إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

(أنكيدو) شاكر مطلق الشاعر السوري - حاوره : عمّار أبو عابد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • (أنكيدو) شاكر مطلق الشاعر السوري - حاوره : عمّار أبو عابد

    الشاعر السوري (أنكيدو) معاصر «يخترع» أساطير جديدة

    شاكر مطلق: الشعراء في طريق الانقراض!



    عمّار أبو عابد
    يتفرد الشاعر السوري الدكتور شاكر مطلق بأسلوب خاص في الكتابة الشعرية، يرسم له حدوداً واضحة بين مجايليه من الشعراء. فهو مولع بالأساطير والحكايات القديمة ومتبحر فيها، لكنه لا ينصرف بها عن الواقع، وإنما يسقطها عليه، ليكتب بها أسطورته الخاصة، ويستشرف من خلالها الأفق الإنساني والوجودي.
    يصفه النقاد بأنه (أنكيدو) معاصر!. فمناخاته الشعرية مشحونة بالقلق الإنساني والبراءة الأولى، وقصيدته تنهل من مشارب ثقافية متنوعة، وقد كتب قصيدة العمود، قبل أن ينصرف إلى التفعيلة والنثر، ويتخصص في قصيدة الومضة.
    ولد شاكر مطلق عام 1938، درس الطب البشري في ألمانيا وتخصص في جراحة العيون. صدرت مجموعته الشعرية الأولى عام 1957، ولديه اليوم عشر مجموعات شعرية، منها: “نبأٌ جديد”، “معلقةُ جلجامش على أبوابِ أوروك”، “تجلياتُ عشتار”، “زمنُ الحلمِ الأول”، “ذاكرةُ القصب”، “تجلياتُ الثورِ البري”، بالإضافة إلى اثني عشرَ مؤلفاً في الأدبِ والطب.


    حول تجربته الشعرية كان معه هذا الحوار:

    ◆ أنت تؤسس رؤيتك الشعرية على الأسطورة، فهل تهرب من الواقع إلى الحلم؟
    ◆ الحياة من دون حلم لا تعاش، والحلم يتبدى بأنقى أشكاله في الأسطورة، التي هي لغة العقل الأول والبراءة الأولى، التي تشحن الروح والجسد بالطاقة. ولكن من المهم ألا نتعامل مع الأسطورة بشكل نسخي، بل أن نعيشها، وأن نحاول خلق أساطيرنا الخاصة.
    إن اهتمامي بالأسطورة بدأ في وقت مبكر جداً من تجربتي الأدبية، ففي عام 1954 أذكر أنني قدمت الكثير من المحاضرات عن الأسطورة والرمزية في ناد ثقافي بحمص، فكنت أتحدث عن (عشتروت) البابلية وعن الرمزية في شعر اللورد بايرون.
    ◆ بالحديث عن البدايات وما تزخر به من خبرات مبكرة، فقد أتاحت لك طبيعة عمل والدك فرصة التنقل والعيش في عدة مدن وبلدان عربية، فكيف تكونت ثقافتك في هذا المناخ؟.
    ◆ تكونت ثقافتي الشعرية الأولى على نحو كلاسيكي، فوالدي كان يكتب الشعر، لكنه كان نظّاماً أكثر من كونه شاعراً، شأنه شأن الكثيرين في ذلك الوقت. وكان لديه مكتبة ضخمة، نهلت منها الكثير، ولا زلت حتى الآن أحفظ معظم ديوان عمر بن أبي ربيعة مثلاً. وفي ذلك الزمن كنت ألتقي مع عدد كبير من زملائي خريجي ثانوية (التجهيز الأولى) بحمص، في مقهى (البرازيل)، لنتحدث عما كتبنا وقرأنا من الشعر العربي أو المترجم عن لغات أخرى، وكنا نشعر بسعادة كبيرة عندما نقع على ترجمة جديدة لإحدى المؤلفات الأدبية، رغم تواضع الترجمة في ذلك الوقت، وأعتقد أنني تأثرت بالأدباء الروس أكثر من غيرهم.
    رسالة من عبد الناصر
    ◆ تلقيت تعليمك الأول في مدرسة دير داخلية ألمانية في الناصرة، وانتقلت إلى بيروت لتتابع في مدرسة داخلية مسيحية في الجبل، فهل كان لهذه المرحلة من حياتك أثرٌ ما في تجربتك الشعرية؟.
    ◆ أجدادي هم أصلاً من الرمثا ودرعا، والوالد كان يعمل في شركة نقل النفط العراقي، وطبيعة عمله تدفعه للتنقل من مدينة لأخرى كل بضعة سنوات، فانتقل ليعمل في حيفا، ثم الناصرة، وهناك أرسلني إلى دير ألماني خلال الحرب العالمية الثانية، لأن الوالدة توفيت ونحن أطفال وتزوج الوالد من جديد، ثم انتقل ليعمل في بيروت، وهناك أرسلني أيضاً إلى مدرسة دير داخلية، وانتقلنا بعد ذلك إلى حمص عام 1946 وكانت حينذاك مدينة صغيرة جداً، ومازلت أعيش فيها حتى اليوم. طفولتي كانت مزيجاً من الاغتراب والشعور بالوحدة والانكسار، وصور الأيقونات والقديسين بدت غريبة عليّ قليلاً، لكنها كانت تمدني بشعور من النشوة العقلية، وظلت هذه النشوة تلازمني حتى الآن، كلما رأيتها.
    ◆ أصدرت في عام 1957 مجموعتك الشعرية الأولى بعنوان “نبأ جديد” وأهديتها للرئيس الراحل جمال عبد الناصر بمناسبة تأميم قناة السويس، فأرسل لك رسالة شكر، كيف تلقيت هذه الرسالة وأنت الشاعر الشاب؟
    ◆ كانت بادرة لطيفة من عبد الناصر، وقد جاءت الرسالة من القصر الجمهوري مكتوبة وموقعة بخط اليد، وبالطبع فقد سررت بها كثيراً، وأذكر أنني في ذلك الوقت قمت مع مجموعة من الأصدقاء بتأليف وتمثيل مسرحية إذاعية عن تأميم القناة وأرسلناها إلى إذاعة صوت العرب، حيث بثت، وتركت أثراً لا يمحى في ذاكرتنا.
    تجارب كشفية
    ◆ استخدمت كلمة تجليات في عناوين عدة مجموعات شعرية، فهل تعتبر الشعر كشفاً وتجلياً، وكيف يتعايش الشعر مع الفلسفة في قصائدك؟
    ◆ الشعراء يعتقدون أنهم يكتبون الشعر، ولكننا في الحقيقة نكتب ما نفهمه من الشعر، وما نظن أنه كذلك، لكن ما لا نكتبه أيضاً موجود، بمعنى أن الإبداع يبقى جملة ناقصة، لأنه ينشد الجمال المطلق، فإذا جئنا بمجموعة من طلاب الفنون التشكيلية ووضعنا أمامهم باقة من الزهور، فكل منهم يرسمها من منظوره، وبالتالي فكل منهم يرى جزءاً من الحقيقة فقط. ومعضلة الشاعر أن اللغة مهما كانت غنية بالمفردات، فإن قوالبها لا تتسع لحالاته الوجدانية المعقدة، مما يضطره للالتفاف حولها، وتطويعها قدر المستطاع، دون أن يتمكن في النهاية من قول كل ما يريد. وبرأيي أن الشعر العظيم هو نتيجة تجارب فكرية وكشفية، تحتاج إلى مجاهدة. فأنت لا تستطيع أن ترى الغابة عندما تكون داخلها، بسبب كثافة الأشجار، ولكنك بمجرد أن تبتعد عنها ستعرف إلى أين تذهب القصيدة.
    ◆ زرت العديد من بلدان العالم، وأعجبت بالأدب الياباني وقصيدة الهايكو، وقمت بترجمة شيء منها إلى العربية، فهل هذا ما يفسر اليوم ولعَك بقصيدة الومضة؟
    ◆ أنا أكتب في العام الواحد عشرات الومضات، لكني أكتب على نمط الهايكو اثنتين أو ثلاثاً، علماً أن الهايكو نثر بينما الومضة تفعيلة، فالهايكو فن صعب وهو عبارة عن سبع عشرة حركة صوتية تتألف كل منها من ثلاثة مقاطع، وطبعاً ذلك لا ينطبق مع لغتنا. وقد ألفتُ عدة كتب عن الهايكو، كما ترجمت كتباً عديدة عنها منذ ثلاثين عاماً، وكنت أول من عرف الناس إلى هذه القصيدة، بالإضافة إلى قصيدة (التنكا)، وهي أطول من الهايكو بقليل، وتتألف من خمسة مقاطع.
