إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تجربة وآراء (( أحمد دحبور )) الخاصة في الشعر والحياة بحوار معه لـ عزيزة علي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تجربة وآراء (( أحمد دحبور )) الخاصة في الشعر والحياة بحوار معه لـ عزيزة علي

    تجربة وآراء (( أحمد دحبور ))
    الخاصة في الشعر والحياة بحوار معه
    حوار : عزيزة علي


    حوار مع الشاعر الفلسطيني المبدع
    (( أحمد دحبور ))
    يرصد ملامح تجربته وآراءه الخاصة في الشعر والحياة
    * دعني أسألك في البداية عن المؤثرات التي أسهمت في تشكيل وعيك الإبداعي وقادتك إلى الشعر؟

    - يمكن ان أشير إلى كتب السيرة الشعبية وإلى آثار النكبة الفلسطينية. وإلى دور معلمي الأول موريس قبق الذي أحتاج إلى نهر من الحبر لأفيه حقه. لقد أشرت في مقدمة ديواني الذي يضم المجموعات الأولى من شعري إلى ثلاث شخصيات: أمي ، وموريس قبق، والزير سالم.. وعلى ما في الإشارة من طرافة إلا أنها تتجه إلى الاعتراف بفضل الأم ودورها في تغذية المخيلة. وإلى حساسية اللغة وتقنية الشعر على يدي موريس. وإلى اكتشاف الشعر بحد ذاته، بما هو كتابة مختلفة، من خلال السير الشعبية. ويبدو لزاماً علي أن أشير إلى تربية ثقافية مركبة. فأنا ابن شيخ مسلم سني معمم. ولكنني عشت مرحلة حساسة من عمري في بيئة مسيحية. والرموز الإسلامية المسيحية واضحة الحضور في شعري. إضافة إلى أن جيلي عاش تحولات وتجارب عميقة وخطيرة وأحياناً عنيفة. فقد فتحنا عيوننا على النكبة، وعايشنا أربع حروب. وانخرطنا في الفكر القومي، وعصفت بنا الوجودية، وشغلتنا الماركسية، وشهدنا انهيارات كبرى. وخلال هذه الفترة كان الشعر العربي يتنقل بين التيارات والمدارس بسرعة الصاروخ، سواء بأشكال الكتابة من نظام البيت إلى التفعيلة إلى غير الموزون، أو بالمدارس الفنية نفسها. بعد ذلك أو قبل ذلك تأتي التجربة الشخصية. فقد خرجت من بيئة المخيم المحدودة، إلى مدينة حمص الواسعة نسبياً، فور انتهاء دراستي الابتدائية، ثم وجدتني خارج بيتنا الصغير منذ عام 1968.
    وتنقلت مع رياح المقاومة من دمشق إلى عمان إلى بيروت إلى درعا إلى القاهرة إلى عدن إلى صنعاء إلى عشر سنوات في تونس، وها أنذا في غزة منذ 24/8/1994.. وكان طبيعياً أن يترك هذا أثره في الشعر.
    * يرى بعض النقاد إن شعرك في الماضي كان أكثر فنية وقدرة على التواصل مع المتلقي، أما شعرك الحديث فتبدو وكأنك تخاطب به النخبة من المثقفين. فإلى أي مدى يبدو هذا القول دقيقا برأيك ؟
    - لم أسمع هذا الرأي من قبل. ليست هذه مكابرة للتخلص أو مناورة للتملص، لكنني فعلاً لم أسمع هذا الرأي. ومع ذلك، وما دام السؤال مطروحاً فلابد أن هناك من يقول هذا. ولكن ألا يوجد بعض التناقض في القول إن الشعر أصبح أقل فنية بدليل تراجع وصوله إلى المتلقي؟.. فالذي أعرفه أن أحد أسباب تراجع شعبوية الشعر الحديث هو أنه أصبح أكثر إخلاصاً للفن حتى أنه كف عن تملق الذوق السائد.
