إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مع الدكتور الراحل سمير أبو سعد قراءة نقدية في قصائده - تامر رسوق- أيلول2010

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مع الدكتور الراحل سمير أبو سعد قراءة نقدية في قصائده - تامر رسوق- أيلول2010

    قراءة في قصائد الدكتور الراحل سمير أبو سعد


    د. سمير أبو سعد-اضغط
    كان الدكتور سمير أبو سعد طبيبا جراحا,ولن أخوض في هذا المجال كما أنني لن أخوض في شخصيته كإنسان فساترك هذين الأمرين لمن هم أقرب مني إلى حياة الفقيد.
    وبالرغم من أنني لست ناقدا أقوم بهذه القراءة اليوم كنوع من الوفاء الإجتماعي لخدمات الفقيد الإنسانيه والطبيه والثقلفية وتحية إلى روحه الطاهره. أسكنه الله فسيح جنانه.
    لذلك أرجو من كل من يقرأ هذا الموضوع .
    إذا رأى خطأ فليصوبه.أونقصا في مكان ما فليكمله.أو زيادة لاحاجة لها فليشير إليها.علنا بذلك نصل إلى رؤية متكامله عن الفقيد تتناسب ومكانته الإجتماعية والطبية والثقافيه في السقيلبيه خصوصا ومنطقة الغاب ومحافظة حماه عموما.
    يتضح تماما للجميع أن الشاعر الراحل لم يفكر يوما أن يجعل من موهبته الشعرية المتميزه حرفه. بل كانت بالنسبة له هواية أحبها ,اراد لها أن تزدهر ليوصل أفكارا إصلاحيه .ويظهر ذلك من إشاراته المتكرره إلى الفساد الإجتماعي والفكري .والتخلف السائد في مجتمعنا على مستو الوطن العربي.
    فإن عدم تفكيره بإحتراف الشعر جعل من اشعاره المتوفره لدي وهي { القصائد المنشوره على موقع غيث العبد الله} متحررة من إطار إيديولوجي .مسبق التنظير هذا الإطار الذي يقيد الشاعر في كثير من المواقف.
    فجاءت قصائده متنوعة الفكر بكل ما تعنيه الكلمه من معنى كما نلحظ تنوع أسلوبه في عدة أماكن. فتراه متمردا حينا وتجده وديعا ملتزما حينا آخر ومرحا مازحا في مكان آخر. معبرا عن رؤية مميزه لطبيب مثقف متمكنا من لغته .لحالات إجتماعيه وسياسيه وفكريه. بإسلوبه الشعري المتميز.
    خاطب الموت مسميا إياه بالقاتل المتغطرس معلنا عن خوفه منه ومقته إياه متعجبا عن قدرة هذا القاتل على الخلط بين الشيء ونقيضه بفعل واحد:
    أخاطب الموت مذعورا فوا عجبي
    من قاتل يمزج الأحزان بالطرب

    ويذهب في وصف الموت حسب رؤيته .مستنكرا عبث الموت بإسلوب شعري يمرعبر الميتافيزيقيا في العديد من الأماكن. رغم وعيه ومعرفته لماهية وأزلية الموت:
    يجري مع الزمن الجبار منتصرا
    كل العصور له من سالف الحقب

    ويعلن عن إيمانه المطلق بالله وأن الله هو المتحكم بهذا الكون.معاتبا.
    يا رب يا خالق الأكوان حتى متى
    يظل في كوننا فيض من المقل

    ويؤثر موت صديقه وأستاذه وابن بلدته الدكتور {سري عبد الكريم الرستم} تأثيرا بالغا في نفسه فيستنكر نتائج فعل الموت مرة أخرى:
    لم ترتكب حسب علمي أي معصية
    إلا الرحيل فعد كي تمحو العارا

    ثم ينطلق مغردا يشرح مناقب الفقيد موضحا كم كانت إنسانيته ومبضعه الجراح مزيلة بؤس المرض عن الناس وكم زادت من أعمارهم:
    سيف الجراحات في كف مقدسة
    يحول البؤس أفراحا وأعمارا

