إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

كتاب / العولمة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتاب / العولمة



    كتاب / العولمة

    للمؤلف / سليمان صالح


    مقدمة
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد:
    فإنَّ جهود اليهود والنصارى في إذابة الفوارق بينهم وبين المسلمين كثيرةٌ جدًا منذ بدء الرسالة حتى يومنا هذا، فقد أخبر تعالى عنهم بأنهم:
    }وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً{ [النساء: 89]
    وأخبر بأنهم يحسدون المسلمين على ما آتاهم الله من فضله، فهم يهرعون إلى كلِّ ما من شأنه أن يساويهم مع المسلمين، لعلَّه يشفي شيئًا مِمَّا في صدورهم.
    ومن ذلك سعيهم الحثيث إلى ما يُسمى بـ«العَولَمة» التي شاع مصطلحها بين الناس واختلف في تعريفها مُفكِّروهم وحكماؤهم، وما هي إلا مكيدةٌ تُضاف إلى سجل مكائد اليهود والنصارى عبر التاريخ.
    وفي هذه الرسالة سوف أقوم بالتعريف بهذا المصطلح من خلال نقل كلام العارفين به، ثم أعقبه بنقل فتاوى أئمَّة الإسلام في هذا الزمان حول موضوع تكفير اليهود والنصارى، هذا لكي لا ينحرف مسلم إلى أهداف الأعداء فيبدأ بالتشكُّك في كفرهم أو استحقاقهم الخلود في النار مهما كانت حضارتهم المادية، وهو هدف يسعى له أعداء الإسلام.
    والله أسأل أن ينفع بهذه الرسالة من قرأها ليكون على بصيرةٍ مما يُحاك لأمته.
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
    المؤلف

    & & &


  • #2
    رد: كتاب / العولمة

    العولمة
    مصطلح «العولمة» مصطلح جديد في طرحه الآن في هذه المرحلة، لكنَّ التخطيط له بدأ منذ وقت مبكر .. وهذا المصطلح يعني:
    «عالمية العادات والقيم والثقافات لصالح العالم المتقدم اقتصاديًا»...
    وبمعنى آخر: «محاولة سيطرة قِيَم وعادات وثقافات العالم الغربي على بقية دول العالم، خاصة النامي منها، بشكل يؤدِّي إلى خلط كافة الحضارات، وإذابة خصائص المجتمعات، هذا بالإضافة إلى تهميش العقائد الدينية»([1]).
    يقول د. عدنان الشخص:
    إنَّ العولمة هي ظاهرة الانتماء العالمي بمعناه العام، وهي تعبير مختصَر عن مفاهيم عدَّة، فهي تشمل الخروج من الأطُر المحدودة (الإقليمية والعنصرية والطائفية وغيرها) إلى الانتماء العالمي الأعم، ففي جانبها الاقتصادي تشمل الانفتاح التجاري وإلغاء القيود التجارية، وتوفير فرص للتبادل التجاري الواسع محكومًا بقواعد السوق فقط بدون وجود إجراءات حماية حكومية. وفي جانبها الفكري والثقافي هي الانفتاح الفكري على الآخر وعدم الانغلاق على الذات، ورفض التعصب الفكري الذي يدعو لإلغاء الآخر، لا لشيء سوى أنه مغاير في الفكر. وفي جانبها السياسي هي شيوع تطبيق القانون على الجميع ومراعاة الحقوق الأساسية للإنسان .. فهي باختصار الشعور بالانتماء الكبير (العالمي) بدلاً من الاقتصار على الانتماء المحلي (الإقليمي، العنصري، الطائفي .. الخ([2]).
    ويقول الأستاذ/ مطلق العنـزي مدير تحرير صحيفة «اليوم»:
    ...أمَّا العولمة الثقافية والاجتماعية والسياسية فهي واقعٌ كان مستمرًّا منذ فترة طويلة، ولكنه بدأ يأخذ شكله الجدِّي بعد انهيار الاتحاد السوڤيتي([3]).
    ويرى الدكتور محمد بن علي العقلا عميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى أنَّ هناك أهدافًا غير معلنة لهذا التوجه العالمي الجديد، وكما يقول:
    ... ومن أبرز هذه الأهداف محاربة الإسلام بما ينطوي عليه من مبادئ وقيم سامية ومنهج في التطبيق لا يعلو عليه أيُّ منهج آخر، وهو ما يتعارض مع مصالح العالم المادي الغربي الذي يُساند تيار العولمة بكلِّ ما يملك([4]).
    وسواء كانت «العولمة» تعني الكوكبة أو الكونية أو سيادة النموذج الرأسمالي وهيمنته على العالم، فإنَّ النظام العالمي الجديد الذي بدأ يسود في العالم مع بداية العقد الأخير من القرن العشرين قد أفرز العديد من النظريات والمصطلحات، منها: نظرية «نهاية التاريخ» التي تبنَّاها المفكر الياباني الأصل فوكوياما، والذي اعتبر نهاية الشيوعية وسقوط الاتحاد السوڤيتي نهاية للتاريخ بانتصار الرأسمالية، ونظرية «صراع الحضارات» لأستاذ العلوم السياسية الأمريكي صامويل هينتنجتون، الذي اعتبر نهاية الحرب الباردة وانتصار المعسكر الغربي على المعسكر الشرقي بداية لصراع طويل وممتد بين الغرب النصراني وحضارته الغربية، والشرق المسلم وحضارته الإسلامية. وأيضًا بروز بعض الأفكار والنظريات الأخرى مثل: «ما بعد الحداثة» وغيرها حتى الوصول إلى مصطلح «العولمة».
    وقد عُقدت العديد من الندوات والمؤتمرات العلمية لمناقشة مصطلح «العولمة» وأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإن كانت معظمها انطلقت في إطار التوجُّه المؤيِّد للمصطلح، الذي يؤيِّده أصحاب التوجُّه «الليبرالي»، أو المعارضين لها من منطلق أنها «أَمرَكة» أو «تصبُّ في خانة الرأسمالية»، من أصحاب التوجهات اليسارية والماركسية .. وللأسف لم نجد في العالمَين العربي والإسلامي ندوة علمية منهجية تتناول مفهوم «العولمة» من منظور إسلامي..!
    ولعلَّ أبرز الندوات والمؤتمرات التي ناقشت قضية العولَمة خمسة مؤتمرات في أقلّ من ثلاثة أعوام.
    كما أنَّ بعض الهيئات والمؤسَّسات والتنظيمات الكبرى في العالم العربي لم تتطرَّق لمناقشة هذه القضية، مثل الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي، أو رابطة العالم الإسلامي!
    وإذا كان مؤتمر المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة حاول أن يناقش البُعد الثقافي للقضية وخطورة «العولمة» على الثقافة العربية، إلاَّ أنَّ الوجوه التي دُعِيت للمؤتمر وقدَّمت أبحاثًا كانت من المؤيِّدين لـ «العولمة» لأنها «انفتاح على ثقافة الغير»..!
    وانصبَّ اهتمام المؤتمر في الأساس على «العولمة والهوية الثقافية»، أما الندوة الخاصة بـ«العولمة والاتجاهات المجتمعية في الوطن العربي» المنعقدة في المؤتمر ذاته القاهرة فقد انصبَّ اهتمامها في الأساس على البُعدَين الاقتصادي والاجتماعي، واهتمَّت - كما جاء في الدراسة التي أعدَّها المفكر الاقتصادي سمير أمين - على «تحليل العولمة وتأثيراتها وآلياتها»، وناقش المسألة من منظور أيديولوچي، وقدَّمت الندوة رؤية لمناخ العصر .. وإن كانت انصبَّت على محاكمة النظام العالمي الجديد والقوَّة المهيمنة على العالم وتمركز الحضارة الرأسمالية حول أفكار اقتصادية، الأمر الذي انعكس – بالطبع – على الهيمنة الرأسمالية على الجوانب السياسية والثقافية والاجتماعية، ولكنَّ المؤتمر أغفل الجوانب الاجتماعية للعولمة وآثارها على حياة الشعوب وقيمها وسلوكياتها.

    ^ ^ ^





    ([1]) مجلة اليمامة (العدد 1507) تحقيق عن العولمة (ص22-25).
    ([2]) المصدر السابق.
    ([3]) جريدة الاقتصادية، الخميس (1/3/1419ﻫ).
    ([4]) المصدر قبل السابق. وانظر: تحقيقًا مهمًا عن العولمة في مجلة الفرقان الكويتية (عدد 99).

