إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الأديبة سوزان ابراهيم بقصصها « امرأة صفراء ترسم بالازرق» - الدكتور نزيه بدور

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأديبة سوزان ابراهيم بقصصها « امرأة صفراء ترسم بالازرق» - الدكتور نزيه بدور








    امرأة صفراء ترسم بالأزرق: ( القصة ـ القصيدة)

    صحيفة تشرين
    د. نزيه بدور
    بلغة شاعرية مشحونة بالدلالات تصوغ الكاتبة سوزان ابراهيم نصوصها الأدبية. واذا قبلنا بتعريف« جاكوبسون» للأدبية: الشعرية هي مايجعل نصا ما نصاً أدبياً.
    واذا قبلنا بذلك التقريب الذي يقترحه بعض النقاد بين بلاغة الفن القصصي والشعرية، نكون أمام هوية شعرية واضحة للقص، في المجموعة القصصية « امرأة صفراء ترسم بالازرق» ونكون وجهاً لوجه أمام « القصة القصيدة»، خاصة وان الشعرية في أدبنا العربي الحديث لم تعد مقتصرة على المنظوم من الالفاظ منذ زمن بعيد ‏
    ان قراءة قصصها القصيرة والدخول في عوالمها والوقوف على درجات الضوء في الصور النقية الرحبة التي يزخر بها كل مقطع، يحيلنا الى اشكالية في التصنيف النقدي. فالصورة والرمز والاسطورة والرؤيا هي مكونات النص لديها وفق رؤية فنية تعيد انشاء الواقع بعد تفكيكه. في بناء قصصي مترابط الاطراف، ويقوم على اساس معرفي وثقافة انسانية واسعة الطيف، وهذا ماينعكس بوضوح على موضوع « القصة ـ القصيدة» المتعلق بالانسان وقضاياه الكبرى:( الوطن، الحب، الابداع، الكرامة..) ‏
    اختارت الكاتبة للقصة الاولى عنواناً شديد الايحاء:« معراج بابل« يسري بالمتلقي الى سماوات اخرى، عبر تدفق الصور والرموز( الشمس توزع ابتسامات ضيائها على مساحات الفجر... كانت زرقة السماء تسيل على الافق حزينة، وكان وجه بغداد أيقونة معتقة بالتراتيل وبخور الاضاحي) ص20. بتقنية سرد متعدد الاصوات والازمنة، توظف الكاتبة، وبشكل موفق، رموز التاريخ والاسطورة: (أورسولا عرافة القرون الوسطى، جوليا دومنة سميراميس، زنوبيا جلجامش، عشتار، حمورابي،أورنينا، نبوخذ نصر، هولاكو، الحجاج، رأس الحسين، جوكاست» تسرف الكاتبة ـ ولعلها على حق في ذلك ـ في استحضار التاريخ البعيد والقريب بشخوصه وأماكنه لرثاء سقوط بغداد، ويتقطر النص دمعاً ودماً. ثم تلتفت لتتكئ على العمق الحضاري للمدن والاقاليم لتفيد من طاقتها الرمزية:( اميسا، تدمر، بابل، الاندلس، بغداد، دمشق، روما) ‏
    في القصة التالية والتي اخذت المجموعة اسمها : امرأة صفراء ترسم بالازرق» تبدأ مغامرة العقل من العنوان، إنها أحجية سهلة، لكنها متعددة الدلالات. ربما يرمز اللون الاصفر للحزن وربما للموت. غير أن الأزرق هو رمز الامل، وفي الوقت نفسه تحيلنا الكاتبة الى« بيكاسو» والى مرحلته الزرقاء وهي مرحلة محيرة من تاريخ الفنان العظيم وهي ايضاً مرحلة خصبة وغنية، رغم حزنه وعزلته بعد انتحار صديقه« كاساجماس» وكان اللون الازرق اصدق ترجمة لحالته النفسية ومشاعره الخاصة، الى ان وقع في حبه الاول فأذاب دفء الحب برودة الالوان الزرقاء لتبدأ المرحلة الوردية. وتنتهي القصة بسيل من الاسئلة. ‏
    ربما تعكس هذه القصة مزاج الكاتبة وثقافتها وهي التي اختارت لوحة الغلاف لكاتبها رائعة بيكاسو« فتاة في المرآة» وبطلة القصة:( مرسمها غابة استوائية مطيرة، يتطاول فيها شجر الروح ويسمو، وتجني فراشاتها رحيق الوقت، خطوطا والواناً) ص40. ( تحرر ريشتها لتمارس فصل الهطول على هواها.... وأمام عينيها لوحتا« فام» و« آنسات أفينيون» لبيكاسو الذي تعشق)ص41 ‏
    وفي قصة « خيبة ضوء» تخبو الموسيقا الداخلية للنص امام ضخب الموضوع وتبقى اللغة البطل الرئيسي. فالدلالة المزدوجة للالفاظ تصنع الحدث. بطلة القصة وهي هنا ايضاً فنانة تشكيلية، ترفع ستائرها الفولاذية امام جدول الكلمات، وتتدفق عبارات الغزل والاطراء من الرجل الاعلامي الذي ينوي تغطية معرضها الفني تغطية مميزة. لكنها تستطيع التفتيش في قواميسها عن معان اخرى لكلماته:( فيصبح للمعنى عدة اتجاهات عليك ان تختاري اكثرها أمنا وسلامة) ص50. من الواضح أنه اخذ وقتا كافيا، ليعتقد أنها اصبحت ثمرة يانعة، وليعلن لها في مكتبه المغلق: (لولا ذلك السائق الغبي الذي تركني أستغرق في النوم هذا الصباح، لكان لنا لقاء آخر في مكان آخر، اقصد في شقة احد الاصدقاء في حي متطرف بعيدا عن العاصمة وعيون الفضوليين) ص52. انه جو سلبي مشوش، مشحون بسوء الفهم وهاهو فصل الغواية الصامتة يصل الى نهايته:( تربكه النظرة المدوية جرأة ورفضاً، اذ تقذفينه بها من برجين في أعلى قامتك)ص52. ويبدأ فصل التلذذ بخيبة الدونجوان وهزيمته:( تتأملين مرآة وجهه المتكدر، تراقبين انكماشه داخل جلباب الرجولة المتراخي... كأن يد جنية قد لطمت كآبة وجهه) ص54. وقبل أن تخرج الى ضوء النهار المتلألئ وتحتفل بنرجسية انوثتها تقول له بصوت واضح:( أنا لاأتعاطى عقاقير الحب الجاهزة... ولا أبتلع حبوب منع الرفض). ‏
    تأبى الكاتبة أن تتركنا في حيرة من أمرنا، ونحن نهم بمغادرة مسرح الحدث فتبادرنا بقصة أخرى بعنوان« أيقونة» يتخلى هنا الجسد عن سلبيته الايروسية وتأخذ المرأة حقها في خوض التجربة الانسانية مع الرجل المختار، رغم يأسها وانكسارها ورغم جراحه وهزائمه. فيشكل لقاؤهما هذه المرة صورة مقدسة: ‏
    (أحاطته بذراعين تشتاقان ان تكونا أرجوحة، او مهداً لطفل.. رجل وامرأة ولم يكن الشيطان ثالثا لهما،بل تماهيا ايقونة على صدر المكان) ص100 ‏
    القصص الاخرى:« شبكة العنكبوت الحمراء»، « كلما آنست ناراً» عندما تعشب المخيلة« ربما غداً» وغيرها. تشكل جمعيها عوالم شعرية رمزية، تقدم الواقع بصورة جديدة موسومة ببصمة الكاتبة وتحمل سمات مشتركة يمكن استنتاجها بعد قراءة متأنية للنص، لنكتشف بسهولة كيف تقوم الكاتبة بتقويض الدلالة التقليدية للالفاظ وتشكيل دلالة بديلة:( قمر يراود الارض عن اديم أنوثتها ) ص13. ( منذ أن راودني النوم عن يقظتي ) ص38. ‏
    « القصة ـ القصيدة» لدى سوزان ابراهيم تعني التصوير الرمزي المتقن، والتشكيل اللوني، والرؤيا، كما تعني الاستهلال البديع، ودهشة الخاتمة، دون مجانبة التشويق والتحريض. ‏
    أنا بنت الهاشمي أخت الرجال
    الكاتبة والشاعرة
    الدكتورة نور ضياء الهاشمي السامرائي
يعمل...
X