إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

1926 العدوان الفرنسي على دمشق في أيار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • 1926 العدوان الفرنسي على دمشق في أيار

    1926 العدوان الفرنسي على دمشق في أيار


    التاسع والعشرون من أيار ذكرى العدوان الفرنسي الغادر على دمشق وكافة المدن السورية ماهي قصة العدوان الوحشي الذي كان نهاية الاستعمار الفرنسي لسورية ولبنان ? !
    العميد المتقاعد وليد عاروض

    ألم تعرف دول الغرب الاستعمارية وأمريكا عدوة الشعوب والصهيونية العالمية ماهي حقيقة هذا الشعب العربي السوري البطل تالله إن قوى الحديد والنار لم ترهب هذا الشعب ولم تبدل له عقيدة ولن تفل له عزيمة ولم ولن تستطيع أن تلين له قناة .
    هذا الشعب البطل يقف في ساعات الخطر صفاً واحداً وجبهة واحدة وكلمة واحدة تستوحي قواها كلها من إرادة واحدة هي إرادة الوطن ومن فوقها إرادة الله لذلك نرى أن نروي للجيل الجديد ما فعله أجدادهم حتى أخرجوا المحتل الفرنسي مذعوراً مدحوراً يجر أذيال الخزي والعار .....‏
    الأيام التي سبقت العدوان :‏
    بدأت التحرشات الفرنسية منذ بدء شهر أيار وانتهاء الحرب العالمية الثانية ارتفعت حدة التوتر في البلاد وانطلقت المظاهرات الغاضبة وأصبح الوضع ينذر بأشد الأخطار وبتاريخ 18 / 5 / 1945 عقدت مباحثات بين وفد فرنسي مؤلف من الجنرال بينيه المندوب العام والكونت اوستورورغ وكان وفد المفاوضات العربي المقابل للوفد الفرنسي يتألف من وزيري خارجية سوريا ولبنان ورفضت سوريا أن يكون الجنرال أوليفا روجيه من ضمن الوفد الفرنسي مما جعله يحقد ويحمل ضغينة في نفسه على سوريا والمسؤولين فيها وأثناء المفاوضات جاءت المطالب الفرنسية تتنافى مع السيادة والحرية وكأنها إنذار مفروض وتزامن ذلك مع إنزال تعزيزات عسكرية فرنسية كبيرة أنزلت في ميناء بيروت لذلك قررت الحكومتان السورية واللبنانية قطع المفاوضات وتهيئة البلاد لجولة القوة التي أصبحت وشيكة الوقوع في الوقت الذي أعلن فيه عن الحالة الصحية الصعبة لرئيس الجمهورية السورية الرئيس شكري القوتلي فنشأ عن ذلك ارتفاع في حدة التوتر الشعبي واتسعت المظاهرات الصاخبة فشملت معظم المناطق وارتفعت أصوات الوطنية والجهاد لنواب الشعب تحت قبة البرلمان تدعوا للمقاومة واستدعى السيد جميل مردم رئيس الوزراء بالوكالة الزعيم ( العميد ) عبد الله عطفة بتاريخ 21 / 5 / 1945 ووضع معه خطة استدعاء ضباط وجنود الوحدات الخاصة لتشكيل جيش وطني وشرعت المدن السورية تتأهب لرد أي عدوان مسلح وقدم المئات من الشبان أنفسهم كمتطوعين لحمل السلاح كما بدء الضباط والجنود بالالتحاق بقوى الدرك والشرطة وكذلك فعل العديد من النواب اللذين ارتدوا اللباس العسكري وصاروا يتدربون على القتال في ثكنة الشرطة ( القلعة ) .‏
