
    قلت جملة بالإنكليزية لصديقنا الهنغاري فيها لفظة هذه الليلة جميلة فبدلاً من أن أقولها بالإنكليزية لفظتها باللاتينية وكنت عند ذاك في الصف الثاني في كلية التاريخ ولفظها خطأ بولسرا والصواب أن أقول بلكرا، فأمسكني من يدي قائلاً أخطأت فقلت نعم وصححتها وعرف مني أنني أدرس اللاتينية فقال (ذكرى) وتابع ذلك ذكرى فهو كان يدرس اللاتينية ليصبح قساً لكنه درس الهندسة وأصبح رئيس معمل وإكراماً لهذه الذكرى قرر أن ينقذنا.
    نقلنا إلى باص يعمل طوال الليل ليوصلنا من هناك إلى قرب الجامعة وهكذا كان خطأي في لفظ الكلمة مفتاحاً لإنقاذنا ولم يكتف بذلك بل أركبنا الباص على نفقته وهو يقول: ذكرى ذكرى..
    والحادثة الثانية عندما كنت رئيساً لاتحاد الجمعيات الاستهلاكية في حمص وجدت من الضروري فتح فرع في منطقة الثكنة للأخوة اللاجئين الفلسطينيين وعدّ هذا تسرعاً مني فأرسلت الوزارة مفتشاً للتحقيق.
    وعند المناقشة برهنت له ضرورة فتح هذا الفرع في ذلك الزمان للأخوة الفلسطينيين الذين يجب أن نقدم لهم كل مساعدة، وكنت أتكلم بحماس وصدق ويتحملني ذلك المفتش، وكلما بينت له شيئاً كانت ملامحه تنفرج بدل أن يقطب جبينه وأخيراً قال: هل تحب أخوانك الفلسطينيين كثيراً؟ قلت نعم وبلا حدود. فقال: أنا فلسطيني وقبلني واقتنع.
    الجمعيات والنقابات:
    في عام 1958 انتخبت في هيئة التعليم الابتدائي وكان هدفي العمل على إيصال خصائص الترفيع حسب المؤهل التربوي مع زملائي. وفيما بعد وجدت الفرصة سانحة وبحسب وجودي بين المعلمين وكلوني لأملك منزلاً فقد عملت لتأسيس أول جمعية سكنية في القطر وفي حمص بالذات باسم: جمعية الادخار والتسليف لبناء المساكن.
    ونلت مسكناً صغيراً بالتقسيط لكنه مفرح لي ولزملائي اللذين نالوا مساكن حسب أرقام عضويتهم وكانت تلك الجمعية القدوة الأولى للجمعيات السكنية في حمص واستفاد المواطنين من السكن فيها. وفي عمل تال ساعدني الزملاء في الهيئة بعمل بطاقة باسم وزارة التربية يستفيد منها المعلم والطالب بالركوب بسعر مخفض في الباص ودور السينما. وبهذه البطاقة اتفقنا مع عدة أطباء وعدة صيادلة بتخفيض المعاينة وسعر الدواء لمن يحمل هذه البطاقة وفيما بعد ساهمت مع زملائي في تأسيس جمعية استهلاكية خاصة بالمعلمين حوالي عام 1959 لم تلبث أن انضم أعضاء داخل أقدم جمعية استهلاكية (جمعية باب هود).
    وفي ما بعد ساهمت مع مدير التموين السابق المرحوم بدر الدين نوايا بتوحيد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية في جمعية واحدة، حول ذلك الجمعيات الخاسرة إلى رابحة بقيادة تضم حوالي خمسين جمعية في الأحياء والريف وقدمت الخدمات خلال عدة عقود من السنين.
    وفي عام 1987 وقع على عاتقي تأسيس جمعية استهلاكية ثانية للمعلمين فقط وهذه مقرها قرب الخدمات الفنية في الدبلان وقد قدمت تلك الجمعية للمعلمين وأسرهم المواد التموينية الاستهلاكية طيلة فترة طويلة.
    وإنني أشعر بالفخر والسعادة عندما أتذكر الجهد الكبير في إنشاء الجمعية وتزويدها بالسلع والسفر إلى دمشق وحلب لتأمين المواد وأشعر بالاغتباط بأن عدداً كبيراً من أبناء وطني استفاد من هذه الجمعية.
    وأشعر بفخر خاصة عندما حضرت مؤتمر المعلمين العرب الأول في 1960 ببيروت وينتج عن هذا المؤتمر مشروع الضمان الصحي الذي استفاد منه مئات الألوف من المواطنين ولا يزالون.
    وفي هذا المؤتمر الذي حضره من سورية كل المدن السورية ومن العراق ومصر والسودان والسعودية أن أحد اللبنانيين كان بتابع أعمال المؤتمر في لجانه الثلاث: اللجنة التربوية ومنها المرحوم جعفر سكاف ولجنة العلاقات العامة وفيها غالب شرفو، لجنة مطالب المعلمين وكنت أنا فيصل شيخاني .
