إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رواية الوله التركي - أنطونيو غالا - ترجمة رفعت عطفة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رواية الوله التركي - أنطونيو غالا - ترجمة رفعت عطفة


    رواية الوله التركي
    أنطونيو غالا
    ترجمة رفعت عطفة
    لو تكلمت بلغة الألغاز لقلت: أنني ميت باعتباري

    ابنا لأبي، لكنّني ما أزال حيّا كإبن لأمّي…! "
    - نيتشه-(هوذا الإنسان)


    -1-

    ..تدور رواية (الوله التركي) حول ( دسِيدريا أوليبان)، وهي امرأة متعلّمة ومثقفة، ما إن يمضي وقت قصير على زواجها، حتى تصطدم ببرود الزوج (راميرو)، فتنكفىء على ذاتها وتغرق شيئاً فشيئاً في رتابة الحياة الزوجية وخمول البرجوازية الصغيرة، وهي من الزيف بحيث أنّ (راميرو) حين يقدّمها إلى معارفه- في العاصمة- من خلال اسمها المختصر: (دسي)، تُسأل عن مصدر اسمها فتكاد تجيب أن (دسي) من (دسيدريا ) لكنّ..زوجها يسبقها إلى القول: "..من (دسيره)" ، وتعلّق بينها وبين نفسها قائلة: "…فهمت أنّ اسم (دسيدريا ) يبدو قرويا بالنسبة لمدريد ولرؤسائه "- ص50-
    هذا كله تغرق فيه (دسيدريا) بالتعارض مع: (طموحها)!..الذي لن نلمسه كعنصر دراميّ يدفع الحدث أو يبرّر اندفاع ( دسيدريا ) مع الأحداث، كلّ ما في الأمر أنّ الراوي هو الذي يشير علينا به، لكننا نؤكّد منذ الآن أنّ طموح ( دسيدريا ) الغامض، والذي عجز أن يقدّم نفسه إلينا دون تدخّل الراوي؛ ليس قصورا في الأدوات الفنية عند (غالا) ولكنّه نتيجة (رمزية) الرواية. إذ تشتكي (دسيدريا ) من رتابة وخمول نراهما بوضوح، بحيث نخمن أنّ نساء كثيرات ( يطمحن) إلى الغرق فيهما.. ماعدا جانب واحد يطرأ على حياة (دسيدريا) لا تحسدها عليه – في الحقيقة- أية امرأة.. ذلك هو اكتشافها المؤلم بأنها لن تنجب أطفالا من زوجها.. ممّا جعل لحياتها إيقاعا مأساويا، رغم أنها ليست المسؤولة عن ذلك.. فبعد انقضاء وقت تجده هي وصديقتاها (لاورا ) و (فليسا ) – ماعدا زوجها- وقتا كافيا للتساؤل عن سبب تأخّر حملها، تعرض نفسها على طبيب فيقول لها: "..أنت على أتمّ حال..قليلات هن اللواتي رأيتهن في حياتي طبيعيات ومؤهّلات للأمومة مثلك..!"ص- 25والمقصود: أنّ زوجها هو غير القادر على الإنجاب..لكنّ( دسيدريا) تقرّر أن تكذب على ( راميرو) فتخبره بأنّ الكشف الطبي أثبت أنها (عاقر)..! كما لو أنّها وجدت نفسها أكثر قدرة على إدارة دفّة المأساة حين تزعم مسؤوليتها عنها في الوقت الذي تعرف أن لاذنب لها فيها؛ أكثر مما لو ألقت بالمسؤولية على زوجها، الذي سيرزح في تلك الحالة تحت وطأة المأساة والشعور بالذنب معا
    وبقدر ما في ذلك من تضحية لم تمتنع ( دسيدريا) عن تقديمها، فإنّ ( راميرو )-زوجها المخدوع- لم يكن أقلّ تضحية منها، فرغم ظنّه أن زوجته أخبرته الحقيقة إلا أنه يواسيها بقوله:"..أوّلاً لا تيأسي فالله فوق الأطبّاء جميعا، ثانيا، وإذا ما حدث الأسوأ تكفيني أنت كي أكون سعيدا.." – ص54-
    وتقرر (دسيدريا، لاورا، وفليسا) أن يذهبن مع أزواجهن في رحلات سياحية خلال إجازات صيفية متتالية.. رحلات إلى: "..مكان زاه، لا أريد بلدا شماليا "- تقول دسيدريا- "..لا أريد سويسرا، أريد بلدا غريبا، يمكن أن تحدث لنا فيه مغامرات رهيبة " –ص62- ووافقت الصديقتان على الاقتراح بحدوث أشياء غريبة: "..باستثناء ما يتعلّق بالاغتصاب!"- ص62- ويرحلون في سياحتهم نحو الشرق إلى (مصر ) و(سوريا) و..(تركيا)، خطوة خطوة تقترب الرواية من مركز الحدث : ( استنبول)، حيث ستقع (دسيدريا ) في حبّ رجل تركيّ – دليل سياحيّ- وسوف تعود مع زوجها وأصدقائها إلى إسبانيا، لكنها ستجد الوسيلة _ مرة بعد مرة _ كي ترجع إلى تركيا وتلتقي بـ( يمام)، التركيّ الذي أحبته؛ رغم أنه متزوّج ولديه طفلان. وتنجب (دسيدريا) منه طفلا وهي ماتزال تعيش مع زوجها الذي يكتشف، حين تزعم حملها منه معتمدة على زعمها السابق أنّ الطبيب ظنّ أنها عاقر؛ أنه هو الذي لا يستطيع الإنجاب كما عرف بالمصادفة أثناء كشف طبّيّ عام..! ولا تصرّ (دسيدريا) على كذبتها، لكنّ طفلها يموت.. فتعود إلى ( إستانبول) وهناك تجهض طفلها الثاني رغما عنها، ثم يخضعها (يمام) إلى عملية إجهاض تفقد معها ليس جنينها فقط، بل _ ويا للمفارقة_ قدرتها على الإنجاب، لكنها تكون قد قطعت شوطا بعيدا في عشقها للتركيّ، فتعيش معه _ ومع طفليه أحيانا _ وتبدأ بتدوين مذكّراتها في أربعة دفاتر، في استانبول، ثم تنتحر.. حين يتخلّى (يمام) عنها
