إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

هبة عبدالفتاح .. نجمة عربية في سماء البولشوي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هبة عبدالفتاح .. نجمة عربية في سماء البولشوي

    هبة عبدالفتاح .. نجمة عربية في سماء البولشوي







    تضحك هبة ضحكة طفولية طويلة وتقول: كنتُ أتصور أن جميع الأطفال يعيشون هكذا. ولكنني عموما كنتُ أجد بعض الدقائق لألعب مع الآخرين.
    عندما تلتقي بأبناء بلادك الموهوبين الذين يعملون في أماكن مرموقة في دول أجنبية، يسيطر عليك فرح غامر، ولكن سرعان ما يختلط بالأسى أو يمتزج بحالة من الشجن والأسف وأحاسيس أخرى لا تستطيع تفسيرها أو تسميتها.
    مسرح البولشوي الروسي الذي يقف طوال قرنين من الزمن ليقهر العديد من الأنظمة السياسية والحكومات، ويظل منارة خالدة في سماء أرقى الفنون: الباليه والأوبرا. مسرح البولشوي الذي تحلم أية دولة أن تمتلك مثله، هو رمز خالد لروسيا الثقافة والفنون. وإذا كان البولشوي قد ظل طوال تاريخه يلعب دور الساحة الكسموبوليتانية لراقصي الباليه ومغنىَّ الأوبرا الروس والسوفيت والأوروبيين. فمن الممكن الآن أن نتحدث بثقة عن الوجود العربي على خشبات البولشوي.
    سافرت نادية عبدالملك إلى موسكو السوفيتية في بعثة حكومية عام 1968 للحصول على درجة الدكتوراه من معهد الفنون المسرحية "جيتس" في تصميم وتطوير الملابس الشعبية الفرعونية في مجال الباليه والمسرح، وبعد عدة أشهر لحق بها زوجها أحمد عبدالفتاح الذي أنهى أكاديمية الفنون المصرية وحصل على وسام جمال عبدالناصر ليبدأ رحلته في الحصول على درجة الدكتوراه من معهد السينما"فجيك" في فن التصوير والإضاءة والتكوينات.
    ولدت هبة عبدالفتاح في موسكو عام 1973. وفي عام 1981 تركت المدرسة الإنجليزية التي التحقت بها وبدأت دراستها في مدرسة "جالوفكينا" للباليه: معمل التفريخ الأساسي لأكاديمية البولشوي وهو الاسم الذي يطلق على مسرح البولشوي. وفي عام 1991 التحقت هبة عبدالفتاح للدراسة بأكاديمية البولشوي للباليه وبدأت ترقص في نفس الوقت على مسرح البولشوي. وفي عام 1995 أنهت دراستها في تخصص الرقص والتصميم لتصبح إحدى نجمات المسرح الروسي العريق.
    تقول هبة: تنتهي الطفولة عند أول خطوة في مدرسة الباليه. هذا المجهود الجبار في التدريبات والدراسة وتعلم اللغات في آن واحد يجعل الطفل مشغولا طوال الوقت وأثناء النوم أيضا. ولعل الدافع الوحيد في هذه الحالة هو الحب: حب ذلك الفن الرائع والمركب، الذى ينسيك تماما أي تعب.
    تضيف هبة: منذ الطفولة تولد لدىَّ تصور بأن جميع الأطفال يعيشون هكذا. لم أكن أتصور أبدا أن هناك أطفال يلعبون ويلهون ويمارسون طفولتهم ببساطة.. بطفولة. ومع ذلك كنتُ أجد بعض الوقت لأختلط بهم وألعب معهم. الطريف أنني لم أكن أعي أنه من الضرورى أن ألعب مثل بقية الأطفال. ولم أندم أبدا.
    ـ ولكن هل بدأ كل ذلك من فراغ، أم كانت هناك بدايات محددة ربطتك بهذا الطريق الصعب؟
    ـ ولدتُ في أسرة فنية بسيطة. وربما كانت "ماما" هي المحرك الأساسي الذي دفعني بحب شديد إلى هذا الطريق. وعندما أدركتُ ما هو الباليه رحتُ أشاهد بحب شديد كيف يرقص فلاديمير فاسيليف فـي "سبارتاكوس"، وكيف ترقص زوجته العظيمة يكاترينا مكسيموفا في "كسارة البندق". فاسيليف ومكسيموفا لعبا دورا أساسيا في إبراز حبي وتعلقي بهذا الفن.
    ـ إذن لماذا لم تدخلي قسم الرقص فقط، وفضَّلتِ الجمع بين الرقص والتصميم؟
    ـ كنتُ أنوي بالفعل دخول قسم الرقص. ولكن قبيل التحاقي بالأكاديمية غيرتُ رأيي ودخلتُ قسم الرقص والتصميم.
