إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مصر على حافة بركان افريقي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مصر على حافة بركان افريقي

    مصر على حافة بركان افريقي

    عبد الباري عطوان



    تتحدث الانباء عن احتمال عقد لقاء قمة ثلاثية في شرم الشيخ، تضم العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري بشار الأسد، الى جانب الرئيس المصري حسني مبارك. وهناك من يذهب بعيداً في تفاؤله الى درجة التبشير بعودة المثلث المصري السوري السعودي الى سابق عهده، واستعادة دوره في قيادة المنطقة.
    هذه الانباء تعكس بوضوح مدى تكلّس العقل العربي، على المستويين الرسمي والشعبي، المعتدل منه والممانع، وتفسر اسباب حالة التردي التي وصلت اليها الامة العربية في الوقت الراهن.
    الرئيس المصري مريض، وطبيعة مرضه ما زالت من اسرار الدولة، والعاهل السعودي في معسكر آخر غير المعسكر الذي يقف فيه الرئيس السوري، سواء من حيث السن (الفارق بينهما خمسون عاماً) او من حيث السياسة، فكيف في ظل مثل هذه التناقضات الواضحة للعيان يمكن لهؤلاء ان يقودوا المنطقة مجدداً.
    عيادة المريض صدقة، بل هي واجب اخلاقي بحكم الاعراف والتقاليد، ولكن القول بأن زيارة الرئيس السوري الى المنتجع الشهير للاطمئنان على صحة الرئيس المصري يمكن ان تحقق مصالحة بين الجانبين وتعيد المياه الى مجاريها، وتؤسس لإحياء تحالف قديم برعاية سعودية، ينطوي على الكثير من السذاجة.
    مصالحة شخصية ممكن.. ترطيب اجواء ربما، تسليك بعض القنوات الدبلوماسية المغلقة بين بلدين انخرطا في وحدة في يوم ما وخاضا جميع حروب العرب سوياً.. امر غير مستبعد، ولكن من الصعب، ان لم يكن من المستحيل الذهاب الى ما هو ابعد من ذلك في تقييم اي لقاء ثلاثي او رباعي او حتى قمة عربية.
    الدولة المصرية تتحلل بفعل الفراغ الخطير في قمتها، وحالة الشلل التي اصابت معظم مفاصلها، واذا كانت غير قادرة على مواجهة مشاكلها الداخلية المتفاقمة، فكيف يمكن ان نتوقع منها حل او المشاركة في حل اي مشكلة اقليمية اخرى؟
    لا أحد يعرف حالياً من هو صاحب القرار في البلاد، هل هو الرئيس نفسه الذي يعيش حالياً فترة نقاهة بعد عملية جراحية للتعاطي مع مرض ما زالت طبيعته غامضة، ام المجلس المصغر للأمانة العامة للحزب الحاكم، ام لجنة ثلاثية من وزير الدفاع (المشير حسين طنطاوي) ووزير الداخلية (اللواء حبيب العادلي) ورئيس المخابرات اللواء عمر سليمان.
    ' ' '
    البلد بدون نائب للرئيس، واعضاء في الحزب الحاكم يهددون، بوقاحة غير مسبوقة، باطلاق النار على المتظاهرين المطالبين بالتغيير، ونصف الشعب المصري يعيشون تحت خط الفقر، اي اقل من دولارين يومياً، ونصف هؤلاء اقل من دولار في اليوم.
    النظام الحالي قال ان حرب اكتوبر عام 1973 هي آخر الحروب، ووقع معاهدة سلام وتعاون امني مع اسرائيل، من اجل التركيز على توفير احتياجات الشعب المصري الاساسية، والنهوض بمستواه المعيشي، وتحسين الخدمات الطبية والتعليمية والاسكانية، وهذا حق مشروع لا يجادل فيه احد، ولكن هل تحققت هذه الاهداف، او اي منها، بعد خمسة وثلاثين عاماً من تبنيها؟
    وتتحدث الصحف المصرية عن انفجار وشيك في مصر منذ عشر سنوات تقريباً، ولكن هذا الانفجار لم يحدث عندما وجد الشعب المصري نفسه يبحث عن رغيف الخبز في الافران دون ان يجده، والآن وبعد ان تقزم هذا الرغيف واضمحل وزنه وشكله، اصبح هذا الشعب مهددا بنقص في مياه الشرب.
