تويت
وجه ضاحك بشدة!
عصام درويش
من حسن حظنا كتشكيليين، وأيضاً كمتذوِّقين للفنون، أننا نعيش في زمن تتواجد فيه وتتعايش كل الأساليب والاتجاهات والرؤى التي ابتكرتها البشرية خلال تاريخ طويل من البحث والتنقيب في احتمالات الشكل والضوء واللون، وأيضاً في احتمالات تمظهر الداخل الإنساني عن طريق دراما الصورة.عصام درويش
ورغم التطور السريع للتذوق، المفاجئ في كثير من الأحيان، والذي يجعلنا نتعصَّب لاتجاه أو أسلوب في الفن دون غيره، نعوّض التنوُّع الطبيعي في المزاج البشري الذي تقوده غالباً شيفرتنا الوراثية الصلبة، ويحرف الأمور باتجاه قبول وإعجاب وتذوق أكثر شمولاً وأوسع أفقاً. وهو ما جعل بالإمكان تواجد هذا الكم من الفنون وطرق تعبيرها المتنوِّعة في زمننا دون أن يتمكَّن أحدها من ادِّعاء أحادية تمثيل العبقرية الكاملة، أو الوصول إلى الحقيقة المطلقة في اجتراح حلول الشكل والمعنى.
ومع أن هناك حقيقة راسخة تتمثل في سيطرة مدرسة أو أسلوب أو طريقة عمل خلال فترة تاريخية محددة، كما حصل مثلاً في زمن الانطباعية أو التكعيبية أو السريالية.. إلا أن أحداً لم يَدَّعِ، حتى في أشد مراحل التعصب قوة، أن الأساليب والمدارس الأخرى قد اختفت ومُسِحت وكأنها لم تُوجَد، بل إن مقاومة بعض الاتجاهات وتطويرها لنفسها وخضوعها للتحديث عن طريق مبدعين جدد، خَلقَ قفزات عملاقة أعادتها من جديد إلى واجهة الحدث الثقافي الأبرز في مجالها، كما جرى بشكلٍ معاصر مع الواقعية بفروعها المختلفة والتعبيرية وتنويعاتها العصيَّة على الحصر.
ففي سورية على سبيل المثال، مرَّ وقت تركَّز خصوصاً في الستينيات، نظر فيه إلى الفنان الذي لا يعمل بالأسلوب التجريدي، الذي اعتُبِر كمثال أعلى لتطور الفن، وكأنما هو معارِضٌ للحداثة نفسها. في حين يُنظر الآن للتجريد كاتجاه أكل الزمن عليه وشرب. الشيء الذي يمكن أن يُعزِّز فكرة أنه في موضوع الفنون بالذات، المهم ليس الاتجاه أو الأسلوب أو المدرسة بحدِّ ذاتها، بل مقدار المطابقة فيها بين الكلام والتصريحات والنظريات، على أهمية كل منها، مع المقدَّرات الفنية والتقنية الحقيقية، وأنه مهما حاولنا التعصب لتجربة بعينها مدَّعين عبقريتها المطلقة، يطلُّ علينا التاريخ من بعيد على شكل وجه مبتسم، وفي أحيان كثيرة على شكل وجه ضاحك بشدة.