    في 23 / 5 / 1945 طلب الجنرال باجيت القائد العام للجيش البريطاني التاسع من مقر قيادته في مصر من الجنرال الفرنسي أوليفا روجيه تجنب الأعمال الاستفزازية التي تقوم بها المدرعات الفرنسية المرابطة في شوارع دمشق والمدن السورية وعدم تحليق الطائرات فوق المساجد في أوقات الصلاة وأن الفرنسيين ينوون إثارة نزاع مسلح وأبرق إلى حكومته ( الحكومة البريطانية ) يعلمها بذلك‏
    التمهيد للعدوان - بيان أوليفا روجيه :‏
    طلب السفير البريطاني في باريس نزع الفتيل عن الوضع المتفجر في سوريا وكان جواب ديغول الرفض وقد كتب في مذكراته بعد ذلك يقول ( إنه بسبب قناعتي بتآمر البريطانيين مع السوريين فإننا لن نرحل إلا إذا كنا مجبرين وسنذهب إلا حد مقاتلة الثوار السوريين والإنكليز معاً ) ممايدل على تصميم فرنسا على إبقاء الاحتلال والعدوان .‏
    أصدر الجنرال الفرنسي أوليفا روجيه بياناً إلى القوات الفرنسية صادر عن دائرة الأركان الحربية ب - د رقم 24 .‏
    وهو بيان طويل وملخصه أنه يطلب فيه من قواته مايلي :‏
    إبادة جميع العناصر التي تكيد لفرنسا ( الثوار) واحتلال جميع مكاتب الحكومة ودوائر الدولة وقتل أو توقيف الوزراء ونزع سلاح جميع السوريين وقطع الاتصال مع الدول العربية المجاورة في هذا الوقت اشتدت المعارك الضارية في حمص وحماة وحلب واللاذقية وديرالزور بين الفرنسيين والأهالي وسقط بها العديد من القتلى والجرحى .‏
    خطة مدبرة وعدوان مبيت‏
    كانت الخطة الفرنسية التي وضعها الجنرال الحاقد أوليفا روجيه ضرب المجلس النيابي السوري وقتل كافة الوزراء والنواب من أجل إحداث فراغ دستوري يسمح للفرنسيين ملأه بأعوانهم وضرب مركز الشرطة والدرك في القلعة واحتلال جميع دوائر الدولة وتجريد الشعب من السلاح وفرض الحكم العسكري الفرنسي المباشر .‏
    وحدد يوم 29 أيار لبدء العدوان حيث كان مقرراً عقد جلسة للمجلس النيابي يحضرها الوزراء في الساعة السادسة مساء اليوم نفسه ومن أجل إيجاد ذريعة لبدء العدوان يطلب من حامية المجلس النيابي أن تصطف لتحية العلم الفرنسي عند إنزاله مساءاً من فوق ساريه الأركان الفرنسية ( دار المندوبية ) التي تقع مقابل البرلمان .‏
    جلسة لم تعقد وبدء العدوان على المجلس النيابي السوري‏
    جاء عدد قليل من النواب لحضور الجلسة ولما لم يكتمل النصاب طلب السيد رئيس المجلس المرحوم سعد الله الجابري من النواب الانصراف وكذلك انصرف الوزراء وبعدها بوقت قليل جداً وفي الساعة السابعة إلا عشر دقائق دوت في وقت واحد القنابل وطلقات الرصاص من دار المندوبية الفرنسية تجاه البرلمان ومن الحامية الفرنسية في شارع النصر وماهي إلا لحظات حتى اشتركت جميع المراكز الفرنسية في العاصمة ومنطقة المزة بإطلاق الرصاص والقنابل وبدء رجال الشرطة والدرك السوري الذين كانوا يتولون حراسة البرلمان في استحكاماتهم وراء المتاريس وأكياس الرمل دفاعاً بطولياً بينما تقدمت المدرعات الفرنسية لتوجه نيراناً حامية وتقصف البرلمان السوري بكل ما تملك من قوة وأقفرت شوارع دمشق من الناس وأرخى الليل سدوله ولم يعد يسمع في دمشق إلا الرصاص والقنابل الذي يدوي من كل ناحية حتى خال الكثيرون