إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تقرير:رنا رفعت - علامة فارقة الفسيفساء السورية في تاريخ الفن الإنساني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تقرير:رنا رفعت - علامة فارقة الفسيفساء السورية في تاريخ الفن الإنساني

    الفسيفساء السورية
    علامة فارقة في تاريخ الفن الإنساني

    اللاذقية - سانا

    تقرير:رنا رفعت
    أثرت الفسيفساء السورية عبر التاريخ الإنساني الفن العالمي قاطبة منذ العصر الهلنيستي آواخر القرن الرابع قبل الميلاد مرورا بما تلاه من مراحل زمنية متعاقبة فقد استطاع الإنسان السوري أن يحتل مركز الصدارة في هذا الفن الذي مهدت له صناعة استخدمت منذ غابر الأزمان لأغراض جمالية بحتة أغناها الفنان السوري قديما بابتكارات لا تحصى تنوعت موضوعاتها و سماتها من عصر الى آخر متحولة الى فن قائم بذاته نهلت منه كل الحضارات الإنسانية من مشرق الأرض إلى مغربها.
    وتشير التنقيبات الأثرية في مختلف المواقع الأثرية ولاسيما أنطاكيا وأفاميا وتدمر وشهبا ومريامين وبصرى ودير العدس إلى ابتكارات فن الفسيفساء الذي تطور على الأرض السورية خلال قرون من الزمن ليؤرخ العهد الإسلامي لنقلة نوعية في هذا الفن تجلت في سلسلة طويلة من الأعمال الفسيفسائية الرائعة والتي استوحى كثير منها أفكاره من الثقافات العالمية المتنوعة.
    ويشير الدكتور الباحث خليل المقداد في كتابه ( الفسيفساء السورية والمعتقدات الدينية القديمة) إلى أن الاكتشافات الأثرية الحديثة قد شملت معظم المواقع الأثرية على امتداد سورية والتي تعرف بمواقع العصور الكلاسيكية وخاصة في الكنائس والأديرة والكاتدرائيات ما جعل من سورية حديثا أحد أهم الأقاليم وأكثرها غنى وثراء وازدهارا وأيضا إيثارا لدراسة الفسيفساء القديم.
    ويضيف الباحث أن الابتكارات الفسيفسائية منذ أصولها وحتى القرن الثالث بعد الميلاد ارتكزت على الميثيولوجيا الإغريقية والرومانية والشرقية من حيث الأفكار والألوان والنماذج والأساليب حيث أثبت الفنان السوري براعة استثنائية في تطوير هذا الفن ودفعه إلى الأمام باستعمال التدرج في اللون والضوء ورسم الصور والمشاهد التمثيلية والمسرحية في هذه الأعمال.
    وكان للفنان السوري كذلك الريادة في تطبيق أسلوب التبدل في الحركة والذي حرر العمل الفسيفسائي من التعابير الجامدة عبر تراكيب ذات حدة حركية فعالة ونشاط ديناميكي عال كما قام بإغناء التعبير التزييني من خلال الذوق المتجدد والذي استخدم فيه الديكور المخضر وكثف من العناصر الهندسية الأصلية إلى جانب ما تلاه من إدخالات جديدة وفق ما تقتضيه كل مرحلة من أذواق فنية واجتماعية وعقائدية ما مهد لانطلاقة لامعة ومبدعة امتدت شيئا فشيئا لتشمل كامل أراضي الإمبراطورية والمدن السورية القديمة.
    كذلك تؤكد الوثائق والدراسات التاريخية أن القرن الثاني الميلادي شكل محطة فارقة في تاريخ الفسيفساء السورية حيث شهدت سورية مرحلة ازدهار عمراني وفني كبير انعكس على هذا الفن وأدى إلى انتشاره واتساع رقعته في كافة المدن السورية كجزء من تطور حضاري يسجل التاريخ أن كل من كان موءثرا أو منفذا أو مبرمجا فيه كان سوريا أو ينتمي إلى جذور سورية بمن في ذلك الحكام والأباطرة والمهندسون والفنانون.
    وتوضح المكتشفات الأثرية أن الفسيفساء السورية وبعد مرورها بسفر طويل من الانتقال والتحول اعتلت هرم هذا الفن لتصبح مصدر الهام وايحاء لكل فناني العالم ومبدعيه في هذا المجال مرتكزة على إرث محلي عريق تمت فيه ترجمة وتصوير المفاهيم والرؤى المختلفة في كل قطاعات الحياة وضمن صبغة حيوية اعتبر التجديد واحدا من أبرز سماتها كما تظهره مجموعة من الأعمال واللوحات الفسيفسائية الخالدة.
    ولدى استعراض أهم وأجمل هذه الأيقونات تبرز إلى الواجهة السجادات الرائعة في خربة المفجر ولوحة الجنة في المسجد الأموي وفسيفساء مسجد قبة الصخرة وقصور الحلابات وعمرا والمشتى والحير الغربي والشرقي بالاضافة إلى كل من لوحات (النساء الأمازونيات المقاتلات و الصيادات)و محاكمة حوريات البحر النيريد و سقراط و الحكماء الستة الآخرين والاحتفال بعودة أوليس والخادمات و ربة الأرض جي و آلهة الفصول الأربعة المكتشفة في أفاميا.