    تعليق


    • #3
      رد: كتاب / العولمة



      تحفظات مبدئية
      ولكن إذا كان هذا الاهتمام الكبير بـ«المفهوم» والمصطلح والآثار المترتبة عليه فإنَّ هناك من يُبدي تحفظات مبدئية على العولمة وعلى الذين يُبشرون بها، وأبرز هؤلاء الدكتور محمد عمارة .. يقول د. عمارة:
      العولمة لا تُثمر اعتمادًا متبادلاً، ولا تُثمر العالمية التي هي مطمح الشعوب وأمل الحضارات ومطلب المستنيرين، إنما العولمة لا تُثمر سوى تزايد الخلل في علاقات الأقوياء بالمستضعفين الساعين إلى النهوض والانعتاق من مأزق التخلُّف والاستضعاف، والذين يُبشرون بالعولمة هم الكذبة الذين صكَّ الإعلام الغربي لهم مصطلحها، وقذف به إليهم، وهم أشبه بحال المثقَّف المعطَّل عن العمل.
      ودلَّل د. محمد عمارة على كلامه بما سبق للإعلام الغربي وقذف به إلى "هؤلاء" من مصطلحات «الحداثة»، فانشغلوا به وشغلوا الشعوب به عقودًا من السنين، وبعد هذه العقود جيء بمصطلح «ما بعد الحداثة» التي هي تفكيك للأنساق الفكرية الحداثية، وها هم يُبشِّرون الآن بـ«العولمة» .. وللأسف لا باعتبارها خيارًا من أحد الخيارات المطروحة، وإنما – والكلام للدكتور عمارة – هي: قدرٌ لا سبيل إلى الفرار منه، في الوقت الذي يسخرون من قضاء الله وقدره!([1]).
      في مقابل ذلك هناك الاتجاه المؤيد بلا تحفظ لـ«العولمة» وضرورة «الانفتاح على الثقافة العالمية» و«تطوير ثقافتنا وقيمنا، بل وسلوكياتنا» وأنها «حتمية لا بدّ منها» لأنَّ الأقوى ثقافيًّا وفكريًّا وينشر مفاهيمه وسلوكياته..!
      ويُدلِّل هؤلاء على الأنماط الاستهلاكية التي بدأت تسود العالم الإسلامي، بدءًا من مشروب الكوكاكولا والبيبسي وسندويتشات الهامبرجر والمطاعم والملابس والأفلام والمسلسلات والتقاليع الغربية، حتى الأنماط الشاذة في الغرب وجدت صدى لها في الشارع العربي.
      ^ ^ ^

      الهيمنة السياسية ..أولاً!!
      وبغضِّ النظر عن دفاع البعض المستميت عن «العولمة» وتحفظ البعض اللامحدود عليها، فإنَّ لـ«العولمة» أبعادها السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية، وآثارها الكبيرة التي ستنعكس حتمًا على العالم الإسلامي .. وسوف نتناول بالتفصيل الجوانب والأبعاد المختلفة لظاهرة العولمة.
      فالعولمة في الأساس نتاج انهيار نظام عالمي كان يقوم على «القُطبية الثنائية» بانهيار أحد أقطاب النظام – وهو الاتحاد السوڤيتي – بل وزواله تمامًا، بانتهاء الحرب الباردة وسيادة قُطب واحد أخذ يُسيطر على هذا العالم سياسيًا وعسكريًا، الأمر الذي أحدث هوَّةً عميقةً وخللاً كبيرًا في المنظومة السياسية العالمية، وفي ظلِّ عدم التكافؤ في القوة والإمكانات بدأ الخلل يظهر، ولمعالجة هذا الخلل وجدنا من يُبشِّر بقيام نظام عالمي جديد قوامه «سيادة حقوق الإنسان» و«الحرية والديمقراطية» و«دور أكبر ومؤثر للأمم المتحدة في حلِّ المنازعات سِلميًا»، وظهرت آثار هذا النظام في إنهاء التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا ونهاية حكم الأقلية البيضاء وبداية حكم الأغلبية السوداء، وبدأ يذوب الجليد بين واشنطن وبكين بعد عداوةٍ طويلة، وأخذت واشنطن تلعب الدور الأكبر في صُنع السياسة الروسية، ونجحت في "تطويع" الكرملين بتنصيب يلتسين رئيسًا ودعمه وتأييده بلا حدود.
      وأخذت معالم النظام العالمي الجديد تتَّضح أكثر وتأخذ أبعادًا متناقضة، فالشرعية الدولية تتدخَّل لتفرض قوانين وقرارات الأمم المتحدة في مكان وتتغاضى عن تنفيذ هذه القوانين في مكان آخر!.. فتحكَّمت «المصالح الدولية» في تسيير دفَّة هذا النظام، وتحكَّمت الشركات متعدِّدة الجنسيات في صُنع القرار السياسي، فهناك أكثر من «200» شركة متعددة الجنسيات هي التي تصنع اليوم القرار السياسي.
      وظهرت سياسة «الكيل بمكيالين»، حيث يُطبِّق النظام العالمي الجديد قرارات الأمم المتحدة بحذافيرها في مكان، ويتجاهل تمامًا القرارات هذه المنظمة الدولية في مكان آخر، الأمر الذي دفع د. كلوفيس مقصود مدير مركز عالم الجنوب في الجامعة الأمريكية في واشنطن إلى وصف هذا النظام الجديد بـ«الفوضى» وقال:
      لا هو نظام عالمي ولا هو جديد، بل هو فوضى متميِّزة بنـزاعات إقليمية تُعيد إلى الواجهة تيارات فكرية كنا اعتقدنا أنها مرَّ عليها الزمن([2]).
      فالذي نشاهده اليوم في ظلِّ هذا النظام الجديد، والتبشير بـ«العولمة» دولاً تفكَّكت كما حدث - ويحدث - في أفغانستان والصومال والكونغو الديمقراطية، ومذابح ضدّ الإنسان ارتُكِبَت - وتُرتَكب - دون تحقيق دولي، كما حدث في البوسنة والهرسك وفي كوسوفو – في قلب أوروبا – وكما حدث في رواندا حيث أُبيد أكثر من نصف مليون مواطن دُون أن تُحرِّك القوى المهيمنة ساكنًا، بل إنَّ تدخُّلات الشرعية الدولية في بعض المناطق أدَّت إلى نتائج عكسية..!
      ففي البوسنة سقطت «سربرنيتشا» وأباد الصرب أكثر من أربعة آلاف مسلم وهي تحت الحماية الدولية وحماية أصحاب القبعات الزرقاء، وفي الصومال تدخَّلت الأمم المتحدة فكانت الكارثة، زادت الصراعات وزاد القتال، حتى المحاكمات لِمجرمي الحرب التي صدرت بها قرارات من مجلس الأمن الدولي لم تُنفَّذ سواء ضدّ مجرمي الحرب في البوسنة أو في رواندا، وحتى المواثيق والمعاهدات الدولية لم تُحترم ولم تُنفَّذ، مِمَّا جعل المُنبهِرين بالنظام العالمي الجديد وبإفرازاته السياسية والاقتصادية والثقافية يتضجَّرون من هذا النظام وتناقضاته.
      فالنظام الجديد الذي حاول – سياسيًا – عولمة الـ«ديمقراطية» ومنظوره الخاص لـ«حقوق الإنسان» وفهمه لـ«الحرية» تجاهل تمامًا وضعية الشعوب الأخرى وظروفها ومتطلّباتها، وكان النتاج عولمة الفقر إضافة إلى عولمة السوق، واستقطاب جديد من الشمال الغني المسيطر للجنوب الفقير، وتبنِّي القوى الدولية للقضايا التي تُريد ما دامت مصلحتها تقتضي ذلك، وتتجاهل قضايا أساسية لعدم وجود مصلحة لها.


      ^ ^ ^


      ([1]) جريدة الشعب، العدد (1286).
      ([2]) جريدة الحياة، العدد (12962).

