إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

كيف تصنع الأحلام -3-

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيف تصنع الأحلام -3-

    أجل الأمنيات بذور... و لكنها لا تصبح أشجاراً عظيمةً مثمرة إلاَّفي النفوس العظيمة و برعاية المعلِّم العظيم:

    وفي هذا المقام يتساءلالعلامة المرحوم أبو الحسن الندوي رحمه الله: كيف حوّل النبي صلى الله عليه وسلمكثيراً من شخصيات الجاهلية (الخام) إلى أبطال ورواد في التاريخ، يتطلعون إلىالأحلام والأمنيات العالية، فيطرح السؤال بالصيغة التالية: كيف حوّل النبي صلى اللهعليه وسلم خامات الجاهلية إلى عجائب الإنسانية؟

    فيجيب الندوي قائلاً: بهذا الإيمان الواسع العميق، والتعليم النبوي المتقن،وبهذه التربية الحكيمة الدقيقة، وبشخصيته الفذة، وبفضل هذا الكتاب السماوي المعجزالذي لا تنقضي عجائبه، ولا تَخلق جدته، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيالإنسانية المحتضرة حياة جديدة.

    عمد إلى الذخائر البشرية وهي أكداس من المواد الخام لا يعرف أحد غناءها، ولايعرف محلها وقد أضاعتها الجاهلية والكفر والإخلاد إلى الأرض، فأوجد فيها بإذن اللهالإيمان والعقيدة، وبعث فيها الروح الجديدة، وأثار من دفائنها وأشعل مواهبها، ثموضع كل واحد في محله، فكأنما خُلق له، وكأنما كان المكان شاغراً لم يزل ينتظرهويتطلع إليه، وكأنما كان جماداً فتحول جسماً نامياً وإنساناً متصرفاً.

    وكأنما كان ميتاً لا يتحرك فعاد حياً يملي على العالم إرادته، وكأنما كان أعمىلا يبصر الطريق فأصبح قائداً بصيراً يقود الأمم: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاًفَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْمَثَلُهُ فِي الظُّلُمَات (الأنعام: من الآية 122)

    نماذج من نبات النفوس الطيبة بعد أن وقع عليها ماء السماء و حرَّكهانحو تحقيق أمنياتها:

    يقول العلامة الندوي رحمه الله تعالى: لقد عمدرسول الله صلى الله عليه و سلَّم إلى الأمة العربية الضائعة وإلى أناس من غيرها فمالبث العالم أن رأى منهم نوابغ كانوا من عجائب الدهر وسوانح التاريخ، فأصبح عمر الذيكان يرعى الإبل لأبيه الخطاب وينهره، وكان من أوساط قريش جلادة وصرامة، ولا يتبوأمنها المكانة العليا، ولا يحسب له أقرانه حساباً كبيراً، إذا به يفجأ العالمبعبقريته وعصاميته، ويدحر كسرى وقيصر عن عروشهما، ويؤسس دولة إسلامية تجمع بينممتلكاتهما وتفوقهما في الإدارة وحسن النظام فضلاً عن الورع والتقوى والعدل الذي لايزال فيه المثل السائر.

    وهذا ابن الوليد الذي كان أحد فرسان قريش الشبان انحصرت كفاءته الحربية فينطاق محلي ضيق، يستعين به رؤساء قريش في المعارك القبلية فينال ثقتهم وثناءهم، ولميحرز الشهرة الفائقة في نواحي الجزيرة، إذ به يلمع سيفاً إلهياً لا يقوم له شيء إلاحصده، وينزل كصاعقة على الروم ويترك ذكراً خالداً في التاريخ.

    وهذا أبو عبيدة كان موصوفاً بالصلاح والأمانة والرفق، فإذا به يقود سراياالمسلمين، ويتولى القيادة العظمى للمسلمين، ويطرد هرقل من ربوع الشام ومروجهاالخضراء، فيلقي هرقل عليها نظرة الوداع ويقول: سلام على سورية، سلاماً لا لقاءبعده.

    وهذا عمرو بن العاص كان يُعَدُّ من عقلاء قريش، وكانت ترسله في سفارتها إلىالحبشة لتسترد المهاجرين المسلمين فيرجع خائباً، إذا به يفتح مصر وتصير له صولةعظيمة.

