إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الرحلة الروحية والغربة بالكيان الشعري عند بدوي الجبل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الرحلة الروحية والغربة بالكيان الشعري عند بدوي الجبل

    بدوي الجبل

    إكتشف سوريا




    الكيان الشعري عند بدوي الجبل

    الرحلة الروحية
    ذكرنا قبل قليل أن السراب في مظهره الثالث عند بدوي الجبل يعبر عن العطش الذي يقود للماء الحقيقي الذي هو «ليلى» أي الذات الإلهية، وحضورها يعبر عنه خيام ليلى!!.
    وبالتالي فالرحلة الروحية عبر الصحراء، هي رحلة روحية للاتحاد بالذات الإلهية، هذه الرحلة يعبِّر عنها بدوي الجبل في قصيدته «الكعبة الزهراء» التي أهداها الشاعر إلى أعتاب «أبي الزهراء محمد» (صلى الله عليه وسلم)، وكان قد أصر الشاعر على جامع ديوانه أن يضعها في أول الديوان تكريماً لصاحب المقام.
    وفي بداية القصيدة يناجي الشاعر «مكة» وقد اختار من أسمائها «أم القرى» المحمَّل بعبق الإسلام والتاريخ العربي يقول في مطلعها:
    بنورٍ على أم القرى وبطيــبِ
    لثمتُ الثرى سبعاً وكحلت مقلتي
    وأمسكتُ قلبي لا يطير إلى منىً
    فيا مهجتي: وادي الأمين محمد
    هنا الكعبة الزهراء والوحي والشذا
    ويا مهجتي: بين الحطيم وزمزم

    وفي الكعبة الزهراء زينت لوعتي *** غسلتُ فؤادي من أسى بلهيبِ
    بحسنٍ كأسرار السماء مهيبِ
    بأعبـائـــه من لهفةٍ ووجيب
    خصيبُ الهدى والزرعُ غير خصيبِ
    هنا النور فافني في هواه وذوبي
    تركتُ دموعي شافعاً لذنوبي
    وعطّرَ أبوابَ السماء نحيبي

    يقول أ.عريفي: «الشاعر بدأ رحلته هذه إلى المزار الشريف، وهذه الرحلة ركن من أركان الإسلام الخمس. وإذا ما أراد الإنسان الشروع في أي واحد منها، يجب أن يكون في حالة خاصة. وفي مقام خاص. فإذا ما أراد الصلاة يجب أن يطهِّر بدنه على سبيل المثال، وإذا ما أراد الحج يجب أن يطهر روحه، وشاعرنا أراد الحج، فكيف طهر روحه؟
    وهنا طهارة الروح تكون بطهارة الفؤاد (القلب) لذلك قال شاعرنا «غسلت فؤادي» وفي هذه الصورة الشعرية لا يكون الغسيل بالماء، وإنما بالنور والطيب.
    وهو يريد تطهيره من أعباء الحياة، يريد أن يجعله فارغاً من كل شيء إلا من حب حبيب هواه واشتدت لهفته ووجيبه للقاه. لقد أفرغ قلبه من كل شيء يشوبه، وسار في موكب الروح، ولذلك وجدناه يذرف دموعه بين الحطيم وزمزم».
    يشير أ.عريفي إلى الرحلة الروحية التي يحدثنا عنها بدوي الجبل إلى أعتاب الكعبة الزهراء حيث الوحي والشذا والنور، حيث يقول:
    مواكبُ كالأمواج عجّ دعاؤها
    وردّدتِ الصحراء شرقاً ومغرباً
    تلاقوا عليها من غني ومعدم
    نظائرٌ فيها: بُردُهم بردُ محرمِ *** ونار الضحى حمراء ذاتُ شبوبِ
    صدى نغمٍ من لوعةٍ ورتوبِ
    ومن صبيةٍ زُغب الجناحِ وشيبِ
    يضوعُ شذا: والقلبُ قلب منيب

    في قراءة لهذه القصيدة يذكر أ.عريفي: «وبعد طول طريق ومجاهدة، يصل البدوي إلى غايته ومناه، وإذا بالرمال الكئيبة العنيفة تتبدل، وتصبح جمالاً، ضاحكاً، ناعماً، وذاك فعل الحب الذي بدل من قبل الصحراء، فجعلها صحراء شوق، ومفازة خير، وأسطورة يرويها العشاق، وها هي الآن تتحول حسناً، ضاحك الدل، ناعماً»:
    وبدّلتُ حسناً ضاحك الدلّ ناعماً
    ومن صحب الصحراء هام بعالمٍ