    ثم يستجدي من رفيقه العودة محولا إغرائه بجمال عين الورد مذكرا بخلوده .طبعا هنا يتكلم عن عين الورد كرمز لبلدة السقيلبيه التي تربى وترعرع بها كل منهما.
    اضغط للتكبير
    ………….
    وعندما انتقل الشاعر الفقيد إلى دمشق لإتمام دراسته في جامعتها لحظ الفرق الكبير بين الريف والعاصمه الكبيره مثله مثل كل الشباب اللذين ينتقلون فجأة من الريف إلى العاصمه .إلا أن روحه وحسه الشعري جعل من رؤيته مميزه.فراح يستذكر كل ما قرأه وسمعه وتعلمه في المناهج الدراسية عن هذه المدينة الأزليه.واعيا إلى أنه في وسط هذه المعمعه وما يسمعه الإنسان ويقرأه مختلف عما يعيشه فعليا.ويظهر الغزل الرائع لدمشق ومعالمها وأوابدها القائمه وتاريخها من خلال مغازلة خجوله غير مباشره لنساء هذه المدينة.وعتبه الواضح على الزمن الذي جعل من جمال نساء هذه المدينة يتوارى خلف الخباءات والحجابات رغم أن هذه المدينة مزجت كل الحضارات والأديان. وأصبح إختلاف الأديان يمنع التواصل الإنساني والإجتماعي بين أبناء الشعب الواحد:
    فلا ديني يؤهلني ولا دين الصديقات
    غريب يا دمشق وأنت من مزجت بأيديها
    حضارات الممالك والديانات

    فيشعر بشيء من الغربة ويرسل التحية المفعمه بالحب بإسم بلدته السقيلبيه التي يعتز بإنتماءه إليها إلى دمشق:
    أنا من {سقلب}
    من قريتي المحفورة الطرقات
    أهدي الشام أشواقي
    وأهديها تحياتي

    ………………..
    ويظهر حبه لبلدته وتعلقه بها وفخره بالإنتماء إليها محاولا لفت الإنتباه إلى رموزها وأعلامها ومناراتها من الرجال الموجودين والشهداء منهم .فقد كتب مقالة بلغة سهلة وسلسه جميله وفيها من المرح ما يشبه الشعر عن علم مازال قائما هو السيد جرجس ديوب كاترين {أطال الله في عمره}
    مسميا إياه شاب في السبعين , موضحا كم هذا الرجل مهم ومتجدد الشباب فكريا وتنفيذيا .والملفت أنه يعود للحديث عن الموت في هذه المقاله من خلال استذكاره لقصيدة له أسمها{مرض الحضارات} ورغم أن الموت يفني الأجساد فإنه يعجز عن إفناء الفكر:
    الموت يعجز عن خصم يموله بحر النقاشات بالأقلام والحبر
    فجاء هذا البيت مطابقا لشخصية السيد جرجس وما يقوم به.وروحه النابضه بالفكر والثقافة والحب .وهذا ما سيخلده متجاوزا الفناء الجسدي..
    …………….
    كما أنه حاول تخليد أعلام السقيلبيه بإعادة استذكارهم . كما فعل بقصيدة يستذكر بها بطولات المرحوم عزيز فروح الذي تتناقل الأجيال حكايات عن حميته وبطولته.فصور واقعا آلت إليه السقيلبيه في وقت من الأوقات على أيد عابثة من خارج البلده تسرق خيرها وتحاول أن تذل أهلها.
    {عزيز} نادت صبايا ضيعتي فبدا
    فوق الحصان كنجم صاغه الدهر

    ونرى هنا أنه يشبه حمية المرحوم عزيز ب{المعتصم} عنما نادت تلك الأسيرة العربيه بصيحتها التاريخية المشهوره وامعتصماه.
    وهنا نادت صبايا الضيعة من يبعد الهوان فانتصب عزيز ممتطيا صهوة حصانه بحزم وقوة ليكف أيدي العابثين ويرد الحيف.
    ………….
    كما أنه يتجلى لنا بوضوح إيمان الشاعر بأن السيد المسيح جاء مخلصا للبشرية جمعاء بكل أممها بقصيدة تقرأ في اللاهوت.
    جاء المسيح ليفدي سائر الأمم
    بالروح بالجسد المملوء بالقيم