      تعليق


      • #4
        رد: كتاب / العولمة



        العولمة والهوية الثقافية
        وإذا كانت الأخطار السياسية والاقتصادية لظاهرة «العولمة» أخذت تظهر بصورة واضحة في هيمنة الدول الصناعية والشركات المتعدِّدة الجنسيات على التوجُّهات السياسية لدول الجنوب واقتصادياته فإنَّ الخطر الأكبر الذي تُمثِّله هذه الظاهرة ينسحب على الجوانب الثقافية والفكرية، فالدول الكبرى تُريد أن تفرض ثقافتها وأنماطها الفكرية على دول العالم الثالث بتعميم النموذج الغربي في العالم..
        وهنا يطرح محيي الدين اللاذقاني سؤالاً مهمًّا ومحوريًّا بعد أن تناول الأبعاد الحقيقية لظاهرة العولمة، وهو: «هل النموذج الغربي نفسه قابل للتعميم بعد اقترابه من الإفلاس وفشل تجارب قَرنين من التغريب الغربي للعالم، وشعوبه؟!».
        وحاول بعض المفكِّرين الإجابة على هذه السؤال المهم، فالدكتور محمد عمارة يرى أنَّ الذين يُبشِّرون بالعولمة لا يعتبرون الأمر خيارًا من خيارات متعدِّدة، بل أمرًا حتميًّا لا بدَّ من الالتزام به، وهذا يعنِي الخضوع تمامًا للهيمنة الغربية، ولذلك لا بدَّ من المواجهة، فالنموذج الغربي فشل حتى في الغرب فكيف يُعمَّم؟!
        أمَّا الدكتورة نعمات أحمد فؤاد ([1]) فتُجيب على السؤال السابق من زاوية هامة، وهي أنَّ انتشار الإسلام - وخاصة في الغرب - أقلق الدوائر الغربية، وجعله يلجأ لاتهام الإسلام بالإرهاب وهم يعلمون جيدًا في قرارة أنفسهم أنه انتشر انتشارًا سريعًا لسلامته ودعوته الموصولة، واحترامه لحقوق الإنسان، عقله ورأيه وعقيدته وتركيزه على العدل، وأنَّ المخططات الغربية لا تريد للعالم الإسلامي وللعالم الثالث النهوض سياسيًا أو اقتصاديًا أو ثقافيًا .. فالغرب لا يُريد فقط تعميم النموذج الغربي – والكلام ما زال للدكتور نعمات أحمد فؤاد – بل إنَّ الهدف الأساسي من «العولمة» تشكيك أُمم الحضارات العريقة في حضاراتها ونفسها وعقائدها وتغريب إنسانها في أفكاره ومناهج تعليمه، بل حتى في طراز عمارته وأسلوب حياته، بل في طعامه وشرابه، وهذا عن طريق انتشار المطاعم الغربية، وكتابة الأسماء بغير اللغة العربية..!
        إنهم يريدون «أمركة» كلِّ شيء!.. فالغرب الذي يُريد أن يفرض نموذجه الثقافي والفكري ويُبشِّر بنظامه السياسي القائم على «الحرية» و«الديمقراطية» و«حقوق الإنسان» و«دور أكبر للأمم المتحدة» ويسكت عن الجرائم التي تُرتكب في كوسوڤو وغيرها، ويؤيِّد بعض الإجراءات التي اتُّخِذت ضد الديمقراطية، بل ويتعامل مع من انقلبوا على الديمقراطية .. والغرب برمج العالم للتكيُّف مع مقتضيات الوضع الحالي الجديد وهو:
        • نهاية الحرب الباردة بزوال الاتحاد السوڤيتي وسيادة قوى سياسة واحدة.
        شنّ حرب شرسة ضدّ الإسلام وحضارته، وتصويره أنه «العدو البديل» للشيوعية، وأنَّ صراع الحضارات «صراع بين الغرب الصليبي والشرق المسلم».
        • هيمنة صندوق النقل الدولي وتحكمه في رءوس الأموال وحركة التجارة.
        الجات وفتح الحدود أمام البضائع والتضييق على حرية انتقال الأفراد واتخاذ كافة الإجراءات ضدّ الأجانب وإقامتهم في الغرب.
        • إطلاق يد الشركات متعدِّدة الجنسيات في العالم وتحكُّمها في اقتصادياته، دون النظر إلى دورها في انهيار الأسواق المالية في جنوب شرق آسيا.
        فالعولمة كما يقول بعضهم «هوية بلا هوية»، فالغرب يريد فرض نموذجه وثقافته وسلوكياته وقيمه وأنماط استهلاكه على الآخرين، وإذا كان الفرنسيون يرون في العولمة «صيغة مهذبة للأمركة» التي تتجلَّى في ثلاثة رموز هي: سيادة اللغة الإنجليزية كلغة التقدم، والاتجاه نحو العالمية وسيطرة سينما هوليود وثقافتها الضحلة وإمكاناتها الضخمة، ومشرب «الكوكاكولا» وشطائر «البرجر» و«كنتاكي» ..الخ.
        وإذا كانت فرنسا رأت هذا وتريد استثناءها ثقافيًا داخل اتفاقيات الجات لحماية منتجاتها الثقافية، وعلى رأسها السينما، لأنَّ الفرنسيين سبقوا – تاريخيًا – هوليود في هذا المجال؛ فإنَّ هوليود رأت في ذلك، كما جاء على أغلفة مجلة «تايم» الأمريكية، «الحرب بين أوروبا وهوليود» .. فماذا عن العالم الإسلامي الذي لا يمتلك واحدًا على الألف من إمكانات هوليود – ولا فرنسا - ماديًا وفنيًا وتقنيًا..!

        ([1]) جريدة الأهرام.

        تعليق


        • #5
          رد: كتاب / العولمة



          الإعلام ذراع العولمة
          وتستخدم قوى العولمة الإمبراطورية الإعلامية الضخمة التي يملكها في فرض العولمة والسيطرة وتحقيق أهدافه، في «مجتمع الإعلام العالمي» يسير على خط مواز مع «العولمة»، فالإعلام العالمي من مؤسسات احتكارية إعلامية وسلاسل إعلامية تملك كلَّ الوسائل التقنية من أقمار صناعية وشبكات اتصالات حوَّلت العالم إلى قريةٍ صغيرةٍ متواصلة، وشبكة الإنترنت وثورة المعلومات التي أحدثتها حوَّلت العالم إلى شيءٍ صغيرٍ متصل، فالشركات المتعدِّدة الجنسيات الـ200 المسيطرة على معظم رءوس الأموال في العالم لا تنأى بنفسها عن السيطرة على «المجتمع الإعلامي»..
          ولا تنسَ دور اللوبي الصهيوني الذي يُسيطر على الإعلام الأمريكي، والذي استطاع بسرعةٍ خاطفة السيطرة على الإعلام الروسي بعد سقوط الاتحاد السوڤيتي وانهيار أحلام الشيوعيين، وحاجة المؤسَّسات الإعلامية الروسية إلى رءوس الأموال للاستمرارية بعد أن تخلَّت عنها الدولة وسحبت عنها الدم، فاشترى رأس المال الصهيوني معظم أسهم هذه الشركات وتحكَّم فيها .. بل إنَّ رأس المال الصهيوني يتحكَّم بـ«المنع» و«المنح» في السيطرة على كمٍّ من الشبكات الإعلامية في العالم من خلال الإعلانات والمواد الإعلامية المنتجة، وتُسخِّر هذه القوى الإعلام العالمي في إنتاج المواد الإعلامية التي تتبنَّى وجهة نظرها..
          ومن ثمَّ فالإعلام العالمي، أو «القوة الناعمة» الخاضعة تمامًا للسيطرة الصهيونية، والتي تمسك بخيوطها تمامًا، تسير في السيطرة مع الـ«القوة الغاشمة» العسكرية في فرض «العولمة» على الآخرين، فوظيفة «المنظومة» الإعلامية الأمريكية هي أن تسلِّي وتُلهِّي وتُعلِّم وتُرسِّخ القيم والمفاهيم والمعتقدات وأنماط السلوك الأمريكي على الآخرين، كما يرى أحد الخبراء الأمريكيين، ولتحقيق ذلك صارت ميزانية الإعلام موازية تمامًا لميزانية الدفاع في بعض الدول، فإحصاءات؛ عام 1986م تقول إنه بلغ رقم اقتصاد الإعلام في الغرب والاتصالات مبلغ 11865 بليون دولار منها 515 بليونًا للولايات المتحدة الأمريكية، و 267 بليونًا للجماعة الأوروبية و253 بليونًا لليابان، و 150 بليونًا فقط للآخرين في العالم، هذه الميزانيات الضخمة للإعلام في «الشمال» جعلته يتحكَّم بقوة في الإعلام المتدفِّق في اتجاه الجنوب، الأمر الذي أحدث خللاً في المنظومة الإعلامية..
          وقد فشلت جميع الجهود والمبادرات التي بُذِلت في إطار الأمم المتحدة لوضع أسُس لـ«قيام نظام إعلامي جديد» يُحقِّق التوازن بين الشمال والجنوب!

