Announcement

Collapse
No announcement yet.

نشوء الحضارة السورية-بحث مهم جدا"-2-

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • نشوء الحضارة السورية-بحث مهم جدا"-2-

    ثقافة الانسان المنتصب في سورية:1000000-100000 سنة:
    قلنا إن الانسان المنتصب حين جاء الى سورية / بلاد الشام ، كان قد حقق تطورا" في بنيته الدماغية حيث استطاع صنع أدواته بتقنية أكثر تطورا" عن سلفه الانسان الصانع في أفريقيا . و لكن الآن و تبعا" لتفاعله مع البيئة في بلاد الشام، فلا بد أن تتطور لديه ملكات و تقنيات جديدة سوف نحددها، و التي تدل على أن ثمة تطورا" يحدث في قشرته الدماغية و نصف المخ الأيسر على وجه التحديد .
    فمن ناحية اللغة، يبدو أن مجتمعات الانسان المنتصب كانت تستخدم لغة في حدود متناسبة مع تطور منطقة بروكا في الفص الجبهي ، المسؤولة عن توليد و استخدام النطق /، و تطور منطقة ويرنيك التي تعنى بفهم اللغة المنطوقة .
    يقول د. سلطان محيسن :
    " إن لغة الانسان المنتصب ليست معروفة و لكننا نخمن وجود تقارب شديد بين لغات أو لهجات سكان بلاد الشام آنذاك لأنهم لم يكونوا معزولين عن بعضهم البعض بشكل كامل و إنما قامت بينهم صلات و علاقات حضارية متنوعة " .13
    و من ناحية تطور أساليب عيشه، فالأكيد إن تقنيات الصيد لديه تطورت عما كانت عند سلفه الصانع. و ذلك نتيجة تطور تقنيات صنع الأدوات الحجرية شكلا" و جدوى، بما يلائم عالم الصيد و التقاط ا لبذور، و قد استطاع هذا الانسان أن يستخدم النار و يطورها لجهة الاستخدام /وهذا اقترن بما قدمته البيئة من محرض ، عبر الحرائق (كالصواعق مثلا" ) ،ومن ثم وبعد وعيه لوجود النار ، وعبر إيجادها بواسطة الاحتكاك بين قطعتي صوان، وهذا لم يكن ليتحقق إلا عبر الفص الصدغي ، الذي يعنى بمهام الإدراك المعقدة /. و تبين الدلائل الأثرية أنه بنى أكواخا" بسيطة للسكن .
    و لابأس من استعراض لأهم مواقع مجتمعات الانسان المنتصب في سورية / بلاد الشام /:
    1- موقع ست مرخو ، الذي يقع في حوض نهر الكبير الشمالي .حيث قدم هذا الموقع أقدم دليل على وجود إنساني في بلاد الشام يرقى الى مليون سنة . و كان الدليل عبر الأدوات التي خلفها هذا الانسان حيث عثر على فؤوس و معاول و سواطير و شظايا و نوى و قواطع، استخدمها و صنعها هذا الانسان لغاية حياة الصيد و التقاط بذور النبات.
    2- موقع العبيدية – في فلسطين و يؤرخ بحدود 700,000 سنة حيث عثر على أدوات حجرية كانت أكثر تطورا" و تقنية من أدوات ست مرخو تبعا" للزمن .
    3- موقع اللطامنة : يؤرخ بحدود نصف مليون سنة، و قد كشف هذا الموقع عن تطورات هامة في طرق تصنيع الأدوات الحجرية. فقد ظهرت طرق جديدة في صنع الحجر و تنوع شكل الفؤوس و أصبحت أكثر تطورا" .
    و قد قدم هذا الموقع أول دليل عمراني يعثر عليه خارج أفريقيا، حيث عثر على معسكر سكني كشف عنه سليما" رغم مرور نصف مليون سنة عليه .
    و قد أبان هذا المعسكر وجود أرضيات سكن أصيلة ، و حوى على أدوات حجرية بالآلاف كالفؤوس اليدوية و المعاول و المقاصف و السواطير . و قد قدم هذا الموقع أولى الدلائل على استخدام النار ( اختراعها ) .
    الجدير ذكره هنا هو أن الأكواخ كانت مصنوعة من جلود الحيوانات و الأغصان و الأعشاب، و قد سندت بالحجارة .
    اصطادت مجتمعات الانسان المنتصب في بلاد الشام، الفيلة و الأحصنة و الغزلان و الوعول و فرس النهر و التقطت ثمار الزعرور و البطم و اللوز و غيرها .14
    إن استعراض فاعليات هذه المجتمعات للإنسان المنتصب في بلاد الشام تعطينا حقائق عدة أهمها :
    - حصول تطور مطرد في البنية الدماغية/القشرة الدماغية،وتطور الاتصالات العصبية / ساهم في تطور تقنيات الصيد و الالتقاط، ما انعكس على حياة هذه المجتمعات لجهة استثمار أوضح للبيئة و تحسين ظروف الحياة و العيش .
