إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تكسر ( شيرين قباني ) حاجز صمت يهود لبنان بفيلم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تكسر ( شيرين قباني ) حاجز صمت يهود لبنان بفيلم


    مها بن عبد العظيم

    شيرين قباني تكسر حاجز صمت يهود لبنان

    أعدت شيرين قباني فيلم تخرجها من جامعة بيروت العربية، واختارت له موضوعا شائكا فصورت وثائقيا قصيرا عن "الطائفة الإسرائيلية" في لبنان يتناول تاريخهم وأوضاعهم والأعمال القليلة المخصصة لهم. ولعل ما يميز فيلم شيرين قباني عن غيره حصولها على شهادات لبنانيين يهود يعيشون في لبنان.

    عرضت في السنوات الماضية بعض الأفلام والريبورتاجات التلفزيونية عن يهود لبنان، تحدث فيها أفراد الطائفة في المهاجر في أوروبا وإسرائيل وأمريكا عن حنينهم لوطنهم.

    لكن اللبنانية شيرين قباني أعدت في نهاية دراستها بجامعة بيروت العربية وثائقيا مدته حوالي ستة عشر دقيقة ويحمل عنوان "الطائفة الإسرائيلية في لبنان أصوات بلا وجوه" يعرض وضع يهود ولدوا وعاشوا في لبنان ومعترف بهم كطائفة إسرائيلية بشكل رسمي من قبل السلطات اللبنانية.

    وواجهت شيرين صعوبات شاقة في إنجاز هذا الفيلم، فالوصول إلى اليهود وتصويرهم أمر شبه مستحيل نظرا لخوفهم من الملاحقة. وواجهت مشاكل كبيرة واتهامات بالعمالة لإسرائيل، واستغرق إعداد الفيلم قرابة السنة والنصف.

    ولعل أبرز ما يميز الفيلم هو ذهابه لملاقاة لبنانيين يهود يعيشون في وطنهم، فيقدم لنا شهادات قيمة ونادرة وقريبة من واقعهم إضافة إلى المعلومات التاريخية الدقيقة التي تفيدنا بها والتي يجهلها الكثير. تقول شيرين:"لم يقبل الأشخاص الذين التقيتهم الظهور في الفيلم إلا بشرط التحفظ على هوياتهم."

    وهو ما وفت فيه المخرجة فلا نرى منهم سوى الظهر أو الكتف، فإذا بنا أمام "أصوات بلا وجوه" تعكس واقع هذه الطائفة في لبنان التي تراكمت معاناتها ومخاوفها فجعلتها كالظلال العابرة في بلاد أنهكتها النزاعات الطائفية."

    وأضافت شيرين "فضلوا عدم الظهور للحفاظ على سلامتهم". وسألناها فيما إذا بقيت بعد انتهاء الفيلم على اتصال بهم، فأجابت "طبعا لأن صداقتهم سبقت الفيلم. لا يمكنك دخول بيوتهم والحديث معهم إذا لم يكن لهم ثقة كبيرة بك. فالصداقة واجبة قبل المصلحة."

    والوصول إلى هؤلاء الأشخاص شكل أحد أكبر العوائق في رحلة الفيلم فقالت لنا شيرين "لا أحد يقول لك أنا يهودي !" وكتبت شيرين "كان السؤال الأبرز" هو "كيف سأتمكن من الوصول إلى القلة القليلة من اليهود الباقين في لبنان؟ تعبت وتحملت كثيرا ومرت أيام وشهور من دون نتيجة، إلى أن فقدت الأمل في الوصول إلى الشخص الذي رأيته مرة ولم أجده ثانية."

    وأكدت لنا المخرجة "لا يوجد اليوم في لبنان سوى مائتي شخص من الطائفة اليهودية وإن كانت الأرقام غير محددة"، إذ تتحدث أرقام أخرى عن حوالي ستين أو سبعين فردا. وتقول مصادر أخرى أن بضعة عشرات مسجلون كيهود والبقية تحولوا إلى ديانات أخرى، ربما لتفادي التعرض إلى اعتداءات.