    وهذا سعد بن أبي وقاص لم نسمع به في التاريخ العربي قبل الإسلام كقائد جيشورئيس كتيبة، إذا به يتقلد مفاتيح المدائن، وينيط باسمه فتح العراقوإيران.

    وهذا سلمان الفارسي كان ابن موبذان في إحدى قرى فارس، لم يزل يتنقل من رق إلىرق، ومن قسوة إلى قسوة، إذا به يطلع على أمته كحاكم لعاصمة الإمبراطورية الفارسيةالتي كان بالأمس أحد رعاياها، وأعجب من ذلك أن هذه الوظيفة لا تغير من زهادتهوتقشفه، فيراه الناس يسكن في كوخ ويحمل على رأسه الأثقال.

    وهذا بلال الحبشي يبلغ من فضله وصلاحه مبلغاً يلقبه فيه أمير المؤمنينبالسيد.

    بالأماني الكبيرة و بالمآثر العظيمة ترتقي مراتبالرجال:

    وهذا سالم مولى أبي حذيفة يرى فيه عمر موضعاً للخلافة فيقول: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لاستخلفته.

    وهذا زيد بن حارثة (وقد كان مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم) يقود إلىمؤتة جيش المسلمين الذي فيه مثل جعفر بن أبي طالب وخالد بن الوليد، ويقود ابنهأسامة جيشاً فيه مثل أبي بكر و عمر.

    و هذا أبو ذر، والمقداد، و أبو الدرداء، و عمار بن ياسر، و معاذ بن جبل، و أبيبن كعب، تهب عليهم نفحة من نفحات الإسلام، فيصبحون من الزهاد المعدودين، والعلماءالراسخين.

    وهذا علي بن أبي طالب، وعائشة، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وعبد اللهبن عباس، قد أصبحوا في أحضان النبي الأمي صلى الله عليه وسلم من علماء العالم،يتفجر العلم من جوانبهم، وتنطق الحكمة على لسانهم، أبرّ الناس قلوباً، وأعمقهمعلماً، وأقلهم تكلفاً، يتكلمون فينصت الزمان، ويخطبون فيسجل قلمالتاريخ.

    أجل الأماني بذور النجاح و لكنَّ العملَ و الاجتهاد هما ماؤها وغذاؤها :

    ومن الأهمية هنا أن ندرك كذلك أن الأمنيات والأحلام ليستنهاية المطاف، بل هي بداية الطريق، ولذا ينبغي أن يتبعها عمل وجد واجتهاد، وإلافإنَّ هذه الأمنيات لن تعدوَ أن تكونَ مخدِّراتٍ لا خير فيها.

    ولذا يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه لابنه الحسين رضي الله عنه: "إياكوالاتكال على المنى فإنها بضائع النوكى".

    ويقول فرانسيس بيكون: الأمل إفطار جيد، لكنه عشاء سيء.

    ويقول المثل التركي: من يتكل على الأمل يمت جوعاً.

    كما ويحسن بالمرء أن يبادر في الاهتمام بأمنياته وأحلامه، وأن يرفع من قيمتهاإذا ما أراد صناعة التأثير وهندسة الحياة، وذلك حتى لا يمضي الوقت وتمر الأياموينقضي العمر وعندها يعض أصابع الندم على ما فات، ويتمنى أن يفعل شيئاً مؤثراً ولكنيوم لا ينفع الندم ولا تجدي الأمنية.

    عجوز تمنت أن تكون صبية وقد نحل الجنبان واحدودب الظهر.. فسارت إلى العطارتبغي شبابها وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر.

    إذا تمنيت فبادر الآن و تمنَّ ما يسرك غداً و تمنَّ ما يرضي الخالق و ليس مايرضي النفس والشيطان: لما احتضر الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان سمع غسالاً يغسلالثياب، فقال: ما هذا؟ قالوا: غسال، فقال: يا ليتني كنت غسالاً أكسب ما أعيش بهيوماً بيوم، ولم ألِ الخلافة، ثم قال:

    لعمري لقد عمرت في الملك برهة ودانت لي الدنيا بوقع البواتر
    وأعطيت حمرالمال والحكمَ والنهى ولي سلَّمت كل الملوك الجبابر
    فأضحى الذي قد كان مما يسرنيكحلم مضى في المزمنات الغوابر
    فيا ليتني لم أعن بالملك ليلة ولم أسع في لذَّاتعيش نواضر
    قيمة المرء ما يحسنه
يعمل...
X