إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

روح البروسترويكا في سيرة يفتوشنكو - سلمان إسماعيل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • روح البروسترويكا في سيرة يفتوشنكو - سلمان إسماعيل

    روح البيروسترويكا في سيرة يفتوشنكو؟
    قراءة متأخرة في سيرة ذاتية مبكرة


    الكاتب : سلمان إسماعيل


    كيبورد : ثائر الحسين

    منال ادريس



    من هو يفتوشنكو ؟


    في أوساط العالم الأدبية عرف (( يفجيني يفتوشنكو )) بداية الستينات شاعراً سوفييتياًّ نافراً يخترق صوته القوي سمع العالم و تتعدّى شاعريته حدود بلاده التي كانت بعيدة الأمداد
    كان الصوت الشاب , و لم يكن يفتوشنكو آنئذِ قد بلغ الثلاثين , ينادي بالتجديد و التغير مماثلاً و متجاوزاً , أحياناً كثيرة الأصوات الشعرية راديكالية في البلدان الأوربية غير الشيوعية .
    لم يتسرب صوت يفتوشنكو تسرباً رسمياً متهادياً لكنه وقع قوياً هادراً صادقاً بالحقيقة دفعةً واحدة و بدا كأنه لا يقيم وزناً لردودالأخر و انعكاس ذلك على الداخل السوفيتي الذي كان ما يزال حريصاً , و هو يخرج من الستالينيَّة , على تسوية أموره الداخلية بهدوء , و بأقل إثارة ممكنة للفضائح , ذلك لأن من جملة ما خّلفت فترة الإنغلاق الطويلة , كان الخوف من الآخر هو غالباً .
    الغرب الأوربي و اميركا , هذا الآخر الذي كان يتربّص بانظام السوفيتيّ , و يفسر أي تغيير أو تحوّل على أنه ابتعاد عن المسار الذي يشكل التحدي الأساس للرأسمالية الغربية .....
    لم تكن سمعة (( يفتوشنكو )) إذاً متـأتية من تورطه في موقف سياسي مغاير لمسار بلاده , و إنما كانت الظاهرة (( اليفتوشنكية )) أصلية انبعثت من التقاليد الروسية و حتى السوفيتية السابقة عليه .
    استمراراً و امتداداً لتيار في الأدب و الفن كان وفيّاً للحقيقة ساعياً لها بشجاعة لا عطلة أو إجازة على حد تعبير (( راسبوتين )) .
    كان يفتوشينكو إذاً يعيد و يواصل الخطوات الجسورة((لنكراسوف)) و ((يوري كازاكوف)) و ((باسترناك)) و حتى(( مايكوفسكي)) في قول الأشياء حتى منتهاها .
    تفتحت شاعرية يفتوشنكو و هو من مواليد 1933 في بداية الخمسينات , و صعدت في تلك المرحلة التي عرفت تنصيب ((أندريه زدانوف)) رقيباً (كوميساراً) على الأدب و الفن منفذاً لسياسة جديدة تتلخص في : ((أن الأدب الروسي ليست لهو لا يمكن أن تكون له أية اهتمامات عدا اهتمامات الشعب و الدولة و هو يستهدف تعليم الشباب وفقا ًللمبادىء الشيوعية و على الأدب أن يكون أدباً حزبياً , و أحد مهامه أن يصور الإنسان السوفيتي في قوته المطلقة الكاملة )) .
    عندما انتزع ((يفتوشنكو)) اعتراف الغرب به كان قد أسس سمعته على إبداعات شعرية جادة متلاحقة :
    صدر له أول ديوان شعري عام 1952 هو مكتشفوا المستقبل ثم كان الثاني عام 1955 الثلج الثالث و تتالت الأعمال بعد ذالك تباعاً:
    طريق المتحمسين عام 1956 , وعد عام 1957 , القوس و القيثارة عام1959 التفاحة , ضربة ذراع ,رقّة و هذه الأعمال الثلاثة صدرت كلها عام 1962 .
    و أراني مضراً أن أقطع سرد ثبت أعمال ((يفتوشنكو))الاحقة و هي كثيرة لأن العمل الذي سأقرؤه كتب عام 1963 .
    لكنني سأشير إلى عمل شعري أنجزه((يفتوشنكو)) قبل ذلك هو سيناريو فبلم (( أناكوبا)) الذي الذي كان تتويجاً لعمل الشاعر مراسلاً لجريدة ((البرافد)) في كوبا عام 1961 لما لهذه التحربة الخاصة من مضاعفات لاحقة في اهتمامات الشاعر أسلوبية إذ أن الشاعر انحاز في السنوات الأخيرة و بقوة إلى العمل السينمائي .
    ـ2ـ


