إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أدونيس حكاية الإسم علي أحمد سعيد وعلاقته بزوجته خالدة سعيد ومسيرته الأدبية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أدونيس حكاية الإسم علي أحمد سعيد وعلاقته بزوجته خالدة سعيد ومسيرته الأدبية



    أدونيس حكاية الإسم وعلاقته بزوجته ومسيرته الأدبية
    مقدمة

    يقول باشلار: «لا يجوز أن نقرأ الشعر ونحن نفكر في أمر آخر. فما إن تتجدد الصورة الشعرية في إحدى ملامحها حتى تبدي براءة أولية».

    عندما تندفع «اللحظة الشعرية» يكف الزمن عن «الجريان»، «فيتدفق»، وتزول «أفقية الاستمرار المسطّحة» حيث يلي الحدث الحدث والإحساس الإحساس، والفرح الأسى والأسى الفرح، وتزول «الحقبة المتتالية» فيصبح كل شيء متزامناً، وهذه «اللحظة» متعدّدة الوجوه: فليس هناك تزامن واحد، بل تزامنات عديدة وُحِّد بينها عمودياً.

    والحال أن في هذه الدراسة المتواضعة نحتار من أين نبدأ وأين نقف. فالأدونيسية بحرٌ واسعٌ وأمواجه تزبد وترتفع وتتلاطم في ألق الشمس. واللحظة الشعرية في هذا الخضمّ تتاخم حدود النبوءة، والكلمة تصبح رؤيا، وإذ نلمح شاعراً ندرك أنه خلف الشاعر يكمن فيلسوف، وخلف الفيلسوف يكمن متصوف، وهكذا تجمع الأدونيسية الشعر والفلسفة والتصوف في كل واحد... ويلوح لنا في البعيد هذا العملاق الذي يُدعى أدونيس، ولاشك أن حب المعرفة يدفعنا أن نعرف شيئاً عن هذا العملاق.

    سيرة حياته

    أدونيس وزوجته
    تقول خالدة سعيد وهي زوجة أدونيس في زيارة لها إلى منزل زوجها حيث وُلِدَ وترعرع: «في الصباح خرجنا إلى الحقل، كأنما كنت أمشي في تاريخ أعرفه، الأم تحدّثني عن طفولته الأولى. عندما نتكلم تسميه أدونيس. هناك بدا اسم أدونيس عنواناً لحكايته وقصة انتقاله بما يشبه السحر من الحقل والقرية إلى مدرسة اللاييك في طرطوس. أخته الصغرى فاطمة تسميه أدونيس. أخته الكبرى ليلى، مثل شيوخ القرية لا تتخلى عن اسم علي، ولكنها لم تعد تسميه علّوشة ولا عُلَيْشة كما كانت تناديه تحبّباً في الصغر».


    حكاية الاسم أدونيس

    اسمه علي أحمد سعيد، وُلِدَ في سنة 1930 في قرية فقيرة تُدعى «قصابين» قرب مدينة جبلة في محافظة اللاذقية، وهي عبارة عن أكواخ من الحجر والطين هي ما نسميه بيوتاً هناك.

    يقول أدونيس: «صورة البيت مختصر للطبيعة. في الهواء الطلق: جدران من الحجر والطين، يغطيها سقف من الخشب. وكان البيت مقسوماً إلى جزأين: داخلي معتم لادخار المؤونة، حبوباً، وزيتاً وزيتوناً، على الأخص. وخارجي للجلوس والنوم والأكل والاستحمام والضيافة. في الشتاء كانت أمي تجلسني في طست كبير وتغسلني. كنت أصرخ وأبكي، خصوصاً عندما تدخل في عيني رغوة الصابون. وكانت تقول بهدوء: قلت لك أغمض عينيك، عندما أغسل رأسك».

    كان يذهب كل يوم حافي القدمين إلى «الكتّاب» أي الشيخ وهو معلّم القرية لكي يتعلّم القراءة والكتابة. وهكذا حتى الثانية عشرة من عمره لم يعرف مدرسة نظامية. وكانت أقرب مدرسة إلى القرية تبعد مسافة طويلة لا يقدر طفل في سنه أن يجتازها مرتين يومياً. وحتى هذه السن لم يشاهد سيارة ولم يعرف الراديو ولا الكهرباء وبالتالي لم يعرف المدينة. بعد أن أنهى تعلم الكتابة والقراءة عند شيخ القرية قرر والده أن يرسله إلى تلك المدرسة البعيدة في القرية المجاورة.