    لست متزمتاً
    ◆ انتقلت بقصيدتك من أوزان الفراهيدي إلى التفعيلة إلى النثر، هل تشعر أن قصيدة النثر تعطيك حرية أكبر؟
    ◆ قصيدة التفعيلة تشبه القصيدة الكلاسيكية إلى حد بعيد، وتختلف عنها بعدد التفعيلات واستعمالها فقط، ولا زلت أستمتع بين وقت وآخر بكتابة الشعر العمودي، ولكن في القصيدة الحديثة أستطيع تجاوز القول المألوف وأستخدم صوراً مركبة، لأعبر عما يجول في ذهني بحرية أكبر، ولاسيما الأفكار الفلسفية. فأنا لست متزمتاً من الناحية اللغوية، ولدي ثلاث مجموعات نثرية كتبتها على مدى ثلاثين عاماً، لكني لا أسميها شعراً، بل أعتبرها نصاً فكرياً أدبياً، رغم أنها شعر موزون كسرته عن عمد، لكي تأخذ الأفكار انسيابيتها، وعندما صدرت هذه الكتب فوجئت بأن الناشر كتب عليها (شعر).
    ◆ انتقد الشاعر المرحوم عبد المعين الملوحي شعرك ذات يوم، حين قال إن هناك فرقاً بين المضمون رفيع المستوى وبين الشكل الذي لا يصل إلى مستوى المضمون أحياناً، بل إنه ينحدر انحداراً خطراً في بعض القصائد، فلماذا تقدم المضمون على الشكل في قصيدتك؟
    ◆ هذا الكلام صحيح، فأنا لا أتعمد أن أقوم بصنعة، وإن كانت القصيدة تحتاج إلى تعلم الصنعة. وما يهمني هو أن تصل الفكرة من دون عناء، وأفضل ألا أتلاعب باللغة والنص، وأن أترك الدفقة الشعرية على سجيتها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لا أدعي أنني المتنبي، وقصائدي فيها تفاوت، فهناك قصيدة جيدة وأخرى أقل جودة، وفي النهاية كلها خربشات.
    أساطير جديدة
    ◆ في قصائدك شيء من التفاؤل، فأنت تحتفل كثيراً بولادة الأشياء، وانتصار الحياة على الموت. من أين تستمد هذا التفاؤل؟
    ◆ من دون التفاؤل لا تستمر الحياة، لكني لست متفائلاً برخص، فأنا أتفاءل بمستقبل البشرية، وبأن الإنسان سيتحرر يوماً ما ليعبر عن نفسه وفكره وآرائه دون خوف من أحد.
    ◆ كثيراً ما تستدعي ملاحمَ وشخصيات أسطورية كعشتار وجلجامش وأنكيدو وغيرها، فما الذي يغريك بالأسطورة والتاريخ في زمن يتجه فيه أغلب الشعراء إلى محاورة الواقع؟
    ◆ عندما أستخدم رموز الأسطورة، فأنا لا أبتعد عن الواقع، وإنما أحلله بعمق، وأعبر عنه بصورة أرقى من خلال الإسقاط، وأصعد به إلى المثل العليا، وخصوصاً أنه واقع أليم، فالمسألة ليست انصرافاً إلى الأسطورة بعيداً عن الواقع، وليست مجرد حشد لرموز وأسماء من دون دلالة. والمهم هنا أن يخلق الشاعر أسطورته الخاصة.
    ◆ هل تحاول اختراع أساطير جديدة؟
    ◆ دون أدنى شك، ولست أنا من يقول ذلك، وإنما المختصون في هذا المجال، وأنا سعيد بأنني كنت وفياً مع نفسي وأفكاري فيما يتعلق بتعاملي مع الأسطورة باحترام ومحبة.
    في طريق الانقراض!
    ◆ وصفك أحد النقاد بأنك مرحلة متقدمة من أنكيدو، صديق جلجامش في الملحمة المعروفة، فما رأيك بهذا الوصف؟.
    ◆ ربما يقصد في ذلك، أني أتسم بشيء من البراءة الأولى، وأرفض الإقصاء والشللية بين الأدباء، وأقول دائماً إن الشعراء جنس في طريق الانقراض، ولذلك علينا أن نتضامن ونتآلف مع بعضنا.
    ◆ وهل ترى أن الشعر في طريقه للانقراض أيضاً؟
    ◆ ذكرتني بدراسة كتبتها منذ مدة، حين ألح علي السؤال التالي: هل الشعر مشروع خاسر؟. وتوصلت إلى نتيجة بأن الحياة فقيرة جداً من دون الشعر، وأن الإنسان يسمو عندما يتعاطى مع الجمال، بكل تجلياته، لأنه يغسل الأدران عن أرواحنا ويرقى بنا إلى مثل أعلى. ولذلك أقول إن الشعر ليس مشروعاً خاسراً على الإطلاق، غير أن الشعراء الحقيقيين في طريق الانقراض، لأن الزمن ليس زمن الشعر وإنما زمن المادة، ولكن قدر الإنسان الشاعر أن يكتب عالمه في كل زمان ومكان.
    ◆ تتصف قصيدتك بالتعقيد، وهي بحاجة إلى قارئ متأن وذي ثقافة عالية، فلماذا تعتصم في برجك العاجي ولا تنزل إلى أرض الواقع، إلى الجمهور العريض؟.
    ◆ الجمهور يتكلم مئة كلمة في اليوم، وأنا لست مستعداً أن انحدر بالمستوى الفكري والفني للقصيدة، لكي أكون قريباً من لغة العامة، ولكي يقال إنني أكتب أدباً شعبياً، فلماذا لا يبذل القارئ قليلاً من الجهد؟. ولماذا عندما يتناول شاعر ألماني أسطورة ما، يستطيع أي طالب في المدرسة أن يفهمه؟. وعندما كتبتُ “معلقة جلجامش على أبواب أوروك” في عام 1984 جاءني أحد عمداء كليات الآداب في إحدى الجامعات العربية، ليقول: “أتمنى لو كنت أستطيع كتابة دراسة عن هذه المجموعة، لكن يا أخي ملحمة جلجامش صعبة جداً”. الغريب أننا لا نعرف تاريخنا ولا نريد أن نعرفه، فالمشكلة عند المتلقي وليست عند الشاعر.
يعمل...
X