تويت
الشاعر الفاجومي ..
أحمد فؤاد نجم
.. الذي قال لمبارك غور
كانوا صوت الشعب في لحظات الهزيمة والقهر والانكسار، وكانوا سوطه في مواجهة غشم السلطة، كانوا مع الشعب وضد السلطة سواء كانت سلطة الأجنبي المحتل، أو سلطة النظام الظالمة، دفعوا ضريبة أن يكونوا أصوات الشعب: تشرد ونفي وسجن ومرض.
وصف نفسه يوما بأنه مواطن غلبان «شايل في قلبه وطن»، بينما وصفه الناقد الراحل علي الراعي بالشاعر البندقية، وهو الشاعر البذيء كما وصفه عدوه اللدود الرئيس الراحل أنور السادات، وهو شاعر تكدير الرأي العام، ولكن لقبه المفضل هو «الفاجومي» الذي أطلقه على نفسه لشجاعته التي تصل إلى حد التهور والحماقة وصراحته المفرطة التي لا تعرف الحسابات.
ولد احمد فؤاد نجم في محافظة الشرقية لأب يعمل ضابطا بالشرطة اسماه «أحمد فؤاد» تيمنا بالملك فؤاد، وأم فلاحة أمية أنجبت سبعة عشر ابنا، لم يتبق منهم سوى خمسة، والسادس فقدته الأسرة ولم يعد، التحق بعد ذلك بكتّاب القرية كعادة أهل القرى في ذلك الزمن.
عندما توفي والده وعمره 6 سنوات التحق بالملجأ نفسه الذي عاش فيه العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، وخرج منه عام 1945 وعمره 17 عاما، وعندما تم تعيينه من قبل حكومة الوفد كعامل في ورشة حكومة للنقل قام بالتزوير في أوراق رسمية وسجن ثلاث سنوات، وفي السنة الأخيرة له في السجن اشترك في مسابقة للكتاب وفاز بالجائزة، وبعدها صدر ديوانه الأول بالعامية المصرية «صور من الحياة والسجن»، التي كتبت مقدمته الكاتبة سهير القلماوي، ليشتهر وهو في السجن، وبعد خروجه من السجن يصبح نجم شاعر العامية الذي يشار له بالبنان، ويصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية وتتوالى قصائده الساخرة اللاذعة.
نقطة تحول
لكن اللقاء الذي يعتبر نقطة تحول كبرى في حياة نجم هو لقاؤه برفيق دربه الشيخ إمام عيسى في «حوش آدم»، حيث تحولا معا إلى ظاهرة اجتاحت مصر كلها، كانا يقومان بعمل أغنية مختلفة عن تلك التي يسمعها المصريون في الإذاعة، ورغم أن نجم يصف نفسه بأنه أحد دراويش عبد الناصر، وكتب فيه العديد من القصائد التي تمدح تجربته الناصرية، إلا انه بعد نكسة 1967 أعلن على السلطة البيان رقم واحد من خلال قصيدته «يا محلا رجعه ضباطنا».
ومن يومها وضع نجم في خانة أعداء النظام، وبدأت رحلته الطويلة مع السجن، أمضى نجم من حياته 18 عاما في السجن، نصفها في سجون عبد الناصر الذي حزن عليه نجم حزنا كبيرا، وما زال يتذكر وصف أمه لرحيله «عمود الخيمة سقط»، لكنه في سجون ناصر لم ينقطع عن كتابة الشعر الذي ينطلق كالشظايا على صوت رفيق دربه الشيخ إمام.
يوميات في السجن
نصف سنوات السجن قضاها في سجون السادات، كانت سنوات نجم في عصر السادات هي عصر الحضور القوي لشعره وليومياته في السجن أيضا، كانت العلاقة بين السادات ونجم علاقة مليئة بالكراهية بين شاعر يتحدث بصوت البسطاء وسلطة ترى شعره فيه شاعرا رديئا وبذيئا، وكتب نجم قصائد لاذعة في السخرية والتهكم على السادات مثل «شحاته المعسل» و«البتاع».
ومازال نجم يعتبر السادات حتى اليوم خائنا، بل ويعتبره بتوقيعه على اتفاقية كامب ديفيد وسياسة الانفتاح الاقتصادي سبب كل المصائب التي مرت بها مصر، وكان أول شاعر يدخل السجن عن طريق محاكمة عسكرية في عصر السادات.
