إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أم كلثوم وأحمد رامي..ذلك الحب المستحيل..؟!محمد المنسي قنديل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أم كلثوم وأحمد رامي..ذلك الحب المستحيل..؟!محمد المنسي قنديل

    أم كلثوم وأحمد رامي...
    ذلك الحب المستحيل..؟!
    محمد المنسي قنديل


    نقلاً عن مجلة العربي الرائدة
    إنها قصة حب تشبه الخيال. رغم أن كل ما فيها من تفاصيلحقيقية ومعروفة أيضا. وهي لم تكن سرا في يوم من الأيام, فقد باحت بها كلماتالأغنيات على لسان أشهر مطربة عربية عرفها العالم. وكان طرفاها هما تلك المطربةالشهيرة, والشاعر الذي رددت معظم أغانيه, أم كلثوم وأحمد رامي مَن الذي لايعرفهما?!
    لا يقدم كتاب (كان صرحا من خيال) شيئا جديدا من تفاصيل هذه العلاقة, كل الوقائع معروفة, رواها مؤرخو الموسيقى والأدب على السواء, واعترف بها أصحابها, ولكنها من خلال هذا الكتاب تكتسب بعدا جديدا. إنها تلتئم وتترابط وتتخلى عن التحفظالشرقي الذي يكبت المشاعر في نفوس أصحابها وتقدم صورة أدبية حية, مزيجا من القصالروائي والسرد التسجيلي كي تعيد رواية القصة, كأنها أغنية من أغنيات أم كلثومنفسها, نعرفها ونحفظها ومع ذلك نطرب كلما استعدناها.
    صدر هذا الكتاب بالفرنسية تحت عنوان غاية في الاختصار (أم) وهو النصفالأول من اسم كلثوم. كأنما كان هذا كافيا للدلالة على ما يحويه. كتبه سليم تركية, وقام بترجمته بسام حجار واختار له هذا العنوان المأخوذ من قصيدة (الأطلال) للشاعرإبراهيم ناجي, وهي إحدى أغنيات أم كلثوم القليلة التي لم يؤلفها أحمد رامي الذييمكن القول إنه كان الشاعر الخصوصي لها, والكتاب يروى على لسانه أيضا. وقد توفيرامي في عام 1981 بعد أن نظم حوالي 137 أغنية من أصل 283 أغنية أنشدتها أم كلثومخلال حياتها الفنية. وقد تخيل الكاتب أن رامي يروي لنا مذكراته ويبث فيها لواعجقلبه ويعترف بصراحة بكل الأشياء التي لم يستطع أن يعترف بها صراحة من خلالأغنياته.
    وبعيداً عن فصول الكتاب, فقد كانت أم كلثوم شخصية مثيرة للجدل, فهي لمتكن أشهر مطربة عربية فقط, ولكنها كانت ظاهرة فنية وسياسية أيضا, وكانت هي الشيءالوحيد الذي اجتمع عليه الشارع العربي بعد أن اختلف على كل شيء, كما أنها المطربةالتي كانت عبرت كل العصور وأرضت كل الأذواق وتعرضت لكل صنوف المدح والقدح. ورغمأنها قد أحيت عمراً طويلاً من الغناء العربي الكلاسيكي, وبعثت الروح في العديد منقصائد الشعر المنزوية بين صفحات الكتب, فإن البعض اتهمها بأنها كانت سبب التخلفالذي أصاب الموسيقى العربية. وجاء على رأس هؤلاء النقاد الكاتب الكبير توفيق الحكيمالذي قال عنها وهي في عز مجدها إنها تقف عثرة في طريق تطور الموسيقى, لأن الجماهيرالتي استنامت لجمال صوتها لم ترد التطوير ولا التغيير. قالوا أيضا إنها حاربت كلالذين حاولوا أن يقفوا في طريقها, وبلغ الحسّ التآمري بالبعض أن اتهمها بأنها كانتوراء مصرع المطربة أسمهان, وأنها حاربت عبدالحليم حافظ في بداية حياته الفنية, وأنها كانت بخيلة إلى حد التقتير وأنها لم تكن تعطي مؤلفي أغانيها ولا الملحنينحقوقهم المالية, بل وصل الحد بالبعض إلى اتهامها بتهم شائنة.