    حياة شاعر : سيرة ذاتية مبكرة :
    رغم أن السلطة السوفيتية لم تكن تشك في قيمة الشاعر الوطنية إلا أن علاقتها معه لم تكن استسلامية و لا سلامية دائماً و كان الرهان يعقد على أن مثل هذا الشاعر المتجاوز يمكن أن يقدم خدمة إعلامية نافعة مثلما يحتمل أن يثير بعض التساؤلات المتعبة .
    منح الشاعر فرص لقاء مع القارات و لم يكن المردود من وجهة نظر السلطة واحداً : قدّم يفتوشنكو نموذجاً متقدماً لشعر سوفيتي إلا أنه من طرف آخر قدم للآخر وثيقة استخدمت ضد النظام الكلي السوفيتي , و كان لقاء ((يفتوشنكو)) مع باريس أخطر لقاءاته و أكثرها إثارة لسلطة بلاده إذ لم يكتفي الشاعر بإسماع باريس نماذج من قصائده الحارة و الشجاعة و إنما سلّم مجلة (dex presse) مذكرات شخصية صدرت بسرعة إلى جانب قصائد مختارة له في كتاب مستقل تحت عنوان ((سيرة ذاتية مبكرة )) .
    و رغم ليبرالية (( خروتشوف)) النسبية فإنه لم يمتنع عن نقد تصرفات الشاعر و تسفيه آرائه في أول اجتماع لخروتشوف مع الأدباء و الفنانين في آذار 1963 نفسه .
    و تشجع بعض الأدباء السوفييت من زملاء ((يفتوشنكو)) بعد إشارات ((خروتشوف)) أن يتهموه بالغرور و النرجسية مما اضره أن يعترف بخطئه ما دامت تصريحاته و آراؤه قد استغلها الغرب لمراجعة النظام السوفيتي و لكن ... هل مازالت مذكرات ((يفتوشنكو)) الذي كان شاباً يوم كتبها شحيحة الدلالة , قليلة الأهمية , أم أنها أصبحت الآن , أقدر على تقديم دلالة ذات قيمة بعد أن طرحت , و من جديد ((البيروسيترويكا)) .
    إعادت البناء من أعلى نقطة في قيادة النظام السوفيتي عام 1985 ((غورباتشوف))
    ـ3ـ

    مسوّغات السيرة :
    ترى..لماذا كتب شاعر شاب مثل((يفتوشنكو)) سيرته الذاتية آنئذِ و ماذا أراد أن يحملها مما لم يستطع شعره أن يقوى على حمله و هو الشعر الذي لم يتهم من نقاده بالغموض أو المواربة أو التقنع ؟
    و إزاء أي سيرة ذاتية يطرح سؤال تسويغي : لماذا كتبت هذه السيرة ؟
    و رغم تقبل هذا الفن لتعدد أنماط التناول و التسامح الشديد في أسلوبيات كتابة هذا اللون و تقنياته فإن الشرطين المتفق عليهما و الذين أصبحا مطلوبين من كل سيرة ذاتية هما :
    الصدق لدرجة الإعتراف و الجدوى بالنسبة للآخر .....
    و مع أن ((يفتوشنكو)) يرى أن سيرة الشاعر الحقيقية هي مجموع قصائده , نراه يكتب و خارج بلاده سيرة ذاتية نثرية ,فلماذا كان ذلك ؟ و ما دامت أعمال الشاعر الحقيقي ـ كما يرى أيضاًـ صورة حية نابضة تتجول و تتكلم عن زمنه وهي في الوقت نفسه صورته الشخصية الثابتة الكاملة أيضاً فلماذا يكتب سيرة نثرية ؟
    يفتوشنكو يجيب لأن الشعر لا يمكن أن يترجم جيداً و لأن الناس في الغرب يعرفون بعض المقالات التي تقدم عنه صورة تختلف كما يرى تماماً عن الحقيقة بدلاًمن أن يعرفوا شعره و يضيف :


    (( لقد أرادوا ـ يقصد الغربين ـأن يجعلوا مني صورة مستقلة تبرز على ما يبدوا , نقطة مضيئة على أرضية المجتمع السوفيتي القاتمة , لكنني لست هذه الصورة )).
    إذاً هي سيرة تكتب للغرب أولاً, و هي تكتب لتزيل لبساً و لتصوب انطباعاً تشكّل , على عجل, في مرآة الغرب ذلك لأنه كان يرى أن هذا الغرب قرأه قراءة انتقائية (مؤدلجة).
    صحيح أن الشاعر يرفض أشياء كثيرة في تطبيقات نظام بلاده , يتمرد على سنن رسمت بحروف القادسية , أريد لها من البعض أن تصان ,لكنه ,و هذا ماأراد أن يكمل به صورته الحقيقية , لم يكن متشككاً بعدالة الإشتراكية , و لم يكن مارقاً على التعاليم اليلينيّة , كان ((يفتوشنكو)) يشعر أنه مثلما أسيء فهمه على عجل في الداخل من أولائك التبسيطيين السطحيين كما سنرى أسيء تفسيره من أولائك الغربيين الخبثاء الماكرين .
    إن ((يفتوشنكو))يقدم سيرته إذاً ليصحح صورته في نظر الآخر وليدافع عن نصاعة موقفه و إخلاص مقاصده و ليؤكد فهمه الشخصي لكثير من أمور الفن و المجتمع و الحياة و هذا ما رشح النثر لا الشعر , هذه المرة أن يكون أداة للكتابة مادام في الأمر منافحة و تدقيق و خطاب يتعدى على المستوى الجغرافي ,حدود استخدام اللغة الوطنية.
    ـ4ـ