أن معارك ( دنكرك ) و( ستالينغراد) و ( برلين ) انتقلت إلى مدينة دمشق وراحت المدفعية الفرنسية من قلعة المزة تقذف المدينة بالقنابل مركزة القصف على قلعة دمشق لوجود قوى الدرك والشرطة فيها وظلت قلعة دمشق تحت رحمة القنابل حتى الصباح وقد نتج عن هذا القصف الشديد هدم العديد من الأبنية ومهاجع السجن وظلت الجثث تحت الأنقاض ويقال أن عدد القتلى ( الشهداء) من درك ومواطنين وسجناء يزيد عن ثلاثة مئة قتيل وأصيب هرانت بك قائد الدرك السوري بجراح كما أصيب القادة عبد الغني القضماني وعبد الرزاق قولي وفخري البارودي بجراح أيضاً ولم تنم عين دمشق هذه الليلة المشئومة.‏
    استمرار العدوان يوم 30 أيار وأشتعال الحرائق في كل مكان :‏
    سلام من صبا بردى أرق‏
    ودمع لا يكفكف يا دمشق‏
    وبي مما رمتك به الليالي جراحات لها في القلب عمق‏
    وما إن أطل الصباح في يوم الأربعاء 30 أيار حتى استمر القصف وقذف القنابل بمشاركة الطائرات الفرنسية التي راحت تقصف المدينة قصفاً عشوائياً بعيداً عن كل إنسانية وإنفجر بركان من نيران المدفعية .‏
    والدبابات والرشاشات وكان أفق دمشق خلال ساعة كاملة قد تحول إلى جحيم لا ترى العين معه إلا بريق القنابل يلمع في الفضاء ولا تسمع الأذن إلا دوي الإنفجارات يتصاعد من كل ناحية واشتعلت الحرائق في كل مكان كان أكبرها الحريق الذي شب في شارع رامي والتهم الحريق الشارع كله وأمتد إلى المرجة فالتهم جانباً من حوانيتها ومكاتبها وامتد من ناحية أخرى إلى شارع النصر حتى وصل إلى جامع دنكز فأصاب قسم منه وشب حريق كبير آخر في زقاق المغسلة وامتد إلى شارع فؤاد الأول حتى بوابة الصالحية كذلك شبت النار في العصرونية وسوق الخياطين فالتهمت عشرات المخازن والحوانيت وبعض الكراجات على ضفة بردى عند بداية طريق بيروت وجعلتها ركاماً من رماداً...‏
    كانت ليلة عصبية مؤلمة قاسية وكان اللهب يتصاعد من دمشق بالغاً عنان السماء كان منظراً رهيباً خيل للناظر أن دمشق أصبحت ركاماً واستمر تصاعد اللهب والدخان حتى الصباح ولم تنم أيضاً عين دمشق هذه الليلة المشئومة الأخرى‏
    وحشية العدوان وفضائع المحتل الفرنسي‏
    سلي من راع غيدك بعد وهن أبين فؤاده والصخر فرق‏
    وللمستعمرين وإن ألانوا قلوب كالحجارة لا ترق‏
    عرف أن جنود الدرك والشرطة الذين تولوا الدفاع عن دار البرلمان قد أبدوا من ضروب البسالة والشجاعة ما تنحني أمامه الرؤوس تقديراً وإجلالاً لكن البندقية والمسدس لا تقف أمام الدبابة والمصفحةلذلك فقد استشهدوا جميعاً وعددهم 28شهيداً ولم ينج إلا اثنان هما شهير الشرباتي واحسان بهاء الدين اللذان نجيا بأعجوبة واثنان آخران جريحان كادا أن يدفنا بين الأموات هما ابراهيم الشلاح ومحمد مدور وقد مثل بأجساد الشهداء أشنع تمثيل وقد شوهدت بعض الجثث بلا آذان وبعضها مقطعة الأيدي وبعضها مفقودة العينين كما شوهدت آثار السواطير على أجسامهم بشكل تقشعر له الأبدان وكان أفضع ما فعله جنود الاحتلال والجنود السنغال أنهم في بعض الأماكن يكسرون أقفال الحوانيت وبعد أن ينهبوا جميع ما فيها يضرمون فيها النار إخفاء لما ارتكبوه من عار.....‏