    ولعلنا جميعا نذكر ذلك المسلسل التلفزيوني الذي قدم منذ عدة أعوام عنحياة أم كلثوم, وقد عرض هذا المسلسل في وقت واحد تقريبا في معظم التلفزيوناتالعربية والتفت حوله الجماهير بشغف مثلما كانت تلتف حول أغانيها في الخميس الأول منكل شهر. لم يسأل أحد نفسه عن الترابط الدرامي لهذا المسلسل, ولم يدهش أحد من تلكالمثالية الزائدة التي كانت عليها بطلته أم كلثوم, بل إن أحدا لم ينتبه إلى أنالممثلة التي قامت بالدور كانت زائدة الوزن إلى حد مفرط بحيث لا تسمح الدهون بخروجأي صوت من حنجرتها, لم ينتبه أحد لذلك.
    وقد قابلت مؤلف المسلسل الكاتب الشهير محفوظ عبدالرحمن وقال لي (لقدقدمت أم كلثوم كما أحب الناس أن يروها دوما, لم أحاول تشريح شخصيتها, ولكن حرصت علىتقديم عصرها كاملا, ولم يكن هناك مكان للانتقادات...).
    لم يرد أحد أن يجازف, لا المؤلف, ولا مخرجة العمل, حرص الجميع علىترسيخ الصورة القائمة, تعاملوا مع الظاهرة, ولم يواجهوا الشخصية التي هي قوام العملالفني, تعاملوا مع تفاصيل عصر, وليس مع تفاصيل حياة خاصة وهو جزء من الطبيعةالشرقية التي لا تعطي أحداً الحق في اقتحام الحياة الخاصة, حتى ولو كان علما منالأعلام, لقد كان المسلسل جيدا, ومتحفظا ولكنه لم يحمل من سمات الإبداع إلاالقليل.
    كتاب سليم تركية على العكس من ذلك, وأعترف أنني لا أعرف إلا القليل عنمؤلفه, قرأت له أكثر من مقالة صحفية في الجرائد العربية التي تصدر في الخارج ولكنلم أتعرف على إمكاناته الأدبية التي تثير الدهشة والإعجاب إلا من خلال صفحاتالكتاب.
    من الصعب أن تصنع رواية حول حقائق الحياة الواقعية. ومن الصعب أن تقدمجديدا من خلال الوقائع التي يعرف الجميع معظم تفاصيلها بشكل جيد, ولكن هذا لم يكنمهما, فالكتاب يغوص في رحلة غير معلومة إلى أغوار أنفس الذين تعرضوا لهم وهو يصفالعالم والحب والشعر من خلال عيني عاشق متفرد لا يدري إن كان هناك مَن يبادله العشقأم لا. والحب من طرف واحد كان ولايزال أمرّ صنوف العشق, فما بالك إذا حدث هذالوجدان شاعر رقيق مثل أحمد رامي.
    تبدأ الفصول بعودة رامي من رحلة تعليمه إلى فرنسا, بموعده القدري معالخطوات الأولى لأم كلثوم وهي تغني في حديقة الأزبكية. كانت تلك الفلاحة المصريةالتي ولدت في قرية طماي الزهايرة عام 1910, واكتشف أهلها موهبتها المبكرة فدفعوابها إلى طريق الغناء الديني والموشحات, ولكن صوتها القوي تمرد على كل تلك القوالبالضيقة, ولم يرض بعالم الأفراح والمناسبات في النجوع والقرى الصغيرة, لذلك هاجرتإلى القاهرة, تصاحبها في البداية فرقتها الدينية من الفلاحين ثم ما لبثت أن تخلصتمنهم جميعا.
    يراها رامي للمرة الأولى وهي تشدو بإحدى قصائده القديمة التي كتبهاقبل رحيله إلى فرنسا.. (الصب تفضحه عيونه). ويفاجأ رامي بكلماته وقد اكتست على لسانتلك الفتاة القادمة من القرية (حسبها في البداية فتى) بحة خفيفة تحتوي على نكهة منالشهوانية, تستولي عليه وتبعث في داخله انفعالا مؤلما.
    حب من النظرة الأولى!
    هل هو الحب من النظرة الأولى كما تصوّره لنا عشرات الرواياتالخيالية?! أم القدر الذي غير حياته, وجعلها تشبه سلسلة من التنازلات التي لا تنتهيمن أجل محبوبة غير موثوق بحبها?! كان تنازله الأول في لقائه الأول بها حين أقنعتهأن يكتب لها, ليس بشعر الفصحى كما تعود, ولكن بالعامية المصرية. ولدهشته الشديدة, فقد قبل بالأمر وتخلى قليلا عن ترجمة رباعيات عمر الخيام التي كان يقوم بها عناللغة الفارسية ليكتب لها أغنية بسيطة أشبه برسالة حب مباشرة مليئة بالخوف (خايفيكون حبك ليا... شفقة عليا). كانت أغنية مجانية مثل معظم الأغاني التي قدمها لهافيما بعد, وكانت هي عنوان أسطوانتها الأولى, ولكن العلاقة كانت قد أخذت سمتهابينهما. كان الشاعر القادم من باريس والمغنية القادمة من أعماق الريف قد وجدالغتهما المشتركة, أخذ يتردد على بيتها في شارع (قوله) كل يوم, يجلس معها ليقرآالشعر ويعلمها كيف تتلوه بشكل صحيح, ثم تعدى الأمر ذلك ليعلمها آداب السلوك.. وتناول الطعام, والتعامل مع الكبراء, هل تذكرون (بجماليون) وما حدث له مع التمثالالذي صنعه?
