إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ما بين الشرق والغرب بقلم - عبـّاس سليمان علي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ما بين الشرق والغرب بقلم - عبـّاس سليمان علي

    ما بين الشرق والغرب


    ما بين الشرق والغرب ، لا أقصد إجراء مقارنة ولا طرح مفاضلة ، ولا أودّ الانتقاص من أيّهما ، ولا الرفع من قدر هذا أو ذاك بما ليس هو فيه وعليه ، في الحقيقة لا طاقة لي على ذلك ولا أملك إمكانيات له ، إنما وفي كل الظروف والأحوال وتحت الضغوط والأهوال أبقى أنا .. أنا الإنسان الشرقي العربي المؤمن بالله والمعتز بجذوره الحضارية وتاريخه الألمع والأنصع بالفكر والعلوم والعمران والأهم وقبل أي شيء المحافظ على قيم الإنسان وكرامته أي على معاني وجوده وأسباب بقائه إنساناً ... من هنا أؤكد على تمكين جذوري وتمتين الروابط الأخوية في مجتمعي على تلوّنه وتنوّعه وتعدّد منابعه ومشاربه .
    لست هنا لأنال ممّن يهيمون بالمجتمعات الغربية وما هم عليه من مدنية وما توصلوا إليه من تطبيقات علمية أدّت لتقنيات جديرة بالتقدير وما بين أيديهم من أدوات ووسائل للراحة والرفاهية ، ولا أنكر أبداً تصدّيهم لأسباب الفضاء وارتقاءهم الآفاق ووصولهم إلى الكواكب ، وسبرهم أعماق الأرض واكتشافاتهم لبواطنها وما استخرجوه منها ، وما حققوه من أنظمة عمرانية شوارعها عريضة واسعة ونظيفة تنعم بظلال الأشجار وعبق الأزاهير ولا تنقصها أو تنقطع عنها الكهرباء أو المياه } .. نعم ... نعم فأنا أحيي وصولهم إلى ما توصلوا إليه مما ذكرت وأكثر ، ولكن أحيي وبشدة ما هم عليه من التزام بواجباتهم واحترامهم القوانين بأن طبّقوها طوعاً وكرهاً في ظل أجهزة تعمل على تنفيذها وتسهر على تطبيقها وتضرب بيد حديدية على يد من ينال منها أو يقلّل من احترامها ، هنا أذكر مثالاً يؤكّد حسن التزام المواطن الغربي الصّالح تحديداً روى صديق أنه كان في إحدى دول الغرب وبعد أن أكل قطعة من الشوكولاته لفّ قشرتها وقذف بها فاعترضه مواطن غربي عادي وربّت على كتفه مبتسماً وهو يدفعه إلى مكان سقوطها طالباً التقاطها ومشيراً إلى سلّة المهملات بالقرب من الرصيف ... لا تعجبوا فقد حصل هذا فعلاً } ...!!إذن ففي تلك المجتمعات من يحترم القوانين الناظمة للمجتمع بكافة حيثياته والضامنة للحريات الجماعية قبل الفردية بما يتناسب وواقع أحوالهم وبنياتهم الاجتماعية وطرائق التفكير والممارسات لديهم { هنا أؤكد أن قوانينهم ليست منزّهة ولا منزلة إنما تتناسب وواقع الحال وتتطور تعديلاً بهذا الاتجاه ...!! } .
    وما ذُكر لا يمنع وجود الكثيرين الكثيرين في الغرب من الخارجين على القوانين والقيم والأعراف الإنسانية ومن وجود الكثيرين أيضاً من المنتهكين الحرمات المرتكبين المحرمات ومن المستغلين الاستغلاليين الجشعين الذين لا يحرصون إلاّ على اكتناز الأموال وتضخيم الأرصدة وتوسيع رقعات مستعمراتهم وامبراطورياتهم المالية ضاربين عرض الحيطان بمصالح الشعوب والقيم الإنسانية ...!!
    فما هو عندهم جميل وراقي نعترف لهم به ونحييهم عليه ولكن دون أن نسعى لتقليده بعماء بل بأن نسعى لأن يكون لدينا وبين أيدينا ما هو أفضل منه وأكثر جمالاً وتنظيماً بما يتماشى وطبائعنا الاجتماعية وما تحكم به أعرافنا وأصولنا وامتداداتنا الإنسانية الحضارية ، أي أن نسعى لذلك دون أن نكون صورة منسوخة ممسوخة عنهم وهذا لعمري لا يعجب أحدا ولن يجدي نفعاً أو ينجم عنه خير أبدا ... أبدا .
