إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

العمر شبكة صيد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العمر شبكة صيد

    وقف المحاضر أمام المتدرِّبين و قال: حسناً لقد انتهينا من الكلام النظري الممل وحان الوقت لتقديم مثال عملي ممتع فما هو رأيكم؟... و دونَ أن ينتظر الإجابةالمعروفة نزل تحت طاولته و أخرج دلواً فارغاً و دلواً آخر ممتلئاً إلى حافتهبأحجارٍ كبيرة يبلغ الواحد منها حجم البرتقالة تقريباً....

    وضع المحاضر الدلوين على طاولته ثم بدأ يتناول الأحجار الكبيرة وينقلها إلى الدلو الفارغ حتى انتهت...

    ما قولكم الآن يا سادة هل امتلأالدلو؟... من الواضح انه امتلأ يا أستاذ!

    لا يا سادة... ما زال فيه متسعٌكبير! و تناول الأستاذ من تحت الطاولة دلواً آخر فيه حصياتٌ صغيرة بحجمالفول.

    و بدأ يصبُّ منها فوق الحجارة الكبيرة و يرجُّ الدلو حتى امتلأ الدلومجدداً بالحصيات الصغيرة إلى حافته تماماً.

    و الآن تظنونه امتلأ؟ لابالتأكيد! و نزل المعلِّم تحت طاولته و تناول دلواً مليئاً بالرمل الناعم و بدأيصبُّ الرمل فوق الحجارة الكبيرة و الحصى و يرج الدلو و يطرقه بقبضته حتى امتلأتماماً و أخذ الرمل المصبوب يتدفق إلى الخارج... حسناً يكفي هذا لقد اقتنعتُ أناقبلكم بأنه ممتلئٌ و لا يقبلُ ذرةً إضافية.

    أيها السادة انتهى الجزء الأولمن لعبتنا و نصلُ الآن إلى الجزء التالي!

    لدي هنا ثلاثة دلاء تحتوي كثيراًمن الرمل و الحصى، وكميةً من الأحجار الكبيرة تطابق الكمية التي وضعناها في الدلوالذي ملأته بنفسي، و أريد الآن متطوعاً منكم ليحاول ملأ هذا الدلو الفارغ بها و لكنبترتيبٍ مختلفٍ عن الترتيب الذي اتبعته! و الشرط الوحيد المطلوب هو أن يتسع الدلولكل الأحجار الكبيرة أو لمعظمها!

    تفضل يا عزيزي هذه هي المواد و هذا الدلوالفارغ و ابدأ عملك الآن!

    بدأ المتدرب يصب الرمل قليلاً قليلاً و بينما هومستغرقٌ في صبِّ الرمل صاح الحاضرون توقف! يكفي يكفي! ألا تفكر أين ستضع الحجارة والحصى؟! توقف المتدرب و صبَّ قبضةً أو اثنتين من الحصى ثم وضع اثنين من الأحجارالكبيرة و أخذ يطرق الدلو و يصفعه و يدقه على الطاولة و يرجه رجاً عنيفاً حتى تغوصالأحجار في الرمل و لكن دون فائدة...

    تركه المحاضر يحاول و يحاول و عندمابدا عليه الإنهاك و العجز تقدم المحاضر لينقذه من المأزق... شكراً يا سيدي! هذا يايكفي، بإمكانك أن تعودَ إلى مقعدك!... توقف أرجوك! نعم أنا طلبتُ منك ملأ الدلو ولكن دون أن تحطم الطاولة أو تؤذي نفسك!... و هكذا عاد المتدرب مهزوماًمحرجاً...

    امتحان الوقت إجباري على كل مخلوق...
    ركِّز على الأسئلة المهمةإذا أردت النجاح حقاً!

    أيها السادة إذا طلبتُ منكم متطوعاً جديداً لملء هذاالدلو فبإمكانه أن يعتذر و لن يكلفه ذلك شيئاً!...