    ستروا بضرب الآمنين فرارهم فأعجب لعار ستروه بعار‏
    النار محدقة بجلق بعد ما تركت حماه على شفير هاري‏
    صور من البطولة والشهادة لقوى الأمن الداخلي (أبطال معركة البرلمان)‏
    من هنا شق الهدى أكمامه وتهادى موكباً في موكب‏
    وتغنت بالمروئات التي عرفتها في فتاها العربي‏
    مهما تحدثنا عن صولات ضباط وأفراد قوى الأمن الداخلي فاننا لانستطيع أن نوفيهم حقهم وهم يدافعون عن البرلمان ( رمز الشعب) حيث أنهم قاتلوا قتال الأبطال‏
    ومثالاً على ذلك الشجاعة الفائقة التي أبداها محمد طيب شربك وهو برتبة وكيل ضابط وله من العمر 22 عاماً فقط وطالب في السنة الأولى في معهد الحقوق ومن مدينة حمص لقد ضل هذا الضابط الباسل يدافع عن البرلمان مع جنوده حتى نفذت الذخيرة وأمر جنوده أن يقاتلوا بالمسدسات حتى نفذت آخر طلقة منهم وكذلك فعل الشهيد البطل محمد سعيد القهوجي وتمكن الفرنسيون من الدخول إلى البرلمان على أجسادهم وعثر على جثثهم المشوهة في حفرة كبيرة في المزة بين خمسة وعشرون جثة ثم بعد ذلك شيعوا إلى مقرهم الأخير في مقبرة بلال الحبشي وحين علم السكان ببطولتهم خرجوا إلى قبورهم يذرفون دموع الخزن وينثرون الورود والزهور وكان هناك اقتراح بنقل رفاتهم إلى حديقة البرلمان وأن يقام لهم تماثيل أمام البرلمان رمزاً لبطولتهم ولكن للأسف لم يؤخذ بهذا الاقتراح حتى الآن‏
    دور العون الطبي والمنظمات الإنسانية واستشهاد الدكتور مسلم البارودي:‏
    في كل جرح قد لففت ضماده ثغر يسبح أو لسان يشكر‏
    تقضي الرجولة أن نمد جسومنا جسراً‏
    فقل لرفاقنا أن يعبروا‏
    لم تنم عين دمشق في الليلة الثانية وقد بدأ نزوح الأهالي من الأحياء التي يكثر فيها القصف والحرائق تحت جنح الليل إلى الأحياء البعيدة وبعض قرى الغوطة وكان منظر النساء والشيوخ والأطفال وهم يحملون ما تمكنت أيديهم من حمله يبعث على الأسى ويمزق الأفئدة وهنا تجلت الشهامة العربية ونخوة الآهلين ففتحوا بيوتهم للوافدين ودخلوها آمنين وتقاسموا معهم لقمة العيش وكان فضل الجمعيات الإنسانية والطبية وخاصة جمعيات الهلال الأحمر وطلاب كلية الطب عظيماً فلم يتركوا مكاناً إلا ذهبوا إليه لجمع الجرحى ونقلهم إلى المستشفيات والمؤسف كثيراً أن حتى المستشفيات كانت عرضة لإعتداءات لئيمة ظهرت من بعض الجنود الذين لا يحملون في جوانحهم ولا في نفوسهم أي شعور إنساني فاعتدوا على المرضى وهنا تجلت شجاعة وإنسانية شباب العاصمة المثقف والجمعيات النسائية بأحلى مظاهرها وقد استشهد الدكتور مسلم البارودي بينما كان قادماً لإسعاف بعض الجرحى في السراي وكان يرفع علماً أبيض على سيارته .‏
    وهكذا قضى هذا الطبيب الشهيد ببسالة وشجاعة نادرتين مستهيناً بالموت أمام القيام بواجبه الوطني والإنساني‏
    ما هو دور السلطة الوطنية أثناء العدوان‏
    رئيس الجمهورية‏
