إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تحاور: جميلة طلباوي - الدكتور واسيني الأعرج الروائي الجزائري الكبير - أصوات الشمال

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تحاور: جميلة طلباوي - الدكتور واسيني الأعرج الروائي الجزائري الكبير - أصوات الشمال

    الروائي الجزائري الكبير الدكتور واسيني الأعرج لأصوات الشمال:سأطلق روايتي الجديدة "جملكية آرابيا "من الجزائر ، من معرض الكتاب لهذه السنة.


    حاورته : جميلة طلباوي

    الروائي الجزائري الكبير الدكتور واسيني الأعرج
    *اخترت عن سبق إصرار وترصد أن تكون انطلاقة رواية جملكية آرابيا من الجزائر، من معرض الكتاب لهذه السنة.
    * سأنتقل إلى قسنطينة في إطار القراءة للجميع كضيف شرف، وألتقي القراء للحوار حول الرواية وتنظيم بيع بالتوقيع. وسأتحدث عنها في مدنيتي جيجل وخنشلة في شهري نوفمبر وديسمبر، كما سأقدمها في مدن عربية كثيرة.
    * تكشف الرواية عن طبيعة هذا النظام المبني على الدسائس والانقلابات والاغتصاب والتقتيل بلا حساب.
    *ينشأ التاريخ الشعبي المحكي بصدق في مواجهة التاريخ الرسمي المليء بالزيف.
    *الانشغال بالتاريخ اليوم ليس رفاها ثانويا ولكنه مسألة في غاية الأهمية.
    *جيد أن نحلم ولكن يجب أن لا نصاب بمرض نوبل.
    * رحيل الطاهر وطار خسارة كبيرة، ولكن لنقل أنه ترك لنا ميراثا مهما يستحق اليوم أن تعاد قراءته بالشكل الذي يليق به.
    * أهتم كثيرا بالأطفال المرضى بالسرطان في بعض المستشفيات، أساعدهم بقدر ما أستطيع، نعمة الأدب منحتني فرصة للمساعدة الحقيقية.


    aswat-elchamal
    حارسة الظلال تعرفه جيّدا و هي سيدة المقام، كلّما أطلّت من شرفات بحر الشمال لمحت درره ترصّع البيت الأندلسي ، ليتألّق كقلم لامع أبدع في الرواية و عرف كيف يتخذ من التاريخ مرتكزا لها لتنفتح على رؤى إنسانية تستشرف المستقبل دون أن تجحف في حقّ الحكاية و متعتها بلغة تتوهّج بهاء، و تؤكّد في كلّ مرّة على اسم كبير في عالم الأدب ، إنّه الأديب و الكاتب و الروائي الدكتور واسيني الأعرج، يشغل حاليا منصب أستاذ كرسي بجامعتي الجزائر المركزية والسوربون بباريس، يعتبر أحد أهمّ الأصوات الروائية في الوطن العربي، صاحب مؤلّفات كثيرة ترجمت إلى أكثر من عشر لغات منها : حارسة الظلال، شرفات بحر الشمال، سيدة المقام، دم العذراء ،سراب الشرق، الأمير ،البيت الأندلسي و غيرها.حصد العديد من الجوائز منها إحدى أكبر الجوائز العربية جائزة الشيخ زايد للآداب عن رواية الأمير ، وجائزة المكتبيين للكتاب الأكثر مقروئية، و غيرها من الجوائز ، كما احتفلت مدينة بوردو الفرنسية برواية الأمير في طبعتها الفرنسية التي لاقت رواجا كبيرا، و ظلّ واسيني الأعرج المثقف المتواضع الذي يدهشك فيه الإنسان بإنسانيته و طيبته ، مثلما يدهشك المبدع فيه. رغم انشغالاته ، و رغم أسفاره ، لبّى دعوتنا و كان لنا معه هذا الحوار.

