إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

في شعر السيّاب ( الأسطورة ) بقلم عبد الرضا علي الناقد الأدبي والكاتب العراقي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • في شعر السيّاب ( الأسطورة ) بقلم عبد الرضا علي الناقد الأدبي والكاتب العراقي


    الأسطورة في شعر السيّاب

    بقلم عبد الرضا علي

    عبد الرضا علي
    الدكتور عبد الرضا: ناقد أدبي وكاتب عراقي



    ثمّةَ هوامشُ يجبُ أنْ تسبقَ المتنَ نزعُمُ أنَّ إيرادَها قبلَ إيجاز القولِ في الأسطورة في شعر السيّاب يشكّلُ توطئة ً كاشفة ً لأسئلة ٍ قد تُثارُ عندّ عرض ِ المتنِ، وهذه الهوامشُ عديدةٌ، لكنَّ ما يتعلّقُ منها بالأسئلةِ يمكنُ أنْ يُلخّصَ بالآتي:
    الهامش الأوّل - روى بلند الحيدري في شهادتِه عن السيّاب قائلا ً: سألني بدر شاكر السيّاب عن سنةِ ولادةِ الفنّانِ الخالدِ جواد سليم؟ فقلتُ مجيبا ً: العام 1926م، فأردفَ سائلاً : ومتى كانت ولادةُ الفنّان خالد الرحّال؟ فأجبته: في العامِ نفسهِ، ثمَّ أومأ لي: ومتى كانت سنةُ ولادتِكَ أنتَ؟ فقلتُ : في العامِ نفسه 1926م، فما كان منهُ إلّا أنْ انتفضَ صائحا ً: وأنا كذلكَ من مواليد العام 1926م، إذا ً..فقد وُلِدتِ العبقريّة ُ الإبداعيّة ُ في هذا العامِ تحديدا ً.ثمَّ يستكملُ بلند روايته قائلاً: وحين ذكّرتُهُ أنَّ عبد الوهاب البياتي أيضاً من مواليدِ سنة 1926م، انبرى رافضا ً متبرّماً مدّعيا ً أنّ ولادة البياتي لم تكن في عام العبقريّة، إنَّما قد تكون في العام 1925م، أو العام 1927م، رغبة ً من السيّاب في إبعادِ صفةِ العبقريّةِ عن البياتي مع سبق الإصرارِ والترصّد.) ولدَ بدر شاكر السيّاب في 1926م، وتوفّاه الله في 24/12/ 1964م، في المستشفى الأميري بالكويت، وحُمِلَ جثمانه إلى البصرة، ودفنَ في مقبرة الحسن البصري)
    الهامش الثاني - ذكرَ سعدي يوسف في شهادتِه عن السيّاب (انطباعات رفيق) أنّه كان منتمياً للحزب الشيوعي العراقي في مدينة البصرة في نهاية الأربعينييات، ولأمرٍ ما تمَّ نقلُ ارتباطهِ التنظيمي إلى مكانٍ آخرَ، فأعلمه مسؤولهُ السابقُ أنّ رفيقا ً جديداً سيتّصلُ بهِ ، بعدما يتبادلانِ كلمة َ الارتباطِ (السر) ....