    وتضحك هبة مرة أخرى قائلة: كل ذلك حدث بسببي أنا، وبسبب إعجابهم بي. كانت المدرسات يوزعن علينا مشروعات صغيرة ونبدأ من جانبنا بتنفيذها. واخترتُ أنا تصميم عرض باسم "شارلـي شابلن". قمتُ بالتصميم والرقص. وخرج العرض بصورة جعلت المتفرجين في حالة دهشة. تلك الدهشة التي تمتزج بالإعجاب والاستغراب و… لا أدري ماذا أقول. ورأت مدرستي أنه إلى جانب الرقص يمكنني أن أعمل في مجال التصميم الذي أثبتُ نفسي فيه من أول خطوة.
    ـ هل هذا هو السبب الحقيقي أم إنه الخوف من قصر عمر راقصة الباليه؟
    ـ في الحقيقة، لا أدري. ولكنني فعلا أتعامل مع الرقص والتصميم بمستوى واحد. ومن أجل أن تتأكد فقد التحقتُ مؤخرا بكونسرفتوار موسكو. وبدأتُ دراسة الموسيقى والغناء في مدرسة "خاتشاتوروف". وأنا الآن أغني أيضا.
    ـ أوبرالي أم استعراضي؟ وهل هناك ضرورة في عملك تستدعي ذلك؟
    ـ استعراضي طبعا. وبالروسية والعربية والإنجليزية. بل وبدأتُ وضع بعض الأغنيات التي تجمع بين العربية والروسية، وبين الإنجليزية والعربية، وبين اللغات الثلاث أيضا.
    ـ أنا أسألك عن ضرورة ذلك. أم أن الأمر مجرد رغبة عابرة يمكن أن تنتهي في أية لحظة؟
    ـ لا، لا. هذه المسألة مهمة جدا. ولنبدأ من الأفكار الأولية التي أحاول تجسيدها على أرض الواقع. أرجوك لا تتصور أن هذه الخطوات تجري اعتباطا.
    ومن أجل أن تثبت هبة جديتها في تنفيذ مشروعها الفني بدأت تتحدث بجدية شديدة واستفاضة. فتقول: لقد تربيتُ على مبادئ الباليه الكلاسيكي بالمدرسة الروسية العريقة. وشاهدتُ التقنيات الغربية في الباليهات الكلاسيكية والمعاصرة. إضافة إلى ذلك هناك التطور الخطير في فن الباليه المعاصر. إذن في هذه الحالة، ألا يمكن لنا صنع توليفة بين الكلاسيكي والمعاصر؟ خاصة وأن التربة الكلاسيكية الجيدة ومعرفة القوانين الأصيلة لهذا الفن يمكنها استيعاب مثل تلك التوليفات التي ستعمل حتما على الارتقاء بهذا الفن جيل بعد جيل.
    يبدو أن هبة عبدالفتاح لديها مشروع مغاير وهام وسيلقى حتما الانتقاد من الجميع بداية من المختصين والأكاديميين وانتهاء بالصحفيين الفنيين.
    تقول هبة: وليس فقط المزج بين الباليه الكلاسيكى والمعاصر، بل وأيضا محاولة إدخال عناصر الغناء في بعض الكادرات. ولكن كيف سيتم ذلك بما لا يتعارض مع الخطوط العريضة الأصيلة لفن الباليه؟ هذا ما سوف أحاول تنفيذه في الـ "ليبريتو" الذي أعكف عليه الآن بالاتفاق مع المايسترو طارق شرارة.
    ـ مثل تلك المشاريع الإشكالية عادة ما تكون مبنية على أسس معينة أو بالأحرى على طريقة تفكير وأهداف وشروط..
    ـ هذا أمر مؤكد. عندما كنتُ صغيرة كثيرا ما التقيتُ مع إناس كثيرين غير الذين أتعامل معهم في مجال الباليه. كان الكثيرون منهم يسألون: ماذا تفعلين في هذا الباليه؟ إننا لا نفهم شيئا منه!
    اندهشتُ في البداية. ولكنني اكتشفتُ أن لديهم حق. من هنا تولدْ رغبتي في أن يفهم الناس هذا الفن ويتعاطونه في حياتهم اليومية. الخطوة الثانية هي أن الكثير من الشبان المعاصرين لا يستجيبون للباليه الكلاسيكي، وأحيانا يلفت نظرهم الباليه المعاصر والرقص الإيقاعي، وبالتالي، فما المشكلة في عمل توليفة فنية قائمة على قوانين الباليه وعناصره لصنع عرض باليه.