          ^ ^ ^

          تعليق


          • #6
            رد: كتاب / العولمة



            استراتيچية المواجهة
            والآن بعد كلِّ ذلك..
            هل تملك الدول العربية والإسلامية إستراتيچية لمواجهة «العولمة» السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية؟!
            وهل يستطيع «الجنوب»، والعالم الإسلامي في جزءٍ منه، مواجهة هذه الأخطار رغم الظروف السياسية والاقتصادية وتخلُّفه الإعلامي والتِّقَني أم يظلُّ أسيرًا للعولمة؟
            وهل يكون على «الجنوب» فقط تنفيذ سياسات الدول التي تحكم وتُسيطر وتُهيمن وتُدير عملية «العولمة»، وهل يغلق العالم الثالث الباب أمام العولمة السياسية والاقتصادية والثقافية ويعيش في عُزلة تامة رغم استحالة ذلك أم ماذا يفعل؟!
            الحقيقة أنَّ العالم الإسلامي – والثالث عمومًا – ليس أمامه إلا مواجهة طوفان العولمة، والتكتل سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا لمواجهة هذه الأخطار، والأخذ بأسباب القوة العسكرية والسياسية والإعلامية للتحصُّن من هذه الأخطار.
            ولا بدَّ من مشروع حاضر شامل على المستويَين العربي والإسلامي لمواجهة هذه الأخطار، وفكرة هذه المشروع مطروحة منذ سنوات، وهي تعني في المقام الأول رؤية متَّسقة للعالم تُصاغ على أساسها سياسات اقتصادية وثقافية متكاملة من شأنها إعادة تشكيل المجتمع وفق خطط ترقَى إلى مستوى التحدِّي الراهن الذي تُمثِّله الثورة العلمية والتكنولوچية([1]).
            فهل آن الأوان لوضع هذا المشروع العربي والإسلامي الحضاري الأشمل موضع التنفيذ والأخذ بوسائل التقنية الحديثة للمواجهة والتحصن بشريعة الإسلام والانطلاق منها(!)، أم يصير العالم العربي والإسلامي كما هو في زمن «العولمة»؟([2]).
            ~ ~ ~
            وهنا يأتي السؤال:
            هل هناك علاقة ما بين «العولمة» وموضوع «تكفير اليهود والنصارى»، وإنّ كان ثمَّة علاقة، فما هي؟
            أقول:
            العلاقة بين «العولمة» وموضوع «تكفير اليهود والنصارى» علاقة وثيقة؛ إذ أنَّ هذا التكفير يتعارض تمامًا مع دُعاه العولمة الذين لا فرق عندهم بين «المسلم» و «الكافر»، فالجميع – ظاهريًا – سواسية كأسنان المشط في ظلِّ نظام العولمة، ولهذا سيسعون بمساعدة من "المتغرِّبين" من أُمتنا إلى محاولة إذابة هذا الموضوع في نفوس المسلمين لكي يختفي الاعتلاء الإيماني للمسلمين بدينهم على الآخرين في ظل هذا النظام الجديد.
            وفي ظنِّي أننا سنرى إلحاحًا على هذه المسألة – وهي عدم كفر اليهود والنصارى في كتابات "المتغرِّبين" من أمتنا، وفي حواراتهم خلال السنوات القادمة، لاسيما وأننا قد رأينا طلائع ذلك في بعض الكتابات التي تولَّى علماء المسلمين الردِّ عليها كما سيأتي([3]).
            والله أسأل أن يعصم كُتَّاب المسلمين وكاتباتهم ومفكِّريهم وعلماءهم من الخوض في هذه المسألة والجرأة على اقتحام أبواب «الردَّة» والانسلاخ من الإسلام تحت أيِّ مسمى من المسمَّيات المعاصرة.

            ^ ^ ^


            ([1]) جريدة الأهرام، 17 مايو 1998م.
            ([2]) مجلة الدعوة، العدد 1664.
            ([3]) وفي كتاب «إفحام النصارى»، طبع دار القاسم نماذج أخرى.

            تعليق


            • #7
              رد: كتاب / العولمة



              العــولمـة ([1])
              قَد شَاعَ في الدُنيَا أَخيرًا وذَاع




              ميلاد شيء اسمه (العولمة)


              وردَّدتهُ ألسُنٌ عدَّة




              ما بَين حَيرَى فِيه ومُستَسلِمَه


              يَدعُو لأن يَشملَ هَذا الورَى




              كَافِرَهُ، بُوذيه، مُسلِمَه


              ثَقافَةٌ وَاحدَةٌ، طَيُّهَا




              أَدلِجَة ضَمنها مُعجَمَه


              دُعَاتُه في العَصرِ أَهلُ القُرى




              مَن يَملِكُ الأَجهِزَةَ الأَنظِمَة


              هَذِه الأَقمَارُ تَجُوبُ الفَضَا




              وَالانتَرنِت الفَذ، مَا أَفخَمَه!


              تَغزُو عُقولَ النَّاسِ فِي دُورِهِم




              تَدخُلُ فِي الغُرَفِ المُظلِمَة


              ومَا لَنَا فِي دَفعِهَا حِيلةٌ




              أسمَاعُنا تَلقفُها مُرغمَه




              نَتيجَةُ الأمرِ انهزَامُ الضَّعِيفِ




              وَعزلُهُ فِي هُوَّةٍ مُظلِمَة


              وَالهَيمَنةُ الرَّعنَا عَلى فِكرِه




              وَشحنُهُ بالدَّجلِ وَالهذرمَه


              وحَربٌ شَعواءُ عَلى دِينِه




              في خُطَّةٍ بَارِعَةٍ مُحْكَمَه


              تَغتَالُ مِنْ فمِهِ قوَّتَه




              وَمِن يَدَيهِ تَسلُبُه دِرهَمَه


              ونَحنُ عَنْ خَصمٍ لَنَا لا نَعِي




              ما حَاكَهُ سِرًّا ومَا أبرَمَه


              ولَيس نَصحُو مِن سُباتٍ لنَا




              حتى يَلُفَّ الحَبلَ بِالغلقَمة


              فيا حُمَاةَ الدِّينِ، هيَّا انْهضُوا




              في عَزمةٍ صَادقَةٍ صَارِمَة


              نُواجِهُ الأَعدَاءَ بأُسلُوبِهم




              بلُغةٍ عَصريَّةٍ مُلجمَه


              وتَنصُرُ الإسلامَ فِي حِكمَةٍ




              وحُجَّةٍ مُقنعَةٍ مُفهِمَه


              ومَنهَجٍ مُنفَتِحٍ شَامِلٍ




              يُفضِي بعَونِ اللهِ إلَى «الأَسلَمَه»



              فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
              قال حفظه الله:
              الحمد لله الذي ارتضى لأمَّة محمد r دين الإسلام، وجعل شريعة محمد r خاتمة الشرائع وأكملها، وأرسل بها أفضل خلقه محمدًا r .. وبعد:
              فقد اطَّلعت على ما نُشر في جريدة «اليوم» العدد «4080» بتاريخ 12/8/1404هـ الصفحة الأخيرة تحت عنوان: «معبد غريب للسيخ في الإمارات» نقلاً عن وكالة أنباء الخليج .. وقد جاء في ذلك الخبر ما يلي:
              ووصف أحد علماء المسلمين في دبي هذا المعبد بأنه يُشكِّل خطرًا كبيرًا على المسلمين وينبغي إزالته، وقال إنَّ الديانات المسموح بها في الإمارات هي التي لها كتابٌ سماويٌّ فقط، أمَّا ما عدا ذلك فهي معتقدات كافرة ينبغي إزالة معابدها ومنعها من ممارسة طقوسها حتى لا تؤثر على المسلمين في هذه الأرض.
              انتهى كلامه