إلخ، وحين تمَّ الارتباط ُفعلاً (كما روى سعدي) وجدَ أنّ الرفيقَ الجديدَ كانَ قصيرَ القامةِ، هزيلاً، شاحباً، يميلُ وجهه إلى الاصفرار، وكانت آذانه كذا، وأسنانه كذا، وعيناه كذا، وحينّ تمَّ التعارفُ بينهما، علمَ أنّ اسمَ مسوؤلِهِ الجديد ِ هو بدر شاكر السيّاب. ومعَ أنّ ما ذكرهُ سعدي من أوصافٍ لشكلِ السيّابِ وهيئتهِ كانت صحيحة ً، فإنّ ما يُلاحظ ُ في هذهِ الشهادةِ أنها غمزَتْ من قناةِ السيّابِ مرّتين: الأولى حينَ ركّزتْ على الشكلِ دون أن تكترثَ لمضمونهِ الإنساني، أو جوهرهِ الداخليّ، أو إبداعهِ التحديثيّ المدهشِ، والثانية حين أشارَ إلى أنَّ المعاجمَ العربيّة َ خلوٌ من معنى كلمة " سيّاب" وهو غمزٌ آخر يُشير إلى أنّ الكلمة ليست عربيّة ً. ومعَ أنَّ السيّابَ لم يكن وسيما ً، أو مغريا ً للغانياتِ الباحثاتِ عن الفرسانِ الموصوفينَ بالوسامةِ والغنى، إلّا أنّ زميلاتِهِ طالبات دار المعلّمين العالية ببغداد (كنَّ) يتناوبنَ على قراءةِ ديوانِهِ الشعريِّ ليليّا ً، وكانت كلّ ُ واحدةٍ منهنّ تحلمُ أن تكونَ مشروعَ قصيدتِهِ القادمةِ، في حين كانَ هوَ يتمنّى أن يتبادلَ مع ديوانِهِ المنزلةَ والمكانةَ والأدوارَ من غيرِ التواءٍ في التمنّي:
    ديوانُ شعر ٍ ملؤهُ غزلُ
    بينَ العذارى راحَ ينتَقِلُ
    أنفاسيَ الحرّى تهيمُ على
    صفحاتهِ، والحبّ ُ والأملُ
    وستلتقي أنفاسهنَّ بها
    وترفّ ُ في جنَباتِهِ القبَلُ
    *****
    يا ليتني قد كنتُ ديواني
    لأفرَّ من صدرٍ إلى ثانِ
    قد بتّ ُ من حسدٍ أقولُ له:
    يا ليتَ من تهواكَ تهواني
    ألكَ الكؤوسُ ولي ثُمالتُها؟
    ولكَ الخلودُ، وإنّني فانِ؟
    ولعلَّ مشكلةَ الشكلِ هي التي سبّبت إعراضَ من أحبَّ عن الاستجابةِ لنداءِ قلبِهِ الكسيرِ، وقد أوضحت قصيدةُ [ أحبّيني] التي كتبَها لـ "لوك نوران الفرنسيّة من أصلٍ بلجيكي" تلكَ المعاناةَ على نحوٍ صارخ ٍ لم نألفْهُ عند غيرِهِ من الشعراء:
    وما من عادتي نكرانُ ماضيَّ الذي كانا
    ولكنْ..كلَّ من أحببتُ قبلكِ ما أحبّوني
    ولا عطفوا عليَّ، عشِقتُ سبعا ً كنَّ أحيانا
    ترفّ ُ شعورُهنَّ عليَّ، تحملُني إلى الصينِ...إلخ.