    وللفلك الأسمى فضول لسرها *** بحسنٍ عنيفٍ في الرمال كثيبِ
    من السحر جني الطيوفِ رهيبِ
    ففي كل نجمٍ منه عينُ رقيبِ

    وكذلك:
    أشمُّ الرمال السمرَ في كل حفنةٍ
    على كل نجدٍ منه نفح ملائكٍ
    توحدتُ بالصحراء حتى مغيبها

    ومن هذه الصحراء صيغت سجيتي *** من الرملِ: دنيا من هوىً وطُيوبِ
    وفي كل وادٍ منه سرُّ غيوبِ
    ومشهدها من مشهدي ومغيبي
    فكلُّ عجيب الدهر غير عجيبِ

    وماذا رأى بدوي الجبل في الصحراء أيضاً؟
    أرى بخيال السحب خطوَ محمد
    وسمرَ خيامٍ مزّق الصمت عندها

    وناراً على نجدٍ من الرمل أوقدت *** على مُخصب من بيدها وجديبِ
    حماحم خيلٍ بُشِّرَت بركوبِ
    لنجدة محروم وغوثِ حريبِ

    يقول أ.عريفي: «لا يخفى ما في هذه الأبيات من رموز يبثها الشاعر البدوي في رحلته الروحية، فخطو محمد هي "قدم الصدق" في طريق الهدى، والمخصب اسم مكان من "خصب الهدى"، وسمر الخيام وهي ما يسميه الصوفية "خيام ليلى" والتي تعني الذات الإلهية، أما النار الموقدة على نجد من الرمل»، فهنا يشير أ.عريفي إلى أن البدوي يسلك نهج جده الأكبر المكزون السنجاري في صوفيته.
    الغربة
    يبقى أن نشير أخيراً إلى أنه إذا كانت الصحراء هي المكان الذي تنبت فيه الأشواق للقاء الخالق، فالغربة هي صحراء النفس التي تنبت فيها الأشواق والحنين للعودة إلى الوطن.
    قد يكون الوطن في أقصى معانيه إحدى رموز الذات الإلهية، فمنه خرجنا وإليه نعود. من هنا، توحد معنى الغربة عند بدوي الجبل في حنينه للوطن مع حنين الروح إلى بارئها، وهكذا نعود من حيث بدأنا في رؤية الكيان الشعري عند البدوي حيث يتخذ حضور المكان في البعد الأفقي «الصحراء» وهي «غربته أيضاً» و«المعاناة» في حنين الروح في بعدها العمودي.
    نعود للأستاذ عريفي الذي يقول: «البدوي الذي يملؤه حنين بعودة الروح إلى بارئها، هو ذاته البدوي الذي يملؤه حنين بعودة الجسد إلى وطنه، وفي الحالتين كلتيهما تتمثل لشاعرنا قصة موسى:
    وفاءٌ كمزن الغوطتين كريم
    وشعرٌ كآفاق السماء تبرجت
    تطوحني الأسفار شرقاً ومغرباً
    وأسمع نجواها على غير رؤيةٍ *** وحبٌّ كنعماء الشآم قديم
    شموسٌ على أنغامه نجوم
    ولكن قلبي بالشآم مقيم
    كأني على طور الجلال كليمُ

    وحين يقول الشاعر في «الكعبة الزهراء»:
    هتكت حجاب الصمت بيني وبينها
    حبست بها جنية معبديَّــةً *** بشبابةٍ سكرى الحنين خلوبِ
    وفرّجت عن غمّائها بثقوبِ
    ورمز "الشبابة" صورة واضحة عن الاغتراب الروحي الذي تعاني منه نفس شاعرنا، و"الشبابة" هنا رمز للنفس البشرية لأنها قُطِعَت من أصلها الأم "الشجرة" وأُبعِدَت عنها مثلما أُبعِدَت الروح عن موطنها الأول "خالقها" فهي في حنين دائم إليه».
يعمل...
X