إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

نيقولا ميكافيلي ..المنهج المعرفي في كتاب (الأمير)..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نيقولا ميكافيلي ..المنهج المعرفي في كتاب (الأمير)..

    لــ نيقولا ميكافيلي ..المنهج المعرفي في كتاب (الأمير).. Niccolò di Bernardo dei Machiavelli – إشكالية السلطة وعلاقتها بالشعب ..

    المنهج المعرفي في كتاب الأمير لنيقولا ميكافيلي






    ـ ريبر هبونReber Hebun


    ((المنهج المعرفي في كتاب (الأمير) لنيقولا ميكافيلي))
    Niccolò di Bernardo dei Machiavelli


    ميكافيلي, الذي أعمل قلمه لأجل إحقاق المظلومية التي كانت خفَّاقة في المشهد الإيطالي, وعن الولايات الإيطالية التي تداعت الواحدة تلو الأخرى بسبب رداءة الحكَّام , وسوء تعاطيهم مع الإدارة والشعب, وإن الحقيقة المثلى التي أراد – ميكافيلي – بيانها في كتابة (الأمير) , وهو إيجاد بديل عن التردي السياسي, والبرودة الوطنية التي أعيت إيطاليا حينذاك, هو كأي باحث سياسي , محاولٌ , أراد استخلاص مفاهيم جيدة يستطيع أي حاكم طموح الالتزام بها لأجل النهضة , نهضة الشعوب , وكذلك إبراز قوة ونوعية قيادة الأمراء , ومحو الخصوم من انقلابيين ومأجورين, ومن خلال تقلّد (نيقولا ميكافيلي) لعدد من المناصب الدبلوماسية والسياسية لجمهورية فلورنسا, ونستطيع معرفة قدرته على احتواء المواقف وإبراز النتائج, المتمخضة عنها, وكذلك كشف الخلفية المعرفية الرافدة عن تجربته, التي تعتبر تجربة واضحة تعبِّر عن واقعية السياسة لا انفصامها عن الواقع, ولاشك أن تجارب الإطاحة بجمهورية (سودريني) ونفيه القاسي إثر ذلك , جعله يعيش حالة الواقعية السياسية أكثر فأكثر, مستخلصاً العبر الأكثر رزانة وتكثيفاً وتحريضاً على إثارة التساؤل, ونحن أمام كتاب (الأمير) نمهِّد لاستخلاص سلسلة من النقاط المهمة التي لابدّ من أن نقف عليها ونعالجها تبعاً للعصر وما يمكن مقارنته مع الحاضر الدائم الذي نعايشه, ولاشك في أن إقدام محكمة التفتيش على حرق مؤلفات ميكافيلي دليلاً على أن الإرادة المعرفية التي كانت متمثلة في شخص ميكافيلي والتي كانت موضع حجب واستنكار ونكران مِنْ مَن قاموا بحرق أعماله..



    ولاشك أن الأزمة الراهنة التي يعايشها كل عصر , تتمثل في
    إشكالية السلطة وعلاقتها بالشعب
    فيقول ميكافيلي هنا مخاطباً الأمير: ص(20)
    ((فمصوري المناظر الطبيعية , ينزلون إلى الوديان ليتمكنوا من رسم الجبال, ثم إنهم يصعدون إلى أماكن مرتفعة , حتى يتمكنوا من رؤية السهول والوديان, ولذلك من الضروري أن تكون أميراً حتى تعرف طبيعة شعبك, كما أنه يجب أن تكون أحد الرعية أيضاً كي تعرف الحقائق المتعلقة بالأمراء))

    من خلال هذا المقتطف الذي راح ميكافيلي ببيانه أمام الأمير, نجده يعرض حقيقتين:

    - حاجة الحاكم الماسة لمعرفة شعبه, ومن خلال المعرفة والكسب والتعاطف والتعاضد, يمكن الحرص على ديمومة بقاء الحكم ونقائه وقوته مبيناً بذلك بتشبيه دقيق وواضح بالذي ينظر من أسفل الوادي للجبل ويرسمه , ومن ثم يصعد عالياً ليتمكن من رؤية المشهد الكلي
    - ويوضح ميكافيلي من خلال ذلك نقطة أخرى تتمثل بقوة الأمير الناجح ومداركه الواسعة , بمقدار استيعابه للشعب ومعرفة الحقائق المتعلقة به, فعلاقة الحاكم بالمحكوم ليست علاقة عدائية بقدر ما هي توافقية تنتج عنها القوة والديمومة ..

