إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

    أجوبة الأستاذ: خالـــد مشـــــعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس
    بسم الله الرحمن الرحيم‏
    1-لم تكن هزيمة الأمة أمام المشروع الصهيوني في عام 1948 (عام النكبة) هزيمة عابرة خارج السياق العام، وإنما جاءت في ظل ظروف وعوامل ذاتية وموضوعية لم تكن لتقود إلى غير تلك النتيجة، هذا على الرغم من حجم البطولات والتضحيات التي قدمها شعبنا الفلسطيني عبر ثوراته ومعاركه المتواصلة مع الاحتلال البريطاني والغزاة الصهاينة وعلى الرغم كذلك من إسهامات المجاهدين العرب والمسلمين الذين تدافعوا للدفاع عن فلسطين والذود عن عروبتها وإسلاميتها.‏
    كانت الأمة -رغم بواكير النهوض والثورة على الاستعمار- لا تزال تعاني حالة الانحطاط والتراجع التاريخي في مسيرتها، فضلاً عن حالة التمزق والتجزئة التي أوجدها الاستعمار في بلادنا، كما أن إرادة القتال الحقيقية كانت غائبة في الصف العربي، ولم تكن الدول العربية آنذاك بمستوى المعركة ولا بحجمها، بينما كان الطرف الصهيوني متحفزاً مستجمعاً لكل طاقته، حاشداً خلفه تأييداً ظالماً من الدول الاستعمارية الكبرى آنذاك..‏
    ونشأت في تلك الفترة مقاومة إسلامية وطنية فلسطينية وعربية، لكن المعارك كانت أكبر منها وكانت الظروف الموضوعية أقوى من إمكاناتها الذاتية.‏
    ثم تبلورت في ظلها وعلى امتداداتها وإلى جانبها المشروع الوطني الفلسطيني الذي قاد العمل الوطني ضد الاحتلال الصهيوني قرابة ثلاثة عقود، حمل خلالها وخاصة في سنوات الأوج آمال شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية في التحرير والعودة وطرد الصهاينة المحتلين، ونال هذا المشروع -بسبب ذلك- قدراً كبيراً من التأييد والتفاعل الجماهيري وصور المشاركة والعطاء الواسعة، فضلاً عن جملة الظروف العامة التي خدمته إثر هزيمة 1967 وساعدت في تكريس شرعيته الرسمية فضلاً عن الشعبية، لكن هذا المشروع ما لبث أن انحسر انحساراً كبيراً، وتراجع بصورة واضحة بل صارخة، من رافعة لشعبنا وأمتنا إلى عبء حقيقي عليها، ومن حمل الآمال والأهداف الكبرى في تحرير كامل فلسطين وعودة شعبها إليها وامتلاك الحرية والسيادة والاستقلال الحقيقي إلى حالة التقزم والاختزال والتراجع والتفريط الراهنة بحيث لم يعد من أهداف ذلك المشروع إلا الأطلال والفتات مع النحت والاختزال الدائمين فيها بحيث لم يعد ثمة نهاية للقاع السحيق!‏
    أما أسباب ذلك الانحسار، فلا شك أن الظروف الموضوعية التي تلاحقت على مسيرة القضية عبر مراحلها المتأخرة كانت قاسية وقاسية جداً، وتعرض المشروع الوطني الفلسطيني خلالها إلى ضغوط ومؤامرات عديدة، ونشأ عن ذلك حجم كبير من الخسارة والنزيف والتضحيات والضحايا.‏
    ولكن العوامل الذاتية، من داخل المشروع نفسه، كان لها التأثير الأكبر فيما آلت إليه هذه النهايات المؤلمة ولعل أهم هذه العوامل هي:‏
    1- تراجع المؤسسية القيادية والديمقراطية الحقيقية ومن ثم غيابها شبه الكامل رغم بقاء الشكل والصورة، وحصل هذا التراجع لصالح الدكتاتورية وقيادة الفرد وتمركز أعلى الصلاحيات وأدناها في يده، وفي ظل ذلك تاهت البوصلة وضلت المسيرة وغابت المعايير الوطنية ومحددات المصلحة العامة عن رسم الأهداف والمواقف والممارسات، لتتحكم فيها عناصر الهوى والمزاج والمصالح الشخصية بل إلى درجة أسوأ حين أصبحت مصالح عدونا ومتطلباته الأمنية وأولويات أجندته هي التي لها موضع الاعتبار والاحترام والمؤثر الأكبر في رسم مسارات قضيتنا وصياغة السياسات والمواقف!‏
    2- استشراء الفساد المالي والتنظيمي والأخلاقي، وتكون طبقات نفعية كثرت الأحاديث حول ثرائها الفاحش وسلوكياتها المدمرة، كل ذلك شكّل داخلياً في المشروع الوطني وأفقده مصداقيته أمام كوادره العاملة فضلاً عن شعبه وأمته.‏
    3- التيه الفكري الذي انعكس سلباً على هوية المعركة وجوهرها الحقيقي، فخسر المشروع الوطني جزءاً كبيراً ومهماً من المحرض الحقيقي لجماهير الشعب وما يثير نبضها ووجدانها، كما خسر عمقه الإسلامي الشعبي الأوسع.‏
    4- الدخول في معارك جانبية عديدة خارج سياق القضية ومتطلباتها، مما فرض على المشروع الوطني نزيفاً متواصلاً وخسارة كبيرة في غير مكانها. صحيح أن بعض هذه المعارك فرضت على المشروع الوطني الفلسطيني من الآخرين في سياق مواجهته واستدراجه وضربه، ولكن الممارسات الخاطئة لبعض أطراف هذا المشروع والاستجابة للشراك الخادمة ولمحاولات الاستدراج دفعها إلى معارك كانت في غنى عنها.‏
    5- تقزيم القضية وسلخها من إطارها الإسلامي ثم العربي، واتباع سياسات الانسلاخ والتفرد عن سياق الأمة، لتجد القيادة المتنفذة للمشروع الوطني الفلسطيني نفسها في النهاية محصورة في التعامل مع العدو الصهيوني نفسه ورهينة ضعيفة بين يديه.‏
    ولعل هذه الإشارات السريعة تكفي، إذ أن تحليل عوامل الانحسار مهمة أوسع وأكبر من ذكرها عبر صفحات الصحف.‏
    2-في اعتقادي ورؤيتي أن أولويات المشروع الصهيوني وأهدافه الأساسية لم تتغير، فالسيطرة الكاملة على الأرض، وتهجير الشعب الفلسطيني ونفيه، وبناء الدولة الصهيونية، وتحقيق الهيمنة السياسية والاقتصادية على المنطقة ونهب ثرواتها وتمزيق كياناتها وإثارة النعرات والتجزئات فيها، كل ذلك لم يتغير.. حتى حلم الصهاينة في التوسع لإقامة إسرائيل الكبرى على مساحة واسعة في المنطقة ليس هناك ما يؤكد أنه تغير، ومجرد إقامة اتفاقيات سلام والحديث عن التطبيع والتعايش لا يعني تراجعاً عن ذلك الحلم، خاصة في ضوء النتائج العملية المريرة لتلك الاتفاقيات ومشاريع التعايش.‏
    الذي تغير في تقديري، أو بالأصح تطور وأخذ أشكالاً جديدة هو الأساليب والتكتيكات والمناورات والتي وصلت إلى حد توقف الحديث عند الصهاينة عن التوسع العسكري لصالح الحديث عن التطبيع والتعايش والسلام.. ولكن ذلك مرتبط بالوسائل والتكتيك وليس بالأهداف والاستراتيجية. ولعل مرد ذلك أن المشروع الصهيوني وجد نفسه أمام مفاجأتين أو حقيقتين شكلتا عقبتين كبيرتين أمام تقدمه.. أولاهما هو صمود الشعب الفلسطيني وإصراره على التمسك بهويته وحقوقه والدفاع عنها، وقدرته على مواصلة المقاومة عقوداً طويلة واجتراح أشكال عديدة من النضال. وثاني تلك الحقائق والمفاجآت هي حالة النهوض الإسلامي الواسعة في الأمة وحضورها الجهادي الفاعل في مقاومة المشروع الصهيوني. وقد وجدت القيادة الصهيونية خاصة (حزب العمل) أن استمرارها في التعبير الصارخ عن مطامعها وأهدافها الحقيقية يزيد من استفزاز الشعب والأمة واستخراج مكنونات التحدي والمقاومة فيهما، ولذلك لجأت تلك القيادة الصهيونية إلى أساليب التوائية مخادعة تتذرع بالمهادنة الشكلية والتعايش والسلام الكاذب مخفية خلف ذلك الأهداف الحقيقية المعروفة للمشروع الصهيوني.‏
    3-لا شك أن الاتفاقيات التي تم توقيعها بين عدة أطراف فلسطينية وعربية مع الكيان الصهيوني أضعفت من الموقف الفلسطيني والعربي عموماً في مواجهة المشروع الصهيوني، وشكلت ثغرات في جدار المواجهة، وعملت على كسر الحاجز النفسي بين الأمة والكيان الصهيوني كما أسهمت في تفتيت موقف الأمة وتجزئته أمام العدو المشترك، ومن ثم سمحت للعدو بالدخول عبر تلك الثغرات إلى عمقنا وممارسة كل أشكال الإفساد والتدمير وإشاعة الفرقة والخلافات وتفتيت الموقف الفلسطيني والعربي، وشكلت له جسراً لفرض استراتيجية في الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية على المنطقة كبديل مرحلي عن استراتيجية التوسع والاحتلال العسكري المباشر.‏
    بل إن تلك الاتفاقيات وفي سياق منطوقها وفلسفتها وضع الصراع بين الأمة والمشروع الصهيوني خارج سياقه الطبيعي وبعيداً عن إطاره الحقيقي، وعملت على إعادة ترتيب مفردات الصراع لتشكل بها صورة أخرى مغايرة تماماً لطبيعة المعركة.. واستعاضت عن معايير ومنطلقات الجغرافيا والتاريخ والدين والعروبة ووحدة المشاعر والأهداف في إطار الأمة العربية والإسلامية، بمعايير جديدة مفرداتها الدولار والمشاريع الاقتصادية المشتركة والسوق الشرق أوسطية والتعاون الإقليمي، وكأن الصهيوني ليس إلا جزءاً طبيعياً من كيان الأمة والمنطقة.‏
    لكن رغم ذلك فإن مثل تلك الاتفاقيات هي أضعف من أن تشطب حقائق الصراع الراسخة، وأعجز من أن تقضي على ذاكرة شعبنا وأمتنا وقيمها ووجدانها وعلى تاريخها ورصيد تجاربها الطويلة.‏
    4-باختصار شديد فإن الخاص الوطني والعام القومي والإسلامي كذلك لا يمكن إلا أن يمتزجا ويتعاضدا ويتكاملا في مواجهة المشروع الصهيوني، ولا مجال أبداً للتناقض أو التفاضل أو الانفراد، ولعل تجارب العقود الماضية تؤكد عمق هذه الحقيقة وخطورة أي سياسة أو موقف أو سلوك يقوم على التباعد أو التناقض بينها. وأحسب أن رصيد التجربة ومعاناتها المريرة كاف لإقناع الجميع بضرورة الاتجاه نحو التعاون والتنسيق والترابط الأصيل لتشكيل جبهة عريضة واحدة تحشد في إطارها جهود الأمة وإمكاناتها كافة لمواجهة المشروع الصهيوني المتسلح بدعم استعماري عالمي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.‏
    5-إن الممارسات الصهيونية الصارخة اليوم بإرهابها وعدوانها واستفزازها، وإن الحالة المؤلمة التي آل إليها الوضع الفلسطيني والعربي في ظل تجارب ومحاولات البعض للسير في طريق التسوية السلمية العبثية، إن ذلك كله لم يدع مجالاً للحيرة في البحث عن الخروج من المأزق.. المطلوب بكل وضوح وضع استراتيجية فلسطينية وعربية وإسلامية جادة وشاملة للصمود في مواجهة الضغط الصهيوني وممارساته العدوانية ورفض الخضوع لإرادة الصهاينة أو الإدارة الأمريكية، وبناء إمكانات وأسس المواجهة مع المشروع الصهيوني بحيث تتوزع مسؤوليتها كل الأطراف في إطار الأمة، مع تواصل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، والسعي بجدية وصدق من جميع الأطراف إلى مزيد من تنسيق الجهود وتكاملها وتوحيدها بحيث تنتظم جميعاً في إطار جبهة واسعة قادرة على التصدي للمشروع الصهيوني المتحفز والمتقدم لسحق الأمة عبر محاور عديدة.‏
    آمل من الجميع أن يعي هذه الحقائق وأن يتصرف الجميع بناء عليها وباستشعار عال للمسؤولية في هذه المرحلة التاريخية الحرجة من تاريخ الأمة، وإني لأرى مبشرات عديدة في الواقع تشير إلى أن الأمل كبير وأن الأمة قادرة على انتزاع حقوقها ووضع حد للغطرسة الصهيونية بإذن الله.‏
    خالد مشعل‏

    إذا الشعب يوما أراد الحياة
    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

    تعليق


    • #17
      رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

      أجوبة الأستاذ: خالد محي الدين
      عضو مجلس قيادة الثورة الأسبق، رئيس حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي،‏
      وعضو مجلس الشعب المصري.‏
      الجواب الأول:‏
      الهزيمة لها سبب رئيسي وهو أننا لم نجهز قوانا بالقدر الذي يمكننا من الدفاع عن الهدف الذي وضعناه لأنفسنا. فعندما نتكلم عن تحرير الأرض المحتلة ونحن لم نجهز جيوشنا وبلادنا لنخوض معركة تحرير هذه الأرض فإننا لن ننجح. وعندما ننادي بأن فلسطين لا بد وأن تظل كلها عربية ونحن لم نجهز قوانا لا فلسطينياً ولا عربياً لذلك فلا بد أن نهزم.‏
      الإسرائيليون جهزوا أنفسهم خطوة خطوة. في البداية ينشؤا مستعمرات، وبعدها يمتدوا بها لنقطة معينة ثم يستولون على جزء من الأرض وهكذا.. أما نحن فكنا نرى ذلك ونرفضه وهذا شيء إيجابي لكن الرفض وحده لا يكفي.‏
      مثلاً: عندما صدر قرار التقسيم رفضه العرب شكلاً وموضوعاً، بينما قبله الإسرائيليون شكلاً ورفضوه موضوعاً. هم ظهروا أمام العالم على أنهم لا يريدون إلا هذا الجزء المنصوص عليه في القرار فأخذوه وأخذوا معه الحق الدولي، ومنه دخلوا إلى حيفا ويافا والأراضي العربية القريبة منها. ونحن لم نستطيع الدفاع عنها. أي أننا رفضنا ما يحدث ولكننا لم نستطع مساندة رفضنا بالقوة.‏
      بشكل عام كان هذا هو الخط الرئيسي في الصراع العربي الإسرائيلي منذ بدايته وحتى الآن.‏
      يضع الإسرائيليون أهداف بعيدة المدى -وكلنا نعرفها- وينفذونها على مراحل. في البداية يضعون أقدامهم في فلسطين ثم يقومون بالاستيلاء على جزء منها، فجزء أكبر وهكذا.. ويستغلون أي حدث للقيام بهذه المهمة واتمامها.‏
      نحن رفضنا كل ذلك ولكننا لم نجعل الوقوف ضد السيطرة الإسرائيلية هو الموضوع الرئيسي في صراعنا. لأنّ الوقوف ضد السيطرة الإسرائيلية كان يستدعي بناء مجتمعات عربية قوية ونحن لم نستطع بنائها. ولذلك أصبحت إسرائيل أقوى حيث قامت بتصنيع القنبلة الذرية، وأنشأت صناعة متقدمة وزراعة متقدمة ونحن لم نفعل أي شيء.‏
      ولذلك وفي ظل هذه الأوضاع وحتى نواجه قوة إسرائيل فلا بد من توحيد العرب ليس فقط توحيدهم ولكن توحيدهم على قوة. لا بد من أن نبني قوة عربية مسلحة بالعلم والتكنولوجيا بحيث يكون الفرد العربي موازي للفرد الإسرائيلي. لو استطعنا القيام بذلك سننجح.‏
      فهم (5) مليون فرد ولكنهم (5) مليون عسكري مقاتل، ولذلك يضعون في ميادين القتال جنوداً أكثر منا، داخل جيوش حديثة لأن مجتمعهم كله مكرس لخدمة الجيش.‏
      الخلاصة: أن وسائلنا لتنفيذ أهدافنا ليست متناسبة مع هذه الأهداف. أما هم فوسائلهم متناسبة مع أهدافهم بشكل كبير، وبالتالي كانت هزيمتنا وكان تراجع وانحسار المشروع الوطني الفلسطيني.‏
      نحن رفضنا ما حدث وظللنا نرفض ذلك لفترة طويلة ولكن لم يكن بإمكاننا تنفيذ هذا الرفض. استمر هذا الوضع حتى عام 1974 عندما ذهب أبو عمار إلى الأمم المتحدة وألقى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بجنيف، والذي وضع فيه شروطاً إيجابية للسلام. لكن من الواضح أن العرب لم يكن لديهم القدرة على تنفيذ هذه الشروط. ولكنهم تنبهوا لما يحدث عندما ذهب السادات إلى القدس ثم وقع اتفاقية كامب ديفيد.‏
      بدأ العرب في التفكير بشكل عملي. فوجدوا أن كامب ديفيد بها عيوب، وأن فكرة إزالة إسرائيل من الوجود أصبحت قضية صعبة. ومع ذلك فإن أحداً لم يفكر ماذا سنفعل طالما أن الإزالة غير ممكنة وأن الانتصار في الحرب نصر كاسح حتى نزيل إسرائيل غير وارد؟ فماذا نفعل طالما أن الحرب غير ممكنة؟‏
      هل من الممكن أن نقبل باتفاقيات مؤقتة وبتسويات سياسية قد يكون فيها ظلم علينا، على أن نقوم ببناء مجتمعاتنا العربية بحيث تكون قادرة على حصار إسرائيل وجعلها غير قادرة على التحكم فينا أم لا؟‏
      واضح أن هذا لم يتم حتى الآن. وبالتبعية فهناك مخاطر أن تسيطر إسرائيل على المنطقة عسكرياً واقتصادياً في حالة إقامة نظام شرق أوسطي ونحن لا نريد هذا.‏
      فماذا نفعل؟؟‏
      بالنظر إلى التجارب الدولية سنجد أن الوضع قريب مما حدث أيام المعسكر الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي. المعسكر الرأسمالي وحّد نفسه اقتصادياً فانتصر، والمعسكر الاشتراكي لم يستطع توحيد نفسه فسقط، ولم يكن قد توحد. ولهذا لا بد أن يتوحد العرب اقتصادياً، ولكن الوضع متخلف. فماذا نفعل، هل نستسلم؟‏
      ما نستطيع القيام به الآن: هو بناء مصر قوية لشعب متعلم قادر على التعامل مع العلم الحديث والتكنولوجيا، وأن يتم ذلك في سورية وفلسطين والأردن.. حتى تقوم ببناء أسباب قوتك. فإن لم تكن قوياً فإن الأقوى سيلتهمك ولا أحد يرحم الآخر.‏
      الجواب الثاني:‏
      الهدف الصهيوني وهو البقاء في فلسطين والسيطرة على المنطقة لم يتغير. ولكننا نستطيع تغييره لو وجد الصهاينة أن تنفيذ ذلك من جانبنا صعب.‏
      نحن دائماً ننظر لأهداف الحركة الصهيونية ولكننا لا ننظر ما هو هدفنا نحن، وكيف نوقف هذا المشروع الصهيوني؟‏
      يجب علينا ألا نهرب ونبني مجتمعات عربية قوية فليس هناك حل آخر. هذا الحل أهم من الجيش، ولكن الجيش أيضاً مهم. فيجب علينا أن نبني جيوشاً تجعل أي عدوان غالي الثمن إن لم تكن قادرة على تحقيق النصر العسكري. ليس ضروريا أن ننتصر، ولكن نجهز قوات عسكرية تجعلهم يشعرون أنهم سيخسرون خسائر جسيمة لو قاموا بأي عدوان على أي دولة من الدول العربية. وهم لا يحتملون الخسائر، فيفكروا ألف مرة قبل الإقدام على ذلك.‏
      وعلى هذا الأساس فإن استخدام كل الإمكانيات العسكرية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية ورفع مستوى الفرد العربي مهم.‏
      عدد سكان إسرائيل حوالي 5مليون ومع ذلك فإنهم يخرجون عدداً من الطيارين يضاهي ويماثل أعداد الطيارين الذين تخرجهم الأمة العربية وهذا يدل على أن المستوى الصحي لهم متقدم.‏
      إذن فازدهار الصحة وازدهار التعليم وازدهار التنمية البشرية في المجتمعات العربية يستطيع أن يحل هذه المشكلة ويحاصر إسرائيل ويحتويها ولا يسمح لها بالاتساع وهذا هو المشروع الأول. وعندما نستطيع احتواء إسرائيل ومنعها من التوسع نبدأ في الحديث عن المشروع الثاني.‏
      فمثلاً بالنسبة للمشروع الفلسطيني، فأنت الآن تريد أن تضع قدمك على أي أرض فلسطينية وتقيم عليها سلطة فلسطينية. ثم بعد ذلك تنطلق إلى العالم كله وتحاول أن تجعله يتبنى وجهة نظرك.‏
      هم فكروا هكذا، فعلينا أن نفكر مثلهم. ومن هنا يجب على كل العالم العربي وكل الفلسطينيين أن يدعموا السلطة الفلسطينية.‏
      الجواب الثالث:‏
      بالفعل أثرت الاتفاقيات العربية الإسرائيلية على مجرى الصراع ولا بد أن تؤثر. ولكننا نستطيع أن نحد من تأثيرها، وذلك بأن تظل الجماهير العربية تعتبر إسرائيل هي العدو الرئيسي، وأن تظل العقيدة العسكرية للجيوش العربية تعتبر أن إسرائيل هي العدو وأن تظل العقيدة السياسية لكل الجماهير والأحزاب والقوى السياسية العربية تعتبر أن إسرائيل هي الخطر الأول، ويجب أن نربي شعوبنا على ذلك. بحيث يظل السلام الذي بدأ سلاماً بارداً إلى أن نسترد الحقوق العربية الفلسطينية. إسرائيل تقول إنه سلام بارد، إذن فليظل بارداً وليس سلاماً فاعلاً.‏
      فمثلاً بالنسبة للاتفاقيات بين مصر وإسرائيل، عندما نتبنى الرغبة داخل الشعب المصري في عدم التطبيع مع إسرائيل، فإننا سنحاصر التطبيع. فإذا نجحنا في جعل علاقات الشعوب العربية التي عقدت حكوماتها اتفاقيات مع إسرائيل، بعيدة عن إسرائيل، لن تؤثر هذه الاتفاقيات، أو ربما سيكون تأثيرها محدوداً.‏
      القمة العربية الأخيرة أوصت بوقف التطبيع مع العدو الإسرائيلي لحين إتمام الجلاء عن كل الأراضي العربية. أي أن هذا القرار اتفقت عليه كل الحكومات العربية سواء اتفقنا أو لم نتفق معها فلماذا لا ننفذه؟‏
      في أقل الحالات لا بد من التمسك بقرارات القمة العربية.‏
      الجواب الرابع:‏
      أعتقد أن كل بلد لها ظروفها. فنحن في مصر، بيننا وبين إسرائيل معاهدة صلح، ووضعنا يختلف عن سورية، وفلسطين تختلف عن كلينا.‏
      لقد كان جزءاً من النضال الفلسطيني: السعي لاعتراف إسرائيل بهم وبمنظمة التحرير الفلسطينية. الأمر كان معكوساً تماماً بالنسبة لمصر وسورية وإسرائيل، حيث كانت إسرائيل هي التي تريد أن نعترف بها، ولذلك فالظروف مختلفة. فنحن نجد اليوم أن الفلسطينيين يريدون أن تفتح إسرائيل أبوابها للعمال الفلسطينيين للعمل في إسرائيل، أما نحن فالأمر بالنسبة لنا مختلف تماماً.‏
      في النهاية، المهم أننا نريد أن نحتوي إسرائيل ونحاصرها.. ولن نحتويها إلا بالتنمية البشرية العربية (تعليم وتكنولوجيا، وبحث علمي، وصحة جيدة، ورفع مستوى المعيشة وصناعة جيدة، وزراعة جيدة، وتكامل اقتصادي.. الخ.‏
      الجواب الخامس:‏
      معركة العراق أظهرت أن الرأي العام العربي كان في أغلبه ضد أي ضربة للعراق. هذا الموقف فرض على كل الحكومات العربية موقفاً محدداً وهو رفض الضربة.‏
      لا بد أن نفهم من ذلك أن الرأي العام يشكل قوة. ولو أن الرأي العام ظل ضد المخططات الإسرائيلية، فإن القيادات السياسية ستكون ملزمة بذلك. ويجب ألا يتوقف الأمر عند مجرد الشعور العاطفي، ولكن لا بد أن يتبعه بناء عربي، أي أن يكون هناك خطة عربية لمواجهة التغلغل الإسرائيلي، ومنع التطبيع معها، إلى أن يتم تحقيق الأهداف الوطنية العربية والقومية أي تنفيذ قرارات القمة. نحن نصدر القرارات ولا ننفذها، ولو استطعنا تنفيذها سيكون لدينا أمل بالمستقبل.‏
      خالد محي الدين‏
      رئيس حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي‏

      إذا الشعب يوما أراد الحياة
      فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
      و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
      و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

