إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

    أجوبة الأستاذ/ أمين اسكندر
    منسق عام الحركة الشعبية لمقاومة الصهيونية ومقاطعة (إسرائيل) في مصر‏
    السؤال الأول:‏
    في اعتقادي أن أسباب هزيمتنا كمشروع نهضة وتحرر عربي، وفي القلب منه مشروع تحرير فلسطين يرجع إلى:‏
    أ- بنية التخلف العربية، تلك البنية المجتمعية الشاملة التي ما زالت واقعة في أسر الخرافة والأسطورة على محور طريق التفكير، والتداخل الطبقي الاجتماعي وعدم التبلور على محور المجتمع وهشاشة الهوية وعدم نضجها على المستوى الحضاري، وتحكم الفكر الماضوي في التفكير المستقبلي، والصراع بين البادية والحضر على مستوى الأمة.‏
    ب-عدم الإيمان بالعلم، وبالتالي بالتخطيط العلمي، طويل المدى، ولعل ذلك قد كشفت عنه كافة المعارك التي هزمنا فيها، كما كشفت عنه حياتنا اليومية وطريقة تفكيرنا ومدى ما نصرفه ونعطيه من اهتمام بالتعليم والبحث العلمي في كافة أقطارنا العربية ومدى ملاءمة المناخ العام للبحث العلمي واشتراطات إبداعه التي تبدأ بالديمقراطية ونسبية الحقيقة من أجل سيادة العقل والعقلانية.‏
    ج-عدم الإيمان بالديمقراطية‏
    وتلك قضية معقدة، تبدأ من بنية المجتمع العربي نفسه، والشخصية العربية التي تحتاج إلى مخطط طويل المدى (حضاري وثقافي وعقلاني) يستهدف تخليص تلك الشخصية وذلك المجتمع من السلبيات التي تراكمت بفعل التاريخ والجغرافيا، والتي تراكمت من جراء الفشل في معالجة الإشكاليات المتعددة التي يعاني منها الواقع العربي المعاش. كما أن قضية الديمقراطية تحتاج إلى نضال طويل بعد الإيمان بها، وتحتاج إلى تأهيل يبدأ بالمدرسة ومناهج التعليم، وينطلق من الأسرة ولا يقف عند دور وسائل الإعلام والأحزاب السياسية، كما أنه لا ينتهي عند تداول السلطة، أنها طبيعة حياة وسلوك بشر. لذلك كان من الطبيعي أن تفتقد الرأي الآخر، والطرف الآخر، وجدل التطور والتقدم الناتج من صراع الأفكار مع الواقع، وصراع الواقع مع الأفكار، كما أننا فقدنا نسبية الأفكار البشرية لتمسكنا بإطلاقية الشمولية والواحديه والتبسيطية التي نزعت لتسييد حل واحد صحيح لأي مشكل، لكن الحقيقة في عالمنا الإنساني مركبة وإنسانية وابنة بيئة متعددة الدرجات والمستويات ولا ينتج عن ذلك سوى حلول متعددة حسبما تفرز العوامل المتعددة المشتركة في تفسير الظاهرة -المشكل، وبالتالي فلا بد أن تكون نسبية.‏
    د-الفشل في تنشئة طليعة عربية مؤمنة بقضايا الأمة: لعل ذلك يتبين لنا من تقويم مسيرة النضال العربي ومقارنتها بالصفوة الصهيونية التي عملت من أجل مشروعها الاستيطاني الاستعماري العنصري الصهيوني حيث ترى أولاً. إيمان مكثف بغاية وهدف حتى ولو كان ضالاً وترى بعد ذلك إرادة فولاذية لإعماله، ونرى توظيفاً وتكاملاً للأدوار والمفاعيل من الرجال حتى البلدان ونرى تفكيراً علمياً لدخول المستقبل وتحدي الواقع متكامل مع تفكير خرافي أسطوري لتأسيس وقائع الماضي من أجل صناعة الجذور وبالتالي تغذية الغاية والهدف.‏
    أما عن أمتنا العربية، رغم قدم التاريخ إلا أنه ما زالت تعيش عصر وحالة التفاخر والتباهي، دون أن تعيش القدرة على الاستمرار واختراق المستقبل، ورغم كافة الإمكانيات التي لدينا لكن ما زلنا نعيش الهدر الذي يصل إلى خيانة الأمانة. فشلنا في تحديد الهدف بدقة وفشلنا في توظيف إمكانياتنا لصالح ذلك الهدف وفشلنا في سياسة النفس الطويل، واعتبرنا النضال لمدة أربعين عاماً أو أكثر تضحيات كبيرة جداً، واستشهاد الآلاف منا إراقة للدماء، وتناسينا بعمد أو نسينا بجهل أن التاريخ طويل جداً، وأن مسيرة التطور تحتاج إلى الإرادات القوية والعقول المبدعة، وأن الحياة نفسها صراع مع الواقع والطبيعة والمثل والقيم. من أجل كل ذلك ظهر عندنا وفي صفوفنا من يئسوا من أحوالنا فتعرضوا لاختراق منظم من قبل إنجازات العدو، وظهر من عندنا من تنكر لحقوقنا ووقع صكوك التنازل عنها، وظهر من عندنا من تحالف مع العدو على المستوى السياسي والعسكري وحتى الثقافي.‏
    لكن علينا أن نتذكر الوجه الآخر، حيث ظهر من عندنا من استشهد ومن سوف يستشهد ومن يقاوم على كافة المستويات. لكن الأمر في النهاية يتوقف عند فشل مسيرة النضال العربي من 1948 حتى الآن في القدرة على تنشئة أجيال عقائدية صلبة لا تفرط في الحقوق ذات نفس نضالي طويل، قادرة على امتلاك ناصية العلم وبالتالي المستقبل. فما زالت قوانا ونخبنا وطلائعنا العربية مختلفة ما إذا كانت عربية أم لا؟ وما زالت سلطاتنا غير شرعية (بمعنى تحقيق ما يجمع عليه مواطنيها)، وما زلنا غير قادرين على الوقوف على المشترك الناتج من جغرافيا وتاريخ تلك الأمة.‏
    من المؤكد أن تلك العوامل المشتركة أثرت كثيراً على المشروع الفلسطيني، لكن بالإضافة إلى ذلك هناك انزلاق حدث من الطليعة الفلسطينية، معظمها إلى الإقليمية والنزوع إلى الفلسطينية عن عمد أو عن غفلة حقيقية الصراع وتشابكاته وهوية فلسطين وجغرافيا الحدود والأمن المشترك ومركزية القضية. كما أنه حدث انزلاق آخر نحو الربط الوثيق بين الثورة الفلسطينية والدولة الإقليمية في الأقطار العربية، مما رتب العاب المخابرات والأجهزة، والأهم من ذلك كله البداية غير القومية لأداة النضال الفلسطيني. ولعل ما كشفت عنه مسارات التسوية يؤكد لنا مدى الربط الذي تم وسوف يتم بين الكيان الفلسطيني الوليد والمشروع الصهيوني الشرق أوسطي.‏
    السؤال الثاني:‏
    المشروع الصهيوني لم يتغير نحن الذين تغيرنا.‏
    ما زالت الأسطورة هي التي تسيّر هذا المشروع، وما زالت العنصرية هي الحاكمة لذلك المشروع، فهم شعب الله المختار وباقي شعوب الأرض أغيار، وما زال الاستيطان هو جوهر الفكرة الصهيونية، وما زالت الحركة استعمارية بمعنى الاستيلاء على الأرض وعدم وجود حدود ثابتة، بل ما زالت هي أشرس وأقسى أنواع الاستعمار، حيث لا أمد له وإنما ادعاء دائم بالحق والإقامة عليه وطرد أصحابه، وما زالت القوة هي المهيمنة على سلوك هذا المشروع، من القوة النووية إلى قوة التعذيب في السجون بقانون. إذن ما الذي تغير؟‏
    الهدف ما زال هو هو، والمراحل متعددة حسبما ينتج الظرف والبيئة، والأدوات والسلوك ما زالت هي نفسها أدوات وسلوك المراحل الأولى من الاستيطان الصهيوني. عنف وطرد وتهجير قسري واستيلاء على الأرض وتهويد الأمكنة.‏
    حتى بعد نجاح تلك الحركة في توقيع معاهدات واتفاقيات للتسوية و(السلام) نستطيع أن نؤكد أن مرحلة جديدة قد بدأت تستهدف الهيمنة على المنطقة ككل، وتستهدف السيطرة على مقعد قيادة هذه المنطقة وتستخدم نفس الأدوات القديمة، مضافاً إليها السيطرة والغزو الثقافي والاقتصادي موظفة في ذلك بيئة ما بعد الحرب الباردة.‏
    السؤال الثالث:‏
    -تأثير الاتفاقات المبرمة بين إسرائيل وعدة أطراف عربية.‏
    أ-تجزئة وأقلمة الصراع العربي الصهيوني وتحويله إلى نزاع مصري- إسرائيلي وسوري -إسرائيلي، ولبناني- إسرائيلي، أردني- إسرائيلي، وفلسطيني- إسرائيلي.‏
    ب-تجزئة واختراق للأمن القومي العربي وذلك عبر:‏
    أولاً: الربط باتفاقيات تنص على أن تلك الاتفاقيات هي بمثابة آخر الحروب‏
    ثانياً: إلزام التطبيع بين كل من إسرائيل وكل دولة عربية.‏
    ثالثاً: إلزام كل دولة عربية وقعت تلك الاتفاقيات بالتعاون الأمني المشترك‏
    رابعاً: إلزام كل دولة عربية وقعت تلك الاتفاقيات بنزع السلاح وتحديد حجم تسليحها ونوعيته لمناطق حدودية معينة مثلما حدث في سيناء حيث تم تقسيمها إلى مناطق (أ، ب، جـ، د) وكل منطقة لها تسليح معين متفق عليه، وعدد من القوات ومحظور عليها إدخال أي شيء آخر على تلك المنطقة سواء معدة أو فرد زيادة وتمر قوات مشتركة وتابعة للأمم المتحدة للتفتيش.‏
    خامساً: اختراق بوابات الأمن العربي من برية وبحرية فهناك بوابة الأمن البرية الواقعة على الأرض في شرق الوطن العربي والجامعة لكل من العراق وسورية وفلسطين ولبنان وهي البوابة الفاصلة الواصلة بين الحضارة الغربية الأوروبية والتركية والفارسية من جانب آخر، وهي بوابة تأخذ شكل القوس الممتد من رأس الخليج العربي لفلسطين ولعلها من أهم بوابات أمتنا العربية، حيث يتجسد فيها بشكل واضح تعانق الأمن القطري مع الأمن القومي بشكل لا فكاك منه.‏
    وبقليل من التأمل، سوف نكتشف العلاقات والروابط العضوية بين بوابات أمن الصراع العربي الصهيوني وبوابات أمن الوطن العربي.‏
    فالخط الأول: سلسلة جبال طوروس، والخط الثاني: فلسطين، والخط الثالث: سيناء وتلك هي خطوط الدفاع عن الجبهة الشرقية للوطن العربي، وهي إحدى بوابات مصر في الصراع العربي الإسرائيلي، وبعقد كامب ديفيد بين (إسرائيل) ومصر، وكل من الاتفاقيات التي وقعت بين كل من منظمة التحرير الفلسطينية والأردن وإسرائيل فقد تم اختراق واسع لتلك البوابة الشرقية، أما بوابة الصراع الثانية هي بوابة باب المندب الواصلة بقناة السويس مما يجعلها خطاً حاكماً في البحر الأحمر وهي قناة الوصل بين المحيط الهندي والبحر المتوسط والذي عن طريقه تمر العلاقات الاقتصادية والتجارية بين قارة آسيا و(إسرائيل) والغرب الأوروبي و(إسرائيل) ويكشف غلق باب المندب في حرب أكتوبر 1973 عن أهمية ذلك المحور، وهكذا بعد اتفاقيات التسوية تلك أصبح لبوابات، الأمن العربي دوراً مختلفاً عن دورها في زمن الحرب، في الحرب تكون خاضعة للجيوش والمعدات العسكرية، أما بعد التسوية فهي خاضعة للمنتجعات السياحية والمشروعات الترفيهية، وهي مناطق رخوة تمتد فيها شبكة التعاون بين إسرائيل وكل دولة على البر وفي البحر وتلك أخطر نقاط الاختراق الذي تم.‏
    خامساً: التمهيد منذ كامب ديفيد حتى الآن وعبر كافة الاتفاقيات التي وقعت بتغير خريطة المنطقة لصالح إسرائيل والعمل على تغير هوية المنطقة لصالح دمج إسرائيل وهذا ما عرف بعد ذلك بالشرق الأوسط الجديد.‏
    سادساً: تفريغ المنطقة من القوة العربية أو ذلك عبر تحييد القوة الأمريكية وإخراجها عن طريق معاهدة كامب ديفيد، وربطها بمنظومة التسليح الأمريكية والتدريبات المشتركة والربط بين المعونة الأمريكية لمصر لتوريد الأسلحة للجيش المصري، وهذا بالإضافة إلى إلحاق الأردن والكيان الفلسطيني بإسرائيل عبر المعاهدات والضمانات وتنسيق الأجهزة الأمني وإدخال الولايات المتحدة طرف في تلك التعاقدات.‏
    بعد كل ذلك نستطيع أن نؤكد أن تلك الاتفاقيات قد ألحقت بالمستقبل العربي كثيراً من القيود شديدة الوطأة على الأجيال القادمة.‏
    السؤال الرابع:‏
    -الربط بين الخاص الوطني والعام القومي من أجل بناء الجبهة الوطنية الشعبية، في اعتقادي لا بد أولاً من تقويم مسيرة النضال العربي منذ 48 حتى الآن، حتى يتبين لنا الصالح من الطالح على مستوى العقائد والبرامج والقوى والرجال، فلم يعد صالحاً أن تمارس نفس الممارسات بنفس الأخطاء، لم يعد صالحاً أن تتمسك بعض القوى حتى الآن بقرار التقسيم وموقفها المؤيد له، لم يعد صالحاً أن تؤيد بعض القوى مواقف منظمة التحرير الفلسطينية أياً كانت بحجة إنها صاحبة المصلحة والمعبّر الوحيد عن الشعب الفلسطيني، لم يعد صالحاً أن تخلط بعض القوى الفلسطينية بين شرعية مقاومة ما هو قائم وبين الحفاظ على الأدوات النضالية.. الخ.‏
    ومن خلال ذلك التقويم، ومن خلال إيماني بالمبدأ القومي، أرى أننا مطالبون أولاً ببناء الحركة العربية الواحدة على المستوى القومي، وبناء التحالفات والجبهات الوطنية على المستوى القطري، على المحور الأول تكون القضية وأجندة الأعمال:‏
    1-تجسيد العمل على بناء الوحدة من أسفل أي بمشاركة الجماهير والعمل على خلق وبناء مؤسسات شعبية وحدوية.‏
    2-تبنى إستراتيجية لمقاومة الصهيونية ومقاطعة إسرائيل .‏
    3-تبنى إستراتيجية جديدة لحركة تحرير فلسطينية جديدة .‏
    أما أجندة أعمال المستوى الوطني:‏
    1-النضال الديمقراطي .‏
    2-مقاومة التطبيع .‏
    3-العمل على إيجاد قواسم مشتركة بين القوى والفاعليات السياسية وبالذات الأجيال الجديدة.‏
    4-تبنى مشروع ثقافي للمقاومة يكون بديلاً عن ثقافة السلام.‏
    السؤال الخامس:‏
    -ما هي أشكال الخروج من المأزق: أولاً، لا بد من توفر قوى تكون قادرة على نقد المسيرة وقادرة أيضاً على الاستعداد للتخلص من الأدوات التي تأكد فشلها مهما كانت تاريخيتها، فلا قداسة للأدوات.‏
    بعد ذلك تكون هناك مبادرة تأتي من مرجعية لها مصداقية لتقديم ورقة أو أوراق حول تقويم مسيرة النضال العربي.‏
    بعد ذلك لا بد من تشكيل الحركة العربية الواحدة على المستوى القومي، ولا بد من عقد مؤتمر لحق العودة تجتمع فيه القوى الفلسطينية والقومية المؤمنة والقادرة على بداية طريق نضال ثوري جديد منسق الصورة وبناء حركة تستند إلى حق العودة للاجئين إلى ديارهم.‏
    أمين اسكندر‏
    منسق عام الحركة الشعبية لمقاومة الصهيونية ومقاطعة (إسرائيل)‏
    قيادي ناصري‏
    مؤلف كتاب: عبور الهزيمة: ذاكرة ورؤية‏
    محرر: تحالف كوبنهاجن- رؤية نقدية.‏
    5/3/1998 الخميس.‏

    إذا الشعب يوما أراد الحياة
    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

    تعليق


    • #32
      رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

      أجوبة الأستاذ/ أمين اسكندر
      منسق عام الحركة الشعبية لمقاومة الصهيونية ومقاطعة (إسرائيل) في مصر‏
      السؤال الأول:‏
      في اعتقادي أن أسباب هزيمتنا كمشروع نهضة وتحرر عربي، وفي القلب منه مشروع تحرير فلسطين يرجع إلى:‏
      أ- بنية التخلف العربية، تلك البنية المجتمعية الشاملة التي ما زالت واقعة في أسر الخرافة والأسطورة على محور طريق التفكير، والتداخل الطبقي الاجتماعي وعدم التبلور على محور المجتمع وهشاشة الهوية وعدم نضجها على المستوى الحضاري، وتحكم الفكر الماضوي في التفكير المستقبلي، والصراع بين البادية والحضر على مستوى الأمة.‏
      ب-عدم الإيمان بالعلم، وبالتالي بالتخطيط العلمي، طويل المدى، ولعل ذلك قد كشفت عنه كافة المعارك التي هزمنا فيها، كما كشفت عنه حياتنا اليومية وطريقة تفكيرنا ومدى ما نصرفه ونعطيه من اهتمام بالتعليم والبحث العلمي في كافة أقطارنا العربية ومدى ملاءمة المناخ العام للبحث العلمي واشتراطات إبداعه التي تبدأ بالديمقراطية ونسبية الحقيقة من أجل سيادة العقل والعقلانية.‏
      ج-عدم الإيمان بالديمقراطية‏
      وتلك قضية معقدة، تبدأ من بنية المجتمع العربي نفسه، والشخصية العربية التي تحتاج إلى مخطط طويل المدى (حضاري وثقافي وعقلاني) يستهدف تخليص تلك الشخصية وذلك المجتمع من السلبيات التي تراكمت بفعل التاريخ والجغرافيا، والتي تراكمت من جراء الفشل في معالجة الإشكاليات المتعددة التي يعاني منها الواقع العربي المعاش. كما أن قضية الديمقراطية تحتاج إلى نضال طويل بعد الإيمان بها، وتحتاج إلى تأهيل يبدأ بالمدرسة ومناهج التعليم، وينطلق من الأسرة ولا يقف عند دور وسائل الإعلام والأحزاب السياسية، كما أنه لا ينتهي عند تداول السلطة، أنها طبيعة حياة وسلوك بشر. لذلك كان من الطبيعي أن تفتقد الرأي الآخر، والطرف الآخر، وجدل التطور والتقدم الناتج من صراع الأفكار مع الواقع، وصراع الواقع مع الأفكار، كما أننا فقدنا نسبية الأفكار البشرية لتمسكنا بإطلاقية الشمولية والواحديه والتبسيطية التي نزعت لتسييد حل واحد صحيح لأي مشكل، لكن الحقيقة في عالمنا الإنساني مركبة وإنسانية وابنة بيئة متعددة الدرجات والمستويات ولا ينتج عن ذلك سوى حلول متعددة حسبما تفرز العوامل المتعددة المشتركة في تفسير الظاهرة -المشكل، وبالتالي فلا بد أن تكون نسبية.‏
      د-الفشل في تنشئة طليعة عربية مؤمنة بقضايا الأمة: لعل ذلك يتبين لنا من تقويم مسيرة النضال العربي ومقارنتها بالصفوة الصهيونية التي عملت من أجل مشروعها الاستيطاني الاستعماري العنصري الصهيوني حيث ترى أولاً. إيمان مكثف بغاية وهدف حتى ولو كان ضالاً وترى بعد ذلك إرادة فولاذية لإعماله، ونرى توظيفاً وتكاملاً للأدوار والمفاعيل من الرجال حتى البلدان ونرى تفكيراً علمياً لدخول المستقبل وتحدي الواقع متكامل مع تفكير خرافي أسطوري لتأسيس وقائع الماضي من أجل صناعة الجذور وبالتالي تغذية الغاية والهدف.‏
      أما عن أمتنا العربية، رغم قدم التاريخ إلا أنه ما زالت تعيش عصر وحالة التفاخر والتباهي، دون أن تعيش القدرة على الاستمرار واختراق المستقبل، ورغم كافة الإمكانيات التي لدينا لكن ما زلنا نعيش الهدر الذي يصل إلى خيانة الأمانة. فشلنا في تحديد الهدف بدقة وفشلنا في توظيف إمكانياتنا لصالح ذلك الهدف وفشلنا في سياسة النفس الطويل، واعتبرنا النضال لمدة أربعين عاماً أو أكثر تضحيات كبيرة جداً، واستشهاد الآلاف منا إراقة للدماء، وتناسينا بعمد أو نسينا بجهل أن التاريخ طويل جداً، وأن مسيرة التطور تحتاج إلى الإرادات القوية والعقول المبدعة، وأن الحياة نفسها صراع مع الواقع والطبيعة والمثل والقيم. من أجل كل ذلك ظهر عندنا وفي صفوفنا من يئسوا من أحوالنا فتعرضوا لاختراق منظم من قبل إنجازات العدو، وظهر من عندنا من تنكر لحقوقنا ووقع صكوك التنازل عنها، وظهر من عندنا من تحالف مع العدو على المستوى السياسي والعسكري وحتى الثقافي.‏
      لكن علينا أن نتذكر الوجه الآخر، حيث ظهر من عندنا من استشهد ومن سوف يستشهد ومن يقاوم على كافة المستويات. لكن الأمر في النهاية يتوقف عند فشل مسيرة النضال العربي من 1948 حتى الآن في القدرة على تنشئة أجيال عقائدية صلبة لا تفرط في الحقوق ذات نفس نضالي طويل، قادرة على امتلاك ناصية العلم وبالتالي المستقبل. فما زالت قوانا ونخبنا وطلائعنا العربية مختلفة ما إذا كانت عربية أم لا؟ وما زالت سلطاتنا غير شرعية (بمعنى تحقيق ما يجمع عليه مواطنيها)، وما زلنا غير قادرين على الوقوف على المشترك الناتج من جغرافيا وتاريخ تلك الأمة.‏
      من المؤكد أن تلك العوامل المشتركة أثرت كثيراً على المشروع الفلسطيني، لكن بالإضافة إلى ذلك هناك انزلاق حدث من الطليعة الفلسطينية، معظمها إلى الإقليمية والنزوع إلى الفلسطينية عن عمد أو عن غفلة حقيقية الصراع وتشابكاته وهوية فلسطين وجغرافيا الحدود والأمن المشترك ومركزية القضية. كما أنه حدث انزلاق آخر نحو الربط الوثيق بين الثورة الفلسطينية والدولة الإقليمية في الأقطار العربية، مما رتب العاب المخابرات والأجهزة، والأهم من ذلك كله البداية غير القومية لأداة النضال الفلسطيني. ولعل ما كشفت عنه مسارات التسوية يؤكد لنا مدى الربط الذي تم وسوف يتم بين الكيان الفلسطيني الوليد والمشروع الصهيوني الشرق أوسطي.‏
      السؤال الثاني:‏
      المشروع الصهيوني لم يتغير نحن الذين تغيرنا.‏
      ما زالت الأسطورة هي التي تسيّر هذا المشروع، وما زالت العنصرية هي الحاكمة لذلك المشروع، فهم شعب الله المختار وباقي شعوب الأرض أغيار، وما زال الاستيطان هو جوهر الفكرة الصهيونية، وما زالت الحركة استعمارية بمعنى الاستيلاء على الأرض وعدم وجود حدود ثابتة، بل ما زالت هي أشرس وأقسى أنواع الاستعمار، حيث لا أمد له وإنما ادعاء دائم بالحق والإقامة عليه وطرد أصحابه، وما زالت القوة هي المهيمنة على سلوك هذا المشروع، من القوة النووية إلى قوة التعذيب في السجون بقانون. إذن ما الذي تغير؟‏
      الهدف ما زال هو هو، والمراحل متعددة حسبما ينتج الظرف والبيئة، والأدوات والسلوك ما زالت هي نفسها أدوات وسلوك المراحل الأولى من الاستيطان الصهيوني. عنف وطرد وتهجير قسري واستيلاء على الأرض وتهويد الأمكنة.‏
      حتى بعد نجاح تلك الحركة في توقيع معاهدات واتفاقيات للتسوية و(السلام) نستطيع أن نؤكد أن مرحلة جديدة قد بدأت تستهدف الهيمنة على المنطقة ككل، وتستهدف السيطرة على مقعد قيادة هذه المنطقة وتستخدم نفس الأدوات القديمة، مضافاً إليها السيطرة والغزو الثقافي والاقتصادي موظفة في ذلك بيئة ما بعد الحرب الباردة.‏
      السؤال الثالث:‏
      -تأثير الاتفاقات المبرمة بين إسرائيل وعدة أطراف عربية.‏
      أ-تجزئة وأقلمة الصراع العربي الصهيوني وتحويله إلى نزاع مصري- إسرائيلي وسوري -إسرائيلي، ولبناني- إسرائيلي، أردني- إسرائيلي، وفلسطيني- إسرائيلي.‏
      ب-تجزئة واختراق للأمن القومي العربي وذلك عبر:‏
      أولاً: الربط باتفاقيات تنص على أن تلك الاتفاقيات هي بمثابة آخر الحروب‏
      ثانياً: إلزام التطبيع بين كل من إسرائيل وكل دولة عربية.‏
      ثالثاً: إلزام كل دولة عربية وقعت تلك الاتفاقيات بالتعاون الأمني المشترك‏
      رابعاً: إلزام كل دولة عربية وقعت تلك الاتفاقيات بنزع السلاح وتحديد حجم تسليحها ونوعيته لمناطق حدودية معينة مثلما حدث في سيناء حيث تم تقسيمها إلى مناطق (أ، ب، جـ، د) وكل منطقة لها تسليح معين متفق عليه، وعدد من القوات ومحظور عليها إدخال أي شيء آخر على تلك المنطقة سواء معدة أو فرد زيادة وتمر قوات مشتركة وتابعة للأمم المتحدة للتفتيش.‏
      خامساً: اختراق بوابات الأمن العربي من برية وبحرية فهناك بوابة الأمن البرية الواقعة على الأرض في شرق الوطن العربي والجامعة لكل من العراق وسورية وفلسطين ولبنان وهي البوابة الفاصلة الواصلة بين الحضارة الغربية الأوروبية والتركية والفارسية من جانب آخر، وهي بوابة تأخذ شكل القوس الممتد من رأس الخليج العربي لفلسطين ولعلها من أهم بوابات أمتنا العربية، حيث يتجسد فيها بشكل واضح تعانق الأمن القطري مع الأمن القومي بشكل لا فكاك منه.‏
      وبقليل من التأمل، سوف نكتشف العلاقات والروابط العضوية بين بوابات أمن الصراع العربي الصهيوني وبوابات أمن الوطن العربي.‏
      فالخط الأول: سلسلة جبال طوروس، والخط الثاني: فلسطين، والخط الثالث: سيناء وتلك هي خطوط الدفاع عن الجبهة الشرقية للوطن العربي، وهي إحدى بوابات مصر في الصراع العربي الإسرائيلي، وبعقد كامب ديفيد بين (إسرائيل) ومصر، وكل من الاتفاقيات التي وقعت بين كل من منظمة التحرير الفلسطينية والأردن وإسرائيل فقد تم اختراق واسع لتلك البوابة الشرقية، أما بوابة الصراع الثانية هي بوابة باب المندب الواصلة بقناة السويس مما يجعلها خطاً حاكماً في البحر الأحمر وهي قناة الوصل بين المحيط الهندي والبحر المتوسط والذي عن طريقه تمر العلاقات الاقتصادية والتجارية بين قارة آسيا و(إسرائيل) والغرب الأوروبي و(إسرائيل) ويكشف غلق باب المندب في حرب أكتوبر 1973 عن أهمية ذلك المحور، وهكذا بعد اتفاقيات التسوية تلك أصبح لبوابات، الأمن العربي دوراً مختلفاً عن دورها في زمن الحرب، في الحرب تكون خاضعة للجيوش والمعدات العسكرية، أما بعد التسوية فهي خاضعة للمنتجعات السياحية والمشروعات الترفيهية، وهي مناطق رخوة تمتد فيها شبكة التعاون بين إسرائيل وكل دولة على البر وفي البحر وتلك أخطر نقاط الاختراق الذي تم.‏
      خامساً: التمهيد منذ كامب ديفيد حتى الآن وعبر كافة الاتفاقيات التي وقعت بتغير خريطة المنطقة لصالح إسرائيل والعمل على تغير هوية المنطقة لصالح دمج إسرائيل وهذا ما عرف بعد ذلك بالشرق الأوسط الجديد.‏
      سادساً: تفريغ المنطقة من القوة العربية أو ذلك عبر تحييد القوة الأمريكية وإخراجها عن طريق معاهدة كامب ديفيد، وربطها بمنظومة التسليح الأمريكية والتدريبات المشتركة والربط بين المعونة الأمريكية لمصر لتوريد الأسلحة للجيش المصري، وهذا بالإضافة إلى إلحاق الأردن والكيان الفلسطيني بإسرائيل عبر المعاهدات والضمانات وتنسيق الأجهزة الأمني وإدخال الولايات المتحدة طرف في تلك التعاقدات.‏
      بعد كل ذلك نستطيع أن نؤكد أن تلك الاتفاقيات قد ألحقت بالمستقبل العربي كثيراً من القيود شديدة الوطأة على الأجيال القادمة.‏
      السؤال الرابع:‏
      -الربط بين الخاص الوطني والعام القومي من أجل بناء الجبهة الوطنية الشعبية، في اعتقادي لا بد أولاً من تقويم مسيرة النضال العربي منذ 48 حتى الآن، حتى يتبين لنا الصالح من الطالح على مستوى العقائد والبرامج والقوى والرجال، فلم يعد صالحاً أن تمارس نفس الممارسات بنفس الأخطاء، لم يعد صالحاً أن تتمسك بعض القوى حتى الآن بقرار التقسيم وموقفها المؤيد له، لم يعد صالحاً أن تؤيد بعض القوى مواقف منظمة التحرير الفلسطينية أياً كانت بحجة إنها صاحبة المصلحة والمعبّر الوحيد عن الشعب الفلسطيني، لم يعد صالحاً أن تخلط بعض القوى الفلسطينية بين شرعية مقاومة ما هو قائم وبين الحفاظ على الأدوات النضالية.. الخ.‏
      ومن خلال ذلك التقويم، ومن خلال إيماني بالمبدأ القومي، أرى أننا مطالبون أولاً ببناء الحركة العربية الواحدة على المستوى القومي، وبناء التحالفات والجبهات الوطنية على المستوى القطري، على المحور الأول تكون القضية وأجندة الأعمال:‏
      1-تجسيد العمل على بناء الوحدة من أسفل أي بمشاركة الجماهير والعمل على خلق وبناء مؤسسات شعبية وحدوية.‏
      2-تبنى إستراتيجية لمقاومة الصهيونية ومقاطعة إسرائيل .‏
      3-تبنى إستراتيجية جديدة لحركة تحرير فلسطينية جديدة .‏
      أما أجندة أعمال المستوى الوطني:‏
      1-النضال الديمقراطي .‏
      2-مقاومة التطبيع .‏
      3-العمل على إيجاد قواسم مشتركة بين القوى والفاعليات السياسية وبالذات الأجيال الجديدة.‏
      4-تبنى مشروع ثقافي للمقاومة يكون بديلاً عن ثقافة السلام.‏
      السؤال الخامس:‏
      -ما هي أشكال الخروج من المأزق: أولاً، لا بد من توفر قوى تكون قادرة على نقد المسيرة وقادرة أيضاً على الاستعداد للتخلص من الأدوات التي تأكد فشلها مهما كانت تاريخيتها، فلا قداسة للأدوات.‏
      بعد ذلك تكون هناك مبادرة تأتي من مرجعية لها مصداقية لتقديم ورقة أو أوراق حول تقويم مسيرة النضال العربي.‏
      بعد ذلك لا بد من تشكيل الحركة العربية الواحدة على المستوى القومي، ولا بد من عقد مؤتمر لحق العودة تجتمع فيه القوى الفلسطينية والقومية المؤمنة والقادرة على بداية طريق نضال ثوري جديد منسق الصورة وبناء حركة تستند إلى حق العودة للاجئين إلى ديارهم.‏
      أمين اسكندر‏
      منسق عام الحركة الشعبية لمقاومة الصهيونية ومقاطعة (إسرائيل)‏
      قيادي ناصري‏
      مؤلف كتاب: عبور الهزيمة: ذاكرة ورؤية‏
      محرر: تحالف كوبنهاجن- رؤية نقدية.‏
      5/3/1998 الخميس.‏