    الهامش الثالث – وردت تانِكَ الشهادتانِ في الندوةِ العالميّةِ التي أقيمت في العشرين والحادي والعشرينَ من كانون الثاني(يناير) سنة 1995م، في معهد العالمِ العربيِّ بباريسَ إحياءً للذكرى الثلاثينَ لرحيلِ السيّابِ، وهي الندوةُ التي عزَّ إقامة ُ نظيرِها في وطنهِ، أو في أيّ مكانٍ آخر، وقد شاركَ فيها العشرات من رموزِ الشعرِ والكتابةِ العربيّةِ والفرنسيّة ِأمثال: سلمى الخضراء الجيّوسي، وصلاح استيتيّة، والياس خوري، ومحمّد بنّيس، وأحمد عبد المعطي حجازي، وصبري حافظ، وفاروق مردم بك، وصبحي حديدي، ومحمّد سعيد الصكَار ، وكاظم جهاد، وجبّار ياسين، وشوقي عبد الأمير، وصلاح انيازي ، وبلند الحيدري، وسعدي يوسف، وكاتب هذه السطور، وغيرهم، أمّا الشعراء والكتاب الفرنسيين فقد كان منهم: جاك لاكريير، وميشيل بلتو، وجنفييف كلاتسي، ودومينيك غرانمون، وآلان جوفروا، وبرنار نويل، وسيرج ببّي، وسيرج سوترو، فضلاً عن قراءةِ كلمات لم يستطع كتّابها الحضور إلى باريس، فقُرأت نيابة ً عنهم كما في كلمة محمود درويش الموسومة بـ "ابن تاريخ الشعر العربي ومحوّل مجراه" ورسالة غيلان بدر شاكر السيّاب إلى المشاركين في تكريمِ أبيهِ المعنونة " لو كان أبي بيننا " ورسالة اعتذار لميعة عبّاس عمارة لعدم تمكّنها من الحضورِ، وغيرها من الرسائلِ، إلى جانبِ قيام الإذاعات المحليّة بالاحتفالِ بذكرى السيّابِ، وتغطيتِها فعّاليّات الندوةِ باللغتينِ العربيّةِ والفرنسيّة، وهو دليلٌ آخر على أهميّةِ ما أنجزهُ السيّابُ في حركةِ الحداثةِ الشعريّةِ، فإذا كان السيّابُ حاضرا ً في مدينةِ النورِ عند نهر السين آنذاك، فهو اليوم يحضرُ في مدينةِ الضبابِ عند نهر التايمس بفضلِ مؤسّسةِ الحوار الإنساني الثقافيّة ليذكّرنا بقولِهِ: ولندنُ ماتَ فيها الليلُ، ماتَ تنفّسُ النور ِ
    الهامش الرابع – ذكرَ السيّابُ في رسالتِهِ إلى سهيل إدريس في 7/5/1958م،أنَّ استلهامَهُ للأساطيرِ اليونانيّةِ كانَ بسببِ كونِها أجنبيّة ً لا تحتملُ الجدلَ والنقاشَ في قضيّةِ الوثنيّةِ ، أو الإيمانِ، لأنَّ الرموزَ العربيّة َ قد ارتبطت بالوثنيّةِ، ومعنى هذا أنَّه لو استخدمَها فقد يُتّهمُ بترويجهِ للرموزِ الوثنيّة ِ على حسابِ رموزِ الإيمانِ، فلم يستخدمْ رموزَ "بعل" أو "أنات= اناة" في المرحلةِ الأولى من التوظيف لأنّه خشيَ من التقوّلِ والاتّهام ، إنّما عادَ إلى هذهِ الرموز ِ بعد مرحلة ِ توظيفهِ للرموزِ الإغريقيّةِ وشيوعِ استخدامها، وهو يذكرُ: أنَّ " أدون" يساوي السيّد، وهو أدونيسُ، وقد انتقلَ هذا الاسمُ إلى الإغريقِ عن طريقِ الفينيقيينَ، فهو في الأصلِ رمزٌ عربيٌّ كانَ أهلُ بابلَ يطلقونَ عليهِ "تمّوز" وأنَّ هذا الاسمَ قد انتقلَ إلى البلدانِ العربيّةِ انتقالاً لفظيّا ً بتغييرٍ طفيفٍ، وقد وصلَ اليمنَ، حتّى أنَّ إحدى مدنِ اليمنِ تُسمّى باسمهِ، فـ" تعز" هي مختصر "تاعوز" وتاعوز هو تموز، أمّا في المرحلةِ اللاحقة ِ فقد استخدمَ السيّابُ الرموزَ العربيّة َكـ"إرم ذات العماد" وأسطورةَ " يأجوج ومأجوج"، وَ" عروة وحزام" اللتينِ أضافَ لهما الخيال الشعبي الكثير من الزيادات الغرائبيّة.
