إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شعر سعدي الشيرازي الفارسي إرتوى من الثقافة العربية - هدى قزع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شعر سعدي الشيرازي الفارسي إرتوى من الثقافة العربية - هدى قزع



    لغة الشيرازي الفارسية حملت تراثًا هائلا
    تمثلات الثقافة العربية في شعر سعدي الشيرازي
    هدى قزع
    إرتوى سعدي الشيرازي من مناهل الأدب العربي في صورة مباشرة في الكثير من أشعاره ، وكانت هجرته إلى البلاد العربية لا سيما بغداد من العوامل الأساسية الدافعة لهذا التأثر، إضافة إلى استعداده النفسي وموهبته.
    فقد تلقى العلوم العربية في عدد من المدارس العربية كـ" العضدية" و" النظامية " و" المستنصرية " ، واتصل بعدد من الشخصيات المهمة كالسهروردي، كما استقى من مؤلفات الإمام الغزالي ، حيث يمكن القول إن مقدمة كتابه " الكلستان" وما أورده من دواعي تأليفه له، تتطابق مع مقدمة إحياء علوم الدين. .وفي كتابه " بوستان" نجده يقتفي في مقدمته وبابه الأول وهو " العدل" أثر الإمام علي رضي الله عنه في كتاب نهج البلاغة ، لاسيما رسالته لعامله على " مصر" مالك الأشتر .ويرجح الدارسون أن الحكاية الأخيرة في كتابه " الكلستان" والتي جاءت بعنوان " جدال سعدي والمدعى" هي " مقامة" وإن لم يصرح بتلك التسمية ، فقد حاكى فيها "المقامات العربية" شكلًا ومضمونًا.
    ومن يستقرىء أشعاره العربية يجد أنها تعتمد على ثقافتين من بين روافد الثقافة الإسلامية المتعددة ، أولهما ثقافته الإيرانية المتمثلة في لغته الأم الفارسية ، وثانيهما ثقافته العربية التي تجلت في شعره الفارسي والعربي معًا فتمثل أساليب شعرها وصورها كالوقوف على الإطلال ، ومخاطبة النديمين أو مناداة الأصحاب ، وحداء العيس ، والإشارة إلى شخصيات عربية من مشاهير العشاق مثل جميل والمجنون وما إلى ذلك مما يمد إلى الأدب العربي بنسب.
    أما ثقافته الإيرانية فأكثر ما تتجلى بذكره لبعض الألفاظ الفارسية في بعض أشعاره العربية في صورة مباشرة وعفوية . وشأنه في هذا شأن غيره من شعراء إيران من ذوي اللسانين . أما ثقافته العربية فقد تجلت في تأثره في الأبيات الشعرية العربية القديمة ، والأساطير والحكايات والأمثال الشعبية ، ومن أمثلة ذلك في شعره قوله:
    " طالما صلت على أسد الشرى/ وبقيت اليوم أخشى الثعلبان"

    فقد تردد بيت عربي ضم كلمة " الثعلبان" وأصبح مثلًا يضرب وقولًا يستشهد به وهو :
    " أربٌّ يبول الثُعْلبَانُ برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب "
    ومن الأمثلة الأخرى الدالة على تأثره قوله في" ملمعاته":

    " لقيت الأسد في الغابات لا تقوى على صيدي/ وهذا الظبي في شيراز يسبيني بأحداق"
    ومضمون هذا البيت وصورته يذكر بأبيات تمثلها شعراء العصر المملوكي الذين كرّروا في الغالب ما أتى به الأولون ، من مثل قول الشاب الظريف :
    " عَلامَ رَمَتْ قلبي هُناكَ ظِباؤُهُ / وَقَدْ كُنْتُ قِدْماً تَتَّقِينيَ أُسْدُهُ".
    ومن مظاهر تأثره بالعربية وثقافتها قوله :
    " كيفَ لهوى بعد أيّام الصبى/ وانقضى العمرُ ومَرَّ الطيبان

    و" مر الطيبان/الأطيبان" اقتباس لمثل عربي وهو :" ذهب منه الأطيبان" يضرب لمن بلغ من الكبر عتيا.
    ويبدو متأثرًا في الثقافة العربية القديمة من جهة أخرى، في استخدامه بعض أساليب العربية، كاستخدامه أسلوب القسم في قوله :
    " لعَمرُك إن خوطِبتُ ميتاً تراضياً / سيبعَثُني حيّاً حديثُ مخاطبي"
    وقوله:

    " وما الشعرُ أيمُ اللّهِ لستُ بمُدّعٍ / ولو كان عندي ما ببابِلَ من سحرِ"
    فـ "لعمرك " و"أيم الله" تعبيران عربيان متفردان ليس لهما مثيل في باقي اللغات ومصدرهما ثقافته العربية ، وتعبير " سحر بابل" تعبير عربي معروف أكثر الشعراء والناثرون من استخدامه.