    لقد كان الرئيس الراحل شكري القوتلي أثناء العدوان في دور النقاهة واستدعى ممثلو الدول الكبرى وأبلغهم إذا لم تتدخل حكوماتهم لوقف العدوان فإنني سأحمل أنا على نقالة إلى الشوارع لأتلقى رصاص المعتدين ويكون مصرعي لطخة عار في جبين الدول الديمقراطية وبادر ممثلي الدول لإرسال برقيات تضمنت كلام الرئيس كما رفض الرئيس الراحل عرضاً من السفير البريطاني بأن يذهب تحت حمايته وحماية الدبابات البريطانية بالذهاب إلى الأردن وقال له سأموت مع شعبي هنا في دمشق وأبرق السفير حكومته بذلك‏
    رئيس مجلس النواب:‏
    لقد كان رئيس مجلس النواب المرحوم سعد الله الجابري في مجلس النواب ولما لم تعقد الجلسة لعدم اكتمال النصاب ذهب إلى فندق الشرق حيث يقيم وحال وصوله إلى الفندق بدء العدوان وركز الفرنسيون نيراناً كثيفة على الفندق لاغتياله وكان في الفندق بالمصادفة البطريرك (ألكسي) بطريرك موسكو والإتحاد السوفيتي الذي استطاع الاتصال بالسفير السوفيتي (المستر سولود) الذي جاء إلى الفندق لأخذه بسيارته حيث طلب من الفرنسيين التوقف عن إطلاق النار على الفندق واستطاع المرحوم سعد الله الجابري الذهاب معه إلى الحدود اللبنانية حيث لم يرض أن يدخل بحماية أجنبية ومن هناك ذهب إلى بيروت وعقد مؤتمراً صحفياً فضح فيه العدوان الفرنسي على دمشق وبقية المحافظات السورية وأعلم العالم بما يجري ثم طار إلى مصر وطلب عقد اجتماع طارىء لجامعة الدول العربية وفضح العدوان الفرنسي أيضاً‏
    رئيس الوزراء والوزراء :‏
    بعد انفضاض جلسة مجلس النواب التي لم تعقد ذهب الوزراء والعديد من النواب إلى السراي في ساحة المرجة وهناك بدأ العدوان على السراي من المراكز الفرنسية في شارع النصر بالقنابل والرصاص واستبسل رجال الشرطة والدرك في الدفاع عن مقر الحكومة وردوا عدة موجات من الهجوم لاحتلال السراي وحين أرخى الليل سدوله استطاع الوزراء والعديد من النواب مغادرة مقر الحكومة (السراي) بحماية رجال الدرك السوري الأبطال واللجوء إلى دار السيد خالد العظم في سوق ساروجه حيث الأزقة ضيقة ولا يوجد فرنسيون بعدها ركز الفرنسيون قنابلهم على المنطقة وأصابوا عدداً من الدور القريبة في حي السمانة القريبة من منزل السيد خالد العظم حيث مات جميع من كان في هذه الدور وتناثرت الأشلاء بتأثير ضرب القنابل وكذلك أصيبت بعض الدور في حي العمارة‏
    النو اب‏
    كان بعض النواب قد غادروا دمشق ليقودوا المقاومة الوطنية في محافظتهم والبعض الاخر غادر المجلس النيابي حيث لم تعقد الجلسة في مقر الحكومة والبعض الاخر انضم إلى المقاومة الوطنية ومثال على ذلك الخلية الوطنية المؤلفة من ثلاثة نواب هم نائب دير الزور قاسم الهنيدي ونائب حماة أكرم الحوراني ونائب جيرود عبد الحكيم الدعاس الذي كانوا يرتدون اللباس العسكري وانظموا إلى الحامية الوطنية التي كانت تدافع أمام فندق أمية والتي كان على رأس تلك الحامية الضابط عبد الرزاق البكري والضابط ابراهيم أتاسي وقد رفع هؤلاء النواب من معنويات الحامية وبقيت تقاتل وردت عدة هجمات من الهجوم الفرنسي وانضم إلى هذه الحامية طالبان من كلية الطب هماجمال أتاسي وعبد الخالق النقشبندي الذي كان اعزلا من السلاح .‏
