إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

البيت الحدودي تأليف عزيز نيسن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • البيت الحدودي تأليف عزيز نيسن

    البيت الحدودي
    تأليف عزيز نيسن

    كان ذلك في اليوم الثاني من انتقالنا إلى المنزل الجديد، إذ استوقفني شيخ هرم يقطن في الجانب الأيمن من بيتنا قائلاً:
    - ليتكم لم تستأجروا هذا المنزل؟...
    استغربت كثيراً حديث هذا الكهل فرددت عليه قائلاً:
    - عندما يسكن المرء في منزل جديد يقول له الجيران "منزل مبارك"، فماذا تقصد بهذه التمنيات الغريبة؟
    لم يهتم جاري بما قلت، بل تابع حديثه الفظ:
    - تقتضي علاقة الجوار أن أرشدك وأنصحك بالابتعاد عن هذا المنزل لأنه مقصد للصوص.
    - ولمَ منزلنا بالذات دون جميع المنازل الأخرى، هاه؟.
    تركته يثرثر بكلماته واتجهت صوب البقال كي أشتري علية سجائر فقد أستطيع أن ألجم جام غضبي، وهناك سألني البقال عن سبب غضبي، قلت له: بقرب منزلنا يسكن رجل هرم وخرف، قال لي بينما كنت أمر من أمام منزله أن بيتنا مقصد للصوص وكان علينا أن لا نستأجره، بربك قل لي أليست هذه الحماقة بعينها.
    أجابني البقال:
    - نعم جارك محق في ذلك وهو يريد أن يعلمك بوضع المنزل، فعلاً كان من الأفضل أن لا تستأجروا هذا المنزل بالذات.
    انزعجت من البقال كثيراً، فلم أنتظر حتى يتم حديثه، فخرجت مباشرة وبقيت يومي معكر المزاج.
    في المساء أتى لزيارتنا جارنا القاطن في الجانب الأيسر من بيتنا، واستمرت سهرتنا حتى منتصف الليل ، وعندما هم بالانصراف قال لي:
    - منزلك مبارك إن شاء الله، ولكن يجب أن تكون على بينة من أمرك، إن هذا البيت مقصد للصوص.
    لاحظت زوجتي مدى غيظي وحنقي، فحاولت أن تخفف عني قائلة:
    - أوه ـ وه ، ألا تدري أن أصحاب المنزل لديهم ألف حيلة وحيلة كي يدفعوا المستأجر للإخلاء، ولعل هذه الحيلة واحدة منها، هدفهم إدخال الرعب في قلوبنا وبذلك نخلي المنزل وهم بدورهم يعملون على تأجيره لأحد أقاربهم أو أصحابهم.
    .... بهذه الكلمات استطاعت زوجتي أن تهدئ من روعي.
    لقد وترت هذه الحادثة أعصابي حتى إنني بقيت فترة طويلة أحاول أن أغفو ولكن دون جدوى، ثم غفوت، كم دام ذلك لا أدري كل ما أعرفه أنني استيقظت على صوت خربشة غير طبيعية، سحبت المسدس من تحت الوسادة وقفزت في الظلمة الحالكة وأنا أصرخ بصوت عالي...
    - لا تتحرك من مكانك وإلا أطلقت النار.
    ولكن المصيبة التي اعترضتني تتجلى بعدم معرفتي مكان مفتاح الضوء، أخذت أتحسس جدران غرفة النوم، لكن كل جهودي باءت بالفشل، وبينما كنت أ‘مل جاهداً في سبيل إيجاد المفتاح وإذ بقدمي ترتطم وأسقط على الأرض والمسدس يسقط من يدي، ولكن كيف سقطت وبماذا تعثرت قدمي. قهقه اللص بصوت مرتفع وأجش، فارتعبت كثيراً من شدة صوته، لملمت شتات شجاعتي المتبقية وقلت له:
    - "ولك" دعني أراك إذا كنت رجلاً ولا تظن أنني خائف منك.