    الدول الافريقية السبع التي تمد النيل بجميع روافده المائية بدأت تتمرد على الاتفاقيات المتعلقة بتوزيع حصص المياه بين دولتي المصب مصر والسودان، وتطالب باسقاط جميع البنود التي تمنعها من اقامة السدود او إخطار البلدين المذكورين بأي مشاريع في هذا الصدد مسبقاً.
    بالامس قررت هذه الدول السبع (دول المنبع) توقيع اتفاق جديد فيما بينها حول توزيع مياه النهر وفقاً لاحتياجاتها، ودون التشاور مع مصر والسودان. واذا حدث هذا، فإن مصر التي تحصل على 55.5 مليار متر مكعب والسودان على 18.5مليار متر مكعب، ستجدان نفسيهما في وضع حرج للغاية.
    ومن المفارقة ان بعض المسؤولين المصريين اعتبر قرار هذه الدول (اثيوبيا، اوغندا، كينيا، بوروندي، الكونغو الديمقراطية، تنزانيا ورواندا) بمثابة اعلان حرب، لانه يشكل تهديداً لأمن مصر القومي ومصالحها الحيوية الاستراتيجية.
    نتفق مع هؤلاء في تقييم خطورة هذه الخطوة، ولكن كيف ستحارب مصر هذه الدول التي تبعد عنها خمسة آلاف كيلو متر، وهل تملك القدرات العسكرية اللازمة في هذا الصدد، واذا كانت تملكها فعلاً، فهل هي في وضع يؤهلها لخوض هذه الحرب ضد الدول السبع؟.
    ' ' '
    خوض الحروب يتطلب جيوشاً قوية، وقيادة قوية نفسياً وجسدياً وسياسياً، وتوافقاً اقليمياً، وظروفاً دولية ملائمة، وعمقاً عربياً داعماً، فهل تتوفر جميع هذه الشروط او نصفها في مصر وقيادتها وجيشها؟
    فإذا كانت علاقات مصر مع جوارها الافريقي سيئة وفي افضل الاحوال فاترة (قطيعة مع الجزائر، وبرود مع المغرب وتونس، وغموض مع السودان، والله وحده يعلم حالها مع ليبيا)، اما علاقاتها مع جوارها العربي فهامشية (باستثناء الكويت التي رحلت مؤخرا مناصري البرادعي) فكيف يمكن لها ان تحارب في العمق الافريقي؟ (هناك من يقول انها بدأت الحرب فعلاً باطلاق النار لقتل المتسللين الافارقة الى اسرائيل عبر سيناء).
    مشكلة مصر الحقيقية تتمثل في اسقاط قيادتها للخطر الاستراتيجي الاسرائيلي من خلال معاهدات السلام، والتسمك بها في وقت احتقرها، ولا نقول انتهكها فقط الطرف الآخر. فبينما كانت هذه القيادة تحقق لاسرائيل جميع مطالبها، ولا تعارض اوامرها بحصار قطاع غزة، وتجريم المقاومة، ودعم سلطة فاسدة مستسلمة، وبيع الغاز والنفط بأسعار رمزية، وتوفير الحماية الكاملة للحدود (الاسرائيلية) من المتسللين الافارقة، كانت اسرائيل تتسلل الى افريقيا وتطوق مصر عند بوابتها الخلفية، وتحرّض دول المنبع على حرمانها وشعبها من المياه، وتعرض عليها خبراتها في اقامة السدود، واموالها في دعم مشاريع زراعية (غير مطرية)، واسلحتها للتصدي لاي عمل عسكري مشروع لحماية المصالح المائية.
    لا نريد ان ننكأ جراح الماضي، ونوجه اللوم الى القيادة المصرية، ونركز على اخطائها الاستراتيجية على مدى ثلاثين عاماً من حكمها، وما اكثرها، واعتمادها 'خيار الصفر' كنهج عمل، لتجنب الاخطاء (ووجع الرأس) فهذا بات معروفاً، ولكن ما نريده هو ان تتحرك مصر، وتنهض من هذا البيات الشتوي، وتصلح بيتها من الداخل، وتستعيد دورها من خلال قيادة قوية، تنهي التحالف الحالي بين السلطة وقوى الفساد، وترمم علاقاتها مع دول الجوار العربي والافريقي على اسس المصالح، وليس على اساس روابط الدين والعقيدة والقومية، حتى لا يتهمنا احد بأننا نريد جر مصر الى الحروب نيابة عن العرب.
    العرب يجب ان يقفوا الى جانب مصر في اي تحرك تختاره للحفاظ على حقوقها المائية كاملة، مثلما وقفت معهم وبرجولة في كل حروبهم، ودون اي تمنن، فقط المطلوب منها ان تنهض وتصحو من بياتها الشتوي والصيفي او من غيبوبتها الاسرائيلية - الفيروس على وجه التحديد.
    إذا الشعب يوما أراد الحياة
    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