      تعليق


      • #18
        رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

        أجوبة الأستاذ: خالد محي الدين
        عضو مجلس قيادة الثورة الأسبق، رئيس حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي،‏
        وعضو مجلس الشعب المصري.‏
        الجواب الأول:‏
        الهزيمة لها سبب رئيسي وهو أننا لم نجهز قوانا بالقدر الذي يمكننا من الدفاع عن الهدف الذي وضعناه لأنفسنا. فعندما نتكلم عن تحرير الأرض المحتلة ونحن لم نجهز جيوشنا وبلادنا لنخوض معركة تحرير هذه الأرض فإننا لن ننجح. وعندما ننادي بأن فلسطين لا بد وأن تظل كلها عربية ونحن لم نجهز قوانا لا فلسطينياً ولا عربياً لذلك فلا بد أن نهزم.‏
        الإسرائيليون جهزوا أنفسهم خطوة خطوة. في البداية ينشؤا مستعمرات، وبعدها يمتدوا بها لنقطة معينة ثم يستولون على جزء من الأرض وهكذا.. أما نحن فكنا نرى ذلك ونرفضه وهذا شيء إيجابي لكن الرفض وحده لا يكفي.‏
        مثلاً: عندما صدر قرار التقسيم رفضه العرب شكلاً وموضوعاً، بينما قبله الإسرائيليون شكلاً ورفضوه موضوعاً. هم ظهروا أمام العالم على أنهم لا يريدون إلا هذا الجزء المنصوص عليه في القرار فأخذوه وأخذوا معه الحق الدولي، ومنه دخلوا إلى حيفا ويافا والأراضي العربية القريبة منها. ونحن لم نستطيع الدفاع عنها. أي أننا رفضنا ما يحدث ولكننا لم نستطع مساندة رفضنا بالقوة.‏
        بشكل عام كان هذا هو الخط الرئيسي في الصراع العربي الإسرائيلي منذ بدايته وحتى الآن.‏
        يضع الإسرائيليون أهداف بعيدة المدى -وكلنا نعرفها- وينفذونها على مراحل. في البداية يضعون أقدامهم في فلسطين ثم يقومون بالاستيلاء على جزء منها، فجزء أكبر وهكذا.. ويستغلون أي حدث للقيام بهذه المهمة واتمامها.‏
        نحن رفضنا كل ذلك ولكننا لم نجعل الوقوف ضد السيطرة الإسرائيلية هو الموضوع الرئيسي في صراعنا. لأنّ الوقوف ضد السيطرة الإسرائيلية كان يستدعي بناء مجتمعات عربية قوية ونحن لم نستطع بنائها. ولذلك أصبحت إسرائيل أقوى حيث قامت بتصنيع القنبلة الذرية، وأنشأت صناعة متقدمة وزراعة متقدمة ونحن لم نفعل أي شيء.‏
        ولذلك وفي ظل هذه الأوضاع وحتى نواجه قوة إسرائيل فلا بد من توحيد العرب ليس فقط توحيدهم ولكن توحيدهم على قوة. لا بد من أن نبني قوة عربية مسلحة بالعلم والتكنولوجيا بحيث يكون الفرد العربي موازي للفرد الإسرائيلي. لو استطعنا القيام بذلك سننجح.‏
        فهم (5) مليون فرد ولكنهم (5) مليون عسكري مقاتل، ولذلك يضعون في ميادين القتال جنوداً أكثر منا، داخل جيوش حديثة لأن مجتمعهم كله مكرس لخدمة الجيش.‏
        الخلاصة: أن وسائلنا لتنفيذ أهدافنا ليست متناسبة مع هذه الأهداف. أما هم فوسائلهم متناسبة مع أهدافهم بشكل كبير، وبالتالي كانت هزيمتنا وكان تراجع وانحسار المشروع الوطني الفلسطيني.‏
        نحن رفضنا ما حدث وظللنا نرفض ذلك لفترة طويلة ولكن لم يكن بإمكاننا تنفيذ هذا الرفض. استمر هذا الوضع حتى عام 1974 عندما ذهب أبو عمار إلى الأمم المتحدة وألقى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بجنيف، والذي وضع فيه شروطاً إيجابية للسلام. لكن من الواضح أن العرب لم يكن لديهم القدرة على تنفيذ هذه الشروط. ولكنهم تنبهوا لما يحدث عندما ذهب السادات إلى القدس ثم وقع اتفاقية كامب ديفيد.‏
        بدأ العرب في التفكير بشكل عملي. فوجدوا أن كامب ديفيد بها عيوب، وأن فكرة إزالة إسرائيل من الوجود أصبحت قضية صعبة. ومع ذلك فإن أحداً لم يفكر ماذا سنفعل طالما أن الإزالة غير ممكنة وأن الانتصار في الحرب نصر كاسح حتى نزيل إسرائيل غير وارد؟ فماذا نفعل طالما أن الحرب غير ممكنة؟‏
        هل من الممكن أن نقبل باتفاقيات مؤقتة وبتسويات سياسية قد يكون فيها ظلم علينا، على أن نقوم ببناء مجتمعاتنا العربية بحيث تكون قادرة على حصار إسرائيل وجعلها غير قادرة على التحكم فينا أم لا؟‏
        واضح أن هذا لم يتم حتى الآن. وبالتبعية فهناك مخاطر أن تسيطر إسرائيل على المنطقة عسكرياً واقتصادياً في حالة إقامة نظام شرق أوسطي ونحن لا نريد هذا.‏
        فماذا نفعل؟؟‏
        بالنظر إلى التجارب الدولية سنجد أن الوضع قريب مما حدث أيام المعسكر الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي. المعسكر الرأسمالي وحّد نفسه اقتصادياً فانتصر، والمعسكر الاشتراكي لم يستطع توحيد نفسه فسقط، ولم يكن قد توحد. ولهذا لا بد أن يتوحد العرب اقتصادياً، ولكن الوضع متخلف. فماذا نفعل، هل نستسلم؟‏
        ما نستطيع القيام به الآن: هو بناء مصر قوية لشعب متعلم قادر على التعامل مع العلم الحديث والتكنولوجيا، وأن يتم ذلك في سورية وفلسطين والأردن.. حتى تقوم ببناء أسباب قوتك. فإن لم تكن قوياً فإن الأقوى سيلتهمك ولا أحد يرحم الآخر.‏
        الجواب الثاني:‏
        الهدف الصهيوني وهو البقاء في فلسطين والسيطرة على المنطقة لم يتغير. ولكننا نستطيع تغييره لو وجد الصهاينة أن تنفيذ ذلك من جانبنا صعب.‏
        نحن دائماً ننظر لأهداف الحركة الصهيونية ولكننا لا ننظر ما هو هدفنا نحن، وكيف نوقف هذا المشروع الصهيوني؟‏
        يجب علينا ألا نهرب ونبني مجتمعات عربية قوية فليس هناك حل آخر. هذا الحل أهم من الجيش، ولكن الجيش أيضاً مهم. فيجب علينا أن نبني جيوشاً تجعل أي عدوان غالي الثمن إن لم تكن قادرة على تحقيق النصر العسكري. ليس ضروريا أن ننتصر، ولكن نجهز قوات عسكرية تجعلهم يشعرون أنهم سيخسرون خسائر جسيمة لو قاموا بأي عدوان على أي دولة من الدول العربية. وهم لا يحتملون الخسائر، فيفكروا ألف مرة قبل الإقدام على ذلك.‏
        وعلى هذا الأساس فإن استخدام كل الإمكانيات العسكرية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية ورفع مستوى الفرد العربي مهم.‏
        عدد سكان إسرائيل حوالي 5مليون ومع ذلك فإنهم يخرجون عدداً من الطيارين يضاهي ويماثل أعداد الطيارين الذين تخرجهم الأمة العربية وهذا يدل على أن المستوى الصحي لهم متقدم.‏
        إذن فازدهار الصحة وازدهار التعليم وازدهار التنمية البشرية في المجتمعات العربية يستطيع أن يحل هذه المشكلة ويحاصر إسرائيل ويحتويها ولا يسمح لها بالاتساع وهذا هو المشروع الأول. وعندما نستطيع احتواء إسرائيل ومنعها من التوسع نبدأ في الحديث عن المشروع الثاني.‏
        فمثلاً بالنسبة للمشروع الفلسطيني، فأنت الآن تريد أن تضع قدمك على أي أرض فلسطينية وتقيم عليها سلطة فلسطينية. ثم بعد ذلك تنطلق إلى العالم كله وتحاول أن تجعله يتبنى وجهة نظرك.‏
        هم فكروا هكذا، فعلينا أن نفكر مثلهم. ومن هنا يجب على كل العالم العربي وكل الفلسطينيين أن يدعموا السلطة الفلسطينية.‏
        الجواب الثالث:‏
        بالفعل أثرت الاتفاقيات العربية الإسرائيلية على مجرى الصراع ولا بد أن تؤثر. ولكننا نستطيع أن نحد من تأثيرها، وذلك بأن تظل الجماهير العربية تعتبر إسرائيل هي العدو الرئيسي، وأن تظل العقيدة العسكرية للجيوش العربية تعتبر أن إسرائيل هي العدو وأن تظل العقيدة السياسية لكل الجماهير والأحزاب والقوى السياسية العربية تعتبر أن إسرائيل هي الخطر الأول، ويجب أن نربي شعوبنا على ذلك. بحيث يظل السلام الذي بدأ سلاماً بارداً إلى أن نسترد الحقوق العربية الفلسطينية. إسرائيل تقول إنه سلام بارد، إذن فليظل بارداً وليس سلاماً فاعلاً.‏
        فمثلاً بالنسبة للاتفاقيات بين مصر وإسرائيل، عندما نتبنى الرغبة داخل الشعب المصري في عدم التطبيع مع إسرائيل، فإننا سنحاصر التطبيع. فإذا نجحنا في جعل علاقات الشعوب العربية التي عقدت حكوماتها اتفاقيات مع إسرائيل، بعيدة عن إسرائيل، لن تؤثر هذه الاتفاقيات، أو ربما سيكون تأثيرها محدوداً.‏
        القمة العربية الأخيرة أوصت بوقف التطبيع مع العدو الإسرائيلي لحين إتمام الجلاء عن كل الأراضي العربية. أي أن هذا القرار اتفقت عليه كل الحكومات العربية سواء اتفقنا أو لم نتفق معها فلماذا لا ننفذه؟‏
        في أقل الحالات لا بد من التمسك بقرارات القمة العربية.‏
        الجواب الرابع:‏
        أعتقد أن كل بلد لها ظروفها. فنحن في مصر، بيننا وبين إسرائيل معاهدة صلح، ووضعنا يختلف عن سورية، وفلسطين تختلف عن كلينا.‏
        لقد كان جزءاً من النضال الفلسطيني: السعي لاعتراف إسرائيل بهم وبمنظمة التحرير الفلسطينية. الأمر كان معكوساً تماماً بالنسبة لمصر وسورية وإسرائيل، حيث كانت إسرائيل هي التي تريد أن نعترف بها، ولذلك فالظروف مختلفة. فنحن نجد اليوم أن الفلسطينيين يريدون أن تفتح إسرائيل أبوابها للعمال الفلسطينيين للعمل في إسرائيل، أما نحن فالأمر بالنسبة لنا مختلف تماماً.‏
        في النهاية، المهم أننا نريد أن نحتوي إسرائيل ونحاصرها.. ولن نحتويها إلا بالتنمية البشرية العربية (تعليم وتكنولوجيا، وبحث علمي، وصحة جيدة، ورفع مستوى المعيشة وصناعة جيدة، وزراعة جيدة، وتكامل اقتصادي.. الخ.‏
        الجواب الخامس:‏
        معركة العراق أظهرت أن الرأي العام العربي كان في أغلبه ضد أي ضربة للعراق. هذا الموقف فرض على كل الحكومات العربية موقفاً محدداً وهو رفض الضربة.‏
        لا بد أن نفهم من ذلك أن الرأي العام يشكل قوة. ولو أن الرأي العام ظل ضد المخططات الإسرائيلية، فإن القيادات السياسية ستكون ملزمة بذلك. ويجب ألا يتوقف الأمر عند مجرد الشعور العاطفي، ولكن لا بد أن يتبعه بناء عربي، أي أن يكون هناك خطة عربية لمواجهة التغلغل الإسرائيلي، ومنع التطبيع معها، إلى أن يتم تحقيق الأهداف الوطنية العربية والقومية أي تنفيذ قرارات القمة. نحن نصدر القرارات ولا ننفذها، ولو استطعنا تنفيذها سيكون لدينا أمل بالمستقبل.‏
        خالد محي الدين‏
        رئيس حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي‏

        إذا الشعب يوما أراد الحياة
        فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
        و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
        و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

        تعليق


        • #19
          رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

          أجوبة السيد: صخــــر حبش(أبو نزار)
          عضو اللجنة المركزية لحركة (فتح)‏

          س1-لماذا هزمنا؟ وأية عوامل ترونها أسباباً في انحسار المشروع الوطني الفلسطيني بدءاً من تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة؟‏
          ج1- ونحن على أبواب مرور خمسين عاماً على إقامة دولة إسرائيل بعد نكبة فلسطين والهزيمة التي لحقت بالجيوش العربية، نقول إننا هزمنا لأننا دخلنا الحرب من خلال ما أطلق عليه سبعة جيوش يقودها كلوب باشا البريطاني الذي هو امتداد لوعد بلفور، والسؤال الكبير لماذا هزمنا لا يتوقف عندما تم عام 1948 إنما ينسلخ على ما بعد ذلك للواقع الذي نعيشه. فعلى الرغم من تسلسل الهزائم والنكسات وما بينهما من انتصارات تحققت فإن المحصلة العامة لا تزال تشير إلى الهزيمة نحن نستذكر في هذه الأيام انتصار الكرامة الخالدة قبل ثلاثين عاماً ولدينا إمكانية أن نتذكر كيف استطاع الشعب المصري بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر أن يحققوا انتصاراً معنوياً وسياسياً سنة 1956 وكيف فرض على إسرائيل أن تنسحب من سيناء ومن قطاع غزة عام 1957 دون تطبيع ودون توقيع. ونستذكر عام 1973 حيث كان انتصاراً لولا ذلك التدخل المباشر من القوة الأعظم أمريكا التي دخلت المعركة لتحول دون هزيمة الكيان الصهيوني.‏
          الحديث عن الهزيمة والنصر ليس عملية سهلة ولكنها معادلة معقدة ونستطيع القول إننا لا نستطيع أن نحقق انتصاراً ونحن متفرقون مختلفون حول تحديد العدو الرئيسي، حول تحديد التناقض الأساسي. فقد نجح الأعداء في فرض حالة التجزئة والتخلف والتبعية على عالمنا العربي فنشبت بيننا وبين أنفسنا حروب أقسى من تلك التي وقفنا فيها لنقاتل العدو. فقد حاربنا أنفسنا أكثر مما حاربنا العدو. ولقد حوربت ثورتنا الفلسطينية من أنظمة عربية وقتل فيها ومن رجالها في حروب حول تناقضات ثانوية أكثر مما قتل في معارك الكفاح المسلح والانتفاضة الجبارة ضد العدو الصهيوني. هذه حقيقة، فقد استطاع كيسنجر الصهيوني أن يفرض معادلة مدمرة بعد أن كانت الثورة الفلسطينية قد استجمعت قواها في الأردن بعد معركة الكرامة وغارات السلط واستقطاب الحالة الجماهيرية الكبرى، فإذا به يعلن الموقف الأمريكي الواضح والصريح (أن كل نظام عربي تتواجد فيه الثورة الفلسطينية المسلحة عليه أن يقوم بتصفيتها، وكل نظام يرفض أو يعجز سنقوم نحن بتصفيته). لقد هزمنا لأن العدو استطاع أن يجعل من الثورة الفلسطينية عبئاً على الأنظمة العربية بدل أن تكون إسرائيل هي العبء على الإمبريالية الأمريكية والقوى المعادية لشعبنا.‏
          أما فيما يتعلق بانحسار المشروع الوطني الفلسطيني فهنالك مفاهيم مختلفة، هنالك مفاهيم الاستسلام بأن الكيان الصهيوني حقق إنجازاته وأنه غير قابل للهزيمة. والذي ينطلق من هذا المنطلق لم يعد لديه أي مشروع وطني. أي أن المشروع الوطني انتهى وليس انحسر فحسب. ولكننا نقول الحقيقة أنها معارك تخاض باتجاه فرض وقائع جديدة باتجاه الهدف الاستراتيجي، والهدف الاستراتيجي الذي لا يزال قائماً في ذهن كل الوطنيين الفلسطينيين هو إقامة الدولة الديمقراطية على كامل التراب الوطني الفلسطيني. ولكن يبدو أن هنالك خلاف حول الوسائل للوصول إلى تحقيق ذلك أحد هذه الوسائل في قناعتنا هو أن نصل إلى حالة فرض الكيان الوطني الفلسطيني على أرض فلسطين وبقيادة الشعب الفلسطيني لكي ننسف المقولة الصهيونية بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض هذا أولا بهذا نضع السد المنيع في وجه العدوان الصهيوني ثم إن الوقائع الآتية ستقول إن فلسطين الديمقراطية تتحقق بالوسائل الديمقراطية وليس شرطاً أن يكون القتال هو الطريقة ولذلك فنحن نتطلع إلى أن يكون هذا الانحسار الظاهري هو تراجع مرحلي من أجل وثبة لتطوير واقع السلطة الوطنية باتجاه الدولة الفلسطينية المستقبلة وعاصمتها القدس التي هي خطوة أولى وأساسية نحو الهدف الاستراتيجي العام. ومن هنا فنحن لا نسلم بأن الثورة الفلسطينية هزمت الثورة الفلسطينية ما تزال صامدة في مواقع الكفاح ومواقع النضال وهي تحاول أن تخلق شروخات وأن تخلق ثغرات في الجدار الصهيوني الصلب الذي لا يزال مدعوماً بالقوى الصهيونية في العالم والقوى الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة.‏
          س2-بعد مئة عام على قيام الصهيونية كحركة سياسية.. هل ترون أن المشروع الصهيوني قد تغير؟ وما هي أبرز ملامح التغيير فيه إن وجدت؟‏
          ج2-لا شك أن المشروع الصهيوني الذي قام على أساس إقامة دولة صهيونية في فلسطين الكاملة ثم تطلع نحو إسرائيل الكبرى التي بالمقولات الصهيونية تمتد من الفرات إلى النيل لقد حصل تغير أساسي في هذه المقولة والأخطر من ذلك بالنسبة للصهاينة هو أنهم بشعارات الخداع التي رفعوها في مطلع هذا القرن وفي مؤتمر بازل وقبل ذلك على لسان بالمرستون وشافشبري والصهيونية السياسية التي بدأت منذ عام 1840 وقبل ذلك منذ أيام نابليون بهدف خدمة مصالح الإمبريالية. أعتقد أنها الآن في حالة انحسار. لأنه ثبت أن هنالك على أرض فلسطين شعب، وأنها ليست (أرض بلا شعب) فالشعب موجود والشعب يكافح منذ مئة عام. هذه المئة عام من الصراع استطاع الكيان الصهيوني أن يحقق أهداف جزئية بالنسبة لأهدافه الاستراتيجية هو الآن في مرحلة تراجع عن المفهوم الصهيوني الكامل لصالح المشروع الصهيوني العميل أو التابع للمصالح الإمبريالية، ولذلك هو يتلون بشكل جديد تحت شعارات شرق أوسط جديد، تحت شعارات أن إسرائيل الكبرى ليست هي عبارة عن جسم خالص من اليهود يحكمون منطقة هي كل فلسطين أو أكثر وإنما هي قدرة وصول الهيمنة الإسرائيلية إلى مناطق حدود جغرافية حدود سيطرة، حدود قوة، حدود هيمنة فهذا هو ما تتطلع إليه الصهيونية الجديدة.‏
          التغيير حصل وأهم شرخ حصل في هذا التغير هو ما أحدثه اتفاق أوسلو وعبر اتفاق الاعتراف المتبادل أصبح هنالك واقعياً اعتراف بحقيقة وجود الشعب الفلسطيني من جانب الكيان الصهيوني الذي انطلق أساساً على قاعدة غياب هذا الشعب ومن هنا يمكن الحديث عن أن هنالك تغيرات. ولكن هناك تغيرات خطيرة في الجانب الصهيوني وهي خطيرة لدرجة أنها قد تبدو عبارة عن أهداف لا تزال قائمة وإنما يتلون جلدها حيث أن الصهيونية القديمة غير مؤهلة لأن تفرض وقائع جديدة على عالم عربي ناهض وإمكانية أن يكون عدو حقيقي يستطيع أن يجتث هذه الصهيونية بكيانها من الجذور ولذلك فهي تتحرك باتجاه أن تكون جزء من هذه المنطقة وتسيطر على هذه المنطقة بالهيمنة.‏
          س3- ما هو تأثير الاتفاقيات المبرمة بين إسرائيل وعدة أطراف.‏
          ج3- لا شك كما أشرنا حول السؤال الثاني بأن الحركة الصهيونية تسعى لفرض وقائع جديدة في المنطقة هذه الوقائع التي يعتبر أخطر من كرسها وكرس وجود الصهيونية الليكودية في المنطقة هو اتفاق كامب ديفيد، فكامب ديفيد هو المصيبة الكبرى التي لحقت بالأمة العربية أو الهزيمة الأكبر، والأدهى من ذلك أن هذه الهزيمة الأكبر جاءت بعد الانتصار العربي الأكبر عام 1973. ولقد الحق السادات هزيمة ذاتية في جسد الأمة العربية ليس ماضياً وليس راهناً وإنما مستقبلاً. فكل الوهن العربي ناتج عن كامب ديفيد خاصة أن كامب ديفيد حكمتها نظرة ضيقة قطرية. فمصر العظيمة مصر عبد الناصر كانت ستبقى أعظم وأكرم لو لم تدخل أوحال كامب ديفيد.‏
          لقد استطاع فيها العدو الصهيوني أن يسقط السمكة الكبرى مصر في شبكة الإمبريالية وبالتالي تنازلت عن دورها القومي في فلسطين. وفي اتفاقيات كامب ديفيد المتعلقة بفلسطين كان هناك تنازل كامل عن حقوق الشعب الفلسطيني ولعبت دوراً وكأنها بديل للشعب الفلسطيني مما عقد ولا يزال يعقد مسيرة النضال الوطني الفلسطيني.‏
          كل ما جرى كان نتاجاً لذلك الاتفاق، فنتاج لكامب ديفيد حصل التمزق العربي، العالم العربي انقسم بين جبهة صمود وتصدي وجبهة استسلام. حصل أن البوصلة العربية تاهت وأن هنالك ظروف أدت إلى أن لا يكون الجسم العربي متكاملاً لدرجة أدى إلى العدوان الأخطر بعد كامب ديفيد وهو العدوان على العراق الذي شاركت فيه قوى كان المفروض أن تكون حليفة للعراق ضد العدوان الأمريكي عام 1991 وأن يتم حل قضية الكويت عربياً.‏
          هذا كله هو الذي أدى إلى حالة الضعف والوهن التي أدت إلى أن تخرج أوسلو من رحم الهزيمة، اتفاق أوسلو والذهاب إلى مدريد كان نتاج هزيمة حقيقية. أخطر هزيمة في تاريخ العالم العربي، بالعكس هي أخطر من هزيمة 1948 لأنه كان بإمكاننا أن نحولها إلى نصر ولكن لسوء الحظ فإن المصالح المحلية والمصالح الإقليمية والشخصية لعبت دوراً في أن تضرب الأمة من أجل مصالح أفراد. هذه الاتفاقيات بما فيها اتفاقية أوسلو كلها جاءت من خلال موازين قوى مختلفة لصالح العدو الصهيوني، ولذلك فإنه لن يقوم سلام على أساسها. فهي عبارة عن استمرار لاستراتيجية التوتر الدائم التي لن يتم الحسم فيها إلا بالوقوف ملياً وإعادة النظر بكل هذه الاتفاقيات" بكل هذه المواقف، الموقف العربي الواحد، الموقف العربي الصلب الذي تبدو بوادره بعد الوقوف العربي إلى جانب العراق مؤخراً يبشر بخير هذه الوقفة وإعادة النظر في كل هذه الاتفاقيات هي التي يمكن أن تفرض على واقع الصراع الإسرائيلي ما هو لصالح الأمة العربية وما هو لصالح القضية الفلسطينية.‏
          س4 كيف ترون ضرورة الربط؟‏
          ج4-لا شك أننا في واقعنا الفلسطيني الذي هو رأس الحربة في الجسم الصهيوني، ورأس الحربة في الصراع نفسه يجد الآن أن هذا الخاص الوطني الفلسطيني أصبح جزءاً أساسياً من العالم القومي بالنسبة للقوى الأخرى، وعلى الرغم من بعض المشاكل الخاصة التي تثير المشاكل لأقطار عربية مثل تركيا بالنسبة لسورية أو مشاكل العراق القائمة أو الخليج، أو مصر والسودان. ولكن الجرح النازف في عالمنا العربي هو من وجود إسرائيل سواء في جنوب لبنان أو في الجولان أو في فلسطين لذلك في تقديرنا كما أشرنا قبل قليل فإن الموقف العربي القومي الذي له امتداد في الموقف الإسلامي وله شركاء في العالم من قوى التحرر والتي لها مصالح في الاستقرار والسلام في المنطقة، هذا كله يمكن أن يلعب دوراً أساسياً من أجل السلام في المنطقة، ولكن الأهم منه أن تكون هنالك قاعدة جماهيرية عريضة في أمتنا العربية وأمتنا الإسلامية تدعم مباشرة وتحت عنوان القدس، تحت عنوان الأراضي المقدسة، تحت عناوين أساسية لا يمكن تجاوزها في عملية الصراع. وهذه العملية حقيقية سواء نظرنا إليها سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً فإن الجماهير الشعبية العريضة تلعب دوراً أساسياً فيها. لماذا، لأنه في السياسة صحيح أن الحكومات تلعب دوراً أساسياً ولكن في الاقتصاد فإن الأسواق التي تريد إسرائيل أن تفتحها يجب أن تكون مغلقة شعبياً. التطبيع الثقافي الذي تحاول إسرائيل أن تدخل فيه لعالمنا العربي لكي تسيطر وتهيمن يجب أن لا يسمح لها بذلك. وكما هي الحال سواء في مصر أو في البلدان التي أقامت اتفاقيات بما فيها الأردن نجد أن جماهير الشعب والاتحادات الشعبية والمنظمات الشعبية كلها ترفض مثل هذا التطبيع الثقافي وترفض التعاون الاقتصادي وتعمل من أجل محاصرة الكيان الصهيوني على طريق إضعافه على طريق مقاومة المشروع الصهيوني حتى لا يمتد وحتى يمكن اجتثاثه عبر التحضير لمراحل قادمة يكون أساسها الحل الديمقراطي العادل الذي يعيش فيه في فلسطين كل المواطنين بغض النظر عن الجنس أو الحرية أو الدين أو العقيدة وتكون القدس عاصمة لها. هذه هي الدولة الديمقراطية المنشودة دولة الحرية والسلام الدائم.‏
          س5- في رأيكم وعلى ضوء المستجدات السياسية الراهنة.. كيف ترون أشكال الخروج من المأزق؟‏
          ج5-لا شك أن هناك مأزق مزدوج، مأزق تعيشه حركة الثورة الفلسطينية وحركة الجماهير العربية من جهة، ومن جهة أخرى هنالك مأزق لدى الكيان الصهيوني ولذلك يجب علينا أولاً أن نزيد مأزق الكيان الصهيوني وأن نفك مأزقنا، وجزء من مفاقمة المأزق الصهيوني هو عدم إعطائه أي نوع من المداخل التي يستطيع من خلالها إعادة تنظيم الاحتلال وإعادة ترتيب أوضاعه في ظل الاتفاقيات وكأنها أمر مشروع. فهو يحاول أن يستخدم الاتفاقيات باعتبار أنها تعطيه الحق في إعادة الاحتلال خاصة أن درجة الغموض المدمر الموجود داخل هذه الاتفاقيات هو غير حاسم سواء كان في النسب أو في المساحات أو في الأرض وهو حاسم في موضوع المواعيد التي يعلن الصهاينة جميعهم أنها ليست مقدسة ولذلك فإن العدو الصهيوني يستطيع أن يقرأ الاتفاق على طريقته. فعندما يكون هنالك غموض الذي يستفيد منه هو صاحب القوة الذي يستطيع أن يفرض حقائق على الأرض. والعدو الصهيوني هو الآن الذي يفرض هذه الحقائق على الأرض. ومن هنا فإننا نرى أنه يجب أن يكون هنالك وقفة صادقة فلسطينية ترفض أن تكون المفاوضات الكاذبة والخادعة غطاء لإعطاء شرعية يتم في ظلها بناء المستوطنات وتهويد القدس، وسحب الهويات، وطرد المواطنين، حتى المجازر والقتل يتبعها مفاوضات لماذا؟! علينا أن يكون هنالك وقفة صادقة لكي لا تكون هناك مفاوضات إلا على أساس الاتفاق. هنالك قضايا يجب تنفيذها لأنها استحقاقات لا تحتاج إلى مفاوضات وفي مقدمتها إعادة الانتشار. المفاوضات ضرورية على ما يجب التفاوض عليه، ولا يجوز التفاوض على ما تم الاتفاق عليه، من هنا يمكن أن نخرج من المأزق لأننا حقيقة نكون ندير عملية السياسة بخلق مأزق وخلق أزمات لنتنياهو نفسه الذي هو خبير في الإدارة بالأزمات. منذ أن جاء إلى الحكم حتى الآن وهو يقوم بالإدارة بالأزمات لكي تلهث وراءه كل الأحداث سواء في الواقع الفلسطيني وحتى في أمريكا يجعل المجتمع الأمريكي يلهث وراءه. والكيان الصهيوني بإمداداته واللوبي الصهيوني يخدمه حتى جعل كلينتون يقول مباشرة أنه محبط من سياسة نتنياهو وأنه في وضع البطة الكسيحة غير القادرة على الضغط عليه.‏
          هذا في تقديرنا هو واقع موجود وأزمة مركبة. ولكي نخرج من المأزق علينا أن نخلق مأزق للكيان الصهيوني، لحكومة الكيان الصهيوني لكي نفرض حالة من التعادل وحالة من التماثل التي يمكن أن تعود فيها الاتفاقيات رغم صعوبتها ورغم أنها خارجة من رحم الهزيمة إلا أن فيها بذور الإشراق التي إذا استطعنا من خلال التمترس خلف استحقاقات الشعب الفلسطيني في الاتفاقيات بما يتعلق بالقدس ومنع الاستيطان والحدود الآمنة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة نستطيع أن نتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقاً يتطلع نحو الدولة الفلسطينية الديمقراطية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.‏