    ويظهر الشر المختزن في فكر اليهود من غابر الأزمان واصفا إياهم بجيش إبليس :
    وجيش إبليس مهزوم يلاحقه بالبصق
    يرميه بالبصق
    يرميه باللعنات كل فم
    وشر كل يهود الأرض مجتمع
    يؤدي بقدسية الإنسان للعدم

    ويعود في هذه القصيدة المتناهية الروعه .بجماليتها وقيمها الروحية الفلسفية .متذكرا وعد الله بإعادة أولئك الفاسدين .إشارة إلى الصهاينة اللذين أقاموا كيانا غاصبا .بالخبث واللؤم .قائما على البطش والموت والإرهاب:
    ووعدك الله أن تأتيهم بغد
    تعيدهم للجحيم البارد العتم

    فبحسه الإنساني كان مدركا لحقيقة العقلية الصهيونية الجامحه المبنية على الأساطير بحضارة مزعومه.
    …………….
    وفي خضم هذا الشعر الفصيح المقفى والموزون .المتعمق باللغة العربية الفصحى وتعقيداتها. يقبل علينا هذا الشاعر بقصيدة محكيه وباللهجة البدويه التي ليست لهجة أهل بلدته أصلا. موضحة لنا ضلوعه في جميع الثقافات الإجتماعية المحليه . نرى في هذه القصيدة جمالية خاصه بوصف مبسط لحياة البدوي:
    يا ريتني من البدو وحلمي ضهور الخيل
    شقشق عباب السما وغبارها والليل

    هذا دليل على عشق الشاعر للحرية المتاحة للبدوي من خلال الجغرافيا.وحبا جما للطبيعة البكر التي لم تعبث بها جدران الحضاره
    ……………
    وبحس قومي واضح يكتب لبيروت معتبرا انفكاكها عن محيطها جعلها مكشوفة لجميع الطامعين .ومهددة بأيادي الفاسدين
    ….
    وفي قصيدة من أروع ما كتب الشاعر وأصنفها بين أروع ما كتب في الشعر الحديث.{ إعترافات كاذبه}ليس من حيث الإنسياب الشعري الأنيق واللغة الجميله وحسب .بل إنها تحمل فلسفة فكرية متميزه تصل إلى العقول وتسيطر على عمق العواطف من خلال منولوج رائع يشرح صراع الإنسان المقيد بمعان إجتماعية تتطلب ملاطفة للمواقف .
    وشيطان الشعر المتمرد المستحوذ على ضمير الشاعر الحي الذي لايتقبل مجاملة الخطأ ويأبى إلا أن ينطق فاضحا الواقع المرير والفساد المستشري وأساليب التسلق والوصوليه والإنتهازيه:
    أحاول منذ زمن بعيد
    لأجعله لا يرى أي شيء حقير
    وربيته في هدوء ولكنه خالف الأمر
    ظل يشب كليث هصور
    وظلت عباراته منتدى للسباب
    وللكشف عن, من أتى يختفي بين الجحور

    يقول: ستصنع مكنسة همها أن تنظف كل الشرور
    فرغم كل المغريات الإجتماعيه التي تحاول توجيه خطه الشعري لصالحها إلا أن شيطان شعره أبى إلا أن يكون نظيفا يحرق الفاسد. ويبقى شمعة تنير الدروب بإتجاه الحقائق والجمال.والحب.
    أجاب سأبقى أطل على الناس نارا ونور
    بكل وضوح رؤاي بكل انتباه الضمير
    سأرصد كل القذارات أغسلها بالكلام المرير


    وفي قصيدة {كائن غامض}يتضح تعمق الشاعر في علم الإجتماع وعلم النفس إضافة إلى البيولوجيا التي هي إختصاصه.
    وبعمق فلسفي يشرح من خلال هذه الأرض حاول أن يجعل من أشعاره دواء ناجعا للإنسان بكل تناقضاته:
    وجعلته,وجعلت
    رفعه للمعاني مهنتي
    شرحته رديت عنه
    بعض آفات الزمان
    وبعض ظلم القوة

    وأنه لم يترك مجالا من مجالات العلم التي استطاع إكتسابها بالدراسة والخبره من التجارب الحياتية اليوميه والتجارب والخبرة المهنيه.ليرفع من مستوى الإنسانية.
    واطلع على كل الأسرار الخاصه بمجاهل الإنسان ولم يترك مجالا إلا وحاول من خلاله الإصلاح وبعد ذلك كله استغرب التناقضات التي اكتشفها في الإنسان :
    فوجدت فيه سحر تغريد الطيور وفبح وحش الغابة
    لكني لم أدر حتى الآن
    كيف يزود الله الوحوش بهاذي القوة

