إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

العزف على أوتار الشجن - د. عبد الله نزهة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العزف على أوتار الشجن - د. عبد الله نزهة

    õالعزف على أوتار الشجن õ
    د. عبد الله نزهة
    علمتني1[1] الأيام لعبة الفقد والبدائل ، وكنت قد عرفت شيئا عن فن إدارة الأزمة ، والصبر على الأنفاق المعتمة ،فصرت إذا فقدت وظيفة أبحث عن أخرى و إذا هدم لي بيت أقمت غيره ، وإذا فقدت صديقة فكل الكائنات اللطيفة أصدقائي ، طيور وحيوانات أليفة ونباتات و أزهار" .
    صارت هذه هي بوصلتي التي توجهني ، حتى حين أوقفتني ظروف الحياة في منعطف بين خيار ين ، أن أرتمي بين دوامات الحزن والكآبة أو أستأنف الحياة بلا أطفال ، على الرغم من أن إحساسي الغريزي بالأمومة2[2] ظل يطفر بالألم مثل جرح مفتوح ، فاخترت الثاني.
    وذات يوم زرت صديقة تهوى تربية الكلاب فامتد بنا الحديث عن مشاعر الدفء و الألفة التي تبثها الكلاب في البيوت ، وتمنحها للوحيدين ، فيمدون بها جسرا مع الحياة .
    في ذلك اليوم قررت اقتناء كلب ، وقد حدث ووافتني الصديقة نفسها بواحد وفي سرعة فائقة ألفت التعامل مع الكلب و ألف هو التعامل معي ، وسارت عجلة الحياة بين العمل و القراءة والكتابة و كلبي إلى جواري يشاركني الطعام و النوم والجلوس في الشرفة الوحيدة المطلة على مدرسة الأطفال .
    وشيئا فشيئا اعتاد أن يشاركني جميع أنواع الطعام حتى الخضار المسلوق والحلوى و قزقزة اللب و الفشار تماما كالأطفال ، كانتتأكل هذه الأشياء بنهم شديد ، وكنت ابتسم لمرآي الكلبة و هو يأتي بنفس شقاوة الأطفال وعنادهم حتى الرغبة في اللعب والقفز و المرح ، وكانت أمومتي تتفجر إزاء هذا الكائن الجميل الذي يتدفق بالحيوية والبهجة، فلم يكن كلبي شرسا آو شريرا كشأن بعض الكلاب،لكنه كان على العكس تماما حنون ودافئ ، حتى أنه ذات ليلة صارتتربت على خدي مثل بشر حنون .كنت أتحدث إليها فتفهمني ، وحين أناديها باسمهاتأتي بعواء رقيق و كأنها تسألني نعم ماذا تريد وحين أطالبها بالابتعاد عن النار أو أي من مظاهر الخطر كانتتستجيب ، وكانتتجلس فوق حافة الشرفة لتتابع الأطفال في المدرسة المقابلة ، وهم يقفون في طوابير الصباح ويغنون أناشيد ثم ينصرفون في طوابير منتظمة إلى صفوفهم.
    بعد وقت حين تزوجت كلبتي و حملت ، رحت في فرح أهيئ لها مكانا بالدفء و الأمان ، و أرتب لها طعاما خاصا يليق بالكلبة –مشروع الأم الجميلة – وانتابتني مشاعر من ينتظر أحفاده بفائق الشوق واللهفة . كنت أشعر بأن أفراحي الصغيرة تكبر يوما بعد يوم .
    في يوم الولادة ظللت إلى جانب كلبتي أتابع مشاعر التوتر والتعب ، و أحوطها برعايتي وحناني حتى تدرك ساعة الولادة ، تلك اللحظة التي ترجرج لها كياني حين رأيتها تضع ثلاثة جراء يشبهونها تماما ، ثم امتلأ البيت بالفرحة والبهجة و صار وكأن أطفالا كثيرين يتحركون فيه .
    داهمني إحساس الاغتراب و أنني مجرد صاحب للبيت أو خادم أمين يسعى لتلبية احتياجاتها واحتياجات أولادها . ثم اجتاحتني رغبة عارمة في زيارة جارتي التي أهملها أبناؤها بالبعد والجفاء ، وكأنني أبحث عن سلوى كافية . كانت كلبتي بحركتها السريعة تتفادى نظراتي إليها .
    وإذا بها ذات ليلة تنسل من بين صغارها وتأتي لتنام على ذراعي كعادتها . بدت وكأنها تربت على مشاعري ، غير أنني رحت أحدثها رغم غيرتي الغير معلنة أنها صارت أما ولابد من أن تظل إلى جوار صغارها ، الذين هم في حاجة إلى حنانها ودفئها ، ثم سخرت من نفسي هل ستعي الكلبة حديثي هذا . لكنني في الصباح صحوت على مشهد غريب اهتز له كياني ، لأرى كلبتي تنام على ذراعي ، وفي المسافة ما بيني وبينها ينام صغارها.


    [1] علمتني : العلم بعد الكبر

    [2] غريزة الأمومة : تجوز هذه الغريزة للذكر وللأنثى



    العزف على أوتار الشجن - د. عبد الله نزهة
يعمل...
X