    - مع مرور الزمن و بين موقع متأخر و آخر متقدم، نلاحظ زيادة في عدد سكان الموقع الأحدث. ما يشي بعوامل استقرار نسبي أحست به تلك المجتمعات .
    - التآلف الأكثر تبعا" للزمن مع الطبيعة. دل على ذلك إنشاء معسكرات سكنية في مواسم الصيد و الالتقاط، ما يدل على عدم اتكالهم الكلي على الكهوف و المغاور، و تصالحهم النسبي مع البيئة لجهة الأمان و إنشائهم للأكواخ البسيطة .
    - شكّل اختراع النار و من ثم استخدامها، نقطة انعطاف حضارية، ساهمت في تطور النظام الغذائي و تنوعه، و كذلك في الإسهام بالإحساس بالأمان عبر طرد الحيوانات المفترسة بالنار المشتعلة .
    و نتيجة لكل هذا، سوف نلاحظ انه و باطراد مع الزمن، ستحقق هذه المجتمعات "المنتصبة" منجزات تفيدها في طرق عيشها و في استثمار أوسع و أكثر تنوعا" للطبيعة .و من ثم سوف يؤدي كل هذا الى إحساس بأمان و استقرار نسبي، سنلحظه أكثر في الفترة الممتدة بين 250,000 – 100,000 سنة لمجتمعات الانسان المنتصب في بلاد الشام. فنتيجة لكل ما سبق ازداد عدد سكان بلاد الشام، لا بل و بدأوا بسبر أغوار المحيط فانتشروا الى مناطق البادية و الفرات، و الى الشرق من نهر الأردن و البحر الميت في فلسطين/وهذا يعني أن ثمة تطور حصل في الفص الجداري الذي يعنى بالإدراك المكاني / .
    و نتيجة للتنوع و الغنى البيئي كعامل تحريضي أدى الى تطورات في القشرة الدماغية ، سوف نلاحظ في مواقع هذه الفترة، تطور تقنيات تصنيع الأدوات الحجرية، و ظهور أنواع جديدة أكثر استجابة لدواعي الصيد و الالتقاط، و أكثر جدوى، حيث نلاحظ نشوء تصنيع الفؤوس بالطرق. و استطاع الانسان استخدام المطارق الخشبية أو العظمية في صنعها، و هذا ما انعكس جماليا" على شكل الفؤوس و انتظامها و مواءمتها و ملاءمتها للاستعمال .
    و في هذه الفترة ظهر تقليد حضاري واحد شمل أغلب مواقع بلاد الشام، تجلى في ظهور نوع من الفؤوس على شكل لوزة أو قلب، ما يعطي انطباعا" بالتفاعل الاجتماعي بين مواقع بلاد الشام المختلفة آنذاك .
    و استخدمت النار بشكل أفضل و تطورت تقنية بناء المساكن .
    و من أهم مواقع هذه الفترة موقع القرماشي الذي يقع في حوض نهر العاصي الأوسط، و الذي يرقى الى حدود 200,000 سنة . و قد بنى سكان هذا الموقع كوخا" بسيطا" أحيط بالحجارة .
    و يلاحظ أن الانسان كيّف مغاوره مع حاجات السكن الطويل، و حفرت المواقد من أجل استخدام أفضل للنار .
    و ثمة مواقع أخرى، ففي طرطوس هناك موقع أرض حمد و في فلسطين مغارة الطابون و هولون و معان و باروخ .
    و في الأردن موقع عين الأسد وموقع منطقة الأزرق و في لبنان موقع رأس بيروت .15
    و في أواخر وجود الانسان المنتصب/ الذي آل، إما الى التطور نحو إنسان النياندرتال أو نحو الانسان العاقل/، مرّ مجتمع الانسان المنتصب بفترة انتقالية أرخت بين 150,000 – 80,000 سنة . و هذه الفترة شهدت تغيرات حضارية هامة و ربما عرقية شملت بلاد الشام كافة .
    و يبدو أن تأثير البيئة توضح من خلال ازدياد اعتماد المجتمعات على الخشب و عظام الحيوانات في صنع الأدوات و شاع استخدام جلود الحيوانات في صنع الملابس و في فرش البيوت .