    بقي عصي على الفهم لديه كيف يتمكن الشر القابع بداخل الإنسان من التفوق والتمتع بكل هذه القوة والسيطره
    …………..
    ونرى في قصيدة {الجوهرة الضائعه} قدرة لغوية متميزه على تركيب الصورة وتضمينها المعنى الصعب:
    كقرص من جليد الكون
    قد ملت شموس الكون من تسخينه
    ليذوب عطرا ضمن حنجرتي

    ما هذه الحنجره التي تحمل القوة على تذويب الجليد القابع في عمق فكر الأجيال عجزت قدرة الشمس الحارقه المتعاقبه على مر العصور عن تذويبه.يستنكر الصمت والإكتفاء بأن الإنسان يعرف الأشياء وحقائقها ويعرف السبل ويحتفظ بها لنفسه .فقد آن أوان الصراخ والتنبيه فقد أحس أن هذه الأفكار بدأت تشيخ بداخله وهو يكبتها وتكاد تقترب من الأفول فلا بد من إطلاق العنان لها.
    أحرك جمرك المذلول قبل خبو حدته
    تذيب ضمائر الأجيال في المدن المجمدة

    فقد شبه أفكاره بنار لم تزود بأكلها بالشكل الكافي لفترة طويله ولكنه سينفخ بما تبفى فيها من جمرات لتعاود الإشتعال قبل أن تتحول إلى رماد تذريه الريح. وأنه سيستعيد الثورة القابعة في ضميره لأن من سماهم { الأنذال } كادوا يسيطرون على كل جميل ويلوثونه ويفسدونه فلا بد من الوقوف لهم .ولو بالكلمة رغم قناعته بأن مثل هذه المعارك تحتاج لمقصلة ومحرقه.فلا بد من ثورة تخرج من الذات ولن ينتظر من أحد أن يخوض معركته:
    فنهر الحب يبدأ من حياتي
    من جمال تراكم الآثار

    ويصب جام غضبه على هذا الزمن السيء الذي أضاع دروب الجمال والحب مشبها إياه بزمن فرعون
    لماذا جئت يا زمن التخاذل
    في ثياب جفاف
    لماذا عدت يا سنوات فرعون اللعينه

    ……………..
    وفي قصيدة جميلة المفردات بسيطة المعاني سهلة اللغه عميقة الفكر .تشبه رسالة يرسلها الشاعر الى الخالق رب الأكوان محتجا على ما آلت إليه أمور الدنيا من الإختلافات الدينية القاتله المصنوعة من البشر محملين عبء نتائج اجتهاداتهم الى الله .رغم أن الله واحد وما يريده من عباده واحد.ولكن أولئك اللذين يسمون أتباع الأنبياء شوهوا الحقائق بترجماتهم الخاصه بهم التي بنيت أساسا على مصالح بشريه شتى لاتخدم الأديان ولا الإيمان بالله:
    يا من ينزه نفسه عن كل صناع التفاسير الوضيعه
    بعض من الرسل اللذين بعثتهم في الأرض
    كي يغدوا طليعة أفواج الطليعه
    قد خانهم بعض من الأتباع
    حتى شوهوا أفكارك الزهر الوديعه
    قد جزؤوك رغم أنك واحد
    جعلوك أحزابا ,عصابات,وأهوالا فظيعه

    …….
    ويشرح الشاعر الحضارة الأمريكيه المشوهه..التي تبرز واضحة المعالم من خلال الحروب المفتعله التي تؤدي الى القتل العشوائي باسم الحضارة وإرساء الديمقراطية خارقة برصاصها المقيت كل المعايير الأخلاقية التي اكتسبتها البشريه من تجاربها الإنسانيه على مر العصور.
    من رائحة البارود الأمريكي
    من لون {الصاروخ } الأمريكي الداكن
    من موت الليمون
    ووأد الرمان
    بهذا الزمن الراهن
    تأتي إشراقات حضارات الغرب الأقصى