    أصوات الشمال : مع الدخول الأدبي الجديد ننتظر أن تنزل روايتك الجديدة: جملكية آرابيا التي تكلم عنها الكثيرون قبل أن يقرأوها كعادة رواياتك؟ ماذا يمكن أن نعرف عنها أكثر؟
    د.واسيني الأعرج :
    الدخول ألأدبي اخترت له هذه السنة رواية جملكية آرابيا التي صدرت في بيروت عن دار الجمل. وقد اخترت عن سبق إصرار وترصد أن تكون الانطلاقة من الجزائر، من معرض الكتاب لهذه السنة على الرغم من طباعة الرواية في بيروت، فهناك ندوة حولها في المعرض وهناك برنامج توقيعات للرواية أيضا بحضور ناشري اللبناني وتنشيط الأستاذ الباحث والإعلامي كريم أوزغلة. أنتقل بعدها إلى قسنطينة في إطار القراءة للجميع كضيف شرف، وألتقي القراء للحوار حول الرواية وتنظيم بيع بالتوقيع. وسأتحدث عنها في مدنيتي جيجل وخنشلة في شهر نوفمبر وديسمبر. كما سأقدمها في مدن عربية كثيرة: في البحرين حيث أتواجد الآن، في بداية أكتوبر في الخرطوم، في السودان، منتصف أكتوبر في دبي، نوفمبر الشارقة وديسمبر في بيروت. هذه الأماكن بالنسبة لما تبقى من شهور هذه السنة قبل أن ندخل في السنة الجديدة ببرنامج جديد حولها. الرواية تمس قليلا ما يحدث في الوطن العربي ولكنها تمس بعمق النظم السياسية وهي رواية سياسية بامتياز بدون أن تفقد علاقتها بالسرد الأدبي والقصة ولذة الحكي التي تشكل بالنسبة لي أساس الكتابة الأدبية حتى لا يلتهم الخطاب كل شيء. طبعا كتب عن الرواية الكثير ونزل عنها في الكثير من المواقع العربية فيه ما هو خبري وهذا مهم، وفيه ما هو أحكام جزافية وهذا جنون لأننا لا نستطيع أن نكتب عن رواية من 700 صفحة من خلال فصل واحد نشر في الصحافة العربية، لكن يبدو أن الكثير من الناس مصابين بداء التسرع والشتيمة حتى ولو كان ذلك يهينهم. لكني لا أوليه أية أهمية.
    أصوات الشمال: لماذا جميلكية آرابيا؟ العنوان فيه بعض الغرابة؟
    د.واسيني الأعرج :
    نعم. هناك بعض الغرابة في الظاهر. لأن كلمة جملكية لو نتأملها هي طبعا كلمة غير موجودة عربيا ولكنها كلمة مركبة من مفردتين: الجمهورية والملكية والجملكية بهذا المعنى هي النظام اللقيط الذي ليس لا جمهورية ولا ملكية لأنه في ظاهره جمهوري ولكنه توريثي للحكم فيصبح بقدرة قادر أسوأ من الملكية في هذا السياق، لأن الملكية لها على الأقل المسار التاريخي التوريثي معها. ثم لماذا قام هؤلاء الرؤساء العظام بانقلابات ضد المملكات إذا كانوا سيحولون بلدانهم إلى شيء سيده توريث الحكم؟ حالة من الغرائبية. أنظري في سوريا تم توريث الابن؟ في مصر كان سيورث مبارك ابنه جمال؟ في ليبيا أصبح سيف بين يوم وليلة هو سيد ليبيا؟ في اليمن كان يحضر ابنه بلا أي خجل؟ في تونس الابن كان صغيرا فالتوريث كان سيكون لعائلة الترابلسية؟ حالة من الانحطاط ليس فقط في الحكم ولكن في احتقار الشعوب التي لا نستغرب اليوم أنها تريد رؤوس حكامها. كلمة آرابيا تحيل إلى البلاد العربية من منطق الاستعمار الجديد الأنجلوساكسوني والأوروبي.
    أصوات الشمال : طيب. هل يمكن أن نعرف أكثر عن رواية جملكية آرابيا؟
    د.واسيني الأعرج :
    : هي نص يندرج ضمن ما يمكن أن نسميه بالرواية الحكائية التي تعتمد التاريخ ولكنها تنسج عالمها من المخيال الذي لا ينفصل عن حياتنا المعاصرة وتاريخنا السردي بما فيها السرد العالمي. تستثمر الرواية فنّيا المنجز العربي القديم والحديث، والمنجز الإنساني العظيم: ألف ليلة وليلة، دون كيشوت، في البحث عن الزمن الضائع، عوليس، خريف البطريرك، الإرث الصوفي، وغيرها من النصوص العالمية، لإنجاز ملحمة أدبية تخترق الحدود والأشكال، وتذهب نحو جوهر المأساة القاسية التي عرتها بقوة الثورات العربية الجديدة. الدكتاتور العربي لم يشوه فقط القيم المحلية القادمة من بعيد، ولا الإنسانية وحدها ولكنه مسّ جوهر الأشياء، فأنتج نموذجا غريبا لا هو جمهورية ولا هو ملكية: جملكية. مسخ مزيج بين أسوأ ما في النظامين. الرواية بهذا المعني تعري مأساة نظام الحكم الدكتاتوري في الوطن العربي الذي يشل أية مبادرة للتطور. من