    يروي أدونيس في سياق حديثه عن طفولته أن ثمة نهر يفصل بين القريتين، وفي أحد أيام الشتاء لما كان عائداً من المدرسة إلى القرية تحت مطر غزير مع ابن مختار القرية وهو يكبره سناً، فقد أجفلهم رؤية النهر طائفاً وهادراً وعوضاً عن العودة إلى المدرسة فقد خاض الأكبر سناً ودعاه أن يخوض مثله، وإذّاك بدأ الماء يغمره حتى الصدر، ثم الكتفين ثم العنق وكان المطر شديداً وبمعجزة وصل إلى الضفة الثانية وكان عبور النهر مجازفة كبيرة والنجاة معجزة وعناية خفية.

    يقول أدونيس: «هذا النهر الذي كاد أن يأخذني معه إلى سرير النوم الأبدي، هو نفسه الذي كان يأخذ أيام طفولتي بين أحضانه، غدراناً، ومغاورَ، صخوراً وأعشاباً، أشجاراً ونباتاتٍ. كانت الألوان على ضفافه تتنوع وتتدرج، وكنت أمنحها عيني كأنني أمنحها للحلم. كنت أشعر أن وجودي بينها ليس إلا صورة، مزيجاً منها جميعاً».

    «كانت طفولتي تنسّماً لمجرى النهر، لضفافه، ولما حولها، ولما تحتضنه. كان طيفٌ يمسك بيدي، ويجري معي، نجلس تارة على صخرة، ونخوض تارة في مائه المحمول على بساط من الحصى والرمل. وكنا نتمرأى في غدرانه، وننظر بشغف إلى أسماكها الصغيرة، ونمد أيدينا نحوها، إليها، ونحسب أننا نحوّل الماء نفسه إلى طست كبير تلعب فيه مع أيدينا. ماذا أقرأ؟ سؤال كان شاغلي الأول، فيما كنت أتتلمذ، وأنمو. الشعر العربي القديم؟ أعرفه، وبه انجبلت طفولتي الأولى في القرية، وذلك بتوجيه أبي وسهره على تربيتي. كانت الحياة شعره الأول والأساس، أما شعره بالكلمات فكان عنده هامشياً. غير أنه كان قارئاً محباً للشعر، وبصيراً باللغة العربية وأسرارها. على يديه قرأت بشكل خاص، المتنبي وأبا تمام، والشريف الرضي والبحتري والمعري، وعشرات آخرين، في دواوينهم، أو في مجاميع شعرية، وبخاصة "الحماسة" لأبي تمام. إلى ذلك علّمني القرآن وتجويده».



    أدونيس ووالدته
    وهكذا فإن أيام أدونيس كانت تمضي وفي كل ليلة قراءةٌ للشعر وحده أي الشعر العربي القديم وكان ذلك بعناية والده وسهره على تربيته. كانت القراءة تتم بصوت عالٍ، وأمام ضيوف يحبّون السماع. ويذكر أدونيس أن القراءة لم تكن بالرأس وحده بل كان يقرأ بقلبه وحواسه وجسده كله.

    وبعد السماع كان يأتي امتحان الصرف والنحو. إعراب هذه الكلمة، هذا البيت، وذكر وجوه الخلاف هنا أو هنالك ثم يأتي امتحان المعنى، ما معنى هذا البيت؟

    كل ليلة تقريباً، كانت تتكرر القراءة. وكانت الكتب قليلة. وكانت غالباً تُستعار، وغالباً، لا تُردّ. وكان كل من يملك كتاباً في القرية مقامه يعلو ويرتفع.