    امتداد العدوان إلى كافة المحافظات السورية :‏
    امتد العدوان في نفس اليوم إلى كافة المدن السورية الأخرى فكانت الاشتباكات مستمرة بين الجنود الفرنسيين وأفراد الشعب من المقاومة الوطنية وقد هزمت القوات الفرنسية في حوران ونزع سلاح من استسلم منها وسحقوا في جبل العرب كما أظهرت حماة مقاومة ضارية وبطولات لا توصف وأوقعت الهزيمة بالقوات الفرنسية وتمكنت من قتل قائدها والكثير من جنودها وأسرت العديد منهم وأسقطت طائرتين حربيتين وفي ديرالزور حوصر الفرنسيون في ثكناتهم وهاجم أفراد الشعب كافة المراكز العسكرية في المدينة ودمرتها وكذلك في حلب واللاذقية كما التحق حوالي 70 % من ضباط القطعات الخاصة و40 % من الجنود بقوى الدرك الوطنية وانضموا إلى المجتهدين من قوى الشعب .‏
    التدخل البريطاني لوقف العدوان‏
    فيمَ يا باريس فيمَ الكبرياء أنسي الطاغي بلاط الشهداء‏
    أنسي الجبار سيف الغافقي والمنايا في ركابي طارق‏
    بتاريخ 31 /5/ 1945 أبرق تشرشل إلى الجنرال ديغول يطلب منه إصدار الأوامر لقواته بوقف إطلاق النار وأبرق في نفس الوقت إلى الجنرال باجيت القائد العام البريطاني يأمره باستلام القيادة العليا في الشرق وإنذار الجنرال الفرنسي بينيه بأن كل عمل عسكري يجب أن يتوقف وأن على القوات الفرنسية الانسحاب فوراً إلى ثكناتها وقد نصت البرقية التي أرسلها الرئيس تشرشل إلى الجنرال ديغول على مايلي ( بالنظر للحالة الخطيرة التي آل إليها الأمر في سوريا ولبنان وبالنظر للقتال الدامي للحيلولة دون إراقة دماء أخرى , لقد اتخذنا هذه الخطوة حرصاً على الأمن في ربوع الشرق الأوسط كله وتحاشياً لأي اصطدام بين القوات الإنكليزية والإفرنسية فنطلب إليكم أن تأمروا الجنود التابعين عن إطلاق النار في الحال ) بعدها وصلت القوات البريطانية من البقاع في لبنان ووصل الجنرال باجيت واستلم القيادة الفعلية وأبرق إلى لندن يقول ( لقد أبيحت المدن للنار والنهب وإن عمل القوات الفرنسية والسنغالية هو تخريب اعتباطي ) ووصل المستر ألن شو وزير بريطانية المفوض والجنرال البريطاني باجيت ترافقهما أربع مصفحات بريطانية ضخمة إلى منزل السيد رئيس الجمهورية وجاء إلى المنزل أعضاء الوزارة السورية وبعض النواب لاستلام الدوائر السورية ورفع العلم السوري على بناء البرلمان وخرج الأهالي بمظاهرات رائعة مشت في الشوارع الرئيسية وهم يهتفون للعدل والحرية والاستقلال واخترقوا أسواق العاصمة وهم يلوحون بالأعلام السورية هاتفين بحياة سوريا والجهاد والاستقلال وقد بعث الرئيس شكري القوتلي برقية شكر إلى تشرشل يشكره على جهوده لوقف العدوان ولكن الجواب الذي تلقاه من تشرشل كان خالياً من اللباقة ويبعث على الإستفزاز قال ( الآن وقد أتينا لمساعدتكم لا تجعلوا مهمتنا أكثر صعوبة بسبب الغضب والمغالاة إن الفرنسيين يجب أن يعاملوا بالعدل ونحن البريطانيين لا نريد شيئاً مما تملكونه إلا الإعتدال ) وقد ذهب تشرشل إلى أبعد من ذلك في برقيته لرئيس الوزراء العراقي .‏