انفصال نجم عن إمام
في عصر مبارك، الذي شهد انفصال نجم عن رفيق دربه الشيخ إمام، لم يدخل سجون نظام مبارك الذي كان يترك نجم وأمثاله «يقولون ما يشاءون» والنظام «يفعل ما يشاء»، لكن الفاجومي لم يكن أكثر ألفة ولم يتورع عن نقد مبارك ونظامه، بل وعائلته بقسوة وكانت قصائده تنتشر عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بمجرد كتابتها، ومنها قصيدته الشهيرة «عريس الدولة» التي قالها عن زواج جمال مبارك الحالم بالتوريث.
كأنك مفيش
وعندما اندلعت ثورة 25 يناير لم يكن نجم بعيدا عنها، فهو يوجد حيث توجد الجماهير التي تصفها السلطة بالفئة المندسة، كان نجم حاضرا من خلال ابنته نوارة، التي كانت واحدة من ثوار الفيسبوك، وكان حاضرا من خلال قصيدته «كأنك مفيش»، التي وجهها الى مبارك قبل تنحيه:
بحق إللي بينّا يا ريّ.س وبينك
وحَق اليَم.ين والكتاب في يمينك
بحق الشهيد .. إللي رافع جبينك
وجيش انتصارك في يوم العبور
وجيل حُر طالع .. وعدته بدور
لملم عيالك .. وجمَّع فمالك
واسحب جمالك وسيبنا وغور
تزوج الفاجومي فاطمة منصور، التي أنجبت له ابنته الكبرى عفاف، والكاتبة صافيناز كاظم التي أنجبت له ابنته الثانية نوراة، كما تزوج المطربة عزة بلبع، والجزائرية صونيا ميكيو، وحياة الشيمير، وزوجته الأخيرة التي تعيش معه حاليا أميمة عبد الوهاب التي أنجبت له ابنته الصغرى زينب.
نجم الذي ترك حوش آدم بعد الزلازل الذي ضرب مصر في بداية التسعينات يعيش الآن في منطقة المقطم في منطقة تعرف بمساكن الزلزال، تعدى الثمانين من عمره لكن من يراه على شاشات الفضائيات وهو يتحدث أو يلقي شعره يشعر وكأن كل هذه السنين فشلت في ترويض هذا الشاعر الفاجومي.
المصدر:
محمد حنفي - القبس
أحمد فؤاد نجم
.. الذي قال لمبارك غور
كانوا صوت الشعب في لحظات الهزيمة والقهر والانكسار، وكانوا سوطه في مواجهة غشم السلطة، كانوا مع الشعب وضد السلطة سواء كانت سلطة الأجنبي المحتل، أو سلطة النظام الظالمة، دفعوا ضريبة أن يكونوا أصوات الشعب: تشرد ونفي وسجن ومرض.
وصف نفسه يوما بأنه مواطن غلبان «شايل في قلبه وطن»، بينما وصفه الناقد الراحل علي الراعي بالشاعر البندقية، وهو الشاعر البذيء كما وصفه عدوه اللدود الرئيس الراحل أنور السادات، وهو شاعر تكدير الرأي العام، ولكن لقبه المفضل هو «الفاجومي» الذي أطلقه على نفسه لشجاعته التي تصل إلى حد التهور والحماقة وصراحته المفرطة التي لا تعرف الحسابات.
ولد احمد فؤاد نجم في محافظة الشرقية لأب يعمل ضابطا بالشرطة اسماه «أحمد فؤاد» تيمنا بالملك فؤاد، وأم فلاحة أمية أنجبت سبعة عشر ابنا، لم يتبق منهم سوى خمسة، والسادس فقدته الأسرة ولم يعد، التحق بعد ذلك بكتّاب القرية كعادة أهل القرى في ذلك الزمن.
عندما توفي والده وعمره 6 سنوات التحق بالملجأ نفسه الذي عاش فيه العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، وخرج منه عام 1945 وعمره 17 عاما، وعندما تم تعيينه من قبل حكومة الوفد كعامل في ورشة حكومة للنقل قام بالتزوير في أوراق رسمية وسجن ثلاث سنوات، وفي السنة الأخيرة له في السجن اشترك في مسابقة للكتاب وفاز بالجائزة، وبعدها صدر ديوانه الأول بالعامية المصرية «صور من الحياة والسجن»، التي كتبت مقدمته الكاتبة سهير القلماوي، ليشتهر وهو في السجن، وبعد خروجه من السجن يصبح نجم شاعر العامية الذي يشار له بالبنان، ويصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية وتتوالى قصائده الساخرة اللاذعة.