    بيد إننا نلحظ التناقض السائد والمتنوع والمتفاوت في مخاطبة الأمير فتارة يريده أن يقترب من الشعب بنظرة المدرك , وتارة يريد من الحاكم الجديد المفترض أن يكون الأقوى مشيراً إلى أن أي حاكم مهما بدا قوياً فلا بد أنه سيركن لحقيقة الزوال, إن آجلاً أو عاجلاً, حين يقول هنا: ص25((ومن يسيطر على أراض ويريد أن يحتفظ بها , لابدّ أن يضع في اعتباره أمرين: أولهما القضاء على الأسرة الحاكمة السابقة قضاءّ مبرماً, وثانيهما عدم تغيير أي قوانين أو ضرائب خاصة بهذه البلاد , وبهذه الطريقة ستصبح جزءاً من الاتحاد في وقت قصير جداً , وتصبح الدولة كياناً واحداً)), إنه في ذلك يعتبر أن مقياس القوة كامن في آلية التعامل مع الأسرة الحاكمة , وكيفية الانقلاب عليها وتدميرها والمحافظة على القوانين السابقة كما كانت ولعل ذلك يجعلنا نستخلص حقيقة فهم ميكافيلي لطبيعة السلطة الواقعية القائمة على الأنانية والاحتكار والهيمنة الفردية , التي هي جل تناقضات السلطة وإشكاليتها عبر التاريخ ومن خلال الأمثلة والشواهد, ثم أن ميكافيلي يوضح لنا مدى نفع وخاصية القدرة المعرفية التي تجعل الأمير الطامح متمكناً وثاقب الرؤية حين يقول هنا: ص40 ((إن من يستفيدون من قدراتهم حتى يصبحوا أمراء, يحصلون على الإمارة بصعوبة, إلا أنهم يحافظون عليها بسهولة, والصعوبات التي تواجههم في ذلك ترجع إلى حد ما إلى القواعد والتعديلات الجديدة التي يضطرون إلى إدخالها حتى يستتب السلام في ولاياتهم))

    وهذا ما يجعلنا نتأمل حقيقة القوة المتمثلة بحسن التصرف والحكم, وكذلك القدرة على التمييز مابين الوصول للحكم بجهد أو الوصول إليها بالوراثة التي تنتج عن نقصان تجربة وحنكة ونضج, لأن السلطة وممارستها فنٌ بليغ يجتهد له الحاكم المعرفي الطموح القادر على الاعتدال والتوافق وكذلك محاربة الفتن والنعرات والمفاسد التي يمكن أن تشلَّ فيه طبيعة حكمه وتؤلب عليه الشعب, من هنا فميكافيلي مع القوات الوطنية ومع أن يحفل الحاكم بحب الشعب حيث كان بالمقابل يبرز سوءات المرتزقين المأجورين الذين هم عبء خطر على البلاد ولابد من الاستعانة بقوة الشعب لا المؤجورين,حيث يقول ميكافيلي هنا :ص62((ومن طبيعة الإنسان أن يرتبط بمن يقدم له نعماً وينعم عليه, وبناء على ذلك فإنه الأمير الحكيم الذي ينظر إلى كافة الأمور بعين قادرة على حسن التقدير , لن يكون من الصعب عليه أن يرفع من روح مواطنيه عندما يبدأ الحصار وفي أثنائه لو كان يملك ما يكفي من مؤن وسلاح))

    هنا ربط ميكافيلي بين قدرة الأمير الحاكم على إطلاق عنان القيم الوطنية الكامنة في إرادة الشعب مرتبطاً بالدعم اللوجستي من سلاح وذخيرة ومؤن, هذا سيجعل المناعة أكبر وأقوى وأمتن, ويجعل الأمير هَرماً متيناً أمام أعين الجمهور, وقد أكد ميكافيلي على الإرتباط المهم ما بين الرئيس والمرؤوسين, ومالهما من علاقة , ورأى أن النبلاء هم ممثلوا الشعب ومن خلالهم فإنه يمكن للحاكم معرفة مدى رضا الشعب عليه, وقد بين ميكافيلي مساوئ وعيوب الإرتزاق والإعتماد على المرتزقة في الحفاظ على البلاد حين بيَّن ذلك بجلاء قائلاً: ص67(( إن الضباط المرتزقة إما أن يكونوا ذوي كفاءة أو غير أكفاء, فإذا كانوا أكفاء فإنه يمكن الاعتماد عليهم , لأنهم يثبتون لأنفسهم أنهم عظماء, إما بابتزازك وأنت سيدهم, أو بالضغط على غيرك لما هو في غير صالحك, أما إذا كان الضابط غير كفء فإنه يدمرك تماماً))

