إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الفن العراقي المعاصر / 2 - من أقطابه جواد سليم - د. كاظم شمهود..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفن العراقي المعاصر / 2 - من أقطابه جواد سليم - د. كاظم شمهود..

    من أقطاب الفن العراقي المعاصر / 2

    د. كاظم شمهود






    - جواد سليم -
    يبدو ان الغلو والافراط في المدح تكاد ان تكون ظاهرة منتشرة في المجتمع العراقي خاصة في بعض المعتقدات الدينية .. وقد انسحب ذلك على الفنون التشكيلية . فنشاهد احيانا طوفانا من الثرثرة او الفضفضة في مدح الرواد ... ( هلك في اثنان محب غال و مبغض قال ./ الامام علي -ع-) ومنهم من يضع عليهم هالة قدسية او ربانية مما يربك ساحة النقد و يعطل دور العقل في التحليل و الحكم . وكذلك يقلل من اهمية الآخرين من الفنانين الذين تبعوهم حيث ان بعضهم اجتاز الرواد في معارج الابداع و الوعي والفكر و التأليف ... وكما يقال في المثل -(حب رويدا واكره رويدا عسى الامور ان تنقلب ).
    مرحلة البداية -
    لم يكن رواد الفن العراقي شيئا يذكر - من ناحية الحداثة - الا بعد مجيء الفنانين البولونيين -(ياريما وماتوشاك وجابسكي ) ( و بشهادة بعض الرواد ... ) الذين دفعتهم الحرب العالمية الثانية الى العراق بين اعوام 1941 و 1943 - وكان هؤلاء قد درسوا في فرنسا على يد الفنان الفرنسي الانطباعي المعروف - بونار - وقد احدث هؤلاء انقلابا هائلا في استيقاض الفنان العراقي من سبات التقاليد نحو التجديد والوعي .. ويعود لهم الفضل في نقل الفن العراقي من مرحلة التقاليد الواقعية الى مرحلة الفن الحديث... ويبدو ان الفنانين العراقيين الرواد الذين درسوا في الخارج مثل فائق حسن وحافظ الدروبي وجواد سليم واكرم شكري وغيرهم لم يستفيدوا من دراستهم وتجربهم في الخارج بقدر ما استفادوا و فهموا الفن الحديث من خلال هؤلاء البولونيين .. وقد كتب جواد سليم في مذكراته ( 23/9/1943 ) عن هؤلاء بعد اتصالاته بهم قائلا ( وتعرفت منهم باشياء لم احلم بها اشياء سيكون لها تاثير عظيم جدا في مجرى حياتي اخذت الآن اعرف من هم ال impressionists (اي الانطباعية) و الpos -impressionists (اي ما بعد الانطباعية ) عرفت اللون وكيف تستعمل الالوان . الآن اخذت افهم صور سيزان ورينوار وفان كوخ وصور عظماء المدرسة الايطالية و صور كويا الخ...) وكان جواد سليم وفائق حسن اول المتصلين بهم ثم تبعهم حافظ الدروبي واكرم شكري وعيسى حنا وغيرهم .. وكان الفنان البولوني ماتوشاك يرسم امام الرواد وطلبة معهد الفنون الجميلة في احد شوارع بغداد والجميع منشدين منبهرين لطريقة الرسم و الملاحظات التي يبديها لهم.. ومن ذلك الوقت اخذ الفنانون العراقيون دراسة الفن العالمي بشكل جاد والخروج من المدرسة الواقعية التقليدية و الاكاديمية الى آفاق الفن العالمي الحديث خاصة الانطباعية ... وكان جواد اكثر الذين استفادوا منهم لانه كان نشطا وواعيا ومثقفا . وفي عام 1943 قام هؤلاء الفنانين البولونيين معرضا فنيا في بغداد . وتضمن مقدمة الدليل اول نص عربي يضع مصطلح - فن التشكيل - حيث ترجم من النص الفرنسي -L,Are Plastique ثم وجهوا خطاب الى زملائم الفنانين العراقيين ( ايها المصورن العراقيون امنحوا مواطنيكم شعورا جديدا بالحقيقة عندما تلقون نظرة على العالم ....... )

    مرحلة الوعي -

    لقد كتب عن جواد واعماله الفيض الكثير.. ولكن المشكلة المثيرة هي ان جواد مات مبكرا ولازال في عنفوان شبابه ووعه الفكري ومشاريعه الفنية الكبيرة . فكان موته فاجعة وصدمة كبيرة للجميع مما جعل الكتابة عليه تنحو نحو - في الاغلب - عاطفي باكي كتماثيله الباكيات.. كان جواد حاد الذكاء وموهوب وذو ذهنية خيالية واسعة فذة .. دعى الى استلهام التراث واستنطاقه وتوضيفه في عملية الوعي والتجديد .. وهي دعوة اطلقت في اوربا الغربية بعد موجة الفن الحديث و اطلق عليها - فن ما بعد الحداثة - وقد سبق ان تبنته المدرسة الاشتراكية ورفضه الاوربيون ولكنهم عادوا واعترفوا به.. وكان هناك صراع مابين الاتجاهين فكان اصحاب المدرسة الحديثة يرون ان التبسط و الاختزال هو لغة الفنون الحديثة خاصة فن العمارة . وقالوا ( ان القليل يعني الكثير ) وهو كما يقال عندنا - خير الكلام ما قل و دل - اما اصحاب ما بعد الحداثة فقالو (ان القليل يعني الملل) ولهذا فقد تبنوا نظرية احيا التراث والاستفادة منه ... نحن اليوم نرى كثير من التقاليد العراقية تعود الى آلاف السنين- الى السومريين - لازالت سارية على الارض كانها عنصرا انسانيا حيا يعيش بيننا نعتز به . سوى كان على نطاق التقاليد الشكلية المادية او المفاهيم الروحية واللغوية والاخلاقية... ( العرف )
    جواد سليم كان واعيا ومستوعبا للقيم الحضارية الشرقية و جذورها المستأصة في اعماق مشاعر الناس خاصة الجانب العاطفي او الحب والاعتزاز بالتراث ولهذا كان توجهه نحو الفن الاسلامي والمدرسة البغدادية وزعيمها الواسطي توجه واعي وثقافي ومنير... كان جواد يتصف بالهمة والنشاط الثوري الفني فكان لا يمل و لايكل من العمل . حيث يقول: ( ... كنا نشتغل كل اليوم من ابتدائه الى نهايته بدون انقطاع , وفي المساء نجتمع في المقهى البرازيلية لنحتسي القهوة الفرنسية مع جدالنا الطويل .. ) .. مجلة المثقف العربي عام 1971 -
    وهو نشاط ثوري يذكرنا بالشاعر الفرنسي - دو لامارتين 1790 -1869- الذي كان احد قادة الثورة الفرنسية عام 1848 و كان من اهم خطبائها حيث كان يثير الحماس و الهمم في صفوف الجماهير لتأخذ دورها في عملية التغير و التجديد و الاطاحة بالملكية ... ويذكرنا ايضا باحد شعرائنا ابراهيم اليازجي 1847 - و هو من اكبر دعاة النهضة العربية حيث كان يشكو التخلف والانحطاط الذي تركته الدوله العثمانية الظالمة في عالمنا العربي ..
    (انتبهوا واستفيقوا ايها العرب فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب
    الله اكبر ما هذا المنام فقد شكاكم المهد واشتاقت لكم الترب)
    لهذا نرى جواد يثير الهمم و الحماس في اصدقائه الفنانين من خلال نقاشاته و دردشاته اليومية في المعهد او المقهى البرازيلية او مرسم حافظ الدروبي .. وبهذا خلق ارضية جميلة و نواة للتأمل والوعي في وسط مجتمع لازال يعاني من المتخلف وعدم فهم وظيفة الفن في الحياة ..

    مرحلة العمل والتأثيرات -

    تأثر جواد بالفن الاسلامي وبيكاسو وماتيس وبول كلي وميرو من ناحية الرسم اما من ناحية النحت فقد تأثر بالفنان الانكليزي هنري مور 1898-1986- بشكل كبير و كان هنري يستخدم في اعماله الفجوات و الفتحات و قد اهتم بالاشياء الموجودة في الطبيعة . وتأثيراته في جوانب من الصخور وتشابك الاشجار وفتحاتها . و قد خرجت تكويناته لها سحر الطبيعة و جمالها .. وهذا نجده ظاهرا في اعمال نصب الحرية لجواد حيث الارجل ا المبتورة وفي سحناة الوجوه و كذلك التعامل مع السطوح و خشونتها ثم التخطيط عليها وطرقها وعمل الفجوات كما هو ظاهر في شكل - الامرأة الباكية -
    اما من ناحية الرسم فيعتبر جواد دعوة لاحياء تراث مدرسة بغداد للواسطي حيث استخدم مناخ وطبيعة رسوم الواسطي سوى كان في احجام اشكال الاشخاص او الحركة مثل (الشجرة القتيلة) او سوى في التسطيح وعدم الاهتمام بالظل ولكنه احيانا يمطر اشكالة بالخطوط العفوية الطلقة
    كما هي عند رسوم الاطفال و شخبطتهم البريئة . مستخدما الوان نقية ساطعة جميلة . وظهرت موضوعاته ذات قيمة انسانية و محلية من عمق الواقع البغدادي ( كما ظهر ذلك في رسومه البغداديات.. ). ولكن جواد لايعترف انه رسام بل نحات - كما جاء في احد ادبياته - غير ان بعض الفنانين من الرواد والنقاد يفضل رسومه على منحوتاته لما فيها من عمق وجداني و روحي تتمثل في حرية التعبير والبراءة والبعد الانساني.. و انا اعتقد ان التحولات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي حدثت في زمن جواد سليم كانت فرصة ذهبية لابراز المواهب و تفجير الطاقات على كل الاصعدة الفنية والادبية والنقدية.. فجاء- نصب الحرية - بمثابة عصارة الابداع والفكر الثوري و الوطني لجواد.. ويذكر الناقد و الاديب جبرا ابراهيم جبرا ان جواد كان يحلم و يفكر بعمل كنصب الحرية منذ زمن طويل . ولهذا اعتقد ان ما كان يحلم به و ما سيكون هو هذا العمل العملاق... ومن المحتمل انه لايستطيع ان يقدم اكثر من ذلك و لو امتد به العمر الى النهاية لان الظروف بعد ذلك قد تغيرت نحو الاسوء... وانشلت حركة الفن العراقي وتقولبت او تأدلجدت .. وهرب معظم الفنانين العراقيين الى خارج القطر . اما الذين بقوا فلم يقدموا شيئا كبيرا مميزا ..
    واتذكر اني سمعت احد تلاميذ جواد و لعله اسماعيل الترك يقول ان جواد لما فرغ من نصب الحرية وشاهد بعض اجزاءه تنصب قال: (الآن استطيع ان اموت مرتاحا)

    ولكن ماذا يقول شاكر حسن حول نصب الحرية ؟؟ . (ان نصب الحرية لحد ما هو ( وثيقة ) او مرسوم اجتماعي اكثر منه عملا فنيا... الا ان طفولة جواد سليم و عذوبته هي التي تضمنته رسومه واي لوحة من لوحاته , على الرغم من دلالتها التراثية تضل عالما كاملا.. فهي آفاق واسعة من حرية التعبير و جدية الوجد ...) ..كما يذكر شاكر, ان جواد سليم في مستواه - الشعوري- نحات ولكن عند- لاشعوره - رسام. وان شاعريته تتجلى اكثر ما تجلى في رسومه وليس في نحوته ..) نشرت المقابلة عام 1971 في مجلة المثقف العربي العدد الرابع -
    وماذا يقول جبرا ابراهيم جبرا عن جواد ( .. فان قيمة اعمال جواد سليم الفنية متعددة الاوجه فهي اولا قيمة مطلقة تشير الى ذهن فذ و خيال فذ . وهي ثانيا تتصل بتراث الفن العربي والفن العراقي القديم . و هي ثالثا قيمة تتصل بالبحث النفسي الدائب في امة تستفيق فجأة فتريد ان تحقق ذاتها . و توطد قدمها في عالم اليوم ).. الرحلة الثامنة /بيروت 1967- اما ما كتبه نوري الراوي عن جواد . فهو من وجهة نظري نوع من الغلو و المدح الفضفاضي و يشم من خلالها رائحة الاتجاه القومي و ... ومنهم من يقول ان جواد يساري ومنهم من يقول انه ليبرالي .( وهكذا كل يغني على ليلاه ...) و انا اعتقد ان جواد بفكره و وعيه الانساني وسعة ثقافته التي عبرت الحدود , فوق هذه الاتجاهات .. ويذكرنا ذلك بشعار الزعيم الذي رفعه ( عبد الكريم فوق الميول والاتجاهات )
    اما الدكتور محمود صبري فقد هاجم الفن التجريدي عام 1953 -(في مقالة نشرت في مجلة الثقافة الجديدة ) - وعده فنا برجوازيا منطلقا من موقفه الفكري الاشتراكي والمدرسة الاشتراكية في الفن . وقد هاجم معرض جواد سليم و شاكر حسن واسلوب تنفيذ - السجين السياسي المجهول - ولكنه عاد الى التجريد عام 1970 في نظرية الكم او - واقعية جديدة - ....

    مرحلة الدراسة و التكوين -

    ولد جواد في انقرة في تركيا عام 1920 من عائلة عراقية من اهل الموصل . و بعد انتهائه الثانوية بعث الى فرنسا لدراسة الفن عام 1938 . وبعد العودة بعث مرة ثانية الى ايطاليا ثم الى لندن عام 1940 . ثم عاد سنة 1949 حيث عين مدرسا في معهد الفنون الجميلة و رئيسا لقسم النحت الذي قام هو بتأسيسه.. كما قام بتأسيس جماعة بغداد للفن الحديث عام 1952.. كان يجيد عدة لغات الايطالية و الانكليزية والفرنسية والتركية.. يحب الشعر والموسيقى وله محولات في كتابة الشعر .. ويمكن فهم اتجاه و فكر جواد سليم من خلال ماتركه من مذكرات راقية وقيمة نشر معظمها في كتب اهل الفن والادب والصحافة.


    خاص "أدب فن"





يعمل...
X