خلال شخصية افتراضية وتاريخية في الآن نفسه: الحاكم بأمره. استعيد من خلاله طبيعة هذا النظام التي هزته الثورات الشبابية التي تبحث عن التغيير. يرفض الحاكم أن يقتنع بأن زمنه انتهى على الرغم من عمره الذي تجاوز أربعة عشر قرنا، وأن زمنا آخر قد وُلِد. تتحول زوجته دنيا التي هي الوجه المعاصر لشهرزاد، إلى مرآته الخفية والعاقلة فتعكس له ما ينتظره في الأفق ولكنه يواصل في إصراره المستميت على عدم ترك الحكم، وأن مرجعية الاستمرار والديمومة قد وجدها في كتاب الأمير لماكيافيلي الذي ينتهي إلى حرقه. تكشف الرواية عن طبيعة هذا النظام المبني على الدسائس والانقلابات والاغتصاب والتقتيل بلا حساب، قبل أن يتحول الحاكم بأمره في النهاية إلى ضحية لنظام هو خلقه، النظام الجملكي ليستمر في الحكم بعد أن مزج النظامين الجمهوري والملكي (الجملكية) ليستمر في العبث بأموال الشعب واستعمال الدين للتسلط والتوريث وغيرها من الأمراض التي صاحبت منذ عشرات السنين هذا النظام الذي يكاد يكون مشتركا بين مختلف البلدان العربية المسماة جمهورية. كل ذلك تمّ ضمن بنية روائية معاصرة. في آرابيا، المدينة والبلاد أيضا تتقاطع المصائر الأكثر إنسانية والأكثر دموية أيضا. وينشأ التاريخ الشعبي المحكي بصدق في مواجهة التاريخ الرسمي المليء بالزيف. وبقدر ما اختار الحاكم بأمره التاريخ المغشوش، والقوة والبطش والتشبث بالكرسي، وفَضَّلت دنيا زوجته مصلحة ابنها قمر الزمن لتوريثه الحكم، اختار بشير إلْمُورّو، يوشا، ماريانا، سيدي عبد الرحمن المجذوب وغيرهم من الشخصيات، المسلك الأصعب: الانتماء إلى النشيد الإنساني العظيم الذي كلَّما ظنّه الناس مات، قام من رماده ليذكّرنا بأن لا جهد يذهب هباء، وأن الحياة ما تزال مستمرة، وتستحق أن تُعاش. الرواية هي كشف للوجه المخفي للطاغية العربي الذي تحركه أياد أخرى يكرهها نهارا ويقبلها ليلا وينسى أنها لن تتوانى عن بيعه للجحيم في أول صدمة، عندما يتناقض ذلك مع مصالحها. وهو بالفعل ما نراه اليوم يحدث أمام أعيننا.
    أصوات الشمال: كتبت في فاتحة رواية" نوار اللوز" : تنازلوا قليلا و اقرأوا تغريبة بني هلال ، ستجدون حتما تفسيرا واضحا لجوعكم و بؤسكم ، ما يزال بيننا و حتى وقتنا هذا الأمير حسن بن سرحان ، دياب ، أبو زيد الهلال ، الجازية...." هل هي دعوة للقرّاء لقراءة التاريخ، أم أنّ الذي يقرأ روايات واسيني لعرج لا بدّ و أن يكون متسلحا بمعرفة بالتاريخ؟
    د.واسيني الأعرج :
    : بطبيعة الحال لسنا مجبرين أن نكون مؤرخين ولكن جميل أن يكون الإنسان على تماس مما حدث على هذه الأرض محليا وعالميا. هذا مهم لثقافة القارئ الذي بإمكانه طبعا أن يكتفي بالقصة المروية وسيفهمها حتما ولكن هذه الدعوة هي أيضا فنية لأننا كثيرا ما أهملنا نصوصا عظيمة فقط لأنها شعبية. النصوص الشعبية هي باروميتر حقيقي لتحسس السياسة فقد كانت دائما رافدا حقيقيا للانشغالات الاجتماعية التي لا يقولها الخطاب لأنه ممنوع من ذلك ولكن تقولها القصة الشعبية المروية مثل سيرة بني هلال أو التغريبة التي بنيت عليها نوار اللوز، التي كانت سيرة بالمعنى الحاضر لأننا في النهاية نستفيد من التاريخ ولكننا في حاجة إلى إجابة مرتبطة بالعصر الذي نعيشه وإلا ما فائدة قصص تاريخية غير مجدية. يبدو الاستدعاء كأنه تاريخي ولكن القارئ عندما يتأمل النص سيكتشف أن الحالة تتجاوز ذلك بقوة. نحن مرغمين ككتاب ومثقفين للإنصات للتكسرات التي تحيط بنا وهي مذهلة عربيا ودوليا. نوار اللوز كانت فاتحة لهذا النوع من الكتابة التناصية ولكنها تحولت إلى كتابة في صلب التاريخ المعاصر في رواية الأمير أو رواية سراب الشرق أو حتى سوناتا لأشباح القدس، التي كان الصوت الغالب فيها هو التاريخ منظور له من هموم العصر الذي يدفع بدولنا إلى التفتت والزوال ربما؟ أينه العراق الذي عرفناه؟ أينها أرض السودان الموحدة؟ أينها ليبيا التي تحترق الآن؟ الانشغال بالتاريخ اليوم ليس رفاها ثانويا ولكنه مسألة في غاية الأهمية. حاجة وجودية. بل حياتنا في الراهن المعيش.