    و لكن أخبروني باللهعليكم من يستطيع الاعتذار و الإحجام عن واجبات الحياة دونَ أن يدفع الثمنغالياً؟

    إن وقتنا وأعمارنا هي بمثابة هذا الدلو الفارغ. و أما الرمل و الحصىو الأحجار فهيَ الأعمال و الواجبات المتفاوتة في حجمها وأهميتها و قيمتها!... والآن من منكم يستطيع أن يخبرنا بالمغزى من هذه اللعبة؟

    رفع أحد المتدربينصوته و قال بفخر: مهما كانت جداول أعمالك ممتلئة فإن بإمكانك دائماً أن تجد فراغاًتنجزُ فيه المزيد من الأعمال!...

    ابتسم الأستاذ و قال: لا يا سيدي أشك فيذلك! فنحن لسنا بخالدين. و إذا افترضنا أن مشاريع الإنسان و خططه كاملةٌ لا نقصَفيها، فإننا لا نستطيع أن ننسى أن طاقته على التنفيذ محدودة! و أما مقصدي من لعبةالوقت هذه فهو التالي: أجل يمكنك ملأ الدلو كلِّه بالرمل أو بالحصى و لكن هل الرملو الحصى هي المطلب الأهم لملأ دلوك؟

    ثمَّ ماذا تغني عنك معرفتك إذا كنت تعرفقيمة الأحجار الكبيرة و لكنك مع ذلك خضعت لإغراء أو إكراه صبِّ الرمل و الحصىالصغيرة فبدأت بها و امتلأ الدلو إلى حافته و أنت لم تبدأ بعدُ بملء الأحجارالكبيرة؟

    عندما حاول زميلكم ملء الدلو مبتدئاً بالرمل و الحصى فإنه لم يجدمكاناً للأحجار الكبيرة في النهاية مع أنه يرى الدلو أمامه و يستطيعُ تقدير سعته... و الآن كم ستكون الكارثة هائلةً إذا انزلقنا إلى ملءِ حياتنا و أوقات مشاريعنابالتوافه السهلة المرغوبة أو المهمات الفرعية الفورية النتيجة و نحنُ لا نعرف متىينتهي أجلنا فتنقطع الآمال المؤجَّلة، و لا ندري متى تتغير ظروف حياتنا و عملنافتتبخر الأحلام المسوَّفة!

    إذا لم تبدأ بملأ الأحجار الكبيرة في دلوك أولاًفلن تستطيع وضعها فيه أبداً! و إذا لم تركِّز على المهمات الأساسية بدايةً فلنتستطيع أداءها حتماً و لو عشتَ آلاف السنين... لأنَّ ما تقذفه إليك الحياة من مشاغلجانبية أو ملاهٍ ممتعة أو مصاعب قاهرة يصدرُ عن نبعٍ دائم التدفق يمكنه أن يملأعمرك كله و أعمارَ أجيالٍ و شعوبٍ بأسرها!

    استعمل غربال النجاحالمستقبلي الدائم لتمييز المطالب الجديرة بوقتك و جهدك

    أعزاءناالقراء: قد يكونُ أحدنا طالباً في مدرسته أو مديراً في مؤسسته أو عاملاً في مصنعهأو ربة منزلٍ في بيتها و بين أبنائها و لكننا جميعاً لا نستغني عن الغربال لتحقيقالنجاح المؤكَّد في كل تلك المواقع!

    احمل في ذهنك غربالاً و اضبط قياس شبكتهعلى قياس قيمك و واجباتك الرئيسية اللازمة لتأسيس النجاح في موقعك و ضمنَ ظروفكالخاصة. و عندما تهاجمك الحياة أو ظروف العمل بفيضانها الهائل من الملاهي أوالمشاغل أو الواجبات المفاجئة فلا تجزع و لا تحاول التصدي لها جميعاً بل تريَّث ومرِّرها من الغربال بكل بساطة!...

    انظر في المهمات الكبيرة المتبقية فقط فهيالتي تكفلُ لك بناء النجاح في المستقبل و زراعة عمرك بالمنجزات المعمِّرة، و لاتفكر في أي مطلبٍ صغير يمرُّ من شبكة الغربال مهما بدا إنجازه سهلاً أو مغرياً أوممتعاً و مهما بدا الإعراضُ عنه أو تأجيله محرجاً لك أو للآخرين! قل لا و لا تقلقفأنت على حق و نور! أجِّله أو ارفضه و أنت الناجح في النهاية بالتأكيد... و هلهناكَ أنجح ممن يعرف بماذا يملأ عمره و كيف يزرعه!