    و أمام العثور على أدوات مصنعة و قد امتلكت قيما" جمالية، و حسا" فنيا" عاليا"، ما يدل على نشوء الفن ببواكيره الأولى ، فإننا نشير الى تطور في نصف المخ الأيمن / النصف الحدسي /، بالإضافة الى تطور اللغة المستخدمة بسبب تطور منطقة بروكا الخاصة بالنطق. كما أن ظهور ميل لدى سكان هذه الفترة للارتباط بالأرض نتيجة العثور على تراكم المعطيات الأثرية في نفس الموقع فوق بعضها البعض بعشرات الأمتار ، يدل على تطور حاصل في بنية الفص الجداري في القشرة الدماغية كما بينا سابقا" .
    و تبعا" لكل هذا فإن ازدياد السكان عدديا،" أمر طبيعي. بالإضافة الى زيادة فاعلية الصيد و جدواه نتيجة لظهور بواكير صناعة الحراب في هذه الفترة في بلاد الشام .
    وقد اصطادت مجتمعات هذه الفترة الحصان البري ووحيد القرن و الدب و الوعل و الغزال.
    و من أهم مواقع هذه الفترة :
    يبرود و بئر الهمل في سورية – عدلون في لبنان – مغارة الطابون في فلسطين .
    الجدير ذكره هنا هو أنه في موقع يبرود / الملجأ الرابع / عثر على طبعة قدم إنسان هذه الفترة / ما قبل النياندرتال / .16
    ثقافة مجتمعات إنسان النياندرتال في المشرق العربي القديم 100,000-40,000 سنة :
    أول ميزة تميزت بها مجتمعات النياندرتال في المشرق العربي القديم أنها امتلكت خصوصية و أصالة تميزت بهما عن الثقافات النياندرتالية في أفريقيا و أوروبا .
    و تبعا" لمبدأ التحريض / البيئي /، و الاستجابة / الدماغية /، أصبحنا أمام تطور في حجم الدماغ لدى إنسان النياندرتال فقد أصبح حجمه وسطيا" 1500 سم3 .
    و يبدو عند استعراض حياة النياندرتال، و لاسيما حياته الروحية، أننا واقعون على تطور جوهري طرأ على قشرته الدماغية، تمثّل في تطور الفصوص ما قبل الجبهية،وتطور القسم الطرفي أو الحوفي، و الذي جعل هذا الإنسان يدرك ظاهرة الموت لأول مرة في التاريخ الإنساني . فمقابل الإهمال الذي عاناه موتى الانسان المنتصب، حيث كانوا يتركون في أماكن العراء، لجأ إنسان النياندرتال الى العناية بموتاه و دفنهم وفق شعائر و طقوس معينة، و هذا ما قدمته مواقع عديدة في المشرق العربي .
    بالإضافة الى هذا يبدو أن تطورا" طرأ على القسم الحوفي / الطرفي / للدماغ ، أدى الى وجود حالات اعتبارية عاطفية تجاه الدب و الغزال عند إنسان النياندرتال .
    و بشكل عام نحن عند النياندرتال أمام تطورات هامة على صعيد القشرة الدماغية . و قد بقي هذا الإنسان لاقطا" و صيادا"، و لكن بمهارة أكثر و بتصنيع للأدوات أكثر تناسقا" و تطورا" و جمالا" ، و جدوى و تطور استخدام النار لديه و تنوع، و كذلك تصنيع و استخدام الأسلحة و الملابس .
    و تبعا" لاحتياجاته المتطورة و التقدم في تقنيات صناعة الأدوات، نجد هنا اختفاء الفؤوس و حلول المقاحف مكانها. و كان التفاعل الاجتماعي أوثق بين المجتمعات النياندرتالية في المشرق العربي القديم . و قد أنشأت هذه المجتمعات معسكرات سكنية مؤقتة لغايات مواسم الصيد و الالتقاط .
    و يبدو أن تطورا" مستمرا" كان يجري على بنية نصف المخ الأيمن دل على ذلك احتواء بعض الأدوات على حزوز زخرفية ما يشي بتطور فني باكر .
    و نتيجة لتمرس النياندرتال في حياة الصيد و الالتقاط، و إحساسه باستيعاب بيئته ،و إحساسه بالأمان دفعه الى تنظيم مجتمعه اقتصاديا" و اجتماعيا"، وفق ظهور بواكير مفهوم السلطة، عبر زعيمأو مجموعة تنظم علاقات المجتمع النياندرتالي./ ويبدو أن هذا الأمر كان انعكاسا" لتطور حاصل في الفص الجبهي الذي يعنى بوظيفة التفكير بالعمل وتنظيمه ، كما أسلفنا . و يشير د. محيسن الى أن الحياة الروحية عند هذا الإنسان تفوق في مستواها حياته الاقتصادية .17
    قيمة المرء ما يحسنه
Working...
X