    خطاب السيرة و أسلوبيتها:
    يستهل((يفتوشنكو)) سيرته , و على مساحة ضيقة لا تتجاوز صفحتين صغيرتين بتحديد القيمة الكبرى التي تستدعي من الشاعر الوفاء لها إنها الحقيقة و لكي يكون مواطن شاعراً عليه أن يتحلى بالشجاعة على إعلان الحقيقة : ((لكي يعبر الشاعر حقيقة الآخرين عليه أن يدفع الثمن عليه يسلّم نفسه بلا رحمة للحقيقة))
    و يبني((يفتوشنكو)) على ذلك خطر الخداع المتمثل بالإزدواج أن يكون الشاعر رجلاً حقيقياً من جهة و {جلاً آخر يعبر عن حقائق ليس له من جهة اخرى 1ويبني (يفتوشنكو) على ذلك خطر الخداع المتمثل بالازدواج ، ازدواج أن يكون الشاعر رجلا حقيقيا من جهة ، ورجلا آخر يعبر عن حقائق ليست من جهة أخرى
    وللأمر نفشه يدين أولئك المستعينين على مدارات الحقيقة بالصمت و السكوت الذي هو في الحكمة الشعبية من ذهب لايمكن أن يكون ذهبه نقيا تماما
    عند يفتوشنكو ، ويرى في هذا الذهب بضاعة رخيصة لان الشاعر الذي يستمرئ التغاضي عن حقيقته ينتهي ختما بالسكوت على حقائق الآخرين وآلامهم ومآسيهم
    وأما أولئك الذين يصرون على الكتابة ، حتى عندما لا تتماشى حيوا تهم مع أشعارهم فإن ممارستهم تقع خارج الفن ،لأن الفن لا يعترف بأنصاف الحقائق .
    وهكذا يبدو يفتوشنكو صاحب نزعة أخلاقية واضحة تتجلى في الشجاعة على إعلان الحقيقة . ويحدد في ثلاث صفحات أخرى علاقة أنا الشاعر
    ب(نحن) الجماعة وهي الأطروحة الجديدة التي لم تكن ممكنة في المرحلة الزدانوفية لكن يفتوشنكو لا يرى إمكانية الكتابة مع افتقاد الكاتب (أناه)الحافزة الخلاقة ذلك لأن الشخصية المستقلة المحددة شرط لازم لامتلاك القدرة على التعبير عما هو مشترك بين عدد كبير من البشر وهو هنا يسفه صيغة الجمع في الفن وينتقد نظرية البطل الغنائي (heroslyrique ) المتغنية بالفضائل العليا والملحة على النموذج الكامل تلك المدرسة التي سطحت الفن ومسحت الخصائص الفردية في الإبداع وخلقت الأدب المنمط العمومي المتشابه 0
    لم يدع يفتوشنكو في سيرته أنه في موقفه وهذا ما حاول الغربيون أن يتسموا به ويريد تأكيده ورأى أن أفكاره الجديدة وأحاسيسه التي تبدو مبتكرة في قصائده مدنية للمجتمع السوفييتي لأنها عاشت فيه قبل أن يبدأ كتابتها ويلخص في نهاية هذه الصفحات موقفه بالمقطع الذي أعطاه عنواناً
    (أنا الشاعر) بالكلمات التالية عاكساً طموحه الشعري :
    (أود أن أكون قادرا طيلة حياتي على نقل همسات الآخرين من دون أن أتنكر لذاتي ويوم افقد أنا سأفقد في الوقت ذاته القدرة على الكتابة )
    ويستمر يفتوشنكو في مد خيط ذكرياته مازجا بين السرد السريع والتقنية الدرامية يتوقف ليؤكد موقفا ثم تتدفق الذاكرة وتنهمر في خيط درامي عبر وقفات قصيرة يفضي بعضها إلى بعض لقد كسر كتابي على عناوين صغيرة في الكتاب الذي ترجم في حوالي مئة صفحة من القطع القصير وزع على حوالي خمسين عنوانا يحصر كل واحد مشهدا مستقلا في شريط الحياة الشخصية قابلا في الوقت نفسه الترابط مع ما يليه ليكون من ذلك كله حياة واضحة ذات معالم محددة
    ولا أريد أن يفهم من ذلك أن يكون يفتوشنكو سرد كل تفاصيل حياته وليس مثل ذلك
    مطلوبا من كاتب سيرته ولم يقف يفتوشنكو ليتذكر تجربته ويعاينها ويفسرها هكذا
    وإنما ما ابتغاه كما بدا لي ذكرت في مسوغات سيرته .