    الهامش الخامس – لاعلاقة َ لديوانِ السيّابِ الثاني الموسوم بـ" أساطير" المطبوع في مطبعة الغريّ الحديثة بالنجف سنة 1950م بتوظيفِ الأساطير، لأنّه عبارة ٌ عن قصائدَ وجدانيّةٍ غنائيّةٍ موّهَ بدرٌ بتسميتِها" أساطير" كي لا يكشفَ أنّ الكثيرَ من تلكَ القصائدِ قد كتبها في الشاعرة ِ لميعة عبّاس عمارة التي كان يحبّها حبّاً جمّاً، وتكشفُ بعضها أنّها زارته في جيكور حين تمّ فصلهُ من دار المعلمين َ العاليةِ سنة ً دراسيّة ً واحدة لنشاطهِ النضالي، ولعلّ مقدّمة َ القصيدة التي سُميَ الديوان باسمها تكشفُ عن ذلك التمويه، فقد جاء فيها : " وقف اختلافهما في المذهبِ حائلاً بينهما وبينَ السعادة،فآلى هوَ أن يلعنَ الأوثانَ ". ولكي يبعد الشكَّ عنه وعن لميعة أضاف َ بين معقوفتينِ اثنتينِ جملة َ[ قصّة في اليونان القديمة.]
    وللوقوف على وجدانيّاتهِ في لميعة تُنظرُ القصائد: أساطير، واتبعيني، وسوف أمضي، وهوىً واحدُ، ولن نفترق، ولا تزيديه لوعة، و ملال، ونهاية. لكنّه في سنواتِه الأخيرةِ ألغى تحفّظه ذاكَ، وأعلن عن بوحهِ بوضوح ٍ لا تمويهَ فيه، لاسيّما في قصيدتيه:" أحبيني" التي كتبها في باريس في 13/3/ 1963م ،و " سفرأيوب المقطع الثامن" التي كتبها في لندن في 2/1/1963م. قال في الأولى:
    وتلكَ، وتلكَ شاعرتي التي كانت ليَ الدنيا ومافيها
    شربتُ الشعرَ من أحداقِها ونعَستُ في أفياءْ
    تنشِّرُها قصائدُها عليّ : فكلّ ُ ماضيها
    وكلّ ُ شبابِها كانَ انتظارا ً لي على شطّ ٍ يهوّمُ فوقهُ القمرُ
    وتنعَسُ في حِماهُ الطيرُ رشَّ نُعاسَها المطرُ
    فنبّهَها فطارت تملأ ُالآفاقَ بالأصداءِ ناعسة ً
    تؤجّ ُ النورَ مرتعشا ً قوادمُها وتخفِقُ في خوافيها
    ظلالُ الليلِ. أينَ أصيلنا الصيفيّ ُ في جيكورْ؟
    وسارَ بنا يوسوسُ زورقٌ في مائهِ البلّوْرْ
    وأقرأ ُ وهي تُصغي والربى والنخلُ والأعنابُ تحلُمُ في دواليها؟
    تفرّقتِ الدروبُ بنا نسيرُ لغيرِ ما رجعة ْ،
    وغيّبَها ظلامُ السجنِ تونسُ ليلَها شمعة ْ.
    وقال في الثانية:
    ذكرتُكِ يا لميعة ُ والدجى ثلجٌ وأمطارُ،
    ولندنُ ماتَ فيها الليلُ، ماتَ تنفّسُ النورِ
    رأيتُ شبيهة ً لكِ شعرُها ظُلمٌ وأنهارُ،
    وعيناها كينبوعينِ في غابٍ من الحور ِ
    مريضا ً كنتُ تُثقلُ كاهلي والظهرَ أحجارُ،
    أحِنّ ُ لريفِ جيكور ِ
    وأحلمُ بالعراقِ: وراءَ بابٍ سدّتِ الظلماءُ
    بابا ً منهُ والبحرُ المزمجرُ قامَ كالسورِ
    *****
يعمل...
X