إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

في.. أحاديث عربية ..قراءة نقدية - محمد حسن عبدالله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • في.. أحاديث عربية ..قراءة نقدية - محمد حسن عبدالله

    العدد 420 - 1993/11 - آداب - محمد حسن عبدالله قراءة نقدية في..
    قراءة نقدية في.. "أحاديث عربية"

    بين أغسطس 1982 وأغسطس 1990 زمان ليس بالقصير، وبخاصة إذا كان "الشهر" هو وحدة القياس. إنها المسافة التي تقع بين تولي محمد الرميحي رياسة تحرير العربي والتوقف القهري للمجلة عن الصدور، بفعل الأحداث الدامية التي نعرف. سبعة وتسعون شهرا، كتب فيها رئيس التحرير سبعا وتسعين مقالة افتتاحية، جمعها في ثلاثة كتب، تحت عنوان مستمر "أحاديث عربية".

    لكتب الرميحي الثلاثة عناوين أخرى مميزة هي على التوالي: ا- العرب في عالم متغير (31 مقالة)، 2- إزالة الحواجز (32 مقالة)، 3- هموم البيت العربي (34 مقالة)!! إن مجرد الالتزام بهذا الواجب "الدوري" يبدو مزعجا جدا، بل مفسدا لحرية الفكر وراحة التوجه. والكاتب نفسه أستاذ جامعي، "التأليف" في صميم تكوينه، ليس ضيفا على اهتمامه الأساسي، ولكن التأليف "العلمي" في حدود الاختصاص شيء، ومواكبة الأحداث المتجددة، والارتباط بثوابت المجلة المتميزة: موضوعا، وحجما، وتوقيتا، شيء آخر.

    وقد لفت انتباهي في مقدمة الجزء الأول من هذه الثلاثية عبارة كتبها المؤلفة، تكشف عن جانب من مصادر الفرح، ومنابع القلق تجاه ما كتب، تقول عن هذه المقالات:

    "عند قراءة بعضها اليوم، يعجب المرء من نفسه، كم كان قريبا من "التنبؤ" بالأحداث في وقت، وكم كان بعيدا عن الواقع في وقت آخر، ولكنها التجربة والخبرة والدراية والمتابعة التي تغني الفكر الإنساني".

    لكن المعنى "الحكيم" الذي يستخلصه الكاتب في نهاية عبارته أننا ينبغي أن "نقرأ" ماضي أفكارنا وسلوكياتنا، وأن نحتسب هذا كله - بصرف النظر عن احتمالات الصواب والخطأ - في سبيل إغناء التجربة الإنسانية، التي لا تنمو إلا من خلال المعاناة.

    ولكن: هل هي مصادفة أن تلفتني عبارة في مقدمة المقدمة - أشرت إليها - وأخرى احتلت السطرين الأخيرين في آخر ما كتب الرميحي، وكان بين أيدي القراء ليلة الغزو، وكأنهما إحدى نبوءاته المشار إليها، والتي سنجد عليها أمثلة متعددة؟ كان المقال الأخير بعنوان: "سفر الصيف وإكرام الضيف" وقد ختمه بهذين السطرين عن سفر عرب الخليج إلى أوربا:

    "وما أقساها من حضارة لا تهش في وجه قادم، ولا تقدم خبزا وملحا وماء لضيف غريب، ضاقت به الأرض وافتقد الأمان"!!

    الضرورات لا تبيح المحظورات

    من واجب القراءة النقدية، لهذه المقالات السبع والتسعين، أن تتصور تتابعها الزمني، ثم تراقب تناميها الموضوعي كما أراده - أو اجتهده - صاحبها تحت العناوين الثلاثة السابقة، في حين تستحضر مجموعة من المبادئ الفنية لكتابة المقالة، والضرورات التي تحتمها طبيعة العربي والمحاذير، أو المحظورات التي لا يجوز "اقترافها" تحت أية ذريعة. وهنا تتجلى المهارة الخاصة في القدرة على اجتياز المناطق المحظورة، ولمحها، والتنبيه إليها، دون مناطحتها، حيث لا تجدي المناطحة، بل لعلها تؤدي إلى عكس ما يريد الناطحون!! فقد توغلت هذه المقالات في كل مساحة الجسد العربي، كما يتوغل مبضع الجراح، قد يقطع، وقد يسيل قطرات من دم، وقد يتألم الجسد، ولكنه - عقب الإفاقة - سيبدي شكرانه، لأن هذا كان لصالحه.