    كانت الأيام تكشف عن معدن الفتاة الصلد القوي, ففي القاهرة واجهت حربامزدوجة, حربا من المطربين القدامى وعلى رأسهم (منيرة المهدية) وحربا من بقايافرقتها من الفلاحين الذين كانوا يريدون قمعها حتى لا تخرج من أيديهم. ونشرت إحدىالمجلات الفنية خبرا تقول فيه إن أم كلثوم قد غادرت قريتها هربا من العار بعد أنتعرضت للاغتصاب, وقد شاعت التهمة وترددت حتى أصبحت أشبه باليقين, وفي الوقت الذيفضل فيه أبوها الهرب عائدا إلى القرية قررت هي أن تبقى في القاهرة, قررت أن تقبلالتحدي, وقررت حتى أن تخلع الثياب الريفية وأن تصبح فتاة عصرية, بل إن الفلاحةتحوّلت حقا إلى أميرة.
    أين الأمان?
    كان هذا هو السر المعلوم والمكتوم عن أم كلثوم, ويتعرض الكتاب لهذاالأمر ليقدم لنا تفسيراً منطقياً ومقبولاً, فهو يقول على لسان أحمد رامي...(كانتتحب النساء. أعلم, ولكن ليس بالطريقة التي يلمحون إليها, لقد فتحت عينيها على عالمحيث الرجال, كل الرجال, يشبهون والدها بالطغيان نفسه, وبالعناد نفسه, وبحس التملكنفسه, فبحثت عن الأمان في جنسها هي, وكانت تردد على مسامع الجميع: لن أتزوج لأننيتزوجت فني, ويجب أن أكرّس نفسي لما وهبته ولجمهوري الغيور, وبذلك كسرت العرف, وماكانت لتعرف عرفا آخر, فوجدت نفسها بلا أعراف).
    ربما من أجل ذلك ظل رامي في ذاكرتها الخلفية, في مكانة محفوفةبالأسرار لا سبيل إليه للتقدم منها والتواصل معها إلا عبر الأغنيات والقصائد.
    ورغم ذلك فلم تكن علاقتهما سهلة ولا هينة, لقد كان الصراع والتنافسيزداد ويشتد بينها وبين محمد عبدالوهاب الذي كان ينافسها ويرتقي لقامتها بعد أنانسحب الجميع. وحدث أن كتب أحمد رامي قصيدة ليغنيها عبدالوهاب بعنوان (أخدت صوتك منروحي) لم يكن رامي يريد أن يكون الشاعر الخاص بها, وأن تحتكر وحدها كل كلماته, ثورةمكبوتة لعاشق مغبون, ولكن عبدالوهاب رفض القصيدة وظلت القصيدة مركونة بين الأوراقالقديمة للشاعر حتى جاءت أم كلثوم. كانت متعجلة وتريد أغنية في حفل سوف يقام علىشرف الملك فؤاد. وأخرج رامي القصيدة القديمة وأعطاها لها, وقام القصبجي بتلحينهاوقامت هي بالغناء أمام الملك.ورآها محمد عبدالوهاب فرصة سانحة للانتقام من غريمتهفسرب القصة للصحافة, (لقد حظى الملك فؤاد والمدعوون وجمهور الأوبرا بعمل قديمومستعمل) وكانت فضيحة انفجرت في وجه أم كلثوم, لقد غنت عملا سبق أن رفضه عبدالوهاب, وفعلت ذلك أمام ملك البلاد, وكانت القطيعة بينهما, لقد عاد إلى مركزه الذي لم ترفعهعنه إلا قليلا, مجرد مؤلف أغان خاص بها.
    هل كانت أم كلثوم عنيفة في خصومتها, يفسر الكتاب ذلك من خلال كلماتعلى لسان محمد القصبجي الذي أخلص لها ملحنا وعازفا ومع ذلك ذاق منها الأمرّين. يقول (أو تعلم, كل هذا التهليل الذي ينطلق فجأة من بقعة معتمة أمامها كل هذا التصفيق هوالشكل الأوضح لعنف ما. جسدها يتلقفه, ويختزنه ليلة بعد ليلة, ولكن لابد لهذاالمقدار من العنف أن ترد به كما تتلقفه حتى على الذين لم يتسببوا لها بأيأذية).