    * سأنتقل إلى قسنطينة في إطار القراءة للجميع كضيف شرف، وألتقي القراء للحوار حول الرواية وتنظيم بيع بالتوقيع. وسأتحدث عنها في مدنيتي جيجل وخنشلة في شهري نوفمبر وديسمبر، كما سأقدمها في مدن عربية كثيرة.
    أصوات الشمال: ما سرّ تلك اللغة البهية ، أو كيف استطعت أن تصهر الأحداث التاريخية في أسلوب سردي أنتج لنا روايات كبيرة لقيت رواجا لدى القرّاء/ مثل كتاب الأمير، البيت الأندلسي، سوناتا لأشباح القدس، سراب الشرق وأخيرا رواية جملكية آرابيا. ؟
    د.واسيني الأعرج :
    :سؤالك بهي أيضا. علاقتي باللغة العربية أعتبرها استثنائية. كل شيء في كان يقودني نجو اللغة الفرنسية إذا كانت لغة الكتابة هي اللغة الفرنسية في مراحلي التعليمية الأولى. لأني بطبيعة الحال قادم من مدرسة استعمارية. اللغة الفرنسية كانت شبيهة بالقدر ولم تكن خيارا. فقد كان الخيار بين الفرنسية والأمية، فاختار والدي تعليمنا لأنه كان عاملا نقابيا واعيا في المهجر، في فرنسا. لكن الجدة كانت مأسورة بأصولنا الموريسكية ومرتبطة بجميمية باللغة العربية، لغة أجدادها الأوائل. فتعلمتها في المدرسة القرآنية التي كانت عبارة عن بيت صغير، بعيد أكثر من كيلومترين عن القرية. تعبت من أجل تحصيل اللغة العربية ولهذا فأنا جد سعيد لذلك. أنا لم ارث اللغة كغيري ولكني ذهبت نحوها متحمسا. لهذا كانت العلاقة معها ليست نفعية ولكن علاقة عشقية ولهذا أحببتها واندغمت فيها بقوة. وكتبت بها وحاولت أن أجعل منها معبري نحو ليس فقط ما مرئي وشكلي ولكن أيضا ما مترسب في العمق الإنساني. تعبير عن الخفايا ولهذا احتجت إلى تشييد لغة أخرى تشبهني وتقولني وتقول داخلي واشعر تجاهها بحميمية كبيرة أتقاسم لذتها مع قارئي. اللغة وطن وسكن أيضا ويجب أن يكون جميلا ليأتيه الناس للراحة أو لزيارته. وأظن أني حققت بعض ذلك على الرغم من صعوبة المسألة. فإذا كنت أتقاسم لغة التوصيف مع غيري، فلغة الداخل هي ملكي وملك شخصياتي. فهي تأتي من عمق الذات لدرجة أن اللغة تلبسني، وربما... تشبهني.
    أصوات الشمال : رواية الأمير مثلا ، هل هي نوع من قراءة التاريخ من زوايا أخرى أم أيّ رسالة أردتها من خلالها؟
    د.واسيني الأعرج :
    : التعامل مع التاريخ ليس موضوعة بسيطة بالخصوص عندما يتعلق الأمر بشخصية إشكالية. ولهذا فالتاريخ هنا غير مهم إلا بقدر إجابته أو المساهمة في الإجابة عن أسئلة العصر. ربما كان هنا مكمن النجاح والفشل في كتابة الرواية التاريخية. لقد توجه الكثير من الأصدقاء في السنوات الأخيرة نحو الرواية التاريخية وهو حق ولكن في الأغلب الأعم غرقت هذه الروايات في صلب التاريخ بلا إستراتيجية حقيقية. طبعا الناس أحرار فيما يفعلون ولكني أعتقد أن التاريخ إذا رددناه فقط لن نفيده في شيء ولن يفيد عصرنا أيضا. الروائي ليس مؤرخا ولكن الرواية تحرر التاريخ من يقينياته وتمنحه فسحات حقيقية لإعادة التأمل والقراءة. كان لي جدل كبير مع الكثير من المؤرخين عربيا وعالميا وكان سؤالي البسيط هو: من كتب ويكتب التاريخ؟ أليس المنتصر؟ من كتب تاريخ الحرب العالمية الثانية ومن حدد خانة الأبطال والخونة؟ أليس المنتصر؟ هذا وحده يعطيني الحق كروائي لا لإعادة كتابة التاريخ هذا ليس شأني وإنما شان المؤرخ ولكن لتهوية هذا التاريخ وإزالة تربته وتأمله والتعلم منه ربما. لا توجد رسالة في هذا ولكن توجد قناعة شخصية عن وظيفة التاريخ في الرواية فهي في غاية الأهمية ولكنها هذه الوظيفة ليس منجزة سلفا ولكن النص هو من يؤسسها وينميها. على التاريخ أن يكون صديقا أو عدوا حيا ولكن ليس تابوتا مطلقا.