    والثابت أن ذاكرة يفتوشنكو ألحت على النتوءات المتطاةلة في حياته ومواقفه , وعرضتها في شريط من الوقائع المنتقاة بخبرة (السيناريست ) وبرهافة الشاعر , وإن يكن هذا كله قد أتى بلغة نثرية واضحة . ورغم اندراج عمله في جنس السيرة الذاتية , فهو لا يشكل عمل قائما بذاته معزولا عن أعماله كلها بل يبقى , هذا هو الأصح , مبنيا من أعماله داخلا فيها وخارجا عنها في آن معا .
    والعمل الأدبي, مهما كان جنسه , هو جزء من عالم أوسع منه واشمل , وله موقعه بين هذا الكل الذي صار إليه إنجاز الكاتب , مع إدخال العلاقة الكيفية بالمؤسسات الأخرى غير الأدبية , ولهذا لا نرى سيرة يفتوشنكو ,وهي تنتمي لجنسها الأدبي بقوة ووضوح ,تتأبى على أن تذوب في المحيط الثقافي والمجتمعي المعروفين لحظة أنجاز العمل .
    مشهد الطفولة
    في كل سيرة ذاتية حديث يطول أو يقصر عن الحنين للطفولة ,وربما اقتصرت بعض السير على الطفولة وحدها , كما في كتاب غوركي (طفولتي )وسيرة الكاتب المغربي العربي عبد المجيد بنجلون (في الطفولة ) و يفتوشنكو هنا ,يعرض طفولته ,ولكن على عجل رغم تعقدها وغناها قاصدا أن يتيح لمواقفه الفكرية والفنية مساحة أوسع مادامت الفرصة النادرة قد سنحت له في ظروف استثنائية ,أقصد مخاطبة العالم من أحدى عواصمه الأكثر غنى في الحضارة والفن (باريس).ورغم الاجتزاء في مشهد الطفولة ,يبدو لقارئه يفتوشنكو ينعم بطفولة مركبة غنية رغم شقاءها , فهو محصلة هجانات مخصبة عدة :
    الهجنة الإثينية (الأصولية ) من أو كرانية وليتوانية والهجنة الطبقية والثقافية : فلاحة ألام وبرجوازية الأب ـ عسكرية الجد من جهة ألام وعلمية الجد من جهة الأب (أستاذ الرياضيات وصاحب الكتب المرجعية في الهندسة )
    بالإضافة إلى عراقة الوسط الثوري (لم تنطق كلمة الثورة في عائلتنا يوما بلهجة الطب الرسمية الحماسية كنا نقول هذه الكلمة بهدوء وحنان . وبشيء من الصراحة لان الثورة كانت عقيدة العائلة
    وطفولة يفتوشنكو , بعد ذلك كله طفولة عاصفة مفزعة تنقلها الأحداث بسرعة إلى عالم الرجولة المبكرة , فالطفل , وهو دون العاشرة يشهد انخطاف الجدين وغيابها المفاجئ رغم وفائهما وتفانيهما في خدمة الثورة والوطن (الأول الذي أصبح اميرالاي تقديرا لمواقفه والآخر الذي خلف الكتب المرجعية في علم الرياضيات والهندسة كما علمنا )
    واثر تقتحم وعيه مفاهيم عن الخيانة والتجسس , ويكتشف التناقض المحيط به المتجلي في ذلك الانفصام بين سلوك الناس ومعتقداتهم , وصيرورتهم لقد كانت طفولة يفتوشنكو تتجسس على عالم الكبار وتدرك أن ثمة حقيقة يحاول الكبار إن يحموا الصغار من إدراكها
    وفي خضم هذا الاضطراب الكبير يتوصل الطفل إلى القراءة المبكرة , ويصبح طلعة يتناول الكبار العلميين لتشل في ذهنه عالما من الأوهام هو نسيج من الكتب والحياة ..
    وتأتي الحرب الكونية لتفتح عينيه على آلام العالم وقسوة البشر وخطورة الاديوليجيات : مشاهد الهجرة والهروب من الموت ـ خوذ الجنود وبنادقهم ـ الزيجات الفظيعة المتمثلة في قبول الصبايا أن يصبحن أرامل بعد يوم واحد من زواجهن .. وقد تركن الشباب مرغمين إلى جبهات القتال , ويتشكل في هذه المرحلة مواقف الطفل من الحرب والسلام , ويتولد في داخله كره التعصب القومي (مولد الحرب ) من غير أن يحوز ذلك على مفهوم (الوطنية)المقدس (إن حب الناس يمر عن طريق حب الوطن )

