Announcement

Collapse
No announcement yet.

الباحث مصطفى الصوفي - فاكهة الشتاء والبرد - ج1

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الباحث مصطفى الصوفي - فاكهة الشتاء والبرد - ج1



    فاكهة الشتاء والبرد - ج1

    رغم أن فصل الشتاء هو فصل الأمطار والخصب والخير، ويعد مؤشراً إما للرخاء أو للمحل والجفاف في العام بما ينزل فيه من أمطار وثلوج، فإن الشتاء على نحو عام أكثر الفصول شدّة وقسوةً على الإنسان بسبب موجات البرد، والصقيع الشديدة حتّى قيلت فيه الأمثال المشهورة التي تبين صفات الشتاء، وتأثيراته السلبية في حياة الإنسان فقيل: ( الشتاء شدّة ولو كان رخا و الشتاء بيعمي القلب ).
    فالشتاء تجتاحه موجات من البرد الشديد والصقيع تتطلب من الناس اللجوء إلى توفير الدفء اللازم لأنفسهم، والتخفيف من آثار البرد السيئة على صحة الإنسان فالمثل الشعبي يقول: ( البرد سبب كل علة ) فكيف إذا اجتمع على الإنسان البرد والفقر، وقلة المازوت في هذه الأيام فيزيد الطين بلة، فيصبح: ( البرد والقلّة أصل كل علّة ).
    وتحدثنا الذاكرة الشعبية عن معالجة آثار البرد بشرب المشروبات الساخنة من الزهورات المتنوعة كالبابونج والنعنع، والاستدفاء باللباس السميك والأغطية والبطانيات. ( والله يرحم أيام زمان ) كم كانت الأمور سهلة وغير مكلفة. كما أن البرد يسبب الإصابة بتجمد الأطراف، وتورم الأصابع وازرقاقها، فيتم معالجتها بوخز المكان بإبرة معقمة بالنار حتى يخرج الدم الأزرق المحتقن منها، ثم يلف مكان الإصابة بمنشفة، ويغطى الشخص ببطانية سميكة حتى يشفى منها. وكفى الله المؤمنين شر القتال .
    لكن قد يستفحل الأمر ويشتد الصقيع والبرد فيتسببان بموت النباتات والحيوانات وحتى البشر ( طبعاً الفقراء)، وتشتهر وتشيع بين الناس تلك الحكايات والقصص الشعبية عن تعرض الناس للموت في موجات الصقيع، أو ضحايا افتراس الحيوانات المتوحشة خاصة الضباع، التي تتعرض للناس وتنتقي منهم الضعفاء والفقراء ( ليس لهم قوة على المواجهة ) وتهاجمها في أيام البرد والثلج، والصقيع بل تهاجم أطراف الأحياء، والقرى بحثا عن فرائس قد تطال الإنسان كما حصل أيام الثلجة الكبيرة.
    ومن المعروف أن فصل الشتاء يقل عن باقي الفصول بيوم ونصف، ( وهذه من نعم الله سبحانه وتعالى ) فتبلغ أيامه حوالي تسعين يوماً، وتقسم الشتاء إلى ( مربعانية 40 يوماً وخمسانية 50 يوما ). والمربعانية تبدأ من 22 كانون أول وحتى 30 كانون ثاني وتعد أقسى وأشد فترات الشتاء برداً ومطراً ( أجارنا الله من شرورها ) لذلك قيل فيها: ( المربعانية فحول الشتوية ).
    أما الخمسانية فقد سميت بالخمسينية لأن مدتها خمسون يوماً، تبدأ من أول شباط وحتى 22 آذار، وتسمى أيضاً المودعات لأنها تأتي آخر الشتاء فتودعه وتودعنا معه بالتدريج وعلى مراحل بواسطة أربعة سعودات كل منها مدته 12,5 يوماً، وهي على التوالي:
    ـ سعد دبح يبدأ من 1 شباط وحتى 12 منه
    ـ سعد بلع يبدأ من منتصف نهار 12 شباط وحتى 25 منه
    ـ سعد السعود يبدأ من منتصف يوم 25 شباط وحتى 9 آذار .
    ـ وسعد الخبايا آخر السعودات يبدأ من منتصف يوم 9 آذار وحتى 21 منه.
    ويقال إن تسميتها بالسعود يعود إلى تشكيلات فلكية ونجمية معينة تظهر في السماء كل فترة فتسمى باسمها، كما يقال في تسميتها بسعد نسبة إلى أمير قبيلة اسمه ( سعد ) خرج مع مجموعة من الفرسان أيام القحط والفقر يبحثون عن الكلأ في أيام الخمسانية، فعلق في دوامتها والأقوال والأمثال التي قيلت فيها هي كانت وصايا والده له، منها قوله في سعد دبح: ( إن سعد دبح ربح وإن ما دبح ما ربح واندبح ) إشارة إلى أن الأمير سعد سرح في البرية أيام الخمسانية، وأوصاه والده إذا اشتد البرد أن يذبح ناقته، وينام في بطنها حتى ينجو من التجمد. وقيل في هذا السعد ( بسعد الدابح يا نهار مد ويا برد شد ـ بسعد دبح ما في كلب نبح ـ بسعد دبح لا راعي سرح ولا فلاح فلح ).
    أما في سعد بلع ففاسمه يدل عليه وفيه تبدأ الأرض بابتلاع المطر الذي هطل في سعد الدابح فقيل عنه: ( السماء بتمطر والأرض بتبلع ) و( إذا طلع سعد بلع اقتحم الربع وصيد المُرع وصار في الأرض لمع ) والربع: الإبل، والمرع: طائر. وفي هذا الوقت يكثر العشب ويطول كثيراً وتبدأ تباشير خير الشتاء بالظهور.
    ويقول المثل عن لسان سعد بلع: ( إن ما عجبكم حالي ببعتلكم خالي ) ويقصد خاله سعد السعود الذي يأتي بعده أي إذا لم يعجبكم ما قدمته لكم سأبعث لكم بخالي سعد السعود يفرجيكم. وسعد السعود يبدأ فيه الجو بالدفء فقيل: ( إذا جاء سعد السعود نضّر العود ولانت الجلود وتكره في الشمس القعود ) والفترة المقصودة هي التي تقع في النصف الثاني من شباط.
    ويقول المثل: ( بسعد السعود بتدب الماوية في العود وبيدفى كل مبرود )
    أي يسري الغذاء في أغصان النبات والأشجار وتبدأ تخضر وتدب فيها الحياة ويستبشر الناس بالخير من الخال. ونظراً لقصر الليل فيه ينصح المثل الناس بعدم السهر خارج البيت بعد العشاء والرجوع إلى بيوتهم فيقول: ( بسعد السعود بعد العشي ما في قعود ) ويقول: ( سعد السعود سلاّخ الجلود ) أي أن شدة البرد المفاجيء فيه تلسع الإنسان بقوة وتجفف جلده وتسبب له الأمراض.
    أما في سعد الخبايا فتخرج الحيوانات من مخابئها بعد ثبات طويل وخاصة الحية، وتخرج أيضاً الصبايا تتمشى بين الحقول تحت أشعة الشمس لتدب الحرارة في أجسامهن فقيل فيه: ( بسعد الخبايا بتطلع الخبايا ، بسعد الخبايا بتطلع الحيايا ، بسعد الخبايا بتتفتل الصبايا ). والغريب في المثل الشعبي أن يجمع بين الحيايا وبين الصبايا لنية في نفس يعقوب كما يقولون.

    قصة مدينة حمص
    الباحث مصطفى الصوفي
Working...
X