إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

العبقري مؤيد نعمة.. أول فنان عراقي وعربي وظّف الكاريكاتير في فنّ النحت- بالذكرى العاشرة لرحيله - علي إبراهـيم الدليمي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العبقري مؤيد نعمة.. أول فنان عراقي وعربي وظّف الكاريكاتير في فنّ النحت- بالذكرى العاشرة لرحيله - علي إبراهـيم الدليمي


    في الذكرى العاشرة لرحيله..مؤيد نعمة..
    أول فنان عراقي وعربي وظّف الكاريكاتير في فنّ النحت



    علي إبراهـيم الدليمي

    في المعرض الثاني لجمعية الكاريكاتير العراقي، الذي أقيم على قاعة المتحف الوطني للفن الحديث، في حزيران من عام 1985، أشار الفنان مؤيد نعمة عند مجموعة من المشاركين الحاضرين، إلى لوحات كانت مشاركة، بان رسامها سيكون له مستقبل زاهر في رسم الكاريكاتير.. فأشار الزملاء له باتجاهي، بأني صاحب هذه الرسومات الناضجة.
    كان ذلك أول لقاء شخصي مع الفنان الراحل مؤيد نعمة، رغم أني قد تعرفت على إبداعه الفني منذ بدايته في السبعينات، ثم توالت اللقاءات بيننا من خلال مشاركتنا الجماعية في المعارض المتخصصة لفن الكاريكاتير، التي كانت تنظمها نقابة الصحفيين العراقيين، أو دائرة الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، لتصبح في ما بعد علاقتنا، علاقة الطالب بالأستاذ وزملاء وأصدقاء .. وقد اتسمت جميع لقاءاتنا بالود والاحترام العالي المتبادل، فضلاً عن آرائه التقويمية في رسوماتي وتجربتي مع فن الكاريكاتير.
    ذات مرة رسم صورة كاريكاتيرية (بورتريت) لشخصية راحلة، فوددت منه ان يرسم صورتي بريشته الساخرة، فتبسم مازحاً قائلاً لي: عندما سترحل سأرسمك!
    هكذا.. رحل، مؤيد نعمة، الفنان والصديق والزميل والأستاذ، إلى الأجل المحتوم يوم 27/11/2005، لتسقط ورقة خضراء نضرة من شجرة الكاريكاتير العراقي والعربي الباسقة.
    (البـداية)
    في أحد بيوتات محلة الحاج فتحي الشعبية، التي تقع وسط بغداد، كانت ولادته عام 1951، وكانت أول محطة طفولته العفوية الذي جسد فيها مؤيد نعمة خطوطه على جدران بيوتها القديمة، ثم ليبهر معلميه في درس الرسم في مرحلة دراسته الابتدائية، ويتلقى منهم التشجيع والثناء.
    وفي مرحلة المتوسطة، تنتقل عائلته إلى منطقة الزعفرانية في ضواحي بغداد الغنية بالبساتين الكثيفة والمزارع المخضرة، التي أغرته بجمالها وألوانها، لينهل منها رسوماته الطبيعية .. فضلاً عن تعدد سفراته الشخصية أو العائلية للاماكن الطبيعية الأخرى المجاورة لبغداد، والمدن الآثارية، لينعكس ذلك على واقعياته المرسومة في دفتره المدرسي البسيط.
    وقد زامن حبه للرسم ذلك، متابعة محتويات مكتبة والده الثقافية، الذي كان لوالده الفضل الكبير باختياره الكتب التي تتماشى مع ذهنيته العمرية وموهبته.
    وتبدأ مطالعته في الصحف والمجلات، ليطالع رسومها وموضوعاتها، ويبدأ مزاولة رسم الكاريكتير.. وكانت دهشته عظيمة جداً، وهو يرى أحد رسوماته السياسية الساخرة منشورة على غلاف مجلة (المتفرج) الفكاهية عام 1967، وكان موضوع الرسم يمثل تمثال (الحرية) في أميركا، وقد حمل قنبلة نابالم بدلاً من مشعل الحرية، حيث كان مؤيد وقتذاك، طالباً في الصف الرابع الإعدادي، وكانت رغبة والده ان يكون طبيباً، إلا أن ذلك الغلاف وهوايته المفرطة للفن ولرسم الكاريكاتير خصوصاً، كان سبباً مقنعاً وحتمياً لدخوله معهد الفنون الجميلة / قسم الرسم (خريج عام 1971)، ليواصل بعد ذلك مسيرته الرحبة والشاقة في عالم الكاريكاتير.
    وفي عام 1969، دعي الفنان مؤيد نعمة، ومجموعة من الفنانين الشباب للعمل في مجلة (مجلتي) للأطفال، ثم (المزمار) في بداية إصدارهما، وكانت هذه التجربة بالنسبة لمسيرته، جديدة ولذيذة، حيث لعبت دوراً مهماً وبارزاً في تطوير وإظهار تجارب وأساليب فنية عديدة، قد طرقها الفنان مؤيد نعمة، ولتضيف له هذه الممارسة رصيداً كبيراً وواضحاً في عمله الصحفي المتنوع، ما بين رسم الأفكار السياسية والاجتماعية الساخنة التي تطفو على سطح الساحة المحلية أو الدولية، وبين الولوج في عالم البراءة والطفولة، لينجز عشرات الأعمال الإبداعية، ما بين سيناريوهات وكتيبات، التي تخص الأطفال، بل ليكون من أوائل أبرز المؤسسين الجادين لصحافة ورسوم الأطفال في العراق.