    وهكذا مضت الأيام إلى أن أصبح عمره ثلاث عشرة سنة فراوده حلم يقظة رسم فيه الطريق إلى دخول المدرسة. وكان أن الرئيس الأول شكري القوتلي للجمهورية الأولى السورية بعد الاستقلال وزوال الانتداب (أي في عام 1943-1944) سيزور منطقة اللاذقية، ضمن برنامج زيارته للمناطق السورية. وهكذا فكّر أدونيس أنه سيكتب قصيدة يلقيها أمامه مرحباً، وأنها سوف تعجبه وسوف يطلب ليراه، وسوف يسأله عما يريد وحينئذ سيجيب أنه يريد التعلّم، وسوف يعمل على تحقيق هذه الإرادة. وهكذا كان بعد إصرار وإرادة جبّارة من قبل طفل بلغ هذا العمر الصغير. وبعد تقديمه القصيدة أمام رئيس الجمهورية دعاه الرئيس قائلاً له:

    - ماذا يمكن أن نقدّم لك؟ ماذا تريد؟
    - أريد أن أدخل المدرسة، أريد أن أتعلم؟
    - سنفعل ذلك اطمئن.

    هذا هو الحوار الذي بدأ بتغيير مسار حياة شاعرنا، فبعد حوالي أسبوعين جاء الدرك يبلغونه: «أنت مطلوب لكي تذهب إلى طرطوس، وتدخل المدرسة»، ودخل أدونيس مدرسة اللاييك بطرطوس على نفقة الدولة. بعد البروفيه تابع دراسته الثانوية في اللاذقية.

    أما حين اتخذ اسم أدونيس فقد كان في حوالي السابعة عشرة من العمر. لقد كان يكتب آنذاك نصوصاً شعرية ونثرية يوقعها باسمه العادي: علي أحمد سعيد، ويرسلها إلى بعض الصحف والمجلات آنذاك للنشر، لكن أياً منها لم يُنشر في أية صحيفة أو مجلة. ودام هذا الأمر فترةً، فاستاء وغضب، وأثناء ذلك للمصادفة وقعت في يده مجلة أسبوعية قرأ فيها مقالة عن أسطورة أدونيس: كيف كان جميلاً وأحبته عشتار، وكيف قتله الخنزير البري، وكيف كان يُبعث كل سنة في الربيع، فهزّتْه الأسطورة وفكرتُها وقرر أن يستعير من الآن فصاعداً اسم أدونيس ويوقّع به. وقال في ذات نفسه أن هذه الصحف والمجلات التي لا تنشر له، إنما هي بمثابة الخنزير البري الذي قتل أدونيس.


    وبالفعل كتب نصاً شعرياً وقّعه باسم أدونيس وأرسله إلى جريدة لم تكن تنشر له، وكانت تصدر في اللاذقية، وفوجئ أنها نشرتْه. ثم أرسل نصاً ثانياً فنشرته على الصفحة الأولى، أرفقها المحرر بإشارة تقول: المرجو من أدونيس، أن يحضر إلى مكاتب الجريدة لأمر يهمّه.

    فذهب إلى مكاتب الجريدة، وعندما دخل واستقبله أحد المحررين بدا عليه أنه لم يصدق أنه أدونيس، فدخل مسرعاً إلى رئيس التحرير وأخبره بحضوره. وحين دخل إلى غرفة رئيس التحرير بدا هو أيضاً كأنه غير مصدق، فقد كان ينتظر شخصاً بقامة رجل، فرأى أمامه قروياً، تلميذاً بسيطاً وفقيراً. ومنذ ذلك الوقت كان اسم أدونيس غالباً عليه.

    يقول أدونيس: «والحق أنني لم أكن أعرف حين اخترت هذا الاسم، أنه ينطوي على رمز الخروج من الانتماء الديني، القومي، إلى الانتماء الإنساني، الكوني، وأنه سيثير مثل هذا العداء في الأوساط الدينية، القومية. ولئن كان الأمر كذلك، فإن على هذه الأوساط أن تحذف آلاف الكلمات من معجم اللغة العربية، ومن لغة الحياة العربية اليومية، وأن تحذف كذلك عشرات الكلمات التي وردت في القرآن الكريم، والتي ليست من أصل عربي. لكن بالمقابل هناك اليوم عشرات العرب الذين يسمّون أبناءهم باسم أدونيس، من عدن حتى بيروت».