          إذا الشعب يوما أراد الحياة
          فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
          و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
          و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

          تعليق


          • #20
            رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

            أجوبة السيد: صخــــر حبش(أبو نزار)
            عضو اللجنة المركزية لحركة (فتح)‏

            س1-لماذا هزمنا؟ وأية عوامل ترونها أسباباً في انحسار المشروع الوطني الفلسطيني بدءاً من تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة؟‏
            ج1- ونحن على أبواب مرور خمسين عاماً على إقامة دولة إسرائيل بعد نكبة فلسطين والهزيمة التي لحقت بالجيوش العربية، نقول إننا هزمنا لأننا دخلنا الحرب من خلال ما أطلق عليه سبعة جيوش يقودها كلوب باشا البريطاني الذي هو امتداد لوعد بلفور، والسؤال الكبير لماذا هزمنا لا يتوقف عندما تم عام 1948 إنما ينسلخ على ما بعد ذلك للواقع الذي نعيشه. فعلى الرغم من تسلسل الهزائم والنكسات وما بينهما من انتصارات تحققت فإن المحصلة العامة لا تزال تشير إلى الهزيمة نحن نستذكر في هذه الأيام انتصار الكرامة الخالدة قبل ثلاثين عاماً ولدينا إمكانية أن نتذكر كيف استطاع الشعب المصري بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر أن يحققوا انتصاراً معنوياً وسياسياً سنة 1956 وكيف فرض على إسرائيل أن تنسحب من سيناء ومن قطاع غزة عام 1957 دون تطبيع ودون توقيع. ونستذكر عام 1973 حيث كان انتصاراً لولا ذلك التدخل المباشر من القوة الأعظم أمريكا التي دخلت المعركة لتحول دون هزيمة الكيان الصهيوني.‏
            الحديث عن الهزيمة والنصر ليس عملية سهلة ولكنها معادلة معقدة ونستطيع القول إننا لا نستطيع أن نحقق انتصاراً ونحن متفرقون مختلفون حول تحديد العدو الرئيسي، حول تحديد التناقض الأساسي. فقد نجح الأعداء في فرض حالة التجزئة والتخلف والتبعية على عالمنا العربي فنشبت بيننا وبين أنفسنا حروب أقسى من تلك التي وقفنا فيها لنقاتل العدو. فقد حاربنا أنفسنا أكثر مما حاربنا العدو. ولقد حوربت ثورتنا الفلسطينية من أنظمة عربية وقتل فيها ومن رجالها في حروب حول تناقضات ثانوية أكثر مما قتل في معارك الكفاح المسلح والانتفاضة الجبارة ضد العدو الصهيوني. هذه حقيقة، فقد استطاع كيسنجر الصهيوني أن يفرض معادلة مدمرة بعد أن كانت الثورة الفلسطينية قد استجمعت قواها في الأردن بعد معركة الكرامة وغارات السلط واستقطاب الحالة الجماهيرية الكبرى، فإذا به يعلن الموقف الأمريكي الواضح والصريح (أن كل نظام عربي تتواجد فيه الثورة الفلسطينية المسلحة عليه أن يقوم بتصفيتها، وكل نظام يرفض أو يعجز سنقوم نحن بتصفيته). لقد هزمنا لأن العدو استطاع أن يجعل من الثورة الفلسطينية عبئاً على الأنظمة العربية بدل أن تكون إسرائيل هي العبء على الإمبريالية الأمريكية والقوى المعادية لشعبنا.‏
            أما فيما يتعلق بانحسار المشروع الوطني الفلسطيني فهنالك مفاهيم مختلفة، هنالك مفاهيم الاستسلام بأن الكيان الصهيوني حقق إنجازاته وأنه غير قابل للهزيمة. والذي ينطلق من هذا المنطلق لم يعد لديه أي مشروع وطني. أي أن المشروع الوطني انتهى وليس انحسر فحسب. ولكننا نقول الحقيقة أنها معارك تخاض باتجاه فرض وقائع جديدة باتجاه الهدف الاستراتيجي، والهدف الاستراتيجي الذي لا يزال قائماً في ذهن كل الوطنيين الفلسطينيين هو إقامة الدولة الديمقراطية على كامل التراب الوطني الفلسطيني. ولكن يبدو أن هنالك خلاف حول الوسائل للوصول إلى تحقيق ذلك أحد هذه الوسائل في قناعتنا هو أن نصل إلى حالة فرض الكيان الوطني الفلسطيني على أرض فلسطين وبقيادة الشعب الفلسطيني لكي ننسف المقولة الصهيونية بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض هذا أولا بهذا نضع السد المنيع في وجه العدوان الصهيوني ثم إن الوقائع الآتية ستقول إن فلسطين الديمقراطية تتحقق بالوسائل الديمقراطية وليس شرطاً أن يكون القتال هو الطريقة ولذلك فنحن نتطلع إلى أن يكون هذا الانحسار الظاهري هو تراجع مرحلي من أجل وثبة لتطوير واقع السلطة الوطنية باتجاه الدولة الفلسطينية المستقبلة وعاصمتها القدس التي هي خطوة أولى وأساسية نحو الهدف الاستراتيجي العام. ومن هنا فنحن لا نسلم بأن الثورة الفلسطينية هزمت الثورة الفلسطينية ما تزال صامدة في مواقع الكفاح ومواقع النضال وهي تحاول أن تخلق شروخات وأن تخلق ثغرات في الجدار الصهيوني الصلب الذي لا يزال مدعوماً بالقوى الصهيونية في العالم والقوى الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة.‏
            س2-بعد مئة عام على قيام الصهيونية كحركة سياسية.. هل ترون أن المشروع الصهيوني قد تغير؟ وما هي أبرز ملامح التغيير فيه إن وجدت؟‏
            ج2-لا شك أن المشروع الصهيوني الذي قام على أساس إقامة دولة صهيونية في فلسطين الكاملة ثم تطلع نحو إسرائيل الكبرى التي بالمقولات الصهيونية تمتد من الفرات إلى النيل لقد حصل تغير أساسي في هذه المقولة والأخطر من ذلك بالنسبة للصهاينة هو أنهم بشعارات الخداع التي رفعوها في مطلع هذا القرن وفي مؤتمر بازل وقبل ذلك على لسان بالمرستون وشافشبري والصهيونية السياسية التي بدأت منذ عام 1840 وقبل ذلك منذ أيام نابليون بهدف خدمة مصالح الإمبريالية. أعتقد أنها الآن في حالة انحسار. لأنه ثبت أن هنالك على أرض فلسطين شعب، وأنها ليست (أرض بلا شعب) فالشعب موجود والشعب يكافح منذ مئة عام. هذه المئة عام من الصراع استطاع الكيان الصهيوني أن يحقق أهداف جزئية بالنسبة لأهدافه الاستراتيجية هو الآن في مرحلة تراجع عن المفهوم الصهيوني الكامل لصالح المشروع الصهيوني العميل أو التابع للمصالح الإمبريالية، ولذلك هو يتلون بشكل جديد تحت شعارات شرق أوسط جديد، تحت شعارات أن إسرائيل الكبرى ليست هي عبارة عن جسم خالص من اليهود يحكمون منطقة هي كل فلسطين أو أكثر وإنما هي قدرة وصول الهيمنة الإسرائيلية إلى مناطق حدود جغرافية حدود سيطرة، حدود قوة، حدود هيمنة فهذا هو ما تتطلع إليه الصهيونية الجديدة.‏
            التغيير حصل وأهم شرخ حصل في هذا التغير هو ما أحدثه اتفاق أوسلو وعبر اتفاق الاعتراف المتبادل أصبح هنالك واقعياً اعتراف بحقيقة وجود الشعب الفلسطيني من جانب الكيان الصهيوني الذي انطلق أساساً على قاعدة غياب هذا الشعب ومن هنا يمكن الحديث عن أن هنالك تغيرات. ولكن هناك تغيرات خطيرة في الجانب الصهيوني وهي خطيرة لدرجة أنها قد تبدو عبارة عن أهداف لا تزال قائمة وإنما يتلون جلدها حيث أن الصهيونية القديمة غير مؤهلة لأن تفرض وقائع جديدة على عالم عربي ناهض وإمكانية أن يكون عدو حقيقي يستطيع أن يجتث هذه الصهيونية بكيانها من الجذور ولذلك فهي تتحرك باتجاه أن تكون جزء من هذه المنطقة وتسيطر على هذه المنطقة بالهيمنة.‏
            س3- ما هو تأثير الاتفاقيات المبرمة بين إسرائيل وعدة أطراف.‏
            ج3- لا شك كما أشرنا حول السؤال الثاني بأن الحركة الصهيونية تسعى لفرض وقائع جديدة في المنطقة هذه الوقائع التي يعتبر أخطر من كرسها وكرس وجود الصهيونية الليكودية في المنطقة هو اتفاق كامب ديفيد، فكامب ديفيد هو المصيبة الكبرى التي لحقت بالأمة العربية أو الهزيمة الأكبر، والأدهى من ذلك أن هذه الهزيمة الأكبر جاءت بعد الانتصار العربي الأكبر عام 1973. ولقد الحق السادات هزيمة ذاتية في جسد الأمة العربية ليس ماضياً وليس راهناً وإنما مستقبلاً. فكل الوهن العربي ناتج عن كامب ديفيد خاصة أن كامب ديفيد حكمتها نظرة ضيقة قطرية. فمصر العظيمة مصر عبد الناصر كانت ستبقى أعظم وأكرم لو لم تدخل أوحال كامب ديفيد.‏
            لقد استطاع فيها العدو الصهيوني أن يسقط السمكة الكبرى مصر في شبكة الإمبريالية وبالتالي تنازلت عن دورها القومي في فلسطين. وفي اتفاقيات كامب ديفيد المتعلقة بفلسطين كان هناك تنازل كامل عن حقوق الشعب الفلسطيني ولعبت دوراً وكأنها بديل للشعب الفلسطيني مما عقد ولا يزال يعقد مسيرة النضال الوطني الفلسطيني.‏
            كل ما جرى كان نتاجاً لذلك الاتفاق، فنتاج لكامب ديفيد حصل التمزق العربي، العالم العربي انقسم بين جبهة صمود وتصدي وجبهة استسلام. حصل أن البوصلة العربية تاهت وأن هنالك ظروف أدت إلى أن لا يكون الجسم العربي متكاملاً لدرجة أدى إلى العدوان الأخطر بعد كامب ديفيد وهو العدوان على العراق الذي شاركت فيه قوى كان المفروض أن تكون حليفة للعراق ضد العدوان الأمريكي عام 1991 وأن يتم حل قضية الكويت عربياً.‏
            هذا كله هو الذي أدى إلى حالة الضعف والوهن التي أدت إلى أن تخرج أوسلو من رحم الهزيمة، اتفاق أوسلو والذهاب إلى مدريد كان نتاج هزيمة حقيقية. أخطر هزيمة في تاريخ العالم العربي، بالعكس هي أخطر من هزيمة 1948 لأنه كان بإمكاننا أن نحولها إلى نصر ولكن لسوء الحظ فإن المصالح المحلية والمصالح الإقليمية والشخصية لعبت دوراً في أن تضرب الأمة من أجل مصالح أفراد. هذه الاتفاقيات بما فيها اتفاقية أوسلو كلها جاءت من خلال موازين قوى مختلفة لصالح العدو الصهيوني، ولذلك فإنه لن يقوم سلام على أساسها. فهي عبارة عن استمرار لاستراتيجية التوتر الدائم التي لن يتم الحسم فيها إلا بالوقوف ملياً وإعادة النظر بكل هذه الاتفاقيات" بكل هذه المواقف، الموقف العربي الواحد، الموقف العربي الصلب الذي تبدو بوادره بعد الوقوف العربي إلى جانب العراق مؤخراً يبشر بخير هذه الوقفة وإعادة النظر في كل هذه الاتفاقيات هي التي يمكن أن تفرض على واقع الصراع الإسرائيلي ما هو لصالح الأمة العربية وما هو لصالح القضية الفلسطينية.‏
            س4 كيف ترون ضرورة الربط؟‏
            ج4-لا شك أننا في واقعنا الفلسطيني الذي هو رأس الحربة في الجسم الصهيوني، ورأس الحربة في الصراع نفسه يجد الآن أن هذا الخاص الوطني الفلسطيني أصبح جزءاً أساسياً من العالم القومي بالنسبة للقوى الأخرى، وعلى الرغم من بعض المشاكل الخاصة التي تثير المشاكل لأقطار عربية مثل تركيا بالنسبة لسورية أو مشاكل العراق القائمة أو الخليج، أو مصر والسودان. ولكن الجرح النازف في عالمنا العربي هو من وجود إسرائيل سواء في جنوب لبنان أو في الجولان أو في فلسطين لذلك في تقديرنا كما أشرنا قبل قليل فإن الموقف العربي القومي الذي له امتداد في الموقف الإسلامي وله شركاء في العالم من قوى التحرر والتي لها مصالح في الاستقرار والسلام في المنطقة، هذا كله يمكن أن يلعب دوراً أساسياً من أجل السلام في المنطقة، ولكن الأهم منه أن تكون هنالك قاعدة جماهيرية عريضة في أمتنا العربية وأمتنا الإسلامية تدعم مباشرة وتحت عنوان القدس، تحت عنوان الأراضي المقدسة، تحت عناوين أساسية لا يمكن تجاوزها في عملية الصراع. وهذه العملية حقيقية سواء نظرنا إليها سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً فإن الجماهير الشعبية العريضة تلعب دوراً أساسياً فيها. لماذا، لأنه في السياسة صحيح أن الحكومات تلعب دوراً أساسياً ولكن في الاقتصاد فإن الأسواق التي تريد إسرائيل أن تفتحها يجب أن تكون مغلقة شعبياً. التطبيع الثقافي الذي تحاول إسرائيل أن تدخل فيه لعالمنا العربي لكي تسيطر وتهيمن يجب أن لا يسمح لها بذلك. وكما هي الحال سواء في مصر أو في البلدان التي أقامت اتفاقيات بما فيها الأردن نجد أن جماهير الشعب والاتحادات الشعبية والمنظمات الشعبية كلها ترفض مثل هذا التطبيع الثقافي وترفض التعاون الاقتصادي وتعمل من أجل محاصرة الكيان الصهيوني على طريق إضعافه على طريق مقاومة المشروع الصهيوني حتى لا يمتد وحتى يمكن اجتثاثه عبر التحضير لمراحل قادمة يكون أساسها الحل الديمقراطي العادل الذي يعيش فيه في فلسطين كل المواطنين بغض النظر عن الجنس أو الحرية أو الدين أو العقيدة وتكون القدس عاصمة لها. هذه هي الدولة الديمقراطية المنشودة دولة الحرية والسلام الدائم.‏
            س5- في رأيكم وعلى ضوء المستجدات السياسية الراهنة.. كيف ترون أشكال الخروج من المأزق؟‏
            ج5-لا شك أن هناك مأزق مزدوج، مأزق تعيشه حركة الثورة الفلسطينية وحركة الجماهير العربية من جهة، ومن جهة أخرى هنالك مأزق لدى الكيان الصهيوني ولذلك يجب علينا أولاً أن نزيد مأزق الكيان الصهيوني وأن نفك مأزقنا، وجزء من مفاقمة المأزق الصهيوني هو عدم إعطائه أي نوع من المداخل التي يستطيع من خلالها إعادة تنظيم الاحتلال وإعادة ترتيب أوضاعه في ظل الاتفاقيات وكأنها أمر مشروع. فهو يحاول أن يستخدم الاتفاقيات باعتبار أنها تعطيه الحق في إعادة الاحتلال خاصة أن درجة الغموض المدمر الموجود داخل هذه الاتفاقيات هو غير حاسم سواء كان في النسب أو في المساحات أو في الأرض وهو حاسم في موضوع المواعيد التي يعلن الصهاينة جميعهم أنها ليست مقدسة ولذلك فإن العدو الصهيوني يستطيع أن يقرأ الاتفاق على طريقته. فعندما يكون هنالك غموض الذي يستفيد منه هو صاحب القوة الذي يستطيع أن يفرض حقائق على الأرض. والعدو الصهيوني هو الآن الذي يفرض هذه الحقائق على الأرض. ومن هنا فإننا نرى أنه يجب أن يكون هنالك وقفة صادقة فلسطينية ترفض أن تكون المفاوضات الكاذبة والخادعة غطاء لإعطاء شرعية يتم في ظلها بناء المستوطنات وتهويد القدس، وسحب الهويات، وطرد المواطنين، حتى المجازر والقتل يتبعها مفاوضات لماذا؟! علينا أن يكون هنالك وقفة صادقة لكي لا تكون هناك مفاوضات إلا على أساس الاتفاق. هنالك قضايا يجب تنفيذها لأنها استحقاقات لا تحتاج إلى مفاوضات وفي مقدمتها إعادة الانتشار. المفاوضات ضرورية على ما يجب التفاوض عليه، ولا يجوز التفاوض على ما تم الاتفاق عليه، من هنا يمكن أن نخرج من المأزق لأننا حقيقة نكون ندير عملية السياسة بخلق مأزق وخلق أزمات لنتنياهو نفسه الذي هو خبير في الإدارة بالأزمات. منذ أن جاء إلى الحكم حتى الآن وهو يقوم بالإدارة بالأزمات لكي تلهث وراءه كل الأحداث سواء في الواقع الفلسطيني وحتى في أمريكا يجعل المجتمع الأمريكي يلهث وراءه. والكيان الصهيوني بإمداداته واللوبي الصهيوني يخدمه حتى جعل كلينتون يقول مباشرة أنه محبط من سياسة نتنياهو وأنه في وضع البطة الكسيحة غير القادرة على الضغط عليه.‏
            هذا في تقديرنا هو واقع موجود وأزمة مركبة. ولكي نخرج من المأزق علينا أن نخلق مأزق للكيان الصهيوني، لحكومة الكيان الصهيوني لكي نفرض حالة من التعادل وحالة من التماثل التي يمكن أن تعود فيها الاتفاقيات رغم صعوبتها ورغم أنها خارجة من رحم الهزيمة إلا أن فيها بذور الإشراق التي إذا استطعنا من خلال التمترس خلف استحقاقات الشعب الفلسطيني في الاتفاقيات بما يتعلق بالقدس ومنع الاستيطان والحدود الآمنة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة نستطيع أن نتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقاً يتطلع نحو الدولة الفلسطينية الديمقراطية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.‏

            إذا الشعب يوما أراد الحياة
            فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
            و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
            و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