    إن من أسهل الأمور على شاعر تتوافر لديه الحرفية المجردة، أن يهيج الجمهور بكليشهات جاهزة تجعل القاعة المغلقة ترقص على رجل واحدة. ولكن سيكون الشعر هو الغائب الأكبر. ليس معنى هذا أنني أضع قياساً سلبياً يعطي علامات للقصيدة بقدر ما تبتعد عن المتلقي. ولكنني أعترف بأننا كلما ذهبت القصيدة في البحث والمغامرة فإنها تفقد بعض مفاتيحها المتاحة لأبواب الثقافة الموروثة التي لا تريد غير ما يشفي غليلها. وعلينا التمييز دائماً بين الشعب بما هو صانع التاريخ وبين عينة من جمهور محشور في قاعة مغلقة بأعصاب ملتهبة. ولا أظنني وحيداً في مأزق الالتباس بين ما يريده هذا النوع من الجمهور وما يريده الشعر.
    لقد كففت منذ فترة –ولست وحدي- عن تلبية الكثير من الدعوات السياسية المبهرجة بالشعر الاحتفالي. ولكن إذا كان لابد من ذلك، لأسباب غير شعرية طبعاً، فإنني أفضل أن أقرأ قصيدة مكتوبة منذ ربع قرن على كتابة قصيدة الآن بأدوات ما قبل ربع قرن.
    ليس معنى هذا أن القصيدة الحديثة تخاطب نخبة من المثقفين. بل إن المشكلة تقع في الفعل "تخاطب". ذلك أن الشعر الذي اشتقه العرب من الشعور، يبدأ من الذات أساساً، أما الدور المؤثر للشعر فيأتي نتيجة ما كان يسميه جان بول سارتر حضور الشاعر في العالم. أي أن الشاعر يكتب من ذاته إلى ذاته، ولكن بقدر ما تكون هذه الذات محتشدة بالآخرين، بالحياة العامة، فإن القصيدة –وهي الذاتية- ستجد صداها وتأثيرها في الآخرين. أما إذا كتبت القصيدة من ظهر قلبي لإرضاء الذوق السائد فقد أفوز بالتصفيق ولكنني أخسر الشعر بالتأكيد.. من يصدق أن المرحوم السياب –وهو من هو في تاريخ الشعر العربي- وجد نفسه أمام هذه المعضلة حرفياً، وعبر عنها بمقالة جرت عليه المتاعب قبل أربع وأربعين سنة؟ كانت المقالة بعنوان "الالتزام واللاالتزام في الشعر العربي الحديث"، وقد لاحظ يومها أن زملاءه الشعراء الرواد –وليس هو وحده- قد سئموا من الكتابة حسب الطلب، إلا أن كتاباتهم الذاتية لا تعني، ولا يجوز أن تعني الانصراف عن الشأن العام..
    * يقال أيضا إنك ابتعدت بشعرك عن توظيف الفلكلور والتراث الفلسطيني، وأصبحت تميل إلى التجريب وما ينطوي عليه من رموز وغموض. ما هو تعليقك على هذا الكلام؟
    - يا سلام.. وهل استخدام الفلكلور والتراث كان بعيداً عن التجريب؟ أم أن للتجريب مواصفات ملعونة سرية سيقع من يذهب إليها، في الدرك الأسفل من النار؟.. إن المعاناة الشعرية عملية متجددة باستمرار، وليست مراوحة عند لحظة نجاح أو خطوة في أرض مضمونة.. ما زلت أذكر سخرية ناقد تقليدي جليل من استخدامي جملة عامية في قصيدة لي قبل خمس وثلاثين سنة. كنت يومها مغامراً مجرباً.. وأظن أن التجربة نجحت. لكن النجاح لا يعني إيقاف عقارب الساعة.. وما يكتبه الشعراء الجدد المجددون الآن من شعر متوتر قائم على القطيعة مع السياق السائد، يقابل، بالمعنى النسبي، ما كان يحدثه استخدام الفلكلور وما إلى ذلك قبل عقود من الزمن.. ليست المسألة في إضافة هنا وحذف هناك، بل إن الشعر عملية صعبة متجددة مسكونة بالدهشة والمفاجأة، تخدمها التجربة والثقافة وحسّ المغامرة من غير أن يكون ذلك على حساب الرؤيا أو المشروع..