    حيث قال فيها ( لقد أنقذناهم من خطر عظيم وهم يقولون أن هذا واجبنا إن نظرتهم المتهورة هذه يجب أن تناقش ليس من واجبنا حفظ الأمن في وسط هذه الزمرة المشاغبة يجب أن نقول لهم : إن السلطة التي خنقت الفرنسيين يمكن بسهولة أن تستخدم ضدهم فيما إذا وضعوا أنفسهم في موقف من أجل نصرة الشعب السوري كما هو شائع وإن الإستعمار هو واحد مهما تلونت أشكاله .‏
    الخسائر المادية والبشرية‏
    صرح رئيس مجلس الوزراء في اجتماع صحفي أن مديرية الصحة في دمشق أصدرت تقريراً رسمياً جاء فيه أنه بلغ عدد القتلى من المدنيين بدمشق ( 600 ) وأن الجرحى والمشوهين ( 500 ) والذين أصيبوا بجراح يمكن معالجتها ( 1000 ) وهناك ( 120 ) شخصاً من الدرك بحكم المفقودين أما الخسائر المادية فهي جسيمة جداً .‏
    الموقف في الدول العربية وموقف الجامعة العربية‏
    بورك للخطب فكم لف على سهمه أشتات شعب مغضب‏
    لمت الآلام منا شملنا ونمت ما بيننا من نسب‏
    في لبنان عمت المظاهرات الصاخبة جميع المدن اللبنانية وعقد المجلس النيابي جلسة طارئة تبرع فيها النواب برواتبهم لعائلات الضحايا وأعلنت الأحزاب اللبنانية الإضراب خمسة أيام احتجاجاً على ما يجري في سورية وفي مصر كان الاهتمام بالعدوان على سورية عظيماً جداً وإن العطف الذي أبدته مصر ملكاً وحكومة وشعباً حيال سورية لايقدر وإن بعثتين من الهلال الأحمر المصري غادرتا مصر إلى سورية لإسعاف المصابين والضحايا وفي العراق عقد المجلس النيابي العراقي جلسة طارئة وهدد رئيس الحكومة العراقية حمدي الباجه جي البريطانيين أنهم إذا لم يتدخلوا لوقف نزيف الدم فإن حكومته سترسل قوات لمساعدة السوريين وأرسل الملك عبد العزيز من السعودية رسائل إلى أمريكا وبريطانيا يقول : ( أن سورية ولبنان تجدان أنفسهما حالياً في طريق مسدود لأنهما اعتمدتا على الحلفاء ) وفي الأردن بلغت المظاهرات الصاخبة أوجها في عمان وألقى الملك عبد ا كلمة في الجماهير الغاضبة مؤيداً فيها سورية بكل ما يستطيع وقد غادر السفير الأردني عبد المنعم الرفاعي دمشق إلى الأردن لفضح أعمال الفرنسيين وتلقى طلقة من فرنسي أدت إلى بتر ساقه في درعا هذا وقد عقدت الجامعة العربية جلسة طارئة في 4 حزيران هدفها نصرة سورية‏
    دور الصحافة والإعلام‏
    دم الثوار تعرفه فرنسا وتعلم أنه نور وحق‏
    وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق‏
    توقفت الصحف عن الصدور وقطع الفرنسيون جميع الاتصالات وأغلقت الحدود لمنع العالم معرفة ما يجري في سورية وفي 4 حزيران صدرت بعض الصحف بعد أن احتجبت عن قرائها أسبوعاً كاملاً وحملت حملات ساخنة فضحت الأعمال الوحشية التي قام بها الفرنسيين وكتبت جريدة الأيام بقلم حمدي بابيل تحت عنوان ( معركة احتلال البرلمان نقشت على جبين فرنسا عاراً لايمحى ) لقد صبرت دمشق وصابرت وهي لاتملك من السلاح سوى البندقية العتيقة والمسدس ولكنها مؤمنة في حقها عازمة على الوقوف في وجه الطغيان حتى الموت ... فضج العالم لما جرى واستهجن إكراه شعب أبي على توقيع صك عبودته وقدر وأكبر بطولة الأحرار من غطاريف يعرب .‏