      إذا الشعب يوما أراد الحياة
      فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
      و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
      و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

      تعليق


      • #33
        رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

        إجابة املي نفاع
        رئيسة جمعية النساء العربيات، نشطة أردنية في مجال حقوق المرأة.‏
        السؤال الأول: لماذا هزمنا؟ وأية عوامل ترونها أسباباً في انحسار المشروع الوطني الفلسطيني بدءاً من تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة؟‏
        الجواب: لم نهزم لأن قضيتنا خاسرة أبداً، قضيتنا عادلة. ولكن القضية العادلة حتى تنتصر يتوجب أن تهيأ لها المقومات الأساسية لكي تنتصر، وهذا الذي لم يتوفر لنا، ولم نكن مؤهلين له. لم نتعامل مع قضيتنا منذ البداية بعقلية علمية موضوعية تبني الأساس المتين للانتصار. ومن أهم أسباب الاخفاقات التي لحقت بقضيتنا، عدم توفر القيادة الواعية القادرة على تعبئة الجماهير وكسب الرأي العام العالمي على أساس برنامج كفاحي يوحد قدرات وطاقات الشعب الفلسطيني لمواجهة التآمر البريطاني المكشوف والهجرة اليهودية غير الشرعية إلى فلسطين -تلك الهجرة التي جرى التهيئة لها ودفعها من خلال أساليب متعددة شارك فيها قادة الحركة الصهيونية.‏
        لم تدرك جميع القوى الوطنية الفلسطينية، في هذا الوقت المبكر، بأن المعركة الأساسية يجب أن توجه ضد الوصايا البريطانية من أجل الاستقلال الناجز لفلسطين والتصدي للهجرة اليهودية إلى الأراضي الفلسطينية ولم تتبين طبيعة موازين القوى على حقيقتها.‏
        هذا بالإضافة إلى الوضع العربي الذي كان سائداً، حيث كشفت نتائج كارثة عام 1948 وما بعدها بأن بعض الأنظمة العربية لم تملك قرارها السياسي المستقل، وقسم منها كان ضالعاً بالمخطط البريطاني الصهيوني. فخذلت الشعب الفلسطيني الذي قدم تضحيات كبرى وأبدى استبسالاً منقطع النظير في الدفاع عن أرضه عبر انتفاضات وثورات خاصة ثورة عام 1936.‏

        السؤال الثاني: بعد مئة عام على قيام الصهيونية كحركة سياسية.. هل ترون أن المشروع الصهيوني قد تغير؟ وما هي أبرز ملامح التغيير فيه إن وجدت.‏
        المشروع الصهيوني لم يتغير وذلك بسبب اعتماده على فكر وفلسفة عنصرية عرقية، دينية، اثنية رجعية معادية لمبادئ وقيم الحضارة ولا يمكن أن يتغير المشروع الصهيوني إلا إذا تغيرت المنطلقات التي يستند إليها وذلك إما بتغيير المجتمع وتحوله من مجتمع عنصري، عرقي يعتمد الخرافة إلى مجتمع مدني يعتمد على العقلانية والواقعية، وإن سياسة حكومة نتنياهو تجسيد فاضح لهذه السياسة العنصرية التوسعية العدوانية، والتي تجد الدعم والمساندة من إدارة الولايات المتحدة الأميركية التي يعشعش فيها عناصر صهيونية موغلة في عدائها للشعب الفلسطيني، والتي تحاول بشتى السبل عرقلة إيجاد أية تسوية عادلة وشاملة تضمن الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني، حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته الوطنية المستقلة على أرضه، ويتم تزويد حكام إسرائيل العنصريين بجميع أشكال الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي، باعتبار إسرائيل أداة ردع تحمي مصالحهم في المنطقة العربية لمواصلة نهب ثرواتها الطبيعية والتحكم بمداخلها وممراتها المائية لمواجهة التكتلات المنافسة لها في المنطقة، ولكي تستند إلى قاعدة اقتصادية قوية تمكنها من تنفيذ سياستها في السيطرة السياسية على العالم.‏
        السؤال الثالث: ما هو تأثير الاتفاقيات المبرمة بين إسرائيل وعدة أطراف عربية: كامب ديفيد، وادي عربة واتفاقيات أوسلو على مجرى الصراع العربي الصهيوني؟‏
        الاتفاقات التي وقعتها أطراف أساسية في الجانب العربي مع إسرائيل لم ولن تؤثر على الصراع العربي الإسرائيلي إلا حين يتوفر في إسرائيل قيادة تحترم وتلتزم بهذه الاتفاقات، وتشعر أنها ستكون لصالح بقائها ووجودها المستقبلي.‏
        فإسرائيل بحكامها الحاليين تعتقد أنها قادرة أن تناور وتلتف حول أية اتفاقية توقعها كون الولايات المتحدة الأميركية قادرة أن تحميها وتؤمن لها الدعم الكافي للسير في سياستها المبنية على الغطرسة والقوة. كما أنها تعتمد بذلك على ضعف خصومها الذين لا يستفيدون من قدراتهم وإمكاناتهم بالضغط عليها، وعلى إجبارها للرضوخ للشرعية الدولية وقرارات هيئة الأمم المتحدة، والاتفاقات الموقعة معها.‏
        اتفاقية كامب ديفيد‏
        كان من أخطر التطورات التي شهدتها المنطقة توقيع مصر على اتفاق كامب ديفيد، وخروج هذا البلد العربي الأكبر والأكثر إسهاماً في الحروب العربية الإسرائيلية وصاحب النصيب الأكبر في أعباء وتضحيات هذه الحروب من صف المواجهة مع إسرائيل بكل ما استتبع ذلك من اختلال كبير في الجبهة العربية. لقد وجهت مصر بتوقيع كامب ديفيد ضربة قوية للتضامن العربي وشقت طريق الحلول الانفرادية مع إسرائيل، ودشنت عهد انفراط العقد العربي، الذي وجد تعبيره المأساوي في الغزو الإسرائيلي للبنان، وحصار بيروت وإخراج منظمة التحرير منها عام 1982، ثم تجسد الانهيار العربي الرسمي بأجلى صورة في الغزو العراقي للكويت والنتائج الكارثية لحرب الخليج.‏
        لقد طرأ تبدل على شروط ومضامين الحل السياسي للصراع العربي الإسرائيلي بعد كامب ديفيد، مع أن الجماهير العربية ظلت تتمسك بنهج النضال ضد العدوان والاحتلال. وسطرت ملاحم كفاحية مجيدة في هذا النضال تجلت بأنصع صورها في المقاومة اللبنانية الباسلة للاحتلال الإسرائيلي وللوجود الأمريكي، وكذلك في تفجر الانتفاضة الفلسطينية الباسلة وتحولها إلى نهج ثابت في حياة الضفة والقطاع لبضع سنين.‏
        مع ذلك فان قوى وأنظمة عربية عديدة صارت بعد كامب ديفيد، ترى أن الطريق إلى حل الصراع العربي الإسرائيلي يمر عبر استرضاء إسرائيل والولايات المتحدة وراحت تعمل تحت شعار (إنقاذ ما يمكن إنقاذه) (وأوراق الحل بيد أمريكا) وهي شعارات محملة باليأس من جدوى النضال ومشبعة بروح التنازلات، والتسليم بشروط الحلول الإسرائيلية الأمريكية.‏
        ورغم ذلك فإن إسرائيل قد صارت هنا أيضاً أكثر تشدداً وباتت استحقاقات الحل عندها تتجاوز كثيراً إنهاء حالة الحرب أو مجرد الاعتراف بوجود إسرائيل إلى ضرورة التطبيع العربي الكامل معها وفتح الأبواب العربية أمامها سياسياً واقتصادياً وثقافياً.‏
        إن هذه الاشتراطات الإسرائيلية، تلاقت وتناغمت مع الاستراتيجية الأمريكية الجديدة للشرق الأوسط والتي تبلورت في التسعينات خصوصاً بعد حرب الخليج وانهيار الاتحاد السوفياتي. وهذه الاستراتيجية تقوم على بناء نظام وسوق شرق أوسطية تنتفي فيها الأولويات والروابط العربية وتشارك فيها إسرائيل وتركيا وغيرهما من البلدان وهو المشروع الذي نشطت بتنفيذه بعد حرب الخليج.‏
        وعندما شرعت الولايات المتحدة بالدعوة إلى مفاوضات عربية إسرائيلية كان الانقسام العربي قد بلغ حداً يستحيل معه أخذ موقف موحد في مواجهة المبادرة الأميركية، ولذلك كان الاشتراك في مؤتمر مدريد في بعض وجوهه بديلاً عن مزيد من التشرذم العربي، والاستفراد الإسرائيلي بهذا الطرف أو ذاك.‏
        لقد كانت المواقف العربية في الطريق إلى مدريد، وأثناء انعقاده تتسم بحد معقول من الاتزان والتماسك، غير أن الأمور بعد انفضاض مؤتمر مدريد وانتقال المفاوضات إلى واشنطن سارت في اتجاه مغاير.‏
        لقد أبدت إسرائيل تعنتاً واضحاً، وبتغطية كاملة من الولايات المتحدة ثم إن المفاوضات العربية الإسرائيلية انقسمت إلى مسارات متعددة، وبعد ذلك ابتدأت المفاوضات المتعددة الأطراف كمسار مواز للمفاوضات الثنائية.‏
        اتفاق أوسلو‏
        وراحت إسرائيل والولايات المتحدة تركزان على تعميق الهوة بين كل مسار وآخر وإثارة الريبة والشكوك بين المفاوضين العرب. وإلى جانب ذلك تم التركيز على المفاوضات المتعددة لفتح فرص التطبيع أولاً بين البلدان العربية وإسرائيل وكانت ذروة التطورات المفاجئة في هذه المفاوضات هي انخراط منظمة التحرير وإسرائيل في مفاوضات سرية لعدة أشهر، توجت باتفاق أوسلو ثم اتفاقات القاهرة حول الحكم الذاتي في غزة وأريحا.‏
        إن النهج الذي اعتمد في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية السرية والأوهام التي أغرقت بها اتفاقات أوسلو والقاهرة كحل للقضية الفلسطينية، وما تضمنته هذه الاتفاقات من التزامات سياسية واقتصادية وأمنية ألحق مزيداً من الضعف بمركز القضية الفلسطينية في إطار المفاوضات العربية الإسرائيلية، وساعد في تعزيز برنامج المفاوضات المتعددة الأطراف والأغراض، وأعطى ذريعة لأطراف عربية عديدة للشروع في إجراءات تطبيعية مع إسرائيل بصرف النظر عن طبيعة وآفاق حل الصراع العربي الإسرائيلي.‏
        اتفاقيات وادي عربة‏
        وخلال الفترة اللاحقة تعرض الأردن إلى ضغوط أمريكية متواصلة بهدف جره إلى مفاوضات منفردة مع إسرائيل فقد شددت أمريكا حصارها العدواني على ميناء العقبة، ومارست عبر صندوق النقد الدولي ونوادي الدائنين في باريس ولندن ابتزازاً كبيراً للأردن في أزمة ديونه الخارجية، ودأبت على التلويح له في ذات الوقت بوعود الدعم المالي وحل مشكلة الديون وتدفق الاستثمارات إذا ما دخل في صلح كامل مع إسرائيل، وبعد توقيع الاتفاقات الفلسطينية الإسرائيلية عملت الولايات المتحدة على إثارة نوازع الخوف لدى الأردن من نتائج تقدم المفاوضات على المسار الفلسطيني ثم السوري كذلك.‏
        لقد جاءت معاهدة الصلح الأردنية -الإسرائيلية في سياق تسارع مفاجئ وغير طبيعي لمسار المفاوضات الأردنية الإسرائيلية، وقد تم التوقيع عليها بالتعارض مع كل التأكيدات الأردنية الرسمية السابقة على الالتزام بالحل الشامل للصراع العربي الإسرائيلي. لقد جاء هذا الاختراق الكبير في المسار الأردني ليقضي على مبدأ الحل الشامل، ويسمح بتعميم نهج الحلول المنفردة الذي ابتدأ في كامب ديفيد، وتواصل في اتفاق أوسلو، ويوجه ضربة قاصمة للمقاطعة العربية مع إسرائيل وتحويل الأردن إلى بوابة عبور نحو الشرق وخصوصاً نحو أسواق بلدان النفط.‏
        أما السلام الذي تبشر به معاهدة الصلح الأردنية الإسرائيلية فإنه وهم كبير لن يتحقق إن لم يتم التوصل إلى حل عادل لكل جوانب الصراع العربي الإسرائيلي وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.‏
        إن فرض الحلول المنفردة يضع المنطقة أمام احتمال التوصل إلى اتفاقات عربية إسرائيلية مع الإبقاء على القضية الفلسطينية بدون حل وهذا يعني الإبقاء على أسباب التوتر والتفجر قائمة في الشرق الأوسط.‏
        لقد نجح الجانب الإسرائيلي بالاستناد إلى دعم وتأييد الولايات المتحدة الأميركية في التلاعب بالأولويات والتي كان يفترض أن تشكل المدخل المنهجي والمنطلق المنطقي لبلوغ الحل الشامل. واتضح كذلك أن الاتفاقيات الثانية التي تم التوصل إليها مع إسرائيل، قد اشتملت على قضايا تمس أطرافاً عربية أخرى لم يجر التشاور معها بشأنها.‏
        لقد حققت إسرائيل نجاحاً في توقيع هذه الاتفاقيات لأنها أعطت أولوية للقضايا التي تحقق لها مكاسب ملموسة كالقضايا الاقتصادية وقضايا التطبيع وقضايا الاندماج الاقتصادي والسياسي في المنطقة بينما دحرت إلى الخلف واجلت البحث في القضايا الأساسية التي تشكل المدخل الفعلي للحل العادل والشامل.‏
        السؤال الرابع: كيف ترون ضرورة الربط بين الخاص الوطني والعام القومي من أجل بناء الجبهة الوطنية الشعبية العربية العريضة لمقاومة المشروع الصهيوني سياسياً واقتصادياً وثقافياً؟‏
        لم تكن القضية الفلسطينية في يوم من الأيام قضية الشعب الفلسطيني وحده، أنها قضية كل العرب، وبقائها دون حل عادل وشامل هو بسبب عدم الربط الجدلي بين خصوصيتها كقضية لشعب عربي فلسطيني وقضية عربية. إن تجربة الخمسين عاماً الماضية من النضال البطولي للشعب الفلسطيني أكدت أن الجهد العربي ولا سيما الجهد الرسمي العربي في دعم النضال الفلسطيني قد استخدم لصالح الخاص العربي لكل بلد عربي بمفرده ولحل التناقض بين الشعوب العربية والسلطات الحاكمة في كل قطر عربي.‏
        إن التلاحم الكفاحي العربي الفلسطيني المبني على الصدق والإخلاص والمعرفة العلمية لقوانين الصراع كفيل بدفع النضال المشترك خطوات إيجابية للإمام وهذا يتطلب تدارك النواقص والأوضاع السلبية وجهوداً جدية لتأمين الاستحقاقات التي تشكل شروطاً لا بد منها في هذه العملية المعقدة.‏
        السؤال الخامس: في رأيكم وعلى ضوء المستجدات السياسية الراهنة كيف ترون أشكال الخروج من المأزق؟‏
        ليس مستحيلاً الخروج من المأزق الحالي، فالاعتماد على الجماهير ووعيها والتحلي بالعقلانية الموضوعية، وليس العقلانية الاستسلامية، ووضع الأسس العلمية المستندة إلى تقدير موازين القوى، وحشد التأييد العالمي والذي يتزايد وينمو لصالحنا وتتزايد فيه عزلة حكام إسرائيل، واتخاذ الخطوات الفعلية في تهديد مصالح الإمبريالية الأميركية في المنطقة عملياً وسائل هامة في هذا الاتجاه.‏
        فمثلاً فشل الولايات المتحدة في مؤتمر قطر الاقتصادي لفرض إسرائيل بالقوة على التعاون مع الدول العربية نتيجة مواقف كثير من الدول العربية قد أوضح أن هناك أسلحة وأوراق بيد العرب قادرة إذا ما استخدمت بإرادة عربية خالصة أن تؤثر، وكذلك مؤتمر القمة الإسلامي في طهران ومقرراته، واجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية في الدوحة مؤخراً أمثلة يجب دراستها والاستفادة منها في سياستنا المستقبلية وبالتالي لا بد من التأكيد على ما يلي:‏
        1-تحقيق موقف عربي موحد من خلال إعادة الحد الأدنى للتضامن العربي وإحياء دور الجامعة العربية.‏
        2-تأمين أوسع وأعمق أشكال التنسيق بين الأطراف العربية الأساسية الأردن وسورية والفلسطينيين.‏
        3-التمسك بالثوابت القومية والوطنية على أساس الالتزام بالقرارات الدولية ولا سيما 242 و338 و425 على قاعدة الأرض مقابل السلام وتحقيق الانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة: الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس العربية والجولان والجنوب اللبناني.‏
        4-الالتزام بمبدأ الحل الشامل والتمسك بحق الشعب العربي الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره ومساندة كفاحه من أجل بناء دولته الوطنية المستقلة وبعودة اللاجئين والنازحين الفلسطينيين إلى وطنهم.‏
        5-تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية على قاعدة الثوابت الوطنية‏
        6-مواصلة الجهود لكسب الرأي العام العالمي الذي تحاول إسرائيل تضليله وتحييده.‏
        7-تشكيل جبهة شعبية عربية واسعة على نطاق المنطقة لدعم نضالات الشعب الفلسطيني ومنع كافة أشكال التطبيع الاقتصادي والثقافي والسياسي مع العدو الإسرائيلي.‏

        إذا الشعب يوما أراد الحياة
        فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
        و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
        و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

        تعليق


        • #34
          رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

          إجابة املي نفاع
          رئيسة جمعية النساء العربيات، نشطة أردنية في مجال حقوق المرأة.‏
          السؤال الأول: لماذا هزمنا؟ وأية عوامل ترونها أسباباً في انحسار المشروع الوطني الفلسطيني بدءاً من تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة؟‏
          الجواب: لم نهزم لأن قضيتنا خاسرة أبداً، قضيتنا عادلة. ولكن القضية العادلة حتى تنتصر يتوجب أن تهيأ لها المقومات الأساسية لكي تنتصر، وهذا الذي لم يتوفر لنا، ولم نكن مؤهلين له. لم نتعامل مع قضيتنا منذ البداية بعقلية علمية موضوعية تبني الأساس المتين للانتصار. ومن أهم أسباب الاخفاقات التي لحقت بقضيتنا، عدم توفر القيادة الواعية القادرة على تعبئة الجماهير وكسب الرأي العام العالمي على أساس برنامج كفاحي يوحد قدرات وطاقات الشعب الفلسطيني لمواجهة التآمر البريطاني المكشوف والهجرة اليهودية غير الشرعية إلى فلسطين -تلك الهجرة التي جرى التهيئة لها ودفعها من خلال أساليب متعددة شارك فيها قادة الحركة الصهيونية.‏
          لم تدرك جميع القوى الوطنية الفلسطينية، في هذا الوقت المبكر، بأن المعركة الأساسية يجب أن توجه ضد الوصايا البريطانية من أجل الاستقلال الناجز لفلسطين والتصدي للهجرة اليهودية إلى الأراضي الفلسطينية ولم تتبين طبيعة موازين القوى على حقيقتها.‏
          هذا بالإضافة إلى الوضع العربي الذي كان سائداً، حيث كشفت نتائج كارثة عام 1948 وما بعدها بأن بعض الأنظمة العربية لم تملك قرارها السياسي المستقل، وقسم منها كان ضالعاً بالمخطط البريطاني الصهيوني. فخذلت الشعب الفلسطيني الذي قدم تضحيات كبرى وأبدى استبسالاً منقطع النظير في الدفاع عن أرضه عبر انتفاضات وثورات خاصة ثورة عام 1936.‏

          السؤال الثاني: بعد مئة عام على قيام الصهيونية كحركة سياسية.. هل ترون أن المشروع الصهيوني قد تغير؟ وما هي أبرز ملامح التغيير فيه إن وجدت.‏
          المشروع الصهيوني لم يتغير وذلك بسبب اعتماده على فكر وفلسفة عنصرية عرقية، دينية، اثنية رجعية معادية لمبادئ وقيم الحضارة ولا يمكن أن يتغير المشروع الصهيوني إلا إذا تغيرت المنطلقات التي يستند إليها وذلك إما بتغيير المجتمع وتحوله من مجتمع عنصري، عرقي يعتمد الخرافة إلى مجتمع مدني يعتمد على العقلانية والواقعية، وإن سياسة حكومة نتنياهو تجسيد فاضح لهذه السياسة العنصرية التوسعية العدوانية، والتي تجد الدعم والمساندة من إدارة الولايات المتحدة الأميركية التي يعشعش فيها عناصر صهيونية موغلة في عدائها للشعب الفلسطيني، والتي تحاول بشتى السبل عرقلة إيجاد أية تسوية عادلة وشاملة تضمن الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني، حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته الوطنية المستقلة على أرضه، ويتم تزويد حكام إسرائيل العنصريين بجميع أشكال الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي، باعتبار إسرائيل أداة ردع تحمي مصالحهم في المنطقة العربية لمواصلة نهب ثرواتها الطبيعية والتحكم بمداخلها وممراتها المائية لمواجهة التكتلات المنافسة لها في المنطقة، ولكي تستند إلى قاعدة اقتصادية قوية تمكنها من تنفيذ سياستها في السيطرة السياسية على العالم.‏
          السؤال الثالث: ما هو تأثير الاتفاقيات المبرمة بين إسرائيل وعدة أطراف عربية: كامب ديفيد، وادي عربة واتفاقيات أوسلو على مجرى الصراع العربي الصهيوني؟‏
          الاتفاقات التي وقعتها أطراف أساسية في الجانب العربي مع إسرائيل لم ولن تؤثر على الصراع العربي الإسرائيلي إلا حين يتوفر في إسرائيل قيادة تحترم وتلتزم بهذه الاتفاقات، وتشعر أنها ستكون لصالح بقائها ووجودها المستقبلي.‏
          فإسرائيل بحكامها الحاليين تعتقد أنها قادرة أن تناور وتلتف حول أية اتفاقية توقعها كون الولايات المتحدة الأميركية قادرة أن تحميها وتؤمن لها الدعم الكافي للسير في سياستها المبنية على الغطرسة والقوة. كما أنها تعتمد بذلك على ضعف خصومها الذين لا يستفيدون من قدراتهم وإمكاناتهم بالضغط عليها، وعلى إجبارها للرضوخ للشرعية الدولية وقرارات هيئة الأمم المتحدة، والاتفاقات الموقعة معها.‏
          اتفاقية كامب ديفيد‏
          كان من أخطر التطورات التي شهدتها المنطقة توقيع مصر على اتفاق كامب ديفيد، وخروج هذا البلد العربي الأكبر والأكثر إسهاماً في الحروب العربية الإسرائيلية وصاحب النصيب الأكبر في أعباء وتضحيات هذه الحروب من صف المواجهة مع إسرائيل بكل ما استتبع ذلك من اختلال كبير في الجبهة العربية. لقد وجهت مصر بتوقيع كامب ديفيد ضربة قوية للتضامن العربي وشقت طريق الحلول الانفرادية مع إسرائيل، ودشنت عهد انفراط العقد العربي، الذي وجد تعبيره المأساوي في الغزو الإسرائيلي للبنان، وحصار بيروت وإخراج منظمة التحرير منها عام 1982، ثم تجسد الانهيار العربي الرسمي بأجلى صورة في الغزو العراقي للكويت والنتائج الكارثية لحرب الخليج.‏
          لقد طرأ تبدل على شروط ومضامين الحل السياسي للصراع العربي الإسرائيلي بعد كامب ديفيد، مع أن الجماهير العربية ظلت تتمسك بنهج النضال ضد العدوان والاحتلال. وسطرت ملاحم كفاحية مجيدة في هذا النضال تجلت بأنصع صورها في المقاومة اللبنانية الباسلة للاحتلال الإسرائيلي وللوجود الأمريكي، وكذلك في تفجر الانتفاضة الفلسطينية الباسلة وتحولها إلى نهج ثابت في حياة الضفة والقطاع لبضع سنين.‏
          مع ذلك فان قوى وأنظمة عربية عديدة صارت بعد كامب ديفيد، ترى أن الطريق إلى حل الصراع العربي الإسرائيلي يمر عبر استرضاء إسرائيل والولايات المتحدة وراحت تعمل تحت شعار (إنقاذ ما يمكن إنقاذه) (وأوراق الحل بيد أمريكا) وهي شعارات محملة باليأس من جدوى النضال ومشبعة بروح التنازلات، والتسليم بشروط الحلول الإسرائيلية الأمريكية.‏
          ورغم ذلك فإن إسرائيل قد صارت هنا أيضاً أكثر تشدداً وباتت استحقاقات الحل عندها تتجاوز كثيراً إنهاء حالة الحرب أو مجرد الاعتراف بوجود إسرائيل إلى ضرورة التطبيع العربي الكامل معها وفتح الأبواب العربية أمامها سياسياً واقتصادياً وثقافياً.‏
          إن هذه الاشتراطات الإسرائيلية، تلاقت وتناغمت مع الاستراتيجية الأمريكية الجديدة للشرق الأوسط والتي تبلورت في التسعينات خصوصاً بعد حرب الخليج وانهيار الاتحاد السوفياتي. وهذه الاستراتيجية تقوم على بناء نظام وسوق شرق أوسطية تنتفي فيها الأولويات والروابط العربية وتشارك فيها إسرائيل وتركيا وغيرهما من البلدان وهو المشروع الذي نشطت بتنفيذه بعد حرب الخليج.‏
          وعندما شرعت الولايات المتحدة بالدعوة إلى مفاوضات عربية إسرائيلية كان الانقسام العربي قد بلغ حداً يستحيل معه أخذ موقف موحد في مواجهة المبادرة الأميركية، ولذلك كان الاشتراك في مؤتمر مدريد في بعض وجوهه بديلاً عن مزيد من التشرذم العربي، والاستفراد الإسرائيلي بهذا الطرف أو ذاك.‏
          لقد كانت المواقف العربية في الطريق إلى مدريد، وأثناء انعقاده تتسم بحد معقول من الاتزان والتماسك، غير أن الأمور بعد انفضاض مؤتمر مدريد وانتقال المفاوضات إلى واشنطن سارت في اتجاه مغاير.‏
          لقد أبدت إسرائيل تعنتاً واضحاً، وبتغطية كاملة من الولايات المتحدة ثم إن المفاوضات العربية الإسرائيلية انقسمت إلى مسارات متعددة، وبعد ذلك ابتدأت المفاوضات المتعددة الأطراف كمسار مواز للمفاوضات الثنائية.‏
          اتفاق أوسلو‏
          وراحت إسرائيل والولايات المتحدة تركزان على تعميق الهوة بين كل مسار وآخر وإثارة الريبة والشكوك بين المفاوضين العرب. وإلى جانب ذلك تم التركيز على المفاوضات المتعددة لفتح فرص التطبيع أولاً بين البلدان العربية وإسرائيل وكانت ذروة التطورات المفاجئة في هذه المفاوضات هي انخراط منظمة التحرير وإسرائيل في مفاوضات سرية لعدة أشهر، توجت باتفاق أوسلو ثم اتفاقات القاهرة حول الحكم الذاتي في غزة وأريحا.‏
          إن النهج الذي اعتمد في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية السرية والأوهام التي أغرقت بها اتفاقات أوسلو والقاهرة كحل للقضية الفلسطينية، وما تضمنته هذه الاتفاقات من التزامات سياسية واقتصادية وأمنية ألحق مزيداً من الضعف بمركز القضية الفلسطينية في إطار المفاوضات العربية الإسرائيلية، وساعد في تعزيز برنامج المفاوضات المتعددة الأطراف والأغراض، وأعطى ذريعة لأطراف عربية عديدة للشروع في إجراءات تطبيعية مع إسرائيل بصرف النظر عن طبيعة وآفاق حل الصراع العربي الإسرائيلي.‏
          اتفاقيات وادي عربة‏
          وخلال الفترة اللاحقة تعرض الأردن إلى ضغوط أمريكية متواصلة بهدف جره إلى مفاوضات منفردة مع إسرائيل فقد شددت أمريكا حصارها العدواني على ميناء العقبة، ومارست عبر صندوق النقد الدولي ونوادي الدائنين في باريس ولندن ابتزازاً كبيراً للأردن في أزمة ديونه الخارجية، ودأبت على التلويح له في ذات الوقت بوعود الدعم المالي وحل مشكلة الديون وتدفق الاستثمارات إذا ما دخل في صلح كامل مع إسرائيل، وبعد توقيع الاتفاقات الفلسطينية الإسرائيلية عملت الولايات المتحدة على إثارة نوازع الخوف لدى الأردن من نتائج تقدم المفاوضات على المسار الفلسطيني ثم السوري كذلك.‏
          لقد جاءت معاهدة الصلح الأردنية -الإسرائيلية في سياق تسارع مفاجئ وغير طبيعي لمسار المفاوضات الأردنية الإسرائيلية، وقد تم التوقيع عليها بالتعارض مع كل التأكيدات الأردنية الرسمية السابقة على الالتزام بالحل الشامل للصراع العربي الإسرائيلي. لقد جاء هذا الاختراق الكبير في المسار الأردني ليقضي على مبدأ الحل الشامل، ويسمح بتعميم نهج الحلول المنفردة الذي ابتدأ في كامب ديفيد، وتواصل في اتفاق أوسلو، ويوجه ضربة قاصمة للمقاطعة العربية مع إسرائيل وتحويل الأردن إلى بوابة عبور نحو الشرق وخصوصاً نحو أسواق بلدان النفط.‏
          أما السلام الذي تبشر به معاهدة الصلح الأردنية الإسرائيلية فإنه وهم كبير لن يتحقق إن لم يتم التوصل إلى حل عادل لكل جوانب الصراع العربي الإسرائيلي وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.‏
          إن فرض الحلول المنفردة يضع المنطقة أمام احتمال التوصل إلى اتفاقات عربية إسرائيلية مع الإبقاء على القضية الفلسطينية بدون حل وهذا يعني الإبقاء على أسباب التوتر والتفجر قائمة في الشرق الأوسط.‏
          لقد نجح الجانب الإسرائيلي بالاستناد إلى دعم وتأييد الولايات المتحدة الأميركية في التلاعب بالأولويات والتي كان يفترض أن تشكل المدخل المنهجي والمنطلق المنطقي لبلوغ الحل الشامل. واتضح كذلك أن الاتفاقيات الثانية التي تم التوصل إليها مع إسرائيل، قد اشتملت على قضايا تمس أطرافاً عربية أخرى لم يجر التشاور معها بشأنها.‏
          لقد حققت إسرائيل نجاحاً في توقيع هذه الاتفاقيات لأنها أعطت أولوية للقضايا التي تحقق لها مكاسب ملموسة كالقضايا الاقتصادية وقضايا التطبيع وقضايا الاندماج الاقتصادي والسياسي في المنطقة بينما دحرت إلى الخلف واجلت البحث في القضايا الأساسية التي تشكل المدخل الفعلي للحل العادل والشامل.‏
          السؤال الرابع: كيف ترون ضرورة الربط بين الخاص الوطني والعام القومي من أجل بناء الجبهة الوطنية الشعبية العربية العريضة لمقاومة المشروع الصهيوني سياسياً واقتصادياً وثقافياً؟‏
          لم تكن القضية الفلسطينية في يوم من الأيام قضية الشعب الفلسطيني وحده، أنها قضية كل العرب، وبقائها دون حل عادل وشامل هو بسبب عدم الربط الجدلي بين خصوصيتها كقضية لشعب عربي فلسطيني وقضية عربية. إن تجربة الخمسين عاماً الماضية من النضال البطولي للشعب الفلسطيني أكدت أن الجهد العربي ولا سيما الجهد الرسمي العربي في دعم النضال الفلسطيني قد استخدم لصالح الخاص العربي لكل بلد عربي بمفرده ولحل التناقض بين الشعوب العربية والسلطات الحاكمة في كل قطر عربي.‏
          إن التلاحم الكفاحي العربي الفلسطيني المبني على الصدق والإخلاص والمعرفة العلمية لقوانين الصراع كفيل بدفع النضال المشترك خطوات إيجابية للإمام وهذا يتطلب تدارك النواقص والأوضاع السلبية وجهوداً جدية لتأمين الاستحقاقات التي تشكل شروطاً لا بد منها في هذه العملية المعقدة.‏
          السؤال الخامس: في رأيكم وعلى ضوء المستجدات السياسية الراهنة كيف ترون أشكال الخروج من المأزق؟‏
          ليس مستحيلاً الخروج من المأزق الحالي، فالاعتماد على الجماهير ووعيها والتحلي بالعقلانية الموضوعية، وليس العقلانية الاستسلامية، ووضع الأسس العلمية المستندة إلى تقدير موازين القوى، وحشد التأييد العالمي والذي يتزايد وينمو لصالحنا وتتزايد فيه عزلة حكام إسرائيل، واتخاذ الخطوات الفعلية في تهديد مصالح الإمبريالية الأميركية في المنطقة عملياً وسائل هامة في هذا الاتجاه.‏
          فمثلاً فشل الولايات المتحدة في مؤتمر قطر الاقتصادي لفرض إسرائيل بالقوة على التعاون مع الدول العربية نتيجة مواقف كثير من الدول العربية قد أوضح أن هناك أسلحة وأوراق بيد العرب قادرة إذا ما استخدمت بإرادة عربية خالصة أن تؤثر، وكذلك مؤتمر القمة الإسلامي في طهران ومقرراته، واجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية في الدوحة مؤخراً أمثلة يجب دراستها والاستفادة منها في سياستنا المستقبلية وبالتالي لا بد من التأكيد على ما يلي:‏
          1-تحقيق موقف عربي موحد من خلال إعادة الحد الأدنى للتضامن العربي وإحياء دور الجامعة العربية.‏
          2-تأمين أوسع وأعمق أشكال التنسيق بين الأطراف العربية الأساسية الأردن وسورية والفلسطينيين.‏
          3-التمسك بالثوابت القومية والوطنية على أساس الالتزام بالقرارات الدولية ولا سيما 242 و338 و425 على قاعدة الأرض مقابل السلام وتحقيق الانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة: الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس العربية والجولان والجنوب اللبناني.‏
          4-الالتزام بمبدأ الحل الشامل والتمسك بحق الشعب العربي الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره ومساندة كفاحه من أجل بناء دولته الوطنية المستقلة وبعودة اللاجئين والنازحين الفلسطينيين إلى وطنهم.‏
          5-تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية على قاعدة الثوابت الوطنية‏
          6-مواصلة الجهود لكسب الرأي العام العالمي الذي تحاول إسرائيل تضليله وتحييده.‏
          7-تشكيل جبهة شعبية عربية واسعة على نطاق المنطقة لدعم نضالات الشعب الفلسطيني ومنع كافة أشكال التطبيع الاقتصادي والثقافي والسياسي مع العدو الإسرائيلي.‏