    إن كل ما سبق لا ينفي حقيقة أن هناك شعراء يتراجعون ويضعف تأثيرهم. لكن ضبط هذه المسألة يتعلق بأدوات النقد والمتابعة وليس بالأحكام المسبقة..
    * بالمناسبة كيف تنظر إلى الحركة الشعرية الفلسطينية في السنوات الأخيرة وتطورها؟
    - كأن هذا السؤال يتعلق بمجمل حركة الشعر العربي الراهن. وذلك لسببين: الأول هو أننا فعلاً جزء من اللحظة العربية ولسنا آتين من كوكب آخر. مصادرنا الثقافية واحدة. أسئلتنا القومية والوطنية والوجودية تتدرج من التشابه إلى التطابق. ثم إن المشهد الشعري العربي العام قد انسحبت أشكاله ومقترباته على مختلف الساحات العربية، من القصيدة البيتية المتراجعة، إلى قصيدة التفعيلة المكابرة أو الصامدة، إلى القصيدة المبرأة من الوزن بوضعها الاقتحامي حيناً، العشوائي حيناً آخر.., أما السبب الثاني فيتصل بطبيعة الشتات الفلسطيني الذي ترك لنا حصة في كل موقع جغرافي. فبعضنا متأثر، بحكم المثاقفة اليومية، بالنتاج المصري، وبعضنا بالسوري، وبعضنا بالعراقي. ذلك أن للأرض والبيئة سحرهما الذي ينعكس تأثيراً مباشراً في أشكال القول الشعري ومستوياته المتعددة..
    نأخذ هذه الملاحظة بالاعتبار فنرى إلى المشهد الشعري الفلسطيني وكأنه عينة من الشعر العربي الحديث. فثمة صراع بين القديم والجديد، يتميز بتقهقر الخطاب السلفي، ومأزق الخطاب الحديث من حيث استنفاذ عناصر الحداثة المتاحة حتى الآن، والوعي بضرورة استحداث عناصر جديدة. وفي وضع كهذا يظل هناك هامش واسع للرعونة والرطانة والمجانية. وعندما نتذكر أن الحركة النقدية لا تواكب هذا المأزق –ولا تعالجه بجدارة تبعاً لذلك- فإننا نرى السهولة والاستسهال يفترسان المشهد. ولكن باستمرار يظل هناك جديد يفرض حضوره حتى لو التبس الأمر على الذوق السائد..
    * برأيك هل تناول النقاد شعرك بإنصاف داخل فلسطين وخارجها أم تشكو الأمر مثل بقية الشعراء؟
    - في هذا السؤال ما يتصل بالسؤال السابق من حيث الوضع الراهن للنقد. ويجب الاعتراف بأن نكوص المشروع التحرري العربي: اليسار، عبد الناصر، حركات التحرر وما إلى ذلك، قد انعكس نكوصاً في استخدام ملكة النقد، حتى ليقول مفكر بحجم د.محمد عابد الجابري إننا نعيش أزمة استقالة العقل العربي. ولما كنا نتحدث عن الشعر، فلنتذكر أن رواد التجديد عندما ظهروا بعد اختبار نكبة العرب الأليمة في فلسطين، كان إلى جانبهم منتخب من النقاد الذين يبشرون بالجديد وينافحون عنه.
    كان لدينا شعراء من عيار السياب والبياتي وأدونيس ونزار قباني ونازك وخليل حاوي وصلاح عبدالصبور وغيرهم. وكان إلى جانبهم نقاد من نوع