            تعليق


            • #21
              رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

              أجوبة سماحة الشيخ العلامة
              محمد حسين فضل الله‏
              عندما ندرس التاريخ الذي سبق المعركة ورافقها فإننا نجد أن الذين واجهوا المشروع الصهيوني لم يدركوا جيداً طبيعة اللعبة الدولية التي كانت تخطط جيداً لسقوط فلسطين من أيدي أهلها. لذلك كان التحديق فقط في وعد بلفور كقرار يثير الاحتجاج ولا يحرك المواقع السياسية العربية والفلسطينية بالذات لمداخلات دولية تحاصرة أو تجمده. وربما كان الواقع العربي بشكل عام في المستوى الذي لا يملك فيه قراره الذاتي باعتبار أن البلدان العربية آنذاك كانت مستعمرة أو شبه مستعمرة مما جعل مسألة الاخراج الصهيوني والدولي في الحرب التي أثيرت في 1948 كان إخراجاً يراد من خلاله إعطاء شرعية سياسية لشرعية إسرائيل على أساس الانتصار في الحرب لتكون "حرب التحرير".‏
              وهكذا انطلقت القضية الفلسطينية لا لتجمع العرب أو لتؤكد قرارهم بل لتثير مشاكل لها أول وليس لها آخر في عملية تخوين هذا لذاك، بدءاً بالأسلحة الفاسدة التي أنتجت ثورة 23 يوليو مروراً بالانقلابات العسكرية حركة في الحرب المتحركة مع الصهاينة من دون تخطيط وفي انطلاق الأيديولوجيات ودخول المسألة الفلسطينية في دائرة الحرب الباردة بين الشرق والغرب ليغرق الفلسطينيون ومن معهم من العرب في لعبة اليسار واليمين. إننا نستطيع اختصار أسباب الهزيمة بأن الواقع العربي والفلسطيني لم يكن يملك جدية واقعية عملية تخطيطية من أجل الحصول على فلسطين.. حتى أن عملية الرفض كانت لا تملك المرونة التي تستطع فيها أن تحرك المطالب بطريقة تواجه فيها التعقيدات الدولية، فكان العرب ينتقلون من رفض إلى تنازل مما يوحي بأن ليس هناك مشروعاً عربياً، حتى أننا لاحظنا في عام 1967 عندما سئل بعض القادة العرب الكبار في مشارف الحرب: هل أعددتم خطة "لتحرير فلسطين؟ وكان الجواب: أن لا خطة!! إنما يختصر سبب الهزيمة هو حرب (اللاخطة) وسياسة اللاخطة) وواقع العلاقات العربية -العربية (اللاخطة) وواقع المعارضة والموالاة في الفصائل الفلسطينية في (اللاخطة)! ومن الطبيعي أن (اللاخطة) لا يمكن أن تنتج نصراً في جميع الحالات.‏
              إنني أتصور أن القضية قد انحسرت لأننا قد انحسرنا في وعينا للقضية، وأصبحت القضية لعبة كرة نركلها بأقدامنا ليسجّل كل واحد منا على الآخر لا على إسرائيل هدفاً معيناً عندما تدخل الكرة في ملاعبنا ولا تدخل في الملعب الإسرائيلي.‏
              إن المسألة عادت في بعض تطورات الواقع العربي إلى أن العرب بدأوا يفكرون كيف يتحررون من القضية الفلسطينية بدلاً من أن يحرروا فلسطين من اليهود وهذا هو سر المشكلة التي وصلنا إليها.. إنها سياسة التعب التي تطلّ على أكثر من إحباط وأكثر من يأس ولذلك أردنا أن يكون الحل كيفما كان ونحن نعرف أن أمة تفكر بـ الكيفما كان هي أمة سوف تخضع لما يكلله الآخرون.‏
              الجواب الثاني‏
              إنني أعتقد أن المشروع الصهيوني لم يتغير في الاستراتيجية، ولكنه تغير في التكتيك بطريقة متطورة، لأن المشروع الصهيوني كان ينطلق من السيطرة على فلسطين، ولكنه تحول إلى مشروع يعمل على السيطرة على الواقع العربي سياسياً واقتصادياً وأمنياً معتمداً على التعقيدات الموجودة في العلاقات العربية وانعدام الوزن العربي بفعل الحروب العربية العربية والحرب العراقية الإيرانية وما إلى ذلك مما جعل من إسرائيل التي عملت على أن توحي إلى أمريكا والإدارة الأمريكية وكل الإدارات الأمريكية بأن المصلحة الأمريكية هي المصلحة الإسرائيلية الأمر الذي جعل السياسة الأمريكية في المنطقة هي سياسة إسرائيلية، وهذا ما نلاحظه في هذه الأيام.‏
              إن المشروع الصهيوني يتطور باتجاه تحقيق أكبر قدر من المصالح للصهاينة في العمق العربي.. لتكون إسرائيل في داخل فلسطين المحتلة الدولة الأقوى سلاحاً والأقوى سياسة واقتصاداً وحركة في الأمن، بينما نجد أن المشروع العربي (اللامشروع) لأنه كان مشروعاً أقرب إلى الجانب العاطفي منه إلى الجانب السياسي يتراجع حتى يعيش في المتاهات والتنازلات والتطلع إلى تسوية على أي صورة كانت التسوية.. وهذا ما يفسره الواقع الفلسطيني كعنوان كبير للواقع العربي.‏
              الجواب الثالث‏
              إن الاتفاقيات المبرمة استطاعت أن تخرج الإنسان العربي في ذهنيته السياسية فيما يتصل بالقضية الفلسطينية من حالة المواجهة للمشروع الصهيوني إلى حالة القبول به كمبدأ فقد أصبح العرب منذ اتفاقيات كمب ديفيد وما أفرزته من عملية تدجين سياسي وإيحاء للعرب بأن ملف الحرب قد أغلق، لأنه "لا حرب بدون مصر" كما كانت العناوين والمانشيتات الصحفية تتراكم أمام عيون الإنسان العربي، لذلك فإننا نلاحظ في هذا المجال بأن لاءات الخرطوم التي انطلقت بعد الهزيمة تحولت إلى الإلغاء.. ثم بعد ذلك بدأت التنازلات وبدأت الأحاديث (بالتنكيت) على أحمد سعيد وأحمد الشقيري وما إلى ذلك، وأصبحت مسألة الحلم العربي أو الفلسطيني في استرجاع فلسطين مسألة نكتة سياسية تدل على لا واقعية الإنسان العربي والفلسطيني وأصبحت مسألة السياسة الواقعية تعني مسألة الاستسلام للأمر الواقع والقبول بما تقدمه إسرائيل للفلسطينيين أو ما ترضى عنه أمريكا.. لأن الفلسطينيين لن يحصلوا على أكثر من ذلك! وهكذا جاء اتفاق أوسلو الذي تثير كل مادة فيه آلاف علامات الاستفهام وبدأ الفلسطينيون يركضون في التيه الإسرائيلي -تيه المفاوضات- التي تهرب من جزئية إلى جزئية لتضيع القضايا الكبرى في هذا المجال، وهكذا لاحظنا أن بعض الفلسطينيين الذين صفقوا لاتفاقيات أوسلو يقفون الآن ويحاولون أن يحدقوا بشيء من اتفاق أوسلو على الأرض فلا يجدون هناك غير الضباب الذي لا يخفي شيئاً وراءه. وهكذا كان اتفاق وادي عربة.. الاتفاق الذي يعمل على أساس أن يخرج هذا البلد العربي من دائرة الصراع بالمطلق ليدخل في دائرة الانفتاح الذي يبرر الواقع الإسرائيلي كله ويعتبر أن عمليات الانتفاضة هي عمليات إرهابية وأن الذين يسقطون هناك بفعل جهاد للمجاهدين (شهداء) ويعتبر أن رابين يمثل البطل السياسي الشهيد الكبير الذي يتمنى بعض الناس أن يكون مصيره كمصيره! إن هناك شيئاً من السقوط العربي الذي يزحف ويزحف ويلهث وراء سراب يحسبه الظمآن ماءاً ولكنه لا يجد شيئاً.. ويجد الحقيقة الصارخة عنده... وهو أن الواقع العربي بدأ ينسحب من ذاته ليتخذ لنفسه أكثر من صورة بديلة. والمأساة السياسية هي المأساة الإنسانية في أن أمة تنسحب من ذاتها. من الطبيعي أننا لا نتحدث عن الأمة في الواقع الشعبي التي صودرت بفعل الذين وظفتهم المخابرات الدولية ولا سيما المخابرات الأمريكية ليكونوا في المواقع العليا للأمة ليحرسوا مصالح الآخرين. إن المسألة: هي أن الأنظمة تستعجل الحل الإسرائيلي لأنها بدأت تفكر بلا واقعية شيء أي شيء اسمه الحل العربي.‏
              لكننا نتصور أن هذه الاتفاقيات إذا نجحت على مستوى الأنظمة فإن مفاعيلها السلبية على واقع الأمة سوف تتعمق في جراح الأمة لتنتج القضية من جديد في المستقبل، ولن تظل أوضاعنا كما هي عليه الآن.‏
              الجواب الرابع‏
              إن المسألة هي انتاج الخاص الوطني والعام القومي لأنني أتصور أن الأنظمة هي التي صادرت الإنسان العربي في وطنه وعملت على أن تضغط عليه بمختلف الضغوط المعيشية والأمنية بالمستوى الذي جعلته ينشغل بحياته الخاصة بعيداً عن العامة، بالإضافة إلى التمزقات الطائفية أو المذهبية أو الحزبية. مما جعله يبتعد عن التفكير بالوطن وبقضاياه الكبرى.‏
              كما أن التعقيدات بين البلدان العربية نفسها جعلت المسألة الإقليمية في البعد الواقعي للشخصية العربية أكثر منها من المسألة القومية.. مما يجعل أن العروبة تحولت من حالة سياسية حركية إلى حالة عاطفية شعورية لذلك أعتقد أن المسألة المطروحة هي إنتاج انفتاح الإنسان على وطنه وعلى عروبته ليخرج من هذا القمقم الخارجي أو العاطفي أو الشخصي أو العائلي أو الحزبي.‏
              نتصور أن علينا أن نلتفت في هذه المرحلة إلى العنصر الإسلامي الذي لا يزال يقاتل من الموقع الصلب في إنتاج الروح الجهادية التي أنتجت الفتوحات والتي تعيش التوتر السياسي ضد إسرائيل بالدرجة التي لا تعترف فيها بشرعية إسرائيل بالمطلق. إن علينا أن نعود إلى نقطة الصفر التي انطلق منها اليهود ولكن بشكل معاكس.‏
              فكما ركزوا في كل أجيالهم منذ 100 سنة أن فلسطين يهودية فعلينا أن نركز في وعي أجيالنا أنها فلسطينية عربية إسلامية تطل وتنفتح على المسيحية.‏
              إن ذلك هو الشرط لخلق مقاومة فاعلة مستقبلية تنطلق من واحات الحاضر لتعرف كيف تنتج المستقبل من عمق الدماء.‏
              الجواب الخامس‏
              من الصعب أن نتحدث عن طريقة الخروج من المأزق بطريقة مبسطة إن علينا أن نواكب المستجدات السياسية الراهنة وأن نفتح الثغرات في داخلها ليتحرك الرفض بطريقة الواقعية بحيث يتحرك التكتيك في خط الاستراتيجية. إن المسألة أن تعود العلاقة العضوية بين العروبة والإسلام.‏
              وأن نطلق فلسطين في وجدان المسلمين والعرب والفلسطينيين لتأخذ فلسطين كل الأبعاد التي يمكن أن تحرك الوجدان الإقليمي في المسألة الفلسطينية، والقومي في المسألة العربية، والديني في المسألة الإسلامية، وفي هذا الإطار لا بد لنا من أن نحرك كل القيم الروحية والإنسانية والوطنية والقومية في وجدان إنساننا في الداخل والخارج بمناسبة مرور مئة عام على المؤتمر الصهيوني وعلينا أن نبدأ مئة عام على إنتاج القضية الفلسطينية في المستقبل.‏
              تمثلاً بالحكمة القائلة‏
              اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك (في دائرة المسؤولية) كأنك تموت غداً.‏

              إذا الشعب يوما أراد الحياة
              فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
              و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
              و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

              تعليق


              • #22
                رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                أجوبة سماحة الشيخ العلامة
                محمد حسين فضل الله‏
                عندما ندرس التاريخ الذي سبق المعركة ورافقها فإننا نجد أن الذين واجهوا المشروع الصهيوني لم يدركوا جيداً طبيعة اللعبة الدولية التي كانت تخطط جيداً لسقوط فلسطين من أيدي أهلها. لذلك كان التحديق فقط في وعد بلفور كقرار يثير الاحتجاج ولا يحرك المواقع السياسية العربية والفلسطينية بالذات لمداخلات دولية تحاصرة أو تجمده. وربما كان الواقع العربي بشكل عام في المستوى الذي لا يملك فيه قراره الذاتي باعتبار أن البلدان العربية آنذاك كانت مستعمرة أو شبه مستعمرة مما جعل مسألة الاخراج الصهيوني والدولي في الحرب التي أثيرت في 1948 كان إخراجاً يراد من خلاله إعطاء شرعية سياسية لشرعية إسرائيل على أساس الانتصار في الحرب لتكون "حرب التحرير".‏
                وهكذا انطلقت القضية الفلسطينية لا لتجمع العرب أو لتؤكد قرارهم بل لتثير مشاكل لها أول وليس لها آخر في عملية تخوين هذا لذاك، بدءاً بالأسلحة الفاسدة التي أنتجت ثورة 23 يوليو مروراً بالانقلابات العسكرية حركة في الحرب المتحركة مع الصهاينة من دون تخطيط وفي انطلاق الأيديولوجيات ودخول المسألة الفلسطينية في دائرة الحرب الباردة بين الشرق والغرب ليغرق الفلسطينيون ومن معهم من العرب في لعبة اليسار واليمين. إننا نستطيع اختصار أسباب الهزيمة بأن الواقع العربي والفلسطيني لم يكن يملك جدية واقعية عملية تخطيطية من أجل الحصول على فلسطين.. حتى أن عملية الرفض كانت لا تملك المرونة التي تستطع فيها أن تحرك المطالب بطريقة تواجه فيها التعقيدات الدولية، فكان العرب ينتقلون من رفض إلى تنازل مما يوحي بأن ليس هناك مشروعاً عربياً، حتى أننا لاحظنا في عام 1967 عندما سئل بعض القادة العرب الكبار في مشارف الحرب: هل أعددتم خطة "لتحرير فلسطين؟ وكان الجواب: أن لا خطة!! إنما يختصر سبب الهزيمة هو حرب (اللاخطة) وسياسة اللاخطة) وواقع العلاقات العربية -العربية (اللاخطة) وواقع المعارضة والموالاة في الفصائل الفلسطينية في (اللاخطة)! ومن الطبيعي أن (اللاخطة) لا يمكن أن تنتج نصراً في جميع الحالات.‏
                إنني أتصور أن القضية قد انحسرت لأننا قد انحسرنا في وعينا للقضية، وأصبحت القضية لعبة كرة نركلها بأقدامنا ليسجّل كل واحد منا على الآخر لا على إسرائيل هدفاً معيناً عندما تدخل الكرة في ملاعبنا ولا تدخل في الملعب الإسرائيلي.‏
                إن المسألة عادت في بعض تطورات الواقع العربي إلى أن العرب بدأوا يفكرون كيف يتحررون من القضية الفلسطينية بدلاً من أن يحرروا فلسطين من اليهود وهذا هو سر المشكلة التي وصلنا إليها.. إنها سياسة التعب التي تطلّ على أكثر من إحباط وأكثر من يأس ولذلك أردنا أن يكون الحل كيفما كان ونحن نعرف أن أمة تفكر بـ الكيفما كان هي أمة سوف تخضع لما يكلله الآخرون.‏
                الجواب الثاني‏
                إنني أعتقد أن المشروع الصهيوني لم يتغير في الاستراتيجية، ولكنه تغير في التكتيك بطريقة متطورة، لأن المشروع الصهيوني كان ينطلق من السيطرة على فلسطين، ولكنه تحول إلى مشروع يعمل على السيطرة على الواقع العربي سياسياً واقتصادياً وأمنياً معتمداً على التعقيدات الموجودة في العلاقات العربية وانعدام الوزن العربي بفعل الحروب العربية العربية والحرب العراقية الإيرانية وما إلى ذلك مما جعل من إسرائيل التي عملت على أن توحي إلى أمريكا والإدارة الأمريكية وكل الإدارات الأمريكية بأن المصلحة الأمريكية هي المصلحة الإسرائيلية الأمر الذي جعل السياسة الأمريكية في المنطقة هي سياسة إسرائيلية، وهذا ما نلاحظه في هذه الأيام.‏
                إن المشروع الصهيوني يتطور باتجاه تحقيق أكبر قدر من المصالح للصهاينة في العمق العربي.. لتكون إسرائيل في داخل فلسطين المحتلة الدولة الأقوى سلاحاً والأقوى سياسة واقتصاداً وحركة في الأمن، بينما نجد أن المشروع العربي (اللامشروع) لأنه كان مشروعاً أقرب إلى الجانب العاطفي منه إلى الجانب السياسي يتراجع حتى يعيش في المتاهات والتنازلات والتطلع إلى تسوية على أي صورة كانت التسوية.. وهذا ما يفسره الواقع الفلسطيني كعنوان كبير للواقع العربي.‏
                الجواب الثالث‏
                إن الاتفاقيات المبرمة استطاعت أن تخرج الإنسان العربي في ذهنيته السياسية فيما يتصل بالقضية الفلسطينية من حالة المواجهة للمشروع الصهيوني إلى حالة القبول به كمبدأ فقد أصبح العرب منذ اتفاقيات كمب ديفيد وما أفرزته من عملية تدجين سياسي وإيحاء للعرب بأن ملف الحرب قد أغلق، لأنه "لا حرب بدون مصر" كما كانت العناوين والمانشيتات الصحفية تتراكم أمام عيون الإنسان العربي، لذلك فإننا نلاحظ في هذا المجال بأن لاءات الخرطوم التي انطلقت بعد الهزيمة تحولت إلى الإلغاء.. ثم بعد ذلك بدأت التنازلات وبدأت الأحاديث (بالتنكيت) على أحمد سعيد وأحمد الشقيري وما إلى ذلك، وأصبحت مسألة الحلم العربي أو الفلسطيني في استرجاع فلسطين مسألة نكتة سياسية تدل على لا واقعية الإنسان العربي والفلسطيني وأصبحت مسألة السياسة الواقعية تعني مسألة الاستسلام للأمر الواقع والقبول بما تقدمه إسرائيل للفلسطينيين أو ما ترضى عنه أمريكا.. لأن الفلسطينيين لن يحصلوا على أكثر من ذلك! وهكذا جاء اتفاق أوسلو الذي تثير كل مادة فيه آلاف علامات الاستفهام وبدأ الفلسطينيون يركضون في التيه الإسرائيلي -تيه المفاوضات- التي تهرب من جزئية إلى جزئية لتضيع القضايا الكبرى في هذا المجال، وهكذا لاحظنا أن بعض الفلسطينيين الذين صفقوا لاتفاقيات أوسلو يقفون الآن ويحاولون أن يحدقوا بشيء من اتفاق أوسلو على الأرض فلا يجدون هناك غير الضباب الذي لا يخفي شيئاً وراءه. وهكذا كان اتفاق وادي عربة.. الاتفاق الذي يعمل على أساس أن يخرج هذا البلد العربي من دائرة الصراع بالمطلق ليدخل في دائرة الانفتاح الذي يبرر الواقع الإسرائيلي كله ويعتبر أن عمليات الانتفاضة هي عمليات إرهابية وأن الذين يسقطون هناك بفعل جهاد للمجاهدين (شهداء) ويعتبر أن رابين يمثل البطل السياسي الشهيد الكبير الذي يتمنى بعض الناس أن يكون مصيره كمصيره! إن هناك شيئاً من السقوط العربي الذي يزحف ويزحف ويلهث وراء سراب يحسبه الظمآن ماءاً ولكنه لا يجد شيئاً.. ويجد الحقيقة الصارخة عنده... وهو أن الواقع العربي بدأ ينسحب من ذاته ليتخذ لنفسه أكثر من صورة بديلة. والمأساة السياسية هي المأساة الإنسانية في أن أمة تنسحب من ذاتها. من الطبيعي أننا لا نتحدث عن الأمة في الواقع الشعبي التي صودرت بفعل الذين وظفتهم المخابرات الدولية ولا سيما المخابرات الأمريكية ليكونوا في المواقع العليا للأمة ليحرسوا مصالح الآخرين. إن المسألة: هي أن الأنظمة تستعجل الحل الإسرائيلي لأنها بدأت تفكر بلا واقعية شيء أي شيء اسمه الحل العربي.‏
                لكننا نتصور أن هذه الاتفاقيات إذا نجحت على مستوى الأنظمة فإن مفاعيلها السلبية على واقع الأمة سوف تتعمق في جراح الأمة لتنتج القضية من جديد في المستقبل، ولن تظل أوضاعنا كما هي عليه الآن.‏
                الجواب الرابع‏
                إن المسألة هي انتاج الخاص الوطني والعام القومي لأنني أتصور أن الأنظمة هي التي صادرت الإنسان العربي في وطنه وعملت على أن تضغط عليه بمختلف الضغوط المعيشية والأمنية بالمستوى الذي جعلته ينشغل بحياته الخاصة بعيداً عن العامة، بالإضافة إلى التمزقات الطائفية أو المذهبية أو الحزبية. مما جعله يبتعد عن التفكير بالوطن وبقضاياه الكبرى.‏
                كما أن التعقيدات بين البلدان العربية نفسها جعلت المسألة الإقليمية في البعد الواقعي للشخصية العربية أكثر منها من المسألة القومية.. مما يجعل أن العروبة تحولت من حالة سياسية حركية إلى حالة عاطفية شعورية لذلك أعتقد أن المسألة المطروحة هي إنتاج انفتاح الإنسان على وطنه وعلى عروبته ليخرج من هذا القمقم الخارجي أو العاطفي أو الشخصي أو العائلي أو الحزبي.‏
                نتصور أن علينا أن نلتفت في هذه المرحلة إلى العنصر الإسلامي الذي لا يزال يقاتل من الموقع الصلب في إنتاج الروح الجهادية التي أنتجت الفتوحات والتي تعيش التوتر السياسي ضد إسرائيل بالدرجة التي لا تعترف فيها بشرعية إسرائيل بالمطلق. إن علينا أن نعود إلى نقطة الصفر التي انطلق منها اليهود ولكن بشكل معاكس.‏
                فكما ركزوا في كل أجيالهم منذ 100 سنة أن فلسطين يهودية فعلينا أن نركز في وعي أجيالنا أنها فلسطينية عربية إسلامية تطل وتنفتح على المسيحية.‏
                إن ذلك هو الشرط لخلق مقاومة فاعلة مستقبلية تنطلق من واحات الحاضر لتعرف كيف تنتج المستقبل من عمق الدماء.‏
                الجواب الخامس‏
                من الصعب أن نتحدث عن طريقة الخروج من المأزق بطريقة مبسطة إن علينا أن نواكب المستجدات السياسية الراهنة وأن نفتح الثغرات في داخلها ليتحرك الرفض بطريقة الواقعية بحيث يتحرك التكتيك في خط الاستراتيجية. إن المسألة أن تعود العلاقة العضوية بين العروبة والإسلام.‏
                وأن نطلق فلسطين في وجدان المسلمين والعرب والفلسطينيين لتأخذ فلسطين كل الأبعاد التي يمكن أن تحرك الوجدان الإقليمي في المسألة الفلسطينية، والقومي في المسألة العربية، والديني في المسألة الإسلامية، وفي هذا الإطار لا بد لنا من أن نحرك كل القيم الروحية والإنسانية والوطنية والقومية في وجدان إنساننا في الداخل والخارج بمناسبة مرور مئة عام على المؤتمر الصهيوني وعلينا أن نبدأ مئة عام على إنتاج القضية الفلسطينية في المستقبل.‏
                تمثلاً بالحكمة القائلة‏
                اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك (في دائرة المسؤولية) كأنك تموت غداً.‏

                إذا الشعب يوما أراد الحياة
                فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                تعليق


                • #23
                  رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                  أجوبة الأستاذ جورج حداد
                  الجواب الأول:‏
                  لماذا هزمنا؟!‏
                  كان من غير الطبيعي أن ننتصر، وألاّ نهزم. فالانتصار له آلية من العوامل والأسباب والقواعد، إذا تعذر وجودها تعذر تحقيقه.‏
                  هزمنا في الماضي، ولم تزل هزائمنا تتلاحق آخذة برقاب بعضها بعضاً، لأننا.. ما زلنا نكرّس أسبابها. فعندما تغيب أو.. تغيب هوية الأمة الأصيلة والأصلية، ويغيب العمل بصرامة المسؤولية القومية، وبكل ما ينبثق عنها، من معايير والتزامات، يصبح العمل التحرري والتحريري، محصوراً ضمن، الأطر المفتعلة الطارئة.. أطر سايكس- بيكو التي أقامها التحالف الاستعماري اليهودي، بقصد واضح، هو هدر طاقات الأمة الواحدة، في الهلال السوري العربي الخصيب، وتشتيتها، وإبقاء أجزائها في حالة عجز دائم.‏
                  وعندما تصبح قضية الأمة الشاملة، مجموعة من (القضايا) والمسائل الكيانية الإقليمية "المستقلة" المتنافسة، ماذا نتوقع؟ هل سوى التراجع والانحدار، ثم المزيد من التراجع والمزيد من الانحدار؟‏
                  ولعلى في هذا، ما يجيب عن السؤال حول "أسباب الانحسار في المشروع الوطني الفلسطيني".‏
                  إن.. (رؤية الكوارث بعد وقوعها) لا يعتبر عملاً عظيماً ولا رائداً والانجرار بما خطط المستعمرون والصهاينة، لا يمكن أن يقود إلاّ للنتائج السلبية التي عانيناها وعايناها!‏
                  إن انحسار المشروع الوطني الفلسطيني، وإن بصورة أشد حدة، وأفظع إجراماً، بحكم كون تبعته الأرضية، نقطة تجمع وارتكاز في المشروع الصهيوني مثل غيره من أشكال الانحسار في المشاريع الوطنية الأخرى، مثل المشروع الوطني الأردني، والمشروع الوطني اللبناني.. والعراقي والشامي الخ.‏
                  أضف إلى ذلك.. أن غياب الوعي الصحيح الجذري، بالخطر اليهودي وأبعاده ومضامينه العقيدية والتراثية، هو ما سّهل الانجراف بالتيارات الفكرية التضليلية المدفوعة ضد شعبنا، بهدف حرف نضاله، وتشتيت قدراته و(تغبيش) رؤيته للحقائق المتعلقة بطبيعة الغزو وأهدافه المرحلية وغاياته البعيدة.‏
                  الجواب الثاني:‏
                  صحيح أن الصهيونية هي حركة سياسية، ولكنها بالوقت نفسه، تعبير عن مفاهيم ومعتقدات يهودية متحجرة، تمتزج فيها الخرافات بالأساطير والتأويلات بالمنهوبات والمقتبسات! ولهذا.. فإن أي تغيير يطرأ على مسيرة المشروع الصهيوني يظل مرتبطاً بالتغيير في المفاهيم والمعتقدات أو التأويلات التي يتم اختراعها لمسايرة الظروف الدولية والمحيطة، بكل مرحلة من مراحل المشروع الرهيب!‏
                  أما التباين في وجهات النظر، بين هذا التيار والجناح اليهودي أو.. ذلك، فيقتصر على الجانب التكتيكي، وليس على الشأن الاستراتيجي فهناك الآن، في قيادة اليهودية العالمية، من يرى أن الهيمنة الاقتصادية (الشرق أوسطية) يمكنها أن تحقق الغايات نفسها، بدون الحروب وتعرض الدم اليهودي (المقدس) للسفك! وهذه هي ميزة من اصطلح على نعتهم، زوراً، حمائم.. صقوراً!!‏
                  الجواب الثالث‏
                  أما عن تأثير الاتفاقيات المبرمة، بين إسرائيل وبعض الأطراف العربية، فقد كان مذهلاً وصاعقاً في حجم الخراب والأذى الذي لحق بالقضية القومية، ومسألة التحرير، على الصعد المادية والنفسية والحقوقية. فقد اخترقت جبهة الصمود والمقاومة ورفع الحصار عن العدوان، وتم شرعنة الاغتصاب، ليس أمام العالم، شعوباً ودولاً فحسب، بل أمام أجيالنا الصاعدة كذلك! لقد كانت هذه المعاهدات والاتفاقيات، بمثابة عمليات اختراق والتفاف، في غاية الخطورة، على مجرى الصراع العربي الإسرائيلي المصيري، لصالح العدوان والاغتصاب، وزادت من ثقل الأعباء وحجم المعاناة التي ينهض بها المناضلون من أحرار الأمة الرافضين لمنطق الغاب وشريعة المخلب والناب!‏
                  الجواب الرابع:‏
                  في الواقع الطبيعي الحياتي، لا يوجد ما يفصل بين الخاص الوطني والعام القومي. إذ ليس من تعارض ولا تناقض بين الخاص والعام، في الشأن القومي العام، إلا حيث يكون المنطلق خاطئاً، والرؤية مشوشة أو غائمة أو معدومة!!‏
                  فمثلاً.. إن فلسطين والأردن، هما في الأصل، أسمان لموقعين في أرض الوطن الواحد، مثلهما في ذلك مثل أسماء أخرى كالجليل أو البلقاء أو عجلون أو حوران أو البقاع أو الجزيرة، فهي مجرد أسماء جغرافية، ألبسها الاستعماريون، لأول مرة في تاريخ أمتنا الممتد إلى أكثر من ستة آلاف عام. رداء سياسياً مزنراً "بحدود" مفتعلة!‏
                  وهنا ينبغي التأكيد أن مصلحة الأمة.. أي أمة، واحدة وليس مجموع مصالح إقليمية كيانية. ذلك أن للأمة، دورتها الحياتية الواحدة في جميع الشؤون: الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية والنفسية.‏
                  فإذا بترت هذه الدورة، لسبب أو لآخر، خارجي أو داخلي، فإن سلبية النتائج، لا تنحصر بجزء دون آخر، من أجزاء الوطن الواحد والشعب الواحد! بل تنعكس على الجميع، دون استثناء قطعاً.‏
                  هذا ناموس حياتي في الأجسام الحيّة، لا يقبل الفذلكة أو الاجتهاد. فعندما تلتهب القدم أو الأذن، فإن الجسم كله يصاب بالحمى ومظاهر الاعتلال!‏
                  إن العودة إلى واقع الأمة الطبيعي الأصيل، من حيث كونها، في جميع أقاليمها وأرجائها وكياناتها، وحدة في الحياة، وفي المصير أو في المصلحة، هو الحل الأوحد والأمثل لإشكالية "الخاص الوطني والعام القومي "وعندئذ لا يعود ثمة حاجة إلى "ربط" مفتعل أو هش بين الخاص والعام، في مختلف شؤون الحياة، على تنوع حاجاتها!‏
                  هذه يعني.. أن وحدة الأمة، أي.. وحدة مجاري حياتها، هو وحده الكفيل بإزالة حالة العجز، وتوفير عامل القوة وضبط إمكانيات المجتمع وإمكاناته. فلا تهدر ذرة جهد واحدة، في غير موضعها المناسب! ولا أراني بحاجة إلى التذكير، بأنه في حال فقدان القوة المادية والنفسية، تظل مقاومة المشروع الصهيوني، محكومة بالفشل الصارخ المحتوم، حتى لو أطلقوا عليه اسم "السلام".‏
                  الجواب الخامس‏
                  للخروج من المأزق الراهن، يستوجب العمل والتركيز على استنهاض الوعي وإيقاظ فعالية العقل، في إنسان بلادنا، فلا يعود يؤخذ بأشكال الفهلوة والشعوذة السياسية!‏
                  إن العقل الفاعل، هو الذي يقود إلى التشخيص السليم للعلة أو المشكلة. فالمشكلة أي مشكلة، لا تحل إلاّ بمعرفة دوافعها وغاياتها! والعقل الفاعل.. هو الذي يحصر سبل الإنقاذ "بالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة".‏
                  إن في طليعة الشروط، للخروج الناجح من المأزق، هو معرفة (من نحن؟)، لأن.. على ضوء المعرفة اليقينية للحقيقة العلمية الإنسانية التاريخية الجغرافية تتحدد أشكال الخروج، وتتحدد أساليبه وأهدافه!!‏

