إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ينابيع العسل الطبيعي ..ممالك "نحل الصخور"... حسن محمد..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ينابيع العسل الطبيعي ..ممالك "نحل الصخور"... حسن محمد..

    ممالك "نحل الصخور"... ينابيع العسل الطبيعي

    حسن محمد


    تاريخياً كانت جزءاً من الحياة الطبيعية في الجبال الساحلية وسورية عموماً، ومنها أخذ الإنسان وبنى "خلايا النحل" الاصطناعية، واليوم انقرضت مستعمراته إلا ما سلم من عوامل الطبيعة ويد الإنسان.

    فيما عدا ذكريات القدماء ممن كانوا شاهدين على انتشار "مستعمرات النحل" الطبيعية فإن أسماء أودية وجبال وصخور هنا وهناك لاتزال شاهداً على حياة مئات المستعمرات من النحل، فنجد مثلاً في المزارع والغابات المحيطة بالقرى أسماء "جورة وادي العسل، شير العسل، نبع العسل، بيدر العسل،.."، يقول السيد "أيمن أبو رحال" مربي نحل من قرية "دوير الشيخ سعد": «كانت مناطق الجبال الساحلية لغاية عدة عقود ماضية ملجأ مفضلاً لممالك النحل لبناء مستوطنات لها داخل تجاويف الصخور الآمنة، في حين علمت خلال جولاتي في المناطق الداخلية في سورية وجنوبها باتجاه "جبل الشيخ" أن تلك المناطق كانت أيضاً موطناً "لمستوطنات النحل" في الهضاب والجبال الصخرية، ووسط الغابات في جذوع الأشجار المعمرة.

    مع استقرار الناس في العصر الحديث وازدياد أعدادهم تضاءلت مستوطنات "النحل الصخري" الذي أصبح مستهدفاً أينما وجد لسمعته المميزة بما ينتجه من عسل نقي 100% وذي مواصفات عالية، كذلك لكمية العسل التي قد تحتويها "مستوطنات النحل" تلك، والتي قد تصل ل200كغ وربما أكثر بكثير في حال عاشت سنين طويلة دون المساس بها، وقد كانت "مملكة النحل" تتعرض لدمار كامل عند محاولة "قطاف العسل" حيث لا إمكانية لإخراج العسل دون تخريب الصخر وحرق النحل قبل محاولة الاقتراب من مملكته.

    في قريتي كان هناك وادٍ يسمى "جورة وادي العسل" كانت تعج كتله الصخرية بمستوطنات النحل ومنذ تاريخ طويل، لكن لم يلبث النحل أن انقرض من المنطقة بعد تدمير مستوطناته لإخراج العسل منها، ويندرج ذلك على باقي المناطق الأخرى أينما اتجهنا في مناطق سورية».

    عثرت مدونة وطن "eSyria" خلال تتبعها آثار "نحل الصخور" بتاريخ 20/6/2013 على مملكة صغيرة للنحل في منطقة زراعية صخرية قريبة من مدينة "طرطوس"، وكانت الغاية تصوير النحلات في مدخل مستعمرة "نحل الصخور"حياتها البدائية هذه وذلك في شق صخري يفضي إلى مكان واسع نسبياً ضمن الصخر، وهو من الصخور القاسية نوعاً ما وذلك لحفظ العسل شتاء من الرطوبة والمياه المتسربة عبر شقوق الصخور، في حين كانت مهمة تصويره صعبة لكون النحل في حياته البرية هذه غير معتاد على اقتراب الإنسان منه أو العبث بمحتويات المكان حوله، حيث كان لابد من إزالة الحشائش اليابسة حول المدخل لتصويره، وقد أرجع مرافق "مدونة وطن" السيد "أيمن" عمر مستوطنة النحل هذه إلى حوالي ثلاث سنوات، ويعتقد أن نسبة العسل فيه قد تصل إلى 30كغ، لكن إخراج العسل منه غير ممكن دون تخريبه.