    د.محمد مندور ود.محمد النويهي ود.إحسان عباس وجبرا إبراهيم جبرا وإيليا حاوي وغيرهم. وفي اللحظة التالية عندما برزت صورة محمود درويش وما يمثل ومن يمثل كان هناك غالي شكري ورجاء النقاش ويوسف اليوسف والياس خوري ود.فيصل دراج، وغيرهم كثير. أما الآن فإن النقاد ينصرفون غالباً إلى الكتابة النظرية حتى يمكن أن تصدر مجموعات لشعراء كبار من وزن سعدي يوسف وقد لا تقع على دراسة قيمة مفيدة لهذه المجموعة أو تلك.
    كانت مجلة الآداب البيروتية، مثلاً، تخصص زاوية "قرأت العدد الماضي من الآداب" فما إن ينشر الشاعر قصيدة حتى يقرأ نقداً لها في العدد التالي، وقد يقرأ بعد ذلك نقداً للنقد، ورداً على كل ما تقدم.
    لا شيء من ذلك الآن. وأنا من جيل مخضرم شهد جانباً من مرحلة حيوية النقد ثم شهد على أفول المشهد مع ارتفاع وتيرة النقد المحارب، القبلي، الاستحواذي.. ولكننا نسجل نقطتين، أولاهما أن بعض الشعراء جعلوا يتولون مهمة النقد بكفاءة ملحوظة، كما فعل اللبنانيون محمد علي شمس الدين وشوقي بزيع وعصام محفوظ وعباس بيضون وحسن عبدالله وجودت فخر الدين وبسام حجار وغيرهم. وهؤلاء جميعاً كتبوا نقداً لبعض شعري. بعضهم جعل مني مسخرة مثل بيضون وحجار، أما الآخرون فطوقوا عنقي بالمحبة والنفاذ إلى أسرار تجربتي. والنقطة الثانية هي ظاهرة الدراسات الجامعية المتخصصة وقد أتيح لي أن أقرأ عدداً كبيراً من رسائل الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس في شعري. بعضهم خصص الدراسة عني وحدي، كما فعل المغربيان د.عبدالدين حمروش ود.محمد الحسناوي والفلسطينيون د.محمد إبراهيم حور، ومحمود عابد، وإسماعيل اصليح، وبنان حزماوي. وبعضهم درسني مع بضعة شعراء آخرين، وهذا ما فعله مثلاً د.عبد الخالق العف، ود.سميرة ستوم و د.أحمد جبر شعث وقد أبلغتني د.ستوم حرج د.صلاح فضل من كثرة الرسائل المتعلقة بي حتى أنه طلب منها إضافة بعض الشعراء إلى رسالتها حتى لا يتهم بالانحياز إلي..
    بهذا المعنى لا أشكو إهمالاً أو جحوداً، ولعلي فخور بشهادات أسماء كبيرة في شعري. ومع ذلك فإن الشاعر الحديث يعاني ما وصفه الشاعر أنسي الحاج بالغربة بين النقد والأثر الفني.. وقد يكون أساس هذه الغربة أن كثيرين من النقاد يتناولون الشاعر في سياق التجربة العامة. فهذا فلسطيني، وهذا مقاوم، وذاك من المدرسة البغدادية، وأولئك متغربون مغاربة.. مع أن الشعر أولاً وأخيراً محنة ذاتية يتحمل مسؤوليتها الشاعر صاحب النص من غير أن نجرده من زمنه والمؤثرات التي يخضع لها..
    * هل هناك أصوات شعرية جديدة برزت في المشهد الشعري العربي وما هو رأيك فيها؟
    - من الممكن أن يولد الآن، فيما يجري هذا الحوار، صوت شعري جديد، فالجديد مفتوح على المطلق وما لم تتأسس هذه الحقيقة في حديقة الممكن فإن المأساة ستأخذ شكل الكارثة. بالطبع هناك أصوات جديدة، بعضها فرض حضوره وبعضها يجاهد لتأكيد هذا الحضور، إلا أن العقبات الموضوعية موجودة أيضاً.. فقد غابت الساحة العربية المركزية أو الساحات المتنافسة كما كان الأمر مع القاهرة وبغداد وبيروت قبل بضعة عقود. وسأظل أتذكر أن قصيدة واحدة للمرحوم الشاعر أمل دنقل –هي: البكاء بين يدي زرقاء اليمامة- كانت كافية لتجعل منه نجماً شعرياً في شهر واحد عام 1967. أما الآن فإن الظروف تغيرت وليست لدينا مجلة الآداب أو مجلة شعر، ثم إن اللحظة الناصرية، بما فيها من ألق وطموح، قد أصبحت في ذمة التاريخ. وعلى الشاعر المعاصر أن يناطح الصخر ليوصل شعره إلى الآخرين. أنا لا أستطيع أن أفهم أن هناك مطابع لا تطرح أكثر من خمسمئة نسخة من المجموعة الشعرية في أمة تجاوزت ربع المليار من البشر..
    إن الأصوات الجديدة المعافاة الموهوبة موجودة. وهي تتكاثر وتتسع أطيافها. ولن أذكر الأسماء، لا مجاملة ولا تعتيماً، ولكن للأسباب السابقة، فمن يضمن أنني لو ذكرت اسماً فلن أظلم اسماً آخر لم يصلني لهذا السبب أو ذاك؟
    * هناك من يقول إن الشاعر يستطيع أن يكتب قصيدته في كل الظروف في السجن، في الحرب، في القمع، والاحتلال.. أما النقد فيحتاج إلى حرية. ما رأيك في ذلك؟
    - الإنسان يحتاج إلى حرية. بل إن الحرية شرط بشري.. ومع ذلك فالمبدع يتدبر أمره دائماً. والتاريخ مليء بجيوش المبدعين الشهداء من مختلف الأجناس. فالريح لا تجرحها ضربة سيف على حد التعبير الموفق لشاعرنا محمود درويش. والطغاة لا يضيعون وقتهم أيضاً. فهم يمنعون ويصادرون ويحبسون ويغتالون. ولكن الحياة أقوى. لقد أصبح مضحكاً أن يقص الرقيب مقالة في مجلة قادرة على تخطي الحدود عبر الانترنت. وعندما أصبح العالم قرية صغيرة، حسب تعبير ماكلوهان، فإن الأحياء المتراصة في هذه القرية قادرة على التبليغ والانتشار.. لهذا فإن عندي نبأ سيئاً للدكتاتور العربي: إنك تعد أيامك.. أما أيام الإبداع فإن أمامها زمناً شاسعاً لا متناهياً، أمامها حركة التاريخ..
    * بصراحة هل تشعر بأن نجم الشعر قد أفل لتحل مكانه الرواية, أم أن الأمر مجرد تمنيات لا أساس لها من الصحة؟
    - هناك من بشر بالعقلانية عبر ثورة كوبرنيكية تنقل العالم من عصر الشعر إلى عصر النثر الذي يبلغ ذروته في الرواية. ولكن هذا كلام مقيد بفهمنا لدور الشعر ووظيفته.. فمما لا شك فيه أن الشعر يتغير ويتطور وينتقل من النجوى والشكوى إلى قراءة العالم والذهاب إلى حد الحلم في تغييره.. وبهذا المعنى يصعب تصور العالم بلا شعر.
    أما الرواية التي وصفها هيغل بملحمة العصر الحديث، فهي في انتصارها وفتوحها الدائمة تجد في الفن المرئي تحدياً كبيراً لها. لكن عندها نقطة قوة، هي أن هذا الفن المرئي الذي يتحداها إنما يولد من صميمها.. لا خوف على الأجناس الأدبية، لسبب بسيط هو أن الحياة مستمرة..
    * هل تستطيع أن تقول كل ما تريد عبر الشعر من المشاعر الشخصية إلى الهم الوطني الكبير؟
