إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مسرحيته "حديث المساء" من مشروع قلم - الكاتب الإماراتي صالح كرامة العامري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مسرحيته "حديث المساء" من مشروع قلم - الكاتب الإماراتي صالح كرامة العامري

    الكاتب الإماراتي صالح كرامة العامري يرسم الحياة بتفاصيلها المادية والروحانية
    "حديث المساء" يجمع الوطن والمغترب على الخشبة




    العرب أونلاين- رضاب نهار

    في مسرحيته "حديث المساء" الصادرة عن مشروع "قلم" في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة عام 2010 يحكي الكاتب الإماراتي صالح كرامة العامري عن الحياة بمفارقاتها وتحدّياتها، التي نجد أنفسنا مجبرين على تحمّلها والوقوف أمامها لنستطيع الخروج من الأزمة تلو الأخرى، لنكتشف أخيراً أن الحياة تنتهي وتظلّ الأزمات موجودة تنتظر من بقي منا حياً.

    وفي فضاءٍ كبير وواسع هو الغربة توجد غرفة "سبران" الذي سافر مغترباً عن موطنه الأصلي منذ سنين طويلة. وترافقنا هذه الغرفة من بداية المسرحية إلى نهايتها حيث يجتمع سبران بأخيه الأربعيني الأصغر شقير الذي جاء محملاً بالحقائب والحكايا من أرض الوطن.

    منذ البداية نجد أنّ سبران يختلف كثيراً في منطقه وحياته وتفكيره عن شقير، وقد استخدم العامري جملاً وكلماتٍ تناسب شخصية كل منهما أثناء البناء الدرامي. فالحياة بالنسبة لشقير على سجيتها وطبيعتها، لا يتعب نفسه في تعقيد الأمور وفلسفتها، يرغب في الاستمتاع بكل تفصيل في الحياة مهما كان بسيطاً وتافهاً، لكنه يستمتع بطريقته العفوية و"الفجّة" بعض الشيء.

    شقير: كنت مثل التيس الخارج من الحظيرة، يبحث عن شاة، آخ لديكم نساء أشبه بالفرس الجموح، ذهبيات اللون مكسوات بالنور الفضي، عيونهن كصفار البيض المقلي، سيقانهن مخروطية الشكل، ذهب في ذهب خالص وخاصة عندما يتمايل بهن القطار "…" وكلما شاهدتُ إحداهن يزداد احتقاني بها حتى وصلت إليك متعباً هكذا.

    طرح العامري أكثر من مشكلة للحوار والنقاش بين القراء، إنّه لا يعطي نتيجةً نهائية ولا يحكم على شخصياته، كل ما يفعله أنّه يعرض أفكارها أمام القارئ الذي يقع على عاتقه التحكيم. ففي النهاية لا توجد حقيقة مطلقة أو حجة واضحة مقابل أخرى، هكذا هي الحياة، وجهات نظر تتصارع كما في الحوار التالي بين شقير وسبران في المسرحية:

    سبران: أنا لا أحبطك ولكن الحياة ليست هكذا.
    شقير: إذاً كيف هي؟!
    سبران: الحياة كفاح.
    شقير: جربناها تلك الحياة ولم نستفد منها سوى النكد.
    سبران: أنت جربتها على سجيتك جربها الآن على طريقة الغربة، سوف تشعر بالفارق.

    الغربة في مسرحية "حديث المساء" كما هي فعلاً في الحياة، قاسية وبشعة بكل ما فيها. يضيّع الإنسان فيها عمره بأحلى لحظاته ظناً منه بأنه سيبني مستقبلاً أروع، ودون ان يدري يضيع العمر والمستقبل وتبقى الغربة حاضرة بكامل قسوتها وقوانينها. وهو ما نلحظه في حياة سبران الباردة وراء شاشة كمبيوتره، حتى أنه لا يعرف جيرانه ولا يسمع منهم أو عنهم إلا نباح كلابهم.

    ويحاول العامري أن يحكي عن قسوة الغربة على لسان سبران في المسرحية، ويقول:

    سبران: أنا يا أخي مغترب، تعرف ما معنى هذه الكلمة، معناها أنّ كل واحد يمشي في الشارع يطالبني أن أكون مثله.. وإن لم أدفع أجرة السكن سأطرد، إن لم أدفع الضرائب سأتشرد، تعرف معنى هذا؟ ومعناه أنك لا تملك إلّا روحك وهي ملكهم إن أرادوا إهدارها.