    هذا - على أي حال - مدخل أول، نقرأ منه هذه المقالات، من زاوية تشكيلها الفني، ومدى التلاؤم بين المحتوى والعنوان: المحتوى كمفردات فكرية، والعنوان كقوة جذب وتشكيل لتلك المفردات. سيتجلى هذا في صورته الواضحة المقررة حين يكتب عن قضية سياسية - بصفة خاصة - تشغل العالم، أو تثير جدلا فكريا، أو موضوع حضاري قد يكون في نيروبي، أو بكين، أو قرية إيطالية مجهولة (لنا) ومع هذا فإن فقرة الختام في المقالة ستكون (دائما): تجميع خيوط النسيج الفكري، بعد استخلاص القضية، وتجريد معناها في عبارة محددة، ثم يأتي السؤال المثير: كيف يمكن أن يكون لنا موقف، أو فائدة، أو تعامل مباشر، مع هذا الأمر؟ هذا غير ما نجد من عبارات "تبرق" في السياق، فتدل على أن مقتضاها أقوى من أن تندغم في تتابع الأفكار، إنها جاءت لذاتها!!

    إن فن المقالة، كما أسسه رواده في الآداب العالمية، يقوم على الإفضاء بذات النفس، على إلغاء المسافة بين المتكلم والمتلقي، المقالة نجوى الضمير وراحة القلب المثقل بالشجون، هي خواطر شاردة تربط بينها تداعيات الفكر والشعور. لكن العربي ذا التاريخ، والتقاليد، يأبى الانصياع للسهل الممتنع، الممتع. والكاتب أيضا، القادم من قاعة المحاضرات، ومن غرفة المصادر والمراجع، لم يأذن لنفسه - إلا قليلا - أن يغادر "المنهج" بكل ما يتطلب من وحدة الموضوع، وترتيب خطواته، والنص على أسانيده!! وهذا مدخل آخر لقراءة هذه الأحاديث العربية، قراءة نقدية، تقوم على تحليل المضمون.


    على أن "تحليل المضمون" سيضعنا مباشرة أمام القضايا الأساسية التي شغلت الكاتب: العرب واقعا ومستقبلا، الثقافة والمثقفون، الحضارة والتقدم، التراث وكيف نتعامل معه؟ كما يمكن أن يضعنا أمام "مصادر" الكاتب، وهذه - وحدها - بتنوعها، واكتشاف دوافع استثمارها، ستكشف عن نزعة الكاتب، وتكامل رؤيته فيما يسعى إليه من "منابع" الكلام، إنها لم تكن تأتيه مصادفة أو تقع في طريقه، إنما كان يحث الخطى إليها، ويصر على وضعها أمامنا، واعتصار خلاصتها في حلوقنا، حتى تمتزج بدمائنا.

    وهكذا سنجد أنفسنا - إذا كنا نسعى إلى نوع من النقد التحليلي للكاتب، وما كتب، وخط التفاعل الممتد بينهما، ثم بين هذه المقالات والمحتوى العام للمجلة، ثم بين هذه المقالات ذاتها والقارىء العربي في مواقعه المتباعدة، سنجد أنفسنا نقطع اشواطا مجهدة ممتعة، لما في هذه المقالات من تنوع، ينبىء عن توحد، ويكشف عن تفاعل مستمر مع ثوابت راسخة مقلقة، تتزيى بألوان شفيفة من الرشاقة والدعابة، استجلابا للقارىء المتعجل، دون أن تضخي بالقارىء الجاد.