          إذا الشعب يوما أراد الحياة
          فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
          و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
          و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

          تعليق


          • #35
            رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

            أجوبة المفكر والكاتب الفلسطيني
            الدكتور: أحمد صدقي الدجاني‏
            الجواب الأول:‏
            أول ما يتبادر إلى الذهن في محاولة الإجابة على هذا السؤال، هو استحضار المقصود بالهزيمة، ودلالة ضمير المتكلم، ذلك أن موضوع قضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني الذي يدور حوله السؤال، له أبعاده الوطنية والقومية والحضارية والعالمية، ولكل من هذه الأبعاد دائرته التي يمكن التعبير عنها بضمير المتكلم.‏
            الهزيمة من (الهزم) الذي هو (غمر الشيء حتى يتحطم) ويعبر عنه (بالحطم والكسر) وهي اصطلاحاً تدل [على التوقف عن الفعل لانعدام الإرادة الناجم عن تحول في الفكر والتصور أثناء مواجهة "عدو"، وتتجلى في التسليم "لمطالب هذا العدو بعد" الاستسلام "لما يعرضه عنوة].‏
            والهزيمة تتجسد في اتفاق (الاستسلام) آخر الأمر، هو من نوع اتفاقات "الإملاء" duress، يجري إملاؤه dictated بعد أن تتوقف المقاومة العسكرية في أعقاب ضعف صور المقاومة الأخرى الروحية والفكرية والثقافية والاقتصادية ويمثل هذا الاتفاق توقف المقاومة السياسية. وتقع الهزيمة هنا على الصعيد الرسمي الذي وقع الاتفاق والتزم به وقد يشهد الصعيد الشعبي استمرار المقاومة في بعض صورها أو كلها تعبيراً عن رفض الاتفاق المحلي، فلا تكون الهزيمة كاملة ويبقى تحت الرماد "وميض نار يوشك أن يكون لها ضرام" ولا يلبث الانتفاض الشعبي أن يفرض نفسه على الصعيد الرسمي، ويبرز قيادة شعبية تستمد شرعيتها من المقاومة وهذا كثير الحدوث في الصراعات الممتدة.‏
            ضمير المتكلم، كما يتضح من الشق الثاني في السؤال منصرف إلى الدائرة الوطنية الفلسطينية، وهي تقع في الدائرة القومية العربية الأوسع، التي هي جزء من دائرة الحضارة العربية الإسلامية، إحدى الدوائر الحضارية في عالمنا.‏
            انحسار المشروع الوطني الفلسطيني "بدءاً من تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة" التي شهدت توقيع اتفاقيات أوسلو لإقامة حكم ذاتي انتقالي فلسطيني على جزء صغير من فلسطين، جاء في أعقاب حرب حزيران يونيو 1967 التي انتصر الكيان الإسرائيلي فيها، المدعوم من قوى الهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، على مصر وسورية، واحتل سيناء والجولان فضلاً عن القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، وهي الأراضي الفلسطينية التي لم يحتلها عام 1948.‏
            أبرز الأسباب "الأساسية عميقة الغور" التي أدت إلى هذا الانحسار في المشروع الوطني الفلسطيني، هو ما طرأ من تحول بفعل "النكسة" العربية على الشعار القومي العربي الخاص بتحرير فلسطين، الذي أصبح "إزالة آثار عدوان 1967" وما اتصل به من قبول فكرة التسوية السياسية والسير فيها. والتحرك في حدود قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في 11/1967 وقد أوصل هذا التحول على الصعيد الرسمي العربي إلى التخلي عن هدف تحرير فلسطين عملياً والتركيز على هدف تحرير الأراضي العربية المحتلة عام 1967، تدريجياً تكيفت قيادة العمل الفلسطيني التي برزت بعد النكسة وتولت زمام منظمة التحرير الفلسطينية مع هذا التحول، وقبلت عام 1974 قرار قمة الرباط العربية أن تكون المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد لشعب فلسطين، وأن تشارك بدورها في التسوية السياسية، وأن تصوغ برامجها المحلية بدءاً من مشروع النقاط العشر بصورة تناسب ذلك، وصولاً إلى قبول أوسلو في دورات مجلسها الوطني المتعاقبة. وتكشف دراسة حركات التحرر التي واجهت الاستعمار الاستيطاني، أن قوى الهيمنة التي تدعم المستعمر المستوطن تعمد أولاً إلى محاولة إخضاع الدول المحيطة بالقطر الذي يجري استعماره استيطانياً لتمنع مساندة هذه الدول لحركة التحرير التي تقاوم المستوطن أولاً، ثم لتفرض على هذه الدول من خلال (اتفاقات إملاء) ملاحقة أي عمل مسلح ضد المستعمر المستوطن ينطلق من أراضيها.‏
            وهكذا فإن أحد ابرز أسباب التحول الفلسطيني الرسمي عن هدف التحرير: فلسطين كلها هو ما حدث من تحول عربي رسمي عن هذا الهدف، استتبعه التخلي عن الالتزام بالعمل القومي المساند للعمل الوطني.‏
            سبب آخر اقترن بالسبب السابق هو أن جلّ الدول العربية المشاركة في الصراع العربي الصهيوني، انعطفت بعد حرب رمضان 10/1973، إلى متابعة السير في مساعي التسوية السياسية مع قبول الشرط الأمريكي بإيقاف جميع أشكال المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، باسم "التخلي عن العنف واعتماد التفاوض سبيلاً وحيداً للوصول إلى التسوية" وقد قبلت قيادة العمل الفلسطيني هذا الشرط حين وافقت على المشاركة الفلسطينية المحدودة في مؤتمر مدريد يوم 30/10/1991 المعروف باسم مؤتمر سلام الشرق الأوسط، ملبية الشروط التي وضعها (مصمم المؤتمر) الأمريكي ثم وقعت على "نبذ الإرهاب" في اتفاق الاعتراف المتبادل بين الحكومة الإسرائيلية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية يوم 9/9/1997.‏
            وهكذا ساد (أنموذج تفاوض شكلي) تخلى فيه الطرف الفلسطيني عن جلّ أوراقه وأهمها ورقة (المقاومة المسلحة) الأمر الذي جعل شمعون بيريز يصف هذا الأنموذج حين كان وزير خارجية في وزارة اسحق رابين "بيريز يفاوض بيريز" فيختار ماذا يعطي وماذا يمنح من الفتات لأن الفلسطينيين المفاوضين لا يملكون أوراقاً بأيديهم يتفاوضون عليها، وقد كشفت عملية التباحث في مرحلة ما قبل التفاوض المعلن منذ عام 1991 بين قيادة العمل الفلسطيني والإدارة الأمريكية ثم الحكومة الإسرائيلية عن قصور حاد في وفاء هذه القيادة ومتطلبات التفاوض ناجم عن نقص العناية بعلم التفاوض الذي يوضح التوقيت الأنسب للتفاوض وكيفية حصر أوراقه والتعامل بها.‏
            لقد تفاعل هذا السياق مع معاناة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية من ضعف قوي انتابها إثر الخروج من بيروت وحدوث انشقاقات في فصائلها، في ظل ضعف قوي مماثل انتاب النظام العربي منذ إبرام مصر اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، واقترنت هذه المعاناة بوقوع عناصر قيادية فلسطينية وعربية في شرك "وعود أمريكية عرقوبية" نجحت في استمالتهم إلى عالم المباحثات السرية. وأدى ذلك كله إلى أن تفقد قيادة العمل الفلسطيني فضيلة الصبر على المكاره في ساحة النزال في وقت كانت الانتفاضة قد مست العدو (بفزع) وجعلته متطلعاً للهروب من (جحيم غزة) فكان أن قبلت شروطه بدل أن تصبر حتى يفرض عليه تصاعد الانتفاضة قبول شروطها هي.‏
            إن سبر أغوار (واقعنا) في دوائره الفلسطينية والعربية والحضارية الإسلامية، بنظرة نافذة، ترينا أن ما حل بنا من (هزيمة) بفعل تلك الأسباب على الصعيد الرسمي، لم يعم أعضاء النظام العربي الإسلامي، فقد تمسكت أكثر من دولة عربية بالدفاع عن حق المقاومة بكل أشكالها للاحتلال لكل من كانت أرضه محتلة، وعارضت محاولات دمغ المقاومة بأنها إرهاب، وعبرت عن ذلك عملياً بمساندة المقاومة المسلحة في جنوب لبنان وفي فلسطين المحتلة، فكان أن جذبت إلى موقفها هذا دولاً عربية أخرى وغير عربية أيضاً، وحدث مثل ذلك في الدائرة الإسلامية، الأمر الذي أثمر على الصعيد الدولي إفشال محاولة الولايات المتحدة الأمريكية فرض (مكارثية عالمية) في مؤتمر شرم الشيخ تواجه المقاومة بزعم الإرهاب، كما أثمر عرقلة المحاولات الأمريكية لفرض نظام الشرق الأوسط بقيادة الكيان الإسرائيلي على منطقتنا، وها نحن نرى اليوم تحولاً في الدائرة العربية بدأ منذ آخر عام 1994 مع قمة الاسكندرية الثلاثية وبلغ ذروة في القمة العربية أول صيف 1996، أثمر عودة الفعالية للنظام العربي واكبه تحول في الدائرة الفلسطينية، منذ هبة القدس أول خريف 1996.‏
            نرى أيضاً بوضوح أن الهزيمة لم تنفذ إلى الصعيد الشعبي غير الرسمي حيث استمرت جل القوى الشعبية واضعة نصب العين مقاومة العدوان الصهيوني المستمر وتحرير الأراضي العربية المحتلة، وعبرت عن ذلك عملياً بصور كثيرة منها (مقاومة التطبيع) والدفاع عن حق المقاومة المسلحة ودعمها معنوياً ومادياً، كما نرى بوضوح أن هذه المقاومة المسلحة استمرت في صورة حرب شعبية متوسطة المدى في جنوب لبنان، وفي صورة عمليات فدائية في فلسطين المحتلة. ونرى تنامي مقاومة تضاعف إرهاق العدو. وبرؤية فكرية وثقافية واقتصادية ودبلوماسية وسياسية، وانتشار شعار (لا للحل العنصري في فلسطين) وشعار (شرط السلام العادل نبذ اليهود للصهيونية) وشعار (فلسطين العربية الديمقراطية الواحدة) وهذا الذي نراه يضر بقدرة المقاومة على الانتقال بالموقف الرسمي العربي من إحباط أجواء الهزيمة إلى تبني "استراتيجية" المواجهة في صراع النفس الطويل مع إتقان ما تتطلبه من "تكتيك".‏
            الجواب الثاني:‏
            بعد مائة عام على قيام الصهيونية كحركة سياسية.. هل ترون أن المشروع الصهيوني قد تغير؟ وما هي أبرز ملامح التغيير فيه إن وجدت؟‏
            لم يطرأ تغير أساسي في "الصهيونية" فكرة وحركة بعد مضي أكثر من قرن على قيامها، وإنما حدثت تغيرات ثانوية، وتحولات. فالصهيونية لا تزال على صعيد الفكر، فكرة غريبة استعمارية استيطانية عنصرية اصطنعت "قومية" لليهود بزعم أنهم يشكلون "شعباً واحداً" وأنهم غير قابلين للاندماج، مما يجعلهم هدفاً دائماً للاضطهاد. وتعمم هذه الفكرة الصهيونية قراءة لتعاليم الدين اليهودي تزعم أن فلسطين وما حولها من النيل إلى الفرات هي "وطن" هذا الشعب. كما تعمم قراءة تاريخية تزعم بأن "الشعب اليهودي" له تاريخ متصل في فلسطين. والصهيونية لا تزال على صعيد الحركة تسير على نهج برنامج مؤتمرها الأول في بال عام 1897 من حيث تشجيع الاستعمار الاستيطاني اليهودي في فلسطين، وإحكام قبضتها على اليهود في العالم، وإثارة مشاعر العنصرية فيهم، والتحالف مع قوى الهيمنة الغربية وخدمة مصالحها في دائرة الوطن العربي ودائرة الحضارة الإسلامية في العالم الإسلامي، بغية بلوغ السيطرة عليهما.‏
            إن المشروع الصهيوني اليوم -كما يتجلى على أرض الواقع- يجاهر بعزم الصهاينة على "الاستيطان" في كل جزء من أرض فلسطين، وعلى "تهويد" القدس وجعلها عاصمة أبدية (كذا؟) للكيان الإسرائيلي، وعلى الاستمرار في احتلال هضبة الجولان. وهو لا يخفي توجهاته لطرد "الفلسطينيين" من وطنهم باسم "الترانسفير"، ولا العنصرية الصهيونية في ممارسته التي تخدم هذه التوجهات وقد أبرم قادة هذا المشروع داخل الكيان الإسرائيلي وخارجه تحالفاً استراتيجياً مع الولايات المتحدة الأمريكية جعل من (فلسطين المحتلة)" أكبر حاملة طائرات أمريكية" في المنطقة على حد تعبير ناطق عسكري أمريكي، ويسعى هذا التحالف لفرض نظام يحكم سيطرة قوى الهيمنة الغربية على المنطقة ويحمل اسم "نظام الشرق الأوسط".‏
            هذا الثبات على الخطوط الأساسية للصهيونية فكرة وحركة لا يعني أنها لم تشهد تحولات خلال القرن الذي مضى على انعقاد مؤتمرها الأول بفعل ممارساتها على أرض الواقع.‏
            وترسم هذه التحولات خطاً بيانياً متموجاً. فالقيادة الصهيونية للكيان الإسرائيلي لا تزال تدعو بإلحاح اليهود أن يهاجروا من أوطانهم إلى (أرض الميعاد) وهي تسهم أحياناً في تنظيم حملات تهجير لهم، مثل حملة التهجير الكبرى ليهود الاتحاد السوفيتي السابق التي شجعتها الولايات المتحدة الأمريكية، في نهاية الحرب الباردة، وقد سبقتها حملة تهجير الفالاشا من وطنهم اثيوبيا أوائل الثمانينات. ولكن قطاعات واسعة من صهاينة الكيان الإسرائيلي لا تنفي ضيقها من "أعباء التهجير" والاستيعاب التي تقع على كاهلها.‏
            والقيادات الصهيونية للتجمعات اليهودية مع دعمهم الكيان الإسرائيلي غير المحدود لا يبدون الحماس المطلوب في الاستجابة عملياً (للتهجير) في أكثر الدول الغربية.‏
            تحول هام حدث للصهيونية داخل الكيان الإسرائيلي يبدو بجلاء وبعد مضي خمسين سنة على إقامته يتمثل في احتدام صراع بين صهاينة علمانيين وصهاينة متدينين ويعبر هذا الصراع في أحد وجوهه عن تنافس بين الصهاينة الاشكناز الغربيين والصهاينة السفارديم الشرقيين وينجذب إلى خوض هذا الصراع شباب يهود أمريكيون يهاجرون إلى الكيان الإسرائيلي ويسهمون في ملء المستعمرات الاستيطانية ويجمعون بين جنسيتين. وينجم عن هذا الصراع حماس (للنزوح) من الكيان والعودة إلى الوطن في أوساط التجمع الإسرائيلي. وقد جاء في نشرة حاخامين من أجل حقوق الإنسان في 12/1997 التساؤل (كيف ينظر الله إلينا؟ وما حكمه علينا؟ حين يرى يهوداً يهاجمون يهوداً عند الحائط الغربي).‏
            التحالف الاستراتيجي الصهيوني مع قوى الهيمنة الغربية، على الرغم من أنه خط ثابت، إلا أنه يخضع لتحولات بين فترة وأخرى. وقد بدأت بعض الدول الغربية الأوروبية تشعر بثقله على مصالحها، وعمدت الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تزال متمسكة به خدمة لمصالحها، إلى تفسيره على هواها حين نشبت أزمة الخليج الثانية فحظرت على الكيان الإسرائيلي القيام بأي تحرك أثناء الأزمة والحرب لإخراج العراق من الكويت مطلع عام 1991.‏
            تبقى الإشارة إلى أن المناخ العالمي المحيط بالصهيونية اليوم مختلف عن ذلك الذي كان قبل قرن. فهي القاعدة الاستعمارية العنصرية الاستيطانية الوحيدة الباقية في آسيا وافريقيا، بعد أن سقطت مثيلاتها في افريقيا، وآخرها في جنوب افريقيا التي تحررت عام 1994 ويبرز في هذا المناخ حساسية شديدة ضد الممارسات العنصرية الصهيونية تدعو إلى المخاطر ما قاله يعقوب ثالمون في "محاسبة النفس"، أثر حرب رمضان من أن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني جاء متأخراً نصف قرن ونضيف نحن "وليس من السهل أن يصمد أمام إرادة التحرير بل هو مستحيل".‏
            الجواب الثالث:‏
            ما هو تأثير الاتفاقات المبرمة بين إسرائيل وعدة أطراف عربية: كامب ديفيد، وادي عربة، وأوسلو على مجرى الصراع العربي الصهيوني؟‏
            مثل توقيع مصر على اتفاقات كامب ديفيد عام 1978 ثم معاهدة 1979 مع الكيان الإسرائيلي بداية مرحلة جديدة في الصراع العربي الصهيوني على صعيد العلاقات الرسمية العربية بهذا الكيان، فلأول مرة في تاريخ الصراع اعترفت دولة عربية به رسمياً ورسمت خط حدود سياسية معه. وقد تكرر هذا الأمر مع الأردن في اتفاق وادي عربة عام 1994. وكانت حكومة لبنان قد أبرمت اتفاق أيار 1983 ولكن المقاومة الشديدة له أثمرت إلغاءه في خريف ذلك العام. وقد جاءت اتفاقات أوسلو 92-94-95 حاملة معها اعترافاً فلسطينياً رسمياً بالكيان الصهيوني الإسرائيلي في خطوط ما قبل حرب عام 1967 ومتضمنة في طياتها الالتزام بالتفاوض على البقية من فلسطين في الضفة والقطاع للوصول إلى ما سمي بالحل النهائي، لأن العدو الصهيوني اعتبرهما من (أرض إسرائيل) المتنازع عليها مع الفلسطينيين.‏
            كان لهذه الاتفاقات آثارها القوية على الصراع ومجراه. فقد فرضت على الأطراف العربية الموقعة عليها فضلاً عن الاعتراف بالكيان الإسرائيلي دولة، الامتناع عن تأييد أي عمل لتحرير فلسطين المحتلة عام 48 والالتزام باحترام (أمن إسرائيل).‏
            وحفلت هذه الاتفاقات التي أشرفت الولايات المتحدة على إبرامها والتوقيع عليها في البيت الأبيض، بنصوص ملأت مئات الصفحات وآلامها تتصل بمختلف نواحي العلاقات الثقافية والاقتصادية والتربوية والتعليمية والأمنية والسياسية، وتستهدف في مجملها تمكين الكيان الإسرائيلي في المحيط العربي. وهذا هو الهدف الذي استهدفه (مصمم) "عملية سلام الشرق الأوسط" الأمريكي التي بدأت في أعقاب زلزال الخليج بانعقاد مؤتمر مدريد يوم 30/10/1991 بمشاركة بقية الأطراف العربية وأطراف دولية.‏
            التطبيق العملي لهذه الاتفاقات كشف استمرار الكيان الإسرائيلي في تبني فكرة الصراع ضد محيطه العربي لصالحه ولصالح قوى الطغيان التي يتحالف معها، واعتماد أساليب في هذا الصراع تناسب مرحلة اتفاقات السلام التي أبرمها. وتتضمن هذه الأساليب تكثيف التجسس والاختراق، وتدبير عمليات تخريبية تستهدف الأمن والاقتصاد وتنظيم حملات إعلامية تسيء لعلاقات الطرف العربي المستهدف دولياً وتضرب نشاط السياحة فيه. وكثيرة هي الأمثلة التي تتداعى إلى الخاطر على هذه الأساليب في ممارسات العدو الصهيوني، من الجاسوس عزام وأمثاله إلى محاولة اغتيال المجاهد خالد مشعل إلى حملات العداء ضد مصر في الكونغرس الأمريكي، ناهيك عن حوادث الاعتداء على السياحة.‏
            نستطيع أن نرى بوضوح أيضاً أن الأطراف العربية في هذه الاتفاقات، تأكدت من النوايا الصهيونية تجاهها، وبدأت تتابع هذه الأساليب الجديدة، وتتصدى لها بما يناسبها من أساليب في مرحلة الاتفاق. وهكذا عاد الصراع إلى الاحتدام بينها وبين الكيان الإسرائيلي في حدود ما رسمته الاتفاقات من خطوط حمر، ومن المتوقع أن يشتد هذا الاحتدام.‏
            لقد شهدت هذه المرحلة الجديدة تصاعد المواجهة العسكرية في جنوب لبنان بين الكيان الإسرائيلي المعتدي الذي يحتل قطاعاً هناك والمقاومة اللبنانية التي تنال دعم لبنان شعباً وحكومة ودعم سورية. ودلل استمرار المقاومة وتصعيدها على نجاح في الدفاع عن حق المقاومة الذي استهدفه التحالف الإسرائيلي الأمريكي بأشد حملات التشويه. ومكن هذا النجاح من مواجهة مخطط المكارثية العالمية الأمريكية كما سبق أن أشرنا.‏
            كذلك شهدت المرحلة الجديدة استمرار عمليات الفداء داخل الكيان الإسرائيلي التي تزعزع أمن أفراده وتردع الممارسات الصهيونية العنصرية ضد شعب فلسطين العربي. وقد حدث هذا الاستمرار بالرغم من كل قيود الاتفاقات وتميز بحدوث تطوير إبداعي في بعض هذه العمليات. الأمر الذي يقطع بإمكان إبداع أساليب جديدة في المقاومة المسلحة الفدائية، في ظل ما تلاقيه من مساندة شعبية واسعة. ولاقت أيضاً أن هذه المرحلة الجديدة تشهد تصاعد صور أخرى من المقاومة الروحية والفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية في فلسطين المحتلة بأجزائها، تحاول الإفادة من حقائق ما بعد أوسلو على أرض الواقع.‏
            مجمل القول أن الاتفاقات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على أطراف عربية في الصراع العربي الصهيوني أثرت سلبياً على الصراع في جوانب كثيرة، ولكنها لم تستطع أن تحول دون بروز الاستجابة العربية للتحدي الصهيوني الذي استغل الاتفاقات لتصعيد عدوانه. وتبدو هذه الاستجابة العربية اليوم واعدة وقادرة على متابعة خوض الصراع وإرهاق العدو.‏
            الجواب الرابع:‏
            كيف ترون ضرورة الربط بين الخاص والعام القومي من أجل بناء الجبهة الوطنية الشعبية العربية العريضة لمقاومة المشروع سياسياً واقتصادياً وثقافياً؟‏
            الحاجة ماسة للربط بين الخاص الوطني (الفلسطيني) والعام القومي (العربي)، والأهم الحضاري (الإسلامي) وحركة التحرر (العالمية)، لمقاومة المشروع الذي تستهدف قوى الهيمنة الغربية الموجدة له منه التسلط على هذه الدوائر جميعها. فالقارونية الغربية حين مكنت الصهيونية العنصرية من استعمار فلسطين استيطانياً، لم تكن تستهدف اغتصاب بيت المقدس وفلسطين فحسب، وإنما استهدفت أيضاً التسلط القهري على الدائرة القومية العربية ودائرة الحضارة الإسلامية التي شارك في تشييدها مؤمنون مسلمون ومسيحيون ومن ملل أخرى وأقوام، وكذلك ضرب قوى التحرير في عالمنا.‏
            الوقت أيضاً مناسب لتحقيق هذا الربط، بعد أن كشفت مجريات أحداث فترة ما بعد زلزال الخليج عما وضعه التحالف الصهيوني الإسرائيلي مع الاستعماري الأمريكي من مخططات شريرة للسيطرة والتسلط القهري على هذه الدوائر جميعها، ظهرت بوضوح في المفاوضات الثنائية والمتعددة الأطراف في عملية (سلام الشرق الأوسط). وبعد أن كشفت أيضاً عن قدرة هذه الدوائر على حشد إمكاناتها لمقاومة هذه المخططات وإفشالها كما رأينا في إفشال المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد بالدوحة 11/1997، وفي تعبئة الطاقات في المؤتمر الإسلامي الذي انعقد بطهران 12/1997.‏
            هذا الربط يتطلب بداية التأكيد على أن يكون الانطلاق من أن قضية فلسطين والقدس في قلبها هي قضية فلسطينية عربية إسلامية تهم حركة التحرر العالمية. وهي من ثم مسؤولية مشتركة على هذه الصعد. كما يتطلب هذا الربط فلسطينياً الحفاظ على الكيان الفلسطيني الواحد، ممثلاً في منظمة التحرير الفلسطينية التي يقف في ساحتها جميع أبناء فلسطين داخل الوطن المحتل وخارجه وإعادة بناء مؤسساتها من خلال تحقيق وحدة وطنية متماسكة بين جميع قوى الشعب وفعالياته وفصائله. ويتطلب هذا الربط عربياً تقوية النظام العربي ومقاومة استبداله بنظام الشرق الأوسط، والتزام جميع أعضائه بمقرراته ومنهم قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. ويتطلب أيضاً في الدائرة الإسلامية تقوية نظام المؤتمر الإسلامي وتمتين الأواصر بينه وبين النظام العربي، وفق آلية محكمة. ويتطلب أخيراً تنظيم أقوى الصلات بحركة التحرر العالمية.‏
            أنواع المقاومة التي نواجه بها هذا المشروع الصهيوني العنصري، تشمل المقاومة الروحية والفكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية. وقد شرحناها وضربنا أمثلة عليها في افتتاح المؤتمر القومي- الإسلامي الثاني 10/1997 وفي "كتاب تفاعلات حضارية وأفكار للنهوض "وكذلك في الحديث عن المشروع النهضوي العربي أمام مؤتمر الأحزاب العربية 12/1996 وشرحها مفكرون عرب آخرون اسهموا في بلورة فكر عربي مقاوم.‏
            مجالات هذه المقاومة واسعة تشمل كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وهي تندرج من المقاومة بالقلب فالنظر والانفاس فاللسان فاليد، والإشارة هنا للحديث الشريف عن مقاومة المنكر باليد وباللسان وبالقلب وهو أضعف الأيمان، ولأبيات لخليل مطران عن المقاومة بالقلم فإذا ما جرى تكسيره فباللسان ثم بالعين فالبزغات. ذلك أن شعار المرحلة الجديدة كما ارتفع.. في المؤتمر القومي- الإسلامي الثاني والعديد من المؤتمرات هو "فلنعتصم بالمقاومة" بكل أنواعها. وكل فرد يسهم بنصيب فيها من النقطة التي يقف عليها. وكل الأمة في مواجهة العدو في سفينة واحدة تضم جميع المقاومين. ولا بديل عن أن ترسو هذه السفينة على شاطئ السلامة في ميناء الانتصار.‏
            الجواب الخامس:‏
            في رأيكم في ضوء المستجدات الراهنة.. كيف ترون أشكال الخروج من المأزق؟‏
            الإجابات التي طرحناها على الأسئلة الأربعة السابقة أوضحت رأينا في كيفية العمل على الصعيدين الرسمي والشعبي وهي تبين في مجملها أن الوقوع في المأزق يحدث عن الكف عن المقاومة، تماماً كما أن خروج من وقع فيه يكون بالعودة إلى المقاومة والتزام سبيل الجهاد بمفهومة الواسع، وصولاً لتحرير فلسطين والقدس والانتصار على الصهيونية العنصرية والقارونية الطاغوتية، وتحقيق أهداف مشروع الأمة الحضاري تحريراً. ووحدة وشورى ديمقراطية وعدلاً وتنمية وتجدّداً حضارياً يسهم في عمران العالم، الذي يعيش فيه المستأمنون بعد أن ينبذوا الصهيونية العنصرية لهم ما لنا وعليهم ما علينا، كما كان شأنهم في حضارتنا العربية الإسلامية.‏