    وفي عام 1950 كانت المحطة الأخرى هذه المرة هي دمشق حيث دخل أولاً كلية الحقوق فأمضى قرابة السنة، ثم رأى أنه لا يستطيع المتابعة فيها فانتقل إلى كلية الآداب قسم الفلسفة، فقد كان يشعر أن قسم اللغة العربية لن يفيده شيئاً، لأنه كان يعرف مسبقاً لغة وشعراً ما سيدرسه فيها. لذلك اختار الفلسفة لعلها تفتح له آفاقاً فكرية جديدة عليه. ومع ذلك فإنه لم يتابع دراسته في هذا القسم بانتظام فقد كان عملُه يحول دون ذلك.

    وأثناء إقامته في دمشق انخرط في الحزب السوري القومي، وتعرّف إلى زوجته خالدة سعيد والتي كانت طالبة من خارج الجامعة وتدرُس في «دار المعلمات» في دمشق نفسها.

    في سنة 1954 نشر قصيدته الطويلة «الفراغ» في مجلة «القيثارة» أولى المجلات العربية الخاصة بالشعر في سورية وكانت تصدر في اللاذقية، وأخذت الأوساط الشعرية العربية تعترف به بدءاً من هذه السنة التي نشر فيها قصيدته هذه، وهي التي كانت نقطة الوصل بينه وبين يوسف الخال الذي كان قد قرأها وهو في نيويورك في الأمم المتحدة وأُعجِب بها كثيراً.

    لقد كانت سنة 1954 حافلةً، فهي السنة التي اختتم فيها دراسته الجامعية، وبدأ يهتم بقراءة الشعر السوري خاصة، فقد كان نزار قباني يملأ دمشق فهو الذي كان يعلّم الحياة اليومية كيف تتحول هي نفسها إلى قصيدة، وكان بدوي الجبل الصدر الذي يحتضن جسد الشعر العربي، وعرف فيه سلوكاً ينتظم فيه العقلُ والقلبُ وهو يقول فيه: «كان بدوي الجبل جبلاً، لكنه كان في الوقت نفسه موجاً». وكان عمر أبو ريشة يستدرج الواقع بقسوة حيناً وبلين حيناً، لكي يصير على مثال صوته نفير حرية وتحرر. وكان شاعر آخر هو نديم محمد الذي يعتبر مجموعته الشعرية من بين أهم المجموعات العربية في النصف الأول من هذا القرن. وبين الأصوات الشعرية التي كانت تجيء من خارج دمشق، كان صوت سعيد عقل، الأكثر حضوراً بالنسبة له.

    وهكذا فهذه السنة الحافلة هي السنة التي بدأ فيها بخدمة العلم أيضاً، وهذه المرحلة دامت سنتين أمضى منها قرابة السنة في كلية ضباط الاحتياط إلا أنه لم ينجح في هذه الكلية حيث جميع زملائه تخرجوا برتبة ضابط إلا هو تخرج برتبة رقيب أول. وأمضى قرابة السنة أيضاً منها في سجن المزة بدمشق وفي السجن العسكري بالقنيطرة، وذلك بسبب انتمائه للحزب السوري القومي الذي كان ممنوعاً آنذاك وقد تركه عام 1960.

    وفي سنة 1955، أخذ من إحدى المكتبات في حلب - حيث أمضى جزءاً من فترة خدمة العلم- مجموعاتٍ شعرية لشعراء فرنسيين بينهم رينيه شار وهنري ميشو وماكس جاكوب. ويقول أدونيس عن هذه المرحلة: «عملت هذه القراءة على تعميق الهوة، وتوسيعها بيني وبين الثقافة التي كانت تسود حياتنا. وكثيراً ما كان يُخيّل إلي أنني أسمع في داخلي صوتاً يقول لي: استمسك، اعتصم، وحاذر أن تسقط في أي شيء، إلا في نفسك، وعليك هنا أن تسقط عمودياً، وأن تسلك الطريق الأكثر رحابة، ما لا قرار له، وما لا ينتهي، إذ بدءاً من ذلك، تستطيع أن تهبط في أعماق الأشياء».







يعمل...
X