    أجابني قائلاً:
    - من المؤكد أنك تبحث عن مفتاح الضوء، لا يهم جميعكم هكذا، ولست أولهم.
    صرخت بأعلى صوتي علّني أستطيع إخافته.
    - "ولك" مع من تورطت ماذا سأفعل بك هاه؟.
    - لا ، لا، لا أ‘رف، ولكن إذا كنت بحاجة لمساعدتي ، إسمح لي كي أنير لك الغرفة.
    - تك....
    وإذا بالنور يعم جميع أرجاء الغرفة، أما أنا فقد كنت منبطحاً تحت الطاولة وزوجتي كانت مختبئة تحت السرير. أما اللص فقد كان طويلاً جداً فلو وقفت على قدمي لما أدخلت الرعب إلى قلبه.
    ولذلك قلت بيني وبين نفسي الوسيلة الوحيدة هي أن أصرخ بصوت خشن وقوي:
    - "ولك" من أنت؟.
    أجابني:
    - لص.
    - قلت:
    - لا، لن تستطيع إرهابنا، ولم نترك المنزل ولن نتركه وأنت لست بلص.
    أجاب:
    - الآن ستعرف إن كنت لصاً أم لا.
    - أخذ ذاك اللص يالتجوال داخل المنزل وكأنه يعرف كل تضاريسه ويعبث بأغراضه يقلبها ويرميها حيث يشاء، أما الحاجات التي تعجبه فكان يجمعها في مكان واحد كي يأخذها.
    وفي أثناء ذلك قال لي:
    - حسناً، ما فعلتم، إذاً خصصتم هذه الغرفة للنوم، لكن المستأجر السابق خصصها للجلوس، كذلك الذي قبله.
    قلت له:
    أظن أنك نسيت ، وأنت تسرق حاجياتنا أنني سأقدم شكوى ضدك.
    أجابني لامبالياً حتى أنه لم يكلف نفسه عناء رفع رأسه:
    - إفعل ما تشاء ولكن لا تنسى بأن تبلغهم تحياتي.
    - بالتأكيد سأقدم شكوى ضدك ولكن كل ما أخشاه أن تنتهز الفرصة وتهرب.
    - لا، لن أهرب.
    - أقسم لك بأنك ستهرب بعد ما جمعت ما جمعته، لذلك سأربطك . وفيما بعد أستطيع الذهاب مطمئناً إلى مخفر الشرطة.
    تجمع الجوار على صوت هرجنا ومرجنا ودخلوا المنزل دون أن يعيروا ما جرى أدنى اهتمام، بل الأنكى من ذلك أن بعضهم أخذ يتهامس.
    - لص آخر دخل المنزل.
    - آه ه ه .. نعم لص، هيا لنتعرف عليه. بعض الجوار استطاع التعرف عليه مباشرة لذلك بدأ السؤال عن حاله وأحواله.
    طلبت من الجوار مساعدتي:
    - ساعدوني يا إخوان كي أربطه بالحبل، وأذهب إلى مركز الشرطة وأتقدم بشكوى ضده.
    أجابني اللص:
    والله أنتم أحرار في أن تتقدموا بشكوى ضدي، ولكن ما أود أن أقوله هو لا تتعبوا أنفسكم.
    جلبت زوجتي الحبال المخصصة لنشر الغسيل وأخذنا نشده إلى الكرسي، كل هذا دون أن يمانع وبعدها أوصدنا الباب واتجهنا إلى مخفر الشرطة. وهناك سألنا الضابط عن موقع المنزل وعندما أبلغته عن المكان قال:
    - هاه _ _ _ اه !! ... إذاً ذاك المنزل؟
    قلت له:
    - نعم ذاك المنزل.
    أجاب:
    - نأسف عن التدخل لأن منزلكم لا يقع ضمن البقعة الجغرافية المسؤولين عنها.
    - حسناً وما العمل؟ وهل قمنا بربطه عبثاً؟.
