إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مرحلة الاستعراب في القرن 18 – 19 م - بقلم: الدكتور محمود الحمزة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مرحلة الاستعراب في القرن 18 – 19 م - بقلم: الدكتور محمود الحمزة

    مرحلة الاستعراب في القرن 18 – 19 م - بقلم: الدكتور محمود الحمزة
    من تاريخ دراسة العلوم العربية في روسيا وجمهوريات الإتحاد السوفيتي (سابقاً)


    من تاريخ دراسة العلوم العربية في روسيا وجمهوريات الإتحاد السوفيتي (سابقاً) بقلم: الدكتور محمود الحمزة

    كبير الباحثين العلميين في معهد تاريخ العلوم والتكنولوجيا (معهد فافيلوف)

    مرحلة الاستعراب في القرن 18 – 19 م:

    بدأت أولى الأعمال الروسية في مجال الإستعراب في القرن 18 م بناء على مبادرة من القيصر بطرس الأول، الذي زار بنفسه أنقاض مدينة بولغار على ضفاف الفولغا وأعطى توجيهاته بنسخ بقايا الكتابات العربية المحفوظة هناك، وتم نشرها جزئياً فيما بعد. وقد لعب دوراً هاماً في تطوير الإستعراب الروسي ،في تلك الفترة، الكاتب المعروف أ.كانتيمير (1673-1723) والذي أسست أول مطبعة بالحرف العربي بفضل مبادرته وفي عام 1716 م صدرت في روسيا أول ترجمة كاملة للقرآن الكريم باللغة الروسية. كما أنشئت، بتوجيه من القيصر بطرس الأول، أولى مدارس الترجمة للمستعربين. أما في النصف الثاني من القرن 18 م.فقد دخلت اللغة العربية في مناهج المدارس الثانوية في بعض المدن الروسية (مثل استراخان).

    وتعود انطلاقة العهد الجديد في الإستعراب الروسي إلى بداية القرن 19 م:

    أولاً: حسب النظام الداخلي للجامعة في 1804 م تم إدخال تدريس اللغات الشرقية في الجامعات الروسية. وتأسست أولى أقسام اللغة العربية في خاركوف وقازان وفيما بعد في موسكو. وترأس القسم في موسكو أ.ف.بولدرين (1758-1842) وهو مؤلف أول "مختارات عربية" في روسيا، أما القسم الذي تأسس في وقت لاحق في بطرسبورغ فترأسه الكاتب والمستشرق المعروف على نطاق واسع في روسيا و.ي. سينكيفتش (1800-1858)، وقد بقي رئيساً للقسم 25 سنة (1822-1847).

    ثانياً: يمكن اعتبار البداية الفعلية للإستعراب العلمي في روسيا في عام 1817م حيث تأسس "المتحف الآسيوي" في بطرسبورغ على يد أحد أكبر المستشرقين في ذلك الحين خ.د. فرين (1782-1851) الذي عمل قبل ذلك عشر سنوات في قازان. وكان قد أجرى سلسلة كبيرة من الأبحاث في علم المسكوكات (النميات) العربية (حسب مقتنيات المجموعات الروسية) وقام بدراسة المراجع العربية في تاريخ بلاد الروس. وتعود إليه، بشكل خاص أولى الدراسات لأعمال ابن فضلان. وبهذا العمل الكلاسيكي تم بشكل ناجح افتتاح تاريخ الإستعراب العلمي في روسيا وفي 1819 م اقتنى "المتحف الآسيوي" مجموعة كبيرة من المخطوطات العربية، والتي اغتنت عام 1825 م بمجموعة أخرى. وأضافت "الإدارة الآسيوية" التي تأسست عام 1813م مخطوطات أخرى.واستمر تزويد المتحف الآسيوي بالمخطوطات العربية الجديدة سواء بشكل منفرد أو على شكل مجموعات كاملة قدمت كهدايا للمتحف من أشخاص، معظمهم كانوا من الدبلوماسيين في بلاد المشرق.

    وقد تحول المتحف الآسيوي إلى معهد الإستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفياتية (فرع لينينغراد). وفيما بعد، في عام 1854 تأسست كلية اللغات الشرقية في جامعة بطرسبورغ، والتي احتوت على قسم اللغة العربية وآدابها. وكان من أوائل خريجيه ف.ف. غرغاس (1835-1887) الذي ألف قاموساً شهيراً وكتاب "مختارات"، كانت مرجعاً لعدة أجيال من المستعربين الروس.

