إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

للروائي صبحي فحماوي قراءة في رواية " حرمتان ومحرم "- بقلم : توفيق الشيخ حسين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • للروائي صبحي فحماوي قراءة في رواية " حرمتان ومحرم "- بقلم : توفيق الشيخ حسين

    قراءة في رواية " حرمتان ومحرم "

    للروائي صبحي فحماوي

    بقلم : توفيق الشيخ حسين

    تتناول الرواية الجوانب المهمة من حياة الفلسطينيين في المخيم .. هذا المكان الصغير في مساحته ..حيث تتآلف العائلات وتتحابب وتتعاون فيما بينها , تجدهم مثل الأخوة يأكلون من طبق واحد وينشرون غسيلهم على حبل واحد .. ويوقظون بعضهم بعضا في ليالي رمضان عندما يتسحرون معا ..
    حـّرمتان ومـَحْرَم *

    حصـار وغـربة

    توفيق الشيخ حسين



    حوار الشخصية يشكل العنصر الأكثر فعاليـّة وتأثيرا ً في استقامة العمل الروائي ويحقق تصورا ً متكاملا ً لظواهر الواقع تصورا ً يعتمد على التنوع في الرؤية والشمول في آفاق التفكير ومدى قربها وصلتها بالقراء .. والشخصية في الأدب تؤخذ من الواقع , فالروائي حين يخلق شخصياته من الواقع إنما يستعين بتجاربه التي عاشها أو عاناها أو لاحظها ...
    الروائي صبحي فحماوي لم يغفل أهمية هذا العنصر المهم في بناء روايته "حـّرمتان ومـَحْرَم " .. فقد أعتمد في رسم شخصيات الرواية على موقف الشخصية المتفرد .. حيث تدور حولهم حوادث الرواية .. وتتناول همومهم وإشكالاتهم .. ويعتبر المكان الركن الأساسي في الرواية لما له من أهمية في فهم الإطار العام للأحداث .. ويتأثر المكان بمن يقطنون فيه أو يستخدمونه ..


    تتناول الرواية الجوانب المهمة من حياة الفلسطينيين في المخيم .. هذا المكان الصغير في مساحته .. ذات عدة مداخل صغيرة لبيوت عائلات مستورة , تتصدرها بوابات ضيقة العرض صفيحية وخشبية متهرئة .. يدخل ويخرج منها أحيانا ً أشخاص بسيطون على باب الله , مصبوغون بانكفاء على الذات وتفكير في المجهول وحزن في العيون ولكنها عيون خدرة مترقبة ومفتوحة على الآخر في معسكر الحصار المحاصر كما في سائر بقاع الإقليم الفلسطيني ..

    لقد أستطاع الروائي صبحي فحماوي أن يعبر من خلال الرؤية الموضوعية عن مشاعر الناس .. حيث تتآلف العائلات وتتحابب وتتعاون فيما بينها , تجدهم مثل الأخوة يأكلون من طبق واحد .. وينشرون غسيلهم على حبل واحد .. ويوقظون بعضهم بعضا ً في ليالي رمضان عندما يتسحرون معا ً ..

    لقد نجح الروائي صبحي فحماوي أن يقدم شخصياته الإنسانية من خلال أفعالها وصراعاتها مع نفسها ومع البيئة المحيطة بها كشخصيات حقيقية وواقعية ..

    أبو مهيوب رجل في الخمسين من عمره , أشيب الشعر , نحيل الجسم , مشدود القامة , تقي وأمين , عاقل مُتـّزن وسمعته عفيفة ونظيفة .. يقوم بإعمال البستنة في معسكر الحصار , في الجيب الفلسطيني المحتل للمرة التاسعة والتسعين ..

    يتناول صبحي فحماوي البعد النفسي للشخصية من حيث القلق والتوتر , ويترك شخصياته تنمو بطريقة طبيعية مقنعة بسبب الحصار الذي يعيشونه ..

    يجلس أبو مهيوب مسندا ً خده على يده يحدّث نفسه , حزينا ً على شقائه , يمر أمامه طيف استشهاد أبنه " مهيوب " عندما يخترق الرصاص كل أنحاء جسده من قبل المجندين الآليين المستنسخين عن نيرون وهولاكو وشارون .. ويحملون جسده المثقب كالغربال والمخضـّب بالدماء , ويجمعونه في كفن ويغطونه بالعلم الفلسطيني ثم ينقلون نعشه ويسيرون به عبر شوارع المعسكر ويدفنونه في مقبرة الشهداء ...
    وموت زوجته والذي يعتبر خاتمة مرّة لحياة أسرة عانت كثيرا ً .. ورغم التحديات القاتلة لم تهزمه المآسي ...

    ما شهدته الجزيرة العربية والتي أصبحت محط أنظار الفلسطينيين سعيا ً وراء حل مشاكلهم الاقتصادية .. حيث أن التدريس يشكل نسبة مرتفعة من أسباب الهجرة .. تغريد وماجدة تتخرجان من كلية تربية الشاطئ في الإقليم الفلسطيني وتبحثان عن وظيفة فلا توفق أي منهما .. ولأسباب الفقر والعوز والحاجة وتحقيق الذات تضطر الخريجتان للتعاقد مع الوفد التربوي القادم من ولاية الرمال العربية والذي يزور البلاد باحثا ً عن معلمات لغة عربية ..