    ويقول سعدي :
    "أيها الظاعنونَ من حيّ ليلى/ عجَباً كيف تستطيعونَ صبرا"

    وقصة قيس بن الملوح وعشقه لابنة عمه ليلى العامرية معروفة في الأدب العربي ، فلا غرو أن يلجأ لها كإحدى علامات تأثره بالثقافة العربية .
    ومن جوانب تأثره استخدامه لفظ المثنى وخطاب الصاحبين على عادة الشعراء العرب منذ الجاهلية وذلك لأن الصحبة أدنى ما تكون ثلاثة . فقد كان الشاعر العربي الجاهلي يرافقه اثنان أحدهما لحمل سلاحه والآخر لحمل طعامه . وقد سميت الصحراء بالمفازة لأن من يطويها يفوز في حياة جديدة ، فهي محفوفة بالمخاطر ولا يمكن أن يعبرها الإنسان وحده ما لم يكن معه على الأقل واحد أو اثنان ، فلذلك خاطب شعراء الجاهية صاحبين ، من مثل قول امرىء القيس :

    " قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل / بسقط اللوى بين الدخول فحومل".
    ثم أصبح نهجًا تداوله الشعراء العرب في مختلف العصور الإسلامية وأضافوا إليه مخاطبة النديمين والساقيين ، وسار على نهجهم سعدي ، فقال :
    " خليلَيَّ ما في العشقِ مأمَنُ داخلٍ / ومطَعُ محتالٍ ومخلَصُ هارِبِ"
    وقال أيضًا:

    " خليليّ ما أحلى الحياةَ حقيقةً / وأطيبَها لولا المماتُ على الإثرِ"
    ويستخدمه في بيت آخر في صيغة الجمع وهي أيضا من عادات الشعراء العرب ، فيقول :
    " أخلّاي لا ترثوا لمَوتي صبابَةً / فموتُ الفتى في الحبّ أعلى المناصبِ " .
    وكذلك يخاطب الصاحبين بقوله:

    "قوما اسقِياني على الريحانِ والآسِ/ إنى على فرطِ أيّامٍ مضت آس"
    ويستخدم سعدي موروثه العربي فيقول:
    " تزاحَمَت الغربانُ حول رسومِها / فأصبحَت العنقاءُ لازمةَ الوكرِ"
    فالرسوم وما بقي من آثار ديار الحبيبة من أطلال ودِمَن اسودّت كلها أجواء عربية ، والعنقاء الطائر الوهمي الذي لا وجود له ، عرف في الثقافة الإيرانية ، إلا انه طائر وهمي خرافي معروف من قبل في ثقافة العرب ، تضمنته أشعارهم ، مثل قول أبي العلاء المعري:

    "أرى العَنْقاءَ تَكْبُرُ أن تُصادا / فعانِدْ مَنْ تُطيقُ لهُ عِنادا"
    ويستعين سعدي بمخزونه الثقافي العربي ويأتي على ذكر الخنساء وأخيها صخر الذي رثته بمراثيها المعروفة ، فيقول:

    " مرَرتُ بصُمِّ الراسياتِ أجوبُها / كخَنساءَ من فرطِ البكاءِ على صخرِ"
    والبيت لا يخلو من صنعة التورية ، فقد أورد كلمة " صخر" ومعناها القريب الحجر وأراد المعنى البعيد وهو "صخر أخو الخنساء".
    كما يستخدم موروثه التاريخي ويستدعي تراثه السياسي والديني في حديثه عن بني قنطوراء وأبناء البرامكة فيقول:

    "وعترَةُ قنطوراء في كل منزلٍ/ تصيحُ بأولادِ البرامك من يشرى"
    و تبدو إشارته النحوية والبلاغية في ذكره لزيد وعمرو وهما مثالان يضربان في ذينك العلمين ، فيقول:

    "رعى اللَهُ إنساناً تيَقَّظَ بعدَهم / لأنّ مصابَ الزيد مزجرةُ العمرو"
    وقد ضمن سعدي إشارته النحوية في بيتين من شعره العربي أوردهما في الباب الخامس من "الكلستان" . فيسرد قصة فحواها أنه رأى صبيًا في جامع " كاشغر" وفي يديه مقدمة الزمخشري في النحو ، ويردد هذه المقولة : ضرب زيد عمرًا وكان المعتدي عمرًا ، فقال له سعدي إن الصلح قد تم بين " خوارزم" وبين " خطا" ولم تزل الخصومة بين زيد وعمرو ! فضحك الصبي وسأل عن بلده فقال " شيراز" ثم رغب إليه أن ينشده شيئًا من شعره فقال:

    " بليت بنحوي يصول مغاضبًا/ علي كزيد في مقابلة العمرو
    على جر ذيل ليس يرفع رأسه/ وهل يستقيم الرفع من عامل الجر؟"
    فقال الصبي إن معظم أشعار سعدي بالفارسية ...".

    ففي البيت الثاني إشارة نحوية وهي أن الجر لا يتأتى من عامل الرفع، وقد استخدم " التورية" بين كلمتي " الجر" و " الرفع" . فالجر بمعنى السحب وبمعنى جر الكلمة نحويًا فهو يقول : إنها تمشي مشية الخيلاء : تجر أذيالها ولا ترفع رأسها ، فهل يتأتى الجر من عامل الرفع؟
    وقد وردت مثل هذه الإشارات النحوية في الشعر العربي ، كقول ابن الفارض :
    "نَصباً أكسبَني الشّوقُ كما / تُكْسِبُ الأفعالَ نَصباً لامُ كَي"
    وهذه إشارة نحوية : فلام كي ، هي اللام التي تفيد التعليل ويصح حذفها وإقامة كي مقامها ولذلك سميت بذلك.وهذه اللام تنصب على قول الكوفيين ، أما البصريون فالنصب عندهم بأن مضمرة بعد لام كي لا بنفسها.

    فما يفهم من كلام ابن الفارض من كونها ناصبة مبني على هذا المذهب ، وتجوز في كونها ناصبة لأنها سبب النصب . والمعنى في ذلك: أن الشوق إلى الأحبة أكسبه التعب والمشقة مثلما أكسبت " لام كي" الأفعال المضارعة النصب ، وما أكسبه ذلك التعب هم الأحبة لا شوقه إليهم ، كما أن لا م كي ما أكسبت الأفعال النصب ، وإنما الناصب "أن " مضمرة بعد " لا كي" ولام كي لم تنصب بنفسها ، ولكن نسب إليها النصب للأفعال كما نسب النصب للشوق.
    ولأبي فتح البستي أبيات قريبة في المعنى نفسه ، إذ قال :
    "أَفدي الغَزالَ الّذي في النَّحوِ كلَّمَني/ مُناظِراً فاجتَنَيْتُ الشّهدَ مِن شَفَتِهْ
    وارفضّ من عرق من مر جامده / حتَّى وددتُ بأنِّي تِربُ مِنشَفَتِهْ
    فأوردَ الحُججَ المقَبولَ شاهِدُها / مُحَقِّقا لِيريني فضلَ معرِفَتِهْ
    ثمَّ اتفَقْنا على رأيٍ رَضيِتُ بهِ / بالرَّفعُ مِن صِفَتي والنَّصبُ مِن صِفَتِهْ"
    ومن جانب آخر كان لثقافة سعدي القرآنية أثر كبير في معجمه الشعري ، فاستعان بألفاظ القرآن واستلهم صوره وإشاراته ، وقصصه .
    من ذلك قوله:

    " يا لهفَ عصرِ شبابٍ مرّ لاهيَةً / لا لهو بعدَ اشتعالِ الشيبِ في راسي"
    فاشتعال الشيب في هذا البيت " كناية عن صفة" مأخوذ من قوله تعالى في سورة مريم " قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا " . والنداء في "يا لهف" أسلوب إنشائي معناه للتأسف .
    وقوله :
    "ولو كان كِسرى في زمانِ حياتهِ / لقال إلهي اشدُد بدَولَتِه أزرى"
    وفي البيت مبالغة واقتباس من قوله تعالى في سورة طه " وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي *هَارُونَ أَخِي *اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ".
    ويشير في بعض أبياته إلى القصص القرآني ، من ذلك إشارته إلى قصة النبي يونس عليه السلام مع الحوت :

    "ضفادِعُ حول الماءِ تلعَبُ فرحَةً / أصبَرٌ على هذا ويونُسُ في القعرِ"
    وقوله " ضفادع" كناية عن المغول ، وهو يكني عن الخليفة المستعصم بقوله " يونس" ، وقد لجأ إلى الأسلوب الإنشائي المتمثل في " الاستفهام / أصبر ..." الذي أراد به النفي .