    لقد ظهر في موسكو عام 1872 مركز آخر لدراسة اللغة العربية- معهد لازاريف للغات الشرقية، الذي أصبح مع بداية القرن العشرين مركزاً حقيقياً للإستعراب العلمي وترأسه آنذاك أ.ي.كريمسكي (1871-1941). وينتمي إلى المدرسة الموسكوفية أ.أ. سيميونوف أول مختص في العلوم الإسلامية وتاريخ المذهب الإسماعيلي. أما في قازان فقد وضعت أسس الإستعراب من قبل فرين.

    ومن أشهر المستعربين في قازان كان المستعرب الكبير غ.س. سابلوكوف (1804-1880)، الذي أعد ترجمة رائعة للقرآن الكريم حسب التقليد الإسلامي المتأخر وتعود كذلك إلى سبلوكوف ترجمة بعض أجزاء مؤلفات ابن فضلان. وترأس إدارة المتحف الأسيوي بعد فرين، المستعرب ب.أ. دورن (1805-1881) الذي عمل على دراسة المصادر العربية في تاريخ القوقاس وشواطئ بحر قزوين، حيث بذل قصارى جهده لإعداد دليل مخطوطات المكتبة العامة في بطرسبورغ (حالياً تدعى المكتبة الوطنية العامة بإسم سلطيكوف - شيدرين في سانت بطرسبورغ). وعلى مدى عشرين عاماً أجرى دورن سلسلة كبيرة من البحوث والدراسات للإسطرلابات العربية.

    وأول مخطوطة عربية رياضية كتب عنها في مجلة رياضيات روسية في عام 1865 واسم المجلة: مجموعة أبحاث الرياضيات (مات سبورنيك – Mathematical Collection) وهي من أكبر مجلات الرياضيات في العالم. وكان ذلك العدد الأول منها وهي مجلة جمعية علماء الرياضيات في موسكو التي تأسست تقريباً في تلك السنة. وأعضاء هذه الجمعية كبار علماء الرياضيات الروس مثل العالم تشيبيشيف ((Chebeshev المعروف عالمياً وله اكتشافات هامة في معظم فروع الرياضيات. وقد نشرت مقالة في تلك المجلة في العام المذكور بعنوان "كتاب التلخيص لعالم الهندسة العربي ابن البناء" - مجلة مات سبورنيك – موسكو – 1867- المجلد 2 رقم 1 الجزء 2. ص 27-43. وكان نشرها بناء على طلب من تشيبيشيف نفسه الذي أوصى بأهمية العلوم العربية وضرورة دراستها ونشرها حتى في مجلات وزارة التربية والتعليم. وهذه الحادثة تدل على الاهتمام الكبير والمبكر والفهم العميق من قبل أعظم علماء الرياضيات في روسيا منذ منتصف القرن 19 م لدور وقيمة العلوم العربية وخاصة الرياضيات.

    فقد اقترن النصف الثاني من القرن 19 م. بظهور العديد من المؤسسات والجمعيات في روسيا، والتي بذل أعضاؤها جهداً كبيراً في مجال الإستعراب. وبالإضافة إلى الجامعات، فقد أصبحت مسائل الاستشراق بما فيها الإستعراب، هدفاً للدراسة من قبل أعضاء كل من: الجمعية الجغرافية الروسية وجمعية هواة العلوم الطبيعية والآثار والأجناس. أما في عام 1882 فقد تأسست "الجمعية الفلسطينية المسيحية الشرقية" والتي لعبت دوراً في تنشيط الإستعراب في روسيا. أما المستعربين الروس، الذين حصلوا على تعليمهم في كليات جامعية متخصصة، فقد عملوا بنجاح في القوقاز و آسيا الوسطى حيث اكتشفوا ودرسوا مخطوطات نادرة. وأنشئت في عام 1895 "حلقة تركستان لهواة الآثار" وهي التي نسقت أعمال التنقيب عن الآثار في آسيا الوسطى.