    كنت أتمشى برفقة زميل لي وهو على قدر جيد من الحيثية الدراسية والـ .... وظيفية فرأيت وعلى مسار إحدى قدميه قشرة موز رماها مستهتر أرعن فسحبت منديلاً من جيبي والتقطتها لأرميها حيث يجب من خوفي أن تطأها قدمه فينزلق ليرتطم رأسه بحافة الرصيف والعياذ بالله من نتائج ذلك ، فالتفت إلي مبتسماً بسخرية ليقول هل حقّقت حلمك بأن تعمل زبالاً ..!! أجبته وبحنق شديد وقلّة احترام لتدني مستواه نعم حققت ذلك بقدر ما حققت حلماً ألاّ أرى دماغك متناثراً إذا ما انزلقت فتركته ومشيت مبتعداً ..
    يا أخوتي ما يعمل به الغرب قد لا يكون مجدياً عندنا خاصة على صعيد العادات والمتواترات الاجتماعية ، فقد أثرت في طرائق تفكيرهم وفي أحكامهم على حيثيات الأمور جملة من الظروف التاريخية المفصلية فاقتضت حينئذ مسلكيات آنية وتعديلات جذرية في مسائل حياتية حيوية قلبت الكثير من المفاهيم والمعتقدات والتقاليد والأعراف رأساً على عقب فدرجت مجتمعاتهم عليها وأصبحت من المسلمات والبديهيات ... علينا أن نسلم لهم ما هم عليه ولكن أن نسلم لمجتمعاتنا ما هي عليه أيضاً وهذا لا يمنع من التعديل والتطوير بما يتناسب وواقع الحياة ومفترضاتها وما تفضي إليه شرط ألاّ نسلخ جلدتنا وألاّ نمسح هويتنا وألاّ نسفح كرامة الإنسان وقيمه فينا ، فإذا ما طرحنا عقدة الزواج في مجتمعاتنا نجدها معضلة وأمراً نتوقف كثيراً عنده و.. غولاً يخشاه الشبان والشابات ، مع أن الزواج يحقق استقراراً نفسياً وحيثية اجتماعية والأهم تحصيناً أخلاقياً لأن طبيعة مجتمعاتنا لا تسمح بالعلاقات ذات الخصوصية الجنسية بين شاب وفتاة إلاّ في ظل ضوابط لا يمكن التغافل عنها أو تجاوزها ليكون في الزواج ما يحقق ذلك بشكل مقبول ومشروع ...!!
    ولكن ما هو الزواج عندنا يا سادة ... !! إنه تكوين لمؤسسة اجتماعية تعتبر النواة الأساسية للمجتمع الكبير .. هذا أولاً إنما لتحقيق ذلك هنالك زحف من المتطلبات لا بد منه لهذا التكوين ، أهمها منزل الزوجية وهذا إما مملوكاً أو مستأجراً ، فإذا كان مملوكاً اقتضى في أيامنا هذه أن يتمكّن الشاب تحديداً من امتلاكه بدفع ما يزيد على المليون ونصف المليون ليرة سورية إما نقداً بكامله أو تقسيطاً لبعضه ..!! أما إذا كان مستأجراً فعليه أن يستطيع رصد قيمة الإيجار شهرياً وقد تبلغ في أدنى الاعتبارات ما يقرب من سبعة آلاف من الليرات .....!! فإذا ما تمّ تأمين المنزل بهذا أو بذاك على الشاب أيضاً التفكير لتدبير الأساسيات من المفروشات والأدوات المنزلية الضرورية والتي لا بدّ منها ... هذا بداية .. أما بعد على الله فليتوكّل المتوكلون بعدها نقع في معضلات الهدايا والعطايا والملبوسات والأهم الحلي والمجوهرات وهي في أيامنا مجالاً للمباهاة هنا تنسى الكثيرات وتتهرب من المطالبة بالمساواة لا بل تنفر منها وقد تشمئزّ من ذكرها لن أسترسل في ما بعد هذا فقد يكون مرعباً أو محبطاً للكثيرين فأرتكب حماقة بذلك ... اعذروني .
    أما في الغرب فقد لا يحتاج الزواج هذا إن حصل كزواج أكثر من اتفاق بين الشاب والفتاة يجدان لذلك سبيلاً يتفقان على السير فيه دون أعباء ذكرتها آنفاً .. أو لا يفكرون في الزواج بمعناه التقليدي حتى ، لأن مجتمعاتهم تسمح بلقاءات تجمع الشبان والفتيات دونما قيود نعتبرها ضرورية في مجتمعنا الشرقي عموماً والعربي تحديداً ...