    ويعزي سبب ضعف شعوب هذه المنطقه للإستسلام لعصور متتالية علمتهم البفاء على حالهم لايغضبون لواقعهم بل هم ركود في ركود:
    أولاد سكانك .. وتربو في حضن
    علمهم أن يبقوا أولاد

    ثم يقوم بجولة من خلال قصيدته في المنطقة ينذر بالمخاطر مؤشرا الى أماكن تواجد المجرمين ونظرتهم الطامعه الخبيثه الى ما تبفى ليعيثوا فيه خرابا تلبية لمطامعهم النهمة التي لا تعرف الشبع.
    ………
    ولكنه في قصيدة مزاح يجزم أنه لم يتفصد كتابة الشعر ولم يكن يستطيع أن يعرف أي الشعر هو الأنجح. وما هو إلا طبيب أكرمه الله بموهبة الشعر .فراح يستخدمه تلبية لرغبة إنسانية إجتماعيه . فيشتم من خلاله الظلم والسلبيات ويهجي الفاسدين.مازحا ساخرا ملبيا رغبة في داخله في طلب التطور والتصحيح:
    ثم أهجي الفاسدين العفني الذكر
    مختالا لأضحك

    ولكن مهما حاول الهروب هناك شيء بداخله يدفعه دائما للتنبيه الى الفساد في الواقع الإجتماعي . وهو يؤكد على حب الوطن والشعب وعلى ثورة دائمه كامنه بداخله. ودائما نراه مصابا بالخيبة .
    كنت أعتز بقومي مثل معتوه
    يربي ثم يعتز بقطه
    علموني أن تاريخ بلادي
    ليس فيه أي غلطه
    أنظر اليوم فحولي
    لاأرى إلا جموعا
    أصبحت في شر ورطه

    وفي قصيدة مدينة الخشب يصف مدينة حماه مدينة أبي الفداء والنواعير والتاريخ والثقافة والحب.وأجمل ما يقال بعد قراءة هذه القصيده ما قاله الشاعر سمير سنكري وليسمح لي الأستاذ سمير بإيراد ما قاله هنا:{هذا أنا يا شاعري ,ألقي الكلام توهجا في حرفه الراقي بأصداع اليراع, ياأنت شاعرنا الذي يعطي البلاغة حقها والمرتجى يبقى التوهج عند قاعدة الحراك ففي التخاطب و التثاقف سيمة تحذو بنا نحو الصفاء وفي مزايا الإرتقاء يا شاعري أمدد يديك فإنها في بهو أقبية الغياب لاتنتظر أنت الحكيم المرتجى في كل آن}
    ……………
    ويظهر إيمانه بالوطن أيضا وإصراره على حتمية إنتصاره رغم محطات الظلم والألم المؤقته وأن الوطن يتجدد ويزدهر كلما روي بدم لشهداء من أبنائه:
    ستفنى كل آثار الظلام غدا
    وليس ضياؤك الوهاج بالفاني
    لقد علمتني أن التراب يزيد خصبا
    كلما رويته بالأحمر القاني

    ………..
    قصيدة {أهلا بشكل العيد} رغم أنه استهلها مدعيا أنها تخلو من التقريع والسياسه واللوم والإشارة إلى مكامن الفساد لكن صحوته للواقع السياسي والإجتماعي السائد وغيرته على مجتمعه وشعبه أبت أن تترك له الخيار باعتماد قصيدة خاصة بالعيد .بكل جوانبها فتكلم عن الفرح والحب مؤكدا على أنه مخترق ومشكوك به, وبفلسفته الخاصه يؤكد أن الكذب بالحب مباح ويمكن له أن يصلح الحب.
    وزع محبتنا ولو كذبا
    قد يصلح الحب بالتدجيل والكذب

    وحسب ما لاحظت أنه أجاز ذلك بالعيد استثناء ليمر العيد دون إظهار الضغائن وبسلام وشكل من الحب .ولا أعتقد أنه أجاز هذه النظرية في غير مكان..ثم يتطرق الى الفلسفة الربانية بالتسامح موضحا تعجب البشر من قدرة السيد المسيح على التسامح مع الخونه الذين أفسد المال نفوسهم ودفعهم الى الخيانة مخاطبا يهوذا الجاسوس الذي سلم عيسى بن مريم الى قتلته :
    من الخيانة في سخف وفي لعب
    المال كان أسبابها والحقد جوهرها
    والموت آخرها أوقسوة التعب

