إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المعنى في القصيدة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المعنى في القصيدة


    المعنى في القصيدة


    التعبير بالصورة: الصورة الشعرية هي التي تصنع أنا ما أسميه شكل المعنى، والصورة الشعرية، أو الصورة في الشعر، ليست زينة، وليس المطلوب ، من ثم ، أن تكون جميلة حتى تكون شاعرية... الصورة عنصر أساس في بنية القصيدة، والتعامل معها لا يتم إلا من هذه الزاوية، والفكرة المسبقة التي تدّعي ضرورة جمال الصورة تعيق عملية التواصل مع النص الشعري، بل إنها تعيق إنتاج نصوص مهمة شعرياً... وكلنا يعلم أن الشعر العربي عندما استغرق في إنتاج صور جميلة غرق في الانحطاط. وكلنا يرى كيف أن بعض المهووسين بالصور الجميلة لا يستطيعون إنتاج سوى مواضيع إنشائية سمجة، حين يتحدثون عن الفل والياسمين (والعنّاب والبرد) بغض النظر عن الموضوع الذي يتحدثون فيه...."إنّ القصائد لم تخلق لتكون جميلة، بل عملها أن تكون صوراً في قصائد...وان الصور لا تسعى لأن تكون جميلة، بل عملها أن تكون صوراً في قصائد..وأن تؤدي ما ينبغي أن تؤديه الصور في القصائد"....فجودة النص الشعري لا تتأتى ، إذن ، من معانيه، وإنما من الشكل الذي اقترحه الشاعر للتعبير عن هذه المعاني، أي من بنيته الفنية الأصيلة والمتفرّدة، التي تم إنتاجها تحت الإشراف المشترك للعقل والخيال معاً، مع تخلي العقل عن الدور المنطقي ليقوم بالدور التخييلي بالدرجة الأولى. مما سبق يمكننا: أ ن نستنج أن ّ النص الشعري الجيد نص مستقل بذاته، لا يستمد مصداقيته من وقائع تاريخية معينة وإن تحدّث عنها، وهو ، من ثم، لا يعد وثيقة تؤيد سواه، وهو يتناول الأحداث ، الماضية والحاضرة ، بطريقة تختلف عمّا جرت فيه في سياق التاريخ، بل ربما ناقضت ذلك السياق....! والشاعر حر في تناول الأحداث بما يتناسب مع رؤيته الفنية والإيديولوجية والقيمية... وكثيراً ما تتناول الأحداث كما ينبغي لها أن تحدث وليس كما حدثت فعلاً . فللشعر حقيقته الخاصة به، أو فلنقل إن له طريقته الخاصة في البحث عن الحقيقة، والتي أقل يقينية منهما بحالٍ من الأحوال. نعم ، قد تختلط الحقيقة الشعرية بالحقيقة الميتافيزيقية أحياناً، لكنها تبقى ذات هوية أخرى متمايزة.
    والشعر مكتنز بأعمق النوازع الإنسانية، وليس من طبيعته، ولا مطلوباً منه، الاهتمام بمشكلة نظرية مفردة بعينها، لأنه أكبر من أن ينصبّ في مسافات نظرية واحدة، وأكبر من أن يشتغل بخدمة إيديولوجية معينة تفرض نفسها ومقولاتها على الشاعر، لذلك نجد الشعراء الذين فاتتهم هذه الحقيقة وانهمكوا في معمعة النضال الأيديولوجي بقوا في سفوح الشعر الحقيقي يجترون شعاراتهم وخيباتهم.
    ولا يفهمنّ مني أحد من كلامي أن الشعر لا قضية له، قضية الشعر هي الإنسان ، ومصير الإنسان، إلى جانب الحقيقة.... لكن دون أن يؤطر نفسه في خدمة إيديولوجية معينة بذاتها ، حتى في هذه الحالة الأخيرة نجد الشاعر الحقيقي يهتم بالشعر، أي بشكل المعنى، أكثر مما يهتم بالمعنى وبالمقولات الفكرية والأيديولوجية التي يؤمن بها ويدافع عنها ، فهو يهتم بكيفية القول، وبشكل القول، وبالبنية الفنية للنص...أكثر مما يهتم بمضمون القول، وهذا ما دفع أحدهم للقول :إنني حين أقف لأختار بين الشكل والفكرة فإنني أنحاز إلى الشكل.... مع العلم بأن الشكل في الشعر، وفي الفنون عموماً، هو فكرة جميلة بحد ذاته. إذ لا قيمة للشكل الخاوي الذي لا يدل على شيء، وهو ، في هذه الحالة لن يكون شكلاً جميلاً. والشعر الحقيقي أكبر من شكله، فنحن لا ننتبه إلى الشكل إلا في القصائد الجميلة فتحجب شكلها فنياً، كما تحجب مضمونها المباشر والفج. والشاعر إذ ينحاز إلى الشعر، وإلى فنية البنية الشعرية، وإلى شكل المعنى...على حساب المضمون الفكري، ليس إنساناً معزولاً، أو غريباً عمّا حوله، أو منبتـّاً عن ثقافة عصره وقضايا مجتمعه .... بل قد يكون العكس هو الصحيح...فالشاعر من أكثر الناس التزاماً بقضايا الإنسان والوطن، ومن أكثرهم ثقافة واطلاعاً، ولكنه لا يسمح لذلك بالظهور الفج في نصه، لأن الشعر الحقيقي هو ابن الإنسان، منشغل بما يشغل الإنسان ، وقضايا هذا الإنسان حاضرة بقوة في النص الشعري، والموقف من هذه القضايا يشكل رؤية الشاعر وأساس مشروعه الذي يشتغل عليه. لكن الناحية الفنية والشعرية تتطلب أن يبقى ذلك محجوباً بحجاب الصنعة وقناع الشغل الشعري. أما ما اقترفه بعض (الشعراء) من آثام بحق الشعر وبحق القضايا الفكرية والسياسية التي تصدوا للدفاع عنها، حين حولوا نصوصهم إلى منشورات أيديولوجية ذات خطاب مباشر ، جعلنا نرفض مسبقاً أن تبقى أي قصيدة تحمل خطاباً سياسياً في دنيا الشعر، مع أنني من المؤمنين بأنْ لا محرّمات في الشعر، ولست من الذين يضعون الخطوط الحمراء تحت أي موضوعات، شرط أن ألا ينسى أنه شاعر أولاً وقبل أي اعتبار آخر، وأن للشعر ضوابطه وأدواته ومتطلباته الخاصة. وليس أقتل للشعر من أن يكون تابعاً لسلطة خارجه، أيّاً كانت هذه السلطة، لأنّها ستبعد الشاعر عن جوهر الشعر، وعن جماليته.
    باستطاعة الشعر، إذن، أن يسكن العالم، العالم الحقيقي والواقعي بل وعالم السياسة..لكن ممارسته، حينئذ ، ليست بالأمر الهيّن، لأن استخدام الشعر السياسي والفكري عموماً أمر تحرّمه طبيعة الشعر. و أخيراً:
    أقول : عن الشعر في الشاعر أكبر من الأيديولوجي فيه، واكبر من السياسي فيه أيضاً، وأكبر من أية سلطة أدبية أو اجتماعية ...وغيرها، هو سلطة ذاتية إبداعية معبـــــرّة.
يعمل...
X