    ومن تجواله الاضطراري وانتقالاته الكثيرة ينشد للطبيعة سهولها وجبالها ويكتشف غنى الذاكرة الشعبية وصدق اللسان الشعبي مما يزوده ببدايات التعبير وقدح لديه أولى شرارة الشعر وتضيف الحرب الكونية ونهايتها مفاهيم عميقة عن العدو والصديق عن الولاء للثورة ضمن رؤية متطورة فالطفل الذي كان يسعده أن يسمع بلاغات جيشه تعلن أنباء قتلى عدوه ،يسعده أن يرى سيدات بلاده يزودن أسرى الألمان الجائعين بقطع الخبز على نذرته فهنا لم يعد أعداء ,وإنما أصبحوا بشرا
    وفي سن الحادية عشرة يترك يفتوشنكو للشارع بعد انفصال أبويه ويواجه الشارع وحده هذا الشارع الذي لم يكن آمنا دائما ففي الشارع مهيمنون صغار كما في الحياة الواسعة ويتوازن الطفل بعد دروس هذا الشارع التي كانت أحيانا قاسية ويصل إلى ضرورة امتلاك القوة المواجهة الشر المحتمل باستمرار .
    وبعد النصر السوفيتي تعود للطفل أمه محاولة حمايته من الدروب التي خبرت وعورتها ومنها الشعر قاصدة أن تحوله ما استطاعت باتجاه الجدية التي لم يكن الطفل يراها في غير الشعر , ورغم اضطراب علاقته بالمدرسة فهو يتعلم بطريقته الذاتية , ويرتبط نهائيا بالشعر والكتابة
    (6)
    الستالينية والشعر فيسيرة يفتوشنكو
    لو أن قارئا أراد أن يشكل في دقيقة واحدة فكرة تقريبية متسامحة عن مضمون سيرة يفتوشنكو لكان له ذلك من خلال مسح بصري سريع للعنوانات الصغيرة الفهرسية وهو لو فعل لا لتقط من غير عناء , الهجس الأول للكاتب : هذا الهجس الذي يتجلى في تكرارية كلمة الشعر والشاعر والكتابة والتأليف والجائزة الأدبية ‘ن هذا الحقل الدلالي يشغل نسيج أكثر من ربع الكتاب , ثم تحتل شخصية (ستالين ) والتطبيقات الستالينية والشيوعية مساحة مقاربة للأولى .