    أصوات الشمال : ربما كان هذا هو الذي دفع بلجنة التحكيم لأكبر جائزة عربية، جائزة الشيخ زايد للآداب لأن تمنح رواية الأمير جائزتها الكبرى، ودفعت أيضا بالمكتبيين إلى أن يمنحوك جائزتهم، جائزة الكتاب الأكثر مقروئية؟ ومدينة بوردو الفرنسية أن تحتفل بالرواية أيضا في طبعتها الفرنسية التي لاقت رواجا كبيرا؟ ماذا يمكن أن تضيف الجائزة للمبدع؟
    د.واسيني الأعرج :
    : صحيح. رواية الأمير كانت محظوظة جدا فقد استقبلت بحفاوة في فرنسا والجزائر تحصلت على جائزة المكتبيين، وجائزة الشيخ زايد وجائزة مدينة بوردو للصداقة إذ كرمت بنفس الكاتدرائية التي جمعت الأمير بمونسينيور ديبوش بحضور المئات من الناس، وكنت بصحبة قس الجزائر السابق هنري تيسيي. كانت سعادتي كبيرة لأني في لحظة من اللحظات شعرت أن تعبي وجد من يقدره ويفهمه. من هنا، فالكاتب لا يطلب الشيء الكثير سوى أن يجد تعبه سكنا جميلا لدى القاريء. طبعا لا أتصور أن الجائزة تغير في نظام الأشياء أبدا. الحياة هي الحياة والرغبة في جنون الكتابة والاندماج في صلب بهائها يظل مستمرا. لكنها مع ذلك هي لحظة جميلة تستحق الحب والتقدير. عندما تحصلت على جائزة الشيخ زايد كنت غارقا في الدوحة في مشروع قطر للرواية العالمية الذي فزت به من خلال رواية سراب الشرق، ولم أفكر يوما في جائزة الشيخ زايد التي كانت في دورتها الأولى. وصلني خبر فوزي بها متأخرا بسبب غيابي عن البيت ولم يبق لي من الأيام عندما أعلمتني اللجنة بالخبر إلا يوما واحدا. وصلت فجرا واستلمت الجائزة مساء. صدف الحياة في الكتابة جميلة بالخصوص عندما لا تنتظر الشيء. وانتهى مفعول الفرحة بعد أيام قلائل وبقيت الكتابة والرغبة في الحفر فيها بشكل دائم وبلا تردد ولا استسلام هي الأساس. الجائزة طبعا تورثك شيئا ثانيا وهو الإحساس بأنك لم تكن وحيدا في مغامرة الكتابة القاسية، كان بجانبك من اقتسم معك لحظات كثيرة وأحس بها بنفس أحاسيسك. وهذا مهم للاستمرار. فأكبر جائزة هي تلك التي يمنحها لك قراؤك وهم يحملون في قلوبهم ما كتبته ويناقشونه، وينتظرون بشكل دائم جديدك الأدبي. ولهذا فأكبر رهانات الكتابة هي أن تصنع قراءك. الجائزة ليست هي الكتابة ولا تتحدد الكتابة من خلالها ولكنها دعم للكاتب وتشجيع له. هي لحظة جميلة توفر بعض السعادة وتقلل من عزلة الكتابة. وهي اعتراف بمجهود يبذل في الصمت والخفاء والعزلة. لأن عالم الكتابة عالم ظالم وصامت لا صوت له إلا النص الذي يخرج إلى الوجود بعد طول معاناة.