نقطة تحول
لكن اللقاء الذي يعتبر نقطة تحول كبرى في حياة نجم هو لقاؤه برفيق دربه الشيخ إمام عيسى في «حوش آدم»، حيث تحولا معا إلى ظاهرة اجتاحت مصر كلها، كانا يقومان بعمل أغنية مختلفة عن تلك التي يسمعها المصريون في الإذاعة، ورغم أن نجم يصف نفسه بأنه أحد دراويش عبد الناصر، وكتب فيه العديد من القصائد التي تمدح تجربته الناصرية، إلا انه بعد نكسة 1967 أعلن على السلطة البيان رقم واحد من خلال قصيدته «يا محلا رجعه ضباطنا».
ومن يومها وضع نجم في خانة أعداء النظام، وبدأت رحلته الطويلة مع السجن، أمضى نجم من حياته 18 عاما في السجن، نصفها في سجون عبد الناصر الذي حزن عليه نجم حزنا كبيرا، وما زال يتذكر وصف أمه لرحيله «عمود الخيمة سقط»، لكنه في سجون ناصر لم ينقطع عن كتابة الشعر الذي ينطلق كالشظايا على صوت رفيق دربه الشيخ إمام.
يوميات في السجن
نصف سنوات السجن قضاها في سجون السادات، كانت سنوات نجم في عصر السادات هي عصر الحضور القوي لشعره وليومياته في السجن أيضا، كانت العلاقة بين السادات ونجم علاقة مليئة بالكراهية بين شاعر يتحدث بصوت البسطاء وسلطة ترى شعره فيه شاعرا رديئا وبذيئا، وكتب نجم قصائد لاذعة في السخرية والتهكم على السادات مثل «شحاته المعسل» و«البتاع».
ومازال نجم يعتبر السادات حتى اليوم خائنا، بل ويعتبره بتوقيعه على اتفاقية كامب ديفيد وسياسة الانفتاح الاقتصادي سبب كل المصائب التي مرت بها مصر، وكان أول شاعر يدخل السجن عن طريق محاكمة عسكرية في عصر السادات.
انفصال نجم عن إمام
في عصر مبارك، الذي شهد انفصال نجم عن رفيق دربه الشيخ إمام، لم يدخل سجون نظام مبارك الذي كان يترك نجم وأمثاله «يقولون ما يشاءون» والنظام «يفعل ما يشاء»، لكن الفاجومي لم يكن أكثر ألفة ولم يتورع عن نقد مبارك ونظامه، بل وعائلته بقسوة وكانت قصائده تنتشر عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بمجرد كتابتها، ومنها قصيدته الشهيرة «عريس الدولة» التي قالها عن زواج جمال مبارك الحالم بالتوريث.
كأنك مفيش
وعندما اندلعت ثورة 25 يناير لم يكن نجم بعيدا عنها، فهو يوجد حيث توجد الجماهير التي تصفها السلطة بالفئة المندسة، كان نجم حاضرا من خلال ابنته نوارة، التي كانت واحدة من ثوار الفيسبوك، وكان حاضرا من خلال قصيدته «كأنك مفيش»، التي وجهها الى مبارك قبل تنحيه:
بحق إللي بينّا يا ريّ.س وبينك
وحَق اليَم.ين والكتاب في يمينك
بحق الشهيد .. إللي رافع جبينك
وجيش انتصارك في يوم العبور
وجيل حُر طالع .. وعدته بدور
لملم عيالك .. وجمَّع فمالك
واسحب جمالك وسيبنا وغور
تزوج الفاجومي فاطمة منصور، التي أنجبت له ابنته الكبرى عفاف، والكاتبة صافيناز كاظم التي أنجبت له ابنته الثانية نوراة، كما تزوج المطربة عزة بلبع، والجزائرية صونيا ميكيو، وحياة الشيمير، وزوجته الأخيرة التي تعيش معه حاليا أميمة عبد الوهاب التي أنجبت له ابنته الصغرى زينب.
نجم الذي ترك حوش آدم بعد الزلازل الذي ضرب مصر في بداية التسعينات يعيش الآن في منطقة المقطم في منطقة تعرف بمساكن الزلزال، تعدى الثمانين من عمره لكن من يراه على شاشات الفضائيات وهو يتحدث أو يلقي شعره يشعر وكأن كل هذه السنين فشلت في ترويض هذا الشاعر الفاجومي.
المصدر:
محمد حنفي - القبس