    ………..
    وعشق شاعرنا برومانسية مفرطه حيث يتحد مع الحبيب الى حد التماهي منكرا كل قدراته وكل اسباب الحياة إن لم تمر من خلال تلك المرأه التي أحبها ويعيش بها ولها:
    وغذاء ملكي أنت
    يسري في دمي بين ضلوعي
    ويداوي كل أحزاني وأفراحي
    بسحر نافذ الفعل سريع
    مؤكدا على أنها ملهمته الوحيده في كل اجتهاد :
    وأنت يا ملهمتي ليس بالشعر فقط
    بل بالكفر أيضا والوروع

    ……………
    وينطلق في قصيدة { أمير على إمارة باليه} مخترقا الخطوط العريضه للهيكلية الفكريه للشعر حيث يتوغل فيزيقيا وميتافيزيقيا برؤية متوسعه للحياة في كل نواحيها .من خلال إطلاق العنان لحلمه دون قيود بشكل فريد من نوعه عله يتمكن من شيء من الإصلاح في هذا الركام الهائل من الفساد.ولكن الاحباط والفشل في التغيير يلاحقه حتى في الحلم ويواجه واقعا يفرض عليه قتل الوحي والحلم :
    وحي هذي الأيام قد مل منها
    مل من كثرة الكلام الصغير
    قال في تجهم وانحسار
    أقتل الوحي يا سمو الأمير

    …….
    ينبه الشاعر في قصيدة { لغة المتفرقين} إلى أن عوامل الوحدة العربيه تلاشت بفعل فاعل ولم يبق لهؤلاء العرب من شيء يجمعهم إلا اللغة العربيه التي أصبحت في خطر أيضا وهي أضعف من أن تصنع وحدة أو تجمع العرب في هذا الوضع السياسي المتردي .وفي ظل هذا التشدد الإقليمي والتشتت الفكري.الذي يؤدي في أغلب الأحيان إلى التناحر . ولا وجود لأرض خصبة للإبداع والتطور , وجعلوا اللغة رغم أهميتها في التوحد مهمشة و عملوا على طمسها بشكل ممنهج .وهذه حقيقة قائمه فإننا نسمع في هذه الأيام أصواتا موتورة وحاقده تريد اللغة في العراق عراقية كرديه وفي مصر مصرية فرعونيه وفي المغرب أمازيغيه إلخ…..
    ……..
    ويقدم لنا الشاعر في قصيدة {عشق رجعي} جرعة من أجود أنواع النبيذ وأعتقها بتقنية شعريه عالية الحرفيه .. حيث يمخر بإحساسه عباب التاريخ متغزلا بفرعونية جميله صنعها خياله الخصب ورسمها بحبر تاريخ النيل الخالد:
    شممت عطور فرعونية حسناء
    عشقت جمالها المصري في وله جنوني

    ويؤكد على الإرتباط الإنساني منذ عمق التاريخ بين بلاد الشام ووادي النيل ويضع ختمه مصدقا على الرواية التي تحكي أن الفراعنة أساسا لهم جذور سوريه:
    هل تذكرين بداية الأزل السحيق بأجمل القول
    أأنت الأبنة الشماء للسوري
    من جبلت ذراعاه بسحر القول والفعل

    فلا يمكن القول إلا أن هذه القصيدة ملحمة يمتزج فيها العشق والتاريخ والإعتزاز لينساب لوحة فنية من الشعر تحاكي كل الحواس.
    ………
    وفي قصيدة {شباب دائم} يشعر الشاعر أن الزمن يتسلل ليسرق منه الوقت ويمضي العمر بالشباب في خلسة وفي غفلة منه:
    ولى الشباب وكنت أحسبه سيدوم لكن خلسة ولى
    ولكنه يصر على استمرار الشباب عنده رغم تقدم العمر فإن الحب ما زال يمليء قلبه والمشاعر مجددا الشباب في الروح والجسد:
    إن كل سيف العمر منحسرا
    فجموح سيف الحب ما كل
    الحب في نشوى مشاعرنا
    من كل قامات العلا أعلى

