إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بسام جبيلي يعزف موسيقا بصرية في صالة الشعب - سَهَف عبد الرحمن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بسام جبيلي يعزف موسيقا بصرية في صالة الشعب - سَهَف عبد الرحمن

    بسام جبيلي يعزف موسيقا بصرية في صالة الشعب

    سَهَف عبد الرحمن
    من يعرف الفنان التشكيلي بسام جبيلي لن يستغرب ما شاهده في معرضه الأخير، فلدى هذا الفنان هاجس الأسئلة البصرية التي تمتد إجاباتها لتملأ مساحة الستين من العمر، دائم البحث والانشغال، عندما لا يرسم تراه يُقلّب صفحات العالم بحثاً عن لوحة من عصر النهضة فرَّت من ذاكرته، أو عن فنان لم يقرأ عنه ما يكفي، مكتبته اتسعت لكلِّ اهتماماته، وفي رأسه من الموسيقا الكلاسيكية ما يكفي لإشباع عصافير القبة الزرقاء. وإن نظرتَ تحت نظَّارتِهِ ستُدهِشُكَ تلك الطفولة وعمق الروح واتساعها. في معرضه الذي أقيم مؤخراً في صالة الشعب بدمشق مجموعة من اللوحات المطبوعة والمشغولة بتقنيات الكمبيوتر الغرافيكية التي سنحاول في الأسطر التحليلية الآتية الوصول من شكل العمل إلى عمقه المعرفي.
    الإيقاع البصري
    في الشكل الفني: ينتمي المعرض شكلياً إلى اتجاهات ما بعد الحداثة من حيث التكنيك والمعالجة لا من حيث القيم والمفاهيم الأساسية، فقد حافظ الفنان على مفاهيم التصوير، وأكَّدها في الكثير من اللوحات وإن دخلت بعضها في الإيهام نتيجة التكنيك الرقمي المستخدم، فمثلاً لم يغب السطح التصويري عن الكثير من اللوحات، إذ تنتقل العين من سطح إلى آخر مختلف بالخامة والمعالجة، فمن الخيش إلى الرمل إلى القماش إلى ضربات الفرشاة العريضة إلى استخدام البخ والتنقيط، تنوَّعت السطوح الافتراضية والمعالجة للوحة، وأكثر ما يلفت الانتباه في اللوحات هو التجريب على الإيقاع البصري وتعدُّد أشكاله، فغالباً ما تبدأ اللوحة بإيقاع رتيب تتساوى وحداته وفتراته لينقلك هذا الإيقاع إلى سطوح لونية متراكبة بمنظور لولبي يودي بك إلى بؤرة العمل لتجد عينيكَ لا تستطيع الخروج ببساطة من فضاء العمل المحكم الدراسة والبناء. أما على صعيد اللون، امتازت لوحات المعرض باستخدام مجموعات لونية متنوعة وغنية، ساهم في هذا الأداء اللوني سهولة التعاطي مع المادة اللونية والتجريب الذي سمح به استخدام الألوان الضوئية لجهاز الكمبيوتر، وجاءت الإضاءات لتُشكِّل وسيطاً بين مجموعة الألوان وانتقالاً هارمونياً لعين الناظر ضمن السطح اللوني والسطح المجاور، أمّا على صعيد الخطوط فقد غاب الخط المستقل الذي يرسم الأشكال ويُحدِّد صياغتها، واستعاض عنه الفنان بالخط الناتج عن تراكب سطحين لونيين مما أكد الإيقاع مرة أخرى، أن طريق معرض «جبيلي» يمرُّ من العين إلى العقل إلى مركز الاستماع ليتحوَّل من شكل بصري إلى نوتات موسيقية تشتغل في منطقة الاستماع فتُشكِّل تحدِّياً لمتلقٍ كلاسيكيٍ لم يعتد أن يفهم اللوحة خارج إطار المشاهدة، ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا لو كانت هذه الأعمال منفَّذة بتقنية التصوير الزيتي؟ هل ستفقد شيئاً من كينونتها غير الإشكالية التي تطرحها نتيجة استخدام الأداة الرقمية في تنفيذها؟ كما أن علاقتها بالغرافيك المطبوع ( الحفر على الحجر أو المعدن) لا تتعدَّى أن اللوحة الناتجة عن كليهما لوحة مطبوعة، فالأعمال مخلصة لقيم ومفاهيم التصوير الزيتي، ولا يتوافر فيها قيماً غرافيكية، لا من خلال المعالجة أو الحساسية أو القيم اللونية، ما يجعل الأعمال تحمل إشكالية في الشكل يُبرِّره المعنى البصري الذي أراده الفنان.
    إضمار الجمال
    في المعنى البصري: من يشاهد المعرض يلاحظ خلوِّ اللوحات من أي موضوع باستثناء لوحتين أو ثلاث لوحات، ما إن أخذت طريقها إلى شكل موضوعي حتى هرب منه الفنان مؤكداً عزمه على التجريد المطلق، فلا وجود لإيحاءات شكلية تأخذ العين إلى مقاربة موضوعية تستطيع أن تُشكّل من خلالها معنىً معتاداً أو طرحاً علائقياً يُسهّل عملية التواصل ويُقدِّم مفاتيح اللوحة للتلقي ولأنّ المعرض يندرج في التجريد المطلق ويخلص له، نستطيع أن نطارد مجموعة من الأفكار المجردة السابحة في فراغ إيحائي والمفضية إلى نوتات من الموسيقا الكلاسيكية التي تحوَّلت إلى إيقاعات لونية وبنائية ترسم بعداً رابعاً زمنياً عن الطريق الإيحاء بالعمق، إذاً فاللوحات عبارة عن موسيقا بصرية تضمر الجمال الخالص كمقولة ومعنى، غير معنية بالمقولات الفكرية والفلسفية وتشتغل في مساحات الجميل والرائع، لا في مساحات المفيد والضروري، بحيث يكون الجمال غاية ومعنى، ولا يحتاج لروافع أخرى تجعله مبرراً ومقبولاً. في ضوء ذلك نجد أن الفنان «جبيلي» قد استبطن الموسيقا وأعاد إنتاجها من ظاهرة صوتية إلى أشكال بصرية تفترق عن الموسيقا بالشكل وترتبط معها بالمعنى، أي إن الشكل الفني قد تغيّر وبقي المعنى الجمالي مشتركاً.


يعمل...
X