    قال هذا اللبناني الظريف: لقد اشترك في مؤتمر المعلمين دول مصر والسودان والقطر السوري ولبنان ودولة حمص لأنه وجد في تلك اللجان حمص قال عنهم هذه المبالغة اللطيفة.
    حكمتي المفضلة ***
    1- كن ابن من شئت واكتسب أدب يغنيك محموده عن النسب
    2- صنت نفسي عما يدنس نفسي وترفعت عن جدا كل جبس
    3- إني وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل
    4- ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.
    وفي الأمثال: كون بدو يعمر
    إلهي مثل ما كفيتنا تكفي كل أممك.
    اللي بيعمل منيح بيلاقي منيح - ابنك وهو صغير ربيه وهو كبير خاويه وإذا عاداك لا تعاديه
    عملي كباحث ومؤرخ:
    إنني أجد متعة كبيرة في عملي وحبي للتاريخ وللذات وللتربية ولقصص الأطفال أتعب أتعب وأجد تحديات وعراقيل من أكثر الناس ولكنني بما أني ابتليت بحبي للكتابة وللتاريخ فإنني أصبر على كل الكائد من وحسد الحاسدين وتخريب المخربين وأصوات النباح والتخريب من البعض فاتحملهم إذ أنني لو لم أعمل فلم أكن أجد هذه التحديات وهذه المتاعب بسرقة فكري وعملي مني كنت على العموم ولو أخذ جملة من كاتب أو محاضر ذكرتها تماماً بأنني بحمص أول من طلب جامعة لحمص عام 1960 وأول من طلب تأسيس مدينة سياحية في حمص.
    يكون الأمر سهلاً فإن لا أجد المعاونة ولكن المعاناة تحدث عن يسفه الآخرون رأيك رغم تعبك وخسارتك في الأمور الكتابية التي أجاهد من أجلها.
    *** أجد امتعاضاً من الأهل لأنني بدل أن أصرف المال لأمور بيتية كثيرة بينه أصرف بعضه على شراء الكتب وطبع النوتات وتصوير الأماكن الأثرية وأعانني الله.


    عملي في متحف الآثار الإسلامية:
    لا أسمح لنفسي أن أدخل المتحف قبل أن أقرأ الفاتحة على مؤسسه الأول المرحوم الأستاذ رياض البدري. حيث وجدت ما كنت قد أهديته إياه موجوداً في المتحف والأستاذ البدري هو الذي أعطى للمتحف تلك المكانة المرموقة .
    صحيح أنني زدت المتحف غني في الآثار في الترتيب كله الفضل الأول له بدون شك.
    في هذا المتحف استقبلت وفوداً صديقة لأكثر من خمسين دولة عربية أو أوربية أو إسلامية أو من الأمريكيين سعدت دوماً في استقبال هؤلاء الكرام الذين يقدسون البطولة والشهادة ويتعرفون على معمارية جامع خالد وأعماله وآثاره.
    أعد كل زائر كصديق وأخ كريم وألقى الاحترام الممزوج بالمحبة من الجميع الذين يطمرونني بالشكر والثناء وأهم شيء المحبة وأشعر منهم كأننا فريق أخوي ثقافي عميق ومن الزوار رؤساء جمهورية أو وزراء أو رؤساء جامعة أو من السلك الدبلوماسي أو الجامعات أو من الأشخاص العاديين الذين يقدرون البطولة ويقدرون الثقافة.
    ومن الأمور الظريفة أنني استقبلت صديقاً من ال المعابد وهو يعمل كقاص في دمشق استفسر عن هذه الشمعدانات الموجودة بجانب محراب جامع خالد ومنبره فبدأنا بقراءة الإهداءات فيها الإهداء وإذا بأحد الشمعدانات مهدي من أحد وزراء الدولة من ال العابد وكان ذلك أمراً حلواً بالنسبة لي لأني سأذكر في زيارات أخرى للضيوف أن هذه الشمعدانات مهداة من ضيوف الدولة.
    في العام الماضي 2003 زار نائب وزير التربية المصري مع المسؤولة الثقافية وهي امرأة أدبية فاضلة وقفت عن بعد وتأملت الشكل المزخرف الذي يعلو منبر جامع خالد وقالت: إنه يشبه قلنسوة خالد! أليس كذلك.. وكانت الأولى التي انتبهت إلى هذه اللفتة فطلبت إليها أن تسجل اسمها وتوقيعها في سجل الزوار وقد فعلت.
    عندما زار أحد أمراء حكومة الإمارات وهو وزير الإعلام ذكرت له مساحة الأراضي التي حررها خالد بن الوليد، فطلب زيادة في الاهتمام إعادة ذكر المساحة، وترك الوفد المرافق له وصلى تحية المسجد وكان لبقاً ومهذباً. وفي نهاية الاستقبال في المتحف خرج مع الوفد المرافق مسرعاً ولكنه لم يلبث أن عاد ومعه محافظ حمص ووزير الإعلام السوري لشكري و توديعي.