    أمام حب مستحيل كهذا كان على رامي أن يتزوج من امرأة أخرى, امرأةحقيقية من لحم ودم, وليست رمزا لعصر بأكمله, تكون له وحده وليس لملايين العشاق, لذلك كان ارتباطه سريعا ومفاجئا بواحدة من دارسات الأدب الفرنسي. فتاة محبةومنفتحة, لكن المأساة أن ذلك كله تم بنصف قلبه الآخر, القلب الخالي من الصبوات, الخاضع لحكم العادة والاحتياج الجسدي, لذا كان من الطبيعي أن يتعرض هذا الزواجللعديد من التصدعات, ومع كل أغنية جديدة كانت الزوجة تكتشف أن قلب زوجها ينزف ألماوشعرا من أجل امرأة أخرى.
    أم كلثوم تتزوج أيضا, زواجا سريا حتى تحافظ على لقب الآنسة الذي التصقبها, تتزوج محمود الشريف (لم يكن سوى عازف كمنجة في فرقتها, مدمن على الكحول, فيالعادة لا ينظر إليها أو بالكاد, وبنظرات استخفاف وازدراء, وكانت تسامحه على كلشيء, بهيّ الطلعة, فظ. يصل متأخرا عن مواعيد البروفات وحين تفتقده تجده برفقة صديقيحتسي الشراب على قارعة الطريق).
    ربما كان هذا هو الرجل الوحيد الذي أحبته وأرادت أن تطيعه وأن تعيشمعه بقية عمرها, ولكن أحدا لم يرض عن هذا الزواج غير المتكافئ. بل إن القصر قد تدخلشخصيا كي يرغمها على الطلاق من هذا العازف السكير. وربما كسر هذا في داخلها شيئا لميلتئم أبدا حين أدركت أنها رغم كل شهرتها عاجزة عن نيل ما تحب. كانت أم كلثومفلاحة, وقد ظلت كذلك حتى آخر أيامها, حتى عندما قامت ببناء فيلتها الشهيرة فيالزمالك, لقد بنتها على حافة عالمين لا يلتقيان, في الأدوار الأولى التي تبرز فوقالأرض يوجد عالم القاهرة حيث تقوم باستقبال أعيان البلد ورجال القصر الملكي وضباطالثورة فيما بعد. إنه عالمها الرسمي والفاخر, الوجه الذي تحب أن يراه الجميع وأنتكتب عنه الصحف. ولكن في الأسفل, في البدروم يوجد عالمها الآخر, خدم القصر الذينجاءوا كلهم من قريتها (طماي الزهايرة). ويوجد أهل البلد الذين يتوافدون على القاهرةحيث يجدون في هذا البدروم المأوى والطعام, أناس جالسون على الأرض, يأكلون ويشربونالشاي وينامون على فراش خشن كما يفعلون في القرية تماما.
    يحفل الكتاب بالعديد من تفاصيل أيام أم كلثوم العصيبة, وهو يتركالتفسيرات الجانبية ومزج الخيال الذي اعتمد عليه في المرحلة السابقة, ليتحول إلىملاحقة شبه تسجيلية لوقائع الأيام الأخيرة. حرب أكتوبر, تدهور الصحة والمرض, الغيبوبة الطويلة, الموت الذي آن أوانه, يقول الكتاب على لسان رامي في آخر لحظاته: هي تغني (يوم الهنا), إنها أغنية مفرحة, حبيبة تلتقي محبوبها. وليس لي إلا أن أتشبثبالنغم وأتبعه, فمعها لا خوف علي, أشعر بذلك, ثمة شيء قد انقطع, هناك, عند حنجرتي, أشعر بأنه يكفي أن أغمض عيني لكي ينطفئ, الله وحده يعلم أننا حاولنا أن نلمع صورةهذا العالم وأن نرتقي به صوب الشمس, والآن هناك الظلمات...).
    يقدم لنا هذا الكتاب درسا بليغا في كيفية إعادة كتابة الحقيقة, فليسهناك حقيقة مطلقة. ولكن هناك حقائق خاضعة دوما للتفسير, وتحتاج إلى الإيضاح. هذا هوجوهر الفن وتنظيم كل ما هو مبعثر, وإضفاء هالة على كل ما هو عادي, والنتيجة هي رؤيةكل ما تمت رؤيته من قبل ولكن بصورة مغايرة.
    محمد المنسي قنديل
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
    أم كلثوم وأحمد رامي..ذلك الحب المستحيل..؟!محمد المنسي قنديل
يعمل...
X