    والنصف الثاني من الكتاب يشغل بانسداد الآمل وتلمس التغيرات والتحولات العميقة والتماس النهوض الروحي وقضايا الحياة الكافحة بالمجاهدات والصراعات من اجل وجود متميز ..

    الشيوعية في مسيرة يفتوشنكو تعرض باستمرار في سياق التقدير
    والنقاء (فكلمة الشيوعية وكلمة إنكار الذات في ذهني مترا دفتان )كما يقول (وكانت أمي تتساءل باشمئزاز في كل مرة تصادف فيها كاذبا بيروقراطيا مغرورا أو أصوليا يستخدم بطاقة عضوية الحزب من اجل النجاح :
    هل هذا شيوعي ؟ )
    وعلى النقيض يستخدم يفتوشنكو كلمة العقائدية في سياق هجائي استبعادي فعنوان الصفحة الثانية والربعين في الترجمة العربية البجاحة والعقائدية اكرههما .
    والمتبجحون عند يفتوشنكو هم الذين ينظرون للتاريخ من أعلى تطلعاتهم ولا يحترمون العمل البطولي للشعب , ويصورنه قطيعا من الخراف لا يقوى على التميز بين الخير والشر .
    أما العقائديون اغلبهم فيتشدقون بالكلمات الجميلة لا لشيء , كما يقول إلا لإخفاء مصالحهم الفردية المريبة .
    ولا يتردد يفتوشنكو أن يرى إن الشيوعية أصبحت روح الشعب الروسي نفسه , وبالقناعة نفسها كان المتبجحين والعقائديين لا يخونون الثورة فقط , بل يخونون شعبهم غيضا .
    وعندما أحس يفتوشنكو إن مثل الهجاء للعقائديين والمتبجحين يحتمل أن يساء فهمه من العرب , ويشجع على استنتاجات محرفة (كأكذوبة المثل العليا )ترافع بقوة :
    (أجيب عن ذلك بأنه إذا كان الحكم على المسيحية التفييش والأدعياء والقساوسة المزيفين ليس من العدالة في شيء فمن المستحيل أيضا أن تخلط فكرة الشيوعية بأعمال بعض الأصوليين وأشباه قضاة محاكم التفتيش الذين أرادوا التسلط عليها )
    وإذا تتبعنا هموم يفتوشنكو الرئيسية , كما تعكسها سيرته , بدت لنا الستالينية كلمة مرادفة للقمع : قمع كل شيء وقمع الشعر والفن وموت الإبداع والجمال
    هو لم يقرر هذه الوظيفة للستالينية تقريرا قاسيا مباشرا , منطلقا من غرضية واضحة , لأنه عندما يتعلق المر بشخصية ستالين لابد من الاحتراز , فقد صورت ليفتوشينكو طفولته ستالين , وقد تفتحت عينا أطفال جيله على تألق ستالين وعملقته , شخصية ساحرة يتلهف لرؤيتها
    (كنت أتوسل إلى أبي لكي يرفعني عاليا فوق كتفيه , حتى أستطيع أن أرى ستالين , وكنت ألوح برايتي الحمراء الصغيرة , وإنا مرفوع بين ذراعي والدي فوق الحشود الهائلة , وكنت أتصور أن ستالين يرد علي وينظر إلي شخصيا )
    ولم يكتم يفتوشنكو الطفل حسده للأطفال الذين يكلفون بتقديم الأزهار لستالين ,وعلى هذا لا نرى يفتوشنكو يفسر عبادة ستالين شأن كثير من دارسيه عن بعد , بالقهر وبأنها فرضت على الشعب السوفيتي فرضا , لقد كان على العكس , يرد الظاهرة إلى عامل سحري في شخصية ستالين :
    ( الم يكن بعض البلاشفة القدامى المقبوض عليهم والمساءة معاملتهم , بعد أن يغادروا إلى زنازينهم : عاش ستالين ؟ ) . وهم في ذلك يستبعدون أن يكون ستالين وراء عذاباتهم واحتجازا تهم .
    لقد بقي يفتوشنكو مقيدا بحب ستالين وتقديره , حتى لحظة وفاته علم 1953 .
    (كنت أحب هذا الرجل , واعجز أن انسب إليه أي عمل خسيس , أوان احمله مسؤولية خسة الآخرين)
    لكن تدفق البجاحة , وفظاظة العقائدية واستفزاز أصحاب المظاريف الزرقاء (أصحاب الامتيازات الإضافية الفاجرة ) ومظاهر الانحطاط الأخلاقي والمعنوي الذي خلفته المرحلة , كل ذلك كان يرشح الصورة المهيبة للاهتزاز والأسطورة للانفضاح , ويأتي موت ستالين ليصدمه بالحقيقة التي كان يهرب منها , لقد رأى ستالين حقا رؤية شعرية فاجعة , رآه في ذلك الضياع الذي لف الجماهير الهائمة على وجوهها , وفي الشكل الذي اقعد الناس , وفي العجز الذي أخذهم , وهم يندبون الذي كان يفكر بدلا منهم , رآه في تلك الدموع الخائفة من المستقبل , وفي خطوات أولئك البشر الذين يدوسون بعضهم بوحشية ,في موكب الجنازة الرهيب .
    لم يعد يفتوشنكو بعد مشهد الحقيقة , يرغب في رؤية ستالين على نفسه , ويرد على أمه التي تسأله فور عودته إلى البيت :
    ـ هل رأيت ستالين ؟ بالإيجاب الصريح الذي لانفهم منه معنى آخر :
    ـ نعم رايته ... وعلق :( لم أكن اكذب على أمي , لقد رأيت ستالين بالفعل , في هذا اليوم , متجسدا في الفوضى الدامية يوم تشييع جنازته )
