إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مات صانع الكتب الجميلة محيي الدين اللباد و«مئة رسم وأكثر» في مدرسة اللباد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مات صانع الكتب الجميلة محيي الدين اللباد و«مئة رسم وأكثر» في مدرسة اللباد

    غياب التشكيلي المصري محيي الدين اللباد



    «مئة رسم وأكثر» في مدرسة اللباد


    محمد خير






    التشكيلي المصري محيي الدين اللباد - القاهرة – سيد محمود




    مات صانع الكتب الجميلة محيي الدين اللباد الذي شيعت جنازته إلى مدافن العائلة في القاهرة أمس. واللباد يصعب اختصار منجزه في مهنة واحدة، فهو صحافي ورسام كاريكاتور ومصمم غرافيكي بارز، لكن الأكيد أن غيابه خسارة كبيرة لصناعة الكتاب العربي، فوجود اسمه على غلاف كتاب كان يعتبر أبرز علامات جودته. ولد اللباد في القاهرة في عام 1940 ودرس التصوير في كلية الفنون الجميلة نهاية الخمسينات ليلتحق بعدها بمؤسسة «روز اليوسف»، وكان قبل تلك الخطوة بدأ العمل رساماً للكاريكاتور، لكن انضمامه إلى كتيبة رسامي مجلة «صباح الخير» مثل علامة تحول في مسيرته، إذ مكنته من دخول مدرسة الرسامين الكبار، أمثال عبد السميع وزهدي العدوي وأحمد حجازي وبهجت عثمان وصلاح جاهين وجورج البهجوري. انطلق اللباد من «مدرسة الهواء الطلق» كما سماها الصحافي الراحل كامل زهيري وخرج إلى مساره الثاني كمتخصص في رسوم كتب الأطفال، إذ عمل رساماً في مجلة «سندباد» التي كانت تصدرها دار «المعارف» برعاية الرسام المعلم حسين بيكار. وفي عام 1968، أصبح مديراً للتحرير ومديراً فنياً لمجلة «سمير»، وكذلك شارك في تأسيس دور نشر مصرية وعربية عدة، لكنه ظل يحمل اعتزازاً خاصاً بتجربته في تأسيس دار «الفتى العربي» في السبعينات ودار «شرقيات» نهاية الثمانينات. وعلى رغم صعوبة تلخيص مسيرته إلا أن اللافت حرص صاحبها الأكبر على تنمية الوعي بالثقافة البصرية، فصاغ في مؤلفاته تعبير «الذاكرة المصورة»، وعمل مبكراً على لفت النظر إلى العلامات التجارية الشائعة والتعامل معها باعتبارها «موتيفات» فنية شاعت في الكثير من تصميماته للكتب والملصقات الدعائية التي ارتبطت بمناسبات ثقافية. وفي رحلته الطويلة نظر اللباد إلى نفسه دائماً بصفته مصوراً يرسم لوحات تعلق على الجدران ولها وظيفتها التطبيقية لكن من دون الاعتداء على القيمة الجمالية.
    واعتبر اللباد مواجهة «التشوه البصري» في الشارع المصري قضية عمره، ملاحظاً أن شيوع العلامات البصرية الموفقة والذكية في مجتمع ما يعد دليلاً الى وفرة القدرة الى إنتاج الرمز واستخلاص ما يرمز إليه والعكس، منتهياً إلى الإقرار بأن الشائع حالياً يؤكد أننا نعيش عصر «الخيبة المسجلة».
    ولم تكن مهنة «الغرافيكي» التي أحبها اللباد على حساب عشقه الأول للكاريكاتور الذي بالإضافة إلى إبداعاته شديدة التمييز فيه، سعى أيضاً إلى كتابة تاريخه عربياً وعالمياً في مجموعة مؤلفاته، لا سيما «نظر» و «كشكول الرسام»، إذ اهتم في الأول الذي تصدرته بيت شعر لبشارة الخوري (الأخطل الصغير) «إن عشقنا فعذرنا أن في وجهنا نظر»، بتصحيح ما في ذلك التاريخ من مغالطات، والأهم إعادة الاعتبار إلى «الكاريكاتور» كفن بعد أن حاول كثيرون اختزاله في معنى «النكتة» وهو الهاجس الذي شغله في المؤلف الثاني، كما كان أول من اقترح إنشاء متحف للكاريكاتور في مصر. ولعل الميزة الرئيسة في كتابات اللباد كمؤرخ لهذا الفن النادر سعيه الدائم إلى ربط الصورة المنتجة بالسياق التاريخي والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، حتى إنه اعتبر «الفراغ الكاريكاتوري» الذي عاشته مصر في ربع القرن الأخير أدى إلى ظهور ما كان يسميه «الفكاهة النكوصية».
    واهتم اللباد على نحو لم يشاركه فيه فنان مصري آخر بأمرين، الأول هو التعريف بإنتاج رسامي الكاريكاتور العرب وتقديمهم في الزوايا الصحافية التي أتيح له تحريرها. إذ قدم ناجي العلي ويوسف عبدلكي وعلي فرزات ومحمد الزاوي ومؤيد نعمة وقاسي وعماد محجوب وخالد الهاشمي وغيرهم ممن لمعوا في الصحافة العربية. أما الأمر الثاني فهو الانشغال برسوم ومؤلفات الأطفال. وفي هذا السياق حاز الراحل جوائز محلية ودولية وعاش حياته منشغلاً بمدى تعبير الكتب الغربية المقدمة للطفل العربي عن قيم ثقافية لها حضورها في الثقافة الغربية. ولم يكن هذا الانشغال دليلاً على إيمان صاحبه بـ «هوية مغلقة» بقدر سعيه إلى تأسيس «هوية عربية منفتحة»، وهو أمر ظل في حاجة إلى ما كان يسميه «تكافؤ الفرص». وفي سياق هذا السعي أعطى اللباد في أعماله كرسام ومصمم مساحة كبيرة لحضور الموتيفات التراثية سواء كانت رسوماً شعبية أو موتيفات مصدرها «الحرف العربي» الذي نظر إليه دائماً كمصدر لا غنى عنه لأي فنان. كما كرس الكثير من وقته لكتابة دراسات مهمة حول سيرة الكتاب العربي المصور للأطفال، واستبدل نماذج (بات مان وسوبر مان) بأبطال السير الشعبية العربية مثل أبي زيد الهلالي والظاهر بيبرس.
    لا يمكن، خلال التعريف بمنجز محيي الدين اللباد ألا يتوقف المرء أمام صفة لازمته وهي انفتاحه الذكي على الكُتاب والرسامين من الأجيال الجديدة، وهو انفتاح جرى التعبير عنه في واحد من مؤلفاته الأخيرة وهو «يوميات المجاورة/ نظر 4»، ودوّن فيه تجربته في التعامل مع رسامين وكتاب شباب اجتمع بهم في ورشة عمل كسرت أساليب التعلم من طريق التلقين وراهن فيها على «فضيلة الحوار»، وهي فضيلة لازمته حتى النهاية.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
    «مئة رسم وأكثر» في مدرسة اللباد