                  إذا الشعب يوما أراد الحياة
                  فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                  و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                  و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                  تعليق


                  • #24
                    رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                    أجوبة الأستاذ جورج حداد
                    الجواب الأول:‏
                    لماذا هزمنا؟!‏
                    كان من غير الطبيعي أن ننتصر، وألاّ نهزم. فالانتصار له آلية من العوامل والأسباب والقواعد، إذا تعذر وجودها تعذر تحقيقه.‏
                    هزمنا في الماضي، ولم تزل هزائمنا تتلاحق آخذة برقاب بعضها بعضاً، لأننا.. ما زلنا نكرّس أسبابها. فعندما تغيب أو.. تغيب هوية الأمة الأصيلة والأصلية، ويغيب العمل بصرامة المسؤولية القومية، وبكل ما ينبثق عنها، من معايير والتزامات، يصبح العمل التحرري والتحريري، محصوراً ضمن، الأطر المفتعلة الطارئة.. أطر سايكس- بيكو التي أقامها التحالف الاستعماري اليهودي، بقصد واضح، هو هدر طاقات الأمة الواحدة، في الهلال السوري العربي الخصيب، وتشتيتها، وإبقاء أجزائها في حالة عجز دائم.‏
                    وعندما تصبح قضية الأمة الشاملة، مجموعة من (القضايا) والمسائل الكيانية الإقليمية "المستقلة" المتنافسة، ماذا نتوقع؟ هل سوى التراجع والانحدار، ثم المزيد من التراجع والمزيد من الانحدار؟‏
                    ولعلى في هذا، ما يجيب عن السؤال حول "أسباب الانحسار في المشروع الوطني الفلسطيني".‏
                    إن.. (رؤية الكوارث بعد وقوعها) لا يعتبر عملاً عظيماً ولا رائداً والانجرار بما خطط المستعمرون والصهاينة، لا يمكن أن يقود إلاّ للنتائج السلبية التي عانيناها وعايناها!‏
                    إن انحسار المشروع الوطني الفلسطيني، وإن بصورة أشد حدة، وأفظع إجراماً، بحكم كون تبعته الأرضية، نقطة تجمع وارتكاز في المشروع الصهيوني مثل غيره من أشكال الانحسار في المشاريع الوطنية الأخرى، مثل المشروع الوطني الأردني، والمشروع الوطني اللبناني.. والعراقي والشامي الخ.‏
                    أضف إلى ذلك.. أن غياب الوعي الصحيح الجذري، بالخطر اليهودي وأبعاده ومضامينه العقيدية والتراثية، هو ما سّهل الانجراف بالتيارات الفكرية التضليلية المدفوعة ضد شعبنا، بهدف حرف نضاله، وتشتيت قدراته و(تغبيش) رؤيته للحقائق المتعلقة بطبيعة الغزو وأهدافه المرحلية وغاياته البعيدة.‏
                    الجواب الثاني:‏
                    صحيح أن الصهيونية هي حركة سياسية، ولكنها بالوقت نفسه، تعبير عن مفاهيم ومعتقدات يهودية متحجرة، تمتزج فيها الخرافات بالأساطير والتأويلات بالمنهوبات والمقتبسات! ولهذا.. فإن أي تغيير يطرأ على مسيرة المشروع الصهيوني يظل مرتبطاً بالتغيير في المفاهيم والمعتقدات أو التأويلات التي يتم اختراعها لمسايرة الظروف الدولية والمحيطة، بكل مرحلة من مراحل المشروع الرهيب!‏
                    أما التباين في وجهات النظر، بين هذا التيار والجناح اليهودي أو.. ذلك، فيقتصر على الجانب التكتيكي، وليس على الشأن الاستراتيجي فهناك الآن، في قيادة اليهودية العالمية، من يرى أن الهيمنة الاقتصادية (الشرق أوسطية) يمكنها أن تحقق الغايات نفسها، بدون الحروب وتعرض الدم اليهودي (المقدس) للسفك! وهذه هي ميزة من اصطلح على نعتهم، زوراً، حمائم.. صقوراً!!‏
                    الجواب الثالث‏
                    أما عن تأثير الاتفاقيات المبرمة، بين إسرائيل وبعض الأطراف العربية، فقد كان مذهلاً وصاعقاً في حجم الخراب والأذى الذي لحق بالقضية القومية، ومسألة التحرير، على الصعد المادية والنفسية والحقوقية. فقد اخترقت جبهة الصمود والمقاومة ورفع الحصار عن العدوان، وتم شرعنة الاغتصاب، ليس أمام العالم، شعوباً ودولاً فحسب، بل أمام أجيالنا الصاعدة كذلك! لقد كانت هذه المعاهدات والاتفاقيات، بمثابة عمليات اختراق والتفاف، في غاية الخطورة، على مجرى الصراع العربي الإسرائيلي المصيري، لصالح العدوان والاغتصاب، وزادت من ثقل الأعباء وحجم المعاناة التي ينهض بها المناضلون من أحرار الأمة الرافضين لمنطق الغاب وشريعة المخلب والناب!‏
                    الجواب الرابع:‏
                    في الواقع الطبيعي الحياتي، لا يوجد ما يفصل بين الخاص الوطني والعام القومي. إذ ليس من تعارض ولا تناقض بين الخاص والعام، في الشأن القومي العام، إلا حيث يكون المنطلق خاطئاً، والرؤية مشوشة أو غائمة أو معدومة!!‏
                    فمثلاً.. إن فلسطين والأردن، هما في الأصل، أسمان لموقعين في أرض الوطن الواحد، مثلهما في ذلك مثل أسماء أخرى كالجليل أو البلقاء أو عجلون أو حوران أو البقاع أو الجزيرة، فهي مجرد أسماء جغرافية، ألبسها الاستعماريون، لأول مرة في تاريخ أمتنا الممتد إلى أكثر من ستة آلاف عام. رداء سياسياً مزنراً "بحدود" مفتعلة!‏
                    وهنا ينبغي التأكيد أن مصلحة الأمة.. أي أمة، واحدة وليس مجموع مصالح إقليمية كيانية. ذلك أن للأمة، دورتها الحياتية الواحدة في جميع الشؤون: الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية والنفسية.‏
                    فإذا بترت هذه الدورة، لسبب أو لآخر، خارجي أو داخلي، فإن سلبية النتائج، لا تنحصر بجزء دون آخر، من أجزاء الوطن الواحد والشعب الواحد! بل تنعكس على الجميع، دون استثناء قطعاً.‏
                    هذا ناموس حياتي في الأجسام الحيّة، لا يقبل الفذلكة أو الاجتهاد. فعندما تلتهب القدم أو الأذن، فإن الجسم كله يصاب بالحمى ومظاهر الاعتلال!‏
                    إن العودة إلى واقع الأمة الطبيعي الأصيل، من حيث كونها، في جميع أقاليمها وأرجائها وكياناتها، وحدة في الحياة، وفي المصير أو في المصلحة، هو الحل الأوحد والأمثل لإشكالية "الخاص الوطني والعام القومي "وعندئذ لا يعود ثمة حاجة إلى "ربط" مفتعل أو هش بين الخاص والعام، في مختلف شؤون الحياة، على تنوع حاجاتها!‏
                    هذه يعني.. أن وحدة الأمة، أي.. وحدة مجاري حياتها، هو وحده الكفيل بإزالة حالة العجز، وتوفير عامل القوة وضبط إمكانيات المجتمع وإمكاناته. فلا تهدر ذرة جهد واحدة، في غير موضعها المناسب! ولا أراني بحاجة إلى التذكير، بأنه في حال فقدان القوة المادية والنفسية، تظل مقاومة المشروع الصهيوني، محكومة بالفشل الصارخ المحتوم، حتى لو أطلقوا عليه اسم "السلام".‏
                    الجواب الخامس‏
                    للخروج من المأزق الراهن، يستوجب العمل والتركيز على استنهاض الوعي وإيقاظ فعالية العقل، في إنسان بلادنا، فلا يعود يؤخذ بأشكال الفهلوة والشعوذة السياسية!‏
                    إن العقل الفاعل، هو الذي يقود إلى التشخيص السليم للعلة أو المشكلة. فالمشكلة أي مشكلة، لا تحل إلاّ بمعرفة دوافعها وغاياتها! والعقل الفاعل.. هو الذي يحصر سبل الإنقاذ "بالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة".‏
                    إن في طليعة الشروط، للخروج الناجح من المأزق، هو معرفة (من نحن؟)، لأن.. على ضوء المعرفة اليقينية للحقيقة العلمية الإنسانية التاريخية الجغرافية تتحدد أشكال الخروج، وتتحدد أساليبه وأهدافه!!‏

                    إذا الشعب يوما أراد الحياة
                    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                    تعليق


                    • #25
                      رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                      أجوبة الفريق سعد الدين الشاذلي
                      بطل العبور عام 1973‏
                      السؤال الأول:‏
                      لماذا هزمنا؟ وأية عوامل ترونها أسباباً في انحسار المشروع الوطني الفلسطيني بدءاً من تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة؟‏
                      الإجابة :‏
                      عناصر القوة والضعف:‏
                      -تقاس عناصر القوة والضعف الاستراتيجية لأي دولة أو مجموعة من الدول بثلاث عناصر رئيسية هي اتساع الاقليم، الثروة الطبيعية، عدد السكان. فإذا ما عملنا مقارنة بين الدول العربية وإسرائيل فيما يتعلق بهذه العناصر، فإننا نجد أن الدول العربية تتفوق على إسرائيل تفوقاً ساحقاً، كان من المفترض أن يؤهلها لكي تنتصر على إسرائيل انتصاراً حاسماً، لو توفرت النية لدى الزعامات العربية لتحقيق هذا الهدف.‏
                      -مساحة الدول العربية تقدر بحوالي 14 مليون كيلو متر مربع، بينما مساحة إسرائيل بما في ذلك الأراضي الفلسطينية المحتلة هي 27031 كيلو متر مربع ويتمتع الوطن العربي بثروات طبيعية هائلة في مقدمتها البترول حيث تمتلك 52% من الاحتياطي العالمي.. ثم المياه حيث يمر خلالها ثلاثة أنهر كبرى هي النيل ودجلة والفرات.. بينما تعتبر إسرائيل من أكثر البلاد فقراً في ثرواتها الطبيعية. فلا بترول ولا معادن ولا مياه.. فموارد إسرائيل من المياه حوالي 2000مليون متر مكعب سنوياً، أي أن نصيب الفرد في فلسطين إسرائيلياً كان أو عربياً أقل من 350متر مكعب سنوياً لجميع الأغراض (الزراعة والصناعة والاستهلاك المنزلي) وإذا كان عدد السكان اليهود في فلسطين حالياً هو أربعة ملايين وتسعمائة ألف، فإنه يقابلهم 255 مليون عربي. وإذا كان علينا أن نعترف بأن الفرد الإسرائيلي هو أكثر علماً وتأهيلاً من الفرد العربي، فإنه من الممكن التغلب على هذا التفوق بالتوسع في التعليم النظري والفني من ناحية، وحسن استغلال ثروتنا البشرية من ناحية أخرى.. وعلى سبيل المثال فإن عدد العرب من خريجي الجامعات يزيد كثيراً عن عدد سكان إسرائيل رجالاً ونساء وأطفالاً!!‏
                      -وهذا التفوق الساحق لا بد وأن يقودنا إلى التساؤل لماذا تتفوق علينا إسرائيل في جميع النواحي؟ لماذا يصبح متوسط الإنتاج للفرد في إسرائيل التي ليس لها أي ثروات طبيعية 17400دولار سنوياً، بينما يكون في السعودية التي تمتلك أكبر احتياطي في العالم من النفط 11000دولار، وبينما يكون في مصر -التي تصل مواردها المائية 60 مليار متر مكعب سنوياً -إلى 750 دولار؟؟ ولماذا أصبحت إسرائيل أقوى عسكرياً عن دول الجوار العربية مجتمعة في مجال الأسلحة التقليدية بالإضافة إلى أنها تحتكر وحدها -دون الدول العربية- امتلاك أسلحة التدمير الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية؟‏
                      يرجع ذلك إلى عاملين رئيسيين الأول هو غيبة الديمقراطية. والثاني هو الدعم الأمريكي والغربي للدولة اليهودية.‏
                      غيبة الديمقراطية:‏
                      -يتمتع الحاكم في الأنظمة العربية بسلطات كاسحة- فالفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية الذي هو أساس النظم الديمقراطية، غير مُراعى في الأنظمة العربية.. وهذا هو السبب الرئيسي لأبدية استمرار الحاكم العربي في منصبه إلى أن يتوفاه الله أو يقتل اغتيالاً أو ينحى في انقلاب عسكري، ولعل الرئيس السوداني سوار الذهب هو الحاكم العربي الوحيد الذي قام بتسليم السلطة لخلفه طائعاً خلال الخمسين سنة الماضية. وبالرغم من وجود مجالس تشريعية أو مجالس شورى في بعض الدول العربية، إلا أن هذه المجالس مهمتها هو أن تبصم على ما يريده الحاكم. كما أن تشكيلها يتم إما بالتعيين أو نتيجة انتخابات مزورة. وبالرغم من وجود سلطات قضائية من المفترض استغلالها في بعض الدول العربية إلا أنه يوجد موازياً لها قضاء عسكري يخضع خضوعاً تاماً لسلطة الحاكم.. وبالتالي فإنه يمكن القول أن الشعب العربي غائب تماماً عن المشاركة في اتخاذ القرار.. وأصبح الحكام في واد والشعب في واد آخر. وأصبح الشاغل الأكبر للحاكم هو كيف يستطيع أن يؤمن نفسه ضد من يطمع في الاستيلاء على منصبه.. وانعكس ذلك بالسلب على اهتماماته بتطوير بلاده اقتصادياً وسياسياً. بل إنه في بعض الحالات، ونتيجة قناعاته بأن شعبه لا يثق به، وأن شعبه قد يثور ضده، أن يستعين بقوات أجنبية ليفرض سلطاته على شعبه. وما لم تتغير هذه الأوضاع، وما لم نأخذ بالنظام الديمقراطي بحيث يمكن للشعب أن ينتخب حكاماً بحرية تامة ويحاسبهم ويعزلهم إذا خرجوا عن التفويض الذي يعطيهم إياه، فإن إسرائيل -والتي تسمي نفسها واحة- الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط- ستبقى متفوقة على الدول العربية.‏
                      الدعم الأمريكي لإسرائيل:‏
                      -لا شك أن الدعم الأمريكي لإسرائيل في المجال السياسي والاقتصادي والعسكري قد لعب دوراً هاماً في تطويرها والوصول بها إلى ما هي عليه حالياً من قوة.. ولكن من المؤكد أن الأنظمة العربية لم تمارس أي ضغوط ضد أمريكا بالقدر الذي يدفعها إلى أن تغير سياستها تجاه إسرائيل. فالدول العربية تملك إمكانيات اقتصادية هائلة. ولو وضعت هذه الدول مصالح أمريكا الاقتصادية في الميزان في مقابل مصالح أمريكا تجاه إسرائيل لتغير الموقف الأمريكي تغيراً جذرياً ولكن توفر القدرة شيء والرغبة في ممارستها شيء آخر.‏
                      وهذا هو ما نفتقره في معظم الأنظمة العربية. وهذا يعود بنا مرة أخرى إلى مسؤولية الأنظمة العربية عن حالة التردي الذي وصلنا إليه.‏
                      السؤال الثاني‏
                      بعد مائة عام من قيام الصهيونية كحركة سياسية.. هل ترون أن المشروع الصهيوني تغير؟ وما هي أبرز ملامح التغيير إن وجدت؟‏
                      الإجابة:‏
                      -يعتبر ثيودور هيرتزل هو مؤسس الحركة الصهيونية، ويعتبر كتابه عن الدولة اليهودية الذي نشر عام 1894 هو المرجع الأساسي للتعرف على مبادئ الصهيونية في صورتها الأولى، وتتلخص أفكار هيرتزل فيما يلي:‏
                      1-أن اليهود الذين يعيشون في جميع أنحاء العالم يشكلون شعباً واحداً وأن عليهم أن يرفضوا الاندماج مع الشعوب التي يعيشون فيها.‏
                      2-إنشاء دولة يهودية يتجمع فيها كل يهود العالم‏
                      3-يتم إنشاء هذه الدولة في مكان شاغر (خالي من السكان) ويلاحظ أنه طبقاً لمفهوم القرن التاسع عشر فإن المكان كان شاغراً إذا لم يكن يسكنه أو يستعمره شعب متحضر قادر على استعمار الأرض والاستفادة من خيراتها.‏
                      -كانت النزعة القومية- وليست الدينية- هي التي تطغى على تفكير هيرتزل ولذلك فإن مكان الدولة اليهودية لم يكن يهمه كثيراً، فيمكن أن تقوم تلك الدولة في أوغندا كما اقترح البعض، ويمكن أن تقوم في الأرجنتين كما اقترح عليه آخرون، ويمكن أن تقوم في فلسطين، وقد اختار هيرتزل أرض فلسطين من بين جميع الأراضي المرشحة لإقامة الدولة اليهودية، لكي يجتذب اليهود من ذوي النزعة الدينية الذين يعتقدون بأن القدس كانت هي عاصمة الأرض التي وعدهم الرب بها والتي تمتد من النيل إلى الفرات.‏
                      -وقد ساعد في هذا الاختيار النزعة الاستعمارية البريطانية التي كانت تهدف إلى إنشاء دولة عازلة بين مصر وبين دول المشرق العربي حتى لا يتكرر مرة أخرى تجمع عربي أو اندماج بين مصر ودول المشرق العربي كما حدث أيام محمد علي باشا.‏
                      -ومن هنا فإنه يمكن القول بأن الهدف الاستراتيجي للمشروع الصهيوني هو إقامة دولة يهودية تمتد من النيل غرباً إلى نهر الفرات شرقاً.. ومن التخوم التركية شمالاً إلى المدينة المنورة جنوباً.. وهذه هي حدودهم التوراتيه كما يدعون. وهذا الهدف لم يتغير مطلقاً خلال المائة سنة الماضية.‏
                      وحيث أنه لم يكن من الممكن تنفيذ هذا المشروع دفعة واحدة، فإن الصهاينة يقومون بتنفيذه على مراحل، مع مراعاة كانت دائماً تصب في نفس اتجاه الهدف الاستراتيجي.‏
                      -وقد مر هذا المشروع بمراحل متعددة نذكر منها ما يلي:‏
                      أ-شراء الأراضي في فلسطين والاستيطان فيها كأفراد عاديين واستمر هذا الوضع حتى الحرب العالمية الأولى.‏
                      ب-الحصول على وعد بلفور من الحكومة البريطانية في 2/11/1917 والذي تقول فيه "إن حكومة صاحب الجلالة تنتظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين".‏
                      ج-وفي خلال الانتداب البريطاني الذي امتد بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وحتى 15 مايو 1948 ازدادت كثافة الهجرة اليهودية إلى فلسطين وارتفع عدد المستوطنين اليهود في فلسطين من 50000عام 1918 كانوا يمثلون 7% من السكان إلى 650000 عام 1948 يمثلون 34% من السكان.‏
                      د- ومنذ إنشاء دولة إسرائيل في 15 مايو 1948 وحتى الآن ارتفع عدد اليهود في فلسطين إلى 4مليون وسبعمائة ألف، ويمثلون 81% من السكان بينما يتراجع عدد العرب إلى مليون ومائة ألف.‏
                      هـ- واتسعت مساحة الأرض التي يحتلها اليهود باطراد لتصبح 30981 كيلو متر مربع (27031 كامل أرض فلسطين +1150 الجولان السورية+2800 الجنوب اللبناني) وإن احتلال سيناء عام 1967 تم الانسحاب منها عام 1982، هو انسحاب تكتيكي لا يعني مطلقاً أن إسرائيل تنازلت عن هدفها الاستراتيجي الذي يرمي إلى إنشاء دولة يهودية تمتد من النيل إلى الفرات.‏
                      السؤال الثالث:‏
                      ما هو تأثير الاتفاقات المبرمة بين إسرائيل وعدة أطراف عربية (كامب ديفيد، وادي عربة، اتفاقيات أوسلو) على مجرى الصراع العربي الإسرائيلي؟‏
                      الإجابة:‏
                      المستقبل البعيد في صالح العرب‏
                      -بداية نقول أن الصراع العربي الإسرائيلي هو صراع وجود، وليس صراع حدود، ولن ينتهي هذا الصراع إلا بانتصار حاسم يقوده المتشددون من الطرفين، وحيث أن موازين القوى الاستراتيجية تميل بشكل كبير في صالح العرب كما أسلفنا عند الإجابة عن السؤال الأول.. وحيث أن العرب يحظون بتعاطف مليار و200 ميلون مسلم، بينما تحظى إسرائيل بتعاطف 8مليون يهودي خارج حدودها فإن النتيجة الحتمية التي يمكن أن يتوصل إليها أي محلل استراتيجي محايد هي أن الانتصار النهائي لا بد وأنه سيكون في صالح العرب في المستقبل البعيد. ومن المؤكد أن الزعماء الإسرائيليين والأمريكيين- ولا سيما الاستراتيجيون منهم- يعلمون هذه الحقيقة. ولذلك فإنهم يريدون أن يستغلوا حالة الضعف والتفكك التي تعاني منها الدولة العربية حالياً، وأن يستدرجوهم إلى التوقيع على معاهدات يعترفون فيها بحق الوجود لتلك الدولة اليهودية وأن يتنازلوا عن حق الوجود للعرب الذين كانوا يعيشون على أراضيهم منذ ألفي سنة.‏
                      -وما اتفاقيات كامب ديفيد، ووادي عربة، واتفاقيات أوسلو إلا تجسيداً لهذه السياسة الصهيونية الإمبريالية.. والتي تهدف جميعها إلى تقليص الوجود العربي لكي يحل محله الوجود الصهيوني. ونسي الزعماء العرب أو تناسوا أن التنازل عن أرض فلسطين ليس سوى مرحلة من المراحل سوف يتبعها توسع صهيوني آخر يهدف إلى إقامة الدولة اليهودية التي تمتد من النيل إلى الفرات. ومن المؤكد أن تلك المعاهدات في صالح إسرائيل لأنها بموجب تلك المعاهدات فإنها تأخذ ولا تعطي مما يقربها من هدفها الاستراتيجي- أما بالنسبة للعرب فإنهم يتنازلون عن حقوقهم دون مقابل، وبالتالي فإنه يباعد بينهم وبين هدفهم النهائي الذي سيقوده المتشددون في المستقبل.‏
                      عدم التوقيع هو السياسة الأمثل.‏
                      -وفي ظل هذا الزمن الردئ الذي نعيشه فإن عدم التوقيع على معاهدات جديدة، والعمل على إلغاء تلك المعاهدات القائمة هو السياسة الأمثل. إن التوقيع على تلك المعاهدات والاتفاقيات هو اعتراف بشرعية الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية -في حين أن عدم التوقيع عليها لا يكسب هذا الاحتلال أي شرعية، ويترك الباب مفتوحاً أمام حركة النضال العربي من أجل استرداد أراضيهم.‏
                      السؤال الرابع:‏
                      -كيف ترون الربط بين الخاص الوطني والعام القومي من أجل بناء الجبهة الوطنية الشعبية العريضة لمقاومة المشروع الصهيوني سياسياً واقتصادياً وثقافياً؟‏
                      الإجابة:‏
                      -ما من أحد منا يعيش في تلك المنطقة من العالم إلا وهو يخضع ويتأثر بالبيئة والمجتمع الذي يعيش فيه. تجاذبه عواطف متعددة بدرجات متفاوتة في دوائر أربع. الدائرة الأولى هي الأسرة والعشيرة التي نشأ فيها وترعرع فيها، والدائرة الثانية هي الوطن الصغير الذي ارتبط به وجدانياً وعاطفياً بحلوه ومره، والدائرة الثالثة هي القومية العربية التي وحدت بين وطنه الصغير والأوطان الأخرى المحيطة به في اللغة والتاريخ، فكانت وستكون له دائماً سنداً وقوة. ثم تأتي بعد ذلك الدائرة الرابعة وهي العقيدة الدينية التي بدونها يصبح الإنسان وتصبح الأوطان كالقشة تتقاذفها الرياح دون هدف، وإني لا أرى شخصياً أي تضارب بين هذه الدوائر الأربعة. بل أنه من الواجب علينا أن نربط بينها جميعاً في نسيج واحد بحيث لا نسمح لأحد من هذه العوامل أن يطغى أو أن يستبعد من هذا النسيج.‏
                      -إننا نعيش الآن في عصر التكتلات الكبرى. فلا مجال للحياة بالنسبة إلى الأوطان الصغيرة. فكيف يمكن لمجموعة من الأفراد يقل عددهم عن 150 ألف نسمة أن يشكلوا قطراً عربياً يستطيع أن يحافظ على استقلاله السياسي والاقتصادي والدفاع العسكري عن كيانه ضد الطامعين في ثرواته، بل أن ذلك أصبح ينطبق حتى على مصر التي يزيد عدد سكانها عن 60 مليون نسمة والتي تعتبر أكبر دولة عربية. ولذلك فإن الانتماء إلى القومية العربية والدعوة إليها هو في صالح كل العرب وكل الأوطان العربية، حتى ولو أدى ذلك إلى التضحية أحياناً ببعض المصالح الوطنية الآنية- لأن العبرة هي بتحقيق المصالح القومية والتي لا بد وأنها ستحقق مصالح الجميع ولو بعد حين، وأن المبالغة في التمسك بالسيادة الوطنية والعزوف عن تقبل بعض التضحيات من أجل تحقيق أهداف قومية هو خطأ سوف يكون هؤلاء العازفون عنه أول من يكتوي بناره.‏
                      -ونأتي بعد ذلك إلى الخلاف القائم بين من ينادون بالقومية العربية مع استبعاد الإسلام من حلبة الصراع- وبين الذين ينادون بأن يكون الصراع الديني هو الأساس مع استبعاد القومية العربية من حلبة الصراع.‏
                      وكلاهما من وجهة نظري قد جانبه الصواب. فالعرب هم بمثابة القلب على خريطة الأمة الإسلامية من حيث الموقع الجغرافي- ويدين بالدين الإسلامي أكثر من 85 في المائة من السكان العرب (أقل التقديرات للأقليات الدينية في العالم العربي هي سبعة ملايين وأكثرها هو اثني عشر مليوناً)- وبالتالي فإنه من العبث أن نستبعد العقيدة الدينية- التي هي أمضى أسلحتنا- من حلبة صراع العرب ضد أعدائهم وأعداء الأمة الإسلامية- ويجب علينا ألا ننسى أن العرب أعزهم الإسلام عندما نصروه وانتصروا له.. وإنهم لم يذلوا ولم تتفرق ريحهم إلا بعد أن توقفوا عن اتخاذ الإسلام منهجاً ودستوراً، وإن حلف الناتو الإمبريالي بزعامة أمريكا قد أعلن على لسان ويلي كلايس willy klaes أمين عام الحلف في يناير 1995، أنه بعد زوال التهديد السوفيتي فإن العدو الأول للحلف هو المد الإسلامي- وبالتالي فليس أمامنا نحن العرب من سبيل إلا أن نتمسك بعقيدتنا الدينية لكي نتصدى إلى الهجمة الصهيونية الإمبريالية التي تتربص بنا- ولكن هذا لا يعني مطلقاً أن يستبعد العرب من غير المسلمين من حلبة الصراع ضد أعداء وطننا العربي الكبير.‏
                      السؤال الخامس‏
                      في رأيكم وعلى ضوء المستجدات السياسية الراهنة- كيف ترون أشكال الخروج من المأزق؟‏
                      الإجابة‏
                      تشخيص المرض‏
                      -نحن العرب في موقف صعب ومعقد. واحد وعشرون كياناً عربياً تتفوق إسرائيل على كل منهم تفوقاً كبيراً في جميع المجالات- ولكن إذا تم تجميع هذه الكيانات واجرينا مقارنة بينها وبين إسرائيل فإنها تصبح متفوقة على إسرائيل تفوقاً ساحقاً، ولكن هذا التجميع لا يمكن أن يتم إلا بموافقة الأنظمة العربية- والغالبية العظمى من الأنظمة العربية تعارض هذا التجميع لأنه سيؤدي إلى زوال الكثير من الأنظمة وتقليص ثروات بعضها من أجل إخوانهم الآخرين.‏
                      والشعب العربي لا يشارك في اتخاذ القرار الذي يتعلق بمصيره نتيجة لغيبة الديمقراطية والصهيونية والإمبريالية يعملان على ترسيخ تجزئة الوطن العربي، بل والعمل على زيادة هذه التجزئة بخلق دويلات عربية لا تستطيع أن تعيش إلا في ظل تبعية وولاء للقوى الأجنبية.‏
                      تحرير الإنسان العربي:‏
                      -إن تحرير الإنسان العربي ودفعه للمشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية هو الخطوة الأولى للخروج من هذا المستنقع. ولن يتأتى ذلك إلا إذا تحققت الديمقراطية الحقيقية. ديموقراطية تسمح للشعب العربي بأن ينتخب حكامه ويحاسبهم ويعزلهم- كما يحدث في الدول الغربية- وذلك في إطار انتخابات نزيهة لا تزييف فيها. وعلى الشعب العربي في كل وطن عربي أن يكافح بكافة الوسائل المتاحة من أجل تحقيق هذا الهدف. وأن تحقيق هذا الهدف في دولتين أو أكثر سوف يؤدي إلى تعبئة مواردها من أجل تحقيق الهدف الأكبر وهو التصدي للهجمة الصهيونية الإمبريالية.. كما أنه سيكون نموذجاً حياً لكي تسير الدول العربية الأخرى على نهجه.‏