    وأما الأمير سلطان بن سلمان السعودي فقد استفهم كالأمير الإماراتي عن المساحة المحررة ووجد صبية يقفون باحترام ومهابة أمامه فهدأ روعهم بمحادثتهم وقد أعجب بأحد الخطوط في المتحف فطلب إليَّ معرفة اسمه وقد قيل أنه شاهد آثار في حمص في متحف الزهراوي فقام بالتقاط صور للمتحف بنفسه.
    تلقيت كثيراً من أنواع الشكر اللفظي والكتابي من وفود كثيرة لكن أكرمها جاء على لسان رئيس وفد الضباط اللبنانيين: إذ دون ما يلي:
    على رأس وفد من ضباط الجيش اللبناني ومع عقيلاتهم .
    وأجمل ثناء لي جاء على لسان طفلة في الصف السادس عندما كانت برفقتهم أحد المذيعات تقدم لهم سؤالاً ليسألونني هم بدورهم فأجبت عليهم.
    كانت المذيعة ترجوني أن أقلل المعلومات للأطفال وكنت أجيبها يا سيدتي لقد درست علم النفس وهؤلاء الطالبات والطلاب يفهمون كل شيء.
    وفي نهاية اللقاء وبعدما غادر مصور التلفزيون العمل تقدمت مني الطالبة المذكورة قائلة: لماذا اخترت فرع التاريخ؟ ووجدت في سؤالها ثناء عاطراً. ورداً على المذيعة التي كانت تريدني أن أختصر.

    كتب للمؤلف : فيصل شيخاني


    1-قصص الأرنب ماهر 196.
    2-رسائل تعليم التاريخ ومن كتبي وأبحاثي من كتب فيصل شيخاني
    3-القيم والأعراف الأخلاقية في الحضارة العربية الإسلامية الجمعية التاريخية 1980
    4-أسواق حمص ـ في ندوة حمص عام1984 ـ وزارة الثقافة (أول بحث في القطر عن الأسواق).
    5-الأمثال الشامية في منظومها الحمصي 1991 ـ وزارة الثقافة بدمشق.
    6-** راغب الجمالي 1992 ـ دار طلاس بدمشق.
    7-حمص أم النسيم العليل 1993 ـ في الدليل التجاري لغرفة تجارة حمص.
    8-إعلام ومهمات من الشام حمص نموذجاً 1996 ـ قيد الطبع.
    9-حمص درة مدن الشام ـ بالاشتراك ـ دار الذاكرة حمص.
    10-القيم ومواضيع التربية ـ دار اليمامة حمص.
    11-خالد بن الوليد بطل ومسجد ـ دار البنان حمص.
    12-معالم وإعلام من حمص للشام ـ بالاشتراك ـ دار البنان حمص.
    13-القباب تزيد سقوف المساجد ـ مجلة البحث التاريخي العدد 6.
    أ‌-مقالات عديدة في مجلات وجرائد القطر العربي السوري في دوريات البلدان العربية الأخرى.
    ب‌-أكثر من 500 مقال عن الأمثال في جريدة العروبة وفي البعث وغيرها.
    ت‌-أبحاث في موايضيع أخرى في الترجمات لأدباء وباحثين.
    كتاب الأمثال الشامية في منظومها الحمصي:
    الطبعة الأولى في وزارة الثقافة دمشق.
    الطبعة الثانية في مطبعة اليمامة بحمص.
    مقالات عديدة للأمثال العامة وقصص الأمثال.
    مقالات عددها بعدد الأحرف الهجائية عن الكتابات في الأمثال.
    حول كتاب أعلام ومعلمات من الشام حمص نموذجاً:
    المدة بداية أولى منذ عام 1980 وبداية جدية منذ عام 1988 انتهت منذ عام 1996.
    -كلفني مدة طويلة حوالي (8) سنوات. وصرفت عليه حوالي 800000 ثمانمائة ألف ليرة.
    -سافرت وتنقلت في مختلف أنحاء مدينة حمص وفي أنحاء المدن السورية والعربية الأخرى.
    -ضم حوالي 2000 ألفي صورة ملونة و500 خريطة وصور سوداء ومؤرشفة.
    -الكتاب الوحيد الذي حكم من جامعتين جامعة البعث في حمص وجامعة أم القرى في مكة المكرمة.
    -قدمه سيادة رئيس مجلس الوزراء محمد ناجي عطري عندما كان محافظاً لحمص عام 1996.
    -قدمه رئيس مجلس مدينة حمص.
    -كتبت عنه مجلات عديدة وكتاب عديدين.
    -تبنته بالأصل منظمة العواصم والمدن الإسلامية بجدة ومجلس مدينة حمص.
    -بقي لدى المنظمة عدة سنوات فردته لي بعدما وافقت المنظمة في مؤتمراتها إلى طبعه وذلك لأن مجلس مدينة حمص تأخر عن تحديد اشتراكاته خلال ست سنوات فردته المنظمة إلي.
    -هو موجود منذ عام 2002 في وزارة الثقافة بانتظار طبعه.
    -قمت بتصوير كل صوره الملونة كما اشتريت بعضها كصور مؤرشفة.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


    محمد فيصل شيخاني - ما علاقة التاريخ بالمثيولوجيا ؟! - فريد ظفور
يعمل...
X