إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

د. كاظم شمهود .. من قطاب الفن العراقي العاصر / 1 -

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • د. كاظم شمهود .. من قطاب الفن العراقي العاصر / 1 -

    1
    من قطاب الفن العراقي العاصر / 1

    د. كاظم شمهود






    - شاكر حسن آل سعيد -

    اذا كان عصر النهضة هو عبارة عن احياء للتراث الاغريقي او النزعة الانسانية الكلاسيكية اوهي النزعة بالعودة الى الوثنية واعتماد المدرسة الكلاسيكة المثالية عنوانا له فان عصر القرن العشرين يعتبر ثورة لاحياء التراث الانساني البدائي القديم الذي اعتمد على القوى الفطرية والحساسية الجمالية الغريزية و الاختزال والتبسيط في الشكل ضافيا عليها طابعا روحيا وسحريا.. فقد كان ذلك الانسان الفنان يعتقد ان رسمه للحيوان, مثلا سوف يحبس روحه داخل الشكل و يقيده فما عليه الا ان يخرج من كهفه ليصطاده.. ظاهرة الروح بعثت اليوم من جديد في الفنون الحديثة المعاصرة فقد حطم الفنان الشكل وحوره من اجل الوصول اليها . وهنا اختلفت الاجتهادات ووجهات النظر و تعددت المرجعيات في طريقة الوصول والتجسيد والتعبير والبحث.. شاكر حسن واحد من الذين يبحثون عن الروح والذات في عالم الملكوت وعالم الكينونة..

    المحطة الاولى

    نظرية التأمل - ورد معنى التأمل في القاموس العربي: دائم التفكير العميق في حقائق الامور .. استغراق ذهني او حاله يستسلم فيها الانسان لما يمر في خاطره من معان وافكار.. حالة ذهنية واعية يكون فيها الفكر مستسلما لذكريات و صور مبهمة.. شاكر حسن طرح نظرية التأمل في العالم الخارجي باتجاه عمودي بحثا عن الذات او الروح .. وهو يذكرنا بنظرية المثل لافلاطون حيث كان افلاطون يعتقد ان الحقائق المطلقة موجودة في عالم الميتافيزيق اما الاشياء التي نراها في حياتنا ما هي الا انعكاسات او استنساخ لذلك العالم الغيبي الحقيقي ... يعتقد شاكر ان التأمل يصل بالفنان الى الحقائق الكونيبة او الغيبيات ثم ربط هذه الرؤية بعالم التكوينات في العمل الفني او الاتجاه الافقي كما يصطلح عليه البعض .. ويمثل التأمل عند شاكر - لارؤية - اي انها مجرد تأمل في عالم الغيبيات... وهو منطق ديني جسده القرآن الكريم ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق - آية فصلت )
    يقول شاكر : ( ليس ثمة فن اكثر من ( لارؤية ) الفن التأملي ذلك انه لا يتمتع برؤية معينة للعالم لانه هو تلك الرؤية بالذات ... )
    ( ان هذه اللوحة التي ارسمها انا الرسام هي انا و هي الكون معا و بمثل هذه اللوحة اشاهدها ايضا انا المشاهد فاللوحة هي الفنان و انا الكون معا . وبهذه ( النية ) وهذا التوجه لن تتم الرؤية الغيبية في لحضة الحضور .. ) .. ويذكرنا ذلك بقول الامام علي -ع- ( اتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر ) .... هنا نجد شاكر حسن قد دخل في الفلسفة الصوفية وجدليتها .. فيقول الحلاج : ( يا هو انا , وانا هو ) .. ثم يستشهد شاكر بقول الحلاج في بعض بحوثه ( اسألك بحق هذه التربة المقبولة , والمراتب المسؤلة ان لاتردني الي بعدما اختطفتني مني , ولاتريني نفسي بعدما حجبتها عني .. ) ... اذن نحن امام فنان صوفي بشكل بحت لا يقبل اي شك او تأويل ... وهي طروحات مبهمة وغامضة لايفهم منها شئ على نطاق العقل و الادراكات الواعية الا اللهم اذا قلنا انها من منابع العقل الباطني او اللاواعي ( السريالية ) غير ان شاكر يرفض ان يكون بحثه سرياليا كما ورد في بعض اقواله ... ولكن هل ان شاكر اتخذ التصوف كسلوك في حياته العملية اليومية بمعنى انه زاهد متعبد متقشف في مأكله و ملبسه وذو لحية كثيفة مسترسلة . ؟؟؟؟ الواقع لم نرى ذلك عليه على الاطلاق فهو كبقية الاساتذة في عمله و علاقاته الاجتماعية المختلفة .... اذن ان التصوف عند شاكر فكر تأملي يطوف حول في الفنون التشكيلية فقط , كما هو عند الفنا الاسباني - تابيس - ذو النزعة البوذية ....

    المحطة الثانية

    نظرية البعد الواحد - اسس شاكر حسن جماعة البعد الواحد عام 1971 و كانت تتكون من الفنانين جميل حمودي و محمد غني حكمت وعبد الرحمن الكيلاني ورافع الناصري وضياء العزاوي وقد رفعوا شعار - الفن يستلهم الحرف - و اعتبروه اهم عنصر من عناصر الحضارة والفكر العربي والتواصل بين التراث والحداثة.. ولكن شاكر حسن كانت له و جهة نظر اخرى حيث اعتبر ان تحقيق البعد الواحد بواسطة الحرف هو نزعة تأملية لوجود الذات الانسانية عند مستوى الوجود الكوني كما اعتبر الحرف وسيلة للتأمل في الذات الآلهية و انه يملك بعدا روحيا و هو - البعد الواحد - اذن البعد الواحد هو البعد الروحي و ليس الشكلي لاننا ندرك في عالم المحسوس التشكيلي ان الاشياء لها بعدين او ثلاثة ابعاد او اكثر حسب المفاهيم و المصطلحات اللغوية اي لها كتلة معينة .. و اليوم نرى ان بعض المدارس الفنية الحديثة قد احالت المادة الى سطوح و خطوط والوان بحثا عن الروح او الماهيات الكامنة وراءها . واعتبرت ذلك التعامل رمزا للحرية و الانعتاق ... يقول شاكر حسن ( تعتبر ممارسة الحرف العربي والحرف عموما في التشكيل الفني محاولة للعودة الى القيم الحقيقية في الفن .)
    و فن التجريد هو عبارة عن امتداد بلا حدود و تغيير و هو يخلو من الحصر الزماني و هو حس صوفي كان متجسدا في اعمال الفنان المسلم في العصور الوسطى . عكس الفن الاغريقي الذي كان يسعى الى جعل الانسان مقياسا للجمال و نزلوا بالالهه و جعلوها على شكل انسان .... ...
    دعوة شاكر حسن الى البعد والواحد والحروفية هي دعوة صوفية بحتة يسودها الغموض و عدم الفهم ... وهو تصوف الحلاج من ناحية الفكر و السفسطة التي تنحو نحو الجدلية داخل دائرة مفرغة .. يقول شاكر ( اني اسعى للوصول . وان علي ان اكون كائنا كونيا . و لكن سرعان ما يظهر الشق في الخيمة . ثم اترنم : انها هناك تهمس في اذني و لا ابصرها . و قد ابصر سواي و اسمع عنها . ذلك انه كان قد وصل الى مستوى وجودها هي بفناءه هو . اما انا ففنائي كان سيضل متأرجحا .. ) ثم يقول ( ذلك ان فلسفة - يعشق - هنا تظل كفيلة يبعث الحياة في الموت و الوجود من العدم .. ).. هل نحن امام ظاهرة الحلاج عندما كان يحتج على خصومة و يدعي انه صاحب كرامات ثم ينادي في الناس هل من احد يقتلني و له اجر كبير ؟؟؟ ام اننا امام ظاهرة بودلير وقصائده التي يسودها عدم الفهم والهذيان والظلام والسوء ... ؟؟ ام ان شاكر له لون آخر يختلف عن الآخرين ... ؟؟؟ .

    المحطة الثالثة


    ظاهرة الحروفية او الخط و اعطاءه بعدا روحيا هي قديمة ظهرت في العصور الاسلامية الوسطى فقد اعطيت له تفسيرات روحية كثيرة و اتخذ رمزا او اشارة لطرد الارواح الشريرة و استخدم في الطلاسم و الشعوذة وكتابة العوذ و غيرها .. كما ان الاحرف التي تتصدر السور القرآنية لازالت لحد هذا اليوم عصية على المفسرين مثلا ( الم - و- كهيعص ) و اعتبرها البعض عبارة عن ارقام عددية كونية سرية لان الرومان كانوا يستخدمون الاحرف كارقام ... ( D-V-X- ) وعندما خطت اول نسخ من القرآن الكريم في- الخط الكوفي - اعتبر البعض ان الخط الكوفي منزل من السماء وان له بعدا روحيا مقدسا ... كما يذكر بعض المؤرخين بان الصوفية قد انشغلت في العصور الوسطى برسم هيكل الحروف و وضعوا لها رموزا و اشارات غير مفهومة ..
    وفي القرن العشرين بدأت حركة الكرافيتي تظهر في اوربا على يد مجاميع من الشبان التي اخذت ترسم في الشوارع على الجدران و محطات المترو و عربات القطارات و غيرها و كانوا يستخدمون في اعمالهم عنصر الحروفية الى جانب الاشكال الاخرى .. و كان في مقدمت هؤلاء الفنان الفرنسي الكبير جون دوبوفيه -1901-1985 والفنان الامريكي سي تومبلي 1928 - وقد كان بول كلي الفنان السويسري هو اول من لفت نظر الفنانين العرب الى اهمية الحرف الى قيمته الجمالية في الفنون التشكيلية عندما زار شمال افريقيا عام 1914 - كما كانت الفنانة العراقية مديحة عمر قد استخدمت الحرف في العمل الفني عام 1949 - ثم تبعها الفنان العراقي جميل حمودي الذي اقام له معرضا في باريس عام 1950 ..
    اذن كانت هناك ارضية تاريخية خصبة بكل ابعادها الروحية و الشكلية جاهزة وكاملة لظهور نظرية البعد الواحد و الفن يستلهم الحرف الذي اعتمد عليها شاكر حسن آل سعيد .. ...وكان لهذه الحركة صدى في العالم العربي خاصة على الفنانين الشباب و الذين اعتبروا الحرف العربي كقيمه حضارية و عنصرا من عناصر التشكيل ...

    المحطة الرابعة

    ولد شاكر في السماوة عام 1925 و تخرج من كلية التربية عام 1948 فرع العلوم الاجتماعية . كما نال شهادة دبلوم رسم في معهد الفنون الجميلة ببغداد عام 1955 . ساهم في تأسيس جماعة بغداد للفن الحديث الى جانب جواد سليم و كان لايزال طالبا في معهد الفنون . كما درس الفن في باريس عام 1959.. . واقام عدة معارض شخصية بالاضافة الى اشتراكه السنوي في معارض جماعة بغداد ....... له بحوث و دراسات نقدية كثير و يعتبر واحد من اهم ركائز دعاة الفكر و النقد و الحوار في العصر الحديث ... كنا قد شهدنا محاضراته القيمة في مطلع السبعينات يلقيها في مركز كولبنكيان الثقافي .. مستخدما مصطلحات جديدة كنا لانفهمها يومذاك في مدار الرؤية الحديثة و - البعد الواحد - للفن و كنا لانملك الشجاعة و القدرة على السؤال او التحدث حيث كان متفوقا في حواراته و مبدعا في الرد و التحليل .. و قد تعرض للنقد الشديد حول- نظرية البعد الواحد - ونشرت الصحف ذلك و كان هناك سجالا طويلا بينه وبين معارضيه ... منها جريدة التآخي في عددها - 755 -/9/6/1971 ..
    كانت اعمال شكر في التصوير تنحو نحو رسوم الفن البدائي او رسوم الاطفال تطغي عليها الالوان الحارة مستفيدا من الرسوم الشعبية العراقية و قصص الف ليلة وليلة والوان البسط و السجاد .. و الى حد عام 1960 نرى هذا الاسلوب ماثلا في معارضه الشخصية منها لوحة - عائلة مشردة 1960- بعد ذلك تحول الى اسلوب التسطيع والاختزال متماشيا مع نظريته التأملية في استخدام الحروفية و الاعداد و شقوق الجدران يضاف الى ذلك تعامله مع السطح بمواد مختلفة كمسحوق المرمر و الزيت و الكريليكو و غيرها .. متأثرا باعمال الفنان الاسباني تابيس . ...
    التقيته في عمان في مطلع التسعينات- ايام المحنة - في فندق كارافان - كان يرتدي اللباس العراقي التقليدي - دشداشة- و ذهبنا سوى الى المسجد للصلاة وسط دردشة جميلة .. و قبل الوداع طلب مني عند العودة الى مدريد ان ابعث له كتابا عن اعمال الفنان الاسباني - تابيس - وقد فعلت ذلك ..... و يبقى شاكر حسن في الذاكرة العراقية رغم اختلافاتنا معه في الافكار و الآراء , و واحدا من اهم دعاة التجديد و الابداع ورائدا من رواد الفن العراقي المعاصر ( رحمة الله عليه ).


    خاص "أدب فن"


يعمل...
X