    وتمكنت شيرين بفضل الأشخاص الذين قبلوا التحدث إليها من الحصول على الوثائق النادرة التي تشكل جوهر الفيلم، من صور شخصية وعائلية تظهر الحياة اليومية لليهود فنرى فيها بعض الأمكنة على غرار الكنيس والمدارس وبطاقات هوية وصحف قديمة من بينها "العالم الإسرائيلي" التي كانت تصدر في بيروت في العشرينات. وأكدت لنا شيرين "لم أجد شيئا عنهم لا في الإنترنت ولا في أي مكان."

    ويعرف عن اليهود منذ بداية التاريخ أنهم تشتتوا وهاجروا أيام العهد العثماني إلى بلدان عربية عديدة. وأغلب يهود لبنان من أصل مزراحي أي مشرقي وتمركزوا في مناطق عدة وازداد عددهم تدريجيا حتى بلغ خمسة آلاف في بداية القرن العشرين، فاضطر الأمر بالسلطات الفرنسية إلى الاعتراف بهم كلبنانيين في 1936 تحت تسمية "الطائفة الإسرائيلية". وتحمل بطاقة هوية اللبنانيين اليهود إشارة إلى أنهم من الطائفة الإسرائيلية.

    وكانت المعابد والمدارس اليهودية متواجدة بكثرة في لبنان وصور وصيدا وطرابلس، وعددها في بيروت سبعة عشر من بينها كنيس المن والاسبانيولي وتانا وكنيس في دير القمر يعود إلى سنة 1740. وأغلقت الحروب أبواب الأماكن اليهودية ودمرت أخرى وهاجر العديد من أبناء الطائفة هربا من النزاعات ونرى في الفيلم بعض الصور لممتلكاتهم التي يأكلها الإهمال والنسيان.

    وأكدت شهادات اليهود اللبنانيون في فيلم شيرين "كنا نعيش بشكل أكثر من طبيعي قبل الحرب الأهلية." فـ"لا طلقة رصاص. كانت اياما بسيطة. نصلي فلا يقربنا أحد. ونتسلى ونلعب مع الرفاق ونتجول على الكورنيش. الحرب غيرت كل شيء. الله يرحم تلك الأيام."

    وقبل الحرب الأهلية اللبنانية، بدأ عدد أفراد الطائفة ينخفض مع قيام الدولة العبرية في 1948 إلا أن الهجرة الكبرى جاءت بعد حرب 1967 بعد انهزام العرب أمام إسرائيل واستقالة جمال عبد الناصر ونزول المتظاهرين العرب إلى الشوارع هاتفين بكرههم لإسرائيل. ويقول المؤرخ زياد فهد في الفيلم "كانت تمر مسيرات أمام منازل اليهود في لبنان مرددة "فلسطين بلادنا واليهود كلابنا"، وهو ما اضطر العديد إلى الهرب من البلاد.

    وقالت لنا شيرين إن ما ضرب التواجد اليهودي في لبنان هو "عدم التفريق بين صهيوني ويهودي". وهذا الالتباس الذي لا يزال عالقا في الأذهان يدفع اليهود في لبنان إلى التخفي.

    وقال الصحافي صقر أبو فخر لشيرين "بعد قيام إسرائيل قالوا "لا بد من القتال الفوري لا بد أن نقاتل اليهود أينما كانوا فما فرقوا بين الصهيونية واليهود فنسفوا كنيس اليهود ومدرسة الأليانس بالشام ونفذوا نفس العمليات في بيروت بوادي أبو جميل.

    وقتل بعض اليهود وخطف البعض الآخر ونسفت محلات ومدارس". وتحدث آخر في الفيلم عن هجوم تعرض له في منطقة المطار وهو عائد بعد أن رافق أحد جيرانه اليهود ليهرب إلى الولايات المتحدة "بحجة أنني أهرب عملاء إسرائيليين."

    ورمت شبكة الموساد خيوطها في منطقة وادي جميل في تلك الفترة وكانت تهرب يهودا عربا إلى إسرائيل بمساعدة بعض الأطراف اللبنانية. واشتهرت وقتها قصة العميلة شولاميت كوهين التي حكم عليها في 1964 بالإعدام ثم أطلق سراحها في صفقة تبادل أسرى مع إسرائيل.