    وتأثر في عدد من أبياته بالحديث النبوي الشريف ، ومن أمثلة ذلك قوله :
    " وفي الخبرِ المرويِّ دينُ محمّدٍ / يعودُ غريباً مثلَ مبتَدإِ الأمرِ"
    وفيه يشير في صورة مباشرة إلى الحديث النبوي :" إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء" .

    ولو اتجه المرء لحصر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ،التي اقتبسها سعدي في شعره لأربت نسبتها على النصف ، وما ذلك إلا لتغلغل هذه الظاهرة في شعره ، الأمر الذي يظهر تمكنه من ناصية العربية وإدراكه لبلاغتها ومواطنها.
    و من يرجع لأشعاره العربية -التي اندرجت في كلياته تحت عنوان " قصايد عربي" وقد بلغت 339 بيتًا ، وأبياته العربية التي تخللت " ملمعاته" التي احتوت قصيدة واحدة وتسع غزليات ، وكذلك أبياته التي اندرجت في " مثلثاته" وقد شكلت العربية منها 18 بيتًا ، وأبياته العربية التي استعان بها في قصصه الواردة في كتابه " الكَلستان " ليترك فيها فحوى قصته ويودعها خلاصة تجربته فيكثف المضمون ويحدد المعنى بها ، وهي تتراوح بين ستين وسبعين بيتًا على اختلاف نسخ " الكلستان" .
    وكذلك أبياته "المفردة" و"نتف" و"قطع" أشعاره العربية في بقية منظوماته وقصائده الأخرى -يجد أنه نظم أشعاره في الأغراض الشعرية المعروفة عند العرب ، وإن لم يكن يخصص قصائد كاملة لهذه الأغراض .وأكثر ما أجاد فيه من الأغراض هو الغزل ، من ذلك قوله:
    " رضينا من وصالك بالوعودِ / على ما أنت ناسيةُ العهود
    ترَكتِ مدامِعي طوفانَ نوحٍ / ونارَ جوانِحي ذاتَ الوقودِ".
    وهي أبيات فيها بعض المبالغة لما يشبه دموعه بطوفان نوح ، ويبدو أنه متأثر بتائية ابن الفارض الكبرى التي يقول فيها:

    " فَطُوفانُ نوحٍ عندَ نَوحي كَأَدمُعي / وَإيقادُ نِيرانِ الخَليلِ كلَوعَتي"
    فصور ابن الفارض تتكرر في بيت سعدي وكذلك مفرداته : " مدامعي ، طوفان نوح، نار ، أدمعي، ذات الوقود" .
    وقد أعرض سعدي عن غرض الهجاء فيما وصلنا من أشعاره .

    وبعد : لقد كان لإحساس سعدي بأهمية اللغة العربية ، وقيمتها في الكينونة الوجودية للبشر ، والشاعر بطبيعة الحال منهم ، الأثر في تجليها بتمثلاتها المختلفة في شعره الذي كتبه في العربية إيمانًا منه بأن لغته القومية وهي الفارسية لا تغنيه عنها، فهي التي حملت تراثًا هائلًا ، خلد هذه الأمة بين الحضارات ، فما كان لسعدي إلا أن يحفظ الجميل لهذه اللغة ، ويبث مشاعره النبيلة التي تعتز بالعربية وما حملته من تراث على مدى الأزمان في شعره ؛ لأن الشعر منذ القديم ديوان العرب.
    ------------
    هدى قزع - ملاحظة مهمة
    ينبغي في هذا المقام إثبات ملاحظة مهمة وهي أن الدارسة الأولى التي رجحت ان الحكاية الأخيرة في كتابه " الكلستان" والتي جاءت بعنوان " جدال سعدي والمدعى" هي " مقامة" ، الباحثة أمل إبراهيم محمد ، وهي من أوائل الذين أصدروا دراسة متكاملة جلّت الآثار العربية في أدب سعدي الشيرازي عامة المكتوب بالعربية والفارسية، وكتابها أوحى لي بكتابة هذا المقال . (الأثر العربي في أدب سعدي الشيرازي ، أمل إبراهيم محمد ، الدار الثقافية للنشر ، القاهرة ، ط2، 2000م) وهو يحتوي على تفصيلات ووقفات نقدية تحليلية يحسن لمن أحب التوسع والتعمق في الموضوع مراجعته وقراءته.
يعمل...
X