    - هذا يتوقف، من جديد، على فهمنا للوظيفة الأدبية بشكل عام. فلا شك في أن الشاعر يبوح ويكشف ويقتحم ولكن بأدوات تعبير أقل نفعية مما يتوفر للنثر. لنأخذ الموسيقى مثلاً.. إنها عندما تكون لحناً لكلمات معينة، تبدو متاحة للجميع، ولكن ماذا عنها في إطارها الكلاسيكي؟ هل سيفهمها الجميع؟ والرسم كذلك، ومختلف الفنون.. ولهذا من الظلم أن نطلب من الشعر ما نطلبه من الرواية مثلاً. ولكن الثقافة الواقعة تحت ضغط الذوق السائد تنزاح وتتراوح مهماتها حتى ليقوم هذا الجنس الأدبي بدور جنس أدبي آخر. فنحن نقول مثلاً إن الشعر ينبع من الذات. وأن الرواية تقدم الواقع بشكل موضوعي. ولكننا نرى الأمر في الثقافة العربية معكوساً بشكل أو آخر. فالشعر يتصدى للقضايا العامة، سواء أكانت اجتماعية أم وطنية أم تنويرية. أما الرواية فترتد أحياناً من المستوى الموضوعي إلى الكهوف الذاتية عندما تتحول إلى نوع من السيرة الشخصية أو تصفية الحسابات. وفي هذا الإطار كثيراً ما نرى شاعراً يكتب رواية لأنه يستطيع أن يقول في الشعر ما تتيحه له الرواية..
    ليس هذا احتجاجاً على تداخل الأجناس الأدبية ولكنه خوف على فهم الوظيفة لكل جنس أدبي مع التسليم بأكبر قدر من الحرية للمبدع في التجوال داخل الجنس الأدبي الذي يعنيه..
    على المستوى الشخصي أطمح إلى اعتبار أعمالي الشعرية المنجزة نوعاً من السيرة الذاتية الجوانية. ولكن يظل صاحب الحكم الأخير في هذا الشأن هو المتلقي. لاسيما وأن الشاعر يمر بمراحل مختلفة، فقد أنحني في هذه الفترة أمام رغبة الذوق السائد، وقد أتمرد في مرحلة لاحقة أو حتى سابقة.. ومرة ثانية نسأل عن النقد التطبيقي الذي يفرز الحنطة من الزوان. ولكن هل النقد وحده هو الذي ينقص مشهدنا الثقافي؟
    * بالمناسبة ماذا تشكل المرأة من حضور في شعرك, وكيف تنظر لها؟
    - كانت أول قصيدة موزونة نشرتها خارج إطار بريد القراء، بمعنى قصيدة شاعر، هي قصيدة غزل. وهذا طبيعي بحكم العمر والاندفاع التلقائي. إلا أن المرأة ليست مجرد موضوع حسي يمكن اختزاله في الغزل وما إلى ذلك. وهي ليست حتى مجرد أم. مع أن الأم قوية الحضور في حياتي إلى درجة طاغية. ولكن المرأة هي مفتاح الاشتباك مع الحياة. وما زلنا نذكر الرأي الذي شاع حول الشعر الفلسطيني، وهو أن المرأة معادل موضوعي للوطن في هذا الشعر. إلا أن المرأة أكثر من ذلك باستمرار. فهي الأم والحبيبة والأخت والرمز. وبالتالي فإن السؤال عن دورها في الحياة يزحزح مكانتها الحقيقية التي هي الحياة أصلاً. فهل نسأل ما هو دور الحياة في الحياة؟
    ولهذا السؤال مشكلة تتصل بطبيعة قراءتنا للشعر. لأننا إذا أعدناه إلى أبواب وأغراض وموضوعات كما كان يفعل الأسلاف فقد نعطي نسبة مئوية، في هذه القصيدة أو تلك، لحضور المرأة أو الأم أو الحبيبة وما إلى ذلك. أما القراءة الحديثة للشعر فتأخذه بكليته، برؤياه التي هي رؤيا الشاعر صاحب العلاقة..
    ولما كان هذا السؤال موجهاً إليّ بصورة شخصية، فجوابي أنني لا أستطيع أن أتخيل العالم بلا امرأة، بكل تجليات المرأة في الفعل الإنساني. وحين تقول أمثالنا إن الماء يكشف الغطاس، فإنني أترك لقصائدي أن تكشف علاقتي بالمرأة ورؤيتي لها..
    * في هذا الاتجاه دعني أسألك عن الأصوات النسائية الشعرية في فلسطين وما تشكله من حضور في المشهد.