              ومن يقرأ هذا الكلام يُدرك منه أمرين:
              الأول:
              إنَّ اليهودية والنصرانية مسموحٌ بهما في الإمارات، سواء الانتماء إليهما أو إقامة معابد لها أو مزاولة كافة طقوسهما .. ومعنى ذلك أنَّ التبشير النصراني علنيٌّ ومسموحٌ له رسميًا هناك .. وهذا أمرٌ خطير.
              والأمر الثاني، وهو أخطر من الأول:
              الحكم ضمنًا من واقع كلام هذا المتحدث بأنَّ الديانات السماوية كاليهودية والنصرانية ليست كافرة، وبالتالي فإنه إذا كان الأمر كذلك يجوز الدخول فيهما والانتماء إليهما والدعوة إليهما والتبشير بهما.
              ولن أتعرَّض لمعبد السيخ هذا؛ لأنَّ الخبر جاء فيه بأن الشيخ عبد الجبار الماجد مدير أوقاف دبي قال بأنَّ البلدية سوف تُزيل هذا المعبد فجزاه الله خيرًا؛ لأنَّ وجود هذا المعبد يتضمَّن الدعوة إلى عبادة الأوثان التي يجب إنكارها.
              أمَّا هذا الكلام السابق فمعلوم ما فيه من بطلان وغلط، فإنَّ الدين الإسلامي هو الدين الصحيح المطلوب من أهل الأرض .. قال الله تعالى: }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ [آل عمران: 85]، وقال تعالى: }إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ{ [آل عمران: 19، 20].
              هذا وقد وصف الله سبحانه وتعالى اليهود والنصارى بالكفر لِما قالوه عن الله، وبما حرَّفوه وغيَّروه في كُتبهم، وتجاوزهم الحدَّ في القول والعمل تبعًا لِما تصف ألسنتهم وتستهوي نفوسهم، قاتلهم الله أنى يؤفكون .. قال الله تعالى: }لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا{ [المائدة: 17].
              وقال تعالى:
              }لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [المائدة: 72-74].
              وقال تعالى: }وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ{ [التوبة: 30، 31].
              والآيات الكريمات في هذا المعنى كثيرة، مما يُعلم معه بأنَّ الديانة اليهودية والديانة النصرانية قد نُسختا بشريعة محمد r، وأنَّ ما فيهما من حقٍّ أثبته الإسلام، وما فيهما من باطل هو مما حرَّفه القوم وبدَّلوه حسب أهوائهم، ليشتروا به ثمنًا قليلاً، فبئس ما يشترون.
              فدين الإسلام هو الدين الصحيح المطلوب من أهل الأرض، وهو الدين الذي بشَّر به جميع الأنبياء .. روى النسائي عن النبي r أنه رأى في يد عمر بن الخطاب t ورقة من التوراة فقال: «أمتهوِّكون يا بن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية لو كان موسى حيًّا واتبعتموه وتركتموني ضللتم».
              وفي رواية: «لو كان موسى حيًا ما وسعه إلاَّ اتباعي».
              فقال عمر: رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبينًا([2]).
              وكما أنَّ عيسى u جاء مُجدِّدًا لديانة موسى u، وليُحلَّ لهم بعض ما حُرَّم عليهم كما في قوله تعالى: }وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ{ [آل عمران: 50، 51]
              فإنه سينزل في آخر الزمان ليُجدِّد رسالة محمد r: «يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية» رواه مسلم([3]).
              قال النووي في شرحه قوله «يضع الجزية»: أي لا يقبل إلا الإسلام أو السيف([4]).
              وعندما يرى هذه الآية أهل الأرض فعند ذلك يرجع لدين الإسلام من هدى الله قلبه، ويدخل فيه من أنار الله بصيرته من اليهود والنصارى؛ فيؤمن بعيسى بعدما ظهرت أمامه الآيات الساطعات التي تتجلَّى فيها أنوار الحقِّ الواضحة .. ويكون الإيمان بعيسى u في ذلك الوقت تصديق برسالة محمد r وبالدين الذي جاء به من عند ربِّه وهو الإسلام، حيث ينكشف الكذب ويظهر الزيف الذي أدخله الأحبار والرهبان على الديانة النصرانية واليهودية ليُضلُّوا الناس ويُلبسوا عليهم دينهم .. قال الله تعالى في قصة عيسى u مع أهل الكتاب الذين قالوا بأنهم قتلوه، موضِّحًا كذبهم، وأن منهم من سوف يؤمن بعيسى u قبل موته، لأنَّ الموت حقٌّ على جميع البشر في هذه الحياة الدنيا: }بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا{ [النساء: 158، 159].
              وهذا الموقف الذي أبانه القرآن الكريم جاء بعد أن وصفهم بالكفر في آية قبلها وهي قوله تعالى: }وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا{ [النساء: 156، 157].
              وفي عهد رسول الله r وبعد أن وضحت شريعة الإسلام لأهل الأرض دخل من أنار الله بصيرته من اليهود والنصارى في الإسلام بعد ما عرف الحق، وتبرَّأ من الاعتقادات التي تناقض شرع الله الذي شرَّع لعباده، وهي الوحدانية لله جلَّ وعلا وعدم الإشراك معه في العبادة والاعتقاد.
              ودين الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لأنبيائه منذ الأزل، قال الله تعالى: }إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ{ [آل عمران: 19].
              وقال تعالى: }وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ{ [البقرة: 130-132].
              ودين الإسلام هو الطريق المستقيم الموصل إلى الله، كما ورد في تفسير سورة الفاتحة، فإنَّ العبد يدعو ربّه بأن يَهديَه إلى الصراط المستقيم، وأن يُبعده عن طريق «المغضوب عليهم»، وهم اليهود الذين عصوا الله عن علمٍ ومعرفة، وطريق «الضالين» وهم النصارى الذين يعبدون الله على جهلٍ وضلالة.
              ومما ذكرناه يتَّضح أنَّ الطريق إلى الله واحد، وهو دين الإسلام، وهو الذي بعث الله به نبيه محمدًا r كما بعث جميع الرسل، وأنَّ جميع ما خالفه من يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو وثنية أو غير ذلك من نِحَل الكفر كلّه باطل، وليس طريقًا إلى الله، ولا يوصل إلى جنته، وإنما يوصل إلى غضبه وعذابه كما قال تعالى: }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ [آل عمران: 85].
              وقال النبي r: «لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلا كان من أهل النار» رواه الإمام مسلم في صحيحه([5]).
              والله المسئول أن يمنحنا وجميع المسلمين الفقه في الدين والثبات عليه، وأن يُصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يهدينا جميعًا الصراط المستقيم، وأن يُجنِّبنا طريق المغضوب عليهم والضالين، إنه ولي ذلك والقادر عليه .. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم([6]).

              ^ ^ ^


              ([1]) للشاعر أحمد حسني شرف الدين، عضو مجمع اللغة العربية نُشرت في جريدة الرياض بتاريخ (16/2/1419هـ).
              ([2]) أخرجه أحمد والدارمي وحسنه الألباني في تعليقه على المشكاة (1/63).
              ([3]) أخرجه مسلم (155).
              ([4]) شرح مسلم للنووي (2/190).
              ([5]) أخرجه مسلم (153).
              ([6]) مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز (1/185) نشر دار الوطن.

              تعليق


              • #8
                رد: كتاب / العولمة



                وقال سماحته في فتوى أخرى حول هذا الموضوع:
                الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد:
                فقد اطَّلعت على المقال المنشور في جريدة «الشرق الأوسط» تحت عنوان «الفهم الخاطئ»، وملخص المقال إنكار لِما هو معلومٌ من دين الإسلام بالضرورة وبالنصِّ والإجماع، وهو عموم رسالة محمد r إلى جميع الناس، وادِّعاؤه أنَّ من لم يتبع محمدًا r ولم يُطعه بل بقي يهوديًا أو نصرانيًا فهو على دينٍ حقّ .. ثم تطاول على ربِّ العالمين سبحانه في حكمته في تعذيب الكفار والعُصاة، وجعل ذلك من العبث!
                وقد قام بتحريف النصوص الشرعية ووضعها في غير مواضعها، وفسَّرها بما أملاه هواه، وأعرض عن الأدلَّة الشرعية والنصوص الصريحة الدالة على عموم رسالة محمد r، وعلى كُفر من سمع به ولم يتَّبعه، وأنَّ الله لا يقبل غير الإسلام دينًا ... إلى غير ذلك من النصوص الصريحة التي أعرض عنها لينخدع بكلامه الجُهَّال.
                وهذا الذي فعله كاتب هذا المقال يُعدُّ كفرًا صريحًا وردَّةً عن الإسلام وتكذيبًا لله سبحانه وتعالى ولرسوله r، كما يعلم ذلك من قرأ المقال من أهل العلم والإيمان.
                والله سبحانه وتعالى قد بيَّن عموم رسالة محمد r ووجوب اتباعه على جميع الثِّقلَين، وذلك لا يجهله من له أدنَى مسكة من علمٍ من المسلمين .. قال تعالى: }قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ{ [الأعراف: 158].
                وقال تعالى: }وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ{ [الأنعام: 19].
                وقال تعالى: }قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ{ [آل عمران: 31].
                وقال تعالى: }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ [آل عمران: 85].
                وقال تعالى: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا{ [سبأ: 28].
                وقال تعالى: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ{ [الأنبياء: 107].
                وقال تعالى: }وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ{ [آل عمران: 20].
                وقال سبحانه وتعالى: }تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا{ [الفرقان: 1].
                وروى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي r قال: «أُعطيت خمسًا لم يُعطهنَّ أحد من الأنبياء قبلي، نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر، وجُعِلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأُحلت لي المغانم ولم تحلَّ لأحدٍ قبلي، وأُعطيت الشفاعة، وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى الناس عامة»([1]).
                وهذا بيان صريح لعموم وشمول رسالة نبينا محمد r إلى جميع البشر، وأنها نسخت جميع الشرائع المتقدمة، وأن من لم يتبع محمدًا r ولم يطعه فهو كافر عاص مستحق لعقابه. قال تعالى: }وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ{ [هود: 17].
                وقال تعالى: }فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ [النور: 63].
                وقال تعالى: }وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ{ [النساء: 14].
                وقال تعالى: }وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ{ [البقرة: 108].
                والآيات في هذا المعنى كثيرة.
                والله سبحانه وتعالى قد قَرَنَ طاعة الرسول r بطاعته، وبيَّن أنَّ من اعتقد غير الإسلام فهو خاسر لا يُقبل منه صرف ولا عدل، فقال تعالى: }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ [آل عمران: 85].
                وقال تعالى: }مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ{ [النساء: 80].
                وقال تعالى: }قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ{ [النور: 54]. وقال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ{ [البينة: 6]، وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله r قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذين أُرسلت به إلا كان من أهل النار»([2]).
                وقد بيَّن رسول الله r بفعله وقوله بطلان ديانة من لم يدخل في دين الإسلام، فقد حارب اليهود والنصارى كما حارب غيرهم من الكفار، وأخذ مِمَّن أعطاه منهم الجزية حتى لا يمنعوا وصول الدعوة إلى بقيتهم، وحتى يدخل من شاء منهم في الإسلام دون خوف من قومه أن يصدُّوه أو يمنعوه أو يقتلوه .. وقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة t أنه قال:
                بينا نحن في المسجد خرج رسول الله r فقال: «انطلقوا إلى يهود» فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدارس([3]) فقام النبي r فناداهم فقال: «يا معشر يهود، أسلموا تسلموا».
                فقالوا: قد بلَّغت يا أبا القاسم. قال: فقال لهم رسول الله r «ذلك أريد، أسلموا تسلموا».
                فقالوا: قد بلَّغت يا أبا القاسم! فقال لهم رسول الله r: «ذلك أريد» ثم قالها الثالثة. الحديث([4]).
                والمقصود أنه r ذهب إلى أهل الديانة من اليهود في بيت مدارسهم فدعاهم إلى الإسلام وقال لهم: «أسلموا تسلموا» وكررها عليهم. وكذلك بعث بكتابه إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام ويخبره أنه إن امتنع فإنه عليه إثم الذين امتنعوا من الإسلام بسبب امتناعه منه. فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أنَّ هرقل دعا بكتاب رسول الله r فقرأه فإذا فيه:
                بسم الله الرحمن الرحيم
                من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلامٌ على من اتبع الهدى .. أما بعد:
                فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرَّتين، فإن تولَّيت فإنَّ عليك إثم الأريسيين ..
                و }يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ{([5]).
                ثم لما تولوا ورفضوا الدخول في الإسلام قاتلهم r هو وأصحابه رضي الله عنهم وفرض عليهم الجزية.
                ولتأكيد ضلالهم وأنهم على دين باطل بعد نسخه بدين محمد r أمر الله المسلم أن يسأل الله في كلِّ يومٍ وفي كلِّ صلاة وفي كلِّ ركعة أن يهديه الصراط المستقيم الصحيح المتقبل، وهو الإسلام، وأن يُجنِّبه طريق المغضوب عليهم وهم اليهود وأشباههم الذين يعلمون أنهم على باطل ويصرُّون عليه، ويجنِّبه طريق الضالين الذين يتعبَّدون بغير علم، ويزعمون أنهم على طريق هدى وهم على طريق ضلالة، وهم النصارى ومن شابههم من الأمم الأخرى التي تتعبَّد على ضلالٍ وجهل، وكلُّ ذلك ليعلم المسلم علم اليقين أنَّ كلَّ ديانة غير الإسلام فهي باطلة، وأنَّ كلَّ من يتعبَّد لله على غير الإسلام فهو ضال، ومن لم يعتقد ذلك فليس من المسلمين، والأدلَّة في هذا الباب كثيرة من الكتاب والسُنة.
                فالواجب على صاحب المقال أن يُبادر بالتوبة النصوح، وأن يكتب مقالاً يعلن فيه توبته، ومن تاب إلى الله توبة صادقة تاب الله عليه، لقول الله سبحانه: }وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [النور: 31].
                وقوله سبحانه: }وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{ [الفرقان: 68-70].
                ولقول النبي r: «الإسلام يهدم ما كان قبله والتوبة تهدم ما كان قبلها»([6]). وقوله r: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له»([7]). والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
                وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يرينا الحقَّ حقًّا ويرزقنا اتباعه، وأن يُرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يَمنَّ علينا وعلى الكاتب وعلى جميع المسلمين بالتوبة النصوح، وأن يعيذنا جميعًا من مضلات الفتن والهوى والشيطان، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه .. وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين([8]).
                ^^^