    ويسرد الفيلم شهادات تبرهن عن اختلاف المواقف فقالت كاتي "هي مش عميلة هي كانت تساعد القادمين من سوريا" وعبرت كاتي عن رغبتها في العيش في إسرائيل "كل الناس عندهم وطن ومن المفروض أن الشعب اليهودي يكون له وطن وأن يكون مستقلا وغير محكوم من أي بلد".

    لكن أحد المتحدثين الآخرين قال مستنكرا "هناك عملاء مسيحيون وعملاء مسلمون فهل يجعل من ذلك كل المسلمين أو كل المسيحيين عملاء ؟ فكيف يخص هذا التفكير اليهودي ؟". وجاء أيضا في الفيلم على لسان أحد اليهود "توراتنا تعدنا بالعودة إلى أرض أورشليم لكن الدولة الصهيونية تعمل على عكس هذا المعتقد فهي دم ودمار. فهل برأيها أن تحقق ذلك على جثث الناس ؟".

    وشكلت الحرب الأهلية اللبنانية "الضربة القاضية" للطائفة. وقال أحد المتحدثين في الفيلم "كنا عايشين بألف خير قبل الحرب الأهلية "أختي كانت مرضعتها جارتنا المسيحية وأصحابنا كانوا مسلمون وما كنا نفترق" وروى بعض الحكايات عن مسلمين أمنوا لهم الطرقات خلال الحرب.

    وأدى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 إلى العديد من الأعمال الانتقامية ضد الطائفة اليهودية في لبنان. في وقت حاولت فيه إسرائيل اجتذاب يهود لبنان لكي يهاجروا إليها. حيث كانت فكرة الهجرة إلى إسرائيل فكرة مرفوضة لدى الطائفة في لبنان رغم تعرضها للعديد من الاعتداءات من قبل جماعة إسلامية متشددة منذ 1984.

    وقد شملت الاعتداءات هجمات على كنس يهودية، كما تم خطف أحد عشر يهوديا من أعيان الطائفة اليهودية اللبنانية وإعدامهم.

    في عام 1991 وكنتيجة للهجرة الجماعية للطائفة إلى الخارج، لم يبق في لبنان سوى القليل. حتى أن المخرجة نفسها تحدثت في صحيفة النهار عن صدمتها عندما التقت يهوديا لبنانيا لأول مرة في حياتها وكانت شرارة انطلاق فكرة الفيلم في ذهنها ورحلة "عاطفية" في ممرات ذاكرة مفعمة بحب المعرفة والشوق إلى وطن سلام دون التخلي عن الدقة الوثائقية.

    وأكد زياد فهد أنه يجب "تحرير مصطلح الدين اليهودي من مفهوم إسرائيل" حتى تخرج الطائفة اليهودية من حالة الخجل والخوف وقفص الأفكار المسبقة والمشبعة بالخلط مع الصهيونية مع غياب شبه تام للحوار.

    وتخشى المخرجة نفسها من عرض الفيلم في الأوضاع الراهنة في لبنان "تفاديا لوقوع هجوم"، فالتحول الاجتماعي يلزمه وقت طويل. لكن الفيلم اختير في إطار مهرجان في فيلادلفيا في الولايات المتحدة كما عرضت عليها قناة بي.بي.سي عرضه.

    وتنهي شيرين الوثائقي بنظرة مليئة بالأمل تتناول ترميم أبناء الطائفة لكنيس إبراهيم ماغن الكائن في الوسط التجاري لبيروت.

    فهل تعود الطائفة اليهودية إلى وقع صلواتها وحياتها اليومية كجزء من التنوع الذي يميز لبنان؟ أم أن هذا البلد الذي تعصره النزاعات لن يخرج من دوامة العنف والخلافات؟

    وتخبرنا شيرين أن أشغال الكنيس تقارب على الانتهاء لولا أن العمال سوريون وفي الوضع الحالي لا يمكنهم مواصلة مهمتهم.




يعمل...
X