    ولاتقل شأنا بطبيعة الحال عن كل ما سبق ذكره كل من لوحة أسطورة الخلق والآلهة جي وأيون وبروميثيه و لوحة تبرج فينوس المعروضة في المتحف الوطني في السويداء ولوحة أخيل في جزيرة سكيروس المكتشفة في تدمر و مشهد المائدة في مدينة شهبا وسواها من الأعمال التي أغنت التاريخ الإنساني والحضارة البشرية.
    وفي هذا الإطار تشكل تجربة الفنان روءوف بيطار علامة فارقة في حقل الاشتغال الفسيفسائي نظرا لاعتماده تقنية مبتكرة يستبدل من خلالها الحجارة بالخشب كأساس للوحاته الفنية التي تتنوع بين التاريخية والإبداعية الى جانب ما يسميه اللوحات التأملية والتي تقوم في عناصرها الفنية على مجموعة من حيثيات علوم الطاقة والتأمل.
    ويعمل الفنان بيطار على تصوير الشخصيات التاريخية التي برزت خلال المسيرة الحضارية الطويلة لسورية التاريخية منذ الألف الثالث قبل الميلاد انطلاقا من العهد الاغريقي فالروماني وصولا إلى حضارات الكنعانيين والفينيقيين والآشوريين والكلدانيين والسريان والحثيين والبابليين والآراميين والأنباط وغيرهم بالاعتماد على مجموعة كبيرة من الوثائق والشروحات التاريخية.
    ويوضح بيطار أنه يلجأ في عمله إلى تكبير الصورة الوثائقية أولا لتتوضح ملامحها فتبرز تفاصيلها وخطوطها وأبعادها ليصار بعد ذلك الى تظهير الظلال القاتمة ثم لصقها على الخلفية الخشبية من اللوحة كمرحلة أولى من العمل الذي يستخدم لإنجازه أخشابا طبيعية خالصة.
    ويشير إلى أن تحضير ما تحتاجه اللوحة الواحدة من آلاف الحبيبات الخشبية التي يبلغ حجم الواحدة منها سنتمترا مكعبا هو واحد من أصعب مراحل العمل قبل ان يتم نحت كل حبة و لصقها على الأرضية الخشبية مؤكدا أنه يفضل استخدام أخشاب الزيتون والجوز والتوت والسرو والصغيرون لما توفره من تنوع لوني يغني عن استخدام الألوان والأصبغة الصناعية التي تعجز في حال من الأحوال عن مقاربة السحر اللوني الموجود في الطبيعة.
    ويمكن اعتبار مشغل الفنان بيطار الموجود في حي الصليبة في اللاذقية متحفا تاريخيا فريدا من نوعه لما يضمه من أعمال فنية تجمع بين التوثيق والابداع الفني بحيث يصعب احصاء هذه الأعمال التي لم تلق طريقها كما يجب الى الضوء الاعلامي ومنها لوحة للملك أنطوخيوس الثالث الذي أعطى لسورية الطبيعية حدودها القصوى في الحرب السورية الخامسة التي جرت خلال الأعوام ما بين 202 و198 قبل الميلاد.
    ويضم المتحف المصغر لوحة للمعماري المبدع أبولودور الدمشقي مهندس طريق الحرير الذي عمل في روما في النصف الأول من القرن الميلادي الثاني والذي أكدت العديد من المدارس المعمارية النقدية أن إبداعاته المعمارية حملت في طياتها خصائص هيلنستية سورية في واحدة من أبرز هذه اللوحات يصور بيطار ملك سورية السلوقي سلوقس نيكاتور الذي أسس مدينة اللاذقية في القرن الثاني قبل الميلاد وأطلق عليها اسم والدته لاواديسيا.
    إلى جانب ذلك هناك لوحة للإمبراطورة الرومانية جوليا دومنا زوجة سبتيموس سيفيروس الذي شاءت الأقدار كما تذكر الوثيقة التاريخية المرفقة باللوحة أن يصبح إمبراطورا على روما لترافقه زوجته في رحلاته وانتصاراته وكانت جوليا دومنا التي اشتهرت بجمالها وذكائها وحكمتها ومنحتها روما لقب أم الوطن قد ساعدت من خلال مرافقة زوجها الدائمة على انتشار النفوذ الثقافي السوري في روما.
    ومن الأعمال المهمة أيضا لوحة حمورابي وملاكه الحارس والتي احتاجت لتنفيذها الى ما يقرب من 12ألف حبة كما احتاج تنفيذ لوحة ماريان رمز الثورة الفرنسية أكثر من 19000 حبة أما الجارية المصغرة لأوروبا بنت أجينور ملك فينيقيا في صور فقد احتوت على أكثر من 21 ألف حبة الى جانب لوحة لزنوبيا ملكة تدمر ولوحة سرجون الآكادي ولوحة جلجامش ولوحة الآلهة الأم المرضع وعشتار آلهة الحب والخصب وزينو الفينيقي وآشور بانيبال وملكي صادق ونبوخذ نصر وسواها.
    ويؤكد بيطار أنه سعى في مشروعه الفني إلى استلهام تاريخ سورية كمادة أساسية لكل أعماله تأكيدا على الحضارة العريقة التي قامت منذ آلاف السنين على هذه الأرض وما ساهمت به من إثراء كبير للتاريخ الانساني وللحضارات البشرية منذ آلاف السنين.

يعمل...
X