                      إذا الشعب يوما أراد الحياة
                      فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                      و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                      و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                      تعليق


                      • #26
                        رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                        أجوبة الفريق سعد الدين الشاذلي
                        بطل العبور عام 1973‏
                        السؤال الأول:‏
                        لماذا هزمنا؟ وأية عوامل ترونها أسباباً في انحسار المشروع الوطني الفلسطيني بدءاً من تحرير كامل فلسطين وصولاً إلى المرحلة الراهنة؟‏
                        الإجابة :‏
                        عناصر القوة والضعف:‏
                        -تقاس عناصر القوة والضعف الاستراتيجية لأي دولة أو مجموعة من الدول بثلاث عناصر رئيسية هي اتساع الاقليم، الثروة الطبيعية، عدد السكان. فإذا ما عملنا مقارنة بين الدول العربية وإسرائيل فيما يتعلق بهذه العناصر، فإننا نجد أن الدول العربية تتفوق على إسرائيل تفوقاً ساحقاً، كان من المفترض أن يؤهلها لكي تنتصر على إسرائيل انتصاراً حاسماً، لو توفرت النية لدى الزعامات العربية لتحقيق هذا الهدف.‏
                        -مساحة الدول العربية تقدر بحوالي 14 مليون كيلو متر مربع، بينما مساحة إسرائيل بما في ذلك الأراضي الفلسطينية المحتلة هي 27031 كيلو متر مربع ويتمتع الوطن العربي بثروات طبيعية هائلة في مقدمتها البترول حيث تمتلك 52% من الاحتياطي العالمي.. ثم المياه حيث يمر خلالها ثلاثة أنهر كبرى هي النيل ودجلة والفرات.. بينما تعتبر إسرائيل من أكثر البلاد فقراً في ثرواتها الطبيعية. فلا بترول ولا معادن ولا مياه.. فموارد إسرائيل من المياه حوالي 2000مليون متر مكعب سنوياً، أي أن نصيب الفرد في فلسطين إسرائيلياً كان أو عربياً أقل من 350متر مكعب سنوياً لجميع الأغراض (الزراعة والصناعة والاستهلاك المنزلي) وإذا كان عدد السكان اليهود في فلسطين حالياً هو أربعة ملايين وتسعمائة ألف، فإنه يقابلهم 255 مليون عربي. وإذا كان علينا أن نعترف بأن الفرد الإسرائيلي هو أكثر علماً وتأهيلاً من الفرد العربي، فإنه من الممكن التغلب على هذا التفوق بالتوسع في التعليم النظري والفني من ناحية، وحسن استغلال ثروتنا البشرية من ناحية أخرى.. وعلى سبيل المثال فإن عدد العرب من خريجي الجامعات يزيد كثيراً عن عدد سكان إسرائيل رجالاً ونساء وأطفالاً!!‏
                        -وهذا التفوق الساحق لا بد وأن يقودنا إلى التساؤل لماذا تتفوق علينا إسرائيل في جميع النواحي؟ لماذا يصبح متوسط الإنتاج للفرد في إسرائيل التي ليس لها أي ثروات طبيعية 17400دولار سنوياً، بينما يكون في السعودية التي تمتلك أكبر احتياطي في العالم من النفط 11000دولار، وبينما يكون في مصر -التي تصل مواردها المائية 60 مليار متر مكعب سنوياً -إلى 750 دولار؟؟ ولماذا أصبحت إسرائيل أقوى عسكرياً عن دول الجوار العربية مجتمعة في مجال الأسلحة التقليدية بالإضافة إلى أنها تحتكر وحدها -دون الدول العربية- امتلاك أسلحة التدمير الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية؟‏
                        يرجع ذلك إلى عاملين رئيسيين الأول هو غيبة الديمقراطية. والثاني هو الدعم الأمريكي والغربي للدولة اليهودية.‏
                        غيبة الديمقراطية:‏
                        -يتمتع الحاكم في الأنظمة العربية بسلطات كاسحة- فالفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية الذي هو أساس النظم الديمقراطية، غير مُراعى في الأنظمة العربية.. وهذا هو السبب الرئيسي لأبدية استمرار الحاكم العربي في منصبه إلى أن يتوفاه الله أو يقتل اغتيالاً أو ينحى في انقلاب عسكري، ولعل الرئيس السوداني سوار الذهب هو الحاكم العربي الوحيد الذي قام بتسليم السلطة لخلفه طائعاً خلال الخمسين سنة الماضية. وبالرغم من وجود مجالس تشريعية أو مجالس شورى في بعض الدول العربية، إلا أن هذه المجالس مهمتها هو أن تبصم على ما يريده الحاكم. كما أن تشكيلها يتم إما بالتعيين أو نتيجة انتخابات مزورة. وبالرغم من وجود سلطات قضائية من المفترض استغلالها في بعض الدول العربية إلا أنه يوجد موازياً لها قضاء عسكري يخضع خضوعاً تاماً لسلطة الحاكم.. وبالتالي فإنه يمكن القول أن الشعب العربي غائب تماماً عن المشاركة في اتخاذ القرار.. وأصبح الحكام في واد والشعب في واد آخر. وأصبح الشاغل الأكبر للحاكم هو كيف يستطيع أن يؤمن نفسه ضد من يطمع في الاستيلاء على منصبه.. وانعكس ذلك بالسلب على اهتماماته بتطوير بلاده اقتصادياً وسياسياً. بل إنه في بعض الحالات، ونتيجة قناعاته بأن شعبه لا يثق به، وأن شعبه قد يثور ضده، أن يستعين بقوات أجنبية ليفرض سلطاته على شعبه. وما لم تتغير هذه الأوضاع، وما لم نأخذ بالنظام الديمقراطي بحيث يمكن للشعب أن ينتخب حكاماً بحرية تامة ويحاسبهم ويعزلهم إذا خرجوا عن التفويض الذي يعطيهم إياه، فإن إسرائيل -والتي تسمي نفسها واحة- الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط- ستبقى متفوقة على الدول العربية.‏
                        الدعم الأمريكي لإسرائيل:‏
                        -لا شك أن الدعم الأمريكي لإسرائيل في المجال السياسي والاقتصادي والعسكري قد لعب دوراً هاماً في تطويرها والوصول بها إلى ما هي عليه حالياً من قوة.. ولكن من المؤكد أن الأنظمة العربية لم تمارس أي ضغوط ضد أمريكا بالقدر الذي يدفعها إلى أن تغير سياستها تجاه إسرائيل. فالدول العربية تملك إمكانيات اقتصادية هائلة. ولو وضعت هذه الدول مصالح أمريكا الاقتصادية في الميزان في مقابل مصالح أمريكا تجاه إسرائيل لتغير الموقف الأمريكي تغيراً جذرياً ولكن توفر القدرة شيء والرغبة في ممارستها شيء آخر.‏
                        وهذا هو ما نفتقره في معظم الأنظمة العربية. وهذا يعود بنا مرة أخرى إلى مسؤولية الأنظمة العربية عن حالة التردي الذي وصلنا إليه.‏
                        السؤال الثاني‏
                        بعد مائة عام من قيام الصهيونية كحركة سياسية.. هل ترون أن المشروع الصهيوني تغير؟ وما هي أبرز ملامح التغيير إن وجدت؟‏
                        الإجابة:‏
                        -يعتبر ثيودور هيرتزل هو مؤسس الحركة الصهيونية، ويعتبر كتابه عن الدولة اليهودية الذي نشر عام 1894 هو المرجع الأساسي للتعرف على مبادئ الصهيونية في صورتها الأولى، وتتلخص أفكار هيرتزل فيما يلي:‏
                        1-أن اليهود الذين يعيشون في جميع أنحاء العالم يشكلون شعباً واحداً وأن عليهم أن يرفضوا الاندماج مع الشعوب التي يعيشون فيها.‏
                        2-إنشاء دولة يهودية يتجمع فيها كل يهود العالم‏
                        3-يتم إنشاء هذه الدولة في مكان شاغر (خالي من السكان) ويلاحظ أنه طبقاً لمفهوم القرن التاسع عشر فإن المكان كان شاغراً إذا لم يكن يسكنه أو يستعمره شعب متحضر قادر على استعمار الأرض والاستفادة من خيراتها.‏
                        -كانت النزعة القومية- وليست الدينية- هي التي تطغى على تفكير هيرتزل ولذلك فإن مكان الدولة اليهودية لم يكن يهمه كثيراً، فيمكن أن تقوم تلك الدولة في أوغندا كما اقترح البعض، ويمكن أن تقوم في الأرجنتين كما اقترح عليه آخرون، ويمكن أن تقوم في فلسطين، وقد اختار هيرتزل أرض فلسطين من بين جميع الأراضي المرشحة لإقامة الدولة اليهودية، لكي يجتذب اليهود من ذوي النزعة الدينية الذين يعتقدون بأن القدس كانت هي عاصمة الأرض التي وعدهم الرب بها والتي تمتد من النيل إلى الفرات.‏
                        -وقد ساعد في هذا الاختيار النزعة الاستعمارية البريطانية التي كانت تهدف إلى إنشاء دولة عازلة بين مصر وبين دول المشرق العربي حتى لا يتكرر مرة أخرى تجمع عربي أو اندماج بين مصر ودول المشرق العربي كما حدث أيام محمد علي باشا.‏
                        -ومن هنا فإنه يمكن القول بأن الهدف الاستراتيجي للمشروع الصهيوني هو إقامة دولة يهودية تمتد من النيل غرباً إلى نهر الفرات شرقاً.. ومن التخوم التركية شمالاً إلى المدينة المنورة جنوباً.. وهذه هي حدودهم التوراتيه كما يدعون. وهذا الهدف لم يتغير مطلقاً خلال المائة سنة الماضية.‏
                        وحيث أنه لم يكن من الممكن تنفيذ هذا المشروع دفعة واحدة، فإن الصهاينة يقومون بتنفيذه على مراحل، مع مراعاة كانت دائماً تصب في نفس اتجاه الهدف الاستراتيجي.‏
                        -وقد مر هذا المشروع بمراحل متعددة نذكر منها ما يلي:‏
                        أ-شراء الأراضي في فلسطين والاستيطان فيها كأفراد عاديين واستمر هذا الوضع حتى الحرب العالمية الأولى.‏
                        ب-الحصول على وعد بلفور من الحكومة البريطانية في 2/11/1917 والذي تقول فيه "إن حكومة صاحب الجلالة تنتظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين".‏
                        ج-وفي خلال الانتداب البريطاني الذي امتد بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وحتى 15 مايو 1948 ازدادت كثافة الهجرة اليهودية إلى فلسطين وارتفع عدد المستوطنين اليهود في فلسطين من 50000عام 1918 كانوا يمثلون 7% من السكان إلى 650000 عام 1948 يمثلون 34% من السكان.‏
                        د- ومنذ إنشاء دولة إسرائيل في 15 مايو 1948 وحتى الآن ارتفع عدد اليهود في فلسطين إلى 4مليون وسبعمائة ألف، ويمثلون 81% من السكان بينما يتراجع عدد العرب إلى مليون ومائة ألف.‏
                        هـ- واتسعت مساحة الأرض التي يحتلها اليهود باطراد لتصبح 30981 كيلو متر مربع (27031 كامل أرض فلسطين +1150 الجولان السورية+2800 الجنوب اللبناني) وإن احتلال سيناء عام 1967 تم الانسحاب منها عام 1982، هو انسحاب تكتيكي لا يعني مطلقاً أن إسرائيل تنازلت عن هدفها الاستراتيجي الذي يرمي إلى إنشاء دولة يهودية تمتد من النيل إلى الفرات.‏
                        السؤال الثالث:‏
                        ما هو تأثير الاتفاقات المبرمة بين إسرائيل وعدة أطراف عربية (كامب ديفيد، وادي عربة، اتفاقيات أوسلو) على مجرى الصراع العربي الإسرائيلي؟‏
                        الإجابة:‏
                        المستقبل البعيد في صالح العرب‏
                        -بداية نقول أن الصراع العربي الإسرائيلي هو صراع وجود، وليس صراع حدود، ولن ينتهي هذا الصراع إلا بانتصار حاسم يقوده المتشددون من الطرفين، وحيث أن موازين القوى الاستراتيجية تميل بشكل كبير في صالح العرب كما أسلفنا عند الإجابة عن السؤال الأول.. وحيث أن العرب يحظون بتعاطف مليار و200 ميلون مسلم، بينما تحظى إسرائيل بتعاطف 8مليون يهودي خارج حدودها فإن النتيجة الحتمية التي يمكن أن يتوصل إليها أي محلل استراتيجي محايد هي أن الانتصار النهائي لا بد وأنه سيكون في صالح العرب في المستقبل البعيد. ومن المؤكد أن الزعماء الإسرائيليين والأمريكيين- ولا سيما الاستراتيجيون منهم- يعلمون هذه الحقيقة. ولذلك فإنهم يريدون أن يستغلوا حالة الضعف والتفكك التي تعاني منها الدولة العربية حالياً، وأن يستدرجوهم إلى التوقيع على معاهدات يعترفون فيها بحق الوجود لتلك الدولة اليهودية وأن يتنازلوا عن حق الوجود للعرب الذين كانوا يعيشون على أراضيهم منذ ألفي سنة.‏
                        -وما اتفاقيات كامب ديفيد، ووادي عربة، واتفاقيات أوسلو إلا تجسيداً لهذه السياسة الصهيونية الإمبريالية.. والتي تهدف جميعها إلى تقليص الوجود العربي لكي يحل محله الوجود الصهيوني. ونسي الزعماء العرب أو تناسوا أن التنازل عن أرض فلسطين ليس سوى مرحلة من المراحل سوف يتبعها توسع صهيوني آخر يهدف إلى إقامة الدولة اليهودية التي تمتد من النيل إلى الفرات. ومن المؤكد أن تلك المعاهدات في صالح إسرائيل لأنها بموجب تلك المعاهدات فإنها تأخذ ولا تعطي مما يقربها من هدفها الاستراتيجي- أما بالنسبة للعرب فإنهم يتنازلون عن حقوقهم دون مقابل، وبالتالي فإنه يباعد بينهم وبين هدفهم النهائي الذي سيقوده المتشددون في المستقبل.‏
                        عدم التوقيع هو السياسة الأمثل.‏
                        -وفي ظل هذا الزمن الردئ الذي نعيشه فإن عدم التوقيع على معاهدات جديدة، والعمل على إلغاء تلك المعاهدات القائمة هو السياسة الأمثل. إن التوقيع على تلك المعاهدات والاتفاقيات هو اعتراف بشرعية الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية -في حين أن عدم التوقيع عليها لا يكسب هذا الاحتلال أي شرعية، ويترك الباب مفتوحاً أمام حركة النضال العربي من أجل استرداد أراضيهم.‏
                        السؤال الرابع:‏
                        -كيف ترون الربط بين الخاص الوطني والعام القومي من أجل بناء الجبهة الوطنية الشعبية العريضة لمقاومة المشروع الصهيوني سياسياً واقتصادياً وثقافياً؟‏
                        الإجابة:‏
                        -ما من أحد منا يعيش في تلك المنطقة من العالم إلا وهو يخضع ويتأثر بالبيئة والمجتمع الذي يعيش فيه. تجاذبه عواطف متعددة بدرجات متفاوتة في دوائر أربع. الدائرة الأولى هي الأسرة والعشيرة التي نشأ فيها وترعرع فيها، والدائرة الثانية هي الوطن الصغير الذي ارتبط به وجدانياً وعاطفياً بحلوه ومره، والدائرة الثالثة هي القومية العربية التي وحدت بين وطنه الصغير والأوطان الأخرى المحيطة به في اللغة والتاريخ، فكانت وستكون له دائماً سنداً وقوة. ثم تأتي بعد ذلك الدائرة الرابعة وهي العقيدة الدينية التي بدونها يصبح الإنسان وتصبح الأوطان كالقشة تتقاذفها الرياح دون هدف، وإني لا أرى شخصياً أي تضارب بين هذه الدوائر الأربعة. بل أنه من الواجب علينا أن نربط بينها جميعاً في نسيج واحد بحيث لا نسمح لأحد من هذه العوامل أن يطغى أو أن يستبعد من هذا النسيج.‏
                        -إننا نعيش الآن في عصر التكتلات الكبرى. فلا مجال للحياة بالنسبة إلى الأوطان الصغيرة. فكيف يمكن لمجموعة من الأفراد يقل عددهم عن 150 ألف نسمة أن يشكلوا قطراً عربياً يستطيع أن يحافظ على استقلاله السياسي والاقتصادي والدفاع العسكري عن كيانه ضد الطامعين في ثرواته، بل أن ذلك أصبح ينطبق حتى على مصر التي يزيد عدد سكانها عن 60 مليون نسمة والتي تعتبر أكبر دولة عربية. ولذلك فإن الانتماء إلى القومية العربية والدعوة إليها هو في صالح كل العرب وكل الأوطان العربية، حتى ولو أدى ذلك إلى التضحية أحياناً ببعض المصالح الوطنية الآنية- لأن العبرة هي بتحقيق المصالح القومية والتي لا بد وأنها ستحقق مصالح الجميع ولو بعد حين، وأن المبالغة في التمسك بالسيادة الوطنية والعزوف عن تقبل بعض التضحيات من أجل تحقيق أهداف قومية هو خطأ سوف يكون هؤلاء العازفون عنه أول من يكتوي بناره.‏
                        -ونأتي بعد ذلك إلى الخلاف القائم بين من ينادون بالقومية العربية مع استبعاد الإسلام من حلبة الصراع- وبين الذين ينادون بأن يكون الصراع الديني هو الأساس مع استبعاد القومية العربية من حلبة الصراع.‏
                        وكلاهما من وجهة نظري قد جانبه الصواب. فالعرب هم بمثابة القلب على خريطة الأمة الإسلامية من حيث الموقع الجغرافي- ويدين بالدين الإسلامي أكثر من 85 في المائة من السكان العرب (أقل التقديرات للأقليات الدينية في العالم العربي هي سبعة ملايين وأكثرها هو اثني عشر مليوناً)- وبالتالي فإنه من العبث أن نستبعد العقيدة الدينية- التي هي أمضى أسلحتنا- من حلبة صراع العرب ضد أعدائهم وأعداء الأمة الإسلامية- ويجب علينا ألا ننسى أن العرب أعزهم الإسلام عندما نصروه وانتصروا له.. وإنهم لم يذلوا ولم تتفرق ريحهم إلا بعد أن توقفوا عن اتخاذ الإسلام منهجاً ودستوراً، وإن حلف الناتو الإمبريالي بزعامة أمريكا قد أعلن على لسان ويلي كلايس willy klaes أمين عام الحلف في يناير 1995، أنه بعد زوال التهديد السوفيتي فإن العدو الأول للحلف هو المد الإسلامي- وبالتالي فليس أمامنا نحن العرب من سبيل إلا أن نتمسك بعقيدتنا الدينية لكي نتصدى إلى الهجمة الصهيونية الإمبريالية التي تتربص بنا- ولكن هذا لا يعني مطلقاً أن يستبعد العرب من غير المسلمين من حلبة الصراع ضد أعداء وطننا العربي الكبير.‏
                        السؤال الخامس‏
                        في رأيكم وعلى ضوء المستجدات السياسية الراهنة- كيف ترون أشكال الخروج من المأزق؟‏
                        الإجابة‏
                        تشخيص المرض‏
                        -نحن العرب في موقف صعب ومعقد. واحد وعشرون كياناً عربياً تتفوق إسرائيل على كل منهم تفوقاً كبيراً في جميع المجالات- ولكن إذا تم تجميع هذه الكيانات واجرينا مقارنة بينها وبين إسرائيل فإنها تصبح متفوقة على إسرائيل تفوقاً ساحقاً، ولكن هذا التجميع لا يمكن أن يتم إلا بموافقة الأنظمة العربية- والغالبية العظمى من الأنظمة العربية تعارض هذا التجميع لأنه سيؤدي إلى زوال الكثير من الأنظمة وتقليص ثروات بعضها من أجل إخوانهم الآخرين.‏
                        والشعب العربي لا يشارك في اتخاذ القرار الذي يتعلق بمصيره نتيجة لغيبة الديمقراطية والصهيونية والإمبريالية يعملان على ترسيخ تجزئة الوطن العربي، بل والعمل على زيادة هذه التجزئة بخلق دويلات عربية لا تستطيع أن تعيش إلا في ظل تبعية وولاء للقوى الأجنبية.‏
                        تحرير الإنسان العربي:‏
                        -إن تحرير الإنسان العربي ودفعه للمشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية هو الخطوة الأولى للخروج من هذا المستنقع. ولن يتأتى ذلك إلا إذا تحققت الديمقراطية الحقيقية. ديموقراطية تسمح للشعب العربي بأن ينتخب حكامه ويحاسبهم ويعزلهم- كما يحدث في الدول الغربية- وذلك في إطار انتخابات نزيهة لا تزييف فيها. وعلى الشعب العربي في كل وطن عربي أن يكافح بكافة الوسائل المتاحة من أجل تحقيق هذا الهدف. وأن تحقيق هذا الهدف في دولتين أو أكثر سوف يؤدي إلى تعبئة مواردها من أجل تحقيق الهدف الأكبر وهو التصدي للهجمة الصهيونية الإمبريالية.. كما أنه سيكون نموذجاً حياً لكي تسير الدول العربية الأخرى على نهجه.‏

                        إذا الشعب يوما أراد الحياة
                        فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                        و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                        و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                        تعليق