  • #2
    مصر على حافة بركان افريقي

    مصر على حافة بركان افريقي

    عبد الباري عطوان



    تتحدث الانباء عن احتمال عقد لقاء قمة ثلاثية في شرم الشيخ، تضم العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري بشار الأسد، الى جانب الرئيس المصري حسني مبارك. وهناك من يذهب بعيداً في تفاؤله الى درجة التبشير بعودة المثلث المصري السوري السعودي الى سابق عهده، واستعادة دوره في قيادة المنطقة.
    هذه الانباء تعكس بوضوح مدى تكلّس العقل العربي، على المستويين الرسمي والشعبي، المعتدل منه والممانع، وتفسر اسباب حالة التردي التي وصلت اليها الامة العربية في الوقت الراهن.
    الرئيس المصري مريض، وطبيعة مرضه ما زالت من اسرار الدولة، والعاهل السعودي في معسكر آخر غير المعسكر الذي يقف فيه الرئيس السوري، سواء من حيث السن (الفارق بينهما خمسون عاماً) او من حيث السياسة، فكيف في ظل مثل هذه التناقضات الواضحة للعيان يمكن لهؤلاء ان يقودوا المنطقة مجدداً.
    عيادة المريض صدقة، بل هي واجب اخلاقي بحكم الاعراف والتقاليد، ولكن القول بأن زيارة الرئيس السوري الى المنتجع الشهير للاطمئنان على صحة الرئيس المصري يمكن ان تحقق مصالحة بين الجانبين وتعيد المياه الى مجاريها، وتؤسس لإحياء تحالف قديم برعاية سعودية، ينطوي على الكثير من السذاجة.
    مصالحة شخصية ممكن.. ترطيب اجواء ربما، تسليك بعض القنوات الدبلوماسية المغلقة بين بلدين انخرطا في وحدة في يوم ما وخاضا جميع حروب العرب سوياً.. امر غير مستبعد، ولكن من الصعب، ان لم يكن من المستحيل الذهاب الى ما هو ابعد من ذلك في تقييم اي لقاء ثلاثي او رباعي او حتى قمة عربية.
    الدولة المصرية تتحلل بفعل الفراغ الخطير في قمتها، وحالة الشلل التي اصابت معظم مفاصلها، واذا كانت غير قادرة على مواجهة مشاكلها الداخلية المتفاقمة، فكيف يمكن ان نتوقع منها حل او المشاركة في حل اي مشكلة اقليمية اخرى؟
    لا أحد يعرف حالياً من هو صاحب القرار في البلاد، هل هو الرئيس نفسه الذي يعيش حالياً فترة نقاهة بعد عملية جراحية للتعاطي مع مرض ما زالت طبيعته غامضة، ام المجلس المصغر للأمانة العامة للحزب الحاكم، ام لجنة ثلاثية من وزير الدفاع (المشير حسين طنطاوي) ووزير الداخلية (اللواء حبيب العادلي) ورئيس المخابرات اللواء عمر سليمان.
    ' ' '
    البلد بدون نائب للرئيس، واعضاء في الحزب الحاكم يهددون، بوقاحة غير مسبوقة، باطلاق النار على المتظاهرين المطالبين بالتغيير، ونصف الشعب المصري يعيشون تحت خط الفقر، اي اقل من دولارين يومياً، ونصف هؤلاء اقل من دولار في اليوم.
    النظام الحالي قال ان حرب اكتوبر عام 1973 هي آخر الحروب، ووقع معاهدة سلام وتعاون امني مع اسرائيل، من اجل التركيز على توفير احتياجات الشعب المصري الاساسية، والنهوض بمستواه المعيشي، وتحسين الخدمات الطبية والتعليمية والاسكانية، وهذا حق مشروع لا يجادل فيه احد، ولكن هل تحققت هذه الاهداف، او اي منها، بعد خمسة وثلاثين عاماً من تبنيها؟
    وتتحدث الصحف المصرية عن انفجار وشيك في مصر منذ عشر سنوات تقريباً، ولكن هذا الانفجار لم يحدث عندما وجد الشعب المصري نفسه يبحث عن رغيف الخبز في الافران دون ان يجده، والآن وبعد ان تقزم هذا الرغيف واضمحل وزنه وشكله، اصبح هذا الشعب مهددا بنقص في مياه الشرب.
    الدول الافريقية السبع التي تمد النيل بجميع روافده المائية بدأت تتمرد على الاتفاقيات المتعلقة بتوزيع حصص المياه بين دولتي المصب مصر والسودان، وتطالب باسقاط جميع البنود التي تمنعها من اقامة السدود او إخطار البلدين المذكورين بأي مشاريع في هذا الصدد مسبقاً.