                ([1]) أخرجه البخاري (1/119)، ومسلم (521).
                ([2]) أخرجه مسلم (153).
                ([3]) هو مكان عبادتهم.
                ([4]) أخرجه البخاري (4/120) ومسلم (1765).
                ([5]) أخرجه البخاري (1/42) فتح.
                ([6]) أخرجه أحمد (4/199) وصححه الألباني في الإرواء (1280).
                ([7]) أخرجه ابن ماجه (4250) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (3427).
                ([8]) مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز (1/435) نشر دار الوطن.

                تعليق


                • #9
                  رد: كتاب / العولمة



                  فتاوى فضيلة الشيخ ابن عثيمين
                  سُئل رحمه الله عن تعريف الإسلام والفرق بينه وبين الإيمان؟
                  فأجاب:
                  الإسلام بالمعنى العام هو «التعبُّد لله تعالى بما شرعه من العبادات التي جاءت بها رُسله منذ أن أرسل الله الرسل إلى أن تقوم الساعة»، فيشمل ما جاء به نوح عليه الصلاة والسلام من الهدى والحق، وما جاء به موسى، وما جاء به عيسى، ويشمل ما جاء به إبراهيم عليه الصلاة والسلام إمام الحنفاء، كما ذكر الله تبارك وتعالى ذلك في آيات كثيرة تدلُّ على أنَّ الشرائع السابقة كلّها إسلامٌ لله عزَّ وجل.
                  والإسلام بالمعنى الخاص بعد بعثة النبي r يختصُّ بِما بُعث به محمد r، لأنّ ما بُعث به r نسخ جميع الأديان السابقة؛ فصار من اتبعه مسلمًا، ومن خالفه ليس بمسلم؛ لأنه لم يستسلم لله، بل استسلم لهواه .. فاليهود مسلمون في زمن موسى u، والنصارى مسلمون في زمن عيسى u .. وأما حين بُعث محمد r فكفروا به فليسوا بمسلمين، ولهذا لا يجوز لأحد أن يعتقد أن دين اليهود والنصارى الذين يدينون به اليوم دين صحيح مقبول عند الله مساوٍ لدين الإسلام، بل من اعتقد ذلك فهو كافرٌ خارج عن دين الإسلام؛ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: }إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ{ [آل عمران: 19].
                  ويقول: }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ{ [آل عمران: 85].
                  وهذا الإسلام الذي أشار الله إليه هو الإسلام الذي امتن الله به على محمد r وأمته، قال الله تعالى: }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا{ [المائدة: 3].
                  وهذا نصٌّ صريحٌ في أنَّ من سوى هذه الأمة بعد أن بُعث محمد r ليسوا على الإسلام، وعلى هذا فما يدينون الله به لا يُقبل منهم ولا ينفعهم يوم القيامة، ولا يحلُّ لنا أن نعتبره دينًا قائمًا قويمًا، ولهذا يخطئ خطأ كبيرًا من يصف اليهود والنصارى بقول: «إخوة لنا»، أو أنَّ أديانهم اليوم قائمة، لِما أسلفنا آنفًا([1]).