                        • #27
                          رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                          إجابات على الأسئلة المتعلقة بمرور نصف قرن على النكبة أجوبة المناضلة الفلسطينية: ليلى خالد
                          السؤال الأول:‏
                          للوقوف على أسباب الهزيمة وبالأحرى الهزائم المتكررة، لا بد من النظر للموضوع من جانبيه الموضوعي والذاتي.‏
                          وبالدرجة الأولى فإن طبيعة العدو الذي نواجه وطبيعة المشروع الذي خطط له ونفذ جزءاً منه هو بطبيعة الحال أحد الركائز الهامة في رؤية الهزيمة التي منينا بها.‏
                          إن العدو الذي نواجه يعتبر بحق أكبر حزب منظم في التاريخ وعلى المستوى العالمي، وأقصد بذلك الحركة الصهيونية، وهذه الحركة التي تم التأسيس لها على أيدي أناس نظروا لأنفسهم أنهم قادة العالم في المستقبل، أمثال هرتزل وجابوتنسكي وغيرهما، وقد استندوا في مشروعهم إلى أفكار توراتية وإلى أيديولوجيا مغرقة في رجعيتها، وكان لا بد من ترجمة هذه الأفكار بمشروع تمتد مساحته عبر العالم بتنظيم عالي المستوى ويجمع فيه يهود العالم أولاً، ويجند له كل التحالفات التي تتلاقى مع أفكاره، وكان لا بد من إيجاد قاعدة مادية لهذا المشروع للانطلاق منه ولتحقيق أهداف الحركة نفسها، وعليه فقد كانت الخطوة الأولى من أجل إنشاء هذه القاعدة هو التوجه لقوى دولية لدعم المشروع الصهيوني.‏
                          وقد وجد هذه المشروع مؤيدين له على رأسهم الدولة العظمى بريطانيا التي كانت تستعمر نصف الكرة الأرضية، وبعد جهود حصلت الحركة الصهيونية على وعد بريطاني بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين سنة 1917، وهكذا كان، ومنذ إقرار ذلك الوعد ازداد العمل وبذلت كل الجهود لتحقيق هذا الهدف.‏
                          لم تكتف الحركة الصهيونية بهذا الوعد، بل لقد عملت على تجنيد قوى أخرى لتجسيد هذا الوعد، وعليه فقد استحصلت على قرار في الأمم المتحدة- أعلى هيئة دولية- بتقسيم فلسطين بحيث يتحقق الوعد بإنشاء القاعدة المادية للحركة الصهيونية- أي إقامة وطن لليهود في فلسطين.‏
                          وبطبيعة الحال فقد تم استغلال النازية إبان الحرب العالمية الثانية لتكثيف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ثم لاستخدام هذا الدور لإيجاد مزيد من التأييد لإقامة دولة لليهود.‏
                          وهكذا كان، فما أن انتهى الانتداب البريطاني لأرض فلسطين سنة 1948 حتى كانت العصابات الصهيونية المتواجدة آنذاك في فلسطين تعلن عن قيام دولة إسرائيل، متسلحة بقرار دولي وبالوعد الذي تم الحصول عليه من بريطانيا.‏
                          ولا يفوتنا أن نذكر أن ثلاث قواعد الرئيسة حكمت الحركة الصهيونية في محاولاتها لتنفيذ الجزء الأول من مشروع إقامة الكيان:-‏
                          الأولى: امتلاك القوة العسكرية‏
                          الثانية: امتلاك المال‏
                          الثالثة: السيطرة على وسائل الإعلام‏
                          وهذا ما حصل فعلاً إذ أن تنفيذ قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين قد سبقه هجرات متكررة من اليهود إلى فلسطين، وإنشاء تنظيمات مسلحة ثم الاستناد إليها في مواجهة الحالة الشعبية الفلسطينية/ الرافضة للهجرة الصهيونية والمقاومة لها وللانتداب البريطاني الذي كانت قواته تدعم هذه التنظيمات المسلحة والتي اتخذت شكل العصابات الفاعلة في فلسطين.‏
                          ولست هنا بصدد الاستعراض التاريخي للحركة الصهيونية، ولكننا بصدد إبراز أهم الملامح لكي ندرك طبيعة هذا العدو.‏
                          لم تكتف الحركة الصهيونية بالإعلان عن قيام دولة إسرائيل، بل إنها اعتبرت ذلك البداية، فكان لا بد من تدعيم هذه الدولة بكل الإمكانات كي تصبح دولة عصرية تمتلك السلاح والمال والعلاقات لأن الهدف ليس فقط إنشاء الدولة، بل الاستمرار بها كقاعدة للانطلاق منها للهيمنة على المنطقة كلها، خاصة وأن المنطقة العربية تمتلك أهم ثروة طبيعية -أي النفط- وقد استشرفت الحركة الصهيونية أهمية هذه المنطقة استراتيجياً ولذلك عملت كل ما في وسعها وما زالت لتحويل الدولة العبرية إلى قوة تمتلك السلاح والتكنولوجيا كي تكون قادرة على الهيمنة على المنطقة، هذا بالإضافة إلى تمويلها بالبشر عبر استقدام اليهود من شتى بقاع الأرض للاستيطان في فلسطين.‏
                          ولتحقيق هذه الأهداف مجتمعة فقد خاضت الدولة اليهودية حروباً ضد العرب وعلى كل الجبهات وكسبت هذه الحروب، كما احتلت مزيداً من الأرض من خلال حروبها هذه.‏
                          لقد تلاقت أهداف ومصالح الحركة الصهيونية مع مصالح الاستعمار القديم، وكذلك الاستعمار الحديث المتمثل في أمريكا الدولة القوية بعد الحرب العالمية الثانية، فنسجت أوثق العلاقات بينها وتم تجنيد أمريكا لتقديم كل الدعم اللازم للدولة الجديدة.‏
                          وجرى العمل وما زال حتى يومنا هذا بين إسرائيل والولايات المتحدة على حماية المصالح المشتركة بينهما في المنطقة بكل الوسائل.‏
                          هذه هي باختصار صورة العدو ومشروعه في منطقتنا‏
                          فماذا كان على الضفة الأخرى في المواجهة؟؟.‏
                          لن ندخل في سرد تاريخي إلا أن عناوين مختصرة ستعطي الإجابة نحددها على النحو التالي، وذلك فيما يخص الحالة العربية:‏
                          1-حالة التجزئة والتي تعمقت على مدار السنوات الطويلة وصلت إلى حالة من القطرية البغيضة‏
                          2-ضرب كل محاولات الوحدة العربية (مصر وسورية)‏
                          3-اشتداد حالة القمع من قبل الأنظمة الحاكمة في مواجهة الحالة الشعبية الرافضة لواقعها المرير.‏
                          4-غياب كامل للديمقراطية وضرب حقوق الإنسان في العالم العربي‏
                          5-تبعية اقتصادية شبه كاملة للسوق الرأسمالية، وعدم امتلاك الثروات لتطوير صناعات وبنى رأسمالية اقتصادية تواكب العصر‏
                          6-اشتداد حالة التآمر والضرب من قبل العسكر للحركة الشعبية‏
                          7-معظم حالات النهوض ضربت وقمعت [الثورات المسلحة- الانتفاضة الشعبية في فلسطين]‏
                          8-كافة الشعارات الثورية- السياسية أو الاجتماعية- لم تجد لها ترجمات فعلية في الواقع العملي.‏
                          9-انهيار المنظومة الاشتراكية وتأثيرها السلبي على مجمل الحركة الجماهيرية العربية.‏
                          هذه الأسباب وغيرها قد جعلت إمكانية تطور المشروع الوطني العربي عامة والفلسطيني خاصة محكومة بالفشل، وبالتالي الانحسار الذي نراه في أيامنا هذه، مما يؤكد أن عوامل الهزيمة قد طال حتى الشعارات، وهذا بعد أن ثبت فشل البرامج التي وضعت للمواجهة.‏
                          فالمنطقة برمتها ما زالت تعيش إرهاصات كبيرة، وتحتاج إلى جهود استثنائية وكبيرة جداً لكي تعيد للمشروع الوطني ركائزه وروافعه الضرورية للنهوض من الحالة الراهنة إلى حالة أعلى تصبح إمكانية الخروج من المأزق مسألة واقعية.‏
                          السؤال الثاني‏
                          لا أعتقد أن المشروع الصهيوني بجوهره قد تغير، لكن أشكال تطبيقه ربما طرأ عليها بعض التغيير فمثلاً مسألة التوسع بالأرض أي الاستيلاء عليها بالقوة قد استبدلت بمسألة الهيمنة الاقتصادية.‏
                          وهذا نجد تجلياته في عقد معاهدات الصلح مع بعض الدولة العربية وإقامة علاقات مع البعض الآخر بهدف الدخول الاقتصادي معها للوصول إلى حالة من التطبيع شاملة.‏
                          وبالطبع مسألة امتلاك الأسلحة والتكنولوجيا تبقى قائمة ليس هذا فحسب بل تطويرها لحماية الإنجازات والمصالح التي تشكلت بعد إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين.‏
                          وقد تأكد هذا الأمر بعد انعقاد المؤتمر الأخير للحركة الصهيونية العام الماضي في سويسرا، حيث تم الاحتفال بأربع مناسبات:‏
                          1-مائة عام على إنشاء الحركة‏
                          2-ثمانين عاماً على وعد بلفور‏
                          3-خمسين عاماً على قرار التقسيم‏
                          4-ثلاثين عاماً على توحيد القدس واعتبارها العاصمة الموحدة الأبدية‏
                          وقد رسم المؤتمر للمئة عام القادمة خطة جديدة تعزز الإنجازات التي تحققت من ناحية وإضافة أهداف جديدة لتعزيز هذه الإنجازات، وهذه الأهداف تتمحور حول مزيد من السيطرة وتعزيز النفوذ في المنطقة وفي العالم.‏
                          السؤال الثالث:‏
                          مما لا شك فيه أن الاتفاقات التي عقدت مع الكيان الصهيوني لها أكبر الأثر على مجرى الصراع العربي الصهيوني، ويتجلى هذا الأثر بتراجع البرامج التي تدعو إلى تحرير فلسطين من ناحية، وتعقيد الظروف لأية قوى ما زالت تحمل مشروعها الوطني من ناحية ثانية.‏
                          ويكفي القول أنه قد تم للحركة الصهيونية ما أرادته من هذه الاتفاقات، أي الاعتراف بحقها في الوجود على الأرض العربية في فلسطين، وضرب كل قرارات الشرعية الدولية، مما يحيل حقوق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير أمراً بعيد المنال.‏
                          وعلى الرغم من كل هذه الاتفاقات فإن عوامل الصراع نفسها لم تنته، فما زالت إسرائيل ترى في نفسها القوة الأولى في المنطقة التي تعمل على ضرب أية عوامل نهضوية.‏
                          ومما يؤكد ذلك أي بقاء الصراع- هذه الممانعة الشعبية لنتائج الاتفاقات المبرمة. إذ لم تستطع هذه الاتفاقات فرض حالة التطبيع مع هذا الكيان من قبل الجماهير العربية إضافة لحالة الممانعة الشعبية للتطبيع في مصر والأردن.‏
                          وهذا سيكون له أثر في حالة اشتداد الصراع لاحقاً، لكنه سيكون محاطاً بظروف أعقد مما كان عليه الحال قبل توقيع هذه الاتفاقات مع الأنظمة.‏
                          السؤال الرابع:‏
                          إن مقاومة المشروع الصهيوني سياسياً واقتصادياً وثقافياً يحتاج بالدرجة الأولى إلى قوى صلبة البنيان ذات برامج واضحة تحدد فيها خطط عمل ترصد لها كل الإمكانات لتحويلها إلى واقع وهذه القوى لا يمكن لها النهوض دون عملية مراجعة شاملة للمرحلة السابقة واستخلاص دروسها حتى تتمكن من المضي قدماً بهذه البرامج.‏
                          فعلى الصعيد السياسي لا بد من وجود جبهات قطرية للقوى الوطنية لها برنامج من شقين، برنامج وطني خاص وبرنامج قومي عام تكون بنوده منسجمة مع بعضها البعض.‏
                          وبعد ذلك تطوير أية محاولات قومية للارتقاء بها إلى جبهة شعبية عريضة تضم في صفوفها كافة القوى المناهضة للمشروع المعادي بكل أبعاده مع توفير مقومات الصمود بالدرجة الأولى للوصول إلى مرحلة الهجوم والاشتباك مع المشروع في كافة المجالات وعلى كافة الصعد، مع تجنيد كافة الطاقات لإحداث اختلال في ميزان القوى لصالح هذه الجبهة العريضة هذا من جهة، ومن جهة أخرى بذل كافة الجهود للإطاحة بهذه الأنظمة السياسية التي تحمل عصا القمع وتمنع حالة النهوض المنشودة.‏
                          إن السيطرة على الثروات في المنطقة العربية من قبل الجماهير وقواها الحية هي الهدف الذي يجب أن تسعى له حتى تكون قادرة على المواجهة على الصعيد الاقتصادي من ناحية أخرى.‏
                          وبطبيعة الحال فإن المواجهة على المستوى الثقافي سيكون لها الأثر الفعال في تعبئة الجماهير في عملية الاختراق الذي أحدثها المشروع الصهيوني عبر اعتراف الأنظمة لكيانه والتعامل معه يكون كجزء طبيعي من المنطقة، فالجبهة الثقافية ضرورية لتثمينها خاصة في هذه المرحلة فهي آخر القلاع الآن، والحفاظ عليها من الاختراق هي مهمة وطنية لكل الوطنيين.‏
                          كل هذا من جهة، ومن جهة ثانية لا بد من العمل على الصعيد الدولي كي تجد هذه الجبهة لها تحالفات ومؤيدين تناصرها في مواجهتها للمشروع الصهيوني، تماماً كما كان الحال إبان الحقبة النازية، فقد تضافرت الجهود الدولية من أجل إنهاء النازية كوجود عسكري وكإيديولوجي. وبدون ذلك فستبقى الأمور تراوح في مكانها، وعلى العكس فسوف تتراجع.‏
                          السؤال الخامس:‏
                          إن الخروج من المأزق الراهن يحتاج لجهود استثنائية، وقوى استثنائية أيضاً ذات برامج علمية قادرة على حشد كافة الطاقات من أجل تحويل هذه البرامج إلى واقع علمي.‏
                          ولا يمكن الخروج من المأزق دفعة واحدة بل بخطوات متدرجة وثابتة. وكما أشرنا في السؤال السابق فإن جبهة شعبية عربية عريضة مطلوبة وبإلحاحية شديدة تتجاوز فيها حالة القطرية في كافة أنحاء الوطن العربي.‏
                          إن ترجمة مقولة التكامل العربي على المستوى السياسي والاقتصادي هي مسألة ضرورية أيضاً لمواجهة المخاطر التي تتهدد كافة الوضع العربي.‏
                          كما أن الديمقراطية كأسلوب حياة مطلوب إشاعتها في نظمنا وإدارة شؤون مجتمعاتنا سوف يؤهل قوى فتيه قادرة على النهوض بأوضاع عالمنا العربي، وتكون قادرة على إنجاز المهام الكبيرة والخروج من المأزق الذي نحن فيه.‏
                          مسألة هامة أخرى تحتاج هي الأخرى لمزيد من التفعيل ألا وهي مقاومة كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، بحيث تصبح هذه المقاومة مقدمة لمقاومة أشمل وهي مقاومة المشروع الصهيوني برمته. وهذا يقودنا للقول أن إبقاء الاشتباك دائماً مع العدو لإحداث اختلال في ميزان القوى لصالح جماهيرنا العربية هو ضرورة وحاجة من أجل إحداث النهوض بتراكم إنجازات صغيرة تصبح لاحقاً انتصارات تؤدي إلى النصر الكامل على المشروع المعادي.‏

                          إذا الشعب يوما أراد الحياة
                          فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                          و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                          و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                          تعليق


                          • #28
                            رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                            إجابات على الأسئلة المتعلقة بمرور نصف قرن على النكبة أجوبة المناضلة الفلسطينية: ليلى خالد
                            السؤال الأول:‏
                            للوقوف على أسباب الهزيمة وبالأحرى الهزائم المتكررة، لا بد من النظر للموضوع من جانبيه الموضوعي والذاتي.‏
                            وبالدرجة الأولى فإن طبيعة العدو الذي نواجه وطبيعة المشروع الذي خطط له ونفذ جزءاً منه هو بطبيعة الحال أحد الركائز الهامة في رؤية الهزيمة التي منينا بها.‏
                            إن العدو الذي نواجه يعتبر بحق أكبر حزب منظم في التاريخ وعلى المستوى العالمي، وأقصد بذلك الحركة الصهيونية، وهذه الحركة التي تم التأسيس لها على أيدي أناس نظروا لأنفسهم أنهم قادة العالم في المستقبل، أمثال هرتزل وجابوتنسكي وغيرهما، وقد استندوا في مشروعهم إلى أفكار توراتية وإلى أيديولوجيا مغرقة في رجعيتها، وكان لا بد من ترجمة هذه الأفكار بمشروع تمتد مساحته عبر العالم بتنظيم عالي المستوى ويجمع فيه يهود العالم أولاً، ويجند له كل التحالفات التي تتلاقى مع أفكاره، وكان لا بد من إيجاد قاعدة مادية لهذا المشروع للانطلاق منه ولتحقيق أهداف الحركة نفسها، وعليه فقد كانت الخطوة الأولى من أجل إنشاء هذه القاعدة هو التوجه لقوى دولية لدعم المشروع الصهيوني.‏
                            وقد وجد هذه المشروع مؤيدين له على رأسهم الدولة العظمى بريطانيا التي كانت تستعمر نصف الكرة الأرضية، وبعد جهود حصلت الحركة الصهيونية على وعد بريطاني بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين سنة 1917، وهكذا كان، ومنذ إقرار ذلك الوعد ازداد العمل وبذلت كل الجهود لتحقيق هذا الهدف.‏
                            لم تكتف الحركة الصهيونية بهذا الوعد، بل لقد عملت على تجنيد قوى أخرى لتجسيد هذا الوعد، وعليه فقد استحصلت على قرار في الأمم المتحدة- أعلى هيئة دولية- بتقسيم فلسطين بحيث يتحقق الوعد بإنشاء القاعدة المادية للحركة الصهيونية- أي إقامة وطن لليهود في فلسطين.‏
                            وبطبيعة الحال فقد تم استغلال النازية إبان الحرب العالمية الثانية لتكثيف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ثم لاستخدام هذا الدور لإيجاد مزيد من التأييد لإقامة دولة لليهود.‏
                            وهكذا كان، فما أن انتهى الانتداب البريطاني لأرض فلسطين سنة 1948 حتى كانت العصابات الصهيونية المتواجدة آنذاك في فلسطين تعلن عن قيام دولة إسرائيل، متسلحة بقرار دولي وبالوعد الذي تم الحصول عليه من بريطانيا.‏
                            ولا يفوتنا أن نذكر أن ثلاث قواعد الرئيسة حكمت الحركة الصهيونية في محاولاتها لتنفيذ الجزء الأول من مشروع إقامة الكيان:-‏
                            الأولى: امتلاك القوة العسكرية‏
                            الثانية: امتلاك المال‏
                            الثالثة: السيطرة على وسائل الإعلام‏
                            وهذا ما حصل فعلاً إذ أن تنفيذ قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين قد سبقه هجرات متكررة من اليهود إلى فلسطين، وإنشاء تنظيمات مسلحة ثم الاستناد إليها في مواجهة الحالة الشعبية الفلسطينية/ الرافضة للهجرة الصهيونية والمقاومة لها وللانتداب البريطاني الذي كانت قواته تدعم هذه التنظيمات المسلحة والتي اتخذت شكل العصابات الفاعلة في فلسطين.‏
                            ولست هنا بصدد الاستعراض التاريخي للحركة الصهيونية، ولكننا بصدد إبراز أهم الملامح لكي ندرك طبيعة هذا العدو.‏
                            لم تكتف الحركة الصهيونية بالإعلان عن قيام دولة إسرائيل، بل إنها اعتبرت ذلك البداية، فكان لا بد من تدعيم هذه الدولة بكل الإمكانات كي تصبح دولة عصرية تمتلك السلاح والمال والعلاقات لأن الهدف ليس فقط إنشاء الدولة، بل الاستمرار بها كقاعدة للانطلاق منها للهيمنة على المنطقة كلها، خاصة وأن المنطقة العربية تمتلك أهم ثروة طبيعية -أي النفط- وقد استشرفت الحركة الصهيونية أهمية هذه المنطقة استراتيجياً ولذلك عملت كل ما في وسعها وما زالت لتحويل الدولة العبرية إلى قوة تمتلك السلاح والتكنولوجيا كي تكون قادرة على الهيمنة على المنطقة، هذا بالإضافة إلى تمويلها بالبشر عبر استقدام اليهود من شتى بقاع الأرض للاستيطان في فلسطين.‏
                            ولتحقيق هذه الأهداف مجتمعة فقد خاضت الدولة اليهودية حروباً ضد العرب وعلى كل الجبهات وكسبت هذه الحروب، كما احتلت مزيداً من الأرض من خلال حروبها هذه.‏
                            لقد تلاقت أهداف ومصالح الحركة الصهيونية مع مصالح الاستعمار القديم، وكذلك الاستعمار الحديث المتمثل في أمريكا الدولة القوية بعد الحرب العالمية الثانية، فنسجت أوثق العلاقات بينها وتم تجنيد أمريكا لتقديم كل الدعم اللازم للدولة الجديدة.‏
                            وجرى العمل وما زال حتى يومنا هذا بين إسرائيل والولايات المتحدة على حماية المصالح المشتركة بينهما في المنطقة بكل الوسائل.‏
                            هذه هي باختصار صورة العدو ومشروعه في منطقتنا‏
                            فماذا كان على الضفة الأخرى في المواجهة؟؟.‏
                            لن ندخل في سرد تاريخي إلا أن عناوين مختصرة ستعطي الإجابة نحددها على النحو التالي، وذلك فيما يخص الحالة العربية:‏
                            1-حالة التجزئة والتي تعمقت على مدار السنوات الطويلة وصلت إلى حالة من القطرية البغيضة‏
                            2-ضرب كل محاولات الوحدة العربية (مصر وسورية)‏
                            3-اشتداد حالة القمع من قبل الأنظمة الحاكمة في مواجهة الحالة الشعبية الرافضة لواقعها المرير.‏
                            4-غياب كامل للديمقراطية وضرب حقوق الإنسان في العالم العربي‏
                            5-تبعية اقتصادية شبه كاملة للسوق الرأسمالية، وعدم امتلاك الثروات لتطوير صناعات وبنى رأسمالية اقتصادية تواكب العصر‏
                            6-اشتداد حالة التآمر والضرب من قبل العسكر للحركة الشعبية‏
                            7-معظم حالات النهوض ضربت وقمعت [الثورات المسلحة- الانتفاضة الشعبية في فلسطين]‏
                            8-كافة الشعارات الثورية- السياسية أو الاجتماعية- لم تجد لها ترجمات فعلية في الواقع العملي.‏
                            9-انهيار المنظومة الاشتراكية وتأثيرها السلبي على مجمل الحركة الجماهيرية العربية.‏
                            هذه الأسباب وغيرها قد جعلت إمكانية تطور المشروع الوطني العربي عامة والفلسطيني خاصة محكومة بالفشل، وبالتالي الانحسار الذي نراه في أيامنا هذه، مما يؤكد أن عوامل الهزيمة قد طال حتى الشعارات، وهذا بعد أن ثبت فشل البرامج التي وضعت للمواجهة.‏
                            فالمنطقة برمتها ما زالت تعيش إرهاصات كبيرة، وتحتاج إلى جهود استثنائية وكبيرة جداً لكي تعيد للمشروع الوطني ركائزه وروافعه الضرورية للنهوض من الحالة الراهنة إلى حالة أعلى تصبح إمكانية الخروج من المأزق مسألة واقعية.‏
                            السؤال الثاني‏
                            لا أعتقد أن المشروع الصهيوني بجوهره قد تغير، لكن أشكال تطبيقه ربما طرأ عليها بعض التغيير فمثلاً مسألة التوسع بالأرض أي الاستيلاء عليها بالقوة قد استبدلت بمسألة الهيمنة الاقتصادية.‏
                            وهذا نجد تجلياته في عقد معاهدات الصلح مع بعض الدولة العربية وإقامة علاقات مع البعض الآخر بهدف الدخول الاقتصادي معها للوصول إلى حالة من التطبيع شاملة.‏
                            وبالطبع مسألة امتلاك الأسلحة والتكنولوجيا تبقى قائمة ليس هذا فحسب بل تطويرها لحماية الإنجازات والمصالح التي تشكلت بعد إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين.‏
                            وقد تأكد هذا الأمر بعد انعقاد المؤتمر الأخير للحركة الصهيونية العام الماضي في سويسرا، حيث تم الاحتفال بأربع مناسبات:‏
                            1-مائة عام على إنشاء الحركة‏
                            2-ثمانين عاماً على وعد بلفور‏
                            3-خمسين عاماً على قرار التقسيم‏
                            4-ثلاثين عاماً على توحيد القدس واعتبارها العاصمة الموحدة الأبدية‏
                            وقد رسم المؤتمر للمئة عام القادمة خطة جديدة تعزز الإنجازات التي تحققت من ناحية وإضافة أهداف جديدة لتعزيز هذه الإنجازات، وهذه الأهداف تتمحور حول مزيد من السيطرة وتعزيز النفوذ في المنطقة وفي العالم.‏
                            السؤال الثالث:‏
                            مما لا شك فيه أن الاتفاقات التي عقدت مع الكيان الصهيوني لها أكبر الأثر على مجرى الصراع العربي الصهيوني، ويتجلى هذا الأثر بتراجع البرامج التي تدعو إلى تحرير فلسطين من ناحية، وتعقيد الظروف لأية قوى ما زالت تحمل مشروعها الوطني من ناحية ثانية.‏
                            ويكفي القول أنه قد تم للحركة الصهيونية ما أرادته من هذه الاتفاقات، أي الاعتراف بحقها في الوجود على الأرض العربية في فلسطين، وضرب كل قرارات الشرعية الدولية، مما يحيل حقوق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير أمراً بعيد المنال.‏
                            وعلى الرغم من كل هذه الاتفاقات فإن عوامل الصراع نفسها لم تنته، فما زالت إسرائيل ترى في نفسها القوة الأولى في المنطقة التي تعمل على ضرب أية عوامل نهضوية.‏
                            ومما يؤكد ذلك أي بقاء الصراع- هذه الممانعة الشعبية لنتائج الاتفاقات المبرمة. إذ لم تستطع هذه الاتفاقات فرض حالة التطبيع مع هذا الكيان من قبل الجماهير العربية إضافة لحالة الممانعة الشعبية للتطبيع في مصر والأردن.‏
                            وهذا سيكون له أثر في حالة اشتداد الصراع لاحقاً، لكنه سيكون محاطاً بظروف أعقد مما كان عليه الحال قبل توقيع هذه الاتفاقات مع الأنظمة.‏
                            السؤال الرابع:‏
                            إن مقاومة المشروع الصهيوني سياسياً واقتصادياً وثقافياً يحتاج بالدرجة الأولى إلى قوى صلبة البنيان ذات برامج واضحة تحدد فيها خطط عمل ترصد لها كل الإمكانات لتحويلها إلى واقع وهذه القوى لا يمكن لها النهوض دون عملية مراجعة شاملة للمرحلة السابقة واستخلاص دروسها حتى تتمكن من المضي قدماً بهذه البرامج.‏
                            فعلى الصعيد السياسي لا بد من وجود جبهات قطرية للقوى الوطنية لها برنامج من شقين، برنامج وطني خاص وبرنامج قومي عام تكون بنوده منسجمة مع بعضها البعض.‏
                            وبعد ذلك تطوير أية محاولات قومية للارتقاء بها إلى جبهة شعبية عريضة تضم في صفوفها كافة القوى المناهضة للمشروع المعادي بكل أبعاده مع توفير مقومات الصمود بالدرجة الأولى للوصول إلى مرحلة الهجوم والاشتباك مع المشروع في كافة المجالات وعلى كافة الصعد، مع تجنيد كافة الطاقات لإحداث اختلال في ميزان القوى لصالح هذه الجبهة العريضة هذا من جهة، ومن جهة أخرى بذل كافة الجهود للإطاحة بهذه الأنظمة السياسية التي تحمل عصا القمع وتمنع حالة النهوض المنشودة.‏
                            إن السيطرة على الثروات في المنطقة العربية من قبل الجماهير وقواها الحية هي الهدف الذي يجب أن تسعى له حتى تكون قادرة على المواجهة على الصعيد الاقتصادي من ناحية أخرى.‏
                            وبطبيعة الحال فإن المواجهة على المستوى الثقافي سيكون لها الأثر الفعال في تعبئة الجماهير في عملية الاختراق الذي أحدثها المشروع الصهيوني عبر اعتراف الأنظمة لكيانه والتعامل معه يكون كجزء طبيعي من المنطقة، فالجبهة الثقافية ضرورية لتثمينها خاصة في هذه المرحلة فهي آخر القلاع الآن، والحفاظ عليها من الاختراق هي مهمة وطنية لكل الوطنيين.‏
                            كل هذا من جهة، ومن جهة ثانية لا بد من العمل على الصعيد الدولي كي تجد هذه الجبهة لها تحالفات ومؤيدين تناصرها في مواجهتها للمشروع الصهيوني، تماماً كما كان الحال إبان الحقبة النازية، فقد تضافرت الجهود الدولية من أجل إنهاء النازية كوجود عسكري وكإيديولوجي. وبدون ذلك فستبقى الأمور تراوح في مكانها، وعلى العكس فسوف تتراجع.‏
                            السؤال الخامس:‏
                            إن الخروج من المأزق الراهن يحتاج لجهود استثنائية، وقوى استثنائية أيضاً ذات برامج علمية قادرة على حشد كافة الطاقات من أجل تحويل هذه البرامج إلى واقع علمي.‏
                            ولا يمكن الخروج من المأزق دفعة واحدة بل بخطوات متدرجة وثابتة. وكما أشرنا في السؤال السابق فإن جبهة شعبية عربية عريضة مطلوبة وبإلحاحية شديدة تتجاوز فيها حالة القطرية في كافة أنحاء الوطن العربي.‏
                            إن ترجمة مقولة التكامل العربي على المستوى السياسي والاقتصادي هي مسألة ضرورية أيضاً لمواجهة المخاطر التي تتهدد كافة الوضع العربي.‏
                            كما أن الديمقراطية كأسلوب حياة مطلوب إشاعتها في نظمنا وإدارة شؤون مجتمعاتنا سوف يؤهل قوى فتيه قادرة على النهوض بأوضاع عالمنا العربي، وتكون قادرة على إنجاز المهام الكبيرة والخروج من المأزق الذي نحن فيه.‏
                            مسألة هامة أخرى تحتاج هي الأخرى لمزيد من التفعيل ألا وهي مقاومة كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، بحيث تصبح هذه المقاومة مقدمة لمقاومة أشمل وهي مقاومة المشروع الصهيوني برمته. وهذا يقودنا للقول أن إبقاء الاشتباك دائماً مع العدو لإحداث اختلال في ميزان القوى لصالح جماهيرنا العربية هو ضرورة وحاجة من أجل إحداث النهوض بتراكم إنجازات صغيرة تصبح لاحقاً انتصارات تؤدي إلى النصر الكامل على المشروع المعادي.‏