    …………
    {روائح نتنه} عنوان ذو مدلول واسع يمكنه أن يكون عنوان لديوان كبير أو حتى لروايه كما القصيدة التي تندرج تحته.حاول من خلالها أن يسرد جزءا هاما من تاريخه وتنوع تجاربه .ومن ثم لم يخرج أيضا إلا بالإحباط وقد لاتروق هذه القصيدة وفلسفتها للكثيرين ممن يصرون على مبدأ الثبات على التوجه السياسي. لأن البحث عن الحلول لايحتاج إلى نقل البندقية من كتف إلى كتف بهذه البساطه:
    مشيت إلى اليسار تارة وتارة نحو اليمين
    لخلق خط ناجح مجدي

    وأنا شخصيا لا أغفر له رغم حبي وإحترامي وتقديري له ولا أنكر أني تلقيت صفعة في قوله وخصوصا أنه يناقض ما جاء على لسانه في نصوص أخرى:
    وجاملت الكلاب لأتقي شرا كريها في نواياها
    وبين القرب والبعد

    ولكن قد يكون له أسبابه وإنه الوحيد رحمه الله الذي يستطيع أن يتحكم بها أو يوضحها
    ………………
    وعودة إلى الحب وإيمانه المطلق به فإذا انفض عنه الحب وهاجر وخلت ساحاته راح يبحث عنه ويصنعه :
    ربما اعتدت إذا لم يأتني الحب …….بريئا وغزيرا في زجاجات الرضاعه
    أن أذيب الحب أن أصنعه محض صناعه

    ويصور لنا كم كان يتكبر على الحب ويطرده عمليا من ممارساته خوفا من أن يأسره ويقيد حريته وهو غير مقتنع بما يفعله ولكن ليثبت أنه القوي المتحكم بعواطفه:
    كم بترت الحب مختالا وكم قصيت باعه
    ولكنه لايلبث إلا أن يعترف بالحب وقيمته الانسانيه لإستمرار الحياة وتأثيره ومكانته عنده فيقول مخاطبا الحب:
    أنت مطبوع على قلبي وعقلي وأحاسيسي طباعه
    فسنين العمر من دونك مهما طالت الأيام تغنيها البشاعه

    ….
    وتظهر الروح المرحة لشاعرنا وحبه للمداعبه من خلال قصيدة {حلم صعب التحقيق}يتطرق من خلالها لحالة صحيه وظاهرة اجتماعيه هي الصلع والعرف الاجتماعي الذي يقرن الصلع بالذكاء الذي أكثر من يرفضه هم الصلعان على مبدأ أعد الشعر إلى رأسي وخذ أنت هذا الذكاء المزعوم. وتبدأ القصيده:
    أصلع راجعني يطلب من دكترتي بعض الكياسه
    …………
    وفي قصيدة {معلقه من الزمن الحاضر} نجد إبداعا شعريا مميزا في زمننا هذا من حيث اللغة والشكل والمضمون وفيها من الإسقاطات التاريخيه ما يجعلها تصنف مع الروائع يصور فيها واقعا قائما في مجتمعنا في الزمن الحاضر .بأن غمزة من عين غانية كفيلة بأن تحل أعقد المشاكل
    فإن هزت الأرداف أوحت بهزها
    لقومي بأن حلت جميع المشاكل

    …………
    وبفلسفة معمقه وبإمتداد تاريخي يحمل قصيدة الطوفان أفكاره الكبيرة وكأنه ينبئنا بأننا على أعتاب نهاية الكون ولن ينقذ العالم مما أصبح يحمله من المعاصي إلا أن يعود نوح بفلك جديد تتلوه إباده, ولكنه يرى أن نوحنا رجل ضعيف أضاع البوصله وليس لديه القدرة على فعل شيء:
    وعلى عكازه بعض بقايا الوبر
    قد خلفها ريش عقاب

    وهذه إشارة واضحه على الضعف فالعقاب الذي أفض الزمن ريشه يكون طيرا عاجزا لايقوى على الطيران .فالأمل بالإنقاذ لايتعدى هذا الوبر المتطاير..
    نلحظ تمسك الشاعر بالقافيه كقاعدة له إلا فيما ندر رغم تفلت الأوزان في كثير من الأماكن.
    تامر رسوق- أيلول2010
يعمل...
X