                  ^ ^ ^

                  فتوى فضيلة الشيخ ابن جبرين
                  الحمد لله وحده، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
                  وبعد:
                  فقد أطلعت على ما نُشر في جريدة «الشرق الأوسط» العدد «5824» يوم الثلاثاء الموافق 4/6/1415ﻫ بقلم من سمَّى نفسه: «عبد الفتاح الحايك» الذي اعترف بأنه ليس من أهل الإفتاء، ومع ذلك تجشَّم الفتوى بغير عِلم، وحكم لليهود المعاصرين والنصارى والهندوس والبوذيين والقاديانيين والمشركين والمنافقين بأنهم من أهل الجنة، واستغرب أنَّ هذه الجموع والمليارات من الأمم مآلهم إلى النار، وما علم أنَّ الله تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً وهم في أصلاب آبائهم، وأنه قال للنار: «أنت عذابي أعذب بك من أشاء»، وللجنة: «أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، ولكلٍّ منكما على ملؤها»([2]).
                  وأخبر تعالى بأن أكثر الناس هم الضالون في قوله تعالى: }يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ{ [سبأ: 13].
                  وقوله: }وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{ [سبأ: 20].
                  وقوله: }وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ{ [يوسف: 103].
                  وقد أخبر الله عن إبليس أنه قال: }قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{ [ص: 82، 83].
                  وقال: }ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ{ [الأعراف: 17].
                  ونحو ذلك من الأدلَّة، وأخبر النبي r أن بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون وواحد في الجنة([3]).
                  وقد أرسل الله محمدًا r وجعله خاتم النبيين، وشريعته خاتمة الشرائع، ونسخ برسالته جميع الأديان، وكلَّف جميع الناس أن يتبعوه بقوله: }الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ{ [الأعراف: 157، 158].
                  وقوله: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{ [سبأ: 28].
                  وقال النبي r: «وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى الناس عامة»([4]).
                  وقال: «بُعثت إلى الأسود والأحمر»([5]).
                  وثبت عنه r أنه قال: «أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم»([6]).
                  وفي رواية: «حتى يقولوا لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به»([7]).
                  وأخبر r بأركان الإسلام بقوله: «بُني الإسلام على خمس: شهادة ألاَّ إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحجُّ البيت»([8]).
                  ولا شكَّ أنَّ من امتنع عن الشهادة لله بالوحدانية ولمحمد بالرسالة ولم يقم الصلاة ولا الزكاة والحج فليس بمسلمٍ ولا مؤمن؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بي إلا دخل النار»([9])، أو كما قال.
                  وقد أنكر الله على اليهود قولهم: "لن تمسَّنا النار إلا أيامًا معدودة" بقوله تعالى: }وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ{ [البقرة: 80]..
                  فدلَّ على أنهم من أهل النار، وأنَّ هذه المقالة صدرت بغير علم، كما أنكر عليهم قولهم: }وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{ [البقرة: 111].
                  وكذا قولهم: }وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{ [البقرة: 135].
                  وهي الدين الذي بُعث به محمد r، فقال: }وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ{ [الحج: 78].
                  وقد أخبر الله تعالى بأنَّ هذا هو الدين الذي اختاره ورضيه للأمة، فقال تعالى: }حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [المائدة: 3].
                  وقال: }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ [آل عمران: 85].
                  والإسلام هو ما بُني على الأركان الخمسة كما فسَّره النبي r في حديث جبريل المشهور([10])، فمن لم يدخل في هذا الإسلام ويحافظ على أركانه فهو من الخاسرين، والنار أولى به.
                  وقد ذمَّ الله اليهود والنصارى حتى في سورة الفاتحة في قوله:
                  }صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ{ [الفاتحة: 7].
                  فاليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون كما في الحديث الصحيح ([11]).
                  وقد حكى الله تعالى عنهم مقالات كفرية كقوله: }لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{ [المائدة: 17].
                  وكذلك: }لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ [المائدة: 73].
                  وقوله سبحانه:}لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ{ [المائدة: 72].
                  وقال عنهم: }وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ{ [التوبة: 30].
                  والآيات في تكفير اليهود والنصارى وبيان نوع كفرهم وشركهم وتحريفهم للكلم من مواضعه كثيرة جدًا.
                  وقد دعاهم الله إلى الدخول في الإسلام بقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا{ [النساء: 47].
                  وكلُّ ذلك دليل كفرهم وخروجهم عن الدين الصحيح، وأنهم كذَّبوا بالحق لَمَّا جاءهم مع أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، فلذلك حلَّت عليهم اللعنة والغضب واستحقوا العذاب في الآخرة، قال تعالى: }لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ{ [المائدة: 78].
                  ولا شكَّ أن تكذيبهم لمحمد r وما جاء به هو أعظم الكفر، وهم المرادون بقوله تعالى: }قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ{ [المائدة: 60].
                  فتأمَّل هذه الآيات وما بعدها وما يشابهها في سورة النساء تجد أنَّ جميع من كذَّب محمدًا r أو خرج عن شرعه أو أنكر رسالته أو ادَّعى أنه رسول العرب أو نصب العداوة للمسلمين أتباع هذه الشريعة المحمدية؛ أنه كافرٌ مستحقٌ لغضب الله ولعنته وعذابه، ولا ينفعه انتماؤه إلى الأديان السابقة والمنسوخة المحرَّفة.
                  وقد أقام الله البراهين والأدلَّة على صحَّة هذه الرسالة والشريعة، وأمر بإبلاغها للخاص والعام، فمن بلغته فعاند وعصى وركب هواه واتَّبع الأديان الباطلة وتمادى في غيِّه؛ فإنَّ مصيره إلى النار وبئس القرار.
                  ولا شكَّ أنَّ الأديان السماوية كانت سبيل النجاة قبل تحريفها ونسخها، لكن وقع من أهلها التحريف للكلم عن مواضعه، وتغييرُ شرع الله، ثم عصيان هذا النبي الكريم، فبطل التمسك بها؛ مع أن الأديان الباقية الآن كلها باطلة حيث دخلها الشرك بالله وعبادة الأنبياء كالمسيح وأمه والعُزَيْر والصالحين، وتغيير دين الله عما هو عليه، والتعبُّد بما لم يأذن به الله؛ فيُحكَم عليهم بأنهم كفار فلا يدخلون في قوله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ{[البقرة: 62].
                  فالإيمان بالله يستلزم تصديق رُسله وخاتمهم محمد r، ويستلزم تقبُّل كلامه القرآن الكريم، فلا يدخل في ذلك من كذَّب محمدًا أو طعن في القرآن ولو عمل ما عمل من الصدقات والصلوات الباطلة.
                  وقد أخبر الله أنَّ أعمال الكفار تكون هباءً منثورًا، منها أعمال أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بالله وبرُسله وكتُبه.
                  فقوله تعالى: }قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ{ [المائدة: 68] دليلٌ على أنهم ليسوا على دين، وأنَّ عبادتهم باطلة حيث لم يؤمنوا بما أُنزل إليهم من ربِّهم ولم يقيموا التوراة والإنجيل، فإنَّ إقامتهما تستلزم اتباع النبي الأُمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل، فمن لم يتبعه لم يكن على شيء.
                  وهكذا اشترط الله للأمن الإيمان بالله واليوم الآخر في قوله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ{ [البقرة: 62].
                  فلا بدَّ من الإيمان بالله الذي يستلزم تصديق رسله وخاتمهم محمد r، فلم يُقبل منهم الإيمان إلا بشرط وهو التصديق بما جاءت به الرسل.
                  ولا شك أنَّ العمل الصالح الذي اشترطه الله للمؤمنين لا يحصل إلا بما وافق شرع الله المنـزَّل على نبيه r، وقد فسَّر النبي r الإيمان بأركانه الستة، ومنها «الإيمان بالرسل والكتب»، وهو يستلزم الاتباع للرسل وخاتمهم محمد r، والعمل بالكتب وخاتمها القرآن الكريم، فمن لم يتعبه فليس بمؤمن ولا ينفعه عمله، ولو عمل أيَّ عمل.
                  ومعلوم أنَّ الإسلام في وقت كل نبيٍّ هو اتباع ما جاء به؛ فاتباع موسى في زمنه واتباع عيسى في وقته سُمي «إسلامًا»، لكن زال بعد أن حُرِّفت تلك الشرائع ونُسخ ما بقي منها.
                  ثم إنَّ حجَّة الله قائمة؛ فكتاب الله تعالى محفوظ، وقد تُرجم وفُسِّر بكلِّ اللغات، وانتشر الإسلام وبلغ أقصى الأرض وأدناها، ولم يبقَ لأحدٍ عذر، حيث إنَّ دين الإسلام مشهور معروف لا يحتاج إلى زيادة تعلُّم، وكلُّ من دخل فيه أمكنه أن يعرف ما أوجب الله عليه في بضعة أيام، ويعمل بما يقدر عليه، ولا يلزمه معرفة التفاصيل دفعة واحدة، فالزكاة لا تلزم الفقير، والصوم لا يكون في السَّنة إلاَّ مرَّة، وأحكامه سهلة، والحجُّ في العمر مرَّة واحدة على المستطيع، والمحرَّمات يمكن معرفتها في مجلسٍ واحد، فكيف بعد هذا يُقال إنَّ اعتناق الإسلام يستدعي بضع سنوات في دراسته وعرضه على الأديان الأُخرى.
                  وقد شُوهد أنه دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فمن لم يتبعه مع سماعه به فهو من أهل النار، ومن لم يبلغه ولم يسمع به فهو كأهل الفترات يحكم الله فيهم بما يشاء.
                  والله المستعان، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم([12]).