    وقد قام المستشرق الشهير ن.ف. خانيكوف (1822-1878) بدور هام ومتميز في تطوير الإستعراب الروسي وهو مؤلف كتاب "وصف إمارة بخارى" و "نبذة عن الأجناس في بلاد الفرس" وكان قدعمل قنصلاً روسياُ لفترة طويلة في تبريز. كما بذل خانيكوف جهوداً ضخمة لإغناء مجموعات المكتبة العامة في بطرسبورغ والتي أهداها مجموعاته الخاصة. ومن ضمنها مخطوطة "كتاب ميزان الحكمة" للخازني (القرن 12 م) والتي قام خانيكوف لأول مرة بوصفها ونشر أجزاء منها وترجمة مقاطعها إلى الإنجليزية عام 1859.

    وترتبط مرحلة جديدة وهامة جداً في تطوير الإستعراب العلمي باسم ف. ر. روزن (1849-1909) الذي كان أبرزعلماء الاستشراق الروسي ومعلم لجيل كامل من المستعربين الروس.

    وكان روزن عميداً للكلية الشرقية في جامعة بطرسبورغ لسنوات عدة، وفي عام 1885 ترأس الفرع الشرقي لجمعية الآثار الروسية. ومنذ عام 1886 بدأت هذه الجمعية تحت إشراف روزن بإصدار "نشرة"– لسان حال الإستعراب الروسي الذي اكتسب اعترافاً دولياً. وأعد روزن دليلاً من أربعة مجلدات لمخطوطات المتحف الآسيوي. وأولى اهتماماً كبيراً لدراسة المؤلفات الجغرافية والتاريخية للعلماء العرب، المتعلقة بأوروبا الشرقية. ويعد روزن أول المستعربين الروس الذين قاموا بدراسة وتحليل أعمال البيروني. وفي تقييمه لكتاب "الهند" الذي أصدره ساخاو نفسه، أعطى تقديراً عالياً لهذا المؤلف عام 1889، وتأكد ذلك بالإكتشافات اللاحقة.

    ولا بد هنا من التوقف عند مؤرخ الرياضيات الروسي الكبير ف.ف. بوبينين (1849-1919) الذي أصدر مجلة في تاريخ العلوم الرياضية والفيزيائية لسنوات طويلة وعلى حسابه وكان يلقي محاضرات في جامعة موسكو في تاريخ الرياضيات منذ القديم وحتى عصره. وقد كرست عدة محاضرات لتاريخ الرياضيات العربية.

    ومن التلاميذ الرائعين لروزن، كان المستشرق الروسي الكبير والمؤسس الفعلي لتاريخ آسيا الوسطى في روسيا ف.ف. بارتولد (1869-1930) . فألف بارتولد سلسلة كاملة من البحوث في الجوانب العامة والخاصة من تاريخ البلاد الإسلامية والعلوم العربية: "ثقافة الإسلام" "عالم الإسلام" "علماء النهضة الإسلامية" وغيرها. وحظي مؤلفه العلمي "تركستان في عهد الغزو المغولي" بشهرة واسعة واعتمد في إعداده على البحوث الدقيقة والمفصلة الواردة في المصادر الجغرافية والتاريخية للباحثين العرب. ويعود إلى بارتولد المؤلف التاريخي الكبير وهو "تاريخ دراسة الشرق في أوروباوروسيا" وكان جزؤه الأكبر مكرساً لتاريخ الإستعراب الروسي. وكان ذلك موضوع المحاضرات التي ألقاها خلال سنوات طويلة لطلبة الكلية الشرقية في جامعة بطرسبورغ، وأعيد نشره ثلاث مرات (آخرها عام 1977 في الأعمال الكاملة لبارتولد).

    وكان بارتولد أول من قام في روسيا بدراسة مرحلة أولغ بك (أولغ بك وعصره) وفيها أعطى تقييماً لمدرسة سمرقند العلمية وحلل المعطيات التاريخية والأثرية حول مرصد سمرقند. وكان في مركز اهتمام بارتولد طيلة حياته المؤلفات الجغرافية العربية وخاصة التي تضمنت معلومات عن أراضي روسيا. وفي عام 1940 (بعد وفاته بعشر سنوات) عثر على عمل غير منشور له "معلومات عربية عن بلاد الروس".
يعمل...
X