    ولقد أدرك نيقولا ميكافيلي ذلك معبراً عن الحقيقة التي تتجسد في خطأ الاعتماد على المؤجورين لأنهم عبء على الحاكم والبلاد في آن معاً , ولقد ربط ميكافيلي هذه النقطة ودعّمه بمثال من التاريخ الروماني حين قال: ص75((وإذا ما نظرنا إلى أسباب انهيار الإمبراطورية الرومانية فستجد أنه كان بسبب استئجار قوات مرتزقة من ((الغوت)) لأنه منذ ذلك الوقت بدأت القوات الرومانية في الضعف وسقطت عن الإمبراطورية جميع مزاياها وذهبت إلى (الغوت)

    وقد أحسن ميكافيلي في التعبير عن صفات الأمير وتفكيره الدائم بالحلم وتعلم التدريب العسكري في أيام السلم كما الحرب , لأن ذلك يحفظ سيادة البلاد على الدوام ويجعل الناس العاديين يقتربون لممارسة مهام الحكم , بمعنى آخر فميكافيلي لم يكن معادياً للشعب أبداً, بل كان يرسم مواصفات القائد الحكيم والناجح والنشط في شتى المواقف والمعبر عن رغبات الشعب في تأمين البلاد والمصالح ولاشك أن ميكافيلي كان يعي طبيعة الحكم ومراحله وقد وعى حقيقة الصراعات في الحكم ومراحلها المريضة الأخيرة , لذلك عبَّر عن ذلك بان الأمير الطامح للتغيير عليه إنهاء سجالات الأسرة الحاكمة بذهاب أفرادها المتحليين مما نجم عنهم من ضعف وفساد , وقد أدرك جلياً أن إرضاء العامة غاية لا تدرك فقال: ص87)(مازلت أقول : أنه على الأمير أن يجعل نفسه مهاباً بطريقة تجعله –إن لم يحصل على الحب, فإنه يتجنب الكراهية على أي حال , وذلك لأن المهابة وعدم وجود الكراهية من الممكن أن يجتمعا معاً))

    لقد اعتمد ميكافيلي على التوافقية والتوسط في طريقة حكم الرئيس للشعب وتجنب الاحتقار, ولاشك أن ميكافيلي أكد بوضوح من ضرورة ان يكون الامير حليفاً للشعب لا نداً له عندما قال: ص94((وعلى ذلك فإن على الأمير ألا يهتم بالمؤامرات, إذا كان الشعب يناصره ويحبه, ولكن إذا كان يكرهه ويعاديه, فعليه أن يخاف من كل فرد يخشى كل شيء))

    لقد كان ميكافيلي في عصره بحاجة إلى نظام حكم يتلاءم مع طبيعة الواقع ولا يوافق تماماً أنانية الإنسان وسعيه لإرضاء نزواته فقط, وكان يوقن أن أسباب سقوط الحكام عبر التاريخ كامنة في كراهية المحيط لهم واحتقارهم إياهم , ولم يكن ميكافيلي يهتم بلبوس الذين أدعوا الفضيلة وقاموا بخلق عالم مثالي يتذرع بالوفاء والسلام ويضمر عكسهما , بل كان مع الحقيقة المعرفية الواقعية ومنهجه ملائم للواقع حين دعا الأمير أن يكون معرفياً وأن يهتم بتربية الفن والإبداع في شؤون حكمه للبلاد حين قال: ((على الأمير أيضاً أن يكرِّم الموهوبين ويميز القادرين , ويحمي البارزين في كل فن, بالإضافة إلى أنه من واجبه أن يحث مواطنيه على ممارسة العمل وهم مطمئنوا البال))

    وميكافيلي المعرفي الطامح بيَّن أن ديمومة الرفاهية والعدل كامنة من حث المبدعين على الإبداع وحث الناس على العمل كضرورة لمعرفة الحياة وصونها , والتعايش ضمن المجتمع ولاشك أن ميكافيلي كان يؤرقه الهم الوطني المتمحور حول إيطاليا وحريتها من الغرباء والعابثين بها, حين دعا إلى سن النظام الجديد وقال :ص123 ((ولاشيء يحقق للرجال المجد الكبير, سوى سنّ القوانين الجديدة , وهي أمور تجعله موضع إعجاب واحترام, ويوجد في إيطاليا ما يسمح بإدخال نظم جديدة))

    وأخيراً نستطيع القول بأن الغطاء السوداوي الذي تم وضعه على المفكر ميكافيلي لم يكن مبرراً بشكل موضوعي, ودقيقاً بالمعنى العلمي العملي الهادف, فلو تأملنا وأعدنا القراءة , قراءته جيداً لاستطعنا إنصافه ومعرفة الظروف الحساسة والهامة التي جرت في عصره, أثناء تنقلاته وكذلك نستطيع لمس الطابع المعرفي المرتبط بالحكمة والعمل في فلسفته ولابد أخيراً من أن تصل الرسالة على نحو أصح.
    -عالم نوح
يعمل...
X