    ماذا دهى فرنسا وماهي هذه المأساة التي طوحت بسمعتهافي دنيا الحرية ? أهذه هي فرنسا لتي حطمت الباستيل في سبيل الحرية جاءت لتحطم ندوة التشريع البرلماني في سورية وتدك أبراج القلاع في سورية التي ساهم أبناؤها في معارك (بئر حكيم ) وكانت أول معركة فأخرت فرنسا في إحرازها أهذه هي فرنسا بنت الثورة وربيبة روبسبير ونابليون بونابرت ? أهذه هي أم الحرية التي ذاقت مرارة الفولاذ الألماني وقد ساهمت سورية في حدود طاقتها حتى نهضت فرنسا من كبوتها هل يصدق أن المعروف يجزى بمثل هذه الإساءة .‏
    كتب الأستاذ أكرم الحوارني تحت عنوان (وقفة على أطلال مجلس النواب ) :ذهبت إلى مجلس النواب كان منظره مفجعاً ,لم أستطع أن أمنع الدمع من عيني بينما كان قلبي يغلي بالغضب والحقد والألم ,كان منظر مجلس النواب رهيباً بعد أن سلط عليه الفرنسيون نيران مدافعهم ودباباتهم فالقنابل حفرت ثغرات في الجدران المرشومة بالرصاص والسوداء من أثر الدخان أما دماء الشهداء الذين دافعوا عن المجلس حتى الرمق الأخير فقد كانت هنا وهناك على الأرض والجدران والركام وحطام الأثاث ,أين أصدقائي القهوجي وشربك ورفاقهما البواسل ? لم يبق منهم الفرنسيون أحدا لقد أبى هؤلاء الضباط والجنود الأبطال المدافعون عن حرية الوطن أن يستجيبوا للإنذار الفرنسي وهكذا سجلوا صفحة من أروع صفحات الشهادة دفاعاً عن الوطن ممثلاً بمجلس النواب رمز الحرية والديمقراطية والإستقلال .‏
    آثار العدوان - رحيل الفرنسيين عن سورية‏
    جرت محاولات عديدة سواء من فرنسا أو من بريطانيا للإبقاء على المصالح الفرنسية في سورية ولبنان لكنها كانت تقابل بالرفض مع الإصرار على انسحاب جميع القوات الأجنبية من أراضيها وعدم منح أي امتياز أو وضع خاص لأي قوة كانت ولما لم يجد الفرنسيون هناك أملاً في بقائهم قرروا الرحيل لكنه اشترطوا أن يرحل البريطانيين معهم وهكذا حصلت سورية على الاستقلال التام دون أن ترتبط بأي معاهدة من سيادتها ولم ترتبط إلا بميثاق الجامعة العربية وميثاق الامم المتحدة فكانت لهذا الريادة على كل الدول العربية في هذا الاستقلال التام .‏
    خاتمة‏
    إن سورية الوفاء سورية الجميلة تعترف بالجميل الجدير بأولئك الابطال من ضباط قوى الامن الداخلي الذين آراقوا دماءهم في سبيل أشرف وأقدس غاية في هذا اليوم التاسع والعشرين من شهر أيار .‏
    إن تكريم الابطال الاحياء منهم والشهداء هو الدعامة الاساسية للحفاظ على الروح الوطنية والمعنوية وتنميتها في المجاهدين من الاجيال الطالعة ثم هو التكريم لتربة الوطن التي يسقيها هؤلاء الابطال والشهداء بالدم لتبقى تلك التربة خصبة لاتنجب إلا كل بطل ووطني مخلص .‏
    رئيس رابطة المحاربين القدماء‏

يعمل...
X