    ـ أرى أنكِ متعلقة بالموتيفات الفرعونية، فهل هذا ناتج من شعور بالحنين خاصة وأن غياب الإنسان، أو عدم وجوده في وطنه يجعله يمزج بين التراث والدين والقومية ليصنع لنفسه وطنا مثاليا جميلا هو صورة خاصة جدا من الوطن الذي يتخيله. أ ليس هناك خوف من أن تتحول الموتيفات الفرعونية إلى مجرد صورة سياحية لجذب المتفرج الأجنبي، أو اللعب على وتر حساس لدى المصريين؟
    ـ أنا أعتبر نفسي متخصصة وجادة في آن واحد. إضافة إلى وجود هم فني/ وطني يربطني بالناس البسطاء في بلادي. وما يهمني بالدرجة الأولى عدم الهبوط بفن الباليه أو الإضرار به بحجة تقريبه من الناس. الشق الثاني من المعادلة هو التجريب على أسس علمية بشأن عملية التوليف هذه، لأننى أرى أن "الناس" في بلادي يملكون الحق في فهم فن الباليه وغيره من الفنون الأخرى، وهم ليسوا أقل من أي شعب آخر. وأنا أتضايق جدا عندما أراهم ينظرون إلى هذا الفن بنظرة من أمامهم سحر أو شئ غير مفهوم. وأنا ضد أن يظل هذا الفن للصفوة.
    الأمر الثاني هو الموضوعات الفرعونية. لدىَّ إحساس عال جدا بمصريتي وعروبتي. وهنا أود أن أوجه شكري للروس ولمسرح البولشوى ولروسيا كلها وهي التي أعطتني الدراسة والفهم، ولكنها إلى جوار ذلك رسخت هذا الإحساس القوي لدىَّ. وبالتالي ليس هناك مانع من تناول الموضوعات الفرعونية. وإذا أخفقتُ مرة فسوف أنجح حتما في المرة الثانية. والأمر لا يقتصر على الموضوعات الفرعونية. فهناك موضوعات هامة تراثية عربية منها شهر زاد على سبيل المثال. ناهيك عن موضوعات من سوريا ولبنان ودول الخليج والمغرب العربي. إننا نملك مخزونا تراثيا رائعا يصلح مادة أساسية لهذا الفن. ولعلك تعرف جيدا أن الإسبان والفرنسيين والروس يُضَمِّنون برامجهم السنوية العديد من الموضوعات الشرقية والعربية إلى جانب دون كيشوت وجيزيل وسبارتاكوس وبحيرة البجع. وأنا عن نفسى بدأتُ التعامل مع التراث العربي على حد سواء مع التراث البرازيلي والصيني والأفريقي.
    ـ بهذه المناسبة أتذكر لقاءنا في الطائرة عام 1998. وأذكر جيدا حديثنا عن برامج البولشوي وبالذات عن عرض "أنيوتا" المأخوذ عن قصة قصيرة لأنطون تشيخوف بهذا الاسم. وتطرقنا وقتها إلى قصة "نظرة" ليوسف إدريس وقصص وروايات أخرى لكتاب عرب آخرين. فماذا عن تداعيات مثل هذه الفكرة خلال العامين الماضيين؟
    ـ مثل هذه المشروعات في غاية الصعوبة. ويجب أن تكون هناك أرضية فنية صلبة يقف عليها فن الباليه عندنا من ناحية، ومستوى متقدم نسبيا للناس في تعاملهم مع هذا الفن من ناحية أخرى. وأنا أحاول من جانبي العمل على هذه العلاقة من أجل أن نتمكن من تقديم أدبنا على خشبات المسارح وبالذات في عروض الباليه. وأعتقد أنه لن يكون هناك أي عائق حتى بتقديم الأعمال الشعرية. فتصور: عندما يلتقى الشعر والموسيقى وفن الباليه! إن الخطوة الأولى هي كسر "اصطفائية" هذا الفن. ولعل هذه الخطوة يمكنها أن تستغرق حياتي وحياة أجيال أخرى من بعدي. ومع ذلك يجب أن نبدأ بجدية وإصرار وتواصل.
    ـ سمعتُ مؤخرا أنكِ عرضتِ في الأوبرا المصرية أحد عروضك الذي نال إعجاب الروس هنا..
    ـ كان عرض باسم "أميرة مصر والوفاق". لقد بدأته مع فريق البولشوي هنا في موسكو. ونال إعجاب الروس على خشبات البولشوي. وسافرت به إلى مصر. ولكنني سأسافر مرة أخرى في يناير 2001 لعرضه بفريق مصري على خشبات مسرح الأوبرا.
    ـ وخططك القادمة..
    ـ مازلتُ أتنقل بين القاهرة وموسكو. وأعتقد أن العمل هنا وهناك في آن واحد أكثر جـدوى ونفعا. وأنا في كل الأحوال أعمل كمصرية عربية وليس أي شئ آخر. ولعل مشروعي في إنشاء مدرسة باليه مثل مدرسة "مايا بليسيتسكايا" في موسكو وغيرها من المدارس هو مشروع ليس شخصيا بقدر ما هو مشروع جماعي. وأنا فعليا بدأتُ الشروع في تأسيسها بالقاهرة. وأسوأ ما أتوقعه هو أن يتعطل هذا المشروع بسب الإمكانيات المادية. ومع ذلك سأحاول تأسيس هذا المعمل الهام الذى يمكن أن تنعكس علينا جميعا نتائجه.
    أجرى الحديث اشرف الصباغ

يعمل...
X