    محمد خير
    هناك طريقتان لتعلّم كلّ شيء عن الفن التشكيلي. الأولى: الالتحاق بكلية الفنون الجميلة، والثانية: اقتناء موسوعة «نظر» لمحيي الدين اللباد... الرسام، ومؤلف كتب الأطفال، والتشكيلي، ومصمم الأغلفة، ورائد الغرافيك، والمعلّم. صمّم على اللحاق بركب الراحلين في عام 2010 الحزين. وهو كعادة الرواد لم يترك فقط الكثير من الفن، بل الكثير من المعرفة أيضاً، وطرائق رسم تحولت إلى ماركة مسجّلة باسمه: الخطوط الناعمة والتكوينات التي تصنع الألفة بعناصر لا رابط بينها، والأميرة الشعبية، والأيقونة الأميركية، والخط العربي، والملامح الأجنبية، والكائنات الحيوانية... كلها تصنع مزيجاً فريداً بتوقيع اللباد. رسوم نبع غناها من المعنى قبل الألوان.
    تفتّحت عيناه في حي القلعة، بجوار جامع السلطان حسن... ومنذ ذلك الحين امتزجت في وعيه التفاصيل الشعبية المصرية بالرسوم والصور التي كان يطّلع عليها في مجلة «الهلال» والمجلات الأجنبية. تفاعل المزيج على مهل، فعرف اللباد أنّه يبحث عن شيء جديد. دخل «كلية الفنون الجميلة» فدرس التصوير الزيتي، واستخدم التقنيات الحديثة لاستيعاب الأيقونات المصرية وأبطال السير الشعبية. اختزن الأدوات البسيطة التي يستخدمها المصري العادي في يومياته من تذكرة الترام إلى علبة الكبريت. لم يكن يعرف أنه سيصبح رائد تصميم الغرافيك في العالم العربي، وأسيحوز ألقاباً، لم يهتم بأن يحسبها لأنّه كان مشغولاً بالعمل لستّة أيام في الأسبوع، وبقي كذلك حتى رحيله.

    بدء الصراخ
    استخدم التقنيات الحديثة لاستيعاب الأيقونات المصرية وأبطال السير الشعبية

    تلاميذه أكثر من أن نحصرهم، لكن لا أحد استطاع أن يقلّده. لم تحدد عطاءه الموهبة الكبيرة فحسب بل ثقافة أكبر منها، ومرونة جعلته منفتحاً على ما ينتجه العالم من فنون ومدارس. أضاف على هذه المدارس من خبرته، وقدمها إلى قرائه في كتبه «نظر» (أربعة أجزاء)، و«مئة رسم وأكثر»، و«كشكول الرسام»، و«الخط العربي»، وغيرها... وكل كتاب من هذه الكتب حديقة رسم وكلمات ومعرفة للكبار وللصغار، إذ أدرك اللباد أن الرسم هو الفن الذي لا يعوقه عمر المتلقي.
    في مجلة «سندباد» التي كانت تصدرها «دار المعارف»، بدأ اللباد مشواره مؤلفاً ورساماً للأطفال. منح له الفرصة الرائد الكبير حسين بيكار. من هناك، انطلق ليملأ الصحافة والفن العربي رسماً وإبداعاً وتأسيساًَ أيضاً. من بين المؤسسات التي شارك في تأسيسها صحيفة «السفير» اللبنانية التي وضع الماكيت الأساسي لها، فضلاً عن «دار الفتى العربي» في القاهرة. وبين هذا وذاك، كان لا بدّ له من أن يمرّ عبر أهم مدرسة كاريكاتور عربية، مدرسة مجلة «صباح الخير» التي قدمت فنوناً لم تقدمها دول بأسرها.
    رحل محيي الدين اللباد، فلم تعد صناعة الغلاف وكتب الأطفال كما كانت قبله. لقد ترك في كل مجال خاضه زهرةً لا ينتهي عبيرها.





يعمل...
X