    أجاب:
    - لو سكنتم في المنزل المجاور لكنا على أتم الاستعداد لتقديم كل المساعدات الضرورية، إن منزلكم هذا يقع ضمن صلاحيات البوليس.
    لقد كان مركز البوليس بعيداً نوعاً ما لذلك لم نصل إليه إلا مع انبثاق الشفق.
    وهناك سألني الضابط المسؤول عن موقع المنزل. وعندما أجبت عن مكان البيت قال:
    - ها ه ه ه ..!!! ذاك المنزل؟.
    قلت له:
    - نعم ذاك المنزل.
    أجاب:
    - أخ لو كان منزلكم هو المنزل المجاور لكنت قدمت المساعدة الضرورية، ولكن مع الأسف منزلكم هذا خارج حدود صلاحياتنا.
    تدخلت زوجتي بالحديث قائلة:
    - واه ، واه وماذا سنفعل بذاك الذي ربطناه.
    سألت الضابط:
    - حسناً وماذا باستطاعتنا أن نفعل؟ أرشدنا بالله عليك.
    أجابني مشكوراً:
    - منزلكم يقع ضمن حدود صلاحيات الجندرمة.
    اقترحت زوجتي الذهاب إلى البيت خشية أن يصاب ذاك الرجل بمكروه أو قد يكون فارق الحياة وبذلك نكون قد ارتكبنا جناية القتل.
    دخلنا المنزل فوجدناه جالساً بمكانه:
    سألته:
    - كيف الحال؟
    - جيد، ولكني جائع جداً.
    جهزت زوجتي مائدة الطعام لكن للأسف لم يكن اللص يحب "البامياء" لذلك ذهبت إلى القصاب وجلبت له قطعة لحم "بفتيك" وحضرتها وقدمتها للص. وبعد ذلك خرجنا متوجهين نحو مركز الجندرمة وعندما وصلنا إلى هناك شرحت الموقف للضابط إلا أنه استغرب وقال:
    - هاه ه ه !! إذاً ذاك المنزل.
    - وكأن جميع الجهات الأمنية تعرف قصة منزلنا.
    - إن بيتكم لا يقع ضمن حدود صلاحياتنا بل بقع ضمن حدود صلاحيات البوليس.
    قلت له مستغرباً:
    - عجباً يا سيدي! أيعقل ذلك؟! لقد ذهبنا إلى مركز البوليس وقالوا أن منزلنا يقع ضمن حدود صلاحياتكم. وأنتم تقولوا العكس! لكنه يقع ضمن صلاحيات جهة ما دون ريب.
    أخرج ضابط الجندرمة الخارطة من خزانته الحديدية وبسطها على المنضدة وقال:
    - انظر... ولكن هل تفهما بالخارطة؟
    هذا الرقم (140) يدل على السهل وهذا (208) يدل على التلة، من هنا تمر حدود صلاحياتنا الادارية، ولو كان منزلكم أبعد بمترين فقط نحو الغرب لوقع ضمن حدود صلاحياتنا.
    قلت له راجياً:
    - يا عيني، يا روحي كل هذا من أجل مترين؟
    ماذا سيحصل لو غضضتم البصر قليلاً؟ أجابني:
    - ماذا سيحصل هاه؟ أنتم لا تعرفون ماذا سيحصل ولكن نحن نعرف تماماً.
    إنظر هنا، هذا موقع المنزل، إنه يقع تماماً على الخط الفاصل بين حدود صلاحياتنا وحدود صلاحيات البوليس، هل فهمتما؟ يعني أن حديقة المنزل ضمن صلاحياتنا ولكن عملية السرقة كما شرحتم تمت في غرفة النوم.
    لم يكن أمامنا إلا التوجه ثانية إلى مركز البوليس، ولكن طلبت زوجتي الذهاب إلى المنزل أولاً للاطمئنان على اللص.
    سألته عندما وصلنا:
    - كيف حالك؟
    - عطشان، إسقوني...
    وبعد أن شرب الماء وأطفأ ظمأه قال:
    - سأرفع عليكم دعوى حجز حرية وهذا ليس من حقكم.
