إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الشعر والتربية الشعرية - سلمان إسماعيل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الشعر والتربية الشعرية - سلمان إسماعيل

    الشعر والتربية الشعرية


    وفجأة يغدو الشعر حاجة ثانوية عند كثير من المهتمين بالفنون الأدبية، وعند الآخرين، ممن لا تدخل الفنون في اهتماماتهم، لا يغدو الشعر حاجة على الإطلاق، يصبح ترفاً، مضيعة، لا يستحق أن يولى اهتماماُ،. أو يمنح لحظة تتطلبها مشاغل الحياة المختلفة.
    وتتلخص التساؤلات حول قيمة الشعر في ثلاثة:
    - من غير الشاعر يبحث عن الشعر؟ "وهذا يجعل الشعر حاجة تخص الشعراء وحدهم ".
    - ما مردود الشعر على المتعامل معه؟ "تساؤل يلح على نفعية مباشرة من الشعر".
    - ألا تستمر الحياة من دون شعر؟ "وهو تساؤل ذو طابع تهكمي يستنكر تأثير الشعر على الحياة،
    ومن بين الأسئلة السابقة يبدو الأخير ادعاها للضحك والهزء لماذا؟ لان الحياة تبدو تسير حقا، ولا يلمح للشعر موضع في مناطق التأثير على السيرورة والانتقال.. لكن، هل لهذا الاستنكار الضمني مصداقية مطلقة حقا
    إن في الحياة من العقلاء والجادين تماماً من يسألون الشعر دوراً، ومن يسندون له وظيفة، من يطلبون إليه أن يفعل شيئا، أن يخدم قضايا الناس، ولعل الوظيفة "الدور " هي التي نوعت هذه المواقف المتباينة من الشعر، ضده أو معه أوهي التي استدعت له شكلا واستبعدت آخر.
    ترى. هل يمكن أن تتهم وسائل التوصيل والتعميم في مسألة توليد هذه المواقف المتباينة من الشعر.. والتي تمتد من النظر إليه نافلة أو حاجة هامشية إلى تحميله أدواراً جادة، إلى تلك التي لاترى الحياة طيبة بدونه ؟ هل نسارع فنتهم الصحافة والمنتديات الثقافية ؟
    الواقع ان صفحات كثيرة ما تزال تستقبل الشعر في الصحف اليومية، والمجلات الدورية وما تزال دور النشر تتقبل المجموعات الشعرية وتد فع لمصنفيها المكافآت، وما تزال "عكاظات" الشعر تقام في اكثر من قطر عربي، وما تزال المؤسسات الثقافية تخصص للشعر حصصا ليست له في العالم غير الغربي..!
    إذا، هل يمكن ان نتحول إلى اتهام المخيلة العربية، وهل هو موقف من الشعر عربيا ام ان الظاهرة ذات طبيعة استطراقية لا يبرأ منه العالم من غيرنا أيضا؟
    في محاولة البحث عن جذور هذا الانصراف عن الشعر العربي تختلط الاستنتاجات، وتفتقر الأحكام، غالبا، إلى كثير من التحفظ ولكن الانطباعات العفوية التي تجمع من حفلة سمر عشوائية مرتجلة يطرح فيها حديث الشعر بشكل عرضي مفاجئ، يمكن أن تتلامح جوانب مهمة من " الظاهرة "* ومع قليل من الترتيب والتأليف لشهادات المتحلقين يمكن ان تفرز الأحكام إلى بابين يفيدان في دراسة ما عن واقع الشعر وعلاقته بالبشر.
    القصيدة التقليدية تكتسب الصفات التالية وهى ليست صفات تندرج في سياق واحد- مطربة- مريحة- سهلة- مفهومة- أحيانا مملة- هينة- مألوفة- قليلة الابتكار- تبدو معادة أو هى متضمنة في نماذج سلفية غالبا- تجنح للخطابية والابلاغية المباشرة ، وتتورط بتحقيق أغراض الفخر والقدح، ونادرا ما تبرأ من البجاحة الذاتية.. إلى ما هنالك.
    القصيدة المسماة بالحديثة : وهناك صعوبة في الاتفاق على نموذجها ولا يستبعد الاختلاف في منح بعض نماذجها صفة الشعر " الكتابات التي تخرج عن الأوزان خاصة" صعبة- غريبة- مقبضه أحياناً- صعبة القراءة- متنوعة النغمات- متباينة المستويات- صعبة الحفظ- عصية على الشرح غالبا- ميالة للسوداوية- تستخدم اللغة لغير ما استخدمت له تاريخيا - كثيرة الاحتفال بالرموز والأساطير والإيماءات والإحالات- تفتقد السلاسة غالبا- الخ.
    وبالمقارنة البسيطة السريعة بين الموقفين وبعد عزل التفصيلات والتداخلات تتبين لنا لا أزمة الشعر الحديث كما اصطلح على توصيف الظاهرة و إنما الانحيازية المدرسة إلى جهة السلفي من فنون القول بفعل ظروف كثيرة، فالمدرسة حفظت الطالب، وما تزال قصيدة كتبت على طريقة إيقاعية مؤسسة وطالبته بشروح واضحة وتطبيقات بيانية وبلاغية وموسيقية تكفلتها كتب القواعد المستقرة، وتعاملت مع الشعر على انه وثيقة تاريخية واجتماعية بالدرجة الأولى، ولم تعامل الكتابة الشعرية الجديدة باحترام الجديد، والاجتهاد في فهم آلية تشكله، ولم تتح له فرصا كافية لتمييزه من الجمهور.. فما تزال المناهج تخضع لرقابة التقليديين المحافظين ومباركة تلامذتهم الأوفياء المتحمسين.
    المشكلة، إذا تتمثل في موقف المدرسة والمدرّس قبل أي مؤثر آخر، واغلب المتذوقين للشعر الجديد والمهتمين به ، صادف أن تحرروا من إسار الكتب المدرسية، والتقوا مع القصيدة الجديدة في صحيفة يومية أو مجلة دورية نوعية، أو أمسية تقيمها مؤسسة ثقافية، أو حتى في شريط مسجل يحمل قصيدة مهربة. وما لم تتبن المناهج، بعيدا عن ردود الأفعال ، صيغة متوازنة ومسئولة إزاء الإبداع الشعري والتجارب المختلفة ، فلن يعود للشعر جمهوره وستبقى الغمغمة والبلبلة طابع كثير من المواقف، لان الواقع يعكس فقدان القصيدة التقليدية سحرها. وعجز القصيدة الجديدة أن تمسك بجمهور معقول.. لجهل المتلقي، أو لفقر القصيدة تقنيات الإغواء الفني.. والشعر فن، مثل غيره، يحتاج إلى تربية نوعية. لا حرج أن تسمى التربية الشعرية.
يعمل...
X