                  ^ ^ ^

                  فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حول هذا الموضوع، وحول موضوع «وحدة الأديان»
                  الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد:
                  فإنَّ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء استعرضت ما وَرَدَ إليها من تساؤلات، وما يُنشر في وسائل الإعلام من آراءٍ ومقالات بشأن الدعوة إلى «وحدة الأديان»: دين الإسلام، ودين اليهود، ودين النصارى .. وما تفرَّع عن ذلك من دعوة إلى بناء مسجد وكنيسة ومعبد في مُحيط واحد في رحاب الجامعات والمطارات والساحات العامة، ودعوة على طباعة القرآن الكريم والتوراة والإنجيل في غلاف واحد، إلى غير ذلك من آثار هذه الدعوة، وما يُعقد لها من مؤتمرات وندوات وجمعيات في الشرق والغرب .. وبعد التأمُّل والدراسة فإنَّ اللجنة تُقرِّر ما يلي:
                  أولاً- إنَّ من أصول الاعتقاد في الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة، والتي أجمع المسلمون عليها، أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حقّ سوى دين الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع، فلم يبقَّ على وجه الأرض دين يُعبد الله به سوى الإسلام .. قال الله تعالى: }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ [آل عمران: 85].
                  والإسلام بعد بعثة محمد r هو ما جاء به دون ما سواه من الأديان.
                  ثانيًا- ومن أصول الاعتقاد في الإسلام أنَّ كتاب الله تعالى (القرآن الكريم) هو آخر كتب الله نزولاً وعهدًا بربِّ العالمين، وأنه ناسخ لكلِّ كتاب أُنزل من قبل من التوراة والزبور والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها، فلم يبقَ كتابٌ منَزَّلٌ يُعبد الله به سوى «القرآن الكريم» .. قال تعالى: }وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ{ [المائدة: 84].
                  ثالثًا- يجب الإيمان بأنَّ «التوراة» و«الإنجيل» قد نُسختا بالقرآن الكريم، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله الكريم منها قول الله تعالى: }فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ{ [المائدة: 13].
                  وقوله جل وعلا: }فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ{ [البقرة: 179].
                  وقوله سبحانه: }وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{ [آل عمران: 78].
                  ولهذا فما كان منها صحيحًا فهو منسوخ بالإسلام، وما سوى ذلك فهو محرَّف أو مبدَّل .. وقد ثبت عن النبي r أنه غضب حين رأى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال عليه الصلاة والسلام: «أفي شكٍّ أنت يا بن الخطاب؟! ألم آتِ بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حيًّا ما وسعه إلاَّ اتباعي» رواه أحمد والدارمي وغيرهما([13]).
                  رابعًا- ومن أصول الاعتقاد في الإسلام أن نبيَّنا ورسولنا محمد r هو خاتم الأنبياء والمرسلين، كما قال الله تعالى: }مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ{ [الأحزاب: 40].
                  فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد r، ولو كان أحد من أنبياء الله ورسله حيًّا لَما وسعه إلا اتباعه r، وأنه لا يسع أتباعهم إلاَّ ذلك .. كما قال الله تعالى: }وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ{ [آل عمران: 81].
                  ونبي الله عيسى u إذا نزل في آخر الزمان يكون تابعًا لمحمد r وحاكمًا بشريعته .. قال الله تعالى: }الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ{ [الأعراف: 157].
                  كما أنَّ من أصول الاعتقاد في الإسلام أنَّ بعثة محمد r عامة للناس أجمعين، قال الله تعالى: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{ [سبأ: 28].
                  وقال سبحانه: }قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا{ [الأعراف: 158].
                  وغيرها من الآيات.
                  خامسًا: ومن أصول الإسلام أنه يجب اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم وتسميته «كافرًا»، وأنه عدوُّ الله ورسوله والمؤمنين، وأنه من أهل النار كما قال تعالى: }لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ{ [البينة: 1].
                  وقال جلَّ وعلا: }إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ{ [البينة: 6].
                  وغيرها من الآيات.
                  وثبت في صحيح مسلم أنَّ النبي r قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمَّة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلا كان من أهل النار»([14]).
                  ولهذا فمن لم يُكفِّر اليهود والنصارى فهو كافر، طردًا لقاعدة الشريعة: «من لم يُكفِّر الكافر فهو كافر».
                  سادسًا: وأمام هذه الأصول الاعتقادية والحقائق الشرعية، فإن الدعوة إلى «وحدة الأديان» والتقارب بينها وصهرها في قالب واحد دعوة خبيثة ماكرة، والغرض منها خلط الحق بالباطل، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه، وجرُّ أهله إلى ردَّةٍ شاملة، ومصداق ذلك في قول الله سبحانه: }وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا{ [البقرة: 217].
                  وقوله جلَّ وعلا: }وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً{ [النساء: 89].
                  سابعًا: وإنَّ من آثار هذه الدعوة الآثمة إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر والحقِّ والباطل والمعروف والمنكر، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء ولا براء، ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله، والله جلَّ وتقدَّس يقول: }قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ{ [التوبة: 29].
                  ويقول جلَّ وعلا: }وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ{ [التوبة: 36].
                  ثامنًا: أن الدعوة إلى «وحدة الأديان» إن صدرت من مسلم فهي تُعتبر ردَّةً صريحةً عن دين الإسلام، لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله عز وجل، وتُبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الشرائع والأديان .. وبناءً على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعًا، مُحرَّمة قطعًا بجميع أدلَّة التشريع في الإسلام من قرآن وسُنة وإجماع.
                  تاسعًا: وتأسيسًا على ما تقدم:
                  1- فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد r نبيًّا ورسولاً، الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها، وتسليكها بين المسلمين، فضلاً عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها، والانتماء إلى محافلها.
                  2- لا يجوز لمسلم طباعة التوراة والإنجيل مُنفرِدَين، فكيف مع القرآن الكريم في غلاف واحد!.. فمن فعله أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد، لِمَا في ذلك من الجمع بين الحقِّ (القرآن الكريم) والمحرَّف أو الحقِّ المنسوخ (التوراة والإنجيل).
                  3- كما لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة: (بناء مسجد وكنيسة ومعبد) في مجمع واحد، لِما في ذلك من الاعتراف بدين يُعبد الله به غير دين الإسلام، وإنكار ظهوره على الدين كلِّه، ودعوة مادية إلى أنَّ الأديان ثلاثة، لأهل الأرض التديُّن بأيٍّ منها، وأنها على قدم التساوي، وأنَّ الإسلام غير ناسخ لِمَا قبله من الأديان، .. ولا شك أنَّ إقرار ذلك أو اعتقاده أو الرضا به كفر وضلال؟ لأنه مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين، واعتراف بأنَّ تحريفات اليهود والنصارى من عند الله .. تعالى الله عن ذلك.
                  كما أنه لا يجوز تسمية الكنائس «بيوت الله»، وأنَّ أهلها يعبدون الله فيها عبادةً صحيحةً مقبولةً عند الله، لأنها عبادة على غير دين الإسلام، والله تعالى يقول: }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ [آل عمران: 85]. بل هي بيوت يُكفَر فيها بالله .. نعوذ بالله من الكفر وأهله.
                  قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في «مجموع الفتاوى»([15]):
                  ليست – أي البِيَع والكنائس – بيوت الله، وإنما بيوت الله المساجد، بل هي بيوت يكفر فيها بالله، وإن كان قد يُذكر فيها، فالبيوت بمنـزلة أهلها، وأهلها كفار؛ فهي بيوت عبادة الكفار.
                  عاشرًا: ومما يجب أن يُعْلَم أنَّ دعوة الكفار بعامة وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام واجبة على المسلمين بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة، ولكنَّ ذلك لا يكون إلاَّ بطريق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن، وعدم التنازل عن شيءٍ من شرائع الإسلام، وذلك للوصول إلى قناعتهم بالإسلام ودخولهم فيه، أو إقامة الحجَّة عليهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة، قال الله تعالى: }قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ{ [آل عمران: 64]، أمَّا مجادلتهم واللقاء معهم ومحاورتهم لأجل النـزول عند رغباتهم وتحقيق أهدافهم، ونقض عُرَى الإسلام ومعاقد الإيمان؛ فهذا باطل يأباه الله ورسوله والمؤمنون، والله المستعان على ما يصفون .. قال تعالى: }وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ{ [المائدة: 49].
                  وإنَّ اللجنة إذ تُقرِّر ذلك وتُبيِّنه للناس فإنها توصي المسلمين بعامة وأهل العلم بخاصة بتقوى الله تعالى ومراقبته، وحماية الإسلام، وصيانة عقيدة المسلمين من الضلال ودُعاته، والكفر وأهله، وتحذرهم مِن هذه الدعوة الكفرية الضالة (وحدة الأديان)، ومِن الوقوع في حبائلها .. ونعيذ بالله كلَّ مسلم أن يكون سببًا في جلب هذه الضلالة على بلاد المسلمين وترويجها بينهم..
                  نسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يعيذنا جميعًا من مضلات الفتن، وأن يجعلنا هُداةً مهتدين، حُماةً للإسلام على هدى ونور من ربنا حتى نلقاه وهو راضٍ عنا.
                  وبالله التوفيق، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين([16]).

                  & & &


                  ([1]) المجموع الثمين من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (2/40).
                  ([2]) أخرجه البخاري (4850).
                  ([3]) أخرجه البخاري (6529).
                  ([4]) أخرجه البخاري (335) ومسلم (521).
                  ([5]) أخرجه مسلم (521).
                  ([6]) أخرجه البخاري (25) ومسلم (22).
                  ([7]) أخرجه مسلم (21).
                  ([8]) أخرجه البخاري (8) ومسلم (16).
                  ([9]) أخرجه مسلم (153).
                  ([10]) أخرجه البخار ي(50) ومسلم (9).
                  ([11]) أخرجه الترمذي (2953).
                  ([12]) «الإعلام يكفر من ابتغى غير الإسلام» (13-27) للشيخ ابن جبرين، إعداد الأخ علي أبو لوز.
                  ([13]) وحسنه الألباني في تعليقه على المشكاة (1/63).
                  ([14]) أخرجه مسلم (153).
                  ([15]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (22/162).
                  ([16]) مجلة «البحوث الإسلامية» (العدد 50).

                  تعليق

                  يعمل...
                  X