    أحضرت كل منهما أوراقهما الثبوتية كاملة ولم يبق من الأوراق سوى المحـَرم ْ .. أخيرا ً يتفق الأهل فيما بينهم أن يذهب " أبو مهيوب " محـَرما ً مع ماجدة وتغريد فهو بمثابة عم ّ لهما , ورجل مجرّب ومعروف .. وكونه رجل مقطوع من شجرة , فزوجته وأبنه توفاهما الله .. وبناته الثلاثة متزوجات ويعشـّن بعيدا ً عنه .. مقابل مبلغ شهري من المال يدفعونه له لقاء إقامته معهما في الغربة ..مع ورقتين صوريتين تشهدان بأن " أبو مهيوب " هو زوج كل معلمة منهما على حدة ...


    يقول الدكتور حسان رشاد :
    " إن ميدان البحث في موضوع المرأة في الرواية الفلسطينية مازال بكرا ً وخصبا ً وبحاجة إلى من يخوض غماره ويتولى دراسة أبعاده ويرصد تطو ّر الرؤية الفكرية والجمالية والفنية للروائي " ..


    صبحي فحماوي كاتب متمرس ومتمكن من أدواته الفنية .. رواية " حـّرمتان ومـَحْرَم " ارتبطتا بالأرض والإنسان وسجلت حضورها البارز في المنفى باحثا عن لقمة العيش ..
    تناول الروائي صبحي فحماوي موضوع المرأة بأسلوب مميز من خلال استعادة الذاكرة للعديد من الشخصيات النسوية العاملة ... مع اختلاف في ثقافتهن .. تتنقل شخصيات الرواية من مجتمع المخيم المحاصر بالحاجز الفولاذي الذي إذا فقد أعصابه فانه يرش كل من حوله بما هو متوفر لديه من غازات سامة .. دمدم .. رصاص مطاطي .. رصاص حي ّ .. وأحيانا ً رشاش 500 .. أو صاروخ (لاو) وأحيانا يستعين بطائرات بلا طيار أو طائرات هيلوكبتر أباتشي .. إلى مجتمع آخر محاصر بالقيم والتقاليد .. يعشـّن مجبرات على لبس الحجاب والنقاب والملاية السوداء خوفا ً من الضباع وعيون الصقور والجوارح ...
    بعد عدة أشهر من الملل والضغوطات يتعرفـّن على أشياء كثيرة من الطالبات وأحاديث ومفارقات وذكريات لوجع البعاد عن الأهل ..

    يعتقد الدكتور " عبدالرحمن منيف " إن إحدى المشكلات التي تواجه الروائي , هي العلاقة المفترضة أو الكامنة بينه وبين شخصيات الرواية .. فالروائي صبحي فحماوي ينفذ إلى أعماق الشخصية ويستنبطها ويثريها بالنمو والمفاجأة ..

    يتساءل أبو مهيوب .. ! ما هذه الصحاري الجرداء في كل اتجاه ؟ لماذا أزالوا الأشجار من كل مكان ؟ وهل يوجد هنا أيضا محتلون , يجرّفون أشجار مزارعهم وغاباتهم فتصير بلادهم امرأة ً عاقرا ً , لا تنجب أشجارا ً ؟ نشاهد الوطن العربي كله موشحا باللون الصحراوي وباقي الكرة الرضية خضراء , كل شئ أخضر , إلا الوطن ..! فما بعد الحدود إلا الحدود .. حدود وراء حدود , دود .. دود .. وكلها حدود عربية القلب واليد واللسان , والعربي على العربي , مثل الشحم على النار .. فعند الحدود العربية العربية انتظار واحتقار ...

    يعترف الروائي صبحي فحماوي بقوله :
    " أعترف بان أسلوبي ساخر في الكتابة .. وسخريتي هي نوع من الكاريكاتير المرسوم بالكلمات .. إنها رسالة الأدب الملتزم بقضايا الإنسان " ..

    وفي رواية " حـُرمَتان ومـَحْرم " تجد الأطفال يفتقدون الحياة حيث يُقتلون بدم بارد .. هكذا الفلسطيني الواقع تحت التعذيب المستمر قرونا ً لا بل عهودا ً متتالية تجده " مكر ّ مفر ّ مدبر معا ً " فيندفع إلى تقديم جسده ضحية للوضع المتأزم للوطن , يفجر د ُمـّل قلبه المحتقن في عيون أعدائه على شكل قنبلة تقتل المحاصرين الضاغطين على روحه .. تجده جميلا ً وروحه مشوهة, متفانيا ً في العمل وهو زاهد في الحياة كلها ..
    وللخروج من الروتين اليومي واليأس من المستقبل المسدود أمام المعلمتين فاتحتا " المحَرم ْ " أبو مهيوب وطلبتا منه أن يتزوجهما .. يفاجأ أبو مهيوب ! ولا يعرف كيف يواجه هذا العرض المدهش .. وبعد مناقشة طويلة مع نفسه تأكد من موقفه وحزم أفكاره وقال لهما : لقد فاجأتماني بالخبر السعيد هذا , ولكن .. ! نعم على سنة الله ورسوله ! لم َ لا ؟...

    ويبقى الصمت ُ والليل ُ في انتظار .. وريحٌ وسحائب تعج بالغبار .. ووطن ٌ في الأسر يرتحل ُ عبر الفصول .. وحصارٌ وغربة تذبل في العيون .. ومخيم ٌ على ضفاف اليأس دون قيد يموت .. وزهرة الفرح سحابة من الأسى تعبر ليل المسافات تبكي حزنا ُ .. وتعانق الصحراء خلف واحته المنفية لتغسل أعماق الروح والجروح ...


    * " رواية حـُرمَتان ومـَحْرم " صبحي فحماوي .. دار الهلال / مصر / 2007
يعمل...
X