    في مجتمعاتنا لا زالت الروابط الأسرية مكينة وأواصر القربى مقدسة واحترام التسلسل الاجتماعي معتبراً ففي الأسرة الصغيرة يبقى الأب اعتبارياً صاحب الشأن والقرار والمتمتع باحترام أفراد الأسرة لقراراته التي قد لا تخضع أحياناً لاستفتاء أسروي ، وتشارك الأم التي هي امرأة بالضرورة في المحافظة على ذلك لا بل وتعتبر الرجل المسؤول الأول والأخير عن حيثيات اقتصادية كثيرة مع أنها قد تتقاضى معاشاً يساوي معاشه وأكثر ...!! في مجتمعنا كثيرات ما انفكّت لقاءاتهم الخاصة والعامة عن المطالبة بحرية المرأة ومساواتها بالرجل والعمل على تعديل القوانين المجحفة في حق المرأة والتي ترجح كفة الرجل على حسابها ...!! هنا أريد منهن المطالبة بحق المرأة في خدمة العلم الإلزامية وبتنازلها عن المتطلبات المرهقة التي تؤثر سلباً في تحقيق الاستقرار الاجتماعي وأن تعتبر أن قوانيننا تُبقي على نسب المرأة لأهلها بخلاف الغرب الذي يُتبعها لعائلة زوجها .. وأن تعتبر أن القوانين إذا ما أعطت الرجل بعض الميزات فهنالك من القوانين التي تعطيها كثيراً من الحقوق تجهلها هي أو ترفض التمتع بها في ظل معتقدات أو نظم اجتماعية تتبع لها ...
    في الغرب يتمتع الغربيون بحرية الاعتقاد { غير الموجه } وحرية احترام معتقدات الآخرين وتطلّعاتهم واتجاهاتهم الفكرية والسياسية ولا يعتبرون نشوء المرء في واقع اجتماعي معين يفرض عليه الالتزام القسري مباشرة أو بشكل غير مباشر بما يعتقد به ذلك المجتمع إلاّ بما يعتقد به هو طواعية ..
    هنا أحيي مبدءاً لدينا يقول متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا . ومقولة تقول لا تُنشئوا أولادكم على ما نشأتم فقد وُجدوا لزمان غير زمانكم . مع تأكيدي على مكارم الأخلاق والقيم التي أكد عليها كل المرسلين صلى الله عليهم جميعاً وسلم وهي في مجملها تؤكد على احترام الإنسان العاقل المستبصر الحر في اختيار ما يجد نفسه فيه وله ...
    كثيرون في مجتمعنا يعتبرون أنفسهم غير معنيين في أمور يعتبر المواطن الغربي نفسه معنياً بها مباشراً ومسؤولاً عن حسن تطبيقها لا بل وأكثر من هذا إذ يسمح لنفسه بمحاسبة من يسيء بها أو إليها ، مثال ذلك المحافظة على المرافق العامة كالحدائق وحافلات الركوب وما يشابه ذلك .. أليس عيباً أن نغفل عن نظافة حوض بردى ليقوم أعضاء من سفارة دولة صديقة بذلك ..!! لا شك في أن تنظيف الشوارع والمرافق من مهام إحدى المؤسسات ولكن أيضاً علينا ألاّ نقوم بما يسيء إلى ذلك وألاّ نفكر أن هذا ليس من مهامنا بشكل أو بآخر ..!! أليس معيباً أن يعتبر المواطن نفسه أعلى من القوانين إذا ما أسندت له وسادة في مركز وظيفي معين يكون من أول مهامه المحافظة على القوانين ..!! أو أن يعتبر نفسه كذلك لمجرد أنه ينتمي إلى من هو في موقع هام ..!! في الغرب يا أخوتي لا يمكن للعامل التساهل في ما يتعلق بحسن أدائه وهذا إما طوعاً لأنه درج على ذلك فاعتبره من صفات المواطن الجيد ، أو قسراً لخوفه أن يُطرد فيُشرّد فاقداً أسباب العيش .. !! في الغرب يا سادتي لا يسمح المواطن الجيد لنفسه أن يترك العنان لأبواق سيارته أو أجهزة التسجيل فيها أو أن يثير الاشمئزاز بأن تزعق الإطارات على الإسفلت .. تشفيطاً وتفحيطاً مهما علا شأنه وشأن داعميه..!! وإذا ما حصل ذلك هنالك من يضرب بشدة على أيديه لا بل وعلى قفاه ..!!في الغرب يا سادتي لا يخالف المواطن نظام البناء ولا يحاول الالتفاف عليه بوجود من يساعدونه لذلك من المنوط بهم قمع ذلك ...!!
    لا أنكر على أحد ما هو له ولا ما هو عليه تماماً كما لا أحب من أحد ذلك ، ولا أمقت الغرب أو الغربيين إذ لهم ما لهم وعليهم ما عليهم تماماً كما لنا ما هو لنا وعلينا ما علينا ، المهم أن ننأى عما نكره من الآخر وأن نؤكد على إنسانيتنا وقيمنا وكرامتنا وأن نأخذ بما هو خير لنا ... فما هو للغرب للغرب وما هو للشرق فللشرق ..
    .... آب 2009... جميع الحقوق محفوظة لكاتبها عبـّـاس سليـمان علـي
يعمل...
X