    يرى الفنان مؤيد نعمة، في موضوع علاقة الكاريكاتير ورسوم الأطفال: رسام الكاريكاتير ربما لاعلاقة له برسوم الأطفال، ولكن عندنا في العراق، كل رسامي الكاريكاتير رسموا للأطفال، ولكن ليس كل رسامي الأطفال رسموا الكاريكاتير.. الكاريكاتير فن، والرسوم للأطفال فن، بل هو عالم خاص ورائع.. هذا الفن – الرسم للأطفال – تطور عندنا في العراق كثيراً وأصبح مدرسة تقودها دائرة ثقافة الأطفال.
    عام 1972، بدأ مؤيد نعمة يرسم لمجلة (ألف باء) بشكل أسبوعي ومتواصل، إضافة إلى رسومه للأطفال والصحافة اليومية، ومنها جريدة طريق الشعب، الذي انتمى لكادرها عام 1973، لحين توقفها عام 1979.
    وفي عام 1973، ساهم مع كل من الفنانين بسام فرج وأديب مكي، في رسم وتصميم أول فيلم كارتوني عراقي بعنوان (لعبة القدم الأمريكية) الذي أنتجته مؤسسة السينما والمسرح، من إخراج الفنان فكتور حداد، وقد حاز هذا الفيلم الجائزة التقديرية في مهرجان أفلام فلسطين الثاني، الذي أقيم في بغداد.
    وكانت لمؤيد نعمة، أول مشاركة دولية له في مسابقة (بينالة كابروفو) البلغارية عام 1972، الذي أقيم تحت عنوان (العالم مازال يحيا، لأنه يضحك)، وقد حصد الجائزة الثالثة عام 1979، في نفس المسابقة، وعلى أثر ذلك أصبح للعراق جناح خاص في هذه المسابقة، مشاركة مع زميله الفنان بسام فرج، فضلاً عن مشاركاته الدولية العديدة في كوبا ويوغسلافيا وبلجيكا واليابان وتركيا ...
    شارك مع مجموعة من فناني الكاريكاتير في تأسيس أول تجمع (لرسامي الكاريكاتير العراقيين) الذين أقاموا معرضين عامي 1975و 1967، وقد ضم هذا التجمع كلا من الفنانين (نزار سليم وبسام فرج ومؤيد نعمة وضياء الحجار وعبد الرحيم ياسر وموسى الخميسي).
    لم يكتف فناننا مؤيد نعمة، بكل هذه النشاطات الفنية اليومية المتواصلة ليل نهار، بل راح يكمل مشواره (الدراسي / العلمي) في دخوله أكاديمية الفنون الجميلة (بكالوريوس عام 1977)، ولكن هذه المرة انتسب لقسم الخزف (السيراميك)، وكان لابد أن يطرق باب هذا الفن الجديد لمسيرته ليوظفه أيضاً لصالح فن الكاريكاتير.
    فكان مؤيد نعمة، أول فنان عراقي وعربي، يوظف الكاريكاتير في فن النحت الخزفي، وذلك لصعوبة تمازج هكذا إبداعات في عملية واحدة تقنياً، وقد شجعه في المضي قدماً بهذا الاتجاه الفنان إسماعيل فتاح الترك، فقد جسد عدة تماثيل خزفية (بورتريت) لعدد من أساتذته في الأكاديمية أمثال: فائق حسن وسعد شاكر ومحمد غني حكمت وكاظم حيدر وفرج عبو .. وآخرون، كما له مشاركات دولية عديدة بهذا التخصص لاحقاً.
    عام 1991، استقرت رسومات مؤيد نعمة على الصفحة الأخيرة لجريدة الجمهورية بشكل يومي، حيث لاقت صدى واسعاً على الساحة الإعلامية والصحفية خارج العراق وداخله، فضلاً عن الرسومات الأخرى في مجلة (الف باء) الأسبوعية، تحت عنوان (طبق الأصل) و (رجال ونساء)، وقد اتسمت جميع رسوماته باللمسة (السياسية / الاجتماعية) الممزوجة مع بعضها البعض، إن صح التعبير.
    وفي عام 1991، انتخب من قبل زملائه رسامي الصحف، لرئاسة جمعية الكاريكاتير في نقابة الصحفيين العراقيين.
    وظل الفنان مؤيد نعمة، يتواصل دون كلل أو ملل مع إبداعه الكثيف والمستمر في فن الكاريكاتير، ورسوم الأطفال، وما بين تدريسه ورئاسته لقسم الخزف في معهد الفنون والحرف الشعبية، والنشر لصالح عدة صحف محلية يومية بعد الاحتلال عام 2003، لغاية توقف نبض قلبه دون إرادته .. لتطوى صفحة زاخرة بالإبداع والتجدد الفني والرؤيوي، من صفحات مشهد إنجازنا التشكيلي والإعلامي، نحن بأمس الحاجة إليه في ساحة المواجهة المصيرية التي نعيشها الآن.

يعمل...
X