    عن مصادر الكاتب


    والمصدر- في المقالة بخاصة - قد يكون "المثير" - بلغة النقد الأدبي، كما قد يكون "سند" الجواب، أو الجواب ذاته، بمنهج البحث. وهو بهذين المعنيين في هذا العدد الكبير من المقالات، والبحث في مصادر الكاتب يعني البحث في آفاق ثقافته، ومدى قدرته على التعامل مع عصره أولا، ومع الموروث الخاص بأمته ثانيا، ومع رؤيته المتميزة وقدرته على حشد الآراء والأفكار لنصرتها ثالثا. ثم إن مصادر الكاتب هي التي تعلن عن موقعه منها، في غمارها أو في مقدمتها. وهنا نضع في اعتبارنا ثلاثة أمور ميزت مصادر الدكتور محمد الرميحي ومستواها، وطريقته في التعامل معها، أولها: طبيعة مجلة العربي وتكوينها الخاص، باعتبارها وسيلة التوصيل، وثانيها: أن الكاتب صاحب موقف مبدئي، له رأي، ورؤية، لديه ثوابت هي التي وضعته على رأس المجلة المؤسسة، وهي التي تحمله على التوجه نحو قضايا بعينها، بل الإلحاح عليها، وتجاوز غيرها أو العبور به لمرة واحدة، لا تتكرر. وثالثها أن الرميحي جاء إلى العربي من طريق أحمد زكي، وليس من طريق أحمد بهاء الدين، أعني: مدرجات الجامعة، وليس المطبخ الصحفي، فإذا شارك بهاء الدين في التوجه الفكري، فقد شارك أحمد زكى في "الأكاديمية"، من هنا لم يكن تكرارا ولا استمرارا لأحدهما، وإنما كان هو بذاته، ممتزجا بهما معا، ثم يختلف بأنه جاء عن طريق علم الاجتماع، فكانت كتاباته عن "الإنسان في الأرض"، الإنسان العربي تحديدا، كما كان انشغاله الواضح بالمستقبل - العربي والإنساني - نابعا من فكره الاجتماعي المنهجي، ومن الأيديولوجية معا.


    إذن، لم يكن أمام "حديث الشهر" إلا أن يرتبط بإيقاع الزمن وتجدد المناسبات: العام الدولي للطفولة، عقد التنمية، المؤتمر العالمي للمرأة، الحج... إلخ، وهنا نذكر أن إثارة الموضوع - أي موضوع - ليست هي التي تحدد قيمته أو أهميته، بل الطريقة التي أثير بها، والنتائج التي توصل إليها. وهنا تتجلى قيمة هذه المقالات في محتواها، وصياغتها معا. على أن الكاتب وجد أغنى مصادره وأهمها في جانبين: أولهما الكتب، فقد حشد قلمه ومعارفه وقدرته على محاورة الأفكار ليعرض على قارئه عددا كبيرا من الكتب الأجنبية، والعربية، كل كتاب يفتح الباب إلى "قضية" جذرية، وستدل العناوين على هذا، مثلا: أفكار ومعلومات: الحياة في مجتمع تقني متقدم - الكتاب الأسود للجوع (لاحظ العلاقة الضدية بين الكتابين: الموضوعين) إغلاق العقل الأمريكي - العقل الصهيوني (يلاحظ الربط والمتابعة والدلالة) الأساليب السياسية للخبراء - الإقناع الخفي (وهو عن فن الدعاية والآثار السلبية للإعلان - لاحظ العلاقة) عيادة للمفاوضات - المفاوضات: مدا خلها وحيلها (الأول بالإنجليزية، والثاني من التراث العربي) وهكذا وجد عشرون كتابا عالميا، أو تزيد، الفرصة للتفاعل مع العقل العربي، تفاعلا بنائيا واعيا، ونلاحظ أنها ليست دائما من الكتب التي صدرت حديثا (عند كتابة المقال) بل يرجع بعضها إلى عشر سنوات أو عشرين خلت، مما يعني أن ذاكرة الكاتب قوية الاستدعاء، وأنه يستحضر من القديم قضية حية، وأن زمن الأفكار الصحيحة هو الديمومة. ثاني هذه المصادر: القدرة على التساؤل ومحاورة المعلومات، حتى وإن تكن من المسلمات (وهذه إحدى قدرات التكوين الأكاديمي في صورته المتسقة)، والدكتور الرميحي كما قرأته في هذه المقالات، وكما أعرفه أيضا، يملك هذه "الدهشة" التي يتحول بها "المستقر" - وكأنه بدهي - إلى قابلية الحوار وضرورة النظر من جديد إليه. نراقب المقالات التي مصدرها الندوات (مثلا: ندوة عالمية في مدينة زميني الإيطالية عن "التحكم في المشكلات الكبرى"- عنوان المقالة. ضجيج الأرقام - جـ 2 ص 113) أو الرحلات الخاصة (مثلا: رحلته إلى الاتحاد السوفيتي عام 1988) ولقاءاته بأصدقاء وزملاء فى صالونات الثقافة، أو ندوات الفكر، أو أحاديث خاصة مع شخصية معينة. أطرف من هذا أنه قد يقرأ خبرا في صحيفة أجنبية، أو تلتقط أذنه رقما معينا... كل هذا يتحول إلى موضوع، وعلاقة، وموقف، ودعوة لنا - عبر المقالة - أن ندهش معه، ونشاركه التفكير. ثم يستدرجنا لنصل معه - عبر المقالة - إلى موقع خاص بنا، يحفظ مصالحنا، أو يساند تقدمنا، مستفيدين من هذا الخبر، أو ذلك الرقم. لنقرأ هذه الأخبار، وهذه الأرقام، ثم نعود إلى نص المقالة، لنرى كيف تشكلت من الخبر قضية، ومن الرقم إثارة، ومن الطرح الفكري علاقة، ومن خاتمة المقال دعوة!!