            إذا الشعب يوما أراد الحياة
            فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
            و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
            و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

            تعليق


            • #36
              رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

              أجوبة المفكر والكاتب الفلسطيني
              الدكتور: أحمد صدقي الدجاني‏
              الجواب الأول:‏
              أول ما يتبادر إلى الذهن في محاولة الإجابة على هذا السؤال، هو استحضار المقصود بالهزيمة، ودلالة ضمير المتكلم، ذلك أن موضوع قضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني الذي يدور حوله السؤال، له أبعاده الوطنية والقومية والحضارية والعالمية، ولكل من هذه الأبعاد دائرته التي يمكن التعبير عنها بضمير المتكلم.‏
              الهزيمة من (الهزم) الذي هو (غمر الشيء حتى يتحطم) ويعبر عنه (بالحطم والكسر) وهي اصطلاحاً تدل [على التوقف عن الفعل لانعدام الإرادة الناجم عن تحول في الفكر والتصور أثناء مواجهة "عدو"، وتتجلى في التسليم "لمطالب هذا العدو بعد" الاستسلام "لما يعرضه عنوة].‏
              والهزيمة تتجسد في اتفاق (الاستسلام) آخر الأمر، هو من نوع اتفاقات "الإملاء" duress، يجري إملاؤه dictated بعد أن تتوقف المقاومة العسكرية في أعقاب ضعف صور المقاومة الأخرى الروحية والفكرية والثقافية والاقتصادية ويمثل هذا الاتفاق توقف المقاومة السياسية. وتقع الهزيمة هنا على الصعيد الرسمي الذي وقع الاتفاق والتزم به وقد يشهد الصعيد الشعبي استمرار المقاومة في بعض صورها أو كلها تعبيراً عن رفض الاتفاق المحلي، فلا تكون الهزيمة كاملة ويبقى تحت الرماد "وميض نار يوشك أن يكون لها ضرام" ولا يلبث الانتفاض الشعبي أن يفرض نفسه على الصعيد الرسمي، ويبرز قيادة شعبية تستمد شرعيتها من المقاومة وهذا كثير الحدوث في الصراعات الممتدة.‏
              ضمير المتكلم، كما يتضح من الشق الثاني في السؤال منصرف إلى الدائرة الوطنية الفلسطينية، وهي تقع في الدائرة القومية العربية الأوسع، التي هي جزء من دائرة الحضارة العربية الإسلامية، إحدى الدوائر الحضارية في عالمنا.‏
              انحسار المشروع الوطني الفلسطيني "بدءاً من تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة" التي شهدت توقيع اتفاقيات أوسلو لإقامة حكم ذاتي انتقالي فلسطيني على جزء صغير من فلسطين، جاء في أعقاب حرب حزيران يونيو 1967 التي انتصر الكيان الإسرائيلي فيها، المدعوم من قوى الهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، على مصر وسورية، واحتل سيناء والجولان فضلاً عن القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، وهي الأراضي الفلسطينية التي لم يحتلها عام 1948.‏
              أبرز الأسباب "الأساسية عميقة الغور" التي أدت إلى هذا الانحسار في المشروع الوطني الفلسطيني، هو ما طرأ من تحول بفعل "النكسة" العربية على الشعار القومي العربي الخاص بتحرير فلسطين، الذي أصبح "إزالة آثار عدوان 1967" وما اتصل به من قبول فكرة التسوية السياسية والسير فيها. والتحرك في حدود قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في 11/1967 وقد أوصل هذا التحول على الصعيد الرسمي العربي إلى التخلي عن هدف تحرير فلسطين عملياً والتركيز على هدف تحرير الأراضي العربية المحتلة عام 1967، تدريجياً تكيفت قيادة العمل الفلسطيني التي برزت بعد النكسة وتولت زمام منظمة التحرير الفلسطينية مع هذا التحول، وقبلت عام 1974 قرار قمة الرباط العربية أن تكون المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد لشعب فلسطين، وأن تشارك بدورها في التسوية السياسية، وأن تصوغ برامجها المحلية بدءاً من مشروع النقاط العشر بصورة تناسب ذلك، وصولاً إلى قبول أوسلو في دورات مجلسها الوطني المتعاقبة. وتكشف دراسة حركات التحرر التي واجهت الاستعمار الاستيطاني، أن قوى الهيمنة التي تدعم المستعمر المستوطن تعمد أولاً إلى محاولة إخضاع الدول المحيطة بالقطر الذي يجري استعماره استيطانياً لتمنع مساندة هذه الدول لحركة التحرير التي تقاوم المستوطن أولاً، ثم لتفرض على هذه الدول من خلال (اتفاقات إملاء) ملاحقة أي عمل مسلح ضد المستعمر المستوطن ينطلق من أراضيها.‏
              وهكذا فإن أحد ابرز أسباب التحول الفلسطيني الرسمي عن هدف التحرير: فلسطين كلها هو ما حدث من تحول عربي رسمي عن هذا الهدف، استتبعه التخلي عن الالتزام بالعمل القومي المساند للعمل الوطني.‏
              سبب آخر اقترن بالسبب السابق هو أن جلّ الدول العربية المشاركة في الصراع العربي الصهيوني، انعطفت بعد حرب رمضان 10/1973، إلى متابعة السير في مساعي التسوية السياسية مع قبول الشرط الأمريكي بإيقاف جميع أشكال المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، باسم "التخلي عن العنف واعتماد التفاوض سبيلاً وحيداً للوصول إلى التسوية" وقد قبلت قيادة العمل الفلسطيني هذا الشرط حين وافقت على المشاركة الفلسطينية المحدودة في مؤتمر مدريد يوم 30/10/1991 المعروف باسم مؤتمر سلام الشرق الأوسط، ملبية الشروط التي وضعها (مصمم المؤتمر) الأمريكي ثم وقعت على "نبذ الإرهاب" في اتفاق الاعتراف المتبادل بين الحكومة الإسرائيلية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية يوم 9/9/1997.‏
              وهكذا ساد (أنموذج تفاوض شكلي) تخلى فيه الطرف الفلسطيني عن جلّ أوراقه وأهمها ورقة (المقاومة المسلحة) الأمر الذي جعل شمعون بيريز يصف هذا الأنموذج حين كان وزير خارجية في وزارة اسحق رابين "بيريز يفاوض بيريز" فيختار ماذا يعطي وماذا يمنح من الفتات لأن الفلسطينيين المفاوضين لا يملكون أوراقاً بأيديهم يتفاوضون عليها، وقد كشفت عملية التباحث في مرحلة ما قبل التفاوض المعلن منذ عام 1991 بين قيادة العمل الفلسطيني والإدارة الأمريكية ثم الحكومة الإسرائيلية عن قصور حاد في وفاء هذه القيادة ومتطلبات التفاوض ناجم عن نقص العناية بعلم التفاوض الذي يوضح التوقيت الأنسب للتفاوض وكيفية حصر أوراقه والتعامل بها.‏
              لقد تفاعل هذا السياق مع معاناة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية من ضعف قوي انتابها إثر الخروج من بيروت وحدوث انشقاقات في فصائلها، في ظل ضعف قوي مماثل انتاب النظام العربي منذ إبرام مصر اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، واقترنت هذه المعاناة بوقوع عناصر قيادية فلسطينية وعربية في شرك "وعود أمريكية عرقوبية" نجحت في استمالتهم إلى عالم المباحثات السرية. وأدى ذلك كله إلى أن تفقد قيادة العمل الفلسطيني فضيلة الصبر على المكاره في ساحة النزال في وقت كانت الانتفاضة قد مست العدو (بفزع) وجعلته متطلعاً للهروب من (جحيم غزة) فكان أن قبلت شروطه بدل أن تصبر حتى يفرض عليه تصاعد الانتفاضة قبول شروطها هي.‏
              إن سبر أغوار (واقعنا) في دوائره الفلسطينية والعربية والحضارية الإسلامية، بنظرة نافذة، ترينا أن ما حل بنا من (هزيمة) بفعل تلك الأسباب على الصعيد الرسمي، لم يعم أعضاء النظام العربي الإسلامي، فقد تمسكت أكثر من دولة عربية بالدفاع عن حق المقاومة بكل أشكالها للاحتلال لكل من كانت أرضه محتلة، وعارضت محاولات دمغ المقاومة بأنها إرهاب، وعبرت عن ذلك عملياً بمساندة المقاومة المسلحة في جنوب لبنان وفي فلسطين المحتلة، فكان أن جذبت إلى موقفها هذا دولاً عربية أخرى وغير عربية أيضاً، وحدث مثل ذلك في الدائرة الإسلامية، الأمر الذي أثمر على الصعيد الدولي إفشال محاولة الولايات المتحدة الأمريكية فرض (مكارثية عالمية) في مؤتمر شرم الشيخ تواجه المقاومة بزعم الإرهاب، كما أثمر عرقلة المحاولات الأمريكية لفرض نظام الشرق الأوسط بقيادة الكيان الإسرائيلي على منطقتنا، وها نحن نرى اليوم تحولاً في الدائرة العربية بدأ منذ آخر عام 1994 مع قمة الاسكندرية الثلاثية وبلغ ذروة في القمة العربية أول صيف 1996، أثمر عودة الفعالية للنظام العربي واكبه تحول في الدائرة الفلسطينية، منذ هبة القدس أول خريف 1996.‏
              نرى أيضاً بوضوح أن الهزيمة لم تنفذ إلى الصعيد الشعبي غير الرسمي حيث استمرت جل القوى الشعبية واضعة نصب العين مقاومة العدوان الصهيوني المستمر وتحرير الأراضي العربية المحتلة، وعبرت عن ذلك عملياً بصور كثيرة منها (مقاومة التطبيع) والدفاع عن حق المقاومة المسلحة ودعمها معنوياً ومادياً، كما نرى بوضوح أن هذه المقاومة المسلحة استمرت في صورة حرب شعبية متوسطة المدى في جنوب لبنان، وفي صورة عمليات فدائية في فلسطين المحتلة. ونرى تنامي مقاومة تضاعف إرهاق العدو. وبرؤية فكرية وثقافية واقتصادية ودبلوماسية وسياسية، وانتشار شعار (لا للحل العنصري في فلسطين) وشعار (شرط السلام العادل نبذ اليهود للصهيونية) وشعار (فلسطين العربية الديمقراطية الواحدة) وهذا الذي نراه يضر بقدرة المقاومة على الانتقال بالموقف الرسمي العربي من إحباط أجواء الهزيمة إلى تبني "استراتيجية" المواجهة في صراع النفس الطويل مع إتقان ما تتطلبه من "تكتيك".‏
              الجواب الثاني:‏
              بعد مائة عام على قيام الصهيونية كحركة سياسية.. هل ترون أن المشروع الصهيوني قد تغير؟ وما هي أبرز ملامح التغيير فيه إن وجدت؟‏
              لم يطرأ تغير أساسي في "الصهيونية" فكرة وحركة بعد مضي أكثر من قرن على قيامها، وإنما حدثت تغيرات ثانوية، وتحولات. فالصهيونية لا تزال على صعيد الفكر، فكرة غريبة استعمارية استيطانية عنصرية اصطنعت "قومية" لليهود بزعم أنهم يشكلون "شعباً واحداً" وأنهم غير قابلين للاندماج، مما يجعلهم هدفاً دائماً للاضطهاد. وتعمم هذه الفكرة الصهيونية قراءة لتعاليم الدين اليهودي تزعم أن فلسطين وما حولها من النيل إلى الفرات هي "وطن" هذا الشعب. كما تعمم قراءة تاريخية تزعم بأن "الشعب اليهودي" له تاريخ متصل في فلسطين. والصهيونية لا تزال على صعيد الحركة تسير على نهج برنامج مؤتمرها الأول في بال عام 1897 من حيث تشجيع الاستعمار الاستيطاني اليهودي في فلسطين، وإحكام قبضتها على اليهود في العالم، وإثارة مشاعر العنصرية فيهم، والتحالف مع قوى الهيمنة الغربية وخدمة مصالحها في دائرة الوطن العربي ودائرة الحضارة الإسلامية في العالم الإسلامي، بغية بلوغ السيطرة عليهما.‏
              إن المشروع الصهيوني اليوم -كما يتجلى على أرض الواقع- يجاهر بعزم الصهاينة على "الاستيطان" في كل جزء من أرض فلسطين، وعلى "تهويد" القدس وجعلها عاصمة أبدية (كذا؟) للكيان الإسرائيلي، وعلى الاستمرار في احتلال هضبة الجولان. وهو لا يخفي توجهاته لطرد "الفلسطينيين" من وطنهم باسم "الترانسفير"، ولا العنصرية الصهيونية في ممارسته التي تخدم هذه التوجهات وقد أبرم قادة هذا المشروع داخل الكيان الإسرائيلي وخارجه تحالفاً استراتيجياً مع الولايات المتحدة الأمريكية جعل من (فلسطين المحتلة)" أكبر حاملة طائرات أمريكية" في المنطقة على حد تعبير ناطق عسكري أمريكي، ويسعى هذا التحالف لفرض نظام يحكم سيطرة قوى الهيمنة الغربية على المنطقة ويحمل اسم "نظام الشرق الأوسط".‏
              هذا الثبات على الخطوط الأساسية للصهيونية فكرة وحركة لا يعني أنها لم تشهد تحولات خلال القرن الذي مضى على انعقاد مؤتمرها الأول بفعل ممارساتها على أرض الواقع.‏
              وترسم هذه التحولات خطاً بيانياً متموجاً. فالقيادة الصهيونية للكيان الإسرائيلي لا تزال تدعو بإلحاح اليهود أن يهاجروا من أوطانهم إلى (أرض الميعاد) وهي تسهم أحياناً في تنظيم حملات تهجير لهم، مثل حملة التهجير الكبرى ليهود الاتحاد السوفيتي السابق التي شجعتها الولايات المتحدة الأمريكية، في نهاية الحرب الباردة، وقد سبقتها حملة تهجير الفالاشا من وطنهم اثيوبيا أوائل الثمانينات. ولكن قطاعات واسعة من صهاينة الكيان الإسرائيلي لا تنفي ضيقها من "أعباء التهجير" والاستيعاب التي تقع على كاهلها.‏
              والقيادات الصهيونية للتجمعات اليهودية مع دعمهم الكيان الإسرائيلي غير المحدود لا يبدون الحماس المطلوب في الاستجابة عملياً (للتهجير) في أكثر الدول الغربية.‏
              تحول هام حدث للصهيونية داخل الكيان الإسرائيلي يبدو بجلاء وبعد مضي خمسين سنة على إقامته يتمثل في احتدام صراع بين صهاينة علمانيين وصهاينة متدينين ويعبر هذا الصراع في أحد وجوهه عن تنافس بين الصهاينة الاشكناز الغربيين والصهاينة السفارديم الشرقيين وينجذب إلى خوض هذا الصراع شباب يهود أمريكيون يهاجرون إلى الكيان الإسرائيلي ويسهمون في ملء المستعمرات الاستيطانية ويجمعون بين جنسيتين. وينجم عن هذا الصراع حماس (للنزوح) من الكيان والعودة إلى الوطن في أوساط التجمع الإسرائيلي. وقد جاء في نشرة حاخامين من أجل حقوق الإنسان في 12/1997 التساؤل (كيف ينظر الله إلينا؟ وما حكمه علينا؟ حين يرى يهوداً يهاجمون يهوداً عند الحائط الغربي).‏
              التحالف الاستراتيجي الصهيوني مع قوى الهيمنة الغربية، على الرغم من أنه خط ثابت، إلا أنه يخضع لتحولات بين فترة وأخرى. وقد بدأت بعض الدول الغربية الأوروبية تشعر بثقله على مصالحها، وعمدت الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تزال متمسكة به خدمة لمصالحها، إلى تفسيره على هواها حين نشبت أزمة الخليج الثانية فحظرت على الكيان الإسرائيلي القيام بأي تحرك أثناء الأزمة والحرب لإخراج العراق من الكويت مطلع عام 1991.‏
              تبقى الإشارة إلى أن المناخ العالمي المحيط بالصهيونية اليوم مختلف عن ذلك الذي كان قبل قرن. فهي القاعدة الاستعمارية العنصرية الاستيطانية الوحيدة الباقية في آسيا وافريقيا، بعد أن سقطت مثيلاتها في افريقيا، وآخرها في جنوب افريقيا التي تحررت عام 1994 ويبرز في هذا المناخ حساسية شديدة ضد الممارسات العنصرية الصهيونية تدعو إلى المخاطر ما قاله يعقوب ثالمون في "محاسبة النفس"، أثر حرب رمضان من أن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني جاء متأخراً نصف قرن ونضيف نحن "وليس من السهل أن يصمد أمام إرادة التحرير بل هو مستحيل".‏
              الجواب الثالث:‏
              ما هو تأثير الاتفاقات المبرمة بين إسرائيل وعدة أطراف عربية: كامب ديفيد، وادي عربة، وأوسلو على مجرى الصراع العربي الصهيوني؟‏
              مثل توقيع مصر على اتفاقات كامب ديفيد عام 1978 ثم معاهدة 1979 مع الكيان الإسرائيلي بداية مرحلة جديدة في الصراع العربي الصهيوني على صعيد العلاقات الرسمية العربية بهذا الكيان، فلأول مرة في تاريخ الصراع اعترفت دولة عربية به رسمياً ورسمت خط حدود سياسية معه. وقد تكرر هذا الأمر مع الأردن في اتفاق وادي عربة عام 1994. وكانت حكومة لبنان قد أبرمت اتفاق أيار 1983 ولكن المقاومة الشديدة له أثمرت إلغاءه في خريف ذلك العام. وقد جاءت اتفاقات أوسلو 92-94-95 حاملة معها اعترافاً فلسطينياً رسمياً بالكيان الصهيوني الإسرائيلي في خطوط ما قبل حرب عام 1967 ومتضمنة في طياتها الالتزام بالتفاوض على البقية من فلسطين في الضفة والقطاع للوصول إلى ما سمي بالحل النهائي، لأن العدو الصهيوني اعتبرهما من (أرض إسرائيل) المتنازع عليها مع الفلسطينيين.‏
              كان لهذه الاتفاقات آثارها القوية على الصراع ومجراه. فقد فرضت على الأطراف العربية الموقعة عليها فضلاً عن الاعتراف بالكيان الإسرائيلي دولة، الامتناع عن تأييد أي عمل لتحرير فلسطين المحتلة عام 48 والالتزام باحترام (أمن إسرائيل).‏
              وحفلت هذه الاتفاقات التي أشرفت الولايات المتحدة على إبرامها والتوقيع عليها في البيت الأبيض، بنصوص ملأت مئات الصفحات وآلامها تتصل بمختلف نواحي العلاقات الثقافية والاقتصادية والتربوية والتعليمية والأمنية والسياسية، وتستهدف في مجملها تمكين الكيان الإسرائيلي في المحيط العربي. وهذا هو الهدف الذي استهدفه (مصمم) "عملية سلام الشرق الأوسط" الأمريكي التي بدأت في أعقاب زلزال الخليج بانعقاد مؤتمر مدريد يوم 30/10/1991 بمشاركة بقية الأطراف العربية وأطراف دولية.‏
              التطبيق العملي لهذه الاتفاقات كشف استمرار الكيان الإسرائيلي في تبني فكرة الصراع ضد محيطه العربي لصالحه ولصالح قوى الطغيان التي يتحالف معها، واعتماد أساليب في هذا الصراع تناسب مرحلة اتفاقات السلام التي أبرمها. وتتضمن هذه الأساليب تكثيف التجسس والاختراق، وتدبير عمليات تخريبية تستهدف الأمن والاقتصاد وتنظيم حملات إعلامية تسيء لعلاقات الطرف العربي المستهدف دولياً وتضرب نشاط السياحة فيه. وكثيرة هي الأمثلة التي تتداعى إلى الخاطر على هذه الأساليب في ممارسات العدو الصهيوني، من الجاسوس عزام وأمثاله إلى محاولة اغتيال المجاهد خالد مشعل إلى حملات العداء ضد مصر في الكونغرس الأمريكي، ناهيك عن حوادث الاعتداء على السياحة.‏
              نستطيع أن نرى بوضوح أيضاً أن الأطراف العربية في هذه الاتفاقات، تأكدت من النوايا الصهيونية تجاهها، وبدأت تتابع هذه الأساليب الجديدة، وتتصدى لها بما يناسبها من أساليب في مرحلة الاتفاق. وهكذا عاد الصراع إلى الاحتدام بينها وبين الكيان الإسرائيلي في حدود ما رسمته الاتفاقات من خطوط حمر، ومن المتوقع أن يشتد هذا الاحتدام.‏
              لقد شهدت هذه المرحلة الجديدة تصاعد المواجهة العسكرية في جنوب لبنان بين الكيان الإسرائيلي المعتدي الذي يحتل قطاعاً هناك والمقاومة اللبنانية التي تنال دعم لبنان شعباً وحكومة ودعم سورية. ودلل استمرار المقاومة وتصعيدها على نجاح في الدفاع عن حق المقاومة الذي استهدفه التحالف الإسرائيلي الأمريكي بأشد حملات التشويه. ومكن هذا النجاح من مواجهة مخطط المكارثية العالمية الأمريكية كما سبق أن أشرنا.‏
              كذلك شهدت المرحلة الجديدة استمرار عمليات الفداء داخل الكيان الإسرائيلي التي تزعزع أمن أفراده وتردع الممارسات الصهيونية العنصرية ضد شعب فلسطين العربي. وقد حدث هذا الاستمرار بالرغم من كل قيود الاتفاقات وتميز بحدوث تطوير إبداعي في بعض هذه العمليات. الأمر الذي يقطع بإمكان إبداع أساليب جديدة في المقاومة المسلحة الفدائية، في ظل ما تلاقيه من مساندة شعبية واسعة. ولاقت أيضاً أن هذه المرحلة الجديدة تشهد تصاعد صور أخرى من المقاومة الروحية والفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية في فلسطين المحتلة بأجزائها، تحاول الإفادة من حقائق ما بعد أوسلو على أرض الواقع.‏
              مجمل القول أن الاتفاقات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على أطراف عربية في الصراع العربي الصهيوني أثرت سلبياً على الصراع في جوانب كثيرة، ولكنها لم تستطع أن تحول دون بروز الاستجابة العربية للتحدي الصهيوني الذي استغل الاتفاقات لتصعيد عدوانه. وتبدو هذه الاستجابة العربية اليوم واعدة وقادرة على متابعة خوض الصراع وإرهاق العدو.‏
              الجواب الرابع:‏
              كيف ترون ضرورة الربط بين الخاص والعام القومي من أجل بناء الجبهة الوطنية الشعبية العربية العريضة لمقاومة المشروع سياسياً واقتصادياً وثقافياً؟‏
              الحاجة ماسة للربط بين الخاص الوطني (الفلسطيني) والعام القومي (العربي)، والأهم الحضاري (الإسلامي) وحركة التحرر (العالمية)، لمقاومة المشروع الذي تستهدف قوى الهيمنة الغربية الموجدة له منه التسلط على هذه الدوائر جميعها. فالقارونية الغربية حين مكنت الصهيونية العنصرية من استعمار فلسطين استيطانياً، لم تكن تستهدف اغتصاب بيت المقدس وفلسطين فحسب، وإنما استهدفت أيضاً التسلط القهري على الدائرة القومية العربية ودائرة الحضارة الإسلامية التي شارك في تشييدها مؤمنون مسلمون ومسيحيون ومن ملل أخرى وأقوام، وكذلك ضرب قوى التحرير في عالمنا.‏
              الوقت أيضاً مناسب لتحقيق هذا الربط، بعد أن كشفت مجريات أحداث فترة ما بعد زلزال الخليج عما وضعه التحالف الصهيوني الإسرائيلي مع الاستعماري الأمريكي من مخططات شريرة للسيطرة والتسلط القهري على هذه الدوائر جميعها، ظهرت بوضوح في المفاوضات الثنائية والمتعددة الأطراف في عملية (سلام الشرق الأوسط). وبعد أن كشفت أيضاً عن قدرة هذه الدوائر على حشد إمكاناتها لمقاومة هذه المخططات وإفشالها كما رأينا في إفشال المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد بالدوحة 11/1997، وفي تعبئة الطاقات في المؤتمر الإسلامي الذي انعقد بطهران 12/1997.‏
              هذا الربط يتطلب بداية التأكيد على أن يكون الانطلاق من أن قضية فلسطين والقدس في قلبها هي قضية فلسطينية عربية إسلامية تهم حركة التحرر العالمية. وهي من ثم مسؤولية مشتركة على هذه الصعد. كما يتطلب هذا الربط فلسطينياً الحفاظ على الكيان الفلسطيني الواحد، ممثلاً في منظمة التحرير الفلسطينية التي يقف في ساحتها جميع أبناء فلسطين داخل الوطن المحتل وخارجه وإعادة بناء مؤسساتها من خلال تحقيق وحدة وطنية متماسكة بين جميع قوى الشعب وفعالياته وفصائله. ويتطلب هذا الربط عربياً تقوية النظام العربي ومقاومة استبداله بنظام الشرق الأوسط، والتزام جميع أعضائه بمقرراته ومنهم قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. ويتطلب أيضاً في الدائرة الإسلامية تقوية نظام المؤتمر الإسلامي وتمتين الأواصر بينه وبين النظام العربي، وفق آلية محكمة. ويتطلب أخيراً تنظيم أقوى الصلات بحركة التحرر العالمية.‏
              أنواع المقاومة التي نواجه بها هذا المشروع الصهيوني العنصري، تشمل المقاومة الروحية والفكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية. وقد شرحناها وضربنا أمثلة عليها في افتتاح المؤتمر القومي- الإسلامي الثاني 10/1997 وفي "كتاب تفاعلات حضارية وأفكار للنهوض "وكذلك في الحديث عن المشروع النهضوي العربي أمام مؤتمر الأحزاب العربية 12/1996 وشرحها مفكرون عرب آخرون اسهموا في بلورة فكر عربي مقاوم.‏
              مجالات هذه المقاومة واسعة تشمل كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وهي تندرج من المقاومة بالقلب فالنظر والانفاس فاللسان فاليد، والإشارة هنا للحديث الشريف عن مقاومة المنكر باليد وباللسان وبالقلب وهو أضعف الأيمان، ولأبيات لخليل مطران عن المقاومة بالقلم فإذا ما جرى تكسيره فباللسان ثم بالعين فالبزغات. ذلك أن شعار المرحلة الجديدة كما ارتفع.. في المؤتمر القومي- الإسلامي الثاني والعديد من المؤتمرات هو "فلنعتصم بالمقاومة" بكل أنواعها. وكل فرد يسهم بنصيب فيها من النقطة التي يقف عليها. وكل الأمة في مواجهة العدو في سفينة واحدة تضم جميع المقاومين. ولا بديل عن أن ترسو هذه السفينة على شاطئ السلامة في ميناء الانتصار.‏
              الجواب الخامس:‏
              في رأيكم في ضوء المستجدات الراهنة.. كيف ترون أشكال الخروج من المأزق؟‏
              الإجابات التي طرحناها على الأسئلة الأربعة السابقة أوضحت رأينا في كيفية العمل على الصعيدين الرسمي والشعبي وهي تبين في مجملها أن الوقوع في المأزق يحدث عن الكف عن المقاومة، تماماً كما أن خروج من وقع فيه يكون بالعودة إلى المقاومة والتزام سبيل الجهاد بمفهومة الواسع، وصولاً لتحرير فلسطين والقدس والانتصار على الصهيونية العنصرية والقارونية الطاغوتية، وتحقيق أهداف مشروع الأمة الحضاري تحريراً. ووحدة وشورى ديمقراطية وعدلاً وتنمية وتجدّداً حضارياً يسهم في عمران العالم، الذي يعيش فيه المستأمنون بعد أن ينبذوا الصهيونية العنصرية لهم ما لنا وعليهم ما علينا، كما كان شأنهم في حضارتنا العربية الإسلامية.‏

              إذا الشعب يوما أراد الحياة
              فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
              و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
              و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