    - كان الفلسطينيون يتباهون دائماً بأن شاعرتين من أصل ثلاث حاضرات في صلب التجربة الشعرية العربية الحديثة هما فلسطينيتان. والثلاث هن نازك الملائكة العراقية والفلسطينيتان فدوى طوقان وسلمى الخضراء الجيوسي.. لكن علينا الاعتراف بأن مهمة الشاعرة العربية ليست يسيرة في مجتمعاتنا الشرقية المحافظة. وقد لفت نظري في الموسوعات التي تضم أسماء الشعراء العرب وأعمالهم، أن عمر الشاعرة العملي قصير. بمعنى أن كثيرات هن الشاعرات اللواتي بدأن بداية قوية لكنهن لم يواصلن الطريق لسبب أو آخر.
    على المستوى الفلسطيني المعاصر لا يمكن القول إن الأصوات الشعرية كثيرة. ولكن يمكن القول بثقة إنها موجودة وذات حضور جدير بالاعتراف والتقدير..
    * هلا أطلعتنا على طبيعة عملك الحالي في وزارة الثقافة, وهل هذا العمل يأتي على حساب إبداعك الشعري؟
    - أنا الآن وكيل وزارة الثقافة المساعد، وليس هناك وكيل.. أي أنني ألي السيد الوزير من حيث الموقع الوظيفي. ولا خوف من هذا العمل على وتيرة الإنتاج الشعري. فخلال عشر سنوات أصدرت ثلاث مجموعات والرابعة على الطريق.. ولا أزال أذكر أنني في مسيرة عملي الوظيفي، عبر الإعلام الفلسطيني الموحد، كنت "أهرب" من وقت الدوام لأزور زملائي في وزارة الثقافة السورية واتحاد الكتاب..أقصد أن طبيعة وزارة الثقافة تشمل عالمي الشخصي.. ولكن هذا لا ينفي وجود مشكلات إدارية تفصيلية.. فهذه هي الحياة من غير أن ننسى أننا مواطنون. وعلى المواطن أن يعمل في وظيفة أو مهنة. ولا توجد وظيفة حكومية للشاعر.. فالشاعر يعيش حياته الداخلية والموضوعية على طريقته. لكن يظل مطلوباً منه أن يعطي ما لقيصر لقيصر.. ومن حسن الحظ أن ما يطلبه القيصر – عندما يكون اسمه وزارة الثقافة- لا يتعارض مع همومي وأدوات انخراطي في الحياة.
    * أخيراً .. كنا نتوقعك في مهرجان جرش لهذه الدورة ولكنك لم تأتِ فهل من تفسير لهذا الغياب؟
    - لا شك في أنني الخاسر الوحيد في ذلك. فمهرجان جرش من أعز المهرجانات العربية على قلبي. لقد شاركت فيه من قبل وكنت في غاية السعادة. لكن من يقنع الاحتلال بذلك؟
    وحتى لا يكون هناك التباس في الأمر. أنا لم أناقش الاحتلال الذي لم يمنعني مباشرة من الحضور. ولكنه يملك امتياز منح التصريح بالدخول والخروج من الجزء المتاح لنا من فلسطين. والذي يحدث هو أننا نقدم طلب تصريح في العادة، فيأتي الجواب أو لا يأتي.. وليس الجواب منعاً أو سماحاً. ولما شعرت أن الوقت أصبح محرجاً فقد ركبت الصعب وفضلت الاعتذار على أن يكون اسمي مدرجاً بين المشاركين ثم أجد نفسي غائباً بلا تفسير..
    مرة ثانية أؤكد شكري للدعوة الكريمة، واعتذاري عن عدم تمكني من الحضور. إن هذا الإرباك واحد من آلاف المنغصات التي يمدنا بها الاحتلال يومياً.. ولك
    ن هذه أقدارنا. وبعيداً عن المزايدة والمناقصة. هذه أرضنا ولن نتركها.. وأنا على ثقة من أن أهلنا العرب يتفهمون هذه الظروف الاستثنائية التي نعاني.
    حاورته: عزيزة علي
    الخميس
    25/8/2005

  • #2
    رد: تجربة وآراء (( أحمد دحبور )) الخاصة في الشعر والحياة بحوار معه لـ عزيزة علي

    من ابداعاته :
    قالت له عصفورة الأيام:
    خطوط كفيّك بلا نهايه
    تبدأ من كفيك، أو من صفحة الغوايه
    قلبك مفتوح بمصراعيهِ
    والغول – في الحكايه
    ترميك بالنهار والظلام
    أو ان لا يوقظك الرعد، ولا
    تملك أن تنام
    سحابةٌ مرّتْ على عينيه
    ولم تزلْ عصفورة الأيام
    تقول ما أدركه، من قبل، وهو خائف
    فالنهر يدنو واثقاً اليه
    وجمرة العواطف
    تنقله عن حطب الآثام
    أعرف هذا الضوء مجنوناً، تعودّتُ
    عليه من زمن
    أعرف كيف يرسم المرأة أحياناً
    على شكل الوطن
    فمرّة يرسمها أما
    ومرة حمّى
    عبير
    :p

    تعليق


    • #3
      رد: تجربة وآراء (( أحمد دحبور )) الخاصة في الشعر والحياة بحوار معه لـ عزيزة علي

      ومن أجمل كلماته

      وعندما انسحبتُ من ملاعب الشقاوة
      عرفت أن الجبل العظيم ليس يمشي
      عرفت: كنتُ ميتاً. . والذكريات نعشي
      . . . . . . . . . .
      ساعتها. . وظفتُ ما أملكه من نار
      ليحرق الذاكرة – الغشاوه
      وقبل أسبوعين كان المطر المُنْسَح
      يسوط وجه طفلة وهو يروِّي القمح
      معذرة يا سادتي . . فلست بالثرثار
      إذا زعمت أنني حدثتكم عن فتح
      أضعف فأناديك ..
      فأزداد ضعفاً فأخفيك !!!

      تعليق


      • #4
        رد: تجربة وآراء (( أحمد دحبور )) الخاصة في الشعر والحياة بحوار معه لـ عزيزة علي

        نماذج من شعره:
        1- الأحجية المكشوفة للمطر والنار
        أذكر، أن الجبل العظيم كان يمشي
        والمطر الذي يروِّي القمح لا يبلل الأطفال
        أذكر أن جارنا الحمّال
        توجني بكعكة،
        وقال لي: كن ملكاً في الحال
        وهكذا وجدت نفسي ملكاً . . والذكريات جيشي
        أذكر أن الجبل العظيم كان يمشي
        من شفتيْ أبي الى خيالي
        وكانت الثمار في سلالي
        كثيرة،
        والنار مُلك دهشتي وطيشي
        وعندما تجمع الأطفال والذباب حول بائع الحلاوهْ
        ولم أجد في البيت نصف قرش
        وعندما أمي بكتْ،
        (تنكر حتى الآن أنها بكتْ)،
        وعندما انسحبتُ من ملاعب الشقاوة
        عرفت أن الجبل العظيم ليس يمشي
        عرفت: كنتُ ميتاً. . والذكريات نعشي
        . . . . . . . . . .
        ساعتها. . وظفتُ ما أملكه من نار
        ليحرق الذاكرة – الغشاوه
        وقبل أسبوعين كان المطر المُنْسَح
        يسوط وجه طفلة وهو يروِّي القمح
        معذرة يا سادتي . . فلست بالثرثار
        إذا زعمت أنني حدثتكم عن فتح
        (عمان 18/2/1970)
        2-الشوكة المُزمنة
        قالت له عصفورة الأيام:
        خطوط كفيّك بلا نهايه
        تبدأ من كفيك، أو من صفحة الغوايه
        قلبك مفتوح بمصراعيهِ
        والغول – في الحكايه
        ترميك بالنهار والظلام
        أو ان لا يوقظك الرعد، ولا
        تملك أن تنام
        سحابةٌ مرّتْ على عينيه
        ولم تزلْ عصفورة الأيام
        تقول ما أدركه، من قبل، وهو خائف
        فالنهر يدنو واثقاً اليه
        وجمرة العواطف
        تنقله عن حطب الآثام
        أعرف هذا الضوء مجنوناً، تعودّتُ
        عليه من زمن
        أعرف كيف يرسم المرأة أحياناً
        على شكل الوطن
        فمرّة يرسمها أما
        ومرة حمّى

        (جزء من قصيدة من ديوان "اختلال الليل والنهار" ص 16-19)
        المراجع:
        عن كتاب الكاتب الفلسطيني راضي صدوق " شعراء فلسطين في القرن العشرين

        تعليق

        يعمل...
        X