    مثلا: قضية اليونسكو والحدود الفاصلة بين الثقافة والسياسة (جـ1ص 95).


    من القادم إلى البيت الأبيض؟ (جـ1 ص 121).

    اليابان: مائة عام من النهضة (جـ2 ص 14).

    المليار الخامس، (عدد سكان العالم) نقمة أم نعمة؟ (جـ2 ص 145).

    الحكمة يمانية (جـ3 ص 11).

    عشرون عاما على الهزيمة (جـ3 ص 168).

    وهذه مجرد أمثلة.

    العروبة... والمستقبل

    دون مجازفة، يمكن أن نقول إن العروبة وجودا، وحدودا، ثروة وتراثا، حضارة ودينا، هي المحور الأول الأساسي في كل ما كتب الدكتور الرميحي. والمستقبل، أو صيغة التقدم التي تنهض على أسسها من التفكير العلمي، والانفتاح على العالم، واستخلاص دروس التاريخ (وليس التاريخ العربي أو الإسلامي وحده) وجوهر ما مر على العالم من الحضارات ومآزق المصير، هو المحور الثاني، وأن هذين الهدفين - تحديدا - يمكنهما أن يضما المقالات السبع والتسعين، لا تند عنهما واحدة. قد يكون الاتجاه قصدا مباشرا إلى العرب: العرب في عيون الغرب - الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي - المياه العربية وحديث عن الخطر المستمر - الوحدة العربية ذلك الموضوع الغائب الحاضر - خطاب مفتوح إلى النساء العربيات - الثقافة العربية - المثقفون العرب والمستقبل - الإبداع الثقافي ومعوقاته في الوطن العربي - المثقفون العرب بين الحسرة والأمل.

    أما القضايا العامة فإنها تبدأ من هناك (أي مكان) لتنتهي هنا: ماذا يعنينا منها، مثلا: الحوار الثقافي مع العالم الثالث - هم التوفيق بين الأصالة والمعاصرة - التراث والتحديات العربية المعاصرة.