    في مكان آخر في منطقة "الشيخ بدر" حدثنا الشيخ المعمر "محمد علي محمد" من قرية "المريجة" بالقول: «يعتبر "نحل الصخور" المصدر الذي أخذ منه مربو النحل أسراب النحل الوليدة أو "الفراخ الوليدة" والتي تم وضعها في "جرار فخارية" أو خلايا خشبية لتشكل داخلها مملكتها الخاصة بها، وليطلق عليها "النحل الداجن"، وقد تم هذا الأمر قبل تدمير معظم ممالك النحل الصخري التي انتشرت بكثرة في الأرياف الصخرية في مناطقنا الجبلية، لكن سوء تعامل الإنسان مع الطبيعة والجهل إضافة للفقر والجوع كانت سبباً في تعامل الناس بقسوة مع مستعمرات النحل، حيث كانوا يشعلون النار بجانب "وكر النحل" وينتظرون ريثما يسيل العسل من الوكر بعد أن يسخن الصخر قليلاً ويموت النحل بداخله، وكان سيلان العسل يستمر لفترات طويلة بعد موت النحل، كما كان يلجأ البعض إلى تفجير مناطق من الصخر بالقرب من وكر النحل بأصابع "الديناميت" مما يسبب سهولة تفتيت الصخر القريب من الوكر وفي نفس الوقت يقتل جميع أفراد "ممكلة النحل" تلك بهذه الأساليب الوحشية، إضافة إلى عوامل الطبيعة، انقرض "نحل الصخور" مدخل مملكة النحل أسفل الصخرةمن جبالنا بعد أن كانت ممالكه تنتشر بكثرة في أي مكان تقصده في المناطق الجبلية».

    إن وصف "ينابيع العسل" ينطبق فعلاً على "نحل الصخور" دون غيره، لأن كمية العسل التي تنتجها مستعمرة نحل صخري لا يمكن لأي مستعمرة أخرى "برية" داخل الأشجار، أو "صنعية" ضمن "خلايا النحل" أن تنتجه، ويروي القدماء عن مناظر لا تتكرر في عصرنا الحالي عن كميات العسل المتسربة من أوكار النحل التي مضى على وجودها عشرات السنين، وذلك بعد القضاء على النحل بداخلها.

    بالعودة للسيد "أيمن أبو رحال" فإنه يقول: «يتصف الصخر الذي ينتقيه النحل لبناء مملكته بالصلابة المتوسطة، رغم أن معظم الجبال الساحلية "كلسية" بتركيبها، لكن النحل يغلف "المستوعبات أو العينات الشمعية" بعد ملئها بالعسل بطبقة شمعية أخرى رقيقة تحافظ على العسل من التلف، وهو يبني أقراص الشمع داخل التجويف الصخري بإلصاقها بسقفه وجدرانه بعد صناعتها بواسطة الغدد الشمعية التي تملكها النحلة، ويتغذى "نحل الصخور" على قسم من عسله خلال أشهر القحط، وهذا العسل النقي من أية إضافات بشرية يعطي النحلة برودة في الصيف ودفئاً في الشتاء، وتتميز النحلة البرية في الصخور بأنها أكثر قوة وقدرة على مقاومة العوامل الجوية عن مثيلاتها "الداجنة"، كما أنها أكثر شراسة».

    من جهة أخرى يقول السيد "مروان حداد" تاجر يبيع العسل من مدينة "طرطوس": «إن العسل المنتج من "نحل الصخور" يمنح الإنسان فيما لو حصل عليه ما لا يمنحه "عسل الخلايا الصنعية" كغذاء وكدواء، ورغم عدم وجوده حالياً إلا بشكل نادر إلا أنه ولفترة عقود قريبة كان موجوداً وكان من أهم الأدوية المستخدمة في "الطب العربي"، ويقول ممارسو "الطب العربي" بأنه يعطي نتائج تفوق ما هو متعارف عليه طبياً، وإذا ما رجعنا إلى طريقة جمع
    السيد "أيمن أبو رحال"
    "نحل الصخور" لرحيقه وجدنا بأنه يجمعه من مختلف أنواع الأزهار حتى النادر منها وعلى مدار الفصول، في حين أن "النحل الداجن" يجمع من أماكن محددة ويتم نقله دائماً خلال الفصول للحصول على عسل من نوع زهرة معينة "كاليانسون والكينا"، وبالطبع فإن "نحل الصخور" لا يأكل سكراً، وهو ما يفعله بعض "النحّالة" لإطعام النحل خلال فترة القحط».

    يذكر أن معظم ما يتم العثور عليه في وقتنا هذا من "نحل الصخور" أو الذي يسكن جذوع الأشجار فإنه عبارة عن "أسراب نحل" ولدت حديثاً وخرجت من خلايا النحل الداجن دون علم أصحابها فسكنت إحدى الصخور كما فعل أسلافها.
يعمل...
X