    افعل ما ينبغي فعله مهماكان صعباً و لا تنصرف إلى ما يحلو أو يتاحُ فعله لأن ثمرة الجهد هي الأحلى و هيالأوفر، و لأن شرف المحاولة وحده هو أغلى و أرقى من أي نجاحٍ سرابيِّ رخيص... أجل! في البداية يبدو عمل المزارع في الأرض الجديدة جهداً عقيماً بعيدَ الغاية، قد يصلإليه و قد لا يصل! و يبدو التقاط الثمار المتساقطة أو ترصُّدُ الفرص العابرة عملاًذكياً مربحاً و مريحاً. و لكن انظر إلى النهاية!...

    انظر إلى وفرة ثمارالأشجار و جودتها و لاحظ كيف يرفع رأسه من يقطف ثمار أشجاره قطفاً و ينتقيهاانتقاءً و كيف يبقى مرغماً على الانحناء إلى الأرض من يلتقطها التقاطاً سهلاًسريعاً...

    تعلم كيف تحضر كوكتيل اللعب و الجد و تناولهكلَّيوم!

    انتهى المدرب من بيان العبرة و ضجت القاعة بالتصفيق... و لكنهابتسم و قال انتظروا يا سادة لم ننته بعد!

    ثم أخرج من تحت الطاولة زجاجةعصيرٍ كبيرة و سكبها كلها فوق الدلو الممتلئ بالأحجار و الرمل دون أن تفيضَ منهاقطرةٌ واحدة. ثم هتف مسروراً : الآن امتلأ الدلو حقاً! و الآن رأينا أن البدءبالمهمات الكبيرة هو الذي يتيح لك أن تقوم بين الحين و الآخر بكل النشاطات اللذيذةالتي ترغبُ فيها و أن تستمتع بها حقاً دون أيِّ خوفٍ أو قلق!

    يا سادة! لوأنني حاولتُ ملأ الدلو بالعصير أولاً ثم صببتُ فوقه الرمل و الحصى فإن ذلك لا يعنيفقط العجز عن وضع الأحجار الكبيرة في النهاية، بل يعني أيضاً أن كثيراً من هذاالشراب اللذيذ سيفيض خارج الدلو و تصبح حلاوته خيالاً فانياً لا سبيلَ إلىاستعادته.

    أجل! حقق رغباتك لتعيش حياتك... و لكن إياكَ أن تعيش حياتك لتحقيقرغباتك لأنك إن فعلت خسرتهما معاً
    خلاصة استراتيجية من مدرسةالنبوة

    عزيزي القارئ إن محورَ القصة السابقة هو من أشهر الأمثلةالتدريبية العالمية و لا نعرف بالضبط من هو المبتكر الحقيقي لتلك الأمثولة الرائعةو من أي مدرسةٍ تخرَّج.

    و إن لقيت هذه الصورة في نفسك قبولاً و إعجاباًفاسمع إذاً قول أحد الخريجين من مدرسة رسول الله صلى الله عليه و سلم و من ذريتهالشريفة قبل ثلاثة عشر قرناً و إياك أن تعجب من نبع الحكمة هذا فقد عرفتَ من أيِّغمامٍ سماوي يستمد ماءه! قال الحسن بن العباس رضي الله عنه:

    اعلم أن رأيك لايسع كلَّ شيء ففرَّ عنه للمهمِّ من أمورك
    و أنَّ مالك لا يُغني الناس كلَّهم،فاخصص به أهل الحق
    و أنَّ كرامتك لا تطيق العامَّةَ فتوخَّ بها أهل الفضل
    وأنَّ ليلك و نهارك لا يستوعبان حوائجك فأحسن قسمتهما بين عملك وراحتك

    أعزائنا القراء: أليست هذه الكلماتُ من أروع و أوضح المنارات في إدارةالذات و العمل و الحياة!

    اللهم صلَّ على سيدنا محمد معلم الحكمة الأول و علىآله و صحبه و تابعيهم و من اهتدى بهديهم أجمعين.
    قيمة المرء ما يحسنه
يعمل...
X