    أما الموضوعات ذات الصبغة الأجنبية، فإنها تنتهي بفقرة "عربية"، لابد، قد يكتب مباشرة تحت عنوان: ماذا يعنينا من المسألة الألمانية، لكنه حين يكتب عن الجوع في العالم، أو اليونسكو، أو التقرير الأمريكي عن أزمة التربية هناك، أو عن الهند وقدرتها على الحفاظ على وحدتها، أو عن الاتحاد السوفييتي وما يجري فيه، أو... أو... فإن الفقرة الختامية تحملنا إلى التنظير، والتوقع، واكتشاف الاحتمالات... أين نحن مما يجري في العالم، وهل يطالنا شيء منه، أو يمكن أن نقيم معه علاقة..؟إلخ.

    هكذا تحددت "الأهداف" في كلمتين، وقد كان المنهج موصلا إليهما، ملائما لهما تماما، حيث تستقر شخصية عالم الاجتماع، في قرارة تكوينه الاهتمام بالناس، بالحياة، بالحركة، بالراهن المتجه إلى المستقبل أو الملتوي متراجعا، ينبذ ما هو فردي، جامد، متخثر هو عبء على الذاكرة وقيد على حرية الاتجاه إلى المستقبل.

    من هذا المنطلق يرفض المنهج الانتقائي الجزئي، ويسجل على علم الاجتماع العربي المعاصر فشله في الإلمام بمشكلات الوضع العربي، وطرح المقولات والمفهومات التي تشكل بداية تكوين إطار نظري ومنهجي متكامل "يفسر الواقع وينبئنا بخطوط مساره المستقبلية" (جـ1 ص 31) كما يدين طائفة من المثقفين العرب لأنهم يستخدمون لغة لا يفهمها أحد، وأن منبع الخطأ في فهمنا لواقعنا أننا نستمد المعرفة به من قراءة تاريخ غيرنا (جـ1 ص 55) ومن هذه الزوايا الحادة يطرح أسئلته المثيرة عن الثمن الذي يتعين دفعه في مقابل تحقيق التنمية (جـ1 ص 89) ولماذا حدث التقدم والتحديث في العالم الأوربي والأمريكي ولم يحدث في العوالم القديمة، في آسيا وإفريقيا (جـ1 ص 68) وهنا، في مقالات أخرى - يميز بين تراث هو أصالة وتثبيت للشخصية القومية، وتراث "خادع" معوق، هو ركام من ممارسات خاطئة، تستمد أهميتها المضللة من استمرارها عبر الزمن!! لقد اكتسبت حق الوجود بالتقادم وحده، وينبغي التخلص منها. من هنا يطرح مفهوم "الإبداع"، ويلح عليه، وأهمية "التفكير في غير المألوف"، وفي كل الحالات يتحرر منهج الرميحي من إسناد الظاهرة إلى سبب واحد، فليس في الوجود وجود يستند إلى سبب واحد.

    نبوءات... أو مصابيح الميناء


    في الليل تحدد مصابيح الميناء ملامح أرصفة السفن ومداها. والكلمات الأكثر دورانا في "الأحاديث العربية" هي على التحديد: العرب، المجتمع، الثقافة، التفكير العلمي، التربية، المستقبل. الاهتمام بالمستقبل مهيمن تماما، يفرض نفسه على العناوين مهما اختلف الموضوع: قراءة في مستقبل الوطن العربي - النظام العربي والمستقبل - تاريخ المستقبل - المثقفون العرب والمستقبل - مستقبل المشاهدة وثورة الترفيه. وبصرف النظر عن العناوين فإن التفكير في المستقبل هو الدفة، أو "السكان" الذي يحدد وجهة هذه الأحاديث. فمثلا في مقالة "تحرير العقل العربي" يبدأ بعبارة: "الاستقلال يبدأ باستقلال العقل العربي"، وفي "الخطاب العلمي العربي" يطرح السؤال: "لماذا انقطع التراث العلمي العربي الإسلامي وضعفت جذوته ثم اختفت؟" وفي الحديث عن هزيمة 1967 - بمناسبة مرور عشرين عاما - يهمه من تحليلاته: "الوصول إلى نتائج أحسب أنها ستؤثر علينا جميعا، عربا ومسلمين في القادم من السنين". ما طبيعة هذا المستقبل الذي يرسل الرميحي نبوءاته، أو مصابيحه، لتنير الطريق إليه؟ إنه محدد بثلاثة أشياء:

    1- المستقبل ليس بناء متخيلا، ليس صورة مجردة في الضمير، إنه الواقع الراهن المتفاعل بالضرورة مع الزمان والأحداث، ومن تم يجب أن تكون نظرتنا إليه واقعية، وشاملة.