    قلت له:
    - حسناً يا أخي ولكن ماذا بوسعنا أن نفعل إذا كان بيتنا يقع على الخط الحدودي.
    - أجيبه!.
    أطلق اللص تنهيدة طويلة وأردف قائلاً:
    ألم أقل لكم منذ البداية اتركوني وشأني. سأرفع عليكم دعوى وأجرجركم في المحاكم . قلت له:
    - اصبر علينا قليلاً، بالله عليك ساعدنا هذه المرة كي نذهب إلى مركز البوليس مرة أخرى.
    - إذا كنتما راغبان بالذهاب فعليكما بذلك، ولكنني أعرف هذا الشيء أكثر منكما. في البداية يجب إتخاذ القرار اللازم حول تبعية هذا المنزل أو تغيير حدود المنطقة كلها. وعند ذلك يلي ضرب...
    ذهبنا إلى مركز البوليس ثانية وهناك بسط الضابط الخارطة على الطاولة وقال:
    هذه حدود صلاحيات الجندرمة يعني أن الحديقة تابعة لهم،.... أي أن قسم من المنزل يقع ضمن حدود صلاحياتنا الادارية.
    سررت كثيراً من حديث الضابط، لذلك قلت له على الفور:
    - إذاً غرفة النوم تابعة لكم، وهكذا فالمشكلة حصرت بمسؤوليتكم عنها أليس كذلك؟.
    - نعم، نعم ولكن هل لديك دليل أن السرقة تمت في غرفة النوم، وهل دخ اللص إلى غرفة النوم من الجو دون المرور بالحديقة، وكما تعلم فإن الحديقة تقع ضمن صلاحيات الجندرمة، هذه القضية ليست جديدة يا عزيزي والمسألة قيد الدارسة، وفيما بعد سنرى تبعية المنزل لأية جهة أمنية. وبعد ذلك سنقوم بإجراء اللازم.
    في أثناء عودتنا إلى المنزل استوقفني جاري الخرفان وسألني:
    - الحمد لله على سلامتكم، سمعت أن لصاً سطى على منزلكم.
    - نعم سطى.
    - ألم أقل لك أن هذا المنزل مقصد للصوص، ولا أحد يستطيع السكن فيه ولهذا السبب بالذات فأجرته رخيصة، حتى صاحب المنزل لا يستطيع السكن فيه، لذلك قرر أن يهدم قسماً من المنزل ويرجع مترين نحو الخلف، في هذه الأثناء ظهرت على الساحة واستأجرت البيت، وبذلك عدل عن فكرته.
    في أثناء حديثنا تدخلت زوجته قائلة:
    - الذنب ليس ذنبك، بل ذنب صاحب البيت فهو لا يحسب حساب الخط الحدودي، عندما قام ببناء المنزل، وهل يعقل أن يبني إنسان عاقل منزلاً كهذا؟
    ولكن وبما أننا دفعنا لصاحب المنزل سلفة لمدة عام فلن نخلي المنزل الآن.
    فككنا وثاق اللص وجلسنا سوياً لتناول العشاء، وبعد ذلك طلب اللص السماح له بالذهاب على أن يعود ثانية.
    لقد أصبح في منزلنا أربعة أو خمسة لصوص زوّار دائمين. وبتنا نقوم ببعض الأعمال المنزلية معاً كي لا يأتي إلينا لصوص آخرون.
    ولكن لا أدري ماذا سنفعل؟!
    إمّا أن نبقى هنا حتى نهاية العام، ونصبح في المنزل ثمانية أشخاص، أو نجد حلا لهذه المشكلة العويصة.
    ولعد انتهاء دراسة وضع المنزل سوف أرفع دعوى على هؤلاء اللصوص. ولكن مجرد التفكير بهذا الشيء معيب جداً بالنسبة لي كيف لا، وقد تناولنا الخبز والملح سويةً. لا، حتى لو تحملت كل المصاريف وحدي.
    **

يعمل...
X