إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مشهد { الهجرة من الريف إلى المدينة }

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مشهد { الهجرة من الريف إلى المدينة }

    مشهد { الهجرة من الريف إلى المدينة }الأم ( حميدة ) قلقةٌ لتأخر الزوج الذي اعتاد أن يعود كلّ يوم من الحقل قبل هذا الوقت ، تسير باتجاه ابنتها وتقول :
    عزيزة .... تأخر أبوك اليوم ....... ألقي نظرة على الدرب ، علّه يظهر لك ، أنا ، والله ، صرت أخاف عليه ... أبوك على أبواب السبعين يا عزيزة
    عزيزة ( وهي تتطلع صوب البيادر ) : بصراحة .... أنا صرت أخاف عليك أنت يا أمي .... أنت ، دائماً ، حاملة هم الجميع ، خائفة على أخي حاتم ، وأخي حاتم له ستة أولاد ، وخائفة على عماد ، وعماد رجل ابن 25 سنة ، وخائفة على سكينة ......
    الأم ( مقاطعة ) : وخائفة عليك أنت أيضاً يا عزيزة .... أتريدين ألا أخاف عليكم ؟ من منكم حاله مريحة ... قولي ؟؟
    عزيزة ( وهي تعاود رصد طريق العودة من الكروم ) : أنا .... أنا لا أنكر أن حالنا في عسر ، ولكن ... يا أمي كثرة الهم تمرض ... ألا يكفي ما يسكنك من المرض ؟
    وأضافت ( بصوت خفيض ) : الله يسامح الشباب ، ( ثم عاودت التطلع إلى الدرب واستأنفت بشكل مفاجئ ) : الآن ارتاحي ... لقد طل الشّاب أقصد أبي ... خففي عنك واحدة ...
    الأم ( بارتياح متحفّظ ) : الحمد لله ، لكن قلت الشباب .... آه الشباب . الله يسامح الشباب ... الله يسامح حاتم تركنا واختار المدينة ... لكن يا حسرة ... أي مدينة يا ابني ؟ والله العظيم .... أنا ، هذه العجوز ، ورغم أحوالنا المتعثرة ، لا أرضى عيشتك يا ابني العام الماضي ... وعندما زرت بيت حاتم لنبارك له بالمولود السادس – الله يبارك ويزيد – شعرت كأني أختنق .. بيت بعيد عن المدينة أكثر من بعد بيتنا عن الكرم ... وزحمة ناس ... وانتظار باصات وشوارع ترابية وموحلة مثل شوارع ضيعتنا وأتعس ... وغلاء ، وكل شئ بالمال ، حتى البصلة !! .... كل شئ صعب ... الله يساعدك يا ابني على معيشتك
    عزيزة : لا ينقصنا إلا النواح عليهم ... كل شئ انتهى الآن .. الله يوفق الناس ، علينا – نحن – أن ندبر أمورنا ، علينا أن ننسى الذين تركونا ... حاتم ، عماد ...
    الأم : عماد ... يا ويلي على ( عماد ) ... حاتم ، مهما يكن ، موظف في معمل ، في معمل السكر على ما أظن ، قبل آخر الشهر يقبض ( نصيبه ) أنا عارفة أن الراتب ، مثل كل الموظفين حتى الذين هم أكبر من ابني بكثير ، لا يكفي ... لكن عماد ... هذا المسكين كيف يعيش ؟! عامل ( مياوم ) ... هكذا فهمت ... يوماً يعمل ، ويومين يبحث عن عمل ، حياتك يا عماد صعبة ... آه .. لو يرجع ، أنا مستغربة لماذا يبقى واحدٌ مثله في المدن ؟
    ( يصل الأب وأمامه حماره يحمّل حزمة من العشب الأخضر .. يترك الحمار لعزيزة التي سارعت لاستقبال الوالد ، وبعد أن يلقي سلاماً تقليدياً ) :
    حميدة ... أين الماء يا حميدة ؟ ... أخ ، أخ ظهري مكسور ... غربت شمسنا يا حميدة ، ثم يلتفت ويسأل : سكينة ... أين سكينة ... أنا لا أراها ... أين هي ؟
    الأم : سكينة عند زميلتها ( نظيرة ) ... سمِعت أنها نجحت ، وحصلت على شهادة ... ما اسم شهادة نظيرة يا عزيزة ؟
    ( وهي تحمل حزمة العشب بين يديها ) : أنت تتعبين نفسك كثيراً يا أمي ... ما لك وشهادات ( نظيرة ) أو غير ( نظيرة ) ... ضروري أن تذكريني بالشهادات والمدارس .. وأنا أحاول أن أنسى ... و الله يرزق الناس
    الأب ( وهو يشعر بالحرج والذنب ) : اتركونا من أخبار الشهادات ... لكن قولوا للبنت تقلل من حركتها ... سكينة لا تعجبني ، هذه الأيام ، فهمت يا حميدة ؟
    الأم : سكينة عاقلة ، لا تخف يا إبراهيم ... معها حق أن تزور رفيقتها ، أما كانت نظيرة وسكينة على مقعد واحد حتى الصف الخامس ... أقصد حتى تركت ابنتنا المدرسة ( آه على نياتنا ) ...
    نحن قصّرنا اتجاه البنت يا إبراهيم ... استغفر الله ...
    ( ثم تلتفت إلى عزيزة وتقول ) : حضّري لأبيك لقمة طعام يا عزيزة ... لم يأكل شيئاً حتى الآن ...
    الأب : ( وهو يطلق التأوهات المديدة ) : لا حول و لا قوة إلا بالله ... ما رأيك يا حميدة نبيع قطعة الأرض ... أرض الميسرة ؟
    الأم ( باستنكار وحزن ) : الميسرة ؟ ماذا أبقيت ؟ كل سنة قطعة .. ! ماذا يقول عنا الناس ؟ ... ما تريد أن تفعل يا إبراهيم ؟ .... آه .. لو أعرف بماذا تفكر ؟!
    إبراهيم : وتسأليني لماذا أبيع .... احمدي الله أنّه ما زال لدينا ما يباع ... أم تريدين أن أتسوّل و أنا أنتظر حسنات أولادك .. الأولاد يا حميدة صاروا أفقر منا ... تطلّعي إلى البيوت من حولنا ... هل بقي بيت في هذا الحيّ كلّه من الطين غير بيتنا ؟! .... أنا لم أعد أنتظر شيئاً .. أولادك غرقوا وغرّقونا .... كان الله في عوننا و عونهم على كلّ حال ... تأملي ما صرنا إليه يا أمّ حاتم ... أن أتحمل كل شئ غير الذل ... لكن البنات .. عزيزة ، وسكينة و نحن ... من يكون إلى جانبنا في أيامنا الأخيرة ... أنا صرت أفكر في الموت .. أعرفت لماذا أفكر ببيع الأرض ... في حالة واحدة أبعد فكرة البيع ، أتعرفين متى ؟
    لو أنّ واحداً من أولادنا يخبرني أنّه سيعود إلى القرية ... في هذه الحالة فقط لا أبيع ... لكن من يفكر منهما بذلك ؟
    الأمّ ( وقد انهمرت دموعها ) : كفى ... ما من ضيق إلا بعده فرج ٌ ، كلْ لقمة الآن وانتظر رحمة الله يا رجل ...
    الأب : ونِعم بالله ... لكن مادمنا أحياء ينبغي أن نفكر في أمور الدنيا يا حميدة
يعمل...
X