    2- والمستقبل ليس خصما للماضي، ولا نقيضا له، (أو لتراثه) ولكنه هدف ينبغي الاحتكام إليه فيما يقبل ويرفض أو يتحفظ، فيما يستبقى وما يستثنى من الماضي، ومن تراث الماضي.

    3- والمستقبل، مستقبلنا. هو ثمرة تفكيرنا فيه، وقدرتنا على تخيله، وطاقتنا في الأخذ بقوانين التفكير العلمي لتحقيقه، وليس من الممكن أن تنفرد إحدى هذه المؤثرات بصنعه. في إطار هذا التحديد للمستقبل، وتركيز الاهتمام عليه، مع الحرص على نسق التفكير ومنطقية الاستنتاج، نجد في المقالات السبع والتسعين مصابيح كاشفة، تتجاوز مدى الرؤية المألوفة، وكأنها "نبوءات"، ترتكز على نوع من الحدس ودقة القراءة للراهن والخبرة بتجارب الأمم الأفراد. لقد استخدم مصطلح "الخصخصة" - بمعنى التراجع عن سيطرة الدولة على الاقتصاد بانكماش القطاع العام، وإعطاء فرصة التوسع للمشروعات الخاصة، وذلك قبل أن يتم تداوله في الصحافة العربية (جـ3 ص 298 - وتاريخ المقال ديسمبر 1989) كما سبق إلى استخدام مصطلح "النظام الدولي الجديد" (جـ3 ص 241) ولم يتم تداوله إلا بعد ذلك، وفي مقالته تحت عنوان "ماذا يقرأ المسلمون الفرنسيون؟" (جـ3 ص 295) "تنبأ" بما يجري الآن للمهاجرين المسلمين في فرنسا وألمانيا من تضييق ومطاردة، واعتراض على ثقافتهم الخاصة، وحين تعددت التجمعات العربية فتحولت إلى محاور مغلقة على أطراف الشراكة أظهر بواطن الشعور العربي، وأنه يخشى أن تكون بعض هذه التجمعات لخدمة مصالح ومطامع على حساب دول أخرى أو تجمع آخر... (جـ3 ص 273) وقد صدق حدسه، وكشفت محاولة غزو الكويت خطر هذا النوع من التجمعات العربية.

    وفي ختام هذه القراءة لأحاديث الدكتور محمد الرميحي العربية فإنني أشير إلى أن استخدامه لمصطلح النظام الدولي الجديد يسبق أي توقع لتفكك الاتحاد السوفييتي (إبريل 1984)، وأنه في مقال "الصدمة المضادة" (مارس 83) يسبق إلى التنبيه إلى مصائد الإعلام الغربي، ويقدم ما يمكن اعتباره نبوءة، أو إشارة مبكرة إلى التحامل الغربي على العرب، والصعود بهذا التحامل إلى الإسلام، ولعله سبق أيضا إلى كشف العلاقة بين فشل المشروع القومي العربي، وظهور التطرف، فقد كتب في أكتوبر 1982 يقول:

    "العجز العربي إن استمر على مختلف الجبهات وفي شتى الميادين، فإنه سيؤدي بالضرورة إلى محاذير كثيرة أقلها حركات التمرد والتطرف، التي يتقدم من خلالها الجيل العربي الجديد بآراء تريد تجاوز هذا الواقع"


    محمد حسن عبدالله




    كتاب العرب في عالم متغير




    كتاب إزالة الحواجز




    كتاب هموم البيت العربي
    أنا بنت الهاشمي أخت الرجال
    الكاتبة والشاعرة
    الدكتورة نور ضياء الهاشمي السامرائي
يعمل...
X