    نعمة الأدب منحتني فرصة للمساعدة الحقيقية. كل حقوقي تذهب نحو هؤلاء الأطفال وحتى بعض الجوائز المالية التي تحصلت عليها من وراء كتابتي هي أيضا مسخرة لهم
    أصوات الشمال : جائزة نوبل مثلا هل يمكن أن تكون حلما شرعيا لأديب جزائري؟
    د.واسيني الأعرج :
    : لمَ لا؟ الجزائري كغيره من البشر من حقه أن يحلم ويذهب نحو تحقيق حلمه بالعمل الدائم وليس بالخطابات الجوفاء. جيد أن نحلم ولكن يجب أن لا نصاب بمرض نوبل. الكثير ممن ركضوا وراءها لم يحصلوا عليها، والعكس صحيح. كان عندي صديق كاتب صيني اسمه غاوو. يعيش في فرنسا ومحب للغته التي ظل يكتب بها وكتبه تنشر مترجمة إلى الفرنسية في دار صغيرة. ذات يوم كان يوقع لي كتابه الأخير جبل الروح في معرض باريس للكتاب. فجاءته ناشرته في دار لوب وأخبرته بأنه تحصل على نوبل؟ ضحك طويلا لأنه لم يصدق. وبفرنسيته المنداة بقطرات من لغته الأم قال لها: أرجوووك لا أجيد المزاح الفرنسي، ولكن يكفي سخرية؟ كان يكتب وخلاص هذه هي هوايته وفرحه. وتحصل عليها. الكثير من الكتاب عربيا وعالميا أصيبوا بدائها ولكنهم لم يحصلوا عليها. إذن يجب تنسيب الأشياء، فإذا جاءت مرحبا بها وهي اعتراف كبير وإنساني، وإذا غابت ليس خسارة كبيرة أبدا، فالحياة أجمل وتستحق أن تعاش بكل امتلاء وجنون. ما يزال في أعماقنا الكثير من الأشياء التي لم نقلها للحياة. في كل الأحوال بنوبل أو بدونها، نكون قد ربحنا سعادة الكتابة ولذة إسعاد الآلاف من الأصدقاء والقراء وربما الملايين إذا ما وُضِعَ ذالك في الأفق العالمي وهذا وحده يكفي للشعور بالانتشاء الجميل. هذا رأيي على الأقل.
    أصوات الشمال: تُرجمت رواياتك إلى عدّة لغات ، كيف هي علاقتك بمترجمي رواياتك؟
    د.واسيني الأعرج :
    : النجاح مثل الترجمة فيها الكثير من المعاناة والمثابرة، ولكن فيه أيضا الكثير من الحظ. ربما كنت من أكثر الكتاب الجزائريين حظا في هذا السياق، أي الترجمة. رواياتي مترجمة إلى أكثر من عشر لغات وهذا أمر مفرح لأي كاتب لأنه يضعك في سياق يتجاوز الأطر الضيقة. الفضل في ذلك يعود إلى المترجمين الذين رأوا في نصوصي ربما ما يغريهم ويجعلهم يتحملون تعب الترجمة. كل المترجمين أصدقاء بعضهم أعرفه حقيقة، وبعضهم ظلت المعرفة ورقية فقط. أعرف مترجمتي إلى الدنمركية والسويدية و والإيطالية ولا أعرف الألمانية إلا من خلال الورق وكذلك العبرية، والإنجليزية والإسبانية، بينما الفرنسية هي الوحيدة التي كانت لي بها علاقة مباشرة وحميمة مع المترجين. عرفت كاترين شاريو وهي صديقة وقد اشتغلنا مع بعض زمنا طويلا وهي مترجمة حرفية حقيقية. واشتغلت أيضا مع مترجمتي الثانية ماري فيرول التي ترجمت حارسة الظلال، وهي من أجمل وأبقى الصديقات في القلب. وكذلك أعمل اليوم مع مارسيل بوا وتعودنا على بعض. بعد ترجمته روايتي الرابعة، بعد كتاب الأمير، سيدة المقام، سراب الشرق، وسوناتا لأشباح القدس وهو غارق في ترجمة البيت الأندلسي. علاقتي مع مترجمي جميلة ولكنها جادة ولهذا كثيرا ما تكون هناك بعض الشرارات بسبب بعض الخلافات ولكننا نصل دائما إلى تذليلها. في الترجمة الفرنسية كثيرا ما أتدخل بقوة وبشكل مباشر. بالنسبة للغات التي لا أعرفها أظل بعيدا مثل الكورية والصينية واليابانية وغيرها. لكن في كل الأحوال تظل صدف الترجمة حالات إنسانية جميلة ومذهلة لأنها تضعنا في صداقة كبيرة مع المترجمين مع عالم آخر يختلف عنا ويشبهنا في الوقت ذاته. الترجمة مكسب بشري مدهش. فهي جسر عظيم يربطنا ببقية الإنسانية التي ننتمي إليها وهذا مهم جدا لأنه يضعنا في المكان الذي يليق بنا ككتاب حاملين لرسالة إنسانية ما، ويوصل صوتنا إلى الآخر مثلما يأتينا صوت الآخر محملا بهواجسه الإنسانية والثقافية والحضارية. هذا كله يسمح لي بالقول إن الترجمة مكسب عظيم وعلينا أن نوليه الأهمية التي تليق به وليس حالة كمالية وثانوية. على الأقل هذا إحساسي عندما أرى أعمالي تترجم إلى كل هذه اللغات عالمية. الترجمة ليست خيانة بقدر ما هي استعارة للتعبير عن عالم متماوج بلغة أخرى عليها أن تحمل نفس الحساسيات السرية وغير المرئية. ولهذا فمسؤولية المترجم كبيرة، يمكنه أن يرفع العمل عاليا كما يمكنه أن ينزله غلى الحضيض.
