إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قصة العشاء الأخير - زكريا تامر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصة العشاء الأخير - زكريا تامر

    العشاء الأخير
    زكريا تامر

    تسكن عائلة الحواصلي وعائلة الخربوطلي في بيتين متجاورين، وتسود بينهما علاقات ودّية تجعلهما أشبه بأهل بيت واحد. ولكنّهما اختلفتا فجأة بسبب كلب اقتنته عائلة الحواصلي. واحتجّت عائلة الخربوطلي على وجوده قائلة: إنّ الكلب نجس، وأنفاسه تنجّس كلّ شيء في دائرة قطرها أربعون ذراعًا. فكان ردّ عائلة الحواصلي أنّ كلبها مطيع، مؤدّب، مهذّب، لطيف، مسالم، وديع، ذكي، لا ينبح ولا يعضّ، يلاعب الأولاد ويحرس البيت.
    وعندما تكاثرت احتجاجات عائلة الخربوطلي، سمعت من عائلة الحواصلي جوابًا باردًا صارمًا: الكلب كلبها والبيت بيتها، وهي حرّة تفعل ما تشاء، فاعتقدت عائلة الخربوطلي أنّها قد أهينت إهانة بالغة، وسارعت إلى شراء كلب شرس، يعضّ وينبح ليلاً ونهارًا، ويهاجم كلّ من يراه، ويحلو له كلّما خرج للتنزه في الحارة أن يرفع إحدى قائمتيه الخلفيتين ويبول على باب البيت الذي تسكنه عائلة الحواصلي التي نبهت عائلة الخربوطلي إلى ما يفعله كلبها كلّ يوم، فلم تتخذ عائلة الخربوطلي أي إجراء، واكتفت بالقول: إنّ الكلب مجرد حيوان ولا يمكن التفاهم معه، لأنّه لا يعرف اللغة العربية. فصبرت عائلة الحواصلي آملة أن تتبدّل الأحوال، ولكن لا شيء تبدّل، وبات بيتها ذا رائحة مقززة لا تطاق.
    وفي صباح يوم من الأيام، وجدت عائلة الخربوطلي كلبها مقتولاً، فحزنت عليه حزنًا شديدًا، ولكنّها لم تتهم أحدًا بقتل كلبها، وحرصت على أن تشيع الفقيد تشييعًا يعبّر عمّا تكنّ له من محبة، فوُضع الكلب في نعش غُطّي بحرير وردي اللون، وسار الرجال والأطفال وراء النعش بخطوات بطيئة وثياب سود منكسي الرؤوس بينما كانت النساء يطلقن الولاويل التي تندب من مات في عزّ الشباب وريعان الصبا.
    وبعد أسابيع من مصرع الكلب، دعت عائلةُ الخربوطلي عائلةَ الحواصلي إلى عشاء تعود فيه العلاقات الودية إلى سابق عهدها، فرحبت عائلة الحواصلي بتلك الدعوة ولبتها، وجاء إلى العشاء الرجال والنساء والأطفال وبرفقتهم كلبهم، فإذا الأبواب بعد دخولهم تغلق سرًّا وبإحكام شديد، ويهجم رجال عائلة الخربوطلي ونساؤها وأطفالها بالسكاكين على عائلة الحواصلي وكلبها، ويذبحون الجميع قبل إطعامهم، ويدفنونهم في حديقة البيت.
    وخلعت عائلة الخربوطلي الثياب السود، وأذاعت في الحارة نبأ مفاده أنّ عائلة الحواصلي اضطرت بغتة إلى السفر. ولكنّ بهجتها لم تستمر، ففي كلّ صباح تجد على باب بيتها ما يدلّ على أنّ كلبًا ما قد بال عليه في الليل، واستخدمت كلّ السبل لضبط الفاعل ومعرفته، فلم توفق. وزعم بعض السكارى والمقامرين ورواد الملاهي الذين يعودون إلى بيوتهم في آخر الليل أنّهم رأوا كلب عائلة الحواصلي يبول على الباب، فسُخر من زعمهم، فالكلب رحل برفقة عائلته المسافرة، وهو كلب مؤدّب ومهذّب، لا يمكن أن يبدر منه ما لا يليق .
يعمل...
X