    بالامس قررت هذه الدول السبع (دول المنبع) توقيع اتفاق جديد فيما بينها حول توزيع مياه النهر وفقاً لاحتياجاتها، ودون التشاور مع مصر والسودان. واذا حدث هذا، فإن مصر التي تحصل على 55.5 مليار متر مكعب والسودان على 18.5مليار متر مكعب، ستجدان نفسيهما في وضع حرج للغاية.
    ومن المفارقة ان بعض المسؤولين المصريين اعتبر قرار هذه الدول (اثيوبيا، اوغندا، كينيا، بوروندي، الكونغو الديمقراطية، تنزانيا ورواندا) بمثابة اعلان حرب، لانه يشكل تهديداً لأمن مصر القومي ومصالحها الحيوية الاستراتيجية.
    نتفق مع هؤلاء في تقييم خطورة هذه الخطوة، ولكن كيف ستحارب مصر هذه الدول التي تبعد عنها خمسة آلاف كيلو متر، وهل تملك القدرات العسكرية اللازمة في هذا الصدد، واذا كانت تملكها فعلاً، فهل هي في وضع يؤهلها لخوض هذه الحرب ضد الدول السبع؟.
    ' ' '
    خوض الحروب يتطلب جيوشاً قوية، وقيادة قوية نفسياً وجسدياً وسياسياً، وتوافقاً اقليمياً، وظروفاً دولية ملائمة، وعمقاً عربياً داعماً، فهل تتوفر جميع هذه الشروط او نصفها في مصر وقيادتها وجيشها؟
    فإذا كانت علاقات مصر مع جوارها الافريقي سيئة وفي افضل الاحوال فاترة (قطيعة مع الجزائر، وبرود مع المغرب وتونس، وغموض مع السودان، والله وحده يعلم حالها مع ليبيا)، اما علاقاتها مع جوارها العربي فهامشية (باستثناء الكويت التي رحلت مؤخرا مناصري البرادعي) فكيف يمكن لها ان تحارب في العمق الافريقي؟ (هناك من يقول انها بدأت الحرب فعلاً باطلاق النار لقتل المتسللين الافارقة الى اسرائيل عبر سيناء).
    مشكلة مصر الحقيقية تتمثل في اسقاط قيادتها للخطر الاستراتيجي الاسرائيلي من خلال معاهدات السلام، والتسمك بها في وقت احتقرها، ولا نقول انتهكها فقط الطرف الآخر. فبينما كانت هذه القيادة تحقق لاسرائيل جميع مطالبها، ولا تعارض اوامرها بحصار قطاع غزة، وتجريم المقاومة، ودعم سلطة فاسدة مستسلمة، وبيع الغاز والنفط بأسعار رمزية، وتوفير الحماية الكاملة للحدود (الاسرائيلية) من المتسللين الافارقة، كانت اسرائيل تتسلل الى افريقيا وتطوق مصر عند بوابتها الخلفية، وتحرّض دول المنبع على حرمانها وشعبها من المياه، وتعرض عليها خبراتها في اقامة السدود، واموالها في دعم مشاريع زراعية (غير مطرية)، واسلحتها للتصدي لاي عمل عسكري مشروع لحماية المصالح المائية.
    لا نريد ان ننكأ جراح الماضي، ونوجه اللوم الى القيادة المصرية، ونركز على اخطائها الاستراتيجية على مدى ثلاثين عاماً من حكمها، وما اكثرها، واعتمادها 'خيار الصفر' كنهج عمل، لتجنب الاخطاء (ووجع الرأس) فهذا بات معروفاً، ولكن ما نريده هو ان تتحرك مصر، وتنهض من هذا البيات الشتوي، وتصلح بيتها من الداخل، وتستعيد دورها من خلال قيادة قوية، تنهي التحالف الحالي بين السلطة وقوى الفساد، وترمم علاقاتها مع دول الجوار العربي والافريقي على اسس المصالح، وليس على اساس روابط الدين والعقيدة والقومية، حتى لا يتهمنا احد بأننا نريد جر مصر الى الحروب نيابة عن العرب.
    العرب يجب ان يقفوا الى جانب مصر في اي تحرك تختاره للحفاظ على حقوقها المائية كاملة، مثلما وقفت معهم وبرجولة في كل حروبهم، ودون اي تمنن، فقط المطلوب منها ان تنهض وتصحو من بياتها الشتوي والصيفي او من غيبوبتها الاسرائيلية - الفيروس على وجه التحديد.
    إذا الشعب يوما أراد الحياة
    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

    تعليق

    يعمل...
    X