إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المبتدأ والخبر..محمد الماغوط

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المبتدأ والخبر..محمد الماغوط

    بعد أن أتى الجراد السياسي في الوطن العربي على الحاضر والمستقبل، يبدو أنه الآن قد التفت إلى الماضي، وذلك حتى لا يجد الإنسانالعربي ما يسند ظهره إليه في مواجهة الأخطار المحيطة به سوى مسند الكرسي الذي يجلس عليه، بدليل هذا الحنو المفاجيء على لغتنا العربية، وهذه المناحة اليومية في معظم صحف واذاعات المنطقة، على ما أصاب قواعدها من تخريب وما يتعرض له صرفها ونحوها منعبث واستهتار، حتى لم يعد احجنا يعرف كيف يقرأ رسالة أو يدوّن رقم هاتف.

    ومعاحترامنا لكل حرف في لغتنا، ومع تقديرنا لجميع ظروف الزمان والمكان في كل جملةومرحلة في الوطن العربي لا بد أن نسأل:
    ما الفائدة من الاسم إذا كان صحيحا... والوطن نفسه معتلاً؟
    أو اذا كانت هذه الجملةأو تلك مبنية على الضم أو الفتح ... والمستوطنات الاسرائيلية مبنية أمام أعيننا على جثث التلاميذ والمدرسينالفلسطينيين.
    ثم، لم وجدت اللغة أصلاً في تاريخ أي أمة؟ أليس من أجل الحواروالتفاهم بين أفرادها وجماعاتها؟
    فأين مثل هذا الحوار الآن فيما بيننا؟
    هلهناك حوار مثلا بين التاجر والزبون؟
    بين العامل ورب العمل؟
    بين المالكوالمستأجر؟
    بين الراكب والسائق؟
    بين المحقق والمتهم؟
    بين الابنوالأب؟
    أو بين الزوج والزوجة؟
    أيضاً لم تعد هناك حاجة لأن تسأل عن أي شيء، أوتجيب على أي شيء. فالأسعار، مثلا في السينما، مكتوبة في كل بطاقة، وفي المستشفى،فوق كل سرير. وفي المطعم، في كل فاتورة، وكل ما حول المواطن العربي أصبح سعرهواضحاً ومعروفاً ومكتوباً على جميع جوانبه، من الألبسة والأحذية والفاكهة والخضرواتوالبيوت والبارات والمزارع والعقارات إلى الرياضيين والمطربين والكتاب والصحفيين. ولم يبق إلا أن يكتب على الشعوب سعرها ومنشؤها ومدى صلاحيتها للاستعمال.
    والأهممن كل هذا وذاك: هل هناك حوار بين السلطة والشعب في أي زمان ومكان في هذاالشرق؟
    فأي مسؤول انكليزي، مثلاُ، عندما يختلف في الرأي مع أي كان في محاضرة أومناقشة في بلده يأتي بحجة من شكسبير لاقناع مستمعيه.
    والايطالي يأتي بحجة مندانتي.
    والفرنسي يأتي بحجة من فولتير.
    والألماني يأتي بحجة من نيتشة.
    أماأي مسؤول عربي فلو اختلف معه حول عنوان قصيدة لأتاك بدبابة فتفضل وناقشها.
    ولذاصار فم الإنسان العربي مجرد قنّ لايواء اللسان والأسنان لا أكثر. وفي مثل هذهالأحوال:
    ماذا يفعل حرف الجر المسكين أمام حاملة طائرات مثلاً؟
    أو الفتحةوالضمة أمام مدفع مرتد يتسع لمجمع لغوي؟
    وما دام الحوار الوحيد المسموح به فيمعظم أرجاء الوطن العربي هو حوار العين والمخرز فلن ترتفع إلا الأسعار.
    ولن تنصبإلا المشانق.
    ولن تضم إلا الأراضي المحتلة.
    ولن تجر إلا الشعوب.
    لذلك كلماقرأت أو سمعت هذا أو ذاك من الشعراء والصحافيين أو المذيعين العرب "يجعجع" عنالديموقراطية والعدالة والحرية، وينتصر على الصهيونية ويقضي على التخلف، ويتوعد هذاويهدد ذاك، وهو جالس في مقهاه، أو وراء مذياعه، لا أتمنى سوى تأميم اللغة العربيةمن المحيط إلى الخليج وتكويمها في بيدر أو ساحة عامة في قلب الوطن العربي، وتكليفموظف مختص وراء أذنه قلم وأمامه سجل بجميع الكتاب والشعراء والأدباء العرب ويناديعليهم بأسمائهم ويسألهم فرداً فرداً:
    - أنت أيها الشاعر التقليدي كم كلمة منأمثال: رماح، رمال، جراح، بطاح، تريد؟ تفضل مع السلامة.
    - وأنت أيها الشاعرالحديث، كم كلمة من أمثال: تجاوز، تخطي ابداع، تأنس، تريد؟ تفضل مع السلامة.
    - وانت أيها المذيع العصبي، كم كلمة من أمثال: " في الواقع "، " في الحقيقة "،و"جدلية" ، و"شمولية"، و" نظرة موضوعية " و" قفزة نوعية " ، تريد؟ تفضل مع ألفسلامة.
    - وأنت أيها المناضل والمتطرف والمتفرغ لكل محاضرة وندوة ومناسبة، كمكلمة من أمثال: دم، دماء، استعمار، امبريالية، شعوب، "وحدة الشعوب "، " وحدة المصير "، كوبا، نيكاراغوا، وكم مناقصة فوقها تريد؟ تفضل ومع ألف سلامة.
    فقبل احتراماللغة يجب احترام الانسان الذي ينطق بها.
يعمل...
X