    -2-
    تلك هي القصّة التي نقع عليها، للوهلة الأولى، في رواية ( الوله التركي ) وهي قصة معقولة وواقعية _ بمقياس الخيال الأدبيّ _ وإن كانت مكتوبة بلغة أدبية رفيعة، وبترجمة عربية لا تقلّ بلاغة. ورغم نهايتها المأساوية، وكما يقول نورثروب فراي ".. فإنّ النهاية المنطقية الوحيدة التي تقترحها علينا الحياة.. هي الموت!" ومن هذه الناحية فإنّ (الوله التركي ) تشبه الحياة.. لكنّ التلخيص الذي أوردناه للرواية ليس هو ( الرواية) التي يريد (أنطونيو غالا) أن يقصّها علينا، إنه الجزء الطافي من جبل الثلج، تحته تقبع الراوية الحقيقية التي يريد الراوي أن يرويها؛ أو.. ما تبقّى من جبل الثلج كله تقريبا
    أرواية خيالية أم رمزية ؟ الإثنتان معا في آن، والسؤال الذي نطرحه عندما نكون إزاء رواية رمزية هو: إلى أيّ شيء ترمز الرواية ؟ أما حين نقرأ رواية تبدو مكتفية بالمستوى الظاهري، بحيث يرفض القاريء أيّ ( تأويل ) فإنّ السؤال الذي تصبح الإجابة عنه اشتراطا أساسيا هو التالي: ما الدليل على أنّ هذه الرواية رمزية ؟
    لكنّ الإجابة عن السؤال الثاني ليست بأكثر صعوبة من الإجابة عن الأوّل.. فطموح (دسيدريا) لم يقنعنا كدافع للبطلة إلا على المستوى الرمزيّ، أمّا على المستوى الظاهري فإنّه لا يبرّر البركان الذي انفجر داخلها ما إن التقت بـ(دليل سياحيّ) بل، ما إن سمعت صوته حتّى تركت زوجها وأباها ووطنها، وظلت ترسل حممها حتى النهاية. والحبّ الطافح ظاهريا بين ( دسيدريا ويمام) يبدو مثل تنويع من التنويعات ذات النكهة الشرقية على قصّة الحبّ الأوروبية المميتة والخالدة: (روميو وجولييت) لـ( شكسبير)، لكن على المستوى الرمزيّ لـ( الوله التركي) فإنّ الحبّ ذاته بين العشيقين نفسيهما، هو تنويع دمويّ على زواج (ديزدمونة وعطيل ) المهلك في مسرحية (شكسبير ) الأخرى، المثيرة للقلق إن كان (شكسبير ) يرمز - هو أيضا – إلى لقاء (حضارة ) بـ(حضارة ) كما رأت الناقدة (ليزلي فيدلر )
    وزعم دسيدريا الكاذب حول عدم قدرتها على الإنجاب، والذي كان في البداية غطاء لعقم زوجها (راميرو )، يتحول إلى عقم حقيقيّ بعد اندفاعها المدمّر في علاقتها مع الآخر: ( يمام ) الفاقد للمبادرة، في مقابل (عقم ) زوجها الذي عرفناه منذ البداية عقما (أصيلا) يتكشّف على طول الرواية كرمز لعجز ( راميرو) عن التفاعل مع (الآخر)
    و(غالا) في الوله التركي يجعل ( دسيدريا) تتذكّر مسرحية (عطيل) في الرحلة السياحية إلى سوريا، ثم تقتل نفسها في (تركيا)، وفيما يتعلق بـ(شكسبير ) فقد رأينا أية حصيلة دامية نتجت، ليس عن زواج (ديزدمونة) بـ(عطيل)؛ بل عن لقاء أوروبا بإفريقيا المسلمة إن كان ما ذهبت إليه (فيدلر) صحيحا من أنّ (شكسبير )كان يرمز إلى هذا اللقاء الثقافي في دراستها عن (عطيل)

    فهل ينظر (أنطونيو غالا) إلى لقاء أوروبا بآسيا المسلمة عبر (الوله التركي)، من خلال الأفق ذاته الذي كان (شكسبير) ينظر إليه في ( عطيل )؛ عائدا بـالحصيلة ذاتها من " التشاؤم العقليّ" ؟ لكنّها حصيلة مريرة ومروعة يعود بها (غالا) بعد أربعة قرون من (شكسبير)، إلا إذا كان (غالا) يريد أن يقول من خلال عرض المأساة المتكررة أنّه لم يتبقّ لنا سوى " تفاؤل الإرادة ".. وهذا احتمال جدّيّ تماما بالنظر إلى خلفية (غالا) التصالحية مع الثقافات غير الأوروبية
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


يعمل...
X