    أما الستالينية فقد كانت واضحة له قبل رؤية ستالين الفجائعية , إنها على أغلفت الكتب المدرسية , في نهاية الروايات السعيدة المحتومة ... في الصور المخصصة للمآدب الحكومية العامرة , في الاحتفالات الرسمية المنظمة ..
    في الستالينية ظاهرتان لايخطئهما يفتوشنكو: أحداهما تتمثل في أن العمل اله يطلب قرابين من الناس كل يوم , والثانية : الشر تروس اله في مؤسسة صناعية
    ورتب على ذلك نمطيات تبسيطية معممة : القلب هو البطل الرئيس للرواية , والشعر له موضوع واحد هو تمجيد الصناعة أو الكونحوز وليس مهما , بعد ذلك أن يبتعد الجمهور عن الأدب المنتج وفق الطلب ..
    أن تتضاءل نسخ كتاب الأديب أو ترقد في غيابة المستودعات الرطبة ..وإذا كان الشعراء القدامى قد لزموا الصمت إزاء ذلك فان آخرين قد اقتيدوا إلى معسكرات الاعتقال السيبرية .. بينما راح بعض المتلمظين للشهرة والثروة يجرون وراء اقتناص الجائزة .. وقلة بقيت معلقة بين بين هؤلاء احتموا بالترجمة مثل (باسترناك وآنا احمد وفا ) ...
    وأقلية ضئيلة اكتفت بقراءة إبداعها في حلقات ضيقة واثقة بالمستقبل (الشاعر سلوتسكي كان نموذجا )
    ويلاحظ أن يفتوشنكو يعترف بأستاذية (سلوتسكي ) في أكثر من موضع في السيرة .
    لكن شاعرية (يفتوشنكو) لم تستطع الانطلاق إلا بعد أن تخلصت من حب ستالين الذي استمر كما يعترف يفتوشنكو عقله الباطن يؤهله بالرغم منه وبعد اللحظة الهورستيكية (الكشف ) ينحاز الشاعر للمسؤولية الجديدة محققا التعريف الأصلي للشاعر في التقاليد الروسية (الشاعر مكافح ـ والشعراء حملة الحقيقة ).
    ويبرز أمام يفتوشنكو مثال (نكراسوف ) ذلك الشاعر من القرن التاسع عشر ليكون النموذج العملاق والمعلم القدوة , الم يقل نكراسوف يوما ؟ (أن تكون شاعرا فليس هناك ما يجبرك على ذلك , أما أن تكون مواطنا فهذا فرض عليك )وعلى الرغم من ميل يفتوشنكو , نظريا , إلى أولية المواطنة , فانه عمليا ينهض ليكون الشاعر والمواطن معا .
    وتبدأ سيرته الشعرية تدخل معركة تحدياتها الحقيقية بمحاولته الابتعاد قليلا قليلا عن خميلة الشعر الغنائي الذي اعتصم بها طيلة حياة ستالين , ولكنه بعد ذلك أخذ يمارس مواطنيته من خلال الشعر
    واصطدم آنئذ بردود فعل متباينة ومؤلمة أحيانا , لكنه ظل مدفوعا بمحفزات الاستمرار على الجرأة في نطق الحقيقة وانتهاج روح البيروسترويكا ( إعادة البناء ) .
    البيروسترويكا رسالة الشعر الدائمة
    لم تكن مراجعة التجربة الستالينية ممكنة من غير انتهاج البيروسترويكا, وليست البيروسترويكا مصطلحا حديثا دخيلا في معجم روسيا وحتى الاتحاد السوفييتي نفسه . وكلما كانت مرحلة تاريخية تصل إلى الانسداد كانت البيروسترويكا تطل برنامجا للمرحلة التالية .. لقد كانت بيروسترويكا 1921 بعد الحرب الأهلية – على مستوى الأدب حصرا – تعني أن يحل التنافس في مسائل الأسلوب والنظرية الجمالية والتجربة محل ديكتاتورية الواقعية الاشتراكية وكانت تعني أن تخفف أعباء الرقابة وواقعات التسرع في فتاوى الخطر والمصادرة , ويلاحظ أن أهم مؤلفات الأدب السوفييتي قد خلفتها تلك المرحلة في الشعر والنثر على السواء .
    وقد لاحظ يفتوشنكو بعد غياب ستالين تحرك الحياة الفكرية والروحية , والمحاولات الجادة لتلمس طريق المستقبل , فقد بدأ ( المواطن السوفييتي) يغدو البطل الحقيقي في الأدب والصحافة دون غيره
    وأخذت القوة الهائلة الكامنة في الشعب تنطلق وبدأ الناس ينظر بعضهم بعضا بلا ريبة لأول مرة , ويناقشون مشكلاتهم الحيوية مما يمكن أن يلخص بانقلاب عميق في مجال الروح وقد عكست قصيدة يفتوشنكو ( محطة زيما ) مثل هذا التحول الداخلي مما أثار عليه تيارات متباينة من النقد ورافق هذا النهوض الأخلاقي والروحي عودة أصوات شعرية كانت ساكتة أو مسكتة من مثل (مارتينوف و سلوتسكي ) ودخل الشعر من جديد قاعات تغص بالمستمعين واستوقف الجماهير في عرض الشوارع , ونوقشت قضاياه ومهامه في ندوات المصانع والجامعات والمعاهد والمدارس المختلفة , واستقبله الشباب بحساسية جديدة مناسبة وانفعلوا بالآفاق الجديدة المتسامحة في الفن عامة وازدادت مواقف الجموديين , وباسم الحرص على التكوين العقائدي والثوري تصلبا , واتهمت الشبيبة من هؤلاء بالعدمية وافتقاد المثل العليا .....
    وكان يفتوشنكو مع الحدود المفتوحة بين الأجيال رغم التضييقات التي لوحق بها من العقائديين الذين لم تستطع المرحلة الجديدة أن تنتزع منهم نفوذهم في المجالات المختلفة .