              تعليق


              • #37
                رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                أجوبة دولة السيد طاهر المصري
                رئيس الوزراء الأردني الأسبق‏
                الحركة الصهيونية نشأت في أوروبا وهي نتاج تعبئة دينية حازمة ومستمرة على مدى قرون طويلة مورست على اليهود بدقة وإلحاح والتزام وقبول لا مثيل لها في تاريخ العالم. وكانت المعتقدات اليهودية والذهنية التي ترتبت على ذلك تؤدي إلى تقوقع اليهود داخل أطر ضيقة وانغلاق شديد سمي فيما بعد بالغيتو. وهذا أدى بدوره إلى محاصرة هذه المجتمعات للأقلية اليهودية مما جعلها تعتمد على نفسها وتبني أنظمتها الداخلية بشديد من الكتمان وبتقيد كبير، فالتحدي والظروف المعيشية والتمييز ثم المفاهيم الدينية المعتمدة في كثير من الأحيان على الخرافات، كانت الأداة التي استعملها رواد الحركة الصهيونية ومفكروها.‏
                وقد تزامن هذا الوضع الفكري والاجتماعي لليهود في أوروبا مع بدايات الثورة الصناعية الكبرى فيها وبداية فصل الدولة عن الكنيسة، مما أفسح مجالاً للدعاة اليهود أن يكونوا، ولو بقدر صغير جداً، جزءاً من هذه النهضة وأن يتعلموا من الأوروبين خلال القرون الثلاث قبل الحرب العالمية الأولى، مظاهر الحياة الجديدة من ديموقراطية وعلمانية ومن أفكار اجتماعية واقتصادية ومن تطور علمي وفني وأدبي، واقترب المفكرون والماليون والسياسيون اليهود من كثير من مراكز صناعة القرار في أوروبا، في الوقت الذي بدأت بوادر انهيار الخلافة العثمانية بالظهور في النصف الثاني من القرن الماضي، ونتذكر هنا أن أوروبا في تلك الحقبة كانت تستعمر العالم وتستغل خيراته وكان لليهود في ذلك حصة.‏
                في المقابل كان العرب يرزحون تحت الحكم العثماني ويعانون من بؤس وتأخر شديدين فرضه مرض الدولة العثمانية وهرمها. وانهمكت النخبة السياسية والدينية الإصلاحية العربية في البحث عن الهوية وإعادة تأكيدها وفي النضال للحصول على الحقوق السياسية. ولم تكد هذه الحركات تتلمس طريقها وتأخذ واقعاً ملموساً عند بدايات القرن العشرين ومع حلول الحرب العالمية الأولى، حتى فرض الأوروبيون المستعمرون أجندتهم على شعب المنطقة وعلى الأقاليم العربية، وقد فعلوا ذلك خدمة لمصالحهم. واستطاعت الحركة الصهيونية التي أصبحت ذات تأثير هام على السياسة الأوروبية ربط مصالحها مع مصلحة أسياد النظام العالمي في ذلك الحين بريطانيا وفرنسا وقسموا العرب عبر سايكس- بيكو واستغلوا التناقضات والجهل والتأخر. وبقي العرب على هذا المنوال منذ ذلك الحين إلى وقتنا هذا.‏
                بل أن الوضع قد ازداد سوءاً عندما تقدمت باقي أقاليم العالم اقتصادياً وسياسياً، وأصبحت معظم الدول ذات أنظمة ديموقراطية وتبني مجتمعات عصرية بدرجات متفاوتة. بل أكثر من ذلك، فإن الدول الديموقراطية، وبالذات الاستعمارية سابقاً منها(وأقصد هنا أوروبا) أصبحت تعمل بجد وثبات على إلغاء الدولة القطرية تدريجياً لصالح دولة الاتحاد الكبرى. بينما نحن لم ننشئ بعد الدولة القطرية الحقيقية، التي هي في رأيي الخطوة الأولى الحقيقية نحو بناء الوحدة العربية. الدولة القطرية بمفهومي هي تلك الدولة التي تتبع النظام الديموقراطي النيابي، والتي تؤمن بالتعددية السياسية وتديرها مؤسسات المجتمع المدني. الدولة القطرية الحقيقية هي التي يسير دستورها على مبدأ فصل السلطات ويعيش مجتمعها في ظل سيادة القانون وتكافؤ الفرص. فأين نحن الآن من هذه الأسس والمبادئ بل البديهيات في المفهوم الديمقوقراطي.‏
                ولهذا فإنني أقول أن أول خطوة على طريق بناء النظام العربي الجديد والخروج من عصر الذل والهوان الذي تعيش فيه الأمة العربية، هي خطوة بناء الدولة القطرية طريقنا الأكيد إلى الوحدة العربية، بناء الدولة الديموقراطية الحقيقية والمجتمع المدني، الدولة التي تزاوج في مجتمعها بين إرثها العربي الإسلامي العريق وبين متطلبات العصر.‏
                وحتى نكون واقعيين، يجب أن نعترف بأن الوحدة العربية الشاملة التي نريدها، لن تتحقق بجرة قلم. بل هي عمل دؤوب متواصل ومتراكم. ولابد أن يبدأ هذا العمل من القاعدة ليصل إلى القمة. الوحدة العربية يجب أن تتحقق أولاً داخل كل إقليم عربي. وتلتقي فيما بعد دولة الوحدة في ذلك الإقليم مع دولة الوحدة في الأقاليم الأخرى في اتحاد. الأقاليم العربية في تقديري هي: إقليم المشرق العربي ويضم سورية لبنان العراق الأردن وفلسطين. وإقليم الجزيرة العربية ويضم كل دولها. وإقليم المغرب العربي ويضم ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا. وإقليم وادي النيل ويضم مصر والسودان والصومال.‏
                المصالح الاقتصادية يجب أن تكون عنصراً هاماً من عناصر ربط هذه الدول ببعضها البعض والأقاليم ببعضها البعض. وهذا الربط يجب أن يكون ربطاً حقيقياً ومتكاملاً يؤدي فوائد ومنافع لكل إقليم.‏
                الحركة الصهيونية وإسرائيل والغرب يعلمون جيداً أن اتحاد الدول العربية على موقف ما أو اتفاقهم على سياسة ما، يمكنهم من الوصول إلى هدفهم. لذلك، ذهبت كل الجهود العربية للوصول إلى اتفاق حول حل القضية الفلسطينية أدراج الرياح. وتمت مقاومة فكرة المؤتمر الدولي لحل القضية الفلسطينية وتطبيق مبادئ وقرارات الشرعية الدولية. ولكن بعد حرب الخليج عام 1991 وانهيار كل مظاهر التضامن والاتفاق والتعاون العربي، هرعت الولايات المتحدة لجمع العرب وإسرائيل حول طاولة المفاوضات. وهي الدولة الأولى التي كانت ترفض مثل هذا الأمر. أما الآن، فإنها قد تأكدت أن عناصر الاستفراد بكل بلد عربي قد تأمنت أكثر من أي وقت مضى. والاستفراد هو الذي يحقق لإسرائيل أكبر قدر من أهدافها. تندرج اتفاقية كامب ديفيد، واتفاقية أوسلو واتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية، تحت هذا العنوان: (الاستفراد). وحققت إسرائيل في كل حالة أهدافها المرحلية ومراميها. الفرصة الأهم التي أتيحت للعرب للخروج من الاستفراد هو في عقد مؤتمر مدريد. ولكن الولايات المتحدة، راعية المؤتمر، ومن خلفها إسرائيل، كانت تعلم مسبقاً أن شكوك الأطراف العربية ومخاوفها من بعضها البعض أكبر في كثير من الأحيان من شكوكها ومخاوفها تجاه الولايات المتحدة. وتفرق العرب المفاوضون بعد مدريد. ولأغراض الأمانة الفكرية أريد أن أسجل أن انهيار العمل العربي المشترك بعد حرب الخليج لم يكن العامل الوحيد الذي أدى إلى التحرك الأمريكي لحل الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية. فهناك عوامل أخرى منها انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة وتقلص الدعم المعنوي السياسي لوجهة النظر العربية. وكذلك انحسار الأرصدة العربية وعدم وجود تسليحي بديل لتلك الدول التي تستخدم الأسلحة الروسية.‏
                نعود إلى الحركة الصهيونية لنقول أن مشروعها لازال مستمراً بل يتصاعد. والمشروع الصهيوني هو مشروع يعتمد على سياسية المراحل وتراكمي. في بداية القرن لم يكن في فلسطين إلا بضع عشرات الآلاف من اليهود. وكانوا هم الأقلية والفلسطينيون الأكثرية. ولكن المشروع الصهيوني لم يأبه بذلك، بل ركز على الأرض وعلى حيازتها. وعندما تمكن من الأرض بطرقه المختلفة أعلن قيام إسرائيل عام 1948 أي بعد 50 عاماً بالتمام والكمال على عقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل. ومنذ ذلك الوقت، تاريخ إنشاء إسرائيل، أصبحت هي الوريث الشرعي للحركة الصهيونية.‏
                وبعد حوالي 20 عاماً من إنشائها، قامت إسرائيل باحتلال باقي فلسطين وبدأت بتنفيذ مرحلة جديدة من مخطط الحركة الصهيونية. وبدأت مرة أخرى تستحوذ على الأرض وتبني المستوطنات في الضفة الغربية وغزة. وفي هذه المرة أيضاً، كانت إسرائيل تعلم أن الفلسطينيين هم الأكثرية والمستوطنون هم الأقلية. ولكنها تخطط لقلب المعادلة السكانية بوسائلها الخاصة وعبر فترة زمنية. وعندما تصبح بنود المعادلة لصالحها، سوف تعلن عن ضم باقي فلسطين إلى السيادة الإسرائيلية. ومن هنا تنبع المخاوف من إقامة الوطن البديل. وأعتقد أنها مخاوف حقيقية، بل أتمادى وأقول أن إسرائيل والولايات المتحدة تعملان على تهيئة الظروف لإنجاب هذا المخلوق غير الشرعي.‏
                والمشروع الصهيوني يستعمل الآن أساليب مختلفة لتحقيق أهدافه. فأدوات إسرائيل أثناء الحرب الباردة، اختلفت عنها في عصر العالم أحادي القطبية، عصر المصالح الاقتصادية والعولمة، عصر التكنولوجيا والعلم وثورة المعلومات، بل عصر الأنظمة الديموقراطية. وأصبحت إسرائيل تستعمل الأدوات التي تناسب العصر. وهي تفتح لها دائماً آفاقاً جديدة. الباب الجديد التي ولجت إليه مؤخراً وسوف يظهر أثره في السنوات القادمة، هو نجاح إسرائيل في الربط مع كنائس مسيحية تدعو إلى الديانة اليهودية- المسيحية المشتركة، وتؤمن بالتوراة مثل إيمانها بالإنجيل. وهي بالتالي تؤمن بإسرائيل كمعتقد ديني، تماماً كما يؤمن اليهودي بإسرائيل. وقد أصبحت هذه الفئات تعد بعشرات الملايين في الولايات المتحدة وحدها.‏
                وخطوات الفاتيكان تجاه إسرائيل واليهود منذ عام 1963 وصولاً إلى عقد اتفاقية هامة جداً بينهما عام 1993 ثم عام 1997 وصولاً إلى الإعلان البابوي قبل أسابيع حول محرقة النازية لليهود، وما هي إلا خطوات على نفس الطريق.‏
                لقد كان القرن التاسع عشر هو عصر الصراع بين القوميات. وكان القرن العشرين هو عصر الصراع بين الأيديولوجيات، فهل يكون القرن الواحد والعشرين هو عصر الصراع بين الأديان؟‏

                وذكرى مرور خمسين عاماً على إنشاء إسرائيل واغتصاب فلسطين يجب أن تكون وقفة تأمل للماضي وللمستقبل. يقول المؤرخ الفيلسوف توينبي إن الأمم عندما تواجه تحدياً حقيقياً إما أنها تواجهه وتعيش وإما أن تهرب من التحدي وتندثر. نحن أمة عربية واجهت التحديات عبر آلاف السنين وانتصرت وبقيت. ولكننا في هذا العصر، لازلنا لا نواجه التحدي بما يستحقه من نضال. فهذا التحدي هو أخطر ما واجهناه لأنه ليس إلاّاستعماراً احلالياً. يقتلع السكان ويلغي مظاهر التراث والجذور، ليأتي بسكانه وينشأ تراثه وثقافته.‏

                إذا الشعب يوما أراد الحياة
                فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                تعليق


                • #38
                  رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                  أجوبة دولة السيد طاهر المصري
                  رئيس الوزراء الأردني الأسبق‏
                  الحركة الصهيونية نشأت في أوروبا وهي نتاج تعبئة دينية حازمة ومستمرة على مدى قرون طويلة مورست على اليهود بدقة وإلحاح والتزام وقبول لا مثيل لها في تاريخ العالم. وكانت المعتقدات اليهودية والذهنية التي ترتبت على ذلك تؤدي إلى تقوقع اليهود داخل أطر ضيقة وانغلاق شديد سمي فيما بعد بالغيتو. وهذا أدى بدوره إلى محاصرة هذه المجتمعات للأقلية اليهودية مما جعلها تعتمد على نفسها وتبني أنظمتها الداخلية بشديد من الكتمان وبتقيد كبير، فالتحدي والظروف المعيشية والتمييز ثم المفاهيم الدينية المعتمدة في كثير من الأحيان على الخرافات، كانت الأداة التي استعملها رواد الحركة الصهيونية ومفكروها.‏
                  وقد تزامن هذا الوضع الفكري والاجتماعي لليهود في أوروبا مع بدايات الثورة الصناعية الكبرى فيها وبداية فصل الدولة عن الكنيسة، مما أفسح مجالاً للدعاة اليهود أن يكونوا، ولو بقدر صغير جداً، جزءاً من هذه النهضة وأن يتعلموا من الأوروبين خلال القرون الثلاث قبل الحرب العالمية الأولى، مظاهر الحياة الجديدة من ديموقراطية وعلمانية ومن أفكار اجتماعية واقتصادية ومن تطور علمي وفني وأدبي، واقترب المفكرون والماليون والسياسيون اليهود من كثير من مراكز صناعة القرار في أوروبا، في الوقت الذي بدأت بوادر انهيار الخلافة العثمانية بالظهور في النصف الثاني من القرن الماضي، ونتذكر هنا أن أوروبا في تلك الحقبة كانت تستعمر العالم وتستغل خيراته وكان لليهود في ذلك حصة.‏
                  في المقابل كان العرب يرزحون تحت الحكم العثماني ويعانون من بؤس وتأخر شديدين فرضه مرض الدولة العثمانية وهرمها. وانهمكت النخبة السياسية والدينية الإصلاحية العربية في البحث عن الهوية وإعادة تأكيدها وفي النضال للحصول على الحقوق السياسية. ولم تكد هذه الحركات تتلمس طريقها وتأخذ واقعاً ملموساً عند بدايات القرن العشرين ومع حلول الحرب العالمية الأولى، حتى فرض الأوروبيون المستعمرون أجندتهم على شعب المنطقة وعلى الأقاليم العربية، وقد فعلوا ذلك خدمة لمصالحهم. واستطاعت الحركة الصهيونية التي أصبحت ذات تأثير هام على السياسة الأوروبية ربط مصالحها مع مصلحة أسياد النظام العالمي في ذلك الحين بريطانيا وفرنسا وقسموا العرب عبر سايكس- بيكو واستغلوا التناقضات والجهل والتأخر. وبقي العرب على هذا المنوال منذ ذلك الحين إلى وقتنا هذا.‏
                  بل أن الوضع قد ازداد سوءاً عندما تقدمت باقي أقاليم العالم اقتصادياً وسياسياً، وأصبحت معظم الدول ذات أنظمة ديموقراطية وتبني مجتمعات عصرية بدرجات متفاوتة. بل أكثر من ذلك، فإن الدول الديموقراطية، وبالذات الاستعمارية سابقاً منها(وأقصد هنا أوروبا) أصبحت تعمل بجد وثبات على إلغاء الدولة القطرية تدريجياً لصالح دولة الاتحاد الكبرى. بينما نحن لم ننشئ بعد الدولة القطرية الحقيقية، التي هي في رأيي الخطوة الأولى الحقيقية نحو بناء الوحدة العربية. الدولة القطرية بمفهومي هي تلك الدولة التي تتبع النظام الديموقراطي النيابي، والتي تؤمن بالتعددية السياسية وتديرها مؤسسات المجتمع المدني. الدولة القطرية الحقيقية هي التي يسير دستورها على مبدأ فصل السلطات ويعيش مجتمعها في ظل سيادة القانون وتكافؤ الفرص. فأين نحن الآن من هذه الأسس والمبادئ بل البديهيات في المفهوم الديمقوقراطي.‏
                  ولهذا فإنني أقول أن أول خطوة على طريق بناء النظام العربي الجديد والخروج من عصر الذل والهوان الذي تعيش فيه الأمة العربية، هي خطوة بناء الدولة القطرية طريقنا الأكيد إلى الوحدة العربية، بناء الدولة الديموقراطية الحقيقية والمجتمع المدني، الدولة التي تزاوج في مجتمعها بين إرثها العربي الإسلامي العريق وبين متطلبات العصر.‏
                  وحتى نكون واقعيين، يجب أن نعترف بأن الوحدة العربية الشاملة التي نريدها، لن تتحقق بجرة قلم. بل هي عمل دؤوب متواصل ومتراكم. ولابد أن يبدأ هذا العمل من القاعدة ليصل إلى القمة. الوحدة العربية يجب أن تتحقق أولاً داخل كل إقليم عربي. وتلتقي فيما بعد دولة الوحدة في ذلك الإقليم مع دولة الوحدة في الأقاليم الأخرى في اتحاد. الأقاليم العربية في تقديري هي: إقليم المشرق العربي ويضم سورية لبنان العراق الأردن وفلسطين. وإقليم الجزيرة العربية ويضم كل دولها. وإقليم المغرب العربي ويضم ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا. وإقليم وادي النيل ويضم مصر والسودان والصومال.‏
                  المصالح الاقتصادية يجب أن تكون عنصراً هاماً من عناصر ربط هذه الدول ببعضها البعض والأقاليم ببعضها البعض. وهذا الربط يجب أن يكون ربطاً حقيقياً ومتكاملاً يؤدي فوائد ومنافع لكل إقليم.‏
                  الحركة الصهيونية وإسرائيل والغرب يعلمون جيداً أن اتحاد الدول العربية على موقف ما أو اتفاقهم على سياسة ما، يمكنهم من الوصول إلى هدفهم. لذلك، ذهبت كل الجهود العربية للوصول إلى اتفاق حول حل القضية الفلسطينية أدراج الرياح. وتمت مقاومة فكرة المؤتمر الدولي لحل القضية الفلسطينية وتطبيق مبادئ وقرارات الشرعية الدولية. ولكن بعد حرب الخليج عام 1991 وانهيار كل مظاهر التضامن والاتفاق والتعاون العربي، هرعت الولايات المتحدة لجمع العرب وإسرائيل حول طاولة المفاوضات. وهي الدولة الأولى التي كانت ترفض مثل هذا الأمر. أما الآن، فإنها قد تأكدت أن عناصر الاستفراد بكل بلد عربي قد تأمنت أكثر من أي وقت مضى. والاستفراد هو الذي يحقق لإسرائيل أكبر قدر من أهدافها. تندرج اتفاقية كامب ديفيد، واتفاقية أوسلو واتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية، تحت هذا العنوان: (الاستفراد). وحققت إسرائيل في كل حالة أهدافها المرحلية ومراميها. الفرصة الأهم التي أتيحت للعرب للخروج من الاستفراد هو في عقد مؤتمر مدريد. ولكن الولايات المتحدة، راعية المؤتمر، ومن خلفها إسرائيل، كانت تعلم مسبقاً أن شكوك الأطراف العربية ومخاوفها من بعضها البعض أكبر في كثير من الأحيان من شكوكها ومخاوفها تجاه الولايات المتحدة. وتفرق العرب المفاوضون بعد مدريد. ولأغراض الأمانة الفكرية أريد أن أسجل أن انهيار العمل العربي المشترك بعد حرب الخليج لم يكن العامل الوحيد الذي أدى إلى التحرك الأمريكي لحل الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية. فهناك عوامل أخرى منها انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة وتقلص الدعم المعنوي السياسي لوجهة النظر العربية. وكذلك انحسار الأرصدة العربية وعدم وجود تسليحي بديل لتلك الدول التي تستخدم الأسلحة الروسية.‏
                  نعود إلى الحركة الصهيونية لنقول أن مشروعها لازال مستمراً بل يتصاعد. والمشروع الصهيوني هو مشروع يعتمد على سياسية المراحل وتراكمي. في بداية القرن لم يكن في فلسطين إلا بضع عشرات الآلاف من اليهود. وكانوا هم الأقلية والفلسطينيون الأكثرية. ولكن المشروع الصهيوني لم يأبه بذلك، بل ركز على الأرض وعلى حيازتها. وعندما تمكن من الأرض بطرقه المختلفة أعلن قيام إسرائيل عام 1948 أي بعد 50 عاماً بالتمام والكمال على عقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل. ومنذ ذلك الوقت، تاريخ إنشاء إسرائيل، أصبحت هي الوريث الشرعي للحركة الصهيونية.‏
                  وبعد حوالي 20 عاماً من إنشائها، قامت إسرائيل باحتلال باقي فلسطين وبدأت بتنفيذ مرحلة جديدة من مخطط الحركة الصهيونية. وبدأت مرة أخرى تستحوذ على الأرض وتبني المستوطنات في الضفة الغربية وغزة. وفي هذه المرة أيضاً، كانت إسرائيل تعلم أن الفلسطينيين هم الأكثرية والمستوطنون هم الأقلية. ولكنها تخطط لقلب المعادلة السكانية بوسائلها الخاصة وعبر فترة زمنية. وعندما تصبح بنود المعادلة لصالحها، سوف تعلن عن ضم باقي فلسطين إلى السيادة الإسرائيلية. ومن هنا تنبع المخاوف من إقامة الوطن البديل. وأعتقد أنها مخاوف حقيقية، بل أتمادى وأقول أن إسرائيل والولايات المتحدة تعملان على تهيئة الظروف لإنجاب هذا المخلوق غير الشرعي.‏
                  والمشروع الصهيوني يستعمل الآن أساليب مختلفة لتحقيق أهدافه. فأدوات إسرائيل أثناء الحرب الباردة، اختلفت عنها في عصر العالم أحادي القطبية، عصر المصالح الاقتصادية والعولمة، عصر التكنولوجيا والعلم وثورة المعلومات، بل عصر الأنظمة الديموقراطية. وأصبحت إسرائيل تستعمل الأدوات التي تناسب العصر. وهي تفتح لها دائماً آفاقاً جديدة. الباب الجديد التي ولجت إليه مؤخراً وسوف يظهر أثره في السنوات القادمة، هو نجاح إسرائيل في الربط مع كنائس مسيحية تدعو إلى الديانة اليهودية- المسيحية المشتركة، وتؤمن بالتوراة مثل إيمانها بالإنجيل. وهي بالتالي تؤمن بإسرائيل كمعتقد ديني، تماماً كما يؤمن اليهودي بإسرائيل. وقد أصبحت هذه الفئات تعد بعشرات الملايين في الولايات المتحدة وحدها.‏
                  وخطوات الفاتيكان تجاه إسرائيل واليهود منذ عام 1963 وصولاً إلى عقد اتفاقية هامة جداً بينهما عام 1993 ثم عام 1997 وصولاً إلى الإعلان البابوي قبل أسابيع حول محرقة النازية لليهود، وما هي إلا خطوات على نفس الطريق.‏
                  لقد كان القرن التاسع عشر هو عصر الصراع بين القوميات. وكان القرن العشرين هو عصر الصراع بين الأيديولوجيات، فهل يكون القرن الواحد والعشرين هو عصر الصراع بين الأديان؟‏

                  وذكرى مرور خمسين عاماً على إنشاء إسرائيل واغتصاب فلسطين يجب أن تكون وقفة تأمل للماضي وللمستقبل. يقول المؤرخ الفيلسوف توينبي إن الأمم عندما تواجه تحدياً حقيقياً إما أنها تواجهه وتعيش وإما أن تهرب من التحدي وتندثر. نحن أمة عربية واجهت التحديات عبر آلاف السنين وانتصرت وبقيت. ولكننا في هذا العصر، لازلنا لا نواجه التحدي بما يستحقه من نضال. فهذا التحدي هو أخطر ما واجهناه لأنه ليس إلاّاستعماراً احلالياً. يقتلع السكان ويلغي مظاهر التراث والجذور، ليأتي بسكانه وينشأ تراثه وثقافته.‏

                  إذا الشعب يوما أراد الحياة
                  فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                  و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                  و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                  تعليق


                  • #39
                    رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                    أجوبة الأستاذ: محمد مساعد الصالح
                    كاتب وصحفي،‏
                    رئيس تحرير جريدة الوطن الكويتية الأسبق‏
                    س1: لماذا هزمنا.. وأية عوامل ترونها أسباباً في انحسار المشروع الوطني الفلسطيني بدءاً من تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة.‏
                    الجواب: لماذا انهزمنا أو بالأحرى لماذا انتصر الكيان الصهيوني يستدعي أن نستعرض إنجازات الحركة الصهيونية التي جعلتها تنتصر وننهزم نحن هذه الأسباب نجملها بالنقاط التالية:‏
                    1- نجحت الحركة الصهيونية عبر تنظيمها المحكم في ربط كافة التجمعات اليهودية في العالم.‏
                    2- استطاعت الحركة الصهيونية أن تنشئ علاقة قوية مع بريطانيا ثم أمريكا باعتبارهما دولاً إمبريالية تربطهما مصالح مع الكيان الصهيوني.‏
                    3- استطاعت الحركة الصهيونية في إقناع آلاف اليهود بالهجرة إلى فلسطين التي سمتها أرض الميعاد مستفيدة من الاضطهاد الذي تعرض له اليهود كما حدث في ألمانيا.. بل أن الحركة الصهيونية صارت تفتعل عداءاً بين اليهود والمواطنين لإقناعهم بالهجرة إلى فلسطين.‏
                    4- ومن أجل استيعاب اليهود للسكن في الأرض الجديدة في فلسطين فإنها شجعت إقامة المستوطنات ومن خلال السكن للمستوطنين الجدد في هذه المستوطنات استطاعت الصهيونية من تشكيل العصابات المسلحة مثل الهاغاناه ثم الأرغون ثم شتيرن مستفيدة من تشجيع سلطة الانتداب البريطانية التي لقيت منها كل مؤازرة وتشجيع.. في مقابل هذا كان العرب خاضعين للاستعمار المباشر أو غير المباشر من قبل بريطانيا وفرنسا وطبيعي أن تلعب بريطانيا حليفة الصهيونية من عدم تمكين العرب لمقاومة الحركة الصهيونية الزاحفة إلى فلسطين.. بل كان الشعب العربي مشغولاً في الكفاح ضد الوجود الاستعماري في شتى أنحاء الوطن العربي.‏
                    س2: بعد مئة عام على قيام الصهيونية كحركة سياسية.. هل ترون أن المشروع الصهيوني قد تغير.. وما هي أبرز ملامح التغيير إن وجدت.‏
                    الجواب: الحركة الصهيونية وضعت مخططاً علمياً لإنشاء دولة إسرائيل التي قسمت العرب إلى شرق وغرب.. ولا تزال في خطتها هذه ولا تغيير استراتيجي في تحقيق أهدافها.. وإذا كان هناك تغيير فهو في الوسائل أو التكتيك.. فاتفاقية كامب ديفيد مع أكبر دولة عربية قد حيدت أكبر قوة عسكرية وبشرية في الوطن العربي.. كما أنها أعطت المجال للدول العربية الأخرى للحل المنفرد فكان اتفاق منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل في اتفاقية أوسلو ومع الأردن في اتفاقية وادي عربة.. ولا تزال إسرائيل تعرض الانسحاب من جنوب لبنان في محاولة لجعل سورية منفردة.. وهكذا بدلاً من أن يجابه العرب الكيان الصهيوني كوحدة قائمة بذاتها نجد أن اتفاقية كامب ديفيد قد فتحت المجال للحلول الفردية بالإضافة إلى الشروط المجحفة التي تضمنتها هذه المعاهدات مثل التطبيع السياسي والثقافي..‏
                    س3: ما هو تأثير الاتفاقيات المبرمة بين إسرائيل وعدة أطراف عربية.. كامب ديفيد.. وادي عربة واتفاقيات أوسلو على مجرى الصراع العربي الصهيوني.‏
                    الجواب: هذه المعاهدات تمثل انحرافاً في المسار القومي لتحرير فلسطين من الاغتصاب الصهيوني.. ويخطئ من يظن أن بالإمكان أن يتعايش العرب مع الكيان الإسرائيلي.. كما أنه من السذاجة الاعتقاد أن هذه المعاهدات ستنهي الصراع العربي الإسرائيلي لمصلحة العرب.. وما يحدث هذه الأيام بين الفلسطينيين وإسرائيل خير مثال.. فالخلاف بين أمريكا وإسرائيل يدور حول الانسحاب من 13 في المائة من أراضي الضفة الغربية وبين ما تريده إسرائيل من الانسحاب 9%، حتى مطار غزة ليس من حق السلطة الفلسطينية فتحه ولا تستطيع هذه السلطة مباشرة أي عمل إلا بعد الاستئذان من إسرائيل وكذلك الأمر بالنسبة للدول العربية التي وقعّت اتفاقيات مع إسرائيل فإرادتها ليست حرة ولا تستطيع ممارسة دورها كدول مستقلة. وعلى سبيل المثال ورغم الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان.. ورغم التشدد الإسرائيلي تجاه العرب فإننا لم نسمع عن سحب سفير عربي من تل أبيب.. فأي استقلال وأي تحرير إرادةٍ هذه التي ترددها أجهزة الإعلام العربية الرسمية.‏
                    س4: كيف ترون ضرورة الربط بين الخاص الوطني والعام القومي من أجل الجبهة الوطنية الشعبية العربية العريقة لمقاومة المشروع الصهيوني سياسياً واقتصادياً وثقافياً.‏
                    الجواب: في رأيي المتواضع لا حل للصراع إلا إذا توحد العرب فإسرائيل قامت لتعزِّز التجزئة ونجحت في ذلك مع الأسف الشديد.. فإذا كان العرب قد دخلوا الحرب عام 1948 سبعة كيانات عربية فإنه كان من المفترض أن يكونوا حالياً كياناً واحداً لمجابهة إسرائيل.. ولكن ما حدث هو العكس.. فقد صار العرب 22 كياناً.. وهذه مشكلتنا الرئيسية وإذا كانت الوحدة العربية صعبة التحقيق في وجود 22 حاكم عربي ليسوا على استعداد للتخلي عن كراسيهم.. كما أنه ليس بينهم شكري القوتلي أو سوار الذهب فإنه لا أقل من البدء في التنسيق والتكامل.. ولنبدأ في الاقتصاد فهو المحرك للعمل السياسي.. أننا إذا أردنا الانتصار على إسرائيل فلا بديل من تحقيق الوحدة العربية.‏
                    س5: على ضوء المستجدات السياسية الراهنة.. كيف ترون أشكال الخروج من المأزق.‏
                    الجواب: على الشعب العربي أن يؤمن بالأولويات.. وأولها هي أن الوجود الإسرائيلي خطر داهم على الوجود العربي ومن هنا فإنه يجب حشد كل الطاقات مع العدو الصهيوني.. إذ لا تقدم عربي بوجود الكيان الصهيوني ومن هنا فإنه يجب تحقيق الإصلاحات التالية:‏
                    1- وجود نظام عربي ديمقراطي حيث ينتخب الشعب حكامه وحيث لا يخشى الحاكم من شعبه.. فالملاحظ أن ترسانات الأسلحة في الأقطار العربية كلها مخصصة لخدمة الحاكم وليس لمحاربة العدو الإسرائيلي.‏
                    2- ضرورة تطبيق التكامل الاقتصادي كمرحلة من أجل تحقيق وحدة عربية شاملة.‏

                    3- وإلى أن يتحقق ذلك فالمطلوب تنمية الضفة الغربية وقطاع غزة ليمكن بناء الكيان السياسي إذ لا يمكن أن يضطر العمال الفلسطينيون إلى المشاركة في بناء المستوطنات الإسرائيلية.. كما لا نستطيع توجيه اللوم لهؤلاء العمال في ظل الضائقة المالية التي يعيشون فيها.. وإذ كان العمال العرب يشاركون في بناء المستوطنات فالمؤسف حقاً أن العمالة الآسيوية تملأ بلدان الخليج لتساهم في التشييد الهامشي لأنها لا خبرة لديها كما أن تدني الأجور تجعل هؤلاء لا يعملون‏
                    محمد مساعد الصالح‏

                    إذا الشعب يوما أراد الحياة
                    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                    تعليق


                    • #40
                      رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                      أجوبة الأستاذ: محمد مساعد الصالح
                      كاتب وصحفي،‏
                      رئيس تحرير جريدة الوطن الكويتية الأسبق‏
                      س1: لماذا هزمنا.. وأية عوامل ترونها أسباباً في انحسار المشروع الوطني الفلسطيني بدءاً من تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة.‏
                      الجواب: لماذا انهزمنا أو بالأحرى لماذا انتصر الكيان الصهيوني يستدعي أن نستعرض إنجازات الحركة الصهيونية التي جعلتها تنتصر وننهزم نحن هذه الأسباب نجملها بالنقاط التالية:‏
                      1- نجحت الحركة الصهيونية عبر تنظيمها المحكم في ربط كافة التجمعات اليهودية في العالم.‏
                      2- استطاعت الحركة الصهيونية أن تنشئ علاقة قوية مع بريطانيا ثم أمريكا باعتبارهما دولاً إمبريالية تربطهما مصالح مع الكيان الصهيوني.‏
                      3- استطاعت الحركة الصهيونية في إقناع آلاف اليهود بالهجرة إلى فلسطين التي سمتها أرض الميعاد مستفيدة من الاضطهاد الذي تعرض له اليهود كما حدث في ألمانيا.. بل أن الحركة الصهيونية صارت تفتعل عداءاً بين اليهود والمواطنين لإقناعهم بالهجرة إلى فلسطين.‏
                      4- ومن أجل استيعاب اليهود للسكن في الأرض الجديدة في فلسطين فإنها شجعت إقامة المستوطنات ومن خلال السكن للمستوطنين الجدد في هذه المستوطنات استطاعت الصهيونية من تشكيل العصابات المسلحة مثل الهاغاناه ثم الأرغون ثم شتيرن مستفيدة من تشجيع سلطة الانتداب البريطانية التي لقيت منها كل مؤازرة وتشجيع.. في مقابل هذا كان العرب خاضعين للاستعمار المباشر أو غير المباشر من قبل بريطانيا وفرنسا وطبيعي أن تلعب بريطانيا حليفة الصهيونية من عدم تمكين العرب لمقاومة الحركة الصهيونية الزاحفة إلى فلسطين.. بل كان الشعب العربي مشغولاً في الكفاح ضد الوجود الاستعماري في شتى أنحاء الوطن العربي.‏
                      س2: بعد مئة عام على قيام الصهيونية كحركة سياسية.. هل ترون أن المشروع الصهيوني قد تغير.. وما هي أبرز ملامح التغيير إن وجدت.‏
                      الجواب: الحركة الصهيونية وضعت مخططاً علمياً لإنشاء دولة إسرائيل التي قسمت العرب إلى شرق وغرب.. ولا تزال في خطتها هذه ولا تغيير استراتيجي في تحقيق أهدافها.. وإذا كان هناك تغيير فهو في الوسائل أو التكتيك.. فاتفاقية كامب ديفيد مع أكبر دولة عربية قد حيدت أكبر قوة عسكرية وبشرية في الوطن العربي.. كما أنها أعطت المجال للدول العربية الأخرى للحل المنفرد فكان اتفاق منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل في اتفاقية أوسلو ومع الأردن في اتفاقية وادي عربة.. ولا تزال إسرائيل تعرض الانسحاب من جنوب لبنان في محاولة لجعل سورية منفردة.. وهكذا بدلاً من أن يجابه العرب الكيان الصهيوني كوحدة قائمة بذاتها نجد أن اتفاقية كامب ديفيد قد فتحت المجال للحلول الفردية بالإضافة إلى الشروط المجحفة التي تضمنتها هذه المعاهدات مثل التطبيع السياسي والثقافي..‏
                      س3: ما هو تأثير الاتفاقيات المبرمة بين إسرائيل وعدة أطراف عربية.. كامب ديفيد.. وادي عربة واتفاقيات أوسلو على مجرى الصراع العربي الصهيوني.‏
                      الجواب: هذه المعاهدات تمثل انحرافاً في المسار القومي لتحرير فلسطين من الاغتصاب الصهيوني.. ويخطئ من يظن أن بالإمكان أن يتعايش العرب مع الكيان الإسرائيلي.. كما أنه من السذاجة الاعتقاد أن هذه المعاهدات ستنهي الصراع العربي الإسرائيلي لمصلحة العرب.. وما يحدث هذه الأيام بين الفلسطينيين وإسرائيل خير مثال.. فالخلاف بين أمريكا وإسرائيل يدور حول الانسحاب من 13 في المائة من أراضي الضفة الغربية وبين ما تريده إسرائيل من الانسحاب 9%، حتى مطار غزة ليس من حق السلطة الفلسطينية فتحه ولا تستطيع هذه السلطة مباشرة أي عمل إلا بعد الاستئذان من إسرائيل وكذلك الأمر بالنسبة للدول العربية التي وقعّت اتفاقيات مع إسرائيل فإرادتها ليست حرة ولا تستطيع ممارسة دورها كدول مستقلة. وعلى سبيل المثال ورغم الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان.. ورغم التشدد الإسرائيلي تجاه العرب فإننا لم نسمع عن سحب سفير عربي من تل أبيب.. فأي استقلال وأي تحرير إرادةٍ هذه التي ترددها أجهزة الإعلام العربية الرسمية.‏
                      س4: كيف ترون ضرورة الربط بين الخاص الوطني والعام القومي من أجل الجبهة الوطنية الشعبية العربية العريقة لمقاومة المشروع الصهيوني سياسياً واقتصادياً وثقافياً.‏
                      الجواب: في رأيي المتواضع لا حل للصراع إلا إذا توحد العرب فإسرائيل قامت لتعزِّز التجزئة ونجحت في ذلك مع الأسف الشديد.. فإذا كان العرب قد دخلوا الحرب عام 1948 سبعة كيانات عربية فإنه كان من المفترض أن يكونوا حالياً كياناً واحداً لمجابهة إسرائيل.. ولكن ما حدث هو العكس.. فقد صار العرب 22 كياناً.. وهذه مشكلتنا الرئيسية وإذا كانت الوحدة العربية صعبة التحقيق في وجود 22 حاكم عربي ليسوا على استعداد للتخلي عن كراسيهم.. كما أنه ليس بينهم شكري القوتلي أو سوار الذهب فإنه لا أقل من البدء في التنسيق والتكامل.. ولنبدأ في الاقتصاد فهو المحرك للعمل السياسي.. أننا إذا أردنا الانتصار على إسرائيل فلا بديل من تحقيق الوحدة العربية.‏
                      س5: على ضوء المستجدات السياسية الراهنة.. كيف ترون أشكال الخروج من المأزق.‏
                      الجواب: على الشعب العربي أن يؤمن بالأولويات.. وأولها هي أن الوجود الإسرائيلي خطر داهم على الوجود العربي ومن هنا فإنه يجب حشد كل الطاقات مع العدو الصهيوني.. إذ لا تقدم عربي بوجود الكيان الصهيوني ومن هنا فإنه يجب تحقيق الإصلاحات التالية:‏
                      1- وجود نظام عربي ديمقراطي حيث ينتخب الشعب حكامه وحيث لا يخشى الحاكم من شعبه.. فالملاحظ أن ترسانات الأسلحة في الأقطار العربية كلها مخصصة لخدمة الحاكم وليس لمحاربة العدو الإسرائيلي.‏
                      2- ضرورة تطبيق التكامل الاقتصادي كمرحلة من أجل تحقيق وحدة عربية شاملة.‏

                      3- وإلى أن يتحقق ذلك فالمطلوب تنمية الضفة الغربية وقطاع غزة ليمكن بناء الكيان السياسي إذ لا يمكن أن يضطر العمال الفلسطينيون إلى المشاركة في بناء المستوطنات الإسرائيلية.. كما لا نستطيع توجيه اللوم لهؤلاء العمال في ظل الضائقة المالية التي يعيشون فيها.. وإذ كان العمال العرب يشاركون في بناء المستوطنات فالمؤسف حقاً أن العمالة الآسيوية تملأ بلدان الخليج لتساهم في التشييد الهامشي لأنها لا خبرة لديها كما أن تدني الأجور تجعل هؤلاء لا يعملون‏
                      محمد مساعد الصالح‏

                      إذا الشعب يوما أراد الحياة
                      فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                      و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                      و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                      تعليق


                      • #41
                        رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                        أجوبة المفكر العربي
                        د. محمد جابر الأنصاري‏
                        17/3/1998‏
                        الجواب الأول‏
                        فيما يختص بالسؤال الأول... أرى بداية أنه كان هناك فارقاً في القوة الحضارية بين العرب عموماً وبين المعسكر الغربي المتبني لإسرائيل منذ أن بدأ الصراع العربي الإسرائيلي، أيضاً فإن إسرائيل نفسها بخصائصها المعينة المجتمعية.. إذا ما قورنت بأي مجتمع عربي فإنها تمتلك عناصر قوة فيما يختص بالصراع التكنولوجي والعلمي والعسكري، وهذه القوة انعكست في المجال السياسي بطبيعة الحال، وهذه.... خاصية مهمة من خصائص العصر الحديث، إذ في هذا العصر لا يمكن لأية قوة تمتلك فروسية القتال أن تحقق نصراً ما لم تمتلك فارقاً في القوة التكنولوجية والقوة الحضارية بصفة عامة. في العصور القديمة كان من الممكن لقوى غير متقدمة حضارياً أن تنتصر على قوى متقدمة حضارياً بسبب عنصر الفروسية لديها.. لكن هذا لم يعد ممكناً في العصر الحديث، دائماً فإن الهامش التكنولوجي الحضاري هو الذي يحسم في النهاية المعركة... هذا جانب... وهذه مسألة طويلة النفس، وكان على العرب أن يلتفتوا لهذا الشيء، والنهضة العربية التفتت لهذا الجانب، لكن المسيرة الحضارية في العالم العربي انتكست لأسباب ربما ليس هناك الآن مجالاً لتفصيلها، لكن الفارق الحضاري مازال قائماً بيننا وبين المعسكر الغربي المتبني لإسرائيل ولإسرائيل ذاتها... هذا أولاً.‏
                        ثانياً، كان من الممكن التعويض عن الفارق بتكثيف القدرات العربية كلها في جبهة عربية سياسية وقتالية واحدة وهذا ما تمت محاولته في الواقع ربما بعد عام 1948 إلى عام 1967، ولكن لأسباب معروفة للأسف لم يتمكن العرب الاستمرار في هذه الجبهة السياسية والعسكرية الموحدة وهذا غير عائد فقط في طبيعته لعوامل الصراع العربي الإسرائيلي وإنما أيضاً لعوامل عربية ذاتية، فلماذا لا تستطيع الكيانات العربية حتى الآن تكثيف جهودها في موقف سياسي وعسكري واحد؟ سواء بالنسبة للقضية الفلسطينية أو لقضايا عربية أخرى، هذا بحث يطول، ولكن هنا نسجل أن افتقاد عنصر الوحدة كان من الأسباب التي أدت إلى هزيمتنا كعرب وإلى انحسار المشروع الوطني الفلسطيني من تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة.‏
                        ثالثاً، يوجد سبب آخر، سبق وأن أشرت إليه في أبحاثي عدة مرات، وهو يتعلق بتكوين العرب السياسي... إن هناك تقصيراً سياسياً تطبيقياً وفكرياً في مختلف المجتمعات العربية، فأيضاً حتى وعندما انحسرنا في الموضوع الفلسطيني وفي العمل الفلسطيني القطري انعكس القصور العربي العام في العمل الفلسطيني القطري بطبيعة الحال، وأدى أيضاً إلى أخطاء في الممارسة السياسية... حتى لو أخذنا المسألة في إطارها القطري ومنذ بدأ تطبيق اتفاق أوسلو في واقع الأمر، أنا لم يكن لدي وهم بشأن السقف السياسي لهذا الاتفاق، فالسقف السياسي واضح تماماً وهو أن إسرائيل ستفرض وتملي هذا السقف من حيث منع قيام دولة فلسطينية مستقلة أو إرادة فلسطينية حرة، لكن ما كنت قلقاً بشأنه هو: حتى في نطاق السلطة الفلسطينية وفي نطاق الممنوح والمسموح... إلى أي مدى سنستطيع إثبات قدرتنا على إدارة السياسة، وبخاصة إدارة السياسة المحلية، وهذا أيضاً وبعد التجربة... اتضح أن هناك مواطن قصور ليست خاصة بالفلسطينيين وحدهم بطبيعة الحال.. وإنما خاصة بهذا القصور السياسي العربي العام في إدارة الحياة السياسية العامة.‏
                        إذن أستطيع تلخيص الإجابة على السؤال الأول، بثلاثة أسباب: الفارق الحضاري، افتقاد الوحدة العربية، القصور السياسي العربي العام الذي انعكس فلسطينياً حتى في الدائرة القطرية الفلسطينية.‏
                        الجواب الثاني‏
                        في الإجابة على هذا السؤال أرى: أن التغيير الذي حصل هو اضطرار الحركة الصهيونية إلى الاعتراف بالوجود الفلسطيني، كون أن الإسرائيليين الآن وبعد مقولة غولدا مائير الشهيرة: أين الفلسطينيون؟ إني لا أراهم! فحتماً ومن ناحية مبدئية وأياً كانت النتائج الآنية.... فاضطرار إسرائيل للاعتراف بالوجود الفلسطيني هي نقطة تحول في المشروع الصهيوني.‏
                        نقطة التحول الثانية المهمة في المشروع الصهيوني: هي افتقاد مثالية البداية في المشروع الصهيوني وحدوث تطورات داخلية في الكيان الإسرائيلي باتجاه التأقلم مع الواقع الشرق أوسطي. ما طرح في البداية في فكر هرتزل من أن إسرائيل ستكون واجهة الحضارة الغربية لهذه المنطقة العربية المتخلفة، يعني أن المسألة لم تعد مطروحة بهذا اللون الأسود أو الأبيض، والتجربة العملية والواقعية لإسرائيل نفسها وباعتراف كثير من المفكرين الصهاينة في أن هذا الحكم الصهيوني بدأ ينجرح على أرضية الواقع، وبدأ الكيان الصهيوني يفتقد للقيادات التاريخية أو ما يتصورونه قيادات تاريخية"وحتى أعتقد أن ناحوم غولدمان نفسه في واقع الأمر كتب مقالاً منذ عدة سنوات قال فيه: إن زعماء إسرائيل الحاليين أصبحوا بمثابة زعماء أحياء وزعماء مناطق وليسوا زعماء لدولة أو لمشروع حضاري.‏
                        وربما كان نتنياهو الآن ومعه شارون يمثلان هذا التحول في المرحلة الراهنة.‏
                        الجواب الثالث‏
                        في الجواب على هذا السؤال أقول: إن الإشكالية الرئيسية بين العرب وإسرائيل هو الاختلال في ميزان القوى، والاتفاقيات التي ذكرتها في هذا السؤال هي تحصيل حاصل لهذا الخلل- ولا ننسى أننا قبل هذه الاتفاقيات وعندما كنا سائرين في الخيار العسكري... يعني أيضاً أن الاختلال في ميزان القوى هذا انعكس في خيار الحرب، واختلال القوى مثلما ينعكس في خيار الحرب... فهو ينعكس أيضاً في خيار السلم، والمهرب ليس من الحرب إلى السلم أو من السلم إلى الحرب كما ينادي الآن بعض العرب... ولكن الخلاص والحل هو في كيفية معالجة اختلال توازن القوى، لأن ميزان القوى إذا كان في غير صالحك.......‏
                        فإذا دخلت حرباً أو سلاماً في هذه الحرب.... فكلاهما سيكونان في غير صالحك، إذن العبرة تكمن في توازن القوى وليست بهذه الاتفاقيات أو بالتوجه سلماً أو حرباً.‏
                        إن التحدي الآن كبير جداً، وتوازن القوى في النهاية عائد إلى الإرادة العربية وإلى التوجه لحل القصور الذاتي العربي. نحن نتحدث كثيراً عن نظرية المؤامرة وعن تأثير القوى الكبرى وهذا عامل وارد جداً في المنطقة العربية، والمؤامرة مستمرة، ولكن السؤال: ما الذي يسمح لمفعول المؤامرة أن يستمر؟‏
                        نحن منتبهون إلى أن هناك مؤامرة... ونرى شواهد كثيرة لهذه التدخلات الغربية-إن شئت أن تسميها بمؤامرة- وهذا شيء طبيعي، فالقوى الكبرى تتدخل لصالحها، ولكن لماذا نحن مندهشون ومستغربون من هذا التدخل ومن ازدواج معاييرها؟ هذه ليست جمعيات خيرية، وإنما قوى لها مصالح وستعمل وفقاً لمصالحها، والتاريخ يتحرك بهذا الشكل ولا يتحرك بالشكل الأخلاقي البدائي، نحن منذ خمسين سنة نكرر أننا أصحاب حق.. وهذا صحيح... ونكرر أن الغرب مزدوج المعايير... وهذا صحيح أيضاً، ونكرر أن الغرب يتآمر علينا.... وهذا أيضاً صحيح!‏
                        ولكن ما العمل إذن في ضوء هذه الحقائق التي أصبحت بديهيات؟ والانشغال بتكرارها والاكتفاء بها لن يفيدنا شيئاً، لأن المطلوب هو أن نتوجه لمعالجة القصور الذاتي العربي في التكوين العام وليس فقط في تغيير النظام السياسي أو الموقف في التحول من الحرب إلى السلم أو من السلم إلى الحرب، وإنما التغيير يجب أن يكون في عمق الكيان العربي نفسه.. وهذه أعترف أنها مهمة صعبة وبعيدة المدى وتحتاج إلى نفس طويل وإلى وعي أيضاً بضرورة التغيير، فنحن ما لم نتوجه إلى الذات وإلى معرفة وتشخيص الذات العربية الجمعية والاعتراف بالأخطاء الموجودة في سلوكنا، يعني الاستمرار في الحديث عن المؤامرة لن يحل مشاكلنا، فأوجه القصور تكمن في السلوك العربي وفي الكيان العربي، فعلى المدى القصير يجب أن لا نوهم أنفسنا بإمكانية حدوث تحولات كبيرة.‏
                        الجواب الرابع‏
                        يجب أن نبدأ من الوطني إلى القومي، وأن لا نقفز إلى النتيجة قبل المقدمة، فالوطني هو المقدمة.... والقومي هو النتيجة وهناك خلل في مفهومنا للواقع أيضاً نابع من عقلية المؤامرة: فالمقصود بأن كياناتنا الوطنية كلها عبارة عن مؤامرة استعمارية وكلها تجزئة مصطنعة هو تصور تنقصه العلمية، فإذن يجب أن لا نتعامل مع الوطني وننتظر القومي لينزل علينا من علياء التاريخ أو من علياء التطورات المثالية والأيديولوجية، هذه ليست طريقة عملية مفيدة لمعالجة وضعنا الراهن، فسواء كان الوطني نتيجة لتجزئة دولية أو لتطور تاريخي، والكيانات العربية في الواقع هي إما هذا أو ذاك، لكن نحن الآن في اللحظة الواقعية الراهنة أمام واقع وطني لكل شعب عربي، وما لم نبن الجبهة الوطنية، ونحسن من انتمائنا الوطني ونعرف كيف نقيم المجتمع المدني، وكيف نقيم الدولة الوطنية ونعمق من انتمائنا الوطني فيما يتجاوز القبائل والحدود المحلية الضيقة، والمذاهب والطوائف، فإذا لم نخلق الانتماء الوطني... لن نستطيع أن نخلق الانتماء القومي.‏
                        وفي واقع الأمر، فإن مرور الفكر القومي المشرقي بتجربة سايكس بيكو خلقت لدينا منطقة سوداء في النظر إلى الموضوع، إذ أن الكيان الوطني من وجهة نظر الكثيرين.... لا يمكن النظر إليه! إذا نظرنا بالمقابل لتجربة المغرب العربي... نلاحظ أن الأشقاء هناك لا يعتبرون كياناتهم الوطنية تجزئة مصطنعة، لكنهم يعتبرون أنهم ناضلوا من أجل هذا الاستقلال الوطني وقيام هذا الكيان الوطني، ويعملون الآن من داخل تطوير هذا الكيان الوطني إلى بناء المغرب الكبير، ولابد من الإشادة هنا بالتجربة المغربية(وأقصد تحديداً المملكة المغربية) التي قامت على أساس وجود دولة وطنية ذات امتداد تاريخي، ولا نستطيع القول أنها قامت على أساس تجزئة استعمارية.... فهذا واقع تاريخ قائم، والكيان المغربي منذ أيام الأدارسة انفصل عن الدولة العثمانية، فإذاً يجب أن نتعامل مع التاريخ كتاريخ وهذا تاريخنا. الآن في المغرب المعارضة أصبحت حكومة، وقيام حكومة اليوسفي ومن خلال تطور ديمقراطي وتثبيت للدولة والوطن...... رغم أنها لم تكن مسيرة مثالية، أنا لا أقول أنها كانت مسيرة مثالية... بالرغم من ذلك أمكن الوصول إلى هذا الوضع، أشير أيضاً إلى الوحدة الوطنية في اليمن فقيام اليمن الكبير اليوم هو الخطوة الطبيعية، أما فيما لو أصرت صنعاء على قيام الوحدة مع طرابلس الغرب وأصرت عدن على الوحدة مع مسقط..... فلن يؤدي ذلك إلى ما هو مطلوب.‏
                        فالتجربة المغربية إذن هي نموذج للتطور السياسي، والتجربة اليمنية هي نموذج للتطور الوطني، فقيام الوطن اليمني الكبير في هذه المرحلة دليل على وجوب البدء من بناء الأوطان وأن يبدأ كل قطر عربي من البناء القطري..... لذلك لابد من العمل أولاً على الصعيد القطري من أجل الوصول إلى التقارب والتكتل القومي، وأعتقد أن هذا يشكل جوهر المسألة، فعندما سئل أحد الزعماء المصريين(سعد زغلول أو غيره لا أذكر): لماذا لا تدعو إلى الوحدة العربية؟‏
                        قال: (إن صفر+ صفر يساوي صفر) وهذه المقولة صحيحة، بمعنى إذا ظلت أوطاننا منهكة ومقسمة وتعاني مما يشبه الحرب الأهلية ومتخلفة حضارياً.... فهذه الأوطان إذا دخلت في مشروع وحدة(هذا إذا أمكنها الدخول أصلاً في مثل هذا المشروع!)‏
                        ماذا ستنتج؟ إذن يجب أن يبدأ كل بيت عربي ببناء بيته.‏
                        الجواب الخامس‏
                        أنا لا أرى ضوءاً في نهاية النفق السياسي آنياً، على المدى القريب، لكني أرى ضوءاً في نهاية النفق التاريخي والنفق الفكري، وذلك مشروطاً بالبدء بوعي مختلف وخصوصاً في الخطاب السياسي العربي والأيديولوجي كذلك.‏
                        أنا أعتقد أنه في اللحظة الراهنة على السياسيين أن يبدأوا ويحاولوا إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والحركات السياسية العربية عليها أيضاً أن تحاول ذلك، ولكن علينا أن لا نوهم أنفسنا بأننا نستطيع إحداث انعطاف حاد قريب في المعركة السياسية أو العسكرية الراهنة، لكننا في ضوء التجارب الكثيرة القومية المريرة التي مررنا بها، وفي ضوء المتغيرات العالمية وضغط تيار العولمة حالياً يجب أن نعود إلى الذات... ... ... ... وأعتقد أن اللحظة الآن هي لحظة فكرية ولحظة ثقافية.‏
                        يستطيعون أن يمنعونا الآن من تحقيق الوحدة العربية، لكن لا تستطيع قوة في العالم أن تمنعنا من تغيير الوعي الداخلي الذاتي لدينا وتصحيحه، فالمسألة إذن لحظة ثقافية، والمطلوب صحوة عقلية في الوجدان العربي.... قبل الحديث عن الصحوة الدينية، فهذه إذاً لم تقترب من الصحوة العقلية...... فلن تكون صحوة حقيقية، لذلك أرى أن المستجدات السياسية الراهنة ستبقى كما هي إلى حد كبير، وقد تتغير العناوين، ولكن لن تتغير الصورة كاملة... إلا إذا بدأنا مراجعة فكرية وثقافية شاملة وأعتقد أن اللحظة هي لحظة ثورة ثقافية وفكرية عربية قبل أن تكون ثورة سياسية.‏

                        إذا الشعب يوما أراد الحياة
                        فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                        و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                        و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                        تعليق


                        • #42
                          رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                          أجوبة المفكر العربي
                          د. محمد جابر الأنصاري‏
                          17/3/1998‏
                          الجواب الأول‏
                          فيما يختص بالسؤال الأول... أرى بداية أنه كان هناك فارقاً في القوة الحضارية بين العرب عموماً وبين المعسكر الغربي المتبني لإسرائيل منذ أن بدأ الصراع العربي الإسرائيلي، أيضاً فإن إسرائيل نفسها بخصائصها المعينة المجتمعية.. إذا ما قورنت بأي مجتمع عربي فإنها تمتلك عناصر قوة فيما يختص بالصراع التكنولوجي والعلمي والعسكري، وهذه القوة انعكست في المجال السياسي بطبيعة الحال، وهذه.... خاصية مهمة من خصائص العصر الحديث، إذ في هذا العصر لا يمكن لأية قوة تمتلك فروسية القتال أن تحقق نصراً ما لم تمتلك فارقاً في القوة التكنولوجية والقوة الحضارية بصفة عامة. في العصور القديمة كان من الممكن لقوى غير متقدمة حضارياً أن تنتصر على قوى متقدمة حضارياً بسبب عنصر الفروسية لديها.. لكن هذا لم يعد ممكناً في العصر الحديث، دائماً فإن الهامش التكنولوجي الحضاري هو الذي يحسم في النهاية المعركة... هذا جانب... وهذه مسألة طويلة النفس، وكان على العرب أن يلتفتوا لهذا الشيء، والنهضة العربية التفتت لهذا الجانب، لكن المسيرة الحضارية في العالم العربي انتكست لأسباب ربما ليس هناك الآن مجالاً لتفصيلها، لكن الفارق الحضاري مازال قائماً بيننا وبين المعسكر الغربي المتبني لإسرائيل ولإسرائيل ذاتها... هذا أولاً.‏
                          ثانياً، كان من الممكن التعويض عن الفارق بتكثيف القدرات العربية كلها في جبهة عربية سياسية وقتالية واحدة وهذا ما تمت محاولته في الواقع ربما بعد عام 1948 إلى عام 1967، ولكن لأسباب معروفة للأسف لم يتمكن العرب الاستمرار في هذه الجبهة السياسية والعسكرية الموحدة وهذا غير عائد فقط في طبيعته لعوامل الصراع العربي الإسرائيلي وإنما أيضاً لعوامل عربية ذاتية، فلماذا لا تستطيع الكيانات العربية حتى الآن تكثيف جهودها في موقف سياسي وعسكري واحد؟ سواء بالنسبة للقضية الفلسطينية أو لقضايا عربية أخرى، هذا بحث يطول، ولكن هنا نسجل أن افتقاد عنصر الوحدة كان من الأسباب التي أدت إلى هزيمتنا كعرب وإلى انحسار المشروع الوطني الفلسطيني من تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة.‏
                          ثالثاً، يوجد سبب آخر، سبق وأن أشرت إليه في أبحاثي عدة مرات، وهو يتعلق بتكوين العرب السياسي... إن هناك تقصيراً سياسياً تطبيقياً وفكرياً في مختلف المجتمعات العربية، فأيضاً حتى وعندما انحسرنا في الموضوع الفلسطيني وفي العمل الفلسطيني القطري انعكس القصور العربي العام في العمل الفلسطيني القطري بطبيعة الحال، وأدى أيضاً إلى أخطاء في الممارسة السياسية... حتى لو أخذنا المسألة في إطارها القطري ومنذ بدأ تطبيق اتفاق أوسلو في واقع الأمر، أنا لم يكن لدي وهم بشأن السقف السياسي لهذا الاتفاق، فالسقف السياسي واضح تماماً وهو أن إسرائيل ستفرض وتملي هذا السقف من حيث منع قيام دولة فلسطينية مستقلة أو إرادة فلسطينية حرة، لكن ما كنت قلقاً بشأنه هو: حتى في نطاق السلطة الفلسطينية وفي نطاق الممنوح والمسموح... إلى أي مدى سنستطيع إثبات قدرتنا على إدارة السياسة، وبخاصة إدارة السياسة المحلية، وهذا أيضاً وبعد التجربة... اتضح أن هناك مواطن قصور ليست خاصة بالفلسطينيين وحدهم بطبيعة الحال.. وإنما خاصة بهذا القصور السياسي العربي العام في إدارة الحياة السياسية العامة.‏
                          إذن أستطيع تلخيص الإجابة على السؤال الأول، بثلاثة أسباب: الفارق الحضاري، افتقاد الوحدة العربية، القصور السياسي العربي العام الذي انعكس فلسطينياً حتى في الدائرة القطرية الفلسطينية.‏
                          الجواب الثاني‏
                          في الإجابة على هذا السؤال أرى: أن التغيير الذي حصل هو اضطرار الحركة الصهيونية إلى الاعتراف بالوجود الفلسطيني، كون أن الإسرائيليين الآن وبعد مقولة غولدا مائير الشهيرة: أين الفلسطينيون؟ إني لا أراهم! فحتماً ومن ناحية مبدئية وأياً كانت النتائج الآنية.... فاضطرار إسرائيل للاعتراف بالوجود الفلسطيني هي نقطة تحول في المشروع الصهيوني.‏
                          نقطة التحول الثانية المهمة في المشروع الصهيوني: هي افتقاد مثالية البداية في المشروع الصهيوني وحدوث تطورات داخلية في الكيان الإسرائيلي باتجاه التأقلم مع الواقع الشرق أوسطي. ما طرح في البداية في فكر هرتزل من أن إسرائيل ستكون واجهة الحضارة الغربية لهذه المنطقة العربية المتخلفة، يعني أن المسألة لم تعد مطروحة بهذا اللون الأسود أو الأبيض، والتجربة العملية والواقعية لإسرائيل نفسها وباعتراف كثير من المفكرين الصهاينة في أن هذا الحكم الصهيوني بدأ ينجرح على أرضية الواقع، وبدأ الكيان الصهيوني يفتقد للقيادات التاريخية أو ما يتصورونه قيادات تاريخية"وحتى أعتقد أن ناحوم غولدمان نفسه في واقع الأمر كتب مقالاً منذ عدة سنوات قال فيه: إن زعماء إسرائيل الحاليين أصبحوا بمثابة زعماء أحياء وزعماء مناطق وليسوا زعماء لدولة أو لمشروع حضاري.‏
                          وربما كان نتنياهو الآن ومعه شارون يمثلان هذا التحول في المرحلة الراهنة.‏
                          الجواب الثالث‏
                          في الجواب على هذا السؤال أقول: إن الإشكالية الرئيسية بين العرب وإسرائيل هو الاختلال في ميزان القوى، والاتفاقيات التي ذكرتها في هذا السؤال هي تحصيل حاصل لهذا الخلل- ولا ننسى أننا قبل هذه الاتفاقيات وعندما كنا سائرين في الخيار العسكري... يعني أيضاً أن الاختلال في ميزان القوى هذا انعكس في خيار الحرب، واختلال القوى مثلما ينعكس في خيار الحرب... فهو ينعكس أيضاً في خيار السلم، والمهرب ليس من الحرب إلى السلم أو من السلم إلى الحرب كما ينادي الآن بعض العرب... ولكن الخلاص والحل هو في كيفية معالجة اختلال توازن القوى، لأن ميزان القوى إذا كان في غير صالحك.......‏
                          فإذا دخلت حرباً أو سلاماً في هذه الحرب.... فكلاهما سيكونان في غير صالحك، إذن العبرة تكمن في توازن القوى وليست بهذه الاتفاقيات أو بالتوجه سلماً أو حرباً.‏
                          إن التحدي الآن كبير جداً، وتوازن القوى في النهاية عائد إلى الإرادة العربية وإلى التوجه لحل القصور الذاتي العربي. نحن نتحدث كثيراً عن نظرية المؤامرة وعن تأثير القوى الكبرى وهذا عامل وارد جداً في المنطقة العربية، والمؤامرة مستمرة، ولكن السؤال: ما الذي يسمح لمفعول المؤامرة أن يستمر؟‏
                          نحن منتبهون إلى أن هناك مؤامرة... ونرى شواهد كثيرة لهذه التدخلات الغربية-إن شئت أن تسميها بمؤامرة- وهذا شيء طبيعي، فالقوى الكبرى تتدخل لصالحها، ولكن لماذا نحن مندهشون ومستغربون من هذا التدخل ومن ازدواج معاييرها؟ هذه ليست جمعيات خيرية، وإنما قوى لها مصالح وستعمل وفقاً لمصالحها، والتاريخ يتحرك بهذا الشكل ولا يتحرك بالشكل الأخلاقي البدائي، نحن منذ خمسين سنة نكرر أننا أصحاب حق.. وهذا صحيح... ونكرر أن الغرب مزدوج المعايير... وهذا صحيح أيضاً، ونكرر أن الغرب يتآمر علينا.... وهذا أيضاً صحيح!‏
                          ولكن ما العمل إذن في ضوء هذه الحقائق التي أصبحت بديهيات؟ والانشغال بتكرارها والاكتفاء بها لن يفيدنا شيئاً، لأن المطلوب هو أن نتوجه لمعالجة القصور الذاتي العربي في التكوين العام وليس فقط في تغيير النظام السياسي أو الموقف في التحول من الحرب إلى السلم أو من السلم إلى الحرب، وإنما التغيير يجب أن يكون في عمق الكيان العربي نفسه.. وهذه أعترف أنها مهمة صعبة وبعيدة المدى وتحتاج إلى نفس طويل وإلى وعي أيضاً بضرورة التغيير، فنحن ما لم نتوجه إلى الذات وإلى معرفة وتشخيص الذات العربية الجمعية والاعتراف بالأخطاء الموجودة في سلوكنا، يعني الاستمرار في الحديث عن المؤامرة لن يحل مشاكلنا، فأوجه القصور تكمن في السلوك العربي وفي الكيان العربي، فعلى المدى القصير يجب أن لا نوهم أنفسنا بإمكانية حدوث تحولات كبيرة.‏
                          الجواب الرابع‏
                          يجب أن نبدأ من الوطني إلى القومي، وأن لا نقفز إلى النتيجة قبل المقدمة، فالوطني هو المقدمة.... والقومي هو النتيجة وهناك خلل في مفهومنا للواقع أيضاً نابع من عقلية المؤامرة: فالمقصود بأن كياناتنا الوطنية كلها عبارة عن مؤامرة استعمارية وكلها تجزئة مصطنعة هو تصور تنقصه العلمية، فإذن يجب أن لا نتعامل مع الوطني وننتظر القومي لينزل علينا من علياء التاريخ أو من علياء التطورات المثالية والأيديولوجية، هذه ليست طريقة عملية مفيدة لمعالجة وضعنا الراهن، فسواء كان الوطني نتيجة لتجزئة دولية أو لتطور تاريخي، والكيانات العربية في الواقع هي إما هذا أو ذاك، لكن نحن الآن في اللحظة الواقعية الراهنة أمام واقع وطني لكل شعب عربي، وما لم نبن الجبهة الوطنية، ونحسن من انتمائنا الوطني ونعرف كيف نقيم المجتمع المدني، وكيف نقيم الدولة الوطنية ونعمق من انتمائنا الوطني فيما يتجاوز القبائل والحدود المحلية الضيقة، والمذاهب والطوائف، فإذا لم نخلق الانتماء الوطني... لن نستطيع أن نخلق الانتماء القومي.‏
                          وفي واقع الأمر، فإن مرور الفكر القومي المشرقي بتجربة سايكس بيكو خلقت لدينا منطقة سوداء في النظر إلى الموضوع، إذ أن الكيان الوطني من وجهة نظر الكثيرين.... لا يمكن النظر إليه! إذا نظرنا بالمقابل لتجربة المغرب العربي... نلاحظ أن الأشقاء هناك لا يعتبرون كياناتهم الوطنية تجزئة مصطنعة، لكنهم يعتبرون أنهم ناضلوا من أجل هذا الاستقلال الوطني وقيام هذا الكيان الوطني، ويعملون الآن من داخل تطوير هذا الكيان الوطني إلى بناء المغرب الكبير، ولابد من الإشادة هنا بالتجربة المغربية(وأقصد تحديداً المملكة المغربية) التي قامت على أساس وجود دولة وطنية ذات امتداد تاريخي، ولا نستطيع القول أنها قامت على أساس تجزئة استعمارية.... فهذا واقع تاريخ قائم، والكيان المغربي منذ أيام الأدارسة انفصل عن الدولة العثمانية، فإذاً يجب أن نتعامل مع التاريخ كتاريخ وهذا تاريخنا. الآن في المغرب المعارضة أصبحت حكومة، وقيام حكومة اليوسفي ومن خلال تطور ديمقراطي وتثبيت للدولة والوطن...... رغم أنها لم تكن مسيرة مثالية، أنا لا أقول أنها كانت مسيرة مثالية... بالرغم من ذلك أمكن الوصول إلى هذا الوضع، أشير أيضاً إلى الوحدة الوطنية في اليمن فقيام اليمن الكبير اليوم هو الخطوة الطبيعية، أما فيما لو أصرت صنعاء على قيام الوحدة مع طرابلس الغرب وأصرت عدن على الوحدة مع مسقط..... فلن يؤدي ذلك إلى ما هو مطلوب.‏
                          فالتجربة المغربية إذن هي نموذج للتطور السياسي، والتجربة اليمنية هي نموذج للتطور الوطني، فقيام الوطن اليمني الكبير في هذه المرحلة دليل على وجوب البدء من بناء الأوطان وأن يبدأ كل قطر عربي من البناء القطري..... لذلك لابد من العمل أولاً على الصعيد القطري من أجل الوصول إلى التقارب والتكتل القومي، وأعتقد أن هذا يشكل جوهر المسألة، فعندما سئل أحد الزعماء المصريين(سعد زغلول أو غيره لا أذكر): لماذا لا تدعو إلى الوحدة العربية؟‏
                          قال: (إن صفر+ صفر يساوي صفر) وهذه المقولة صحيحة، بمعنى إذا ظلت أوطاننا منهكة ومقسمة وتعاني مما يشبه الحرب الأهلية ومتخلفة حضارياً.... فهذه الأوطان إذا دخلت في مشروع وحدة(هذا إذا أمكنها الدخول أصلاً في مثل هذا المشروع!)‏
                          ماذا ستنتج؟ إذن يجب أن يبدأ كل بيت عربي ببناء بيته.‏
                          الجواب الخامس‏
                          أنا لا أرى ضوءاً في نهاية النفق السياسي آنياً، على المدى القريب، لكني أرى ضوءاً في نهاية النفق التاريخي والنفق الفكري، وذلك مشروطاً بالبدء بوعي مختلف وخصوصاً في الخطاب السياسي العربي والأيديولوجي كذلك.‏
                          أنا أعتقد أنه في اللحظة الراهنة على السياسيين أن يبدأوا ويحاولوا إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والحركات السياسية العربية عليها أيضاً أن تحاول ذلك، ولكن علينا أن لا نوهم أنفسنا بأننا نستطيع إحداث انعطاف حاد قريب في المعركة السياسية أو العسكرية الراهنة، لكننا في ضوء التجارب الكثيرة القومية المريرة التي مررنا بها، وفي ضوء المتغيرات العالمية وضغط تيار العولمة حالياً يجب أن نعود إلى الذات... ... ... ... وأعتقد أن اللحظة الآن هي لحظة فكرية ولحظة ثقافية.‏
                          يستطيعون أن يمنعونا الآن من تحقيق الوحدة العربية، لكن لا تستطيع قوة في العالم أن تمنعنا من تغيير الوعي الداخلي الذاتي لدينا وتصحيحه، فالمسألة إذن لحظة ثقافية، والمطلوب صحوة عقلية في الوجدان العربي.... قبل الحديث عن الصحوة الدينية، فهذه إذاً لم تقترب من الصحوة العقلية...... فلن تكون صحوة حقيقية، لذلك أرى أن المستجدات السياسية الراهنة ستبقى كما هي إلى حد كبير، وقد تتغير العناوين، ولكن لن تتغير الصورة كاملة... إلا إذا بدأنا مراجعة فكرية وثقافية شاملة وأعتقد أن اللحظة هي لحظة ثورة ثقافية وفكرية عربية قبل أن تكون ثورة سياسية.‏

                          إذا الشعب يوما أراد الحياة
                          فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                          و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                          و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                          تعليق


                          • #43
                            رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                            أجوبة الأستاذ: كريم مروّه،
                            مفكر وكاتب وسياسي لبناني‏
                            1- لماذا هزمنا؟ وأية عوامل ترونها أسباباً في انحسار المشروع الوطني الفلسطيني بدءاً من تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة؟‏
                            - أشعر بما يشبه الخجل، من ذاتي ومن ذات الأمة، كلما طرح علي، أو على سواي، هذا السؤال، وما أكثر ما يطرح: لماذا هزمنا؟ وكأن هذه الهزيمة وقعت بالأمس القريب، أو كأنها وقعت مرة واحدة. ومصدر هذا الشعور هو أن السؤال يتكرر، بدون حساب للزمن الذي مر، والزمن الذي يستمر في المرور، من دون مراعاة لمشاعرنا. وهل، يا ترى، باستطاعة حركة التاريخ أن تتوقف لكي نستوفي، نحن العرب، شروط دخولنا فيها، على أفضل وجه؟‏
                            خمسون عاماً مضت على"النكبة"، الهزيمة الأولى في تاريخ هزائمنا التي لا تنتهي. وكاد تكرار هذه الهزائم، منذ ذلك التاريخ الأول، أن يتحول إلى ظاهرة، لأنه يحدث في صورة دورية، كل عقد أو عقدين من الزمن، ودائماً حول القضية المحورية، قضية فلسطين أو حول جانب من الجوانب المتصلة بها، أو الموصلة إليها.‏
                            السؤال: إذن، حول أسباب الهزائم التي تتكرر في حياتنا ليس جديداً. بل هو مطروح، بصورة دائمة، علينا، بالدرجة الأولى، بالجمع وبالمفرد، وعلى كل من له علاقة، من قريب أو بعيد، بقضايانا، في هذا العالم الواسع. إلا أن الكارثة لا تنحصر في طرح السؤال، ذاته، على هذا النحو من التكرار الممّل. بل هي تكمن، أساساً، في أن الجهد الذي بذل في تقديم الإجابة عن السؤال هو جهد كمي، لم ينتج إجابة حقيقية، الأمر الذي جعل السؤال قائماً، ثابتاً في مكانه، من دون أي تعديل. ولأنني من جيل النكبة، فإنني أتذكر ذلك الكم الهائل من الأبحاث التي تضمنتها كتب، ومحاضرات، وندوات، ومؤتمرات، حول الأسباب التي أدت إلى وقوع النكبة. ومثل هذا الكم من الأبحاث كان يتكرر كلما كنا نقع في هزيمة جديدة. ولعل أكثر هذه الأبحاث كما هي تلك التي أعقبت هزيمة حزيران. إذ أن مستوى الوعي في الحركة الوطنية العربية كان قد ارتقى أكثر من السابق، ولأن مشروعاً نهضوياً كان قد بدأ في الصعود، مع صعود عبد الناصر، ومع التطور الذي شهدته الأحزاب والحركات ذات الطابع الثوري التغييري. ومع ذلك فإنني أزعم أن كل هذه الأطنان من الأبحاث لم تقدم جواباً حقيقياً عن السؤال الذي ما يزال يطرح، كما لو أن النكبة وقعت بالأمس القريب. إذن، لابد من تغيير نوع السؤال ووجهته وموضوعه. واقتراحي هو أن يكون على النحو التالي: ما هي الأسباب التي حالت، حتى الآن، دون قدرتنا على معرفة الأسباب التي أدت إلى وقوع أول هزيمة، منذ خمسين عاماً، والأسباب التي تستمر في توليد الهزائم، من دون توقف؟ وطرح السؤال على هذا النحو يحمل، في ثناياه، إشارة إلى احتمال أن تكون الهزيمة في مستوى الظاهرة، التي تتخذ طبائع ثبات نسبي في حياتنا.‏
                            ولعلي أسهم، هنا، في تقديم بعض جوانب من مشروع جواب عن السؤالين المشار إليهما، حين أقول:‏
                            أولاً، بأننا بكل تياراتنا الثورية، ولو بنسب متفاوتة، لم نتوصل، بعد، إلى معرفة دقيقة وشاملة، بواقع بلداننا، بالجمع وبالمفرد. والسبب الأساسي في إعاقة هذه المعرفة هو، في تصوري، ما أسميه القراءة المؤدلجة للواقع، أي القراءة بأفكار مسبقة، في أحد شكلين لهذه الأفكار: الماضوية والسلفية، عند البعض، والثورية التي تسابق الزمن وتتجاوزه، عند بعض آخر. فكيف يمكن، والحالة هذه، وضع خطة لتغيير هذا الواقع، باتجاه الأفضل، إذا كانت القراءة مغلوطة، وغير واقعية؟‏
                            ثانياً، بأننا غالباً ما نتجاوز محاسبة الذات، في السلب والإيجاب، لدى أي حدث، ولدى أي منعطف، وعند وقوع الهزائم والانكسارات، ونركز، في تحديدنا لأسبابها، حتى ونحن نمارس النقد الذاتي، على دور العوامل الخارجية. فهذه العوامل الخارجية هي، بالنسبة لنا، وبصورة دائمة، وقطعية، المسؤولة شبه الوحيدة عن هزائمنا. أما ذاتنا الكريمة فلا نكاد نرى فيها أي عيب، ولا نكاد نرى فيها أي خلل، ولا نكاد نحملها أي مسؤولية فيما يحصل لنا.‏
                            فهل يمكن لمثل هذا النوع من التحليل، والبحث، والمحاسبة، أن يقود إلى نتيجة حقيقية من نوع ما نحن بحاجة إليه للإجابة عن الأسئلة التي تطرحها علينا أحداث حياتنا ومآسينا وهزائمنا؟ للعوامل الخارجية، بالتأكيد، دور كبير في وقوع الهزائم. لكن العوامل الداخلية هي التي تهيء الشروط الحقيقية لكي تمارس هذه العوامل الخارجية دورها الحاسم. هنا، على وجه التحديد، يبرز الخلل في ممارسة النقد الذاتي. ولأننا لم نتعود على مثل هذا النقد، فإن أي محاولة لنقد الذات تبدو وكأنها إعدام لهذه الذات. في حين أن نقد الذات هو شكل من أشكال تنقيتها، وشكل من أشكال تجديد الدعم لها، وتجديد الحياة فيها.‏
                            ثالثاً، بأننا، حتى إذا دخلنا في حساب الذات، فإننا ندخل فيه من الباب الغلط، من باب الصراع بعضنا مع بعض، في شكل دائم من الحروب الأهلية داخل الأحزاب والتيارات، وفيما بينها. أن ذلك يشير إلى أن عدم ممارسة النقد الذاتي هو تعبير عن رسوخ فكرة الاستبداد في داخلنا، الذي يسهم في تكريس هذا الاستبداد على صعيدي الدولة والمجتمع، في آن.‏
                            رابعاً، بأننا نكثر من البحث عن الهوية، أو الخصوصية، إلى الحدود التي تجعلنا خارج العصر، وخارج تطوراته العاصفة، بحيث نرى في كل ما يأتينا من معارف وعلوم، من مصادر إنتاجها الحقيقية، بمثابة سلعة للاستهلاك، مثل سائر سلع الاستهلاك، حاملة معها أيديولوجيتها النقيضة، فنستهلكها، ولا نتمثلها، فتفقد، بذلك، فرصة تاريخية لتعزيز حقيقي للهوية وللخصوصية، من خلال امتلاك هذه المعارف، وتمثلها، وتحويلها إلى قوة مادية لصنع التقدم لبلداننا، التقدم الذي يجعلنا، كعرب، بخصوصياتنا، جزءاً متقدماً من الحضارة البشرية.‏
                            خامساً، بأننا نخاف من الديمقراطية، حتى ونحن نطالب بتحقيقها، نخاف أن نمارسها، لأننا نخاف من نتائجها التي لا تتفق مع رغبات كل منا، الفردية والجماعية، ما يتصل منها بأنانية الذات الحزبية والفكرية، وما يتصل بأنانية الذات العائلية، والذات الدينية، أو المذهبية، المسيسة، وهلم جرا. ذلك أن الديمقراطية، كما أفهمها، ليست شعاراً تردده ألسنتنا الفصيحة، وليست مطلباً نخوض المعارك، ونقدم الشهداء، من أجل تحقيقه. بل هي مشروع متكامل علينا أن نحدد شكله، ومضمونه، وهدفه، ونحدد آليات تطبيقه، في ظروف بلداننا. والديمقراطية تحتاج منا، قبل أي شيء آخر، لأن نكون، في وعينا لها، في مستوى الأهمية التي يرتديها تطبيقها في النفوس، وفي العلاقات، أي في الفهم والممارسة، على صعيد الأفراد، والجماعات، والمؤسسات، لكي يؤدي ذلك كله إلى فهمها وممارستها على صعيد الدولة.‏
                            تلك هي بعض جوانب من مشروع الإجابة عن السؤال الكبير المتعلق بالهزيمة، وبأسبابها، وبأسباب تكررها الدائم في حياتنا، إلى الحدود التي تكاد تشكل، بتكرارها، ظاهرة ملازمة لتطور بلداننا.‏
                            وما أورده، هنا، ليس سوى الشروط الضرورية التي تقودنا إلى المعرفة الكاملة بأسباب الهزائم، من أجل توفير الشروط الذاتية والموضوعية، وإنضاجها، للخروج من دوامة الهزائم، والانتقال إلى عصر النهضة.‏
                            على قاعدة هذا المنطق في التفكير أجيب بسرعة على بقية السؤال المتعلق بانحسار المشروع الوطني الفلسفي. وجوهر ما أريد قوله، في هذه القضية، يتلخص في ثلاث مسائل:‏
                            الأولى، هي أن المشروع الوطني الفلسطيني كان، منذ البدء، محكوماً بمشروع نقيض هو المشروع الصهيوني، الذي تواطأت في العمل لدعمه، معظم دول العالم، من السلطنة العثمانية، قديماً، حتى الدول الاستعمارية، التي احتلت مكانها في المنطقة. وهذا المشروع لا ينحصر، فقط، بالبحث عن وطن لليهود. فوطن اليهود كان، منذ القدم، المكان الذي يعيشون فيه. وحيث يعيشون ويعملون يصبحون متميزين. المشروع الصهيوني هو، في الأساس، مشروع استعماري. وأغراضه أغراض استعمارية. أما فلسطين فلم تكن إلا الذريعة، بالنسبة للأصحاب الحقيقيين لهذا المشروع، التي بها عملوا على استنفار المشاعر الدينية التوراتية: شعب الله المختار وأرض الميعاد. وهذا ما دلتنا عليه كل أحداث الأعوام الخمسين التي أعقبت قيام دولة إسرائيل، فيما يتعلق بالوظيفة الأساسية لهذه الدولة، على صعيد المنطقة العربية، ومناطق الجوار، في أفريقيا وآسيا. ولأن المشروع الصهيوني كان، ولا يزال، في هذا المستوى من الحجم في القوى والأهداف، فقد كان من الضروري أخذ ذلك في الاعتبار من قبل قوى المشروع الوطني الفلسطيني، في تحديد مشروعهم، وفي تحديد آليات النضال لتحقيقه.‏
                            الثانية، هي أن المشروع الوطني الفلسطيني كان على الدوام، حائراً بين فلسطينيته وبين عروبته. وكان الخطأ الملازم للقوى الوطنية الفلسطينية هو توزعها بين اتجاهين: اتجاه يدعو للقرار الوطني الفلسطيني المستقل، واتجاه يدعو لجعل القرار الوطني الفلسطيني قراراً عربياً، بالكامل. وهذه الحيرة، وهذا التردد، والنزاع الذي تولد، داخل المشروع الوطني الفلسطيني، بين هذين الاتجاهين، أدت كلها إلى إضعافه، بصورة دائمة، رغم كل ما كانت تكتسبه القضية الفلسطينية، بذاتها، كقضية عادلة، من احتضان عربي، ودولي.‏
                            الثالثة، هي أن الحكومات العربية كلها مارست، على الدوام، وفي كل الظروف، دور الحاضن للقضية الفلسطينية، بالمعنى الإيجابي والسلبي معاً. ولكن هذا الاحتضان لم يكن في المحصلة في صالح المشروع الوطني الفلسطيني، بالمعنى المعروف لهذا المشروع، أي الوصول به إلى غاياته، المرحلية منها والنهائية. ذلك أن القضية الفلسطينية كانت، في معظم الأحيان، ورقة بيد هذه الحكومات، ولو من موقع قومي، أكثر منها قضية، بذاتها، لشعب فلسطين، صاحب المحصلة المباشرة في تحقيقها.‏
                            أشير إلى هذه المسائل الثلاث لأجيب عن السؤال بصورة غير مباشرة. وفي أي حال فإن طرح شعار تحرير كامل التراب، بمعزل عن توفير شروط تحقيقه، كان من الأخطاء الكبرى، التي عبر عنها، في ظروف مختلفة، رفض المرحلية في النضال. وبالطبع فإن الشعارات الكبرى، من نوع هذا الشعار، تغري المناضلين، وتؤجج مشاعرهم، وتغذي حماسهم. ولكن الفشل في تحقيقها سرعان ما ينقلب إلى النقيض.‏
                            كل ما قدمته، هنا، من جوانب لمشروع جواب عن السؤال الكبير، يبقى للنقاش. والمجال لا يتسع لأكثر مما قلته.‏
                            2- بعد مئة عام على قيام الصهيونية كحركة سياسية... هل ترون أن المشروع الصهيوني قد تغير؟ وما هي أبرز ملامح التغيير فيه إن وجدت؟‏
                            - كل شيء في هذه الدنيا قابل للتغيير. ولا شيء يبقى كما كان. ولا أعتقد أن المشروع الصهيوني، اليوم، هو نفسه الذي كان، منذ مائة عام. ولكن القيمين عليه، والعاملين من أجل تحقيقه، قبل أن يتحول إلى دولة، ثم بعد أن تحول إلى دولة، مازالوا ينطلقون، بعكسنا نحن العرب، من نقطة الانتصار في تحقيق شعاراتهم، الواحد تلو الآخر. وإذا كان لابد من قول كلمة في مجال تقييم التغيرات التي حصلت في المشروع الصهيوني، فإن ما يمكن قوله، بدون تدقيق، وبدون حسم، هو أن اليهود لم يعودوا موحدين على مضمون المشروع الصهيوني، سواء في إسرائيل، بالذات، أو على الصعيد العالمي. ألا أن مجرد وجود دولة يهودية هو، بالنسبة لهم جميعاً، نقطة ارتكاز. ولكن حتى بالنسبة لإسرائيل، ولدورها في المنطقة، ولدور اليهود في بلدان إقاماتهم الدائمة، هناك اضطراب كبير في الآراء، وهناك اختلافات شتى. ولست في موقع القدرة على قراءة مستقبل هذه الاختلافات وهذه الرؤى. حسبي أن أشير إليها، من دون تدقيق، ومن دون حسم، والدعوة إلى متابعة التطورات، كجزء من الدفاع عن المشروع الوطني الفلسطيني، وليس كترف في البحث والتحليل.‏
                            3- ما هو تأثير الاتفاقيات المبرمة بين إسرائيل وعدة أطراف عربية: كامب ديفيد، وادي عربة واتفاقيات أوسلو على مجرى الصراع العربي- الصهيوني؟‏
                            - لاشك أن الاتفاقيات التي عقدت بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن، والاتفاقات التي يجري العمل لعقدها، بين إسرائيل وسائر الأطراف العربية، قد تركت، وستترك، في المستقبل، تأثيرات كبرى على المشروع الوطني الفلسطيني في صيغته المبدئية. وهذا هو منطق الأمور، ومنطق تطور الأحداث. فمؤتمر مدريد كان نتيجة لحرب الخليج الثانية، ولمجمل الهزائم التي وقعت في الماضي، على صعيد الصراع العربي- الصهيوني. ولم يكن بد من الانخراط في هذا المؤتمر، كمرحلة في النضال لاستعادة الحقوق كاملة. ولكنني أزعم بأن الوصول بالمفاوضات والاتفاقات إلى مبادلة الأرض بالسلام، على أهميته، إذا ما تم ذلك، لن يؤدي إلى إزالة أسباب الصراع، ولن يضع حداً لهذا الصراع. لكن شروط استمراره ستختلف عن السابق. المهم هو أن يدرك العرب جميعاً، والفلسطينيون، خصوصاً، أن النضال في المرحلة المقبلة سيكون أشق وأكثر صعوبة، وسيكون أكثر دقة. والشعارات العاطفية وحدها لا تسمن ولا تغني من جوع، إذا ما هي جاءت مجردة من خطط حقيقية لتحقيقها، ومن توفير الشروط لتكوين وعي حقيقي بهذه الخطط، وبأهمية الالتزام بها، وعدم الخروج عنها وعليها.‏
                            معركتنا مع المشروع الصهيوني، بأشكاله وصيغه المختلفة، طويلة. فهل سنتعلم من دروس التاريخ، من تجاربنا الخاصة، وتجارب الآخرين، ما يساعدنا على خوض هذه المعركة بنجاح؟‏
                            4- كيف ترون ضرورة الربط بين الخاص الوطني والعام القومي من أجل بناء الجبهة الوطنية الشعبية العربية العريضة لمقاومة المشروع الصهيوني سياسياً واقتصادياً وثقافياً؟‏
                            - الربط بين الخاص والعام، هنا، يحدده، من وجهة نظري، مبدأ الاستقلالية النسبية، في العلاقة بين الوطني والقومي. ألا أن هذه الاستقلالية النسبية إنما تكبر أو تصغر، بحسب الظروف، والمعطيات. ويبقى الأساس في أية قضية وطنية، هو أنها قضية الشعب المعني بها، بالدرجة الأولى، وإلا فقدت خصوصيتها، وتاهت بين الاحتمالات والفرضيات والمفاهيم والمصالح. والربط الصحيح، على هذه القاعدة، بين الخاص والعام، هو من أدق وأصعب الأمور التي تواجه الشعوب، والحركات الوطنية فيها. ولكنها تصبح أكثر دقة وصعوبة عندما يتعلق الأمر بالبلدان العربية، بالنظر لخصوصية المسألة القومية في هذه البلدان: قومية واحدة تتوزع بين عدة بلدان، يوحدها التاريخ، وتوحدها الثقافة، وتفصل بينها خصوصيات نشأت مع نشوء دول مستقلة، ومع تكون شروط وطنية خاصة، ومصالح، وسوى ذلك مما يجعل المشترك بين هذه البلدان محكوماً، بالضرورة، بمراعاة الخصوصيات لكل منها.‏
                            ومع ذلك فإنني، دائماً، من أنصار الدعوة إلى وحدة عربية واقعية، وديمقراطية، تشكل الجامعة العربية إطارها، بعد تعديل وتطوير مواثيقها، ومن أنصار قيام مؤسسات ومنظمات عربية شعبية موحدة، ومن أنصار حركة شعبية تحمل شعارات التقدم والحرية والتكامل، في شتى المجالات، على قاعدة الرابطة القومية والمصالح المشتركة. والشروط الموضوعية متوفرة لكل هذه المهمات. والمهمات، ذاتها، واضحة وضوح الشمس. المفقود، نسبياً، والمطلوب توفيره، بجهد جماعي، هو الوعي والمسؤولية والمبادرة والاستعداد للنضال، بكل أشكاله، وبكل شروطه.‏
                            5- في رأيكم وعلى ضوء المستجدات السياسية الراهنة... كيف ترون أشكال الخروج من المآزق؟‏
                            - لا توجد لديّ وصفة جاهزة لأشكال الخروج من المآزق. لكنني أرى أن علينا أن نعيد قراءة تاريخ هذه الحقبة، التي تبدأ بقيام إسرائيل، وضياع فلسطين، وهو ما نصطلح على تسميته بالنكبة. ليس هدف القراءة كتابة التاريخ. الهدف هو الاستفادة من التاريخ لوضع خطة جديدة مختلفة للحقبة القادمة، جوهرها ما أزعم أنني أشرت إلى بعض جوانبه في إجاباتي المتواضعة عن الأسئلة المطروحة.‏
                            بيروت في 12/3/1998‏
                            كريم مروه‏

                            إذا الشعب يوما أراد الحياة
                            فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                            و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                            و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                            تعليق


                            • #44
                              رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                              أجوبة الأستاذ: كريم مروّه،
                              مفكر وكاتب وسياسي لبناني‏
                              1- لماذا هزمنا؟ وأية عوامل ترونها أسباباً في انحسار المشروع الوطني الفلسطيني بدءاً من تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة؟‏
                              - أشعر بما يشبه الخجل، من ذاتي ومن ذات الأمة، كلما طرح علي، أو على سواي، هذا السؤال، وما أكثر ما يطرح: لماذا هزمنا؟ وكأن هذه الهزيمة وقعت بالأمس القريب، أو كأنها وقعت مرة واحدة. ومصدر هذا الشعور هو أن السؤال يتكرر، بدون حساب للزمن الذي مر، والزمن الذي يستمر في المرور، من دون مراعاة لمشاعرنا. وهل، يا ترى، باستطاعة حركة التاريخ أن تتوقف لكي نستوفي، نحن العرب، شروط دخولنا فيها، على أفضل وجه؟‏
                              خمسون عاماً مضت على"النكبة"، الهزيمة الأولى في تاريخ هزائمنا التي لا تنتهي. وكاد تكرار هذه الهزائم، منذ ذلك التاريخ الأول، أن يتحول إلى ظاهرة، لأنه يحدث في صورة دورية، كل عقد أو عقدين من الزمن، ودائماً حول القضية المحورية، قضية فلسطين أو حول جانب من الجوانب المتصلة بها، أو الموصلة إليها.‏
                              السؤال: إذن، حول أسباب الهزائم التي تتكرر في حياتنا ليس جديداً. بل هو مطروح، بصورة دائمة، علينا، بالدرجة الأولى، بالجمع وبالمفرد، وعلى كل من له علاقة، من قريب أو بعيد، بقضايانا، في هذا العالم الواسع. إلا أن الكارثة لا تنحصر في طرح السؤال، ذاته، على هذا النحو من التكرار الممّل. بل هي تكمن، أساساً، في أن الجهد الذي بذل في تقديم الإجابة عن السؤال هو جهد كمي، لم ينتج إجابة حقيقية، الأمر الذي جعل السؤال قائماً، ثابتاً في مكانه، من دون أي تعديل. ولأنني من جيل النكبة، فإنني أتذكر ذلك الكم الهائل من الأبحاث التي تضمنتها كتب، ومحاضرات، وندوات، ومؤتمرات، حول الأسباب التي أدت إلى وقوع النكبة. ومثل هذا الكم من الأبحاث كان يتكرر كلما كنا نقع في هزيمة جديدة. ولعل أكثر هذه الأبحاث كما هي تلك التي أعقبت هزيمة حزيران. إذ أن مستوى الوعي في الحركة الوطنية العربية كان قد ارتقى أكثر من السابق، ولأن مشروعاً نهضوياً كان قد بدأ في الصعود، مع صعود عبد الناصر، ومع التطور الذي شهدته الأحزاب والحركات ذات الطابع الثوري التغييري. ومع ذلك فإنني أزعم أن كل هذه الأطنان من الأبحاث لم تقدم جواباً حقيقياً عن السؤال الذي ما يزال يطرح، كما لو أن النكبة وقعت بالأمس القريب. إذن، لابد من تغيير نوع السؤال ووجهته وموضوعه. واقتراحي هو أن يكون على النحو التالي: ما هي الأسباب التي حالت، حتى الآن، دون قدرتنا على معرفة الأسباب التي أدت إلى وقوع أول هزيمة، منذ خمسين عاماً، والأسباب التي تستمر في توليد الهزائم، من دون توقف؟ وطرح السؤال على هذا النحو يحمل، في ثناياه، إشارة إلى احتمال أن تكون الهزيمة في مستوى الظاهرة، التي تتخذ طبائع ثبات نسبي في حياتنا.‏
                              ولعلي أسهم، هنا، في تقديم بعض جوانب من مشروع جواب عن السؤالين المشار إليهما، حين أقول:‏
                              أولاً، بأننا بكل تياراتنا الثورية، ولو بنسب متفاوتة، لم نتوصل، بعد، إلى معرفة دقيقة وشاملة، بواقع بلداننا، بالجمع وبالمفرد. والسبب الأساسي في إعاقة هذه المعرفة هو، في تصوري، ما أسميه القراءة المؤدلجة للواقع، أي القراءة بأفكار مسبقة، في أحد شكلين لهذه الأفكار: الماضوية والسلفية، عند البعض، والثورية التي تسابق الزمن وتتجاوزه، عند بعض آخر. فكيف يمكن، والحالة هذه، وضع خطة لتغيير هذا الواقع، باتجاه الأفضل، إذا كانت القراءة مغلوطة، وغير واقعية؟‏
                              ثانياً، بأننا غالباً ما نتجاوز محاسبة الذات، في السلب والإيجاب، لدى أي حدث، ولدى أي منعطف، وعند وقوع الهزائم والانكسارات، ونركز، في تحديدنا لأسبابها، حتى ونحن نمارس النقد الذاتي، على دور العوامل الخارجية. فهذه العوامل الخارجية هي، بالنسبة لنا، وبصورة دائمة، وقطعية، المسؤولة شبه الوحيدة عن هزائمنا. أما ذاتنا الكريمة فلا نكاد نرى فيها أي عيب، ولا نكاد نرى فيها أي خلل، ولا نكاد نحملها أي مسؤولية فيما يحصل لنا.‏
                              فهل يمكن لمثل هذا النوع من التحليل، والبحث، والمحاسبة، أن يقود إلى نتيجة حقيقية من نوع ما نحن بحاجة إليه للإجابة عن الأسئلة التي تطرحها علينا أحداث حياتنا ومآسينا وهزائمنا؟ للعوامل الخارجية، بالتأكيد، دور كبير في وقوع الهزائم. لكن العوامل الداخلية هي التي تهيء الشروط الحقيقية لكي تمارس هذه العوامل الخارجية دورها الحاسم. هنا، على وجه التحديد، يبرز الخلل في ممارسة النقد الذاتي. ولأننا لم نتعود على مثل هذا النقد، فإن أي محاولة لنقد الذات تبدو وكأنها إعدام لهذه الذات. في حين أن نقد الذات هو شكل من أشكال تنقيتها، وشكل من أشكال تجديد الدعم لها، وتجديد الحياة فيها.‏
                              ثالثاً، بأننا، حتى إذا دخلنا في حساب الذات، فإننا ندخل فيه من الباب الغلط، من باب الصراع بعضنا مع بعض، في شكل دائم من الحروب الأهلية داخل الأحزاب والتيارات، وفيما بينها. أن ذلك يشير إلى أن عدم ممارسة النقد الذاتي هو تعبير عن رسوخ فكرة الاستبداد في داخلنا، الذي يسهم في تكريس هذا الاستبداد على صعيدي الدولة والمجتمع، في آن.‏
                              رابعاً، بأننا نكثر من البحث عن الهوية، أو الخصوصية، إلى الحدود التي تجعلنا خارج العصر، وخارج تطوراته العاصفة، بحيث نرى في كل ما يأتينا من معارف وعلوم، من مصادر إنتاجها الحقيقية، بمثابة سلعة للاستهلاك، مثل سائر سلع الاستهلاك، حاملة معها أيديولوجيتها النقيضة، فنستهلكها، ولا نتمثلها، فتفقد، بذلك، فرصة تاريخية لتعزيز حقيقي للهوية وللخصوصية، من خلال امتلاك هذه المعارف، وتمثلها، وتحويلها إلى قوة مادية لصنع التقدم لبلداننا، التقدم الذي يجعلنا، كعرب، بخصوصياتنا، جزءاً متقدماً من الحضارة البشرية.‏
                              خامساً، بأننا نخاف من الديمقراطية، حتى ونحن نطالب بتحقيقها، نخاف أن نمارسها، لأننا نخاف من نتائجها التي لا تتفق مع رغبات كل منا، الفردية والجماعية، ما يتصل منها بأنانية الذات الحزبية والفكرية، وما يتصل بأنانية الذات العائلية، والذات الدينية، أو المذهبية، المسيسة، وهلم جرا. ذلك أن الديمقراطية، كما أفهمها، ليست شعاراً تردده ألسنتنا الفصيحة، وليست مطلباً نخوض المعارك، ونقدم الشهداء، من أجل تحقيقه. بل هي مشروع متكامل علينا أن نحدد شكله، ومضمونه، وهدفه، ونحدد آليات تطبيقه، في ظروف بلداننا. والديمقراطية تحتاج منا، قبل أي شيء آخر، لأن نكون، في وعينا لها، في مستوى الأهمية التي يرتديها تطبيقها في النفوس، وفي العلاقات، أي في الفهم والممارسة، على صعيد الأفراد، والجماعات، والمؤسسات، لكي يؤدي ذلك كله إلى فهمها وممارستها على صعيد الدولة.‏
                              تلك هي بعض جوانب من مشروع الإجابة عن السؤال الكبير المتعلق بالهزيمة، وبأسبابها، وبأسباب تكررها الدائم في حياتنا، إلى الحدود التي تكاد تشكل، بتكرارها، ظاهرة ملازمة لتطور بلداننا.‏
                              وما أورده، هنا، ليس سوى الشروط الضرورية التي تقودنا إلى المعرفة الكاملة بأسباب الهزائم، من أجل توفير الشروط الذاتية والموضوعية، وإنضاجها، للخروج من دوامة الهزائم، والانتقال إلى عصر النهضة.‏
                              على قاعدة هذا المنطق في التفكير أجيب بسرعة على بقية السؤال المتعلق بانحسار المشروع الوطني الفلسفي. وجوهر ما أريد قوله، في هذه القضية، يتلخص في ثلاث مسائل:‏
                              الأولى، هي أن المشروع الوطني الفلسطيني كان، منذ البدء، محكوماً بمشروع نقيض هو المشروع الصهيوني، الذي تواطأت في العمل لدعمه، معظم دول العالم، من السلطنة العثمانية، قديماً، حتى الدول الاستعمارية، التي احتلت مكانها في المنطقة. وهذا المشروع لا ينحصر، فقط، بالبحث عن وطن لليهود. فوطن اليهود كان، منذ القدم، المكان الذي يعيشون فيه. وحيث يعيشون ويعملون يصبحون متميزين. المشروع الصهيوني هو، في الأساس، مشروع استعماري. وأغراضه أغراض استعمارية. أما فلسطين فلم تكن إلا الذريعة، بالنسبة للأصحاب الحقيقيين لهذا المشروع، التي بها عملوا على استنفار المشاعر الدينية التوراتية: شعب الله المختار وأرض الميعاد. وهذا ما دلتنا عليه كل أحداث الأعوام الخمسين التي أعقبت قيام دولة إسرائيل، فيما يتعلق بالوظيفة الأساسية لهذه الدولة، على صعيد المنطقة العربية، ومناطق الجوار، في أفريقيا وآسيا. ولأن المشروع الصهيوني كان، ولا يزال، في هذا المستوى من الحجم في القوى والأهداف، فقد كان من الضروري أخذ ذلك في الاعتبار من قبل قوى المشروع الوطني الفلسطيني، في تحديد مشروعهم، وفي تحديد آليات النضال لتحقيقه.‏
                              الثانية، هي أن المشروع الوطني الفلسطيني كان على الدوام، حائراً بين فلسطينيته وبين عروبته. وكان الخطأ الملازم للقوى الوطنية الفلسطينية هو توزعها بين اتجاهين: اتجاه يدعو للقرار الوطني الفلسطيني المستقل، واتجاه يدعو لجعل القرار الوطني الفلسطيني قراراً عربياً، بالكامل. وهذه الحيرة، وهذا التردد، والنزاع الذي تولد، داخل المشروع الوطني الفلسطيني، بين هذين الاتجاهين، أدت كلها إلى إضعافه، بصورة دائمة، رغم كل ما كانت تكتسبه القضية الفلسطينية، بذاتها، كقضية عادلة، من احتضان عربي، ودولي.‏
                              الثالثة، هي أن الحكومات العربية كلها مارست، على الدوام، وفي كل الظروف، دور الحاضن للقضية الفلسطينية، بالمعنى الإيجابي والسلبي معاً. ولكن هذا الاحتضان لم يكن في المحصلة في صالح المشروع الوطني الفلسطيني، بالمعنى المعروف لهذا المشروع، أي الوصول به إلى غاياته، المرحلية منها والنهائية. ذلك أن القضية الفلسطينية كانت، في معظم الأحيان، ورقة بيد هذه الحكومات، ولو من موقع قومي، أكثر منها قضية، بذاتها، لشعب فلسطين، صاحب المحصلة المباشرة في تحقيقها.‏
                              أشير إلى هذه المسائل الثلاث لأجيب عن السؤال بصورة غير مباشرة. وفي أي حال فإن طرح شعار تحرير كامل التراب، بمعزل عن توفير شروط تحقيقه، كان من الأخطاء الكبرى، التي عبر عنها، في ظروف مختلفة، رفض المرحلية في النضال. وبالطبع فإن الشعارات الكبرى، من نوع هذا الشعار، تغري المناضلين، وتؤجج مشاعرهم، وتغذي حماسهم. ولكن الفشل في تحقيقها سرعان ما ينقلب إلى النقيض.‏
                              كل ما قدمته، هنا، من جوانب لمشروع جواب عن السؤال الكبير، يبقى للنقاش. والمجال لا يتسع لأكثر مما قلته.‏
                              2- بعد مئة عام على قيام الصهيونية كحركة سياسية... هل ترون أن المشروع الصهيوني قد تغير؟ وما هي أبرز ملامح التغيير فيه إن وجدت؟‏
                              - كل شيء في هذه الدنيا قابل للتغيير. ولا شيء يبقى كما كان. ولا أعتقد أن المشروع الصهيوني، اليوم، هو نفسه الذي كان، منذ مائة عام. ولكن القيمين عليه، والعاملين من أجل تحقيقه، قبل أن يتحول إلى دولة، ثم بعد أن تحول إلى دولة، مازالوا ينطلقون، بعكسنا نحن العرب، من نقطة الانتصار في تحقيق شعاراتهم، الواحد تلو الآخر. وإذا كان لابد من قول كلمة في مجال تقييم التغيرات التي حصلت في المشروع الصهيوني، فإن ما يمكن قوله، بدون تدقيق، وبدون حسم، هو أن اليهود لم يعودوا موحدين على مضمون المشروع الصهيوني، سواء في إسرائيل، بالذات، أو على الصعيد العالمي. ألا أن مجرد وجود دولة يهودية هو، بالنسبة لهم جميعاً، نقطة ارتكاز. ولكن حتى بالنسبة لإسرائيل، ولدورها في المنطقة، ولدور اليهود في بلدان إقاماتهم الدائمة، هناك اضطراب كبير في الآراء، وهناك اختلافات شتى. ولست في موقع القدرة على قراءة مستقبل هذه الاختلافات وهذه الرؤى. حسبي أن أشير إليها، من دون تدقيق، ومن دون حسم، والدعوة إلى متابعة التطورات، كجزء من الدفاع عن المشروع الوطني الفلسطيني، وليس كترف في البحث والتحليل.‏
                              3- ما هو تأثير الاتفاقيات المبرمة بين إسرائيل وعدة أطراف عربية: كامب ديفيد، وادي عربة واتفاقيات أوسلو على مجرى الصراع العربي- الصهيوني؟‏
                              - لاشك أن الاتفاقيات التي عقدت بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن، والاتفاقات التي يجري العمل لعقدها، بين إسرائيل وسائر الأطراف العربية، قد تركت، وستترك، في المستقبل، تأثيرات كبرى على المشروع الوطني الفلسطيني في صيغته المبدئية. وهذا هو منطق الأمور، ومنطق تطور الأحداث. فمؤتمر مدريد كان نتيجة لحرب الخليج الثانية، ولمجمل الهزائم التي وقعت في الماضي، على صعيد الصراع العربي- الصهيوني. ولم يكن بد من الانخراط في هذا المؤتمر، كمرحلة في النضال لاستعادة الحقوق كاملة. ولكنني أزعم بأن الوصول بالمفاوضات والاتفاقات إلى مبادلة الأرض بالسلام، على أهميته، إذا ما تم ذلك، لن يؤدي إلى إزالة أسباب الصراع، ولن يضع حداً لهذا الصراع. لكن شروط استمراره ستختلف عن السابق. المهم هو أن يدرك العرب جميعاً، والفلسطينيون، خصوصاً، أن النضال في المرحلة المقبلة سيكون أشق وأكثر صعوبة، وسيكون أكثر دقة. والشعارات العاطفية وحدها لا تسمن ولا تغني من جوع، إذا ما هي جاءت مجردة من خطط حقيقية لتحقيقها، ومن توفير الشروط لتكوين وعي حقيقي بهذه الخطط، وبأهمية الالتزام بها، وعدم الخروج عنها وعليها.‏
                              معركتنا مع المشروع الصهيوني، بأشكاله وصيغه المختلفة، طويلة. فهل سنتعلم من دروس التاريخ، من تجاربنا الخاصة، وتجارب الآخرين، ما يساعدنا على خوض هذه المعركة بنجاح؟‏
                              4- كيف ترون ضرورة الربط بين الخاص الوطني والعام القومي من أجل بناء الجبهة الوطنية الشعبية العربية العريضة لمقاومة المشروع الصهيوني سياسياً واقتصادياً وثقافياً؟‏
                              - الربط بين الخاص والعام، هنا، يحدده، من وجهة نظري، مبدأ الاستقلالية النسبية، في العلاقة بين الوطني والقومي. ألا أن هذه الاستقلالية النسبية إنما تكبر أو تصغر، بحسب الظروف، والمعطيات. ويبقى الأساس في أية قضية وطنية، هو أنها قضية الشعب المعني بها، بالدرجة الأولى، وإلا فقدت خصوصيتها، وتاهت بين الاحتمالات والفرضيات والمفاهيم والمصالح. والربط الصحيح، على هذه القاعدة، بين الخاص والعام، هو من أدق وأصعب الأمور التي تواجه الشعوب، والحركات الوطنية فيها. ولكنها تصبح أكثر دقة وصعوبة عندما يتعلق الأمر بالبلدان العربية، بالنظر لخصوصية المسألة القومية في هذه البلدان: قومية واحدة تتوزع بين عدة بلدان، يوحدها التاريخ، وتوحدها الثقافة، وتفصل بينها خصوصيات نشأت مع نشوء دول مستقلة، ومع تكون شروط وطنية خاصة، ومصالح، وسوى ذلك مما يجعل المشترك بين هذه البلدان محكوماً، بالضرورة، بمراعاة الخصوصيات لكل منها.‏
                              ومع ذلك فإنني، دائماً، من أنصار الدعوة إلى وحدة عربية واقعية، وديمقراطية، تشكل الجامعة العربية إطارها، بعد تعديل وتطوير مواثيقها، ومن أنصار قيام مؤسسات ومنظمات عربية شعبية موحدة، ومن أنصار حركة شعبية تحمل شعارات التقدم والحرية والتكامل، في شتى المجالات، على قاعدة الرابطة القومية والمصالح المشتركة. والشروط الموضوعية متوفرة لكل هذه المهمات. والمهمات، ذاتها، واضحة وضوح الشمس. المفقود، نسبياً، والمطلوب توفيره، بجهد جماعي، هو الوعي والمسؤولية والمبادرة والاستعداد للنضال، بكل أشكاله، وبكل شروطه.‏
                              5- في رأيكم وعلى ضوء المستجدات السياسية الراهنة... كيف ترون أشكال الخروج من المآزق؟‏
                              - لا توجد لديّ وصفة جاهزة لأشكال الخروج من المآزق. لكنني أرى أن علينا أن نعيد قراءة تاريخ هذه الحقبة، التي تبدأ بقيام إسرائيل، وضياع فلسطين، وهو ما نصطلح على تسميته بالنكبة. ليس هدف القراءة كتابة التاريخ. الهدف هو الاستفادة من التاريخ لوضع خطة جديدة مختلفة للحقبة القادمة، جوهرها ما أزعم أنني أشرت إلى بعض جوانبه في إجاباتي المتواضعة عن الأسئلة المطروحة.‏
                              بيروت في 12/3/1998‏
                              كريم مروه‏

                              إذا الشعب يوما أراد الحياة
                              فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                              و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                              و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                              تعليق


                              • #45
                                رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                                إجابات السيدة/ فريدة النقاش
                                الكاتبة والناقدة المصرية المعروفة.‏
                                الجواب الأول:‏
                                هزمنا لأسباب كثيرة على رأسها طبيعة النظم الرجعية العربية المتعاونة مع الاستعمار التي حكمت البلدان العربية المحيطة بفلسطين، وقد ثبت أن بعضها قد تعاون مع الحركة الصهيونية، وكانت الجيوش العربية مختلفة من تسليحها من جهة، وخاضعة للنظم الرجعية من جهة أخرى ورغم إدراك العرب المبكر ومنذ نهاية القرن التاسع عشر لخطر الحركة الصهيونية لم تتبلور استراتيجية عربية موحدة لمواجهة هذا الخطر، فلم يكن الوعي القومي قد نضج بما فيه الكفاية ليكون حركة سياسية منظمة تواجه المشروع الصهيوني وتكشف عن ارتباطه العميق بالاستعمار. وكانت الشعوب العربية تكافح ضد الاحتلال المباشر لأراضيها، وتعاني من مصادرة حرياتها. بالإضافة لهذا كله كان المشروع الصهيوني مسلحاً بوعد بلفور من جهة، وبالدعم غير المحدود من الدول الاستعمارية من جهة أخرى. أما انحسار المشروع الوطني الفلسطيني بدءاً من شعار تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة فهو محصلة الضعف والتراجع العربي، وانسحاب المشروع التحرري العربي كله الذي انتهى بالتبعية لأمريكا والخضوع أمام الصهيوني. وكانت أسباب انحسار المشروع التحرري القومي العربي كامنة فيه منذ البداية حين نشأ من الفكر ومن الممارسة تناقض مفتعل بين ما سمي بالديمقراطية الاجتماعية من جهة والحريات السياسية من جهة أخرى, وكانت نتيجتها عزل الشعب ومصادرة حريته وحركته المستقلة. حدث ذلك من أكثر تجارب التحرر القومي العربي جذرية وهي التجربة الناصرية التي سار على هديها الكثيرون، وكشفت هزيمة 1967 عن الأخطاء والانحرافات العميقة من هذا المشروع. وكانت هزيمة 1967 هي نقطة التحول التي قبل عندها العرب بقيادة مصر الناصرية فكرة الاعتراف بإسرائيل والتعايش معها على أساس من قرارات الأمم المتحدة. والفارق الرئيسي بين المشروع الناصري والمشروع الساداتي الذي بدأ منعطفاً جديداً من الصراع نجني ثماره المرة الآن هو أن عبد الناصر حين قبل بقرارات الأمم المتحدة أخذ يعد العدة لبناء جيش عصري جديد، وخاض حرب الاستنزاف ببسالة، وراهن على موقف عربي موحد بوسعه أن يفرض السلام العادل والدائم والشامل. وكان الجيش الذي خاض حرب الاستنزاف الباسلة هو نفسه الذي سجل انتصاره المحدود على العدو في أكتوبر 1973. والمفارقة هنا هي أن المهزوم من 1967 هو الذي أعد لنصر 73 ووضع أسس مشروع عربي للتعايش بندية وعلى أسس عادلة مع إسرائيل على أساس التضامن العربي. بينما قاد مسلسل زيارة السادات للقدس واتفاقيات الصلح المنفرد مع إسرائيل مروراً بكامب ديفيد إلى حالة الضعف العربي التي كانت"أوسلو" ووادي عربة والوضع الراهن كله نتيجة مرة لها. وقد بدأ مسلسل التنازل ونحن منتصرون.‏
                                وهنا لابد أن نسجل أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تكن في يوم من الأيام بعيدة عن كونها جزءاً من النظام العربي رغم أنها هي التي بدأت الكفاح المسلح، ولم تشكل أبداً نقلة كيفية من الكفاح التحرري العربي يخط معالم ثورية جديدة من هذا الكفاح فتأثرت بالصراعات الداخلية في البلدان العربية وانتهجت سياسة شراء الأنصار وإفساد الحياة السياسية في بعض البلدان العربية والعدوان على استقلال منظمات وأحزاب، وخلق تراتبية طبقية داخل المنظمة نفسها بالرغم من أنها ولدت في زمن ثوري كانت فيتنام فيه قد قدمت نموذجاً بهر العالم بتكامله واتساقه، بينما تقاتلت الفصائل الفلسطينية فيما بينها، ومع النظم العربية من البلدان التي لجأ إليها الفلسطينيون بعد اغتصاب وطنهم ولا أقول أن المنظمة كانت مسؤولة دائماً لكننا لا نستطيع إعفاءها من المسؤولية عن الحالة البائسة، التي وصل إليها الوضع الفلسطيني. وحين أبتدع الشعب الفلسطيني صيغته الخلاقة من انتفاضة الحجارة جرى اللعب عليها فصائلياً، بدلاً من تقديم أقصى العون لها لتنضج آليات الاستقلال، انقضت المنظمة عليها قبل أن تستكمل الانتفاضة بناء مؤسساتها التي أصابت العدو بالذعر. ثم كانت حرب الخليج وكان الموقف الفلسطيني المنحاز لصدام حسين وتأثيره المباشر الفادح على أوضاع الفلسطينيين في الخليج الذين كانت تحويلاتهم المالية إلى الداخل أحد أركان صمود الانتفاضة وتواصلها والتي عبأت القوى المنتجة في المجتمع الفلسطيني واختل الميزان التجاري الإسرائيلي الفلسطيني لصالح فلسطين لأول مرة وكانت أوسلو هي الطامّة الكبرى لأن المنظمة بدلاً من أن تحتمي بالمظلة العربية في مدريد دخلت في اتفاقية منفردة جديدة على النهج الساداتي وبدأ مسلسل التنازلات الذي لم ينته حتى الآن. وأصبحنا عاجزين حتى عن إرغام العدو على تطبيق اتفاق أوسلو الذي جرى التنازل عن بعض مبادئه من القاهرة. وحين دخلت المنظمة إلى فلسطين بعد أوسلو كنت مع القائلين إنه من الأفضل على أي حال أن تكافح المنظمة من الداخل وأن تشرع في بناء الدولة طوبة طوبة، كما نقول نحن المصريين، ووجودها في فلسطين هو أفضل على أي حال من وجودها في تونس. ولكنها حملت إلى الشعب الصابر الصامد والمكافح في الداخل كل أمراض مرحلة الشتات وصراعاتها المريرة، ومهما تكن المبالغات من حكايات الفساد التي كشفت عنها تقرير اللجنة التي شكلها المجلس التشريعي فإن النتائج العملية لوجود السلطة في الداخل هي نتائج مريرة حيث زادت البطالة وانهار مستوى المعيشة ولم ينشأ نظام ديمقراطي كافح الشعب من أجله. وانتشر الفساد والانقسام الطبقي والفقر حتى وصف أحد الكتاب(الشعب الفلسطيني في ظل السلطة) بأنه شعب يتيم. وعلى هذا الشعب اليتيم أن يكافح الآن على جبهتين: ضد الاحتلال من جهة، وضد طغيان السلطة وفسادها من جهة أخرى.‏
                                وما يزيد الطين بلة أن غالبية الشعوب العربية مكبّلة وترزح تحت وطأة نظم عشائرية وعائلية استبدادية ولا تمد يد العون للشعب الفلسطيني إلا في الحدود الدنيا.‏
                                ولكن بوادر نهوض أخذت تتبلور هنا وهناك، ويتفاقم الغضب الشعبي العربي ضد الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بصورة تؤذن بالخروج من النفق المظلم خروجاً صحياً. ولعل أبرز وأهم مثل هو نجاح المقاومة الوطنية اللبنانية في الجنوب من إرغام العدو الصهيوني على التفكير جدياً في الانسحاب من لبنان، ولابد من أن نسجل هنا أن الموقف الإسرائيلي هذا أخذ يتغير تحت وطأة المقاومة الباسلة من جهة، ومطالبة الرأي العام الإسرائيلي بالانسحاب من الجنوب اللبناني من جهة أخرى، إذ تحسب الحكومة الإسرائيلية حساب شعبها وتصغي له من نظام قائم على تداول حقيقي للسلطة وهو ما علينا أن نتعلم منه.‏
                                الجواب الثاني:‏
                                نعم تغير المشروع الصهيوني تغيراً جذرياً حين تخلت الدولة العبرية عملياً عن ما تسميه بأرض إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل-واعترفت- رغم كل السياسات التمييزية والعنصرية الحمقاء بأن هناك شعباً فلسطينياً. وقال"شمعون بيريز" وهو صهيوني قح ما معناه: أن الهيمنة ليس من الضروري أن تتحقق بعدد السكان الذين تسيطر عليهم الدولة وإنما بالقوة الاقتصادية.‏
                                وليست إسرائيل في ظل اليوتوبيا الصهيونية الرجعية سوى دولة مثل أية دولة رأسمالية أخرى تتفاقم فيها البطالة ويعيش مليون من مواطنيها الخمسة تحت خط الفقر، وتختلف عن أيّة دولة أخرى بأن رفاهها يعتمد أساساً على المعونات الخارجية والأمريكية خاصة. والاحتمال ضعيف نتيجة العلاقات العضوية التاريخية بين دولة إسرائيل ومؤسسة الحكم الأمريكية بل وحتى قطاعات واسعة من المجتمع الأمريكي أقول: لذلك أن الاحتمال ضعيف أن يتغير مثل هذا الوضع في المستقبل المنظور، وإذا ما حدث وتغير سوف ينكشف ظهر الحركة الصهيونية والدولة العبرية انكشافاً خطيراً مما سوف يحدث حتماً تغيرات عميقة من بنيتها ومنطلقاتها ذاتها.‏
                                كذلك فإن الحركة الصهيونية التي قدمت نفسها باعتبارها حركة تحرير الشعب اليهودي تلقت ضربة قاصمة بقرار الأمم المتحدة لسنة 1975 الذي ساوى بين الصهيونية والعنصرية والذي لا يقلل من شأنه أن الضغوط الإمبريالية وتفكك حركة التحرر الوطني العربية والعالمية قد أدت إلى إلغائه، بل إن الأمين العام للأمم المتحدة أخذ يعتذر للإسرائيليين عن صدور القرار.‏
                                وانكشاف الروح العنصرية الاستعلائية للحركة الصهيونية مرهون الآن بمدى قدرة العرب والفلسطينيين خاصة على المزيد من فضح الممارسات العنصرية الإسرائيلية، وتشكيل قوة ضغط متصاعدة من المجتمع الأمريكي والمجتمعات الأوروبية.‏
                                ولكن الأهم من ذلك كله هو بلورة مشروع للتعايش بين كل الديانات والأعراق على أرض فلسطين ذي مضمون تحرري وتقدمي يزيل الشوائب عن بعض الممارسات العنصرية في عدد من بلدان الوطن العربي جرت حيناً باسم العروبة كما حدث لأكراد العراق، وحيناً آخر باسم الإسلام كما يحدث في جنوب السودان.‏
                                إن مثل هذا المشروع التقدمي التحرري العربي المفتوح لكل الديانات والأعراق والأجناس هو وحده الذي سيحدث تغييراً جوهرياً في الصهيونية ويردها إلى الأصل الديني الأسطوري لتفقد وظيفتها كأداة قومية استعلائية. أي باختصار يبطلها.‏
                                وقد بدأت في إسرائيل محاولات جنينية لإعادة كتابة تاريخ الدولة يسهر عليها باحثون ومؤرخون جدد يؤكدون على طابع الاغتصاب وطرد الفلسطينيين في وطنهم ويشككون في الحكاية الرسمية.‏
                                كذلك فإن مؤشرات تراجع الهجرة إلى إسرائيل بعد كل ما عاناه اليهود السوفييت ويهود الفلاشا السود، ويهود أوروبا الشرقية فضلاً عن أن وجودهم نفسه يشكك في أسطورة النقاء العرقي، فإنه يقدم للعالم صورة لبلد غير متجانس مهدّد بالانفجار من داخله يمكن أن يتقلص سكانه بدلاً من أن يتزايدوا ليحققوا الحلم التوراتي لإسرائيل الكبرى.‏
                                الجواب الثالث:‏
                                جرى إبرام الاتفاقيتين الأخيرتين أي أوسلو ووادي عربة في زمن كانت الآثار المدمرة لكامب دافيد واتفاقية الصلح المنفرد بين الحكومتين المصرية والإسرائيلية قد مزّقت بالفعل التضامن العربي الذي كان حجر الزاوية في محاصرة المشروع الصهيوني، ويكفي أن نعرف أن إسرائيل قد خسرت على امتداد تاريخها ما قيمته أربعين ملياراً من الدولارات نتيجة للمقاطعة العربية التي عجز العرب بعد كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة عن استعادتها رغم قرار مؤتمر القمة بضرورة العودة للمقاطعة ذلك أن اتفاقيات كانت قد أبرمت وأنشأت شبكات الاتصال وعلاقات تجارية قبل أن يحصل العرب على الحد الأدنى من حقوقهم فيما يخص القضية المركزية في الصراع وهي قضية الشعب الفلسطيني. أهدرت هذه الاتفاقيات عناصر القوة العربية في الصراع وأصبحنا نواجه إسرائيل كل بمفرده وهو أخطر ما حدث.‏
                                ورغم أنني أساند إلى أقصى حد خيار السلام والتعايش على أساس التكافؤ والندية بدءاً بالجلاء عن كل الأراضي العربية المحتلة بعد عدوان 1967 ووصولاً إلى إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، فإن هذه الاتفاقيات أدت إلى إضعاف العرب حتى وهم يختارون السلام حيث مزقت شملهم وأخضعتهم للإرادة الأمريكية والإسرائيلية لأنهم حتى بلغة المساومات قاموا بالدفع مقدماً وعقدوا اتفاقيات سميت باتفاقيات السلام دون أن يواكبها جلاء شامل عن الأرض بل إن الأرض التي جلت عنها القوات الإسرائيلية مثل سيناء أصبحت مقيدة ومنزوعة السلاح ومنقوصة السيادة. أما الأرض الفلسطينية المحدودة التي جرى الانسحاب منها فقد كبلتها المستوطنات والطرق الاتفاقية والشروط التي تنتقص من سيادة السلطة الفلسطينية.‏
                                الجوابان الرابع والخامس:‏
                                من وجهة نظري سوف يجري حل الصراع ضد الصهيونية تاريخياً، أي حين تتمكن الشعوب العربية على المستوى المحلي في كل بلد على حدة من انتزاع حقوقها الديمقراطية وإزاحة الاستبداد والتسلط العشائري والأُسري وحتى الجماهيري، ولم أعد أخجل الآن من المقارنة مع إسرائيل من زاوية الحقوق الديموقراطية المتوافرة للإسرائيليين-وليس للعرب- حين تنتزع الشعوب العربية حقوقها في التعبير والتنظيم والاعتقاد والتظاهر وحتى الديموقراطية الأولية التي سوف تساعد هذه الشعوب على القيام بإعادة توزيع الثروات المنهوبة لصالح المنتجين، واستعادة الثروات العربية المرهونة في الخارج وسوف تبتدع الجماهير نفسها من خضّم هذا الصراع أشكالاً جديدة ومبتكرة لبناء الجبهة الوطنية الشعبية لمقاومة الصهيونية. وتقدم خبرة الشعب المصري في مقاومة التطبيع على مدى عشرين عاماً(هي عمر اتفاقيات كامب ديفيد والصلح المنفرد) زاداً كبيراً في هذا السياق، وفي ظني أن توسيع القاعدة العربية للفكر الاشتراكي النقدي وإتاحة الفرصة للرؤية الاشتراكية للعالم وزيادة المنابر التي تعبر عنها في سياق المزيد من الحريات الديموقراطية سوف يؤسس قاعدة متينة للإطاحة بكل الأوهام العنصرية سواء كانت صهيونية أو معادية للساميّة باسم أي دين آخر، وتمهد بذلك الأرض للتعايش في المستقبل بعد أن يندحر المشروع الصهيوني العدواني كما اندحرت من قبل مشاريع عنصرية أخرى من جنوب إفريقيا أو زيمبابوي....‏
                                إن الثقافة الوطنية الجديدة المعادية للعنصرية لابد أن تكون في الوقت نفسه معادية للاستغلال فمشروعها هو التحرر الإنساني الشامل. هناك ضرورة ملحة للاستثمار الأمثل لما بدأ في الساحة العربية من سعي لاستعادة التضامن العربي الرسمي ليكون ذلك هو الأساس الذي تبني عليه الحركة الديموقراطية العامة خططها قصيرة وطويلة المدى للخروج من المأزق الراهن. فالخروج من المأزق هو مسألة نضالية صراعية، وليست تصورات نظرية فقط. وفي اعتقادي أن القرار الذي اتخذته الأمانة المركزية لحزب التجمع، وأصدرت بمقتضاه توجيهاً لكل منظمات الحزب بأن تضع قضية القدس كبند دائم على جدول أعمالها في كل الأوقات هو مثل للاهتمام الأصيل، ولكون القضية الفلسطينية، والقدس في.... قلبها، هي هم مصري وطني.‏
                                وقد أدرك الجميع الآن بعد كل محاولات الخروج المنفرد من الأزمة مدى عقم هذا الطريق فنحن أمة واحدة مهددة بالتبعية وبالهيمنة الإمبريالية الصهيونية ويمكن لكل منا أن يخسر على حدة، لكنه بالقطع لن يكسب على حدة بمنطق استعادة الأرض المحتلة.‏
                                أتصور أن تفعيل الجامعة العربية كإطار قومي يمثل الحد الأدنى من التضامن، والتلويح للعدو باتفاقية الدفاع العربي المشترك التي لها الأولوية كاتفاقية جماعية على كل الاتفاقيات الثنائية والشروع في استعادة ولو جزء من الأموال العربية المودعة بالخارج لاستثمارها في الوطن العربي، ومساندة العراق وليبيا لرفع الحصار عنهما هي كلها خطوات أولية للخروج من المأزق، خاصة وإن الصراع المحتد بين أوروبا وأمريكا على المنطقة يتيح للدبلوماسية العربية فرصة لا بأس بها للحركة.‏
                                فريدة النقاش.‏

                                إذا الشعب يوما أراد الحياة
                                فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                                و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                                و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                                تعليق

                                يعمل...
                                X