    الصمت حاضر وبقوة في الحوار بين الشقيقين اللذين باعدتهما المسافات والأفكار، هو ليس إلا الصمت الذي نمتهنه في الحياة اليومية للهرب من واقعٍ ما أو من حديثٍ ما. والذي يزيد الطين بلّة في "حديث المساء" أنّ هذا الصمت يخفي وراءه حقائق وشكوكا ينتظر كل من سبران وشقير الوقت المناسب للتكلّم بها، حيث يتهم أحدهما الآخر.

    وما إن تشرف المسرحية على الانتهاء حتى تبدأ المشادات اللسانية والحوارات المشحونة بين الشخصيتين. هو حقدٌ خفيّ راكمته سنين البعد وسببه الأساسي مادّي، لكنه في باطنه يحمل اتهامات من قبل الناس الذين يموتون تحت النار والبارود في الحروب التي تحدث يومياً، تجاه أبناء وطنهم المغتربين ظناً منهم أن هؤلاء يعيشون حياة الرفاهية وهم بعيدون كل البعد عن مآسي الحرب، دون أن يدروا أن المغتربين يموتون موتاً بطيئاً كل يوم خارج الوطن حتى أنّ الموت تحت القصف والحصار يكون أسهل بكثير بالمقارنة مع ذلك العذاب البطيء واليومي.

    وقد اختار صالح كرامة العامري مقطعاً من حديث سبران عن تلك الحقيقة، ليضعها على الغلاف الخلفي لكتاب مسرحيته، والمقطع هو:

    سبران: أنت صحيح أتيت من مدن هلكت ولعن خبز أبيها وتصايح أهلوها وانهرسوا تحت القصف، ولكن نحن أيضاً بشر يفترض عندما نسعل في الغربة أن تسارع يد حانية تربّت علينا فلا نجد هذه اليد.. عندها يصبح مصيرك كمصير الخنفساء التي تطوي العمر وهي تلاحق قدميها.

    لكن سبران مع نهاية المسرحية يعترف بذاته، ويحكي عن نفسه بصراحة فينتقدها ويكشف أخطاءه. لقد خسر كلّ شيء بإرادته ورغماً عنه. لم يعد هناك أحدٌ بقربه سيكمل حياته وحيداً كما عاشها من قبل.

    سبران: "بحزنٍ شديد" مع الأسف لقد ضيّعت كلّ شيء فلم يعد هناك شيء.

    المكان في المسرحية شريك أساسي في الحكاية، فالغربة ببرودتها وقسوتها هي من افتعل الأحداث وكوّن الشخصيات على طريقتها. ومع أن الأحداث تدور في غرفة صغيرة ضمن فضاء الغربة الكبير إلا أنّ الوطن الأساسي الذي ينتمي إليه الشقيقان مكان حاضر كل الوقت وأساسيّ أيضاً.

    حيث قضى سبران وشقير كامل الوقت باستحضاره من خلال الحوار بكلماته ومفرداته وفي الصمت أيضا.

    وهكذا تواجد في المسرحية مكانان رئيسيان، الأول مادي تقع الأحداث فيه والآخر بعيد يتم استحضاره في كل لحظة.

    كما أنّ الزّمن في "حديث المساء" يخضع لذات التقنية، إنه قصير نسبياً لكنه يختصر سنيناً طويلة. فالأحداث تجري خلال مدة زمنية قصيرة لا تتعدّى اليومين أي من لحظة مجيء شقير لزيارة سبران في الغربة إلى لحظة خروجه من غرفة أخيه مع عامل الصيانة. لكنّ الفكرة الأساسية والموضوع الرئيسي يتمحوران حول الوطن والأحداث التي جرَت فيه قبل الحرب وأثناءها وما بعدها.

    ومن اللقاء إلى الحديث الاستفتاحي حول الملل وطريق السفر والطبخ إلى الغوص في مشاكل أكثر جدّية ووجوديّة حول الوطن والغربة والمعارف والأقارب وأخيراً إلى الحقيقة التي جرحت كلا منهما وأظهرته لنا على حقيقته. فانتهت المسرحية كما بدأت، شقير يحمل حقائبه، لكن في بداية المسرحية كان يحملها ليدخل غرفة أخيه بينما حملها في النهاية ليخرج من تللك الغرفة دون أية كلمة.
يعمل...
X