    كان يفتوشنكو في نهاية الخمسينيات يشهد الربيع الحقيقي رغم وطأة الخصوم التقليديين , فديوانه (طريق المتحمسين) الذي لم يعجب به النقاد نفذت نسخه في بضع ساعات من يوم صدوره ..
    وتحتضن نشريات الشبيبة ,خاصة الحرس الفني , قصائده التي تهاجم ( عبادة الفرد ) ويشدد من عزيمته – التي تعرضت للفتور أكثر من مرة – نموذج كلياكوف الشاعر الذي ادخل السجن ثلاث مرات في أثناء المرحلة السابقة واستطاع أن يكتب إبانها قصائد رومنتيكية تصف الإيمان بمثل الثورة وتمجد انتصار العقل ويأتي لقاؤه مع الشاعر المعتزل ( بوريس باسترناك ) ليرتفع بروحه المعنوية الهابطة , ويبدو أن مقابلاته الأربع أثيرة لديه واحتفظ بها ولم يدرجها في سيرته واعدا أن يخصص لها حديثا مستقلا .
    وتمتد علاقات يفتوشنكو بأصحاب النزعات التجديدية , وفي مختلف ألوان الفنون , ففي الفن التشكيلي يؤخذ بإبداعات الفنانين السوفيتيين : ( يوري فاسبلييف) المصور و(ارنست نيزفستنبي)النحات , وقد وصلا بعد تأسيس أكاديمي عميق إلى جماليات وتعبيرية الفن التجريدي
    وتتعدل مفاهيمه بمفاهيمها عن الفن بشكل جذري ويقتنع يفتوشنكو بعد أن يتلمس جوهرية الفن والعبقرية في أعمالها أن الإنسان لا بد أن يكون عقائديا متزمتا حتى يسمي هذين الفنانين : (خدم البرجوازية ) .
    ويصل بعد تعميق صلته بالفن التشكيلي الجديد إلى تعميق فهمه للواقعية بحيث غدا يرى أن الواقعية تكمن في كل عمل يحرك روح الإنسان حتى وإن يكن هذا العمل لا يمثل منازل أو أشخاصا
    وفي تقويم العمل الفني والأدبي أدرك يفتوشنكو مدى أهمية استقبال الجمهور له أو نفوره منه وتوصل إلى أن القارئ أو السامع يساهم مع المبدع , في أعماله دون أن يدري .
    وكانت الرحلات والتنقلات تستهوي يفتوشنكو وتقطع نعاله والحدود – كما أعلن في قصيدة له – كانت تقهره ولم يكن يحتقر خصوم الديمقراطية من العقائديين , على المستوى التعبوي لكنه لم يفقد تفاؤله نهائيا مادام الشباب يتمسكون بمسالك التقدم .
    ومع احتمال أن يكون يفتوشنكو هذه الأيام قد تباطأت خطواته في متابعة البيروسترويكا الشاملة التي وضعت برامج تنفيذية لها في بلاده , من أعلى نقطة في النظام إلا أنه في الخمسينيات والستينيات وأنا أدرس يفتوشنكو تلك المرحلة من خلال سيرته كان يدعو إلى البيروسترويكا ويسهم في إبداعها على المستوى الشعري والأدبي , ولعل جيل يفتوشنكو هو الجيل الذي يقود مسيرة البيروسترويكا المتعثرة ألم يكن غورباتشوف من لدات يفتوشنكو ؟ ألا تستعيد البيروسترويكا ما دعا إليه جيل يفتوشنكو من الفنانين في الستينيات ؟
    إن روح دعوة بيروسترويكا الثمانينات والتسعينات تتلخص – كما طرح غورباتشوف خاصة – في:
    - أن قضايا العالم الجديد لا يمكن أن تحل على أساس نمط التفكير الموروث من العصور الماضية
    - البيروسترويكا انبعثت بفعل التبدلات الثورية المتراكمة في صفوف الشعب ولأن نداء الضمير المقلق والفكر المتأصل الموروث عن الثورة هما الدافعان إليها لا المصالح والاعتبارات (البراغماتية ) .
    ألا يلتقي السياسي ( وكان ممثلا في شخص غورباتشوف ) والشاعر يفتوشنكو في أن المهمة الكبرى تكمن في إنهاض الإنسان روحيا واحترام عالمه الداخلي وتعزيز مواقفه الأخلاقية والعالم الداخلي لدى الشعراء هو مهمة الشعر الدائمة .
    ألا يتحلى كلاهما( يفتوشنكو و غورباتشوف ) بالجرأة على النقد الذاتي من غير تخوف من مواقف الآخرين ويقول كلاهما على روح المواطنة ويحرض كلاهما على مناهضة روح البيروقراطية و الدواوينية والأبهة الظاهرية والشعاراتية المفخمة ؟
    وفي النهاية ألا تشكل الديمقراطية ودمقرطة المجتمع , محور البيروسترويكا ؟
    لقد رأى أطفال الثلاثينيات ( يفتوشنكو و غورباتشوف من مواليد أوائل الثلاثينيات ) الحقيقة معا لكن الشاعر طفل ينطق بالحقيقة فور الإحساس بها بينما السياسي متعقل قد ينتظر ربع قرن حتى يعلن رؤياه ..
    إنه الفارق بين ما هو استراتيجي وما هو تكتيكي , ومهما يكن من أمر السياسة واحتمالاتها
    (و غورباتشوف مثال صارخ ) فإن الشعر بالتأكيد تظل البيروسترويكا ( إعادة البناء ) مهمته الإبداعية الدائمة..

    المقالة :سلمان إسماعيل

    التنضيد :
    كيبورد : ثائر الحسين

    منال ادريس


يعمل...
X