                            إذا الشعب يوما أراد الحياة
                            فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                            و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                            و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                            تعليق


                            • #29
                              رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                              أجوبة الدكتور أحمد برقاوي
                              كاتب وناقد، أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق.‏
                              السؤال الأول:‏
                              لماذا هزمنا؟ سؤال تتطلب الإجابة عليه رصداً لكل تاريخنا المعاصر، ولشروط واقعنا التي أنتجت الهزيمة. وهذا أمر ليس بيسير. أما وأنه لا بد من الإجابة فلنختصر قائلين:‏
                              إذا ما عنينا بالهزيمة، انهيار المشروع القومي العربي أو إخفاقه في إنجاز أهدافه، فإن للهزيمة معنى يختلف عن معنى الهزيمة إذا ما عنينا بها هزائمنا الحربية العسكرية مع العدو الصهيوني.‏
                              ومعنى الهزيمة أيضاً مختلف، إذا ما عنينا به عجز الثورة الفلسطينية في استمرارها بالكفاح ودخولها لعبة التسوية من موقع الضعف الذي أدى بها إلى أوسلو وتبعاته.‏
                              في المعنى الأول: فإن القضية أعقد مما نتخيل، وآلية ذلك أن الإخفاق هنا مصدره بنية المجتمع العربي، التي هي بالأصل بنية ما قبل الأمة.‏
                              أي أن البنى التقليدية: العشائرية المناطقية الطائفية، مع ما تحمله هذه البنى من أنماط من القيم والأفكار، وقعت في تناقض مع مشروع قومي يسعى نحو تجاوزها ولأن تجاوزها حركة موضوعية أساساً فإن الأيديولوجيا وحدها غير قادرة على تغيير الواقع بمجرد الرفض.‏
                              ولهذا، فإن التناقض بين الأيديولوجيا والتاريخ قد أدى في النهاية إلى ظاهرة الإخفاق، التي يعتقد البعض أنها مجرد إخفاق أفكار لا إخفاق واقع.‏
                              هذا ناهيك عن أن أية قوى طبقية صاعدة لم تظهر بوصفها حاملة لواء المشروع، وإن مشروعاً لا تقف وراءه قوة طبقية صاعدة أو تحالف طبقي صاعد، لن يصيبه النجاح.‏
                              فالأفكار وحدها لا تصنع التاريخ أيضاً.‏
                              وبالتالي فإن القوى ذاتها التي تبنت المشروع القومي وجدت نفسها في إطار الصراعات الواقعية والنزوع نحو السلطة، قد عادت إلى بناها التقليدية.‏
                              في المعنى الثاني للهزيمة: فإن أحداً لا يستطيع عزله عن الواقع العربي ذاته الذي خلق الحقل الطبيعي للهزيمة. أي أن انتصار عدونا القومي، ليس ناتجاً عن قوته فقط، بل عن حالة العرب أيضاً.‏
                              من هذه الزاوية فإن حروبنا الخاسرة مع العدو هي التعبير العملي عن حالتين: حالة الدولة القطرية المناقضة لمفهوم المصلحة الوطنية، وحالة التخلف المتنوع والذي لا انفصال بينه وبين بنية الدولة القطرية.‏
                              وفي المعنى الثالث للهزيمة: يجب الاعتراف، بأن شرطين أساسيين قد مهدا السبيل إليها، أي إلى الهزيمة الفلسطينية.‏
                              الحالة التي ذكرنا من وضع عربي، وحالة الثورة ذاتها التي عكست بسلوكها وطبيعة عملها وطريقة تحكمها حالة الوضع العربي ذاته. أنها وقد وجدت نفسها بعد سنين من الكفاح العملي عزلاء من مصادر القوة الداخلية والقوة العربية. في وضع كهذا من الضعف ما كان يمكن ل.م.ت.ف التي تتحكم بها قيادة بيروقراطية أن تنجز انتصاراً يحقق أحلامها الكبيرة. وهي إذا اعتقدت أن أحلاماً صغيرة قابلة للتحقق اصطدمت بأحلام الصهيونية الأكبر. حتى بدت أحلامها الصغيرة هي الأخرى صعبة المنال.‏
                              فالنزعة الكلانية المسيطرة على سلوك المنظمة حالت دون جبهة شعبية عريضة. وجسدت التشرذم المميت في العمل الوطني، معتقدة أن الخارج قادراً على تحقيق ما لم تستطع تحقيقه.‏
                              السؤال الثاني:‏
                              أعتقد أن المشروع الصهيوني كحركة وأيديولوجيا هو الآخر يعاني من أزمة شديدة. ومصدر الأزمة قائم في أن الدولة الغريبة التي نشأت في ظروف عالمية ومحلية تاريخية محددة تجد نفسها في ظروف عالمية وداخلية جديدة.‏
                              إنها إذ تحتفظ بأيديولوجيا خلقت عصبية في لحظة من اللحظات فإنها تتجاهل حياة الأيديولوجيا ذاتها.‏
                              فالأيديولوجيا التي انتصرت كفت عن أن تكون أيديولوجيا مستقبل لأنها تنهزم بانتصارها.‏
                              ولهذا فإن مأزق المصير الذي يشغل وعي الدولة الصهيونية هو ظاهرة لم تكن بالأصل حاضرة سابقاً.‏
                              ويتعين مأزق المصير في سؤال: ما هو مستقبل وجود دولة غريبة مرفوضة بالمنطقة؟ هنا، فإن الصهيونية لا تستطيع الإجابة على سؤال كهذا.‏
                              لأنه ليس من قبيل الأسئلة التي تجيب عليها الأيديولوجيا وإذا يتحصن الصهيوني بصهيونيته فإنه لا يستطيع أن يجيب إلا بالقول: سأبقى هكذا عنوة وبالقوة.‏
                              ولكن تناسب القوى متغير، كما هو متغير أيضاً وعي الناس. وبالتالي فإذا كانت الحرب أو الاستعداد للحرب ونفي الآخر هي المصير النهائي للدولة اليهودية، فإن مصيراً كهذا هو ولا شك قائم إلى حد بعيد على المستوى التاريخي.‏
                              إن الصهيونية غير قابلة للتغيير، وكل محاولة لتجديدها هو نفيها. ويجب أن لا نرى في مواقف بعض القوى اليسارية في "إسرائيل" تغيراً في الأيديولوجيا الصهيونية، بل انحيازاً عنها.‏
                              السؤال الثالث:‏
                              إن أية اتفاق أو اتفاقيات تعقد بين "إسرائيل" وأية دولة عربية أو طرف عربي في ظل غياب توازن القوى الحاصل الآن، هو اتفاق يعزز من قوة إسرائيل ويمدها بأسباب السيطرة.‏
                              والدولة القطرية اللاوطنية، التي لا تأخذ مصالح البشر بعين الاعتبار، إنما تعقد الكفاح الوطني العربي والفلسطيني، إذ تسوره باتفاقات لا متكافئة، وباسمها يمكن أن يزداد القمع للحركة الوطنية المناهضة "لإسرائيل".‏
                              ومع ذلك لا أظن أن ما أبرم من اتفاقات من قبل أطراف عربية مع العدو: أمر سيلغي الصراع، بل قد يخفف منه الآن.‏
                              ولما كانت المنطقة العربية غير مستقرة. وعرضة لهزات سياسية، أعتقد أنها قادمة لا محال، فإن مصير هذه الاتفاقات ستحددها الحركة اللاحقة للتاريخ.‏
                              السؤال الرابع:‏
                              أعتقد أن مشكلة المشكلات الراهنة للعرب ليس هو الربط بين الخاص الوطني والعام القومي، بل مشكلة الدولة القطرية ذاتها.‏
                              وبالتالي قبل التفكير في بناء حركة وطنية شعبية عريضة لمقاومة المشروع الصهيوني، أي إسرائيل، فإن علينا أن ننجز مهمة قيام الدولة الوطنية الديمقراطية. وفي عملية الكفاح من أجل قيام الدولة الوطنية الديمقراطية في كل قطر من الأقطار، فإن تحالفاً بين القوى الوطنية الديمقراطية قد ينشأ مع الزمن. طارحاً بالضرورة سبل الخلاص المتعددة، الخلاص من أشكال الاضطهاد، سواء الذي تمارسه الدولة القطرية، أو الذي يمارسه العدو القومي، وإذا كان البعض يرى مثلب الحركة القومية في عدم أخذها بعين الاعتبار الخصوصية القطرية فإن: إن كان حسن النية قلنا: أن الخصوصية التي يبالغ بها الآن محدودة التأثير. إنما يراد بها أن تكون علاقة تمايز.‏
                              أية خصوصية ثقافية أو اجتماعية لكل بلد من بلدان المشرق العربي، وخاصة بلاد الشام والعراق. أننا إذ لا ننفي الخصوصية، فإننا لا نعتبرها عامل سلب للكفاح.‏
                              ولكن الكفاح محكوم بدولة هي الآن ذات سيادة مزعومة. من هنا تبرز خصوصية الكفاح في كل قطر عربي.‏
                              وهي ليست خصوصية ثقافية، تحدد تمايزاً مطلقاً بين أقطار الوطن العربي.‏
                              وعلى أية حال، فإن الكفاح الوطني هو بالضرورة كفاح قومي. وإذا انتصر مفهوم الوطن والمواطن فإن ذلك سيكون انتصاراً لمفهوم الأمة.‏
                              وبالتالي ستولد بالضرورة، حركة عامة وستجد نفسها أمام أهداف كبرى. وتعيد إنتاج المشروع القومي في ضوء إنجازاتها، لا في ضوء خصوصياتها.‏
                              السؤال الخامس:‏
                              لأن المشكلة الراهنة هي مشكلة السلطة السياسية في الوطن العربي بما يتمخض عنها من نتائج مجتمعية وسياسية واقتصادية. فإن الخروج من المأزق الراهن يحتاج إلى جملة توسطات. أهم توسط منها تفكك العلاقة بين الدولة والثورة والدولة والملكية أقصد بفك العلاقة، أن لا تعود الدولة وسيلة للثورة، ولا تغدو الدولة ملكية خاصة لفئة أو لفرد.‏
                              وهذا يتطلب قبل كل شيء كفاحاً من أجل الديمقراطية، هذا الكفاح في صورته العامة يجب أن يكون شعبياً وليس نخبوياً، أو سرياً.‏
                              إنه كفاح علني، يبدأ من الأحزاب مروراً بالعصيان وانتهاءاً برمي الحجر.‏
                              والدولة ليس باستطاعتها أن تقمع حركة شعبية واسعة إلى ما لا نهاية، لا سيما وأنها دولة، رغم كل أدوات القمع التي تملكها هي ضعيفة، بل إن ضعفها هو الذي يفسر استشراس قمعها.‏
                              إن الحركة الشعبية داخل كل قطر، وبالعلاقة مع الأقطار الأخرى، وهي تطرح كل مشكلاتها مشكلة الخبز والحرية والاستقلال والكرامة الوطنية والتحرر، والمواجهة مع العدو القومي، فإنها تحقق تدريجياً الأهداف التي بمقدورها أن تحققها. أي لا تستطيع حركة شعبية داخلية أن تحقق كل ما تريد دفعة واحدة. إن توسطات الأهداف وتوسطات النجاح، وتوسطات الإخفاق، كل ستصب في لحظة التحرر الضرورية تاريخياً.‏

                              إذا الشعب يوما أراد الحياة
                              فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                              و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                              و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                              تعليق


                              • #30
                                رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد

                                أجوبة الدكتور أحمد برقاوي
                                كاتب وناقد، أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق.‏
                                السؤال الأول:‏
                                لماذا هزمنا؟ سؤال تتطلب الإجابة عليه رصداً لكل تاريخنا المعاصر، ولشروط واقعنا التي أنتجت الهزيمة. وهذا أمر ليس بيسير. أما وأنه لا بد من الإجابة فلنختصر قائلين:‏
                                إذا ما عنينا بالهزيمة، انهيار المشروع القومي العربي أو إخفاقه في إنجاز أهدافه، فإن للهزيمة معنى يختلف عن معنى الهزيمة إذا ما عنينا بها هزائمنا الحربية العسكرية مع العدو الصهيوني.‏
                                ومعنى الهزيمة أيضاً مختلف، إذا ما عنينا به عجز الثورة الفلسطينية في استمرارها بالكفاح ودخولها لعبة التسوية من موقع الضعف الذي أدى بها إلى أوسلو وتبعاته.‏
                                في المعنى الأول: فإن القضية أعقد مما نتخيل، وآلية ذلك أن الإخفاق هنا مصدره بنية المجتمع العربي، التي هي بالأصل بنية ما قبل الأمة.‏
                                أي أن البنى التقليدية: العشائرية المناطقية الطائفية، مع ما تحمله هذه البنى من أنماط من القيم والأفكار، وقعت في تناقض مع مشروع قومي يسعى نحو تجاوزها ولأن تجاوزها حركة موضوعية أساساً فإن الأيديولوجيا وحدها غير قادرة على تغيير الواقع بمجرد الرفض.‏
                                ولهذا، فإن التناقض بين الأيديولوجيا والتاريخ قد أدى في النهاية إلى ظاهرة الإخفاق، التي يعتقد البعض أنها مجرد إخفاق أفكار لا إخفاق واقع.‏
                                هذا ناهيك عن أن أية قوى طبقية صاعدة لم تظهر بوصفها حاملة لواء المشروع، وإن مشروعاً لا تقف وراءه قوة طبقية صاعدة أو تحالف طبقي صاعد، لن يصيبه النجاح.‏
                                فالأفكار وحدها لا تصنع التاريخ أيضاً.‏
                                وبالتالي فإن القوى ذاتها التي تبنت المشروع القومي وجدت نفسها في إطار الصراعات الواقعية والنزوع نحو السلطة، قد عادت إلى بناها التقليدية.‏
                                في المعنى الثاني للهزيمة: فإن أحداً لا يستطيع عزله عن الواقع العربي ذاته الذي خلق الحقل الطبيعي للهزيمة. أي أن انتصار عدونا القومي، ليس ناتجاً عن قوته فقط، بل عن حالة العرب أيضاً.‏
                                من هذه الزاوية فإن حروبنا الخاسرة مع العدو هي التعبير العملي عن حالتين: حالة الدولة القطرية المناقضة لمفهوم المصلحة الوطنية، وحالة التخلف المتنوع والذي لا انفصال بينه وبين بنية الدولة القطرية.‏
                                وفي المعنى الثالث للهزيمة: يجب الاعتراف، بأن شرطين أساسيين قد مهدا السبيل إليها، أي إلى الهزيمة الفلسطينية.‏
                                الحالة التي ذكرنا من وضع عربي، وحالة الثورة ذاتها التي عكست بسلوكها وطبيعة عملها وطريقة تحكمها حالة الوضع العربي ذاته. أنها وقد وجدت نفسها بعد سنين من الكفاح العملي عزلاء من مصادر القوة الداخلية والقوة العربية. في وضع كهذا من الضعف ما كان يمكن ل.م.ت.ف التي تتحكم بها قيادة بيروقراطية أن تنجز انتصاراً يحقق أحلامها الكبيرة. وهي إذا اعتقدت أن أحلاماً صغيرة قابلة للتحقق اصطدمت بأحلام الصهيونية الأكبر. حتى بدت أحلامها الصغيرة هي الأخرى صعبة المنال.‏
                                فالنزعة الكلانية المسيطرة على سلوك المنظمة حالت دون جبهة شعبية عريضة. وجسدت التشرذم المميت في العمل الوطني، معتقدة أن الخارج قادراً على تحقيق ما لم تستطع تحقيقه.‏
                                السؤال الثاني:‏
                                أعتقد أن المشروع الصهيوني كحركة وأيديولوجيا هو الآخر يعاني من أزمة شديدة. ومصدر الأزمة قائم في أن الدولة الغريبة التي نشأت في ظروف عالمية ومحلية تاريخية محددة تجد نفسها في ظروف عالمية وداخلية جديدة.‏
                                إنها إذ تحتفظ بأيديولوجيا خلقت عصبية في لحظة من اللحظات فإنها تتجاهل حياة الأيديولوجيا ذاتها.‏
                                فالأيديولوجيا التي انتصرت كفت عن أن تكون أيديولوجيا مستقبل لأنها تنهزم بانتصارها.‏
                                ولهذا فإن مأزق المصير الذي يشغل وعي الدولة الصهيونية هو ظاهرة لم تكن بالأصل حاضرة سابقاً.‏
                                ويتعين مأزق المصير في سؤال: ما هو مستقبل وجود دولة غريبة مرفوضة بالمنطقة؟ هنا، فإن الصهيونية لا تستطيع الإجابة على سؤال كهذا.‏
                                لأنه ليس من قبيل الأسئلة التي تجيب عليها الأيديولوجيا وإذا يتحصن الصهيوني بصهيونيته فإنه لا يستطيع أن يجيب إلا بالقول: سأبقى هكذا عنوة وبالقوة.‏
                                ولكن تناسب القوى متغير، كما هو متغير أيضاً وعي الناس. وبالتالي فإذا كانت الحرب أو الاستعداد للحرب ونفي الآخر هي المصير النهائي للدولة اليهودية، فإن مصيراً كهذا هو ولا شك قائم إلى حد بعيد على المستوى التاريخي.‏
                                إن الصهيونية غير قابلة للتغيير، وكل محاولة لتجديدها هو نفيها. ويجب أن لا نرى في مواقف بعض القوى اليسارية في "إسرائيل" تغيراً في الأيديولوجيا الصهيونية، بل انحيازاً عنها.‏
                                السؤال الثالث:‏
                                إن أية اتفاق أو اتفاقيات تعقد بين "إسرائيل" وأية دولة عربية أو طرف عربي في ظل غياب توازن القوى الحاصل الآن، هو اتفاق يعزز من قوة إسرائيل ويمدها بأسباب السيطرة.‏
                                والدولة القطرية اللاوطنية، التي لا تأخذ مصالح البشر بعين الاعتبار، إنما تعقد الكفاح الوطني العربي والفلسطيني، إذ تسوره باتفاقات لا متكافئة، وباسمها يمكن أن يزداد القمع للحركة الوطنية المناهضة "لإسرائيل".‏
                                ومع ذلك لا أظن أن ما أبرم من اتفاقات من قبل أطراف عربية مع العدو: أمر سيلغي الصراع، بل قد يخفف منه الآن.‏
                                ولما كانت المنطقة العربية غير مستقرة. وعرضة لهزات سياسية، أعتقد أنها قادمة لا محال، فإن مصير هذه الاتفاقات ستحددها الحركة اللاحقة للتاريخ.‏
                                السؤال الرابع:‏
                                أعتقد أن مشكلة المشكلات الراهنة للعرب ليس هو الربط بين الخاص الوطني والعام القومي، بل مشكلة الدولة القطرية ذاتها.‏
                                وبالتالي قبل التفكير في بناء حركة وطنية شعبية عريضة لمقاومة المشروع الصهيوني، أي إسرائيل، فإن علينا أن ننجز مهمة قيام الدولة الوطنية الديمقراطية. وفي عملية الكفاح من أجل قيام الدولة الوطنية الديمقراطية في كل قطر من الأقطار، فإن تحالفاً بين القوى الوطنية الديمقراطية قد ينشأ مع الزمن. طارحاً بالضرورة سبل الخلاص المتعددة، الخلاص من أشكال الاضطهاد، سواء الذي تمارسه الدولة القطرية، أو الذي يمارسه العدو القومي، وإذا كان البعض يرى مثلب الحركة القومية في عدم أخذها بعين الاعتبار الخصوصية القطرية فإن: إن كان حسن النية قلنا: أن الخصوصية التي يبالغ بها الآن محدودة التأثير. إنما يراد بها أن تكون علاقة تمايز.‏
                                أية خصوصية ثقافية أو اجتماعية لكل بلد من بلدان المشرق العربي، وخاصة بلاد الشام والعراق. أننا إذ لا ننفي الخصوصية، فإننا لا نعتبرها عامل سلب للكفاح.‏
                                ولكن الكفاح محكوم بدولة هي الآن ذات سيادة مزعومة. من هنا تبرز خصوصية الكفاح في كل قطر عربي.‏
                                وهي ليست خصوصية ثقافية، تحدد تمايزاً مطلقاً بين أقطار الوطن العربي.‏
                                وعلى أية حال، فإن الكفاح الوطني هو بالضرورة كفاح قومي. وإذا انتصر مفهوم الوطن والمواطن فإن ذلك سيكون انتصاراً لمفهوم الأمة.‏
                                وبالتالي ستولد بالضرورة، حركة عامة وستجد نفسها أمام أهداف كبرى. وتعيد إنتاج المشروع القومي في ضوء إنجازاتها، لا في ضوء خصوصياتها.‏
                                السؤال الخامس:‏
                                لأن المشكلة الراهنة هي مشكلة السلطة السياسية في الوطن العربي بما يتمخض عنها من نتائج مجتمعية وسياسية واقتصادية. فإن الخروج من المأزق الراهن يحتاج إلى جملة توسطات. أهم توسط منها تفكك العلاقة بين الدولة والثورة والدولة والملكية أقصد بفك العلاقة، أن لا تعود الدولة وسيلة للثورة، ولا تغدو الدولة ملكية خاصة لفئة أو لفرد.‏
                                وهذا يتطلب قبل كل شيء كفاحاً من أجل الديمقراطية، هذا الكفاح في صورته العامة يجب أن يكون شعبياً وليس نخبوياً، أو سرياً.‏
                                إنه كفاح علني، يبدأ من الأحزاب مروراً بالعصيان وانتهاءاً برمي الحجر.‏
                                والدولة ليس باستطاعتها أن تقمع حركة شعبية واسعة إلى ما لا نهاية، لا سيما وأنها دولة، رغم كل أدوات القمع التي تملكها هي ضعيفة، بل إن ضعفها هو الذي يفسر استشراس قمعها.‏
                                إن الحركة الشعبية داخل كل قطر، وبالعلاقة مع الأقطار الأخرى، وهي تطرح كل مشكلاتها مشكلة الخبز والحرية والاستقلال والكرامة الوطنية والتحرر، والمواجهة مع العدو القومي، فإنها تحقق تدريجياً الأهداف التي بمقدورها أن تحققها. أي لا تستطيع حركة شعبية داخلية أن تحقق كل ما تريد دفعة واحدة. إن توسطات الأهداف وتوسطات النجاح، وتوسطات الإخفاق، كل ستصب في لحظة التحرر الضرورية تاريخياً.‏

                                إذا الشعب يوما أراد الحياة
                                فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                                و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                                و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                                تعليق

                                يعمل...
                                X