    أصوات الشمال : الروائي الكبير واسيني لعرج ، هو أستاذ في جامعة السوربون ويكتب باللغتين العربية و الفرنسية، لغة أخرى و ثقافة أخرى، أيّ تحد يخلقه هذا الوضع داخل الروائي فيك وفي محيطك اللغوي؟
    د.واسيني الأعرج :
    : رحلتي اللغوية هي رحلة خاصة ربما لا تشبه رحلة غيري. نشأت داخل اللغتين، في المجرسة الفرنسية وفي عربية الكتاتيب التي منحتني حق استعادة لغة أجدادي. لا أشعر بأي اعتداء لغوي أبدا. أنا في عمق الازدواجية. لأن الإنسان غير منفصل عن الرحلة التي قطعها وعن طبيعة مساره الخاص. كل واحد فينا هو عبارة عن رحلة خاصة لا شبيه لها مطلقا من حيث تفاصيل الانتماءات المختلفة. من هنا أنظر للغنى اللغوي أو الثقافي وحتى العرقي كحالة إيجابية والتي تفترض بالضرورة القدرة على الاستيعاب والاضطلاع بالحالة. طبعا، الموضوع ليس بسيطا من حيث هو موضوع إشكالي بالضرورة في مجتمعات لم تحل مشكلات الهوية الأساسية. المجتمعات العربية أخفقت في ذلك بامتياز وهو ما سيؤدي حتما إلى تفككها إذا لم تستدرك حالتها قبل فوات الأوان. أنظر المشكلات العرقية والدينية واللغوية، ستجد أنه ولا بلد عربي، حتى الأكثر استقرارا، ينجو من هذه المخاطر. قضية اللغة تقود إلى نقاشات كبيرة وكلية. ما هي أصولي أنا الذي يختزل كل شيء في مفردتي عربي مسلم؟ أين هي أصولي البربرية في هذا التوصيف الرسمي؟ أين جذوري الموريسكية الإسبانية؟ أين سندي اللغوي والثقافي المزدوج؟ ويمكنني أن أفتح النقاش على تشظيات لا تنتهي. وهي سبب المشكلات العميقة عندما يتم التنكر لها أو إهمالها؟ اكتساب لغة جديدة مثلا هو فسحة ثقافية تنفتح على عالم لا نعرفه جيدا. بفضل اللغة الفرنسية اطلعت على جزء مهم من الأدب العالمي ولم أنتظر الترجمة العربية. من عرف لغة قوم، عرفهم وعرف جزءا من العالم المخفي. لدينا أجيال متعاقبة تفكر وتكتب وربما تحلم بهذه اللغة أو تلك. صحيح، بالنسبة للجيل الأول كان هدفه من اللغة الفرنسية نضاليا، لأن اللغة العربية كانت محاربة، ثم أنه جيل تثقف بهذه اللغة وأنتج نصوصه العالمية بهذه اللغة أيضا. من يستطيع اليوم أن يتنكر لمنجز محمد ديب وكاتب ياسين ومالك حداد، وآسيا جبار وغيرهم من الذين كتبوا بهذه اللغة ولم يمنعهم ذلك من أن يظلوا جزائريين. الأجيال التي تلت، وضعها يختلف جذريا ونحتاج إلى الكثير من الحيطة قبل الحكم عليها. على الذي يكتب اليوم باللغة الفرنسية، من الأجيال الراهنة، أن يطرح السؤال التالي الإجباري: ماذا يمكن أن أضيف إلى ما كتبه محمد ديب وطاهر بن جلون، وألبير ميمي، وكاتب ياسين ورشيد بوجدرة وغيرهم مما يجعل الفعل الكتابي صعبا؟ هذا هو السؤال. هؤلاء ينتمون إلى جيل كتب وفق الحاجة كما كان كاتب ياسين يقول عن اللغة الفرنسية: اللغة الفرنسية غنيمة حرب. واستفاد منها وأفاد الممارسة الروائية الجزائرية بقوة. لا يوجد أي إشكال فهم يكتبون باللغة التي يتقنونها جيدا. الشيء نفسه يمكن أن يقال عن الجيل اللاحق مثل رشيد بوجدرة ورشيد ميموني والطاهر جاووت أو الجيل الذي تلاهم كتابيا على الأقل وليس سنا مثل بوعلام صنصال وسليم باشي وأنور بن مالك، فقد أعطوا للرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية إيقاعا جديدا توجه نحو نقد والخيبة واستعادة التراث الثقافي الوطني والعربي والإنساني. الكتابة باللغة الفرنسية ليست عيبا في حد ذاتها، لأننا في النهاية نكتب باللغة التي نوصل بها حواسنا وعواطفنا بقوة. يجب أن أقول أيضا أن اللغة الفرنسية أعطتني سبيلا تعبيريا كبيرا عندما أجبرت على الصمت إذ أني لم أجد دارا للنشر واحدة في الوطن العربي قادرة على نشر رواية سيدة المقام أو حارسة الظلال خوفا من اعتداءات المتطرفين؟ بينما منحتني اللغة الفرنسية هذه الفرصة التعبيرية التي جعلتني مهما كانت الصعوبات أثق في الحياة لأن الصمت في الكتابة هو رديف الموت. لكني أظل في عمق اللغة العربية بعشق وحب.
    أصوات الشمال : غياب عمّي الطاهر رحمه الله ، ماذا ترك في نفسك و في المشهد الثقافي الجزائري؟
    د.واسيني الأعرج :
    : على الرغم من خلافي مع عمي الطاهر لأسباب يمكن فهمها بالنسبة لرجل مؤسس ولابن يبدو عاقا إذ خرج من مدرارات الأب، كنت دائما أقول لطلبتي استغلوا الفرصة واشبعوا من مؤسسي أدبكم لأنهم مثل الأساطير، لا يأتون إلا مرة واحدة. هكذا كان ابن هدوقة وهكذا كان وطار. التاريخ هو الذي بوأهم على منصة التأسيس من هنا أهمتهم الكبيرة. وكنت أقول لهم عندما يغيبون ستعرفون كم أن الموت مجحف وكم ضيعتم وقتا كبيرا ولم تعرفوا كيف تحبونهم أو على الأقل تسمعوهم. وهو ما حدث بالفعل. بمجرد خروجي من المستشفى في باريس وعندما عدت إلى الجزائر ظللت مصرا على تنظيم السيمينار والورشة التي خصصتها للطاهر وطار مع طلبة الماجستير على مدار السنة. وكان كبيرا فقد استجاب للدعوة واستمتعنا بحضوره على مدار أربع ساعات ربما كانت آخر نشاط فعلي للطاهر وطار. وتابعته عندما دخل إلى المستشفى في باريس. خسارته كانت كبيرة. ولكن لنقل أنه ترك لنا ميراثا مهما يستحق اليوم أن تعاد قراءته بالشكل الذي يليق به.
    أصوات الشمال:على ماذا يشتغل الروائي الكبير واسيني لعرج حاليا؟
    د.واسيني الأعرج :
    : رواية جديدة منذ أكثر من سنة وأنا غارق في تفاصيلها وصعوباتها وهي أصابع لوليتا التي أنتظر الانتهاء منها وصدروها في دار الآداب مع بداية السنة القادمة أي 2012 ربما وصلت بها إلى معرض بيروت ولكني لست متأكدا من ذلك. لأن العمل السابق جملكية آرابيا أنهكني بقوة وأخذ مني كل طاقتي. ولهذا أريد أن أعطي لنفسي بعض الوقت بالخصوص وأن موضوعة الرواية جديدة عربيا وهو حياة عارضة أزياء، حالة صعودها وحالة انكسارها على خلفية اجتماعية وسياسية ودينية معقدة. نحن لا نرى إلا الصورة الجميلة التي تقدمها لنا عارضة الأزياء الباحثة عبثا عن خلود الجسد الحي والشاب دوما، لكن الخلفية قاسية ومظلمة إلى حد كبير. شوية صحة فقط وبعض العمر الجميل وكما كبيرا من الهبل والجنون الإبداعي.
    أصوات الشمال : بعيدا عن عالم الرواية ، ما هي الاهتمامات الأخرى لواسيني الإنسان؟
    د.واسيني الأعرج :
    :
    خارج الاهتمام العائلي الطبيعي وعملي في جامعتي السوربون والجزائر المركزية، فأنا أهتم كثيرا بالأطفال المرضى بالسرطان في بعض المستشفيات. أساعدهم بقدر ما أستطيع. نعمة الأدب منحتني فرصة للمساعدة الحقيقية. كل حقوقي تذهب نحو هؤلاء الأطفال وحتى بعض الجوائز المالية التي تحصلت عليها من وراء كتابتي هي أيضا مسخرة لهم. هناك أناس ينتظروننا في كل مكان وعلى الإنسان النائم فينا أن يستيقظ مهما كانت صعوبات الحياة. حياتي بسيطة ومتطلباتي قليلة، ولهذا يمكنني أن التفت نحو غيري المحتاج إلي، بالكثير من الحب.
يعمل...
X