إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

نديمة المنقاري درة حلب الشهباء - عندما تتحدث الأديبة عن المرأة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نديمة المنقاري درة حلب الشهباء - عندما تتحدث الأديبة عن المرأة

    عندما تتحدث الأديبة عن المرأة
    منقاري: المرأة معلمة اليافع ودليل الشاب ورفيق الرجل

    عفاف يحيى الشب
    نديمة المنقاري درة من حلب ومن حلب الشهباء شمخت نديمة المنقاري إلى مراتب العطاء المشرف دون مقابل ولا ارتهان إلا لجنان الأوطان لأنها امرأة مثل كل نساء سورية الحرائر أمهات الأحرار لكنها من الجيل الأسبق في تحدياتها..
    في صنع ذاتها.. في خروجها من قواقع الجمود والبلادة تناشد أهل الديار أن يكونوا صقور حق لا تضام في وجه كل أفاك مخاتل يروم الأرض ليسرق منها خيراتها في حين ينشب مخالبه الدموية بالإنسان ليقتل آدميته وحقه في الحياة.. في حلب ولدت نديمة المنقاري عام 1904م لأسرة تعتبر من وجهاء حلب درست وتعلمت اللغتين الإنكليزية والفرنسية ومن ثم تخرجت في دار المعلمات عام 1926م هذه المرأة تمكنت من القبض على حروف وضاءة وضمتها في عقد فريد فيه الإبداع معجون بمواويل الوفاء وفيه من الوطنية ما يزين حاضرنا وماضينا وفيه قناديل من إيمان تؤكد أن من يرد مجتمعا منيعا فليعمل كثيراً ولو كان في ذلك هلاكه فالأبطال من أي شريحة لا يعرفون الجبن حيال الحق ولا يصادقون التردد ليخسروا شرف الانتماء إلى سورية الإباء.
    حلب الشعر والتاريخ وشمس لن تغيب.. تلك المرأة التي سافرنا إلى تاريخها الناصع على دروب الماضي التليد بكل فخار مهيب لما قدمته في القرن الماضي، هي امرأة سورية بامتياز نبتت في رياض حلب الشهباء بكل ما فيها من ماض دسم بالتاريخ والأدب والانتصارات وقد عشقت السيدة منقاري الأدب مثل معظم أبناء حلب الذين تداولوا الأدب والفنون بكل شغف لهوف حتى أخذوا الموشحات عن الأندلس «وكانت يا زمان الوصل في الأندلس» إلى أن ولدت قدود صباح فخري «وأمان يا للي أمان» وهم من ورثوا الكثير من عهد سيف الدولة الحمداني الذي جعل بلاطه مجمعاً للعلماء والأدباء والشعراء ومنهم كانت أديبتنا الكبيرة نديمة المنقاري التي شربت من معين حلب الأدبي عشق الأدب الذي لونه المتنبي ملك الشعر العربي بأطياف من شعر ذي سحر أخاذ لم تهرم حكايته حتى يومنا هذا وإليه تعود أجمل قصائد في الحب مثل: /أغراك مني أن حبك قاتلي وأنك مهما تأمري القلب يفعل/ يهواك ما عشت، الفؤاد، فإن أمت يتبع صداي صداك بين الأقبر/ كما أخذت نفحات عن جدتنا العربية الأولى «تماضر الخنساء» أم الشهداء.. ابنة الحجاز، شاعرة عكاظ وسالبة الألباب بأشعارها العصماء، وتجن الصحراء لما تقوله من كلام ترتعد له قلوب أشعر الرجال، ويصفق التاريخ لأمة يعيش الأدب في ذاكرة نسائه ليصبح سيف مقاومة لكل قضية جائرة أو سافرة العداء.
    أسرة نديمة المنقاري في واحات العلم

    نديمة المنقاري هي زوجة الشيخ عطا اللـه الصابوني الذي يعد من رجالات الفكر في حلب وقد أفرزته عائلة تلألأت في مساحاتها أنوار العلم المتوهج بدين الأتقياء فعاشت السيدة نديمة في ظلاله تفكر وتجيد التفكير وترشد وتعرف السبيل حيث كان شقيق زوجها الشيخ «أحمد الصابوني» أحد أهم المؤسسين لمعاهد حفظ القرآن وكان صهره «يحيى الشب» أبرز علماء دمشق وغيرهم من أساتذة في الأدب من أهمهم نسيبهم (الأديب الدكتور عبد الكريم الأشتر..) وقد أنجبت المنقاري أبناء ساروا على المنوال نفسه درس بعضهم الحقوق أو الهندسة والطب والأدب العربي، كما ربت مع أولادها ابن زوجها الأديب الصحفي المناضل ظافر الصابوني الذي أصدر جريدة أخبار الأسبوع عام 1954 ثم جريدة أخبار النهار.. عينه الرئيس السوري شكري القوتلي في الجامعة العربية وفي مصر كتب أهم الأعمال الدرامية والتاريخية وقد عاد إلى سورية برعاية من الرئيس حافظ الأسد وفيها كتب برامج إذاعية وتلفزيونية مهمة إلى أن توفاه اللـه في حلب (وهو والد المخرج الشهير بلال الصابوني...).

    عشق الوطن عند ابنة حلب الوطنية
    لم تعرف نديمة المنقاري في حياتها العامرة بالعطاء الإنساني والوطني معنى المسافات التي تفصل العقل السليم عن عواطف الانتماء إلى أي شجرة في الوطن الكريم ولا عن ذرة تراب فيه أو قبضة هواء ولا حتى عن أي نجمة له في السماء ويتدفق عندها العطاء مثل ليالي حلب القمراء حيث تستطيع في أوساط الظلام نورا يبدد الجهل المعرفي والوطني ومداد قلمها يبذل لهذا كل اجتهاد بكل سخاء، هي ما عرفت أبدا المسافة بين عشق البلاد وبين السطور والكلمات التي نسجت بها كل دفوعاتها عن قضايا النساء بل اختزلت كل الأبعاد التي تفصل حلب عن توءم الروح دمشق وعن حاضنة النواعير «حماة» التي استعصت على الطغاة خلال أحقاب طوال من تاريخ الفداء فكانت مثل نهرها الشهير «العاصي» استفاضة بالوفاء وفي تحديه المعوقات وهو يجري من جنوب إلى شمال ليروي بالحب والماء النمير كلا من حمص وحماة وامتدادات منطقة الغاب.. نديمة المنقاري والتحدي.. وتحديها الكبير كان في كل ما كتبته وقالته على الأثير حيث وخلافا لالتصاقها بكل جزئيات وطنها فقد عرفت كل المسافات الشاهقة في رفضها للصهيونية الاستعمارية التي جاءت عالمنا العربي بشحطة قلم «بلفور البريطاني» الوزير المعادي للعرب الذي جعل من فلسطين البرتقال.. فلسطين القدس.. فلسطين الأقصى.. ، جعلها هبة للصهيونيين والتاريخ شهيد بأن (من لا يملك منح فلسطين لمن ليس له حق..) أما نديمة المنقاري فلم تتوقف لحظة عن مقاومة فكرة زرع هذا الكيان الاستعماري في قلب بلاد الشام ليكون مقر شر وضلال ومركز التعديات والاستعمار.. ومما يذكر هنا أنها قدمت في إذاعة دمشق تعليقات تناولت فيها التنديد بالكيان الصهيوني الغادر ما دفع هؤلاء المتطفلين الصهاينة إلى الحقد الأسود على السيدة الأديبة المناضلة نديمة ولم تمر كلماتها الجريئة في تعريتهم من كل ما يدعون من حق لهم في فلسطين العربية دون تذييل خطير وكيف لا وهم من حاولوا الرد عليها بإرهابهم المعتاد وقاموا بالإغارة على الشارع الذي تسكن فيه ولهذا سمي باسمها مؤخراً شارع «في تفرعات شارع بارون» رغم أنف كل جنرالات وحاخامات أهل الضلال.. ومشوار السيدة منقاري طويل فيه ومضات سورية نقية كالسماء مضيئة كالليالي القمراء عنيدة كدمشق الفيحاء وباقية أبداً في جبهات الجهاد بكل أشكاله وقوافيه كبقاء سورية التاريخ من الأزل حتى اليوم فما وطن يباع لأي تاجر ولا لأي حاقد إنما هو كفاح الانتهاض وفتح بوابات النور والحق على كل ساحاته ودارته بل على كل منصة ومنبر ليكون في أفضل حال وليكون في كل الجبهات خير مناضل ومهاب.

    نديمة منقاري الودودة والسيدة الأصيلة
    هذه المرأة القادمة إلينا من عتبات القرن الماضي لتشد عزائمنا كانت مالكة أدواتها من علم وثقافة ووضع مادي جيد لكنها ما كانت متعالية أو متجبرة إنما كانت سموحة في جلال وحاضرة في وقار.. محبة في بهاء وودودة في نقاء عرفتها وأنا صغيرة جداً فأحببت فيها كياسة وذوقاً رفيعاً في التعامل مع الآخر ومما أذكره جيداً حتى الآن أن أسرتي كانت في زيارة للأهل في حلب أثناء حرب 1967 وكنا في ضيافتها وكانت إسرائيل تشن أشرس حملاتها البربرية الغادرة على الدول العربية المحيطة بها حين حاولت بشكل خاطف مخطط له مع أصدقائها (الفرنسيين والبريطانيين والأميركيين) أن تشل المقاومة العربية لتستولي على الجولان والضفة الغربية وسيناء معاً في خطوة لتمرير هدفها العتيق والسيطرة على البلدان العربية جمعاء من الفرات إلى النيل وفق أغنية صهيونية مأثورة لدى لصوص الأوطان وهي «حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل» كما سمعتها من الدكتور الذي قام بتدريسنا اللغات الحية في الجامعة. في تلك الزيارة قرأت في وجه السيدة منقاري كل ملامح الإصرار على أن تتمكن الدول العربية من إحباط الحملة الغادرة وتكسر شوكة هذه الدخيلة الباغية وكانت تتابع باهتمام وجدية كل ما يذاع لتكتب فيه وعنه.

    نديمة المنقاري في أجواء التصدي
    إن نديمة المنقاري كما ذكرت هي زوجة عطا اللـه الصابوني الرجل الذي كان من أعلام الفكر في حلب وبعد أن توضحت معالم الأدب الوطني وتحررت البلاد من بني عثمان حين احتضن عالم الصحافة آنذاك رجالات النهضة القومية ومعظمهم من الكتاب والأدباء وليسوا رجال سياسة فقط بحيث تشاركت السياسة مع الأدب والصحافة في خلق ثقافة مقاومة الاستعمار واليقظة العربية دون تمييز أو فصل بينهم وبعدها جاء الفصل بين الصحافة ذات المواضيع المتعددة الأغراض وكذلك الروايات الأدبية وبين الكتابات السياسية ذات الصيغة المحددة والكلمة التي قد لا تحمل مواصفات الأدب من محسنات بديعية أو صناعة صور وتجانسات وما إلى ذلك من تنميق لغوي وعبارات حسناء في هذه المرحلة أصدر عطا اللـه الصابوني زوج السيدة نديمة مجلة الفجر عام 1927م في أجواء حلب المحافظة وهنا دخل الصابوني لأجلها مناورات شتى لأنه راح يحث على تحرر المرأة وعلى وجوب تعلمها وضرورة عملها وعليه اضطر أمام ثقل التحديات وتحت الضغط العام إلى إغلاق مجلة الفجر الحلبية، ويكبر التحدي عند الأديبة الكبيرة نديمة منقاري ويصبح حقاً مشروعا يدافع عنه بكل أداة.

    المنقاري ومجلة المرأة
    أما إحياء الفكر النشط لإخراج المرأة من ركود شل المجتمع العربي خلال سنوات الاحتلال الذي تسلط على قطف عزتنا من كروم حريتنا وما كان ليتمكن من ذلك إن لم يمسك بمقص التفريق والتفتيت ويعمل به كيفما شاء فكان اختلاق فكرة الحدود بين امتداداتنا العربية وزرع أوتاد وهمية على خرائط استعمارية وتمزيق جهود الشعب العربي من جانب ومن جانب آخر إغراقنا بأوحال باطلة تدعي أن المرأة لا وجود لها ولا معنى وليس لها أن تفكر ولا تعمل والتي تراكمت كجبل ضلال فوق موروثاتنا المغلوطة عن وعي المرأة ودورها المهم ومن هنا تصدت أقلام كثيرة لهذا الموضوع كان منها قلم السيدة نديمة المنقاري التي أصدرت مجلة «المرأة» عام 1930م بين مدينتي حلب وحماة لكنها تعثرت أيضاً وأغلقت 1933م وهكذا إلى عام 1947م حيث عاودت الأديبة نديمة منقاري إشهار مجلة المرأة التي اتسمت بكل المعالجات الإيجابية المتزنة لكل مفاصل الأمة وخاصة بالنسبة لقضايا المرأة وكان معها في تلك المرحلة حمدي طربين يشرف على الطباعة كما ساهم في الكتابة في تلك المجلة أقلام لها حضور واع وبناء مثل: قلم الدكتورة نجاح العطار وأسماء الشهابي.. الشاعر عمر أبو ريشة وثريا الحافظ وكان شعار المجلة هو: (المرأة مربية الرضيع ومعلمة اليافع ودليل الشاب ورفيقة الرجل). وأخيراً أقول إن السيدة نديمة منقاري التي رثتها وتحدثت عن مناقبها الدكتورة نجاح العطار كانت من اللواتي طرحن فكرة الاتحاد النسائي وضرورة نشر ثقافة احترام فكر المرأة وكيانها للوصول إلى المجتمع القوي الحر الممسك بكل مفرداته